عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-07-2007, 07:15 PM
الصورة الرمزية زبيدة احمد
زبيدة احمد زبيدة احمد غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: حمى ربي ونصيري
العمر: 43
المشاركات: 3,612
معدل تقييم المستوى: 20
زبيدة احمد is on a distinguished road
الصدق سيف الله في ارضه

الصدق سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه

فإن الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال، وأسمى المهام، وهي وضيفة الأنبياء والرسل، ومن اقتفى أثرهم من الجن والبشر، فحري وقمن لمن حمل عبأها أن يكون من أهل الصدق في الأقوال والأفعال إذا أراد رضا العلي المتعال ، وهي تنبني على أصلين عظيمين. أولهما: الدعوة إلى الله بإخلاص وصدق، وثانيهما: الإذن من الشارع في ربط الخلق بالحق، قال الله تعالى مبينا هذا الأمر العظيم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ) ، وتأمل في قوله تعالى: ( وداعيا إلى الله ) ومعنى ذلك أن من دعا الناس إلى منهج محدث، وربطهم بحزب أو طريقة مبتدعة، أو جمعهم حول فرقة محدثة، أو فكرة زنجة، وجعل الولاء والبراء على بنودها وما سطره منظروها فقد خالف هذا الأصل العظيم، وليس بعيد أن يكون واقعا في معرة الشرك والعياذ بالله .
و أما معنى قوله تعالى: (وداعيا إلى الله بإذنه)، فالمراد من الآية الإذن من الشرع الحاكيم في ربط الناس بالحق الثابت المبين، لقوله سبحانه وتعالى في آية الشورى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فمن زعم أنه مخلص في دعوته، وصادق في سيره إلى الله تعالى؛ إلا أنه اجتهد -مع جهل جليّ بالشريعة- في إيجاد سبل وطرق يربط بها الخلق بالخالق، وتعيد للمسلمين حضارتهم المسلوبة، -مع أن هذه طرق لم يدل عليها الشارع ولا يعرفها الصدر الأول من بزل الإسلام كما هو شأن الفرقة المعاصرة من الإخوان المسلمين والتبليغ والفرق الضالة التي تزعم الجهاد في ديار الإسلام-، فهو كاذب في دعواه، مبتدع في اجتهاده، وواقع في منكر كبير، وضلال مبين، فمهما زعم أنه يخدم الإسلام، ويسعى إلى إدخال الناس في دين الرحمن، فإنه في الوقت نفسي قائمٌ على نخر أصول الدين، وسائرٌ إلى طمس معالمه، وتغيير أبوابه وفصوله، فالمفاسد الناجمة من دعوته المبتدعة أشد وأعظم من المصالح التي يدعي تحقيقها.
ومن هذه المقدمة الموجزة نخلص إلى قاعدة متينة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء فقال: [من دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومن دعا إلى الله بغير إذن منه فقد ابتدع].
فإذا حقق الداعية إلى الله الأصلين العظيمين، وجب في حقه أن يكون متصفا بالصدق الذي هو سيف الله في أرضه، والذي ما وضع على شيء إلا بتره، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، والصدق في الدعوة إلى الله روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، وهو أساس الدعوة وعمودها، وهو فسطاط المتقين وساحة المجاهدين، به تميّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران كما قال ابن القيم عليه من الله وابل الرضوان.
وقد أخبر تعالى أن سبيل النجاة تكون لأهل الصدق يوم الدين فقال تعالى في سورة المائدة: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وقد أمر الله تعالى أهل الإيمان من الدعاة إلى الله وغيرهم بأن يكونوا مع الصادقين فقال تعالى في سورة التوبة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ).
وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن العبد لا ينفعه يوم القيامة ولا ينجيه من عذاب الله تعالى إلا صدقه مع ربه فقال سبحانه: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في المدارج (2/258): (فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله، فالصدق في هذه الثلاثة:
فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها.
والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد.
والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة، وبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به: تكون صديقيته).
فالصدق كما قال رحمه الله: (هو الحق الثابت، المتصل بالله، الموصل إلى الله، وهو ما كان به وله، من الأقوال والأعمال).
فأيها الإخوة الكرام: من أنجى كعب بن مالك من خزي النفاق، وجرم التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أليس الصدق؟
أخرج الإمام مسلم في صحيحه كتاب التوبة، وأصل الحديث في البخاري؛ أن كعب بن مالك قال: (فلما جلست بين يديه –صلى الله عليه وسلم- قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسك بعض مالك، فهو خير لك)، قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، قال وقلت: يا رسول الله إنَّ اللهَ إِنَّما أَنجَانِي بالصِّدق، وإنَّ مِن تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِث إلاّ صدقاً ما بقيت.
قال: فوالله ما علمتُ أنّ أحدا من المسلمين أَبلاه الله في صدق الحديث، منذُ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسنَ ممّا أبلاني الله به، والله ما تعمدتُ كذِبةً منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجوا أن يحفظني لله فيما بقيت).
الله أكبر، الله أكبر!. ما أحوجنا إلى الصدق في عهد صار للكذب زمان يباح فيه!!.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: (وقد أمر الله تعالى رسوله: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا)، وأخبر عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين، فقال: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)، وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق، ومقعد صدق، فقال: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ)، وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)، فهذه خمسة أشياء: مدخل صدق، ومخرج صدق، ولسان صدق، وقدم صدق، ومقعد صدق)اهـ.
طرحت هذا الباب الهام وإن كان سبقني إلى زبر فصوله علماء كرام، تذكرة لي، ولكل من تأمم الدعوة إلى الله، ونصيحة الخلق، والكتابة في باب الحرام والحلال، أن يكون الصدق نبراس طريقه حتى لا يكدر الشيطان عليه سيره، فإنه أعاذنا الله من شره لا أرب له في خربة لا شيء فيها.
فإن الداعية الصادق مطلوبه رضى ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابه، فهو متقلب فيها يسير معها أين توجهت ركابها، ويستقل معها أين استقلت مضاربها، فالصادق يارعاكم الله بينا هو في صلاة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، إذ رأيته في ذكر مشروع، ثم في حج، ثم في عمرة، ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره، ثم في أمر بمعروف، أو نهي عنة منكر، ثم في عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو نصر مظلوم، ولا تراه أبدا مقيدا برسم أو عادة كما هو حال كثير من شبابنا هداهم الله، تراهم بعد انتهاء الصلاة يستندون إلى سواري المسجد أو حائطه ويشرعون في القيل والقال، وكثرة الكلام الذي لا يعود عليهم بالنفع والنماء، ولو خالط الصدق قلوبهم لهرعوا إلى المصاحف للنظر فيها، وحفظ ما أمكن حفظه، وإلى كتب أئمة العلم لدراستها وجمع فوائدها وفرائدها.
إننا لما لم نحقق الصدق في دعوتنا كما أمر الله، وغلبنا جانب القياس والاجتهاد الفاسد، والمصلحة المزعومة، وتظاهرنا بالوصاية على الدين من غير كد أو جهد في تعلم فصوله، وأكثرنا من الطعن في بعضنا بالظنون والأوهام الكاذبة، اضطربت أحوالنا، وتصدع صفنا، وتسرب من خلال الصدع أهل التصنع والإشارات، حتى آل بنا الأمر أن اختلى مخرجنا ومدخلنا، وصار بأسنا بينا شديدا، وشعرنا بالذل والهزيمة، وأضحى بعض شبابنا يبتغي العزة والنصرة عند أهل الأهواء لقهر أخيه من أهل الحديث، ونسوا أن يمتثلوا قوله تعالى: (وقل ربّ أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا).
إن الصادق حقيقة هو الذي قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه والسير إليه، والاستعداد للقائه، والتوبة من زلاته، ومن تكون هذه حاله لا يحتمل سببا يدعوه إلى نقض العهد مع الله بوجه من الوجوه، لاسببا وطنيا، ولا جمعويا، ولا حزبيا، ولا جهاويا، ولا قبليا، ولا.....!!.
وفقنا الله جميعا للتحلي بالصدق في الدعوة إلى الله، فالصدق طمأنينة والكذب ريبة، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

وكتبه: أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري .

رد مع اقتباس