عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-10-2012, 11:59 AM
الغروب الغروب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 29,452
معدل تقييم المستوى: 10
الغروب is on a distinguished road
۩۞۩ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ۩۞۩

بسم الله الرحمن الرحيم


وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (الحج 27)

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد أوجبه الباري (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران- 97]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».

وهو واجب في العمر مرة واحدة، وشروط وجوبه الإسلام والعقل والبلوغ والاستطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟، فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» [رواه مسلم]، وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة.

الحج لغة: القصد، الحج شرعاً: قصد مكان مخصوص في زمن مخصوص لعمل مخصوص، والمكان هو مكة، والمشاعر والزمن أشهر الحج، ومنها أيام الحج، والعمل الطواف والسعي والوقوف بعرفة وأعمال الحج.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي فرضَ الحج على عباده إلى بيته الحرام، ورتَّب على ذلك جزيل المعروف والإنعام، فمَن حجَّ البيت ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيًّا من الذنوب والآثام، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أفضل مَن صلَّى وزكَّى وحجَّ وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وأدّوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته الحرام حيث استطعتم إليه سبيلاً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام»(1)، وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه فرض الحج على عباده فقال جلَّ وعلا: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97] .

تأمَّلوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ حيث صدَّر الآية ببيان فَرْضه على جميع الناس ولكنّه بفضله ورحمته قيَّد ذلك بقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وقد أخَذَ بعض العلماء من هذه الآية أن مَن استطاع أن يحج إلى البيت ولم يحج فإنه كافر لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ولكنّ جمهور العلماء يقولون: إن المراد بالكفر هنا ليس الكفر الأعظم بل هو كفر دون كفر وهذا هو الحق لقول عبد الله بن شقيق رحمه الله: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»(2) .

فريضة الحج ثابتة بكتاب الله وسنَّة رسوله وإجماع المسلمين عليها إجماعًا قطعيًّا؛ ولهذا قال العلماء: مَنْ أنكر فريضة الحج فقد كفر؛ يعني: لو قال إنسان: إن الحج ليس بفريضة ولكنّه سنَّة مؤكّدة لَكَان كافرًا إلا إذا كان الإنسان حديث عهد بإسلام أو في بادية بعيدة عن المدن والعلْم فإنه يُعلَّم ثم إن أَصرَّ بعد التعليم على أنها ليست بفريضة كان كافرًا .

أيها المسلمون، إن من الناس مَن ابتُلِيَ بالبخل على نفسه: تجده قادرًا ببدنه غنيًّا بماله ولكنّه يتكاسل ويتهاون ويُسَوِّفُ ويقول: العام القادم أحج ولا يدري أيدركه الموت قبل العام القادم أو لا، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا ترك الحج تهاونًا مع القدرة ثم مات فإنه يلقى الله تعالى ناقصًا ركنًا من أركان الإسلام ولا ينفع أن يحج عنه ورثتُه .

أيها المسلمون، كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه ! كيف يبخل الإنسان على نفسه بالمال وهو يُنفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه ! كيف يوفّر نفسه عن التعب في الحج وهو يُرهق نفسه في التعب في أمور دنياه ! كيف يتثاقل فريضة الحج والحج لا يجب في العمر إلا مرّة واحدة ! كيف يتراخى في أدائه وهو لا يدري لعلّه لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه !

فاتَّقوا الله - عباد الله - وأدّوا ما فرض الله عليكم من الحج تعبّدًا لله عزَّ وجل، وانقيادًا لحكمه، وسمعًا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36] .

إن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام في هذا الباب، قسم من الناس: يتهاون بِما أوجب الله عليه من الحج ويسوّف ويُمهل نفسه ولا يدري أيدركه الموت قبل أن يحج أم لا، وقسم آخر: يرى أن من المؤكّد أن يحج كل عام فلا يدع الحج ولو كان صرف المال في غيره أفضل ومع ذلك تجده حريصًا جدًّا على الحج وهو متهاون بِما هو أعظم من الحج وأفضل من الحج، تجده يبذل المال في الحج ولو كثيرًا ولكنّه لا يؤدّي الزكاة أو يؤدّي بعضها ويتهاون في بعضها وربما يحرص على الحج كثيرًا ولكنّه إذا قام إلى الصلاة قام على كسل ومهل وتهاون، بل إن من الناس مَن يحرص على الحج كثيرًا ومع ذلك فإنه لا يصلي أبدًا وهذا الذي لا يصلي أبدًا لا يَحِل له أن يدخل مكة ولا حدود حرمها ولا يُقبل منه حج أو عمرة ولا صدقة ولا صيام؛ ذلك لأنه كافر، الذي لا يصلي كافرٌ كفرًا أكبر مخرجًا عن الملّة لا يقبل الله منه صَرْفًا ولا عدلاً، يقول الله عزَّ وجل: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54] .

أما القسم الثالث من الناس فهو: المتوسّط الذي يؤدّي ما أوجب الله عليه من الحج ويعلم ويؤمن بأن الحج لا يجب إلا مرّة وما عدا ذلك فهو تطوّع، ثم هو يقدّم بعض التطوّع على بعض إذا رأى أن غيره أفضل، فمثلاً: لو كان الإنسان مُحتاجًا إلى أن يتزوّج وقد حجَّ حَجّ الفريضة فإننا نقول له: صَرْفُ المال في الزواج أفضل من صرفه في الحج، ولو كان في المسلمين مجاعة و مسغبة وهو قد حجَّ الفريضة فإننا نقول له: إن صرف النفقات في حاجات المسلمين أفضل، ولو احتاج المسلمون إلى نفقات للجهاد فإن صرف النفقات في الجهاد أفضل من صرفها في حج التطوّع ولو احتاجت جهة من البلد - أي بلد إسلامي يؤمَن من الفتنة في إقامة المساجد فيه - لو احتاجت إلى مسجد فإن صرف الدراهم في المسجد أفضل من صرفها في الحج إذا كان قد أدّى الفريضة؛ لذلك ينبغي للإنسان أن يُقارن بين الأعمال وبين الفاضل والمفضول منها ولْيتّبع ما هو أفضل وأرضى لله عزَّ وجل .

أيها المسلمون، إن من تمام رحمة الله ومن بالغ الحكمة أن جعل لفرائضه حدودًا وشروطًا؛ لتنضبط الفرائض وتتحدَّد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشروط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان، ومن هذه الفرائض: الحج الذي فرضه الله على عباده ولكنّه جعل لفرضه حدودًا وشروطًا لا يجب على المسلم إلا بها، فمن ذلك: البلوغ، فمَن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه ولكنّه لو حج فله أجر إلا أنه إذا كان في حجه مشقّة عليه وعلى وليّه وكان يشغل وليّه عن الإتيان بِما هو أفضل من نسكه فإن الأولَى ألا يحجّج بل يبقى حلالاً؛ حتى لا ينشغل بِما يشقّ عليه ولا ينشغل وليّه بِما يُلْهيه عن أداء نسكه على الوجه الأكمل لاسيما في هذا العصر الذي يكثر فيه الزحام والمشقّة .

ويحصل البلوغ في الذكور بواحد من أمور ثلاثة، الأول: إنزال المني، والثاني: تمام خمس عشرة سنة، والثالث: نبات شعر العانة، وفي الإناث يحصل البلوغ بواحد من هذه الثلاثة وبزيادة أمر رابع وهو: الحيض، فمَن لم يحصل منه واحد من ذلك فإنه ليس ببالغ ولا يلزمه الحج .

ومِن شروط وجوب الحج: أن يكون الإنسان مستطيعًا بماله وبدنه؛ لأن الله تعالى شرط ذلك للوجوب في قوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، فمَن لم يكن مستطيعًا فلا حج عليه، والاستطاعة بالمال: أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائدًا عن حوائج بيته وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن وقضاء ديون حالَّة؛ وعلى هذا فنقول: مَنْ كان عليه دَيْن حالٌّ فإنه يجب عليه قضاؤه قبل أن يحج، ومَنْ كان عليه دَيْن مؤجّل وقد وثِق من نفسه أن يوفيه في وقت حلوله وكان عنده ما يحج به فلْيحج، ومَنْ كان عليه دَيْن مؤجّل ولكنه ليس واثقًا من قضائه في محلّه وعنده دراهم فلْيبْقها للدَّين الذي يَحِل عليه فيما بعد ليؤدّي الدَّين، وأما مَنْ حج وعليه دَين حالٌّ ولم يوفِهِ فإنه آثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم»(3)، ونحن إذا قلنا الدَّيْن فلا نعني بذلك: الدَّيْن المعروف عند الناس والذي يسمّى عند العلماء: مسألة التورّق، ولكنّنا نريد بالدَّين: ما هو أعم من ذلك، فالدَّين: كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع أو أجرة منزل أو غير ذلك مِمَّا يتعلّق بالذمة؛ لأن قضاء الدَّين مهمّ جدًّا، «حتى إن الرجل لَيُقتل في سبيل الله شهيدًا فتكفّر عنه الشهادةُ كل شيءٍ إلا الدَّين فإنها لا تكفّره»(4)، وحتى إن الرجل لَيموت وعليه الدَّين، فيروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أن «نفسه معلّقة بدَيْنه حتى يُقضى عنه»(5)، «وحتى إن الرجل لَيُقدّم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه فإذا سأل أَعَلَيه دين ؟ فقالوا: نَعم، تَرَك الصلاة عليه وقال: صلّوا على صاحبكم، فلمّا فتح الله عليه - أي: على النبي صلى الله عليه وسلم - وكثر المال عنده صار صلى الله عليه وسلم يلتزم بقضاء الدَّين عن الميت ويصلي عليه»(6) .

أما الاستطاعة بالبدن: فأن يكون الإنسان قادرًا على الوصول بنفسه إلى البيت - أي: إلى مكة - بدون مشقّة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت أو يستطيع الوصول إلى البيت ولكن بمشقّة شديدة كالمريض فإننا ننظر: إن كان يُرجى أن يستطيع في المستقبل انتظر حتى يستطيع ثم يحج فإن مات قبل ذلك حُجّ عنه من تركته، فإن كان لا يُرجى أن يستطيع في المستقبل كالكبير والمريض الذي أُيِسَ من برئه فإنه يوكِّل مَن يحج عنه من أقاربه أو غيرهم فإن مات قبل التوكيل حُجّ عنه من تركته .

ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة مَحْرم فليس على المرأة حج حتى تجد مَحْرمًا يحج معها؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى البيت إلا بالمحرَم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: «لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي مَحْرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّة وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك»(7)، فأمَرَه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الغزو وأن يحج مع امرأته ولم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - منه هل كانت امرأته شابة أم عجوزًا ؟ وهل كان معها نساء أم لا ؟ وهل كانت جميلة أو قبيحة ؟ وهل كانت آمنة أو غير آمنه ؟ وهو دليل على أن المرأة يَحرم عليها السفر على أي حال وعلى أي مركوب طائرة أو سيارة أو سفينة أو غير ذلك إلا بمحرَم وهو زوجها وكل مَنْ يحرم عليه نكاحها تحريمًا مؤبّدًا كالأب وإن علا والابن وإن نزل والأخ وابن الأخ وإن نزل وابن الأخت وإن نزل والعم والخال سواء كان ذلك من نسب أو رضاع، وكذلك مَنْ هُمْ محارم بالمصاهرة كأب الزوج وابن الزوج .

أيها المسلمون، مَنْ رأى من نفسه أنه استكمل شروط وجوب الحج فلْيبادر به ولا يتأخر؛ فإن أوامر الله ورسوله واجبة على الفور بدون تأخير، والإنسان لا يدري ما يحصل له في المستقبل، وقد يسَّر الله لنا - ولله الحمد - في هذه البلاد ما لم يُيَسِّره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء النسك، فقابلوا - أيها المسلمون - هذه النعمة بشكرها، وأدّوا ما فرض الله عليكم قبل أن يأتي أحدَكم الموتُ فيندم حين لا ينفع الندم، واسمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: 54-58] .

أيها الإخوة، مَنْ حج على الوجه الشرعي مُخلصًا لله متَّبعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد تَمَّ حجه سواء كان قد تُمِّمَ له أم لا وسواء كان قد قضى ما عليه من صيام رمضان أم لم يقضِ، أما ما توهَّمه بعض العوام أن مَن لم يُتَمَّم له فلا حج له فهذا غير صحيح؛ فلا علاقة بين التميمة والحج، وكذلك ما توهَّمه بعض الناس من أنه إذا كان عليه قضاء من رمضان فإنه لا يحج فهذا أيضًا لا صحةَ له ولا أصل له .

اللهم إنّا نسألك علْمًا نافعًا وعملاً صالِحًا مُتقبّلاً ورزقًا طيِّبًا واسعًا تغنينا به عن غيرك يا رب العالمين .

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .

ويقصد بأنه واجب على الفور أي متى ما توافرت شروط وجوبه، فلا يجوز تأجيله بل يبادر إليه، ومن العلماء من يرى أنه على التراخي، ورجح بعضهم الوجوب على الفور وعليه فمن وجب الحج في حقه ثم أجله من غير عذر وإنما تهاونا وتفريطا فإنه يأثم بذلك.



الاستطاعة



من شروط وجوب الحج الاستطاعة لقوله تعالى (من استطاع إليه سبيلا)، ومن لم يستطع فلا حج عليه، وهذه الاستطاعة تكون بالمال والبدن فإن الحج يحتاج إلى نفقة وهناك أعمال سيقوم بها فلا بد أن يكون معافى يستطيع القيام بها، وكذلك الأمن على نفسه فإن تعذرت الاستطاعة فلا حج عليه وهذا من يسر الإسلام.



الحج إلى مكة فقط



قال تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) [المائدة- 97]، قد يستغرب ويتساءل من يعلم أن ممن يدعي الإسلام من يحج إلى غير مكة، فهناك بعض الناس يحج إلى مزارات الأولياء وقبور الصالحين ويكون لهم أوقات يذهبون إلى هذه الأماكن لغرض العبادة عندها ويظنون أنها أماكن مقدسة في الإسلام والحقيقة أن الإسلام بريء من تلك الأعمال، وما يقومون به فيه مضاهاة لحج الإسلام وهو قصد مكة والبيت الحرام الذي عظم شأنه الله، وأماكنهم التي يذهبون إليها لم يذكر الذهاب إليها لا في كتاب الله ولا سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بل جاء التحذير من كل بدعة في الدين لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، فليتفطن كل مسلم إلى تصحيح عقيدته وأعماله ويعلم أنه لا يزاحم الحج إلى مكة أي حج آخر لأي مكان وأن لا طواف إلا حول بيت الله الحرام، ومن أراد التقرب إلى الله فليعبده بما شرع، ومن أراد التقرب إلى غيره فقد ضل، وسينال عقوبته من الله على باطله وانحرافه.



أعذار يتعلق بها من يؤجل الحج



1- أن العمر فيه متسع فإن لم يحج هذا العام فسيحج العام المقبل وهكذا يسوف حتى تمضي الأعوام وهو لم يحج، وربما لا يمتد به العمر، أو يفقد الاستطاعة فيما بعد فيكون آثما لهذا التفريط.

2- هناك من يظن أن الحج لا يصح إلا بعد الزواج ويربط بين الزواج والحج وهذا غير صحيح فالشاب المستطيع يجب عليه الحج، ولو افترضنا أنه أجل الزواج إلى سن الأربعين فهل يؤجل الحج إلى هذه السن؟!

3- منهم من يعتذر بتأخير الحج مع أنه مستطيع بأن الحجاج عددهم كثير والزحام شديد وهو لا يحب الزحام وهذه شبهة تدل على الترف وحب الراحة، ولا شك أن الحج فيه أعمال تحتاج إلى التعب وبذل الجهد والتحمل في سبيل الله وهو مأجور على ذلك، والحج أيام قلائل سريعا ما تمضي فلماذا يتركه من يخشى التعب والزحام، فليسأل العبد ربه الإعانة ويتوكل على الله ويجزم على أداء هذه الفريضة.



ماذا ينبغي أن يعمل من أراد الحج؟

1- الإخلاص لله في هذا العمل وفي جميع الأعمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

2- طلب الرفقة الصالحة التي تعينه على الطاعة وتذكره إذا غفل وتهيئ له بيئة صالحة ليس فيها معاص، وفي هذا الزمن فليحرص الحاج على اختيار حملة الحج التي تحرص على الحج بما يوافق الأعمال الشرعية ولذلك تجدهم يمنعون التدخين وسماع المعازف في حملتهم وهذا من صالح الحاج حتى يؤدي إلى سلامة حجه ويكون حجا مبرورا.

3- أن يكون المال الذي سيحج به حلالا ومن كسب طيب.

4- الحرص على تسديد الديون ورد المظالم إلى أهلها وهذه خصلة ينبغي الحرص عليها في كل وقت وخاصة من يريد السفر والخروج من بلده.

5- الاستعداد لهذه العبادة بمعرفة أحكام الحج والذي يجب أن يعمله من أعمال الحج، وأي عبادة لله لا بد من معرفة أحكامها عند القيام بها حتى تحصل على الوجه المشروع.

6- الشعور بأن العبد يمتثل أمر ربه عند القيام بهذه الفريضة والاستفادة منها في تجديد التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي وخاصة أن الحج إذا قبل منه فسيرجع الحاج بلا ذنوب وأن هذا الحج سيكون له الأثر في تغيير حياته إلى القرب من ربه أكثر.



فضل الحج وأنه سبب لمغفرة الذنوب



عن ابن المسيب قال: قالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة» [رواه مسلم].

وقال تعالى (الحج أشهر معلوما ت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) [البقرة- 197]، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري].

الرفث: الجماع، ولم يفسق: قال ابن حجر: لم يأت بسيئة ولا معصية ومما يدل على فضل الحج حديث النبي صلى الله عليه وسلم «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه مسلم].

وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. [رواه البخاري].

الحج المبرور: قال ابن خالويه: هو المقبول، وقال النووي: الذي لا يخالطه شيء من الإثم.

وليدرب نفسه من أراد الحج على حسن الخلق والصفح عن الناس والعفو عمن أخطأ عليه، وهذا مما يجعل حجه مبرورا، ولعلنا نكمل الموضوع بذكر أركان الحج وواجباته وبعض أحكامه.

أعاننا الله وإياكم على أداء ما افترضه علينا ورزقنا جميعا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا.



[FONT="Arial"][SIZE="3"]منقول

رد مع اقتباس