الموضوع: اليهووووووود
عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 27-05-2005, 02:05 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

من هو اليهودي..؟ قراءة في كتاب المؤرخ اليهودي البولوني إيزاك دويتشر ـــ نصر الدين البحرة

بين الأعمال التي تركها الكاتب السوري الراحل نجاة قصاب حسن، كتاب أهداني نسخة منه عنوانه "من هو اليهودي". وقد كتب على غلاف هذا الكتاب الذي ترجمه عن الفرنسية أن مؤلفه هو اليهودي "الماركسي" اسحق دويتشر. وكنت أعرف أن هذا الكاتب هو يهودي بولوني كان عضواً في الحزب الشيوعي البولوني بين سنتي 1927 و1932، ذاك أنه طرد من الحزب بعد خمس سنوات.‏

وقد عرفت دويتشر في الأصل "1907-1967" من خلال كتابه المشهور الذي ترجم إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة بينها العربية بعنوان: "ستالين. سيرة سياسية" ويذكر الأستاذ قصاب حسن في المقدمة التي وضعها للكتاب أنه "مختارات مما كتبه دويتشر نشرتها بعد وفاته قريبة له هي تمارا دويتشر" ويوضح أن ما دفعه إلى ترجمة هذا الكتاب أنه "يحمل وجهة نظر في القضية اليهودية، مهما يكن موقفنا منها فإنها جديرة بأن تقرأ" وذلك من أجل "إطلاع القارئ العربي على وجهة نظر في القضية اليهودية، كتبها يهودي معاصر، لا هو صهيوني، ولا هو نجا من الانحياز للحركة الصهيونية في بعض المواقف".‏

وعلى الرغم من صعوبة التمييز عندي بين اليهودي المؤمن بالتوراة والتلمود، وبين الصهيوني وعلى الرغم من قناعتي بأن الشخص لا يمكن أن يكون صهيونياً في بعض المواقف ولا صهيونياً في مواقف أخرى، فهو صهيوني أو غير صهيوني فحسب، فإنني أود أن أتساءل من جانب آخر هل في المستطاع أن يكون المرء ماركسياً ويهودياً، وصهيونياً في بعض المواقف؟ ذاك هو مضمون السؤال الذي نهض في نفسي، وأنا أقلب صفحات هذا الكتاب.‏

ضوء.. من طفولة دويتشر‏

لا بأس، على كل حال في أن ننظر قليلاً في طفولة دويتشر، في مقتطف آخر من مقدمة الكتاب، فهو "من الجيل المخضرم الذي عرف في صغره تربية دينية كانت تؤهله ليكون رجل دين، ربانياً "حاخاماً" للمؤمنين بالمذهب الحّيدي من اليهود، ثم انتقل من هذا الموقف إلى موقف ملحد يستطيع الحديث عن اليهودية بأقل ما يمكن من التأثر بتقاليدها الراسخة. وكان في حدوده ومقاييسه واحداً من أولئك اليهود اللايهود، الذين وصفهم هو نفسه، بأنهم وقفوا على مصلّبة الحضارات والثقافات واللغات والأديان، ونالوا شهرتهم لهذا السبب بالذات." وهو يعني بالطبع أمثال سبينوزا، وهايني وفرويد وتروتسكي وروزا الوكسمبورغ.‏

لننظر إذاً، في شأن هذا اليهودي "الماركسي" أولاً، واليهودي -اللايهودي ثانياً، واليهودي المنحاز في بعض المواقف إلى جانب الصهيونية ثالثاً، واليهودي الواقف على مصلّبة - أو: تقاطع الحضارات والثقافات والأديان واللغات رابعاً.‏

شاعر يستوحي تاريخ اليهود‏

لقد بدأ دويتشر فعاليته الثقافية بكتابة الشعر، كما تقول تمارا دويتشر كاتبة سيرته وكان في هذه الأشعار- يقدم في صياغة جميلة مستعارة من تاريخ اليهود "وكان يمزج الرومانسية البولونية بالفولكلور الشاعري اليهودي، ليقيم جسراً يصل بين الثقافة البولونية وبين ثقافة اليديش" واليديش هي لغة يهود شرق أوروبا- ويتكلم بها بعض يهود الولايات المتحدة، وبينهم ايزاك- اسحق باشيفيز سنجر الذي نال جائزة نوبل عام 1978، وهي خليط من العبرية والألمانية القديمة -وبعض المفردات السلافية ومفردات محلية أخرى- ثم هجر الشعر وانصرف إلى النقد الأدبي ودراسة الفلسفة والاقتصاد. وبعد أربع سنوات من انتسابه للحزب الشيوعي البولوني عام 1927، قام برحلة كبيرة إلى الاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي كانت فيه الدولة الوليد تعاني من صعوبات كثيرة.. بعد الحرب الأهلية الضارية التي عاشتها.‏

في هذه الأثناء بدأ التعارض بين أفكار دويتشر وبين ما يقول به الشيوعيون في بلاده، وأدى ذلك إلى طرده من حزبهم عام 1932.‏

وبعد سنوات قليلة سافر إلى لندن مراسلاً لصحيفة يهودية بولونية، كان يعمل فيها مصححاً قبل أربعة عشر عاماً من مغادرته وارسو في نيسان 1939.‏

وبدأت رحلته الطويلة، مع الكتابة والتجوال في البلدان الأوروبية حتى توفي في روما عام‏

1967.‏

ما الذي يصنع اليهودي‏

لا يرى دويتشر في حديثه عمن هو اليهودي شيئاً مشتركاً بينه وبين يهود الـ "مياشاريم" مثلاً، أو بينه وبين أي جماعة أخرى من القوميين الإسرائيليين، لكنه يتعاطف مع اليسار الماركسي في إسرائيل" وفي الآن ذاته يرفض أن يكون "العِرْق" هو ما يصنع اليهودي، فما الذي يصنعه إذاً؟! يستطرد قائلاً:‏

"الدين؟ أنا ملحد. القومية اليهودية؟ أنا مؤمن بالأممية، ولذلك فأنا لست يهودياً في أي من المعنيين. ومع ذلك فأنا يهودي بفعل تضامني غير المشروط مع الناس الذين يطاردون ويبادون. أنا يهودي لأنني أحس أن الفاجعة اليهودية هي فاجعتي الشخصية، لأنني أحس تحت أصابعي نبض التاريخ اليهودي، لأنني أريد أن أصنع كل ما في وسعي لأوفر لليهود أماناً واحتراماً للذات أصيلين لا مزيفين".‏

هذا إذاً، هو اعتراف مبدئي، نلاحظه بادئ ذي بدء.. لدى دويتشر.. على أن دويتشر، في دفاعه عن اليهودي "اليهودي" يمضي أبعد من هذا، فيدافع عن جريمة قتل يهودية بدافع ديني، تشبه تماماً الجريمة اليهودية التي وقعت في دمشق، وكان ضحيتها الراهب المسيحي توما الكبوشي "لمزج دمه بخبز الفصح" عام 1840.‏

الجريمة التي يشير إليها دويتشر، وقعت عام 1912، ودارت حولها في "كييف" بأوكرانيا محاكمة، عرفت الجريمة فيها باسم "بايليس" ويوضح أن موضوعها كان جريمة قتل بدافع ديني" إنه يكتفي في تعليقه على هذه الجريمة بكلمتي: "قيل" و"اتُّهم": "قيل إن يهودياً هو بابليس اتهم بقتل طفل مسيحي ليمزج دمه بخبز الفصح"‏

دفاعاً عن قاتل طفل‏

ويمضي دويتشر وهو يصف المجرم بأنه ضحية قائلاً: "وانقض على الضحية رجال "المئة السود" وهم جماعات من الرجعيين والشاذين، وانقض معهم الروم الأرثوذكس الذين أثارتهم القيصيرية" ثم ينتهي إلى الحديث عن "اللاسامية" في روسيا، مقارناً بينها وبين اللاسامية في أوروبا، من خلال مسألة اليهودي الفرنسي "دريفوس" الذي اتهم بالخيانة العظمى، والاتصال بالعدو الألماني، وهو ضابط في الجيش الفرنسي عام1898.‏

ومع أن دويتشر يستطيع التمييز جيداً بين أوروبا والأمم الأوروبية وبين النظام النازي في ألمانيا، فإنه يحمّل أوروبا مسؤولية ما فعله هتلر باليهود -ساخراً من الأمم الأوروبية "المتمدنة" التي لم يخطر ببال "اليهود غير المؤمنين" أنها "يمكن أن تنحط في القرن العشرين إلى هاوية من البربرية، عميقة إلى حد يجعل كلمة التضامن الإنساني- ترن في الآذان اليهودية كشتيمة وسخرية".‏

ويردد دويتشر الأكذوبة نفسها التي حوكم المفكر الفرنسي روجيه غارودي لأنه دحضها وفنّدها، عنيت أكذوبة "الملايين الستة" من يهود أوروبا الذين يقول إنهم ذبحوا على يد النازيين. ولست أرمي بالطبع إلى نفي الوقائع التي قتل في أثنائها هؤلاء الناس -فأنا أريد أن أشير فحسب إلى المبالغة في تعداد الضحايا.. فهم في حدود مليوني إنسان، كما يقدر بعض مؤرخي اليهود أنفسهم، مما ذكره غارودي في دفوعه.‏

كأن اليهودي ترك حرفته التاريخية‏

إن دويتشر في حماسته في الدفاع عن "اليهود لا يتوقف عند شتم الأوروبيين الذين "لم يترك مصير اليهود الأوروبيين إلا القليل من الأثر" عليهم، بل يعود إلى النغمة القديمة في حكاية اليهودي "فما هو فاجع أكثر من غيره في الوضع اليهودي هو أن الجماهير في أوروبا تعودت، نتيجة تطور تاريخي طويل، على أن تنظر إلى اليهودي من جهة، وإلى التجارة والمضاربة والربا والربح من جهة أخرى، على أنهم شيء واحد" كأن اليهودي في أوروبا خاصة توقف عن ممارسة حرفته التاريخية في التجارة والمضاربة والربا والربح!‏

وفي تضليل فكري واضح Demagogy يبرر أولاً انعزالية اليهود الأوروبيين الذين "بقوا كجماعة منفصلة، أي كونهم يمثلون اقتصاداً تجارياً في وسط أناس يعيشون في نطاق اقتصاد طبيعي" ويأسف -نيابة عن اليهود- لأنْ "تكون الأمم الأوروبية وهي تتخذ موقفاً ضد الرأسمالية، لم تفعل ذلك إلا بصورة بالغة السطحية خاصة في النصف الأول من هذا القرن".‏

ويتابع هذا الخط التضليلي حين يرى أن الأمم الأوروبية -وليست طبقات معنية منها- "لم تهاجم ما يشكل نواة الرأسمالية، أي علاقات الإنتاج ونظام الملكية والعمل وإنما هاجمت مظهرها الخارجي والعتيق جداً، وكان يهودياً في الواقع والغالب، ههنا عقدة الفاجعة اليهودية".‏

ويدافع عن إقامة الكيان الصهيوني‏

لقد لاحظه دويتشر نفسه تناقضه وذاته فيما هو يحاول الفصل بين اليهود الرأسماليين، وبين نواة الرأسمالية، فإذا هو يعتمد التضليل من جديد، ويستعير من علم النفس مفهوم "العقدة" ليبرر به هذا التناقض: عقدة الفاجعة اليهودية ودون أي ترابط موضوعي بين ما تقدم، وبين النتيجة العجيبة التي انتهى إليها، يقول: "كل هذا قاد اليهود إلى أن يروا في إيجاد دولتهم الخاصة بهم المخرج الوحيد المحتمل".‏

إذاً، فإنه يدافع أيضاً عن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، دون أن يذكر كلمة واحدة "كماركسي.. على الأقل" عن الصهيونية وارتباطها بالرأسمال العالمي عامة واليهودي -الصهيوني خاصة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.‏

وفي هذا السياق يندفع نحو الوقوع في تناقض آخر. إنه يشيد بالعدمية القومية "في عصر تصغّر فيه الطاقة الذرية مقاييس العالم بصورة مستمرة، وبدأ العالم فيه رحلته بين الكواكب، ويكفي فيه دقيقة على الأكثر، بل بضع ثوانٍ على الأكثر، ليمر قمر صناعي فوق بلاد واسعة، أليس واضحاً أن التكنولوجيا في مثل هذا العصر تجعل وجود الدولة- الأمة مضحكة وشيئاً بالي الطراز- كما كان شأن الإمارات الصغيرة الأوروبية في القرون الوسطى في عهد الآلة البخارية" ويرى أن الدولة الناشئة -بعد تحررها من الاستعمار- تشكل "مرحلة" لا غنى عنها في تاريخ بعض الشعوب، ولكنها مرحلة، وعلى هذه الشعوب أن تتجاوزها لتعطي لوجودها إطاراً أوسع مع ذلك فإن شأن دولة إسرائيل مختلف في هذا المجال. لماذا؟‏

"لأن العالم أجبر اليهودي على اعتناق مبدأ الدولة -الأمة، وأن يجعلها أمله وفخره، في الوقت عينه الذي لم يعد يجد فيه أبداً، أو تقريباً بذرة الأمل، وليس اليهود هم الذين يجب أن يلاموا على ذلك، ولكن العالم هو الذي يجب أن يحمل الملامة".‏

.. بماذا يختلف حديث اسحق دويتشر هذا عما كان يقوله بن غوريون أو غولدا مئير أو مناحيم بيغن.. أو هرتزل نفسه؟‏

سبينوزا: اليهود استجروا كراهيتهم‏

ويستشهد دويتشر بكلمة لا لبس فيها ولا غموض ذكرها الفيلسوف اليهودي الهولاندي سبينوزا -باروخ (1632-1677) إذ قال متحدثاً عن اليهود "إنهم قد استجروا كراهية العالم بأسره، بانفصالهم عن جميع الشعوب الأخرى". ثم لا يجد حرجاً في العودة إلى التأكيد مرة أخرى أنه "لو لم تكن اللاسامية قد ظهرت راسخة الجذور -شديدة الاستمرار- عظيمة القوة في الحضارة المسيحية في أوروبا، لما كان اليهود قد ظلوا موجودين كجماعة متميزة، ولكانوا ذابوا في غيرهم تماماً".‏

إن أكثر من ثلاثة قرون تفصل بين ما قاله سبينوزا، مؤكداً مسؤولية اليهود أنفسهم عن "انفصالهم عن جميع الشعوب الأخرى" وبين ما يقوله دويتشر عاكساً به الواقع تماماً.. فإذا كان في القرن السابع عشر "لاسامية" ضد اليهود، فلماذا اعتبر سبينوزا أنهم هم المسؤولون عن الانفصال إن لم يكونوا هم بالفعل المسؤولين عن ذلك؟ وفي هذه الحال يبقى كلام دويتشر مغالطة.. ودون معنى..‏

ثم يصل إلى ماركس‏

ومع أن موقف كارل ماركس كان واضحاً من اليهود.. وخاصة في كتابه "المسألة اليهودية إذ رأى أن إله اليهودي الحقيقي هو المال، فإن دويتشر -ما دام يرى أنه ماركسي- يلجأ إلى نوع من المداهنة والتضليل والتلاعب بالحقائق، أكثر منه تلاعباً بالكلمات، فهو يكتب "أن ما جعل ماركس يقول إن إله اليهود الحقيقي هو المال ليس روحاً شريرة من "المسحوماد"، فلا ينبغي أن نرى في هذه الجملة إدانة معنوية لليهودي، وإنما هي تأكيد مؤسس على الوقائع، يتناول وظيفته الخاصة في المجتمع المسيحي. وكان ماركس يعلن بعد ذلك أن المجتمع المسيحي، بمقدار ما كان يصبح رأسمالياً أكثر فأكثر، فهو يصبح يهودياً أكثر فأكثر".‏

ألا يبدو التناقض بيّناً أكيداً في كلام دويتشر؟ إن ماركس لم يربط بين اليهودي وبين عبادته المال فحسب- بل توقف ملياً عندما يمكن أن نسميه: مسألة الممارسة وهذا ما عناه عندما قال: "يجب ألا نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل.. عن سر الدين في اليهودي الواقعي".‏

حتى الهرطيقي اليهودي: يهودي‏

ويقدم دويتشر برهاناً مدهشاً، على احتفاظ اليهودي بيهوديته في مختلف الأحوال الفكرية التي يمكن أن يمر بها، حتى "الهرطيقي" اليهودي الذي يجدف، ويظهر أنه حاد عن سبيل الديانة اليهودية.. يظل يهودياً، فهو يقول:‏

"إن الهرطيقي اليهودي الذي يجاوز اليهودية جزء من تقليد يهودي. يمكن إذا أردتم أن تعتبروا الـ "آخر" كنموذج لهؤلاء الثوريين الكبار في الفكر الحديث: سبينوزا وهايني وماركس وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وفرويد. ويمكن لمن يشاء أن يضع هؤلاء الآخرين في قلب تقليد يهودي".‏

وبعد أن يتساءل إن كان الأثر الذي تركوه في الفكر الإنساني بسبب "عبقريتهم اليهودية الخاصة" ينفي اعتقاده "بذكاء ينفرد به عرق مهما كان" ثم يستطرد قائلاً: "ومع ذلك فإنني أرى من بعض وجهات النظر أنهم كانوا بالفعل يهوداً جداً" فما هو بعض وجهات النظر هذه؟!‏

يواصل دويتشر حديثه عن هؤلاء الرجال قائلاً: "لقد عاشوا على الحدود أو في الأحياء اليهودية "الغيتو" في قومية كل منهم. وكان كل واحد منهم، في الآن نفسه، ضمن محيطه وخارجه، عضواً في وسطه، وغريباً عنه"‏

حديث عن سبينوزا وأجداده‏

ولست أدري تماماً، ما إذا كان حديثه هذا عن عقدة اغتراب اليهودي التاريخية Alienation، قد جاء عفوياً أو مقصوداً، إلا أنه بعد سطور قليلة، يكرس واحداً من أولئك اليهود "غير اليهود" يهودياً خالصاً، هو سبينوزا كما جاء في شهادة مؤرخ انكليزي بروتستانتي كتب سيرة سبينوزا فقد قال: "لا يمكن إلا ليهودي أن يثير في فلسفة زمانه مثل هذه الزعزعة" إذاً، فإن عبقريته الفلسفية ترجع إلى كونه يهودياً قبل أي اعتبار آخر، كما يرى دويتشر.‏

وربما كان في حديثه عن الازدواجية الدينية التي عاشها أجداد سبينوزا، ما يساعدنا في إلقاء ضوء آخر على نفسية اليهودي، يقول دويتشر:‏

"كان أجداده -سبينوزا- قبل وصولهم إلى البلاد الواطئة، من "المرّان" وهم يهود متخفون، يهود القلب، ومسيحيون في الظاهر، كالكثير من أبناء دينهم الاسبانيين الذين فرض عهد التفتيش عليهم المعمودية. وما إن أقاموا في هولاندا حتى عادوا إلى اليهودية.‏

ويستعرض دويتشر سمات عامة مشتركة بين أولئك المفكرين اليهود "غير اليهود" كإيمانهم بالحتمية فقد كانوا "جميعهم يؤكدون أن العالم تقوده قوانينه النابعة منه. ولم يكونوا يرون في الواقع مجرد تشابك من الحوادث. ولم يعتقدوا أن التاريخ تصنعه أهواء الحكام ونزواتهم" ففرويد على سبيل المثال يقول: "ليس هناك شيء عارض في أحلامنا وشطحات جنوننا" الخ..‏

من هذه السمات أيضاً أن أولئك المفكرين كانت "طريقتهم في التفكير جدلية Dialectical وبدت لهم الحقيقة متحركة لا ساكنة" وكانوا يؤمنون "أن المعرفة لكي تكون واقعية فيجب أن تكون فعالة" ومن هنا استنتج دويتشر قاسماً مشتركاً بين سبينوزا وماركس، هو محصلة الأطروحة السابقة:‏

عقدة دويتشر اليهودية‏

"كان سبينوزا هو الذي قال: أن تكون معناه أن تعمل. وأن تعلم معناه أن تعمل. وليس هناك سوى خطوة واحدة بين هذا القول وجملة ماركس التي تقول: حتى الآن فسّر الفلاسفة العالم. ومنذ الآن يتعين عليهم أن يغيروه".‏

بعد كل هذا تلح على دويتشر عقدته اليهودية، وهي أشبه بداء "الجرب" الذي يدفع المصاب به إلى أن يحك جلده بين وقت وآخر، فإذا هو ينعى على أولئك المفكرين اليهود غير المؤمنين كما يصفهم تفاؤلهم الذي منعهم من تخيل ما تخبئه الأيام ليهود أوروبا. يقول دويتشر:‏

"كانوا متفائلين في جوهرهم. ولقد بلغ تفاؤلهم ذرى ليس من السهل علينا أن نرتقيها في الوقت الحاضر. فلم يكن يخطر لهم أن أوروبا "المتمدنة" يمكن أن تنحط في القرن العشرين إلى هاوية من البربرية عميقة إلى حد يجعل كلمة التضامن الإنساني في الآذان اليهودية كشتيمة" هايني وحده استطاع بحدس الشاعر -يقصد دويتشر الذهنية التنبئية اليهودية- أن يتنبأ بالكارثة "عندما حذر أوروبا من عودة قوة الآلهة الجرمانيين القدامى التي كانت تنبعث" وكانوا يضحكون مما يقول "عندما كان يصرّح مستنكراً أن مصير اليهودي المعاصر فوق كل تعبير، وفوق كل فهم".‏

حين يتعلق الأمر باليهود‏

بلى.. إن دويتشر الذي يزعم أنه ماركسي، لا يستطيع أن يميز بين السلطة الطبقية الحاكمة في ألمانيا النازية- وليست أوروبا كلها كما يزعم- وبين الجماهير الكادحة المذلة المهانة، المضطهدة، المسحوقة، والتي سحقتها النازية أيضاً حين يتعلق الأمر باليهود.‏

وينتقل دويتشر إلى دفاع مباشر عن الصهيونية، مميطاً اللثام عن وجهه، يهودياً وصهيونياً في الآن ذاته، ففي حديثه عن الصهيونية بعد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا يعترف بأن "الحركة الصهيونية كانت تدير ظهرها للثورة، أو تحاول في أحسن الأحوال أن تتجاهل الثورة، غير أنه لم يكن في هذا موضوعياً، ما يدين الصهيونية كمذهب خطر وضار. وكان القول بأن الصهيونية تهدد الثورة الروسية بالخطر، قولاً خاطئاً ومضحكاً، بالنظر إلى ما تتصف به جميع التنظيمات اليهودية في روسيا من عجز كامل.‏

لقد كتب دويتشر هذا الكلام قبل أكثر من ثلث قرن، من انهيار الدولة السوفييتية، فهل في الكرة الأرضية كلها، من يجادل اليوم في الدور الذي لعبته المعاول اليهودية والصهيونية في تحطيم وتدمير هذه الدولة؟‏

لماذا هاجم الستالينية‏

ولم يهاجم دويتشر الستالينية لممارستها القمعية في الاتحاد السوفييتي، بل لأنها لم تكن متعاطفة مع اليهود.. فهو يقول "وفي هذه الفترة بدأت في الاتحاد السوفييتي، في فترة إبعاد تروتسكي- اليهودي الآخر- عن الحزب والقيادة تلميحات عن "الأخلاط مقطوعي الجذور. وكانت الازدواجية تتجلى في أن أحداً لم يلفظ أبداً كلمة "يهودي" ولكن الناس كانوا يفهمون تماماً، من هم هؤلاء: الأخلاط مقطوعو الجذور".‏

.. مع ذلك فإنه اضطر إلى الاعتراف بالدور التخريبي الذي لعبه اليهود في الدولة الجديدة "ففي المدينة كانوا يطاردون على أنهم "أخلاط بلا جذور" يعارضون تقدم الاشتراكية في روسيا. وفي الريف كانوا محل بغضاء الفلاحين الذين يرون في اليهودي البلشفي كاغانوفيتش المسؤول الرئيسي" الذي أدار حملة فرض المزارع الجماعية بالقوة.‏

ويستطرد إلى الحديث عن كراهية الروس لليهود العاملين في التجارة قائلاً "فاليهود من صاحب الدكان الصغير إلى المحتكر والمتعيّش، كانوا يطفون دائماً على أمواج التقلبات الكبرى. وكل منهم يجتذب إلى نفسه النفور العميق من جانب الأهلين الروس" ثم ما يلبث دويتشر أن يفسر أسباب نفور الأهلين الروس من اليهود، في الوقت الذي يريد فيه تبرير سلوكهم التجاري، وما فيه من جشع وتكالب على المال. ذلك أن اليهود الروس بادروا إلى الإسراع في الابتعاد عن المدن الروسية متجهين نحو الشرق خلال الحرب العالمية الثانية وهناك لم يمنعهم شيء من العودة إلى أصولهم في التجارة والاحتكار والابتزاز. يقول دويتشر:‏

"والمليونان والنصف من اليهود الذين رحلوا إلى كازاكستان وأوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى وهم مفعمون رعباً، ويائسون، ارتموا في وسط لا يعرفونه، وبذلك وجدوا أنفسهم يُقتلعون من جذورهم مرة جديدة. وحين أُجبروا -هم أجبروا أنفسهم- على أن يعيشوا في منطقة تسود فيها مجاعة وفقر لا يصدقان، عادوا فأظهروا كفاءتهم في السوق السوداء، وتحولوا إلى متعيشة.‏

ويبرر سلوكهم .. اللاأخلاقي‏

ويمعن دويتشر في تبرير سلوك هؤلاء اليهود اللاأخلاقي، في أثناء الأزمات الطاحنة التي عاشها الاتحاد السوفييتي، إبان الحرب العالمية الثانية، واستغلال احتيازهم القدرات المالية، للتلاعب بالمواد الغذائية الأساسية واحتكارها وبيعها بأسعار فاحشة فيرى "أن من الظلم أن نلوم هؤلاء اليهود اللاجئين الذين لم يكونوا مزارعين ولا فلاحين، وبالتالي، فهم عاجزون عن أن ينتزعوا من الأرض أي شيء" ويضيف قائلاً: "كانت عقلية التجار التي بقيت لديهم ولم تذهب بعد، قد مكنتهم من أن يخفوا "قليلاً" من الشاي والسكر وبضعة أكياس من البطاطا والقمح ليعودوا فيبيعوها من ثم بأغلى الأسعار، بينما تموت من حولهم جموع الشغيلة من الروس جوعاً".‏

إن اسحق دويتشر لم يخجل وهو يكتب في وصف ما احتكره اليهود: "قليلاً" ذاك انه يعلم قبل سواه أن المليونين ونصف المليون من اليهود في جمهوريات آسيا الوسطى، -وما زالت بقاياهم حتى الآن هناك وقد رفعوا رؤوسهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- لا يمكن أن يحتكروا.. إلا.. كثيراً.. كثيراً.. جداً.‏

وكأني به، بعد أن أخذته العزة بالإثم يرتد. وقد لاحظ تناقضه الكبير مع نفسه، فيعترف بأن ذلك أدى إلى إعطاء دفعة جديدة لموجة اللاسامية".‏

..إن الأستاذ قصاب حسن، مترجم هذا الكتاب، لم يملك في نهاية هذا الفصل سوى أن يعلق مدهوشاً مستغرباً، من عقلية هؤلاء اليهود "التي استمرت من عام 1917 حتى 1942 دون أن يدخل عليها النظام الاشتراكي أي تعديل".‏

بين اليهودي.. وبين الإسرائيلي‏

في أحد فصول الكتاب يتساءل دويتشر "ما هو الإسرائيلي، وما هو اليهودي"‏

-وكان الأحرى بالمترجم أن يقول: من هو. لأن حرف الاستفهام: ما هو لغير العاقل -ونفاجأ -في الواقع: لا نفاجأ -بأنه يطرح وجهة النظر الصهيونية ذاتها في تبرير احتلال اليهود الصهاينة فلسطين واستيطانها. إنه يتحدث عن يهود الشتات "الدياسبورا" الذين هاجروا، إلى فلسطين، وعن أولئك اليهود الذين خلقوا فيها "الصابرين" فيجعلهما يلتقيان في نقطة واحدة: أنهم باتوا جميعاً إسرائيليين وها هو ذا يتكلم في لهجة تذكرنا بما سبق أن تحدث به بن غوريون حين قال: إن الصهيوني هو اليهودي الذي يريد العودة إلى جبل صهيون. هو اليهودي الذي يحس أنه إذا كان يعيش في أي بلد آخر غير إسرائيل فهو يعيش في منفى، وأنه آن الأوان لانتهاء عصر النفي والتشرد، ولا بد من العودة إلى أرض إسرائيل. ثم ينتهي بن غوريون إلى القول: "إن ما ربط بين اليهود، وجعل تلك الصفات الأخرى، كالدين والعنصر واللغة- صفات قابلة لأن تجمعهم من جديد، هو صفة أخرى أساسية، هي: رؤيا العودة. الإيمان بأن الخلاص هو في العودة إلى جبل صهيون، حيث أقام داود معبده الأول، أي إلى أرض إسرائيل.‏

إسرائيليون.. وليسوا يهوداً"(!)‏

ويقول دويتشر: إن كثيرين من الصهيونيين يؤمنون بالكيبوتز هاغالوت، أي بعودة جميع اليهود العائشين في بلاد المهجر، فهم يرون أن كل يهودي يقيم خارج إسرائيل، هو بالضرورة شخص منفي، إن عليه التزامات حيال الدولة الجديدة، لأن واجبه الأسمى هو أن يصبح مواطناً إسرائيلياً. وبالمقابل فإن الشباب الإسرائيليين، ولا سيما الـ "صابرا" الذين ولدوا ونشؤوا في البلاد لا يحسون بأنهم ينتمون إلى اليهودية العالمية وبالتالي فإنهم لا يرون أن "اليهودية العالمية" تنتمي إلى إسرائيل. بل يذهب بعضهم إلى حد التصريح بأنهم إسرائيليون وليسوا يهوداً.‏

إذاً فإنه يشير صراحة دون مواربة إلى قومية جديدة ناشئة هي القومية الإسرائيلية، وهو يعلم قبل سواه -ما دام قد عدّ نفسه ماركسياً- أن للقومية نشأة تاريخية وشروطاً موضوعية لا تنطبق على هذه القومية التي يتكلم عنها.‏

ويدافع صراحة عن الكيان الصهيوني‏

وها هو ذا يعرض الفكرة نفسها- بعد سطور معدودة- رافعاً صوته أعلى وأقوى قائلاً: "في إسرائيل شكّل أقدم شعب في العالم أحدث دولة بين الدول القومية. وهو يرمي بكل حرارة إلى استدراك الزمن الذي فات. وفي إسرائيل كان اليهود تقريباً يفكرون بأنهم من أجل الوصول إلى سعادتهم الفردية والجماعية المثلى، عليهم أن يبنوا درعاً متينة من الحماية الوطنية، مما يفرض عليهم واجب الخلاص من الهجرة والتشتت، ومن ذكرياتها وعاداتها وأذواقها، ومن روائح المنفى، آلاف سنين المنفى".‏

كان دويتشر يعرب عن عميق إعجابه "بهؤلاء المزارعين الذين يقاتلون الصحراء ويجبرونها على أن تنتج كروماً وأشجار زيتون، وهؤلاء الجنود الذين يراقبون في برود العرب الموجودين على الطرف الآخر من الحدود" عندما التفت ليقول باسمهم:‏

"ويسألون زائرهم: "أفلست تشعر بأن جذورنا نحن اليهود موجودة هنا؟" ويستطرد قائلاً: الجذور والناس الذين اقتلعوا من جذورهم، كلمات لا تفتأ تتكرر في المناقشات. فالناجي من معكسرات الاعتقال النازية، والذي تألم من اللاسامية البولونية القديمة، أو تعرض لعسف الحرس الحديدي الروماني، يحس أخيراً أنه في بيته وفي مأمن، ويعبر عن رضاه، وعن ارتياحه وعن فخاره.‏



ماركسيته.. قشرة رقيقة‏

مهما يكن من أمر، فإن ماركسية اسحق دويتشر التي اتضح وتأكد أنها ليست سوى قشرة رقيقة، يمكن أن تزال بطرف ظفر طفل، ذكرتني بتلك السيدة التي التقيت بها عام 1972، في مهرجان "كارلوفي فاري" السينمائي في تشيكوسلوفاكيا. ما زلت أذكر اسمها: "أوليفافا" وكانت مسؤولة عن سينما العالم الثالث في المهرجان. استقبلتني في حفاوة وحرارة، والتقيت بها عدة مرات في مناسبات مختلفة، فتجاذبنا أطراف الحديث في شؤون فكرية وسياسية وفنية مختلفة كانت وجهات نظرها في الأمور توحي بأنها تقدمية يسارية.. بل ماركسية. إلى أن أخذنا الحوار مرة مأخذاً مختلفاً، فقد رسونا على شواطئ فلسطين والاحتلال الصهيوني وتشريد شعب بكامله لإحلال مهاجرين يهود، أتوا من مختلف أطراف الأرض، محل أهل البلاد الأصليين.‏

بعدئذ أحسست أنني أمام امرأة أخرى غير التي عرفتها، امرأة اندفعت بكل عواطفها بتبرير الاحتلال والاستيطان والمذابح التي أقامها الصهاينة في فلسطين منذ عام 1947 هنا عرفت جيداً من هي محدثتي، فقد خرجت اليهودية الصهيونية من جلدها مثلما خرج اليهودي الصهيوني من إهاب.. دويتشر، فسقطت عنه مزاعمه.‏

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس