الموضوع: الاعلام
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 03-04-2005, 05:03 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

المعاصـر للاتصال والإعلام ( دراسة )



البعـد المعاصـر الاتصال والإعلام ‏



يضطلع الاتصال والإعلام بوظائف أساسية،باعتباره نشاطا فرديا وجماعيا،يشمل كل الأفكار والحقائق والبيانات،والمشاركة فيها.ويمكن تحديد الوظائف الرئيسية التي يؤديها الاتصال والإعلام في أي نظام اجتماعي في الوظائـف التالية(1): ‏



1ـ الوظيفية الإعلامية والإخبارية:وتتمثل في جمع وتخزين ومعالجة ونشر الأنباء والرسائل،والبيانات والصور والحقائق والآراء والتعليقات المطلوبة من أجل فهم الظروف الشخصية والبيئية والقومية والدولية،والتصرف تجاهها عن علم ومعرفة،والوصول الى وضع يمكن من اتخاذ القرارات الصائبة. ‏



2ـ وظيفة التنشئة الاجتماعية:وتنحصر هذه الوظيفة في توفير رصيد مشترك من المعرفة،يمكن الأفراد من ان يعملوا كأعضاء ذوي فعالية في المجتمع الذي يعيشون فيه،ودعم التآزر والوعي الاجتماعيين،وبذلك تكفل مشاركة نشطة في الحياة العامة. ‏



3ـ وظيفة خلق الدوافع:ويقصد بذلك ان الاتصال والإعلام،يساهم في دعم الأهداف المباشرة والنهائية لكل مجتمع،وتشجيع الاختيارات الشخصية والتطلعات ودعم الأنشطة الخاصة بالأفراد والجماعات،والتي تتجه نحو تحقيق الهداف المتفق عليها. ‏



4ـ وظيفة الحوار والنقاش:يساهم الاتصال والإعلام في توفير وتبادل الحقائق اللازمة لتوضيح مختلف وجهات النظر حول القضايا العامة،وتوفير الأدلة الملائمة والمطلوبة لدعم الاهتمام والمشاركة على نحو أفضل بالنسبة لكل الأمور التي تهم الجميع محليا وقوميا وعالميا. ‏



5ـ وظيفية التربية:وتتمثل في نشر المعرفة على نحو يعزز النمو الثقافي،وتكوين الشخصية واكتساب المهارات والقدرات في كافة مراحل العمر. ‏



6ـ وظيفة النهوض الثقافي:يسعى الاتصال والإعلام الى نشر الأعمال الثقافية والفنية بهدف المحافظة على التراث،والتطوير الثقافي عن طريق توسيع آفاق الفرد وإيقاظ خياله،وإشباع حاجاته الجمالية،واطلاق قدراته على الإبداع. ‏



7ـ الوظيفة الترفيهية:وتتمثل في إذاعة التمثيليات الروائية والرقص والفن والأدب والموسيقى والأصوات والصور بهدف الترفيه والإمتاع على الصعيدين الشخصي والجماعي،وتنسية الناس المعاناة والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية. ‏



8ـ وظيفة التكافل: وتتمثل في توفير الفرص لكل الأشخاص والمجموعات والأمم بما يكفل لهم الوصول إلى رسائل متنوعة تحقق حاجتهم في التعارف والتفاهم والتعرف على ظروف معيشة الآخرين ووجهات نظرهم وتطلعاتهم. ‏



وإلى جانب هذه الوظائف التي تنبع أساساً من وجهة نظر الفرد،فإنه يتعين أيضاً التأكيد على ظاهرة جديدة وهي ظاهرة تتزايد أهميتها بسرعة،فقد أصبح الاتصال والإعلام حاجة حيوية للكيانات الجماعية والمجتمعات،فالمجتمعات ككل لا يمكن أن تعيش وتستمر اليوم ما لم يتم إعلامها على نحو صحيح بالشؤون السياسية والأحداث الدولية والمحلية،والأحوال الجوية وما إلى ذلك،وتحتاج الحكومات إلى معلومات متنوعة ترد من كافة أنحاء العالم فيما يتعلق باتجاهات نمو السكان وغلات المحاصيل وموارد المياه…الخ(2).وإذا أرادت الحكومات أن تخطط للمستقبل على نحو ديناميكي وبدون توافر بيانات كافية عن أسواق السلع والأموال العالمية،فإن السلطات العامة سوف تتعثر في أنشطتها ومفاوضاتها.كما تحتاج المشروعات الصناعية إلى معلومات سريعة من مصادر كثيرة لتتمكن من تحقيق زيادة في الإنتاج ومن تحديث عملياتها الإنتاجية،وتعتمد المصارف بصورة متزايدة على شبكة عالمية للحصول على البيانات عن التقلبات الدورية..الخ. ‏



كذلك فإن المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية وشركات الطيران والجامعات ومعاهد البحوث وكافة أنواع الهيئات الأخرى لا يمكن أن تعمل اليوم بدون تبادل يومي كاف للمعلومات(3)،ومع ذلك فإن النظم الجماعية للمعلومات والبيانات لا تتفق مع احتياجات السلطات العامة أو الهيئات الخاصة،فيما عدا الإدارات الحكومية الرئيسية والمؤسسات والمصارف الكبيرة التي تحصل على حاجتها من المعلومات والوثائق،فإن كثيراً من الهيئات المحلية والمصانع والمؤسسات والشركات لا تستطيع الوصول بسهولة إلى مصادر معلومات منظمة،وعليه فإن التركيز لا يزال في أحوال كثيرة منصباً على نظم المعلومات التي تستهدف إشباع احتياجات الاتصال الفردية،ومن الأمور البالغة الأهمية تصحيح هذا الوضع الذي قد يؤثر تأثيراً سلبياً على آفاق تطور الملايين من البشر وخاصة في بلدان العالم الثالث. ‏



كما ترتبط وظائف الاتصال والإعلام بكافة احتياجات الناس المادية وغير المادية على حد سواء،فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،والحاجة إلى الاتصال والإعلام،برهان على التطلع الكامن في أعماق الفرد إلى حياة أفضل يثريها التعاون مع الآخرين-فالناس يتطلعون إلى تحقيق نمو ذواتهم فضلاً عن إشباع حاجاتهم المادية،إذ الاعتماد على النفس والذاتية الثقافية،والحرية،والاستقلال،واحترام الكرامة الإنسانية،والعون المتبادل،والإسهام في إعادة تشكيل البيئة-كل ذلك يعكس بعض التطلعات غير المادية التي ينبغي السعي إلى تحقيقها جميعاً من خلال الاتصال.ولا شك أن كل وظيفة من هذه الوظائف يمكن أن تكتسب سمات مختلفة بل متناقضة حسب الظروف البيئية،ومن السهولة إفساد المعلومات من خلال نشر الافتراءات أو أنصاف الحقائق والإقناع من خلال التحايل والخداع والدعاية.وكذلك فإن الاتصال الذي اكتسب طابعاً مؤسسياً يمكن أن يستخدم في إعلام المواطنين أو السيطرة عليهم أو التلاعب بهم في حين يستعمل المضمون عادة لمؤازرة الهوية الذاتية،ويمكن أن يؤدي إلى تنميط المواقف والتطلعات. ‏



وتساعد نظم المعلومات التي تستخدم تشكيلة متنوعة من المصادر والرسائل على تعزيز الانفتاح الفكري،في حين أن النظم التي تتجاهل هذه الحاجة يمكن أن تؤدي إلى الضحالة والتحجر العقليين،وعادة يتم تجاهل قدر الحقيقة القائلة بأن وظائف الاتصال والإعلام في الأساس وظائف نسبية وترتبط بالحاجات المتنوعة للمجتمعات والبلدان المختلفة،رغم أنه لا يمكن بدون الاعتراف بها أن تكون هناك معالجة واقعية لمشكلات الاتصال في عالم منقسم ومتباعد ويعتمد على بعضة البعض.ومن هنا فإن آثار الاتصال والإعلام تتباين وفق طبيعة كل مجتمع(4). ‏



وهناك عنصر آخر يتضمنه التفكير بشأن وظائف الاتصال،ألا وهو الجدل حول الدلالات الخاصة بالمحتوى والمضمون والوسائل،فيرى بعض المنظرين أن وسائل الاتصال وخاصة وسائل الإعلام الجماهيرية،تمارس تأثيراً مضمونها،بينما حقيقة الأمر هي أن الوسيلة هي الرسالة(5)،ويرى آخرون أن المضمون(الرسالة) غاية في الأهمية في الوقت الذي يرون فيه أن للوسيلة أثراً هامشياً فحسب على نتيجته ويرى البعض أيضاً أن الإطار الاجتماعي الذي تتنقل فيه الرسالة هو العامل الحاسم،ويبدو أن هذا الاتجاه-وهو أكثر شمولاً واتساماً بالطابع السوسيولوجي-هو أيضاً أكثر الاتجاهات جدوى في الإجابة على التساؤلات الخاصة بدون وسائل الاتصال. ‏



دور الاتصال في التنشئة الاجتماعية: ‏



كان نظام الاتصال في الماضي،يعتبر ظاهرة منعزلة داخل المجتمع ترتبط أساساً بالتكنولوجيا،وتنفصل بدرجة أو بأخرى عن سائر جوانب المجتمع،ونادراً ما كان يولى قدر كاف من التفكير لمكانته في النظام السياسي والتقائه مع البنى الاجتماعية،واعتماده على الحياة الثقافية(6)،وهكذا كان في الإمكان أن يمضي المجتمع إلى اختيارات خاطئة أو أولويات غير صحيحة،وإلى انتقاء البنى الأساسية غير الملائمة أو إلى تكريس الجهود لابتكارات تكنولوجية لم تكن هناك حاجة حقيقية إليها،لكنه حالياً يعتبر نظام الاتصال وعلى نطاق واسع عملية اجتماعية يتعين دراستها من جميع زواياها وفي إطار اجتماعي واسع إلى أقصى حد،ففي العالم الحديث أصبح الوعي بهذه الحلقات المترابطة أكثر انتشاراً من أي وقت مضى. ‏



وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي أن الاتصال كان ينظر إليه على أنه قوة مرتبطة بالسلطات المطلقة المهيمنة على كل شيء(7)، لكن البحوث الحديثة دحضت هذا الرأي المفرط في بساطته،حيث حدث نوع من المغالاة في تقدير قدرة الاتصال على تحريك الناس وتنشئتهم اجتماعياً،وتحقيق التجانس فيما بينهم وتطويعهم وفق ثقافتهم،في حين لم تقدر حق قدرها آثار التنميط والتشويه التي تحدثها وسائل الإعلام السمعية البصرية،وقد اقتنع مراقبون آخرون بأن وسائل الإعلام كان لها أثر اجتماعي قوي بدرجة مكنتها من تلقين جمهورها كيف يفكر وكيف يتصرف. ‏



ومهما يكن،فان لوسائل الاتصال والإعلام(الصحافة،الإذاعة،التلفزيون وغيرها) قدرة ليس فقط على أن تشكله،وعلى أن تلعب دوراً في تشكيل المواقف(8)،فهناك من المراقبين من يعتقد أن وسائل الإعلام تخلق إدراكاً وهمياً للعالم الحقيقي،بدلاً من تقديم دائرة أوسع من المعارف ومجموعة من الآراء للاختيار فيما بينها،وهي تستطيع أن تتسبب في الاغتراب الثقافي والتنميط الاجتماعي عن قصد أو عن غير قصد.وليس هناك مكان في العالم بمنجاة من هذا الخطر. ‏



لقد اتجهت الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى أسواق أوسع وإعطاء الجمهور ما يريد أو ما يعتقد أنه يريده،إلى خفض جودة الرسالة الإعلامية،حيث يعمل تزايد الاعتماد على الإعلان،سواء كانت ملكية وسائل الإعلام عامة أو خاصة على خلق عقلية تجارية يصبح الاستهلاك بمقتضاها غاية في حد ذاته.ويرى البعض أن وسائل الإعلام تخلق رؤية أسطورية للعالم،بدلاً من أن تعزز الثقافة القائمة على تعدد وجهات النظر والانتشار المتزايد للمعرفة. ‏



وفي بعض الحالات،فإن تجانس الرسائل الإعلامية ونمطيتها،يعكسان قيود قوانين السوق،وتحدث آثار مماثلة تؤدي الى وضع قوة الإعلام في أيدي أقلية تحوز على البيانات ومصادر المعلومات وتسيطر بالإضافة إلى ذلك على أدوات الاتصال(9). ‏



ولا شك إن الإجراءات السياسية والبيروقراطية،يمكن أن تؤدي إلى العقم الثقافي، فحين يكون الاتجاه السائد للتدفق من أعلى إلى أسفل،فمن المرجح –بل بالقطع-أن تعزز وسائل الإعلام قبول الأفكار المعتمدة من السلطات على حساب التفكير المستقل والحكم النقدي(10)،وإذ تعمل وسائل الإعلام في طريق ذي اتجاه واحد فإنها تنجح أحياناً في نشر القيم والمعايير التي تأخذ بها المجموعة المسيطرة،وذلك بين الجمهور ما لا يستطيع أن يعثر فيها على أي تعبير عن اهتماماته وتطلعاته،ولكن مع ذلك فإن وسائل الاتصال والإعلام ولا سيما التلفزيون،استطاعت في بعض الحالات أن تقدم للجمهور صورة حية عن حياة،وتطلعات بديلة، وإن لم يكن ذلك دائماً عن قصد.وكانت نتيجة ذلك هو إضفاء طابع مشروع على القيم الثقافية المضادة وعلى أشكال متنوعة من الاحتجاج.ومع ذلك فإن هذه الصورة المفرطة في تبسيطها للأمور،قد عدلت على نحو كبير بفضل الدراسات الحديثة التي أوضحت أن عوامل كثيرة وتيارات متعارضة عديدة تتفاعل معاً وتؤثر في بعضها البعض،ويصبح من الواضح على نحو متزايد أن الإشارة إلى أضرار أو تحريفات الاتصال تعني في الواقع الإشارة إلى التناقضات اللصيقة بالمجتمعات الحديثة،وذلك أن لعملية المشاركة نتائج كثيرة"ظاهرية أو حقيقية أو سطحية"يمكن أن تتعرض لتأثير عوامل مختلفة،لا يعدو الاتصال أن يكون واحداً منها فحسب.والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار هو، كيف يعمل الاتصال وخاصة الاتصال الجماهيري بصفة خاصة كأداة للتغبير الاجتماعي وإلى أي حدود؟. ‏



وعلى كل الأحوال ،فان الاتصال برغم قوته ليس مطلق السلطة،فهو لا يستطيع أن يغير فحوى العلاقات بين الأشخاص،ولا جوهر الحياة الاجتماعية،حيث يكون الاتصال أكثر فعالية عندما تعزز تأثيره عوامل اجتماعية أخرى،ويكون للرسائل المنقولة انعكاس فعلي في الرأي العام أو في المصالح القائمة،وإن كل مرافق الاتصال،يمكن استخدامها من أجل الخير والشر،وتقع مسؤولية الحد من هذه المخاطر وتصحيح الانحرافات على عاتق واضعي سياسة الاتصال(11)،ومع ذلك لا توجد في كافة المجتمعات قوة أخرى يتعين الاعتراف،بأنها لا يمكن إلزامها باتخاذ مواقف سلبية.وبالإضافة إلى ذلك،فإن ثمة مجتمعات كثيرة تضم قوى تقع عليها مسؤولية التصدي للأخطار وتصحيح الانحرافات. ‏



وتتبنى حكومات كثيرة سياسات تهدف إلى حماية الذاتية الثقافية للأمة،وتجد مخاطر الألاعيب السياسية مقاومة من جانب القواعد الشعبية أو من قنوات الاتصال"البديلة" أو بمجرد إعارتها آذاناً صماء،حيث ان مصادر المعارضة والمقاومة أوسع مدى من نظم الاتصال الرسمية(12)،ولا يعني ذلك بأي حال إنكار أن هناك دوراً هاماً يقوم به المتحكمون في سياسة الاتصال والمهنيون المستخدمون في النظام،ومع ذلك فإن الكلمة الأخيرة تصبح للقوى الاجتماعية فور استيقاظها وتعبئتها. ‏



ويمكن ان نستنتج مما سبق،أن هناك حقيقة أن التنوع والتعدد هما قيمتان يتعين تعزيزهما وليس إحباطهما،وتوجد على كل من الصعيدين الإقليمي والعالمي،نماذج اجتماعية ونظم اجتماعية اقتصادية متنوعة،ففي داخل الأمم توجد مستويات مختلفة من التنمية،وكذلك طرق مختلفة نحو التنمية،تماماً مثلما توجد اختلافات في مفهوم موارد الاتصال وأوجه استخدامها.ومن ناحية أخرى،فإن نجاح التدابير التي اتخذت لتحسين شكل الاتصال ومحتواه،لا تنفصم عن اتخاذ خطوات تستهدف جعل المجتمع نفسه أقل إنصافاً بالقهر والغبن وأكثر عدلاً وديمقراطية وهذه الحقيقة يتعين إظهارها للعيان وليس إخفاؤها. ‏



البعد السياسي للاتصال والإعلام: ‏



لا يمكن فهم الاتصال دون الرجوع إلى بعده السياسي ومشكلاته التي لا يمكن حلها بدون أن نضع في الاعتبار العلاقات السياسية،فللسياسة علاقة لا تنفصم بالاتصال والإعلام(13)،وثمة سؤالان متميزان هما:إلى أي حد تؤثر السياسة على الاتصال وما هي أساليبها في ذلك،وإلى أي حد وبأي طرق يؤثر الاتصال على السياسة؟ ‏



إن العلاقات الحاسمة هي العلاقات القائمة بين الاتصال والسلطة،وبين الاتصال والحرية،وتسود في أماكن مختلفة من العالم مفاهيم متنوعة تحدد ما ينبغي أن تكون عليه تلك العلاقات،وهي مفاهيم تعد استجابة لمختلف التقاليد والموارد والنظم الاجتماعية واحتياجات التطور وعلى الرغم من ذلك فقد يكون هناك احتمال لموافقة عامة واسعة إذا ما أضفينا على نقاشنا الذي كثيراً ما يتسم بالطابع الذاتي،ويفتقر إلى التسامح قدراً أكبر من الواقعية وتحمساً أقل مرونة أكثر وتحيزاً أقل. ‏



وتتنوع أساليب ممارسة الحرية شأنها شأن النظم القانونية القومية أو الدساتير،ويسود الاعتقاد بضرورة التوفيق بين الحرية والالتزام من خلال طاعة القانون،وبألا تستغل(الحرية) للإساءة إلى حرية الآخرين،وبأن ممارسة الحرية لها مقابل،وهو ضرورة ممارستها بروح المسؤولية،الأمر الذي يعني في ميدان الاتصال الاهتمام بالحقيقة في المقام الأول،وبالاستخدام المشروع للسلطة التي تتيحها،وأكثر من ذلك(14).كما يجوز للمرء التساؤل عن الأسس التي تقوم عليها الحرية التي يطالب بها،فحرية المواطن أو الجماعة الاجتماعية بالانتفاع بالاتصال كمستقبلين له ومساهمين فيه في آن معاً،تختلف عن حرية المستثمر في كيان السلطة(15)، أو لأن إغضاب المسؤولين،قد يؤدي أحياناً إلى حرمانهم مثلاً من تسهيلات الحصول على مصادر معلوماتهم.حيث إن الرقابة الذاتية،هي مثل الحصول على ربح من وسائل الإعلام،فإحداهما تحمي حقوق الإنسان الأساسية،والثانية تتيح الاستقلال التجاري كحاجة اجتماعية،بيد أنه بعد إبداء كافة هذه التحفظات،فإن مبدأ حرية التعبير هو مبدأ لا يسمح بأية استثناءات ويمكن تطبيقه على جميع الناس بموجب كرامتهم الإنسانية(16). ‏



ولا يخفى ان هذه الحرية تمثل واحدة من أغلى مكتسبات الديمقراطية،ويتم تأمينها عن طريق النضال الشاق ضد القوى والسلطات السياسية والاقتصادية،الأمر الذي يكلف تضحية باهظة قد تصل إلى التضحية بالنفس،وهي في الوقت نفسه حارس أساس للديمقراطية.كما يعتبر وجود حرية التعبير أو عدم وجودها أهم مؤثر دال على الحرية في كافة جوانبها في أية أمة،واليوم لا تزال الحرية تنتهكها الرقابة البيروقراطية والتجارية في عديد من الدول في كافة أنحاء العالم،إن القول بحرية التعبير في بلد ما لا يضمن وجودها في الممارسة،كما أن الوجود المتزامن للحريات الأخرى مثل،حرية تكوين الجمعيات،وحرية الاجتماع،وحرية التظاهر،وحرية التظلم،وحرية الانضمام إلى النقابات..الخ،هي كلها مكونات أساسية لحق الإنسان في الاتصال(17)،وتؤدي أي عقبة تقام في وجه هذه الحريات إلى القضاء على حرية التعبير.حتى عندما لا تهاجم السلطة الحرية علنـا،فقد توجد الرقابة الذاتية من جانب العاملين بالاتصال أنفسهم،فقد لا يتمكن الصحفيون من نشر الحقائق التي تتوافر لديهم لأسباب عدة لمجرد الخجل أو لفرط احترامهم.وعلى أية حال فإن مفهوم الحرية هو مفهوم أساسي لكل حوار سياسي في العالم الحديث،وتتضمنه الخلافات العديدة حول السياسات والقرارات(18). ‏



ومع تطور الصحافة على أساس أكثر استقراراً وأوسع مدى انتقل الاهتمام إلى نشر المعلومات-الحقائق والأنباء عن الأحداث الجارية،وكانت حرية المعلومات أولاً وقبل كل شيء هي حق المواطن في الحصول على المعلومات،الحق في أن يطلع على أية معلومات من شأنها أن تؤثر في حياته اليومية،وتيسر له اتخاذ القرارات،وتسهم في تفكيره،واتسع نطاق الحق في المعلومات هذا عندما أتاحت التكنولوجيات الجديدة تحسين فرص الوصول إلى المعلومات على نطاق الأمة كلها وبعد ذلك نطاق عالمي،وكان الجانب الآخر لهذه الحرية،هو حرية الصحفي في الحصول على المعرفة في شكل حقائق ووثائق،وإزاحة الغموض الذي اكتنف مسلك الشؤون السياسية،وحريته في نشر المعلومات التي بحوزته. ‏



لقد غيرت التكنولوجيا المتطورة أيضاً من الإطار الذي يمكن فيه وضع المبادئ الأساسية موضع التطبيق،وخلقت أخطاراً جديدة على الحرية(19)،فقد كانت السمة المميزة لكل اختراع حديث هي أنه كان يتطلب استثماراً على مستوى لا يقدر عليه سوى أصحاب رؤوس الأموال خاصة أو عامة،في معظم البلدان كانت توجد إمكانية الحصول على آلات الطباعة وأجهزة الإذاعة والتلفزيون بوجه خاصة يعني أنه ليس بوسع محدودي الثروة إلا أن يدخلوا المنافسة في ظل ظروف غير مواتية،فمن الناحية النظرية كان لكل فرد الحق في حرية التعبير،بيد أنه لم يكن بمقدور أي فرد أن يمارسها على قدم المساواة،وفي نفس الوقت،أخذت الدولة بما لديها من أموال بعين الاعتبار تلك الفرص الجديدة التي أتاحتها وسائل الإعلام كي تؤثر في تفكير المواطن واستعاضت عن الاستراتيجية القديمة لتقييد حرية التعبير بسياسة أكثر نشاطاً(كان قد استهلها بالفعل بعض الحكام المستبدين بالوسائل التي كانت بحوزتهم)تستثمر التقنيات الحديثة من أجل تحقيق غاياتها،ولا تحدث ضروب التفاوت هذا الأثر على الصعيد القومي وحده،فعلى الصعيد الدولي أدت إلى خلق الاختلالات الحالية في مجال الاتصال والإعلام بين البلدان الصناعية الغنية والبلاد النامية الفقيرة(20). ‏



وهكذا أصبحت مشكلات الاتصال ذات صبغة سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة،وعرضت في صورة مشكلات تتعلق بحرية الصحافة وحرية تداول المعلومات،والحق في الحصول على المعلومات واتسم الوضع بتناقض أساسي،فقد حدثت زيادة كبيرة في عدد الأفراد الذين يطلبون المعلومات والذين يمكن أن ينقلوا الرسائل الإعلامية،وذلك بفضل حملات نشر معرفة القراءة والكتابة وإيقاظ الوعي السياسي وتحقيق الاستقلال الوطني في كل أمم العالم(21).ومع ذلك ففي موازاة هذا النمو كان هناك تحرك نحو التركيز،ارتبط بالمتطلبات المالية للتقدم التكنولوجي،ونتيجة لهذا التركيز انخفض عدد من يقومون ببث الرسائل(نسبياً)وتدعمت في الوقت نفسه من ظلوا يعملون في مجال بث الرسائل. ‏



إن الأمر المؤكد في هذا الإطار،هو أن الاتصال يتسم اليوم بقدر من الأهمية يتعين معه على الدولة فرض قدر من التنظيم حتى في المجتمعات التي تكون فيها وسائل الإعلام محكومة ملكية خاصة،وبوسع الدولة أن تتدخل بكافة الأساليب بدءاً من السيطرة السياسية الشاملة وانتهاء باتخاذ التدابير لتعزيز التعدد،وتجد بعض الحكومات أنه من الطبيعي أن تمارس تحكماً كاملاً في محتوى المعلومات مبررة ذلك بالأيديولوجية التي تعتنقها،وإذا ما حكمنا على هذا النظام أو ذاك بمعايير علمية محضة،فإننا نشك في إمكان وصفه بأنه نظام واقعي،فقد دلت التجربة على أن نتائج الاحتكار السياسي أو التجاري لوسائل الإعلام أو التلقين المذهبي من جانب السلطة أو الحكم،لا تتسم بطابع شامل،وأن الحوار المستمر من طرف واحد(المونولوج)لا يمكن أن يطفئ شعلة الذكاء الناقد أو الحكم المستقل.حيث ان تقييد وسائل الإعلام والاتصال رتابية كئيبة يثير الريبة بدلاً من الثقة ،وعندما تصمت أصوات المنشقين تتدهور الثقة في وسائل الإعلام وتبدو الدولة وكأنها تخشى مواجهتهم وتشعر أنها غير واثقة من صورة الواقع التي تقدمه على أنه الحقيقة(23). ‏



وعلى أية حال،فإن احتكار وسائل الإعلام الموضوعة تحت الرقابة تكسره وسائل اتصال أخرى،إذ تنتقل الأنباء بالحديث الشفهي وتوزع المنشورات غير القانونية،وأخيراً فإن الإذاعات الأجنبية تخترق حصار الاحتكار الذي تفرضه أي دولة داخل حدودها.وهناك بعض الحكومات تحتفظ لنفسها ببعض الوظائف التنظيمية وتشجع استخدام وسائل الإعلام البديلة ومشاركة المواطنين وانتفاع الجمهور بمصادر المعلومات والاتصال الجماعي،وتحقيق اللامركزية في الوسائل الإعلامية،ولا شك أن الإطار الذي يتم الاتصال بداخله تحدده في نهاية المطاف الصراعات السياسية والاجتماعية التي شكلت اتفاق الرأي الاجتماعي في مجتمع معين،والطريقة التي يتم فيها تنظيم الاتصالات في مجتمع ديمقراطي هي في الأساس قرار سياسي يعكس قيم النظام الاجتماعي القائم. ‏



وعلى المستوى العملي،تتوقف حلول المشكلات السياسية للاتصال على إيجاد التوازن بين المصالح المشروعة للدولة وبين حقوق الانتفاع بالأقلام التي يمكن توسيعها لتشمل قطاعات متنوعة من الرأي(24)،وبالضرورة،فإن هذه الحلول ستتنوع حسب البيئة السياسية ودرجة التطور وحجم وموارد كل شعب أو أمة ولا ينبغي التذرع بالضرورات العملية أو المتطلبات الأيديولوجية لإقصاء حرية التعبير عن مكانها الصحيح. ‏



ويؤدي الاتصال المتجه في أغلبه من القمة إلى القاعدة(والذي ينقل صوت القادة السياسيين والذين يحتلون مراكز الصدارة في قطاعات الحياة الوطنية أو رجال الفكر البارزين)إلى أن يصبح المواطن العادي متلقياً سلبياً(25)،كما أنه يحجب اهتماماته ورغباته وخبرته.ويعتبر تمهيد الطريق لاتصال يتجه نحو القمة بقدر ما يتجه نحو القاعدة مهمة شاقة ويدعم خطر التركيز على الصفوة هذا خطر المركزية الزائدة الذي يسير معه جنباً إلى جنب،ذلك أنه إذا اقتصرت إمكانية الانتفاع بوسائل الإعلام على مجموعات مسيطرة سياسياً أو ثقافياً-سواء على الصعيد الوطني أو الدولي-ينشأ خطر كبير يتمثل في فرض أنماط تتعارض مع قيم الأقليات الدينية والثقافية والعرقية،ومن المطالب الأخرى للمنادين بالنقد والحاجة إلى تمكين هذه الأقليات من إسماع صوتها لتأكيد هذه القيم.وهناك خطر آخر هو عندما يطالب العاملون في الإعلام لأنفسهم بالحرية بينما يرفضون أي نوع من المسؤولية إزاء جمهورهم وينظرون إلى وظيفة الإعلام على أنها سلطة مطلقة،وكثيراً ما ينظر إلى الحرية والمسؤولية على أنهما متعارضان في حين أنهما في واقع الأمر عاملان أساسيان للحضارة. ‏



إن نتائج نشر المعلومات لا توضع في الاعتبار أحياناً ولا ينظر إليها على أنها تتضمن أية مسؤولية،ومثل هذا الموقف يخفي العلاقة الوثيقة التي تجعل الحرية والمسؤولية عاملين لا ينفصلان في مجال الاتصال كما في غيره من المجالات،ويؤدي تجاهل نتائج عمل معين إلى إنكار أحد الأبعاد الأساسية للحرية وبانتهاج الطريق الصعب باحترام حقوق الفرد وحقوق المجتمع بأسره(26).ويمكن التوفيق بين حرية الإعلام ومقتضيات الأخلاق،فالمسؤولية يجب أن تتجسد في الاهتمام باحترام الحقيقة،أكثر من تجسيدها في مجرد وجود حق دستوري.ومع أن هذه الاعتبارات قابلة للتطبيق على نطاق عالمي،فإنه من الاستحالة أن نبقى غير مبالين بالتغيرات التي تؤدي إلى إظهار نسبية مفهومي الحرية والمسؤولية وتعديلهما لإكسابهم أبعاداً جديدة تضع في الاعتبار،مسار التاريخ،وخضوع حق التعبير بصورة متزايدة لأنماط الاتصال المصنع،والتغيير في الأدوار التي يقوم بها كل من الفرد والمجتمع في العملية الاجتماعية. ‏



ولا يمكن وصف علاج شامل دون أن يوضع في الاعتبار الظروف القومية أو الإقليمية(27)،ومع ذلك يمكن أن يثير ذلك جدلاً حاداً،فإنه يمكن القول أن تتنوع المصادر مع الانتفاع الحر بهذه المصادر تحت سيطرة مجموعات مهيمنة،من شأنه مهما كان النظام السياسي أن يجعل الحرية مدعاة للسخرية،حيث أن نطاقاً واسعاً من المعلومات والآراء ضروري لتأهيل المواطن لإصدار أحكام راسخة الأساس حول القضايا،وهو بهذا يصبح أحد المقومات الحيوية لأي نظام اتصال في أي مجتمع ديمقراطي،كما أن إمكانية الوصول إلى تشكيلة متنوعة من المصادر هو أمر مرغوب فيه على الصعيدين الدولي والقومي على السواء،على أنه ينبغي الحيطة في أمرين-أولهما أن تنوع المصادر ليس ضماناً تلقائياً للتعويل على المعلومات رغم أنه يزيد من صعوبة محاولات التحريف المتعمدة،والثاني هو أن التنوع لا يعني التعدد في كل حالة،خاصة تعدد الرأي فشبكات ومنافذ الاتصال،ينبغي أن يكون لها مصادر للمعلومات من تنوع واستقلال عن بعضها البعض،فإذا لم يكن كذلك فلن يكون التنوع سوى مصدر خارجي،حيث إن مهمة وسائل الإعلام هي أن تعمل بمثابة مرآة تعطي صورة صادقة لما تفعله الحكومات،والرأي المناقض هو أنه ينبغي للإعلام أن يكون في خدمة الدولة حتى يساهم في إيجاد نظم اجتماعية سياسية جديدة تتسم بالقوة والاستقرار. ‏



ويتبين من واقع الخبرة في بلاد عديدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية،أن حرية وسائل الإعلام لا تزال هي حجر الزاوية في التجديد الديمقراطي،لكن من الضروري فهم تجاه ما يحدث وما يحـد من تغيرات، لجعل العلاقة بين وسائل الاتصال والإعلام والسلطة علاقة رئيسية أكثر من أي وقت مضى،إذ تعقدت الخصومة التقليدية بين القمة والقاعدة بسبب نزاع أساسي آخر بين المؤسسات التي تتحكم في مجالات هائلة من المعلومات،والأفراد الذين تتأثر حياتهم بقرارات لا سلطة لهم عليها،ويعتبر استخدام البيانات هو الدور الأساسي لمؤسسات عديدة تقوم بوضع البنية الأساسية للمعلومات(وكالات صحفية،معاهد،الرأي العام،مراكز توثيق)وكذلك لعلوم كثيرة(الإحصاء،الاقتصاد،الاجتماع،علم النفس ،البحوث العلمية،تحليل النظم)،وهكذا أصبحت وسائل الاتصال والإعلام إلى حد كبير ترسانة للإشارات والتعليمات تعزز سلطة المنظمات الكبرى،العامة والخاصة،الوطنية وغير الوطنية(28)،وتتمتع مثل هذه المنظمات بقدرات على وضع التخطيط المتطور واتخاذ القرارات،ومن ثم قدرة على التحكم تفوق كثيراً قدرة المجموعات المفككة من المواطنين الذين يملكون سوى قدر ضئيل من المعلومات،وعليه فإن كل المعلومات التي يمكن استخدامها هي مصدر للسلطة،ولهذا فإن هناك حاجة إلى إحداث تغيرا في النظرة والسلوك من جانب أولئك الذين يتحكمون في مصادر المعلومات ووسائل النشر. ‏



دور الاتصال والإعلام في دعم الحياة الاقتصادية: ‏



يتداخل نظام الاقتصاد والإعلام مع الاقتصاد ويعتمد عليه في عدة طرق في بنيته وفي محتواه،والتدفق المستمر للمعلومات أمر حيوي للحياة الاقتصادية،فإلى جانب أنه قوة اقتصادية كبيرة لها إمكانيات لا يمكن تقديرها،فهو يعد عاملاً حاسماً في التنمية والاتصال،باعتباره عنصراً متزايد الأهمية في جميع الاقتصاديات القومية(29)،يمثل قطاعاً مطرد النمو في النتاج القومي وله تأثير مباشر على الإنتاجية والعمالة.ويتيح التقدم في الاتصالات اللاسلكية إرسالاً فورياً للمعلومات،ويمكن الاستغناء في بعض الأماكن عن العمال المهرة وفي أماكن أخرى يمكن تعديل طبيعة العمل، إنها وسائل الاتصال هي التي تبشر بتحقيق أكبر قدر من النمو في المجتمعات الصناعية ويمكن اعتبارها محور ارتكاز الاقتصاد العالمي. ‏



إن وسائل الاتصال الحديثة كثيراً ما تجعل موقع المؤسسة أمراً لا أهمية له،وتتيح نقل المصانع إلى مناطق نائية أو اختيار أماكن مختلف الصناعات،وغيرها من أنواع النشاط،كالتجارة وأعمال البنوك وخطوط الطيران بمزيد من الحرية،ويشعر الإنسان العادي بالدور الحاسم الذي تقوم به وسائل الاتصال والمعلومات في مجالات الاقتصاد حتى ولو لم تكن له سيطرة عليها.حيث إن أشكالاً متنوعة من الاتصال والإعلام قد ارتبطت دائماً بالعمل والإنتاج-بصورة ضمنية على الأقل-ولكنه من السهل الآن أن نرى هذا الارتباط. ‏



وعليه فإن الإعلام والاتصال-من حيث بث وتخزين واستخدام المعلومات-يكون مورداً أساسياً على قدم المساواة مع الطاقة أو المواد الخام(30)،لكن الاتصال أصبح في بعض المجتمعات منحرفاً أو مشوهاً بطريقة أو بأخرى،فالناس لم يعودوا قادرين على الاتصال بغير تبادل الرموز النقدية والسلع المادية،وعلى المستوى العالمي تعكس بنى جديدة للاتصال حياة وقيم ونماذج بضع مجتمعات وتنتشر في بقية أنحاء العالم أنماطاً معينة من الاستهلاك وأنماطاً معينة للتنمية دون غيرها،وفي هذا يكمن الخطر الهائل لقدرة الاتصال على التحريف. ‏



إن الاختلالات الاقتصادية في هذا المجال فيما بين الأمم والمناطق مدعاة للقلق،وما لم يتم القضاء عليها،فإنها ستزداد مع التقدم التقني تفاقماً،ففي البلدان المتقدمة جاءت التكنولوجيا الحديثة بعد الثورة الصناعية بفترة سمحت بالتقاط الأنفاس لكن الدول النامية ليس بوسعها أن تكرر هذا النسق،ويعود ذلك من جهة إلى حاجتها الملحة لتنمية نفسها،ومن جهة أخرى إلى أنها تشهد الثورة الصناعية وثورة معالجة المعلومات في آن معاً،ولدى الكثير من الدول أسباب قوية تدعوها لوضع استراتيجيات محددة للاتصال وتكريس موارد إضافية لإقامة البنى الأساسية المناسبة.وتتطلب التنمية في هذه المجالات استخداماً أفضل للموارد التي لم يتم توظيفها بصورة كاملة حتى الآن،وليس هناك شك في أن موارد الاتصال موزعة بصورة غير متساوية على نطاق عالمي،فبعض البلدان لها القدرة الكاملة على تجميع المعلومات التي تحتاجها،بينما هناك بلدان كثيرة لا تستطيع ذلك مما يعتبر عائقاً أساسياً في سبيل تنميتها. ‏



ويظهر هذا التباين جلياً في المجالات العلمية والتكنولوجية حيث تترتب عليه النتائج،وقد اكتسب مشكلات الإعلام الخاصة بالبحث العلمي وتطبيقاته بعداً جديداً،ويرجع ذلك إلى النمو الواضح في حجم المعلومات المتاحة،كما يرجع إلى ازدياد تعقدها،الأمر الذي يضفي على كثير من مشروعات وإمكانات البحث طابع الجمع بين عدة فروع علمية.وقد أصبحت المعلومات العلمية والتقنية اليوم مصدراً اقتصادياً حيوياً ينبغي أن يكون ملكية عامة إذ أنها مستمدة من جهود وتفكير رجال ونساء في بلدان عديدة في الماضي والحاضر،وهي المفتاح لجميع أشكال التنمية القومية المستقلة في الوقت الذي هي فيه أيضاً عامل أساسي في التقدم البشري المنسق،وتتحكم المعالجة الآلية للمعلومات في جمع البيانات العلمية وتصنيفها وتحليلها،ولكن على الرغم من كونها ضماناً للسرعة وفي كثير من الحالات للثقة،فإنها لا تؤمن دائماً صلة البيانات بالموضوع لذلك يتطلب تنظيم المعلومات العلمية والتقنية على مستوى العالم استراتيجية توضع في خدمة المستفيدين من المعلومات وتكون مكرسة لتقديم المعلومات والتأليف بينها،وهي بيانات تتعلق بحل المشكلات الواقعية،ويمكن ترجمتها إلى معرفة تطبيقية مباشرة تلائم المجتمعات المختلفة(31). ‏



والسؤال الذي يطرح في هذا الاتجاه هو ،من يسيطر على عملية اختيار وتوزيع المعلومات؟وكيف يتم ذلك؟..فهناك حاجة خاصة للتركيز على تنمية البنية الأساسية القومية مع إمكانية الانتفاع بموارد العالم من المعلومات العلمية والتقنية،بحيث يمكن أن تضيف إلى المخزون العالمي من المعلومات معرفة ذات أصلي محلي،وذلك عامل من عوامل نجاح التنمية القومية المستقلة. ‏



البعـد التربوي للاتصال والإعلام: ‏



أدى التطور السريع في علم الاتصال والإعلام في معظم البلدان والتوسع في الأشكال المختلفة للاتصال والإعلام الجماهيري(وخاصة السمعية-البصرية)إلى فتح آفاق جديدة ومضاعفة الروابط بين التعليم والاتصال(32)،حيث ان هناك زيادة واضحة في الطاقة التربوية للاتصال،ويؤدي الاتصال بما وهب من قيمة تربوية أكبر،إلى خلق بيئة تعليمية،وفي حين يفقد النظام التعليمي احتكاره لعملية التربية،فإن الاتصال يصبح هو نفسه وسيلة وموضوعاً للتعليم،وفي نفس الوقت تعتبر التربية أداة لا غنى عنها لتعليم الناس كيف يتصلون على نحو أفضل،وكيف يحصلون على منافع أكبر،وهكذا توجد علاقة متبادلة متزايدة بين الاتصال وبين التعليم(33). ‏



لقد أولـى الكثير من المفكرين والباحثين والسلطات الحكومية وخاصة في الدول النامية،أهمية كبرى للقيمة التربوية للاتصال والإعلام ولأثرهما في التطور الثقافي،فوسائل الإعلام تعادل المدرسة بالنسبة لأعداد لا حصر لها من الرجال والنساء الذين حرموا من التعليم،حتى ولو لم يستطيعوا أن يحصلوا منها إلا على العناصر التي يتسم مغزاها بأقل من الثراء ومضمونها بأكبر قدر من البساطة،والدليل على ذلك الأهمية التعليمية للرسائل والأنباء التي يتم بثها عبر العالم،أو على العكس مضمونها المضاد للتعليم والمجتمع(34).وقد يكون من الصعب أن ننكر الأثر التربوي لوسائل الإعلام والاتصال بصفة عامة،حتى في الحالات التي لا يكون فيها لمحتوى الرسائل طابع تربوي.ويتمثل دور الاتصال في التربية وفي التنشئة الاجتماعية،في أنه ينبغي للاتصال أن يفي بأقصى قدر ممكن من احتياجات التنمية في المجتمع،وأن يعامل كسلطة اجتماعية.كما أن وجود الاتصال في كل من مكان في المجتمع الحديث هو علاقة على ظهور إطار جديد للشخصية يتسم بطابع تربوي قوي،وقد أدى إغراق المواطنين بقدر متزايد دوماً من المعلومات،وأكثر من ذلك توسيع نطاق التدفق الإخباري ليشمل فئات اجتماعية وجغرافية جديدة إلى خلق انطباع بأن الانتفاع بالمعرفة قد أصبح حراً،وأن الفوارق الاجتماعية يمكن القضاء عليها(35). ‏



كما يمكن الكشف عن الأسرار المهنية،حيث إن مفاهيم مثل"حضارة الفيديو"و"التعليم البديل"و"المجتمع المسير بالحاسبات"و"القرية العالمية"إنما تعكس ذلك الوعي النامي بأن البيئة التقنية تخلق شكلاً دائماً من أشكال عرض الأخبار وامكانية الوصول إلى المعرفة.حيث إن المعرفة التي تقدم وتجمع يومياً عن طريق وسائل الإعلام والاتصال المختلفة هي أشبه بالفسيفساء من حيث تمايزها مما يجعها غير مرتبطة بالفئات الفكرية التقليدية،دون أن ننكر القيمة الباطنة والظاهرة للمعرفة المجمعة على هذا النحو،لا نكون مبالغين إذا أكدنا أن المعلومات المقدمة ذات طبيعة مضطربة،وأن الأولية تعطى لنشر الأخبار التافهة والمثيرة،وأن هناك"تشويشاً"متزايداً على حساب الرسالة الإعلامية الحقيقية(36)،وبالإضافة إلى ذلك فوسائل الاتصال الجماهيرية تميل إلى دعم واثراء نظمنا الرمزية المشتركة وذلك بالتعبير عنها وتفسيرها بطرائق جديدة،وبذلك فإنها تقلل من الصفات المميزة للمجموعات وتعزز القوالب الجامدة،ويصبح التنميط الفكري أرسخ قدماً وبدرجة تزيد كثيراً عن ذي قبل. ‏



وفي الوقت ذاته،طورت المحطات الإذاعية في كثير من البلدان برامج تعليمية مفيدة ومبتكرة بعضها"نظامي"(دعم للمناهج المدرسية،أو الدراسات الجامعية)وبعضها الآخر"غير نظامي"،موجه بصفة خاصة إلى المزارعين والأشخاص الذين هم بحاجة إلى التزود بمعارف تقنية(37).كما تخصص بعض البلدان المتقدمة أو النامية،قنوات إذاعية وتلفزيونية منفصلة للبرامج التعليمية،بينما تخصص بعضها الآخر فترات متباينة من برامجها الإذاعية لأغراض التربية والتدريب والتعلم،وتعد هذه البرامج عادة بالاشتراك بين المربين والإذاعيين. أدى التفاعل المفاجئ في تكنولوجيات الاتصال لأغراض التربية أول الأمر إلى تحليل"نتائج" ووضع المثيرات التي تزداد باستمرار ودراسة أثرها،واليوم يمكن أن نستنتج أن أنماط الاتصال تكون جزءاً من مجموعة أكبر من التحولات التي أدت إليها تغيرات تدريجية في البيئة،وأن تأثير التكنولوجيا يختلف تبعاً للظروف النفسية والفكرية والاجتماعية والثقافية للأفراد الذين يتعرضون لها.كما اضطرت المدارس والكليات في معظم المجتمعات إلى التخلي عن احتكارها للتعليم،نظراً لأن الاتصال يؤدي جانباً كبيراً من وظيفتها التقليدية،ويطرح ذلك قضية إعادة النظر في وظائف المدرسة،فقد كانت المدرسة حتى مطلع هذا القرن هي المصدر الأساسي للمعرفة والمدرس هو الشخص المعتمد رسمياً لتقديم هذه المعرفة وذلك حتى في المجتمعات الصناعية.وكان الفرد بالأمس يعتمد بالأساس على المدرسة في معرفته بالعالم وفي مقدرته على التحكم في أنماط السلوك بما يمكنه من أن يندمج فيه،أما اليوم ففي معظم المجتمعات يعمل النظامان(المدرسة والاتصال) في تنافس وبذلك تخلقان التناقضات بل والمشكلات الصعبة في عقل الفرد،فالنظام التعليمي يتعارض مع نظام الاتصال التي يتيح معرفة كل ما يتعلق بموضوعات الساعة وكل ما هو جديد،ويعكس اضطراب العالم والفهم الميسر والسعي وراء الملذات،واليوم يعتبر هذا التعارض مقبولاً في المجتمعات الغنية حيث يكون التبذير هو القاعدة في معظم الأحيان،إلا أنه لا يتمشى مع أوضاع البلدان النامية،ومع ذلك فإن وسائل الإعلام تملك من الوجهة العملية مقدرة هائلة على نشر المعلومات والمعرفة بحيث لا يستطيع أي مجتمع أن يستغني عنها،وتضطلع المدرسة إلى حد ما بوظيفة تعليم طريقة دمج وتركيب وتحليل المعارف والمعلومات المشتقة من الخبرة وفهم اللغات التي تصف العالم وتفسره. ‏



ومن الناحية العلمية تميل المؤسسات التربوية إلى أن تضم معظم أشكال وسائل الاتصال الحديثة تحت جناحيها بحيث تتخذ هي قراراتها الخاصة بها وتحدد اختياراتها،وقد بدأت بعض البلدان في القيام بمبادرات لتلقين المعارف عن وسائل الاتصال وطرق استخدامها منذ التعليم الابتدائي وخلال الدراسة الثانوية ويتم ذلك من خلال إدخال الصحافة في المدارس،وتهدف هذه المبادرات إلى تعليم الأطفال أن يتصرفوا بطريقة نقدية تجاه الإعلام،وأن يختاروا المواد التي يقرءونها وبرامج وأنشطة قضاء وقت الفراغ وخاصة التلفزيون وفق معايير كيفية وثقافية.وتؤدي زيادة أهمية الاتصال في المجتمع إلى حمله على إلقاء مسؤولية جديدة على النظم التعليمية،مسؤولية تعليم الاستخدام الصحيح للاتصال في الوقت الذي نوضح فيه أخطار المعرفة السطحية المستمدة من الوسائل السمعية البصرية،ومن "وهم" قدرة المعالجة الآلية للمعلومات. ‏



والواقع ان ما ندعو إليه في هذا الصدد، هو شكل من أشكال التعليم يتسم بمزيد من النقد ويكون قادراً على تحرير الفرد من الانبهار بالتكنولوجيا،وجعله أشد حذراً وأكثر تدقيقاً،وتمكينه من أن يختار بتمييز أكبر بين مختلف منتجات كلية الاتصال،ومن المسلم به حالياً أن الاتجاه نحو تحسين نوعية المواد الصحفية وبرامج الإذاعة والتلفزيون إنما يعززه مثل هذا التعليم،وتهدف المؤسسات التعليمية المختلفة الخاصة بالتعليم النظامي وغير النظامي في تمهيدها الطريق لنهج مستقبلي للاتصال على أساس المشاركة الحقيقية إلى بناء عالم مثالي يمكن لأي فرد فيه أن يصبح منتجاً ومستهلكاً للمعلومات في آن واحد.وأخيراً لعل أهم جانب من جوانب التكافل بين الاتصال والتعليم،هو أن عملية التعليم بوضعها هذا،لا بد أن تصبح بالنسبة للتلاميذ والطلاب على جميع المستويات تجربة للاتصال والعلاقات الإنسانية والأخذ والعطاء والزمالة الفكرية بدلاً من أن تنقل المعرفة في اتجاه واحد. ‏



ولا بد أن يصبح التعليم وسيلة لاختراق الحواجز بين الأفراد والطبقات والمجموعات والأمم،وهذا هو أفضل ما يمكن أن تساهم به المعرفة والخبرة في مجال الاتصال لإثراء التعلم والتدريب والتعليم،ذلك أن مهمتها الأساسية هي التبادل الذي هو شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي يعمل عن طريق الرموز. ‏



وهكذا يتضح إن التعليم،يزيد على الاتصال في جوانب ويقل في جوانب أخرى،فالافتقار إليه يسفر عن شيوع الأمية مما يهبط بقدرات الاتصال إلى الحد الأدنى،ويصبح التوسع فيه أساساً لاتصال متزايد،ومن ثم فإن أي مناقشة لضرورة علاج الإخلال في الاتصال لا يمكن أن تتجاهل أهمية التعليم الشامل وتحسين نوعية التعليم والفرص التعليمية. ‏



الترابط بين الثقافة والاتصال والإعلام: ‏



هناك تكامل بين الثقافة والاتصال،فإذا استخدمنا مصطلح"الثقافة"نعني مجموع إنجازات الإبداع الإنساني(كل ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة)وإذا اعتبرنا مصطلح الثقافة تجسيداً لكل ما يسمو بالحياة الإنسانية على المستوى الحيواني لنضم كافة جوانب الحياة وكل طرائق التفاهم،وعلى ضوء هذا فإن الاتصال-بين الناس والأمم على حد سواء-عنصر أساسي في كافة نواحي الحياة ومن ثم في كل ثقافة(38).ويعتبر دور الاتصال والإعلام بمثابة دور الناقل الأساسي للثقافة،إذ أن وسائل الاتصال هي أدوات ثقافة تساعد على دعم المواقف أو التأثير فيها،وعلى تعزيز ونشر الأنماط السلوكية وتحقيق التكامل الاجتماعي،وهي تلعب أو يتعين عليها أن تلعب،دوراً أساسياً في تطبيق السياسات الثقافية،وفي تيسير إضفاء طابع ديمقراطي على الثقافة(39). ‏



وتشكل وسائل الاتصال والإعلام بالنسبة لملايين البشر،الوسيلة الأساسية في الحصول على الثقافة وجميع أشكال التعبير الخلاق،كذلك فللاتصال دور في تدبير شؤون المعرفة وتنظيم الذاكرة الجماعية للمجتمع،وبخاصة جمع المعلومات العلمية ومعالجتها واستخدامها،وهو يستطيع إعادة صياغة القالب الثقافي للمجتمع،ومع ذلك ففي هذا المجال كما في سائر المجالات،فإن التطور السريع للتكنولوجيا الجديدة ونمو البنى المصنعة،التي تمد سيطرتها على الثقافة وعلى الإعلام يخلق مشكلات وأخطار.وعلى الرغم من القدر الهائل من التغيير الثقافي،لا يزال يحتفظ بأشكاله التقليدية القائمة على التبادل بين الأفراد،فإنه من الحق الجائز أيضاً القول بأن وسائل الإعلام الجماهيرية في العالم الحديث توفر الزاد الثقافي،وتشكل الخبرة الثقافية لملايين كثيرة من الناس،أما بالنسبة للأجيال القادمة،فإنها تخلق لهم ثقافة جديدة ليس من السهل تعريف طبيعتها،كما أنه من الصعب الحكم على قيمتها،فقد تم تقديم روائع الإبداع الخلاق من الماضي والحاضر على السواء،إلى الجماهير الجديدة على الصعيد الدولي والوطني،كما توفرت التسلية بأشكالها المتعددة على نحو أيسر من ذي قبل،وهي تستجيب بلا شك لاحتياجات ومطالب إنسانية. ‏



تعتبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والثقافة الجماهيرية هي ظواهر مميزة للقرنين الأخيرين(التاسع عشر والعشرون)على أقصى تقدير،ويمكن تحديد تطورهما من وجهة نظر اقتصادية على أنه جاء تطبيقاً للتغيرات التي أحدثتها الثورة الصناعية في مجال الثقافة والنتيجة المترتبة على ذلك هي ظهور الإنتاج والتوزيع لسيل مستمر من الرسائل والمثيرات على نطاق هائل وذلك من خلال الوسائل التقنية والمؤسسات الملائمة،والثقافة الجماهيرية بالتأكيد لا تعني الثقافة الشعبية التي يتعين عليها في أحوال كثيرة أن تخوض معركة حاسمة ضد أشكال لا ثقافية خلقتها قلة مسيطرة ثم قامت بنشرها على نطاق جماهيري،ومع ذلك فإن مفهوم الثقافة الجماهيرية لا يخلو من غموض،فهي قد تحظى بالموافقة عندما تفكر في تقبلها بوجه عام،وقد تكون موضع ازدراء عندما تستهجن ضحالتها(40). ‏



وهناك خطر أخر اكتسب أبعاداً كبيرة،هو السيطرة الثقافية التي تتخذ شكل الاعتماد على نماذج مستوردة تعكس قيماً وأساليب حياة غريبة وتتعرض الذاتية الثقافية للخطر من جراء التأثير الطاغي للأمم القوية على بعض الثقافات القومية واستيعابها رغم أن الأمم صاحبة هذه الثقافات الأخيرة هي ورثة ثقافات أقدم عهداً وأكثر ثراء.وحيث أن التنوع والتباين هما من أهم خصائص الثقافة وأقيمها،فإن العالم بأسره هو الخاسر من جراء هذا إن التعدي لقوى التأثيرات المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى السيطرة الثقافية،هو مهمة عاجلة اليوم،ومع ذلك،فإن المشكلة ليست بسيطة،فالتاريخ يبين أن أفق التفكير الضيق يؤدي إلى الركود.وإن الثقافة لا تتطور بانغلاقها على نفسها داخل قوقعتها وإنما تتطور بالتبادل الحر مع الثقافات الأخرى والحفاظ على الصلة بكل قوى التقدم الإنساني في حين أن التبادل الحر لرسائل لا بد أن يكون أيضاً على قدم المساواة وقائماً على أساس الاحترام المتبادل،ولضمان ذلك فإن من الضروري أن تتم حماية وتعزيز الثقافات المهددة،وتطوير الاتصالات على الصعيد المحلي، وتمهيد السبيل لأشكال بديلة من الاتصال لمواجهة ضغوط وسائل الإعلام الكبرى.كما يجب التأكيد على أن المشكلة لا تنحصر في العلاقات بين أمة وأخرى،بل كثيراً ما تنشأ في أكثر أشكالها حدة وأشدها خطراً داخل الأمم التي تضم بين سكانها أقليات ثقافية.وإذا لم يتوفر عنصر التنوع فلن نستطيع ضمان مستقبل ثقافي أكثر غنى ترتبط فيه ثقافات العالم المتعددة فيما بينها،وتحرص في نفس الوقت على المحافظة على أصالتها. ‏



آثار التكنولوجيا الحديثة على نظم الاتصال والإعلام: ‏



بلغ التقدم التكنولوجي وتزايد تكنولوجيا الاتصال والإعلام الآن درجة كبيرة من التطور تتيح التنبؤ بالاتجاهات وتحديد الآفاق،وتعيين المخاطر وعثرات الطريق التي يمكن ظهورها.ولا شك أن العلم والتكنولوجيا يحققان مثل هذا التقدم على نحو مستمر،مما قد يسهل تحطيم الحواجز بين الأفراد والأمم(41)وأن هذا الاتجاه لا رجعة فيه،لكن النتائج التي يمكن التنبؤ بها حالياً ليست مؤاتية بالضرورة . ‏



والمعلوم أن الاهتمام الآن مركز في كافة البلدان المصنعة،وفي عدد متزايد من البلدان النامية على الفرص الجديدة التي تعرضها الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال،ومع ذلك فإن هذه الفرص ليست بعد في متناول أي فرد،ويرجع ذلك إلى عوامل سياسية واقتصادية،لأن كثيراً من الاكتشافات العلمية والابتكارات(الاختراعات)التكنولوجية قد توصل إليها عدد قليل من البلدان ومن الشركات غير الوطنية التي قد تستمر في السيطرة عليها لفترة طويلة قادمة.ومن ثم فمن الحيوي أن تحدد كيف يمكن أن يكون لهذه التطورات التكنولوجية أقصى فائدة لكل الأمم ولكل جماعة في داخل كل أمة،وفي نهاية المطاف لكل الرجال والنساء،وكيف تستطيع أن تساعد على التخفيف من ضروب التفاوت والظلم. ‏



كما أن هناك إحساساً يتسع نطاقه باطراد بأن التقدم التكنولوجي يسبق قدرة الإنسان على تغير آثاره وتوجيهها إلى أفضل السبل،وهو الأمر الذي عبر عنه مفكرون كثيرون طوال قرن أو أكثر وهذه الفجوة تمثل علاقة مزعجة في مجالات معينة كعلم الحياة وعلم الوراثة والفيزياء النووية،وتتقدم التكنولوجيات الجديدة بقوة الدفع الذاتي الخاصة بها أو نتيجة للضغوط السياسية أو المتطلبات الاقتصادية وتفرض نفسها قبل إمكانية استيعابها وتفلت من جميع أشكال الرقابة الأخلاقية والاجتماعية. ‏



وتتسم آثار التكنولوجيا الحديثة بالغموض،حيث أنها تحمل خطر جعل نظم الاتصال القائمة أقل مرونة وتضخم عيوبها واختلالها الوظيفي،فعلى الرغم من إقامة شبكات مركزية أكثر قوة وتجانساً على نحو مطرد،ينشأ خطر زيادة تركيز مصادر الإعلام العامة والمؤسسية وتفاقم ضروب التفاوت والاختلال،وزيادة عدم الإحساس بالمسؤولية والعجز لدى الأفراد والمجتمعات على حد سواء،فقد يؤدي تعدد قنوات الإرسال الذي أتاحته الأقمار الصناعية للبث المباشر إلى تنوع الأهداف والمشاهدين والمستمعين،بيد أنه من خلال اشتداد المنافسة قد يؤدي هذا التعدد إلى توحيد نمط المحتوى كما قد يؤدي على الصعيد الدولي إلى زيادة حدة التبعية الثقافية بزيادة البرامج المستوردة.ومن المحتمل أن يؤدي إنشاء بنوك المعلومات(البيانات)المتصلة بالحاسبات الإلكترونية إلى فجوة متزايدة بين البلاد والمناطق،وذلك بتقليل الوسائل المتاحة لأفقر البلاد للانتفاع بالمعلومات. كما أن ظهور مجتمعات واسعة ترتبط فيما بينها بالمعالجة الآلية عن بعد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التناقض الظاهر فعلاً بين تكامل البلدان وسيادتها.حيث إن الحاسب الآلي يمكن أن يصبح خادماً أو سيداً حسب الظروف وحسب طريقة استخدامه،ويمكن استخدام المعالجة الآلية عن بعد لجعل المجتمع أشد اتساماً بالطابعين الهرمي والبيروقراطي وتدعيم التكنوقراطية والمركزية وزيادة السيطرة الاجتماعية التي تمارسها السلطة(السياسية أو المالية)،ومن ناحية أخرى فقد يؤدي إلى جعل الحياة الاجتماعية أكثر تحرراً وتلقائية وانفتاحاً وديمقراطية وذلك بحماية تنوع مراكز اتخاذ القرارات والإعلام،وليس بمقدورنا أن نستبعد هذا الاحتمال. ولا يقل عن ذلك أهمية حماية البعد الإنساني للاتصال وتقنياته،نظراً لأن المرافق التكنولوجية الجديدة والنفوذ المسيطر للبنى الكبيرة قد أديا على نحو ما إلى نزع الطابع الإنساني عن الاتصال،لذلك فإن بعض البلدان تفضل الوسائل السمعية البصرية الخفيفة التي صممت خصيصاً للمجموعات الصغيرة ذات المصالح المشتركة،وتلعب دوراً فعالاً في اتخاذ القرارات المشتركة،ومن ثم فهي في طريقها لأن تصبح جزءاً لا يتجزأ من العمل الاجتماعي(في مشروعات إعادة التوزيع الاقتصادي،وفي تنظيم دوائر مستقلة للمعلومات والمجتمعات المحلية والمهنية،والدراسات الثقافية والتغير الثقافي).ويبدو من المحتمل أن يؤدي تطوير الوسائل التقنية لأجهزة التسجيل المرئي(الفيديو)الخفيفة والسهلة الاستخدام والرخيصة نسبياً والتي يمكن تطويعها لتلائم مختلف أنواع الإنتاج،إلى وضع نهاية لذلك الانفصال بين صناعة ثقافة موجهة للإنتاج السلعي الكبير وبين الجزر المتناثرة من وسائل الاتصال الجماعي.ولهذه الغاية أيضاً،فإن بعض البلدان تشجع المشاركة النشطة من جانب المنتفعين بوسائل الاتصال في تبادل المعلومات والإسهام الديمقراطي للشعب والمشاركة في إدارة وسائل الاتصال وما شابه،وقد تمهد مثل هذه الإنجازات السبيل إلى لا مركزية بنى الإنتاج والتوزيع في مجال الاتصال الاجتماعي.ولإيجاد حلول لهذه الإشكالية،يتعين اتخاذ قرارات وإجراء اختيارات جزئية-اقتصادية وتكنولوجية،وسياسية في المقام الأول-إذ يتعين اتخاذ القرارات السياسية لتجنب بعض النتائج الاقتصادية والتكنولوجية غير المتوقعة،ولحماية احتياجات كافة الفئات الاجتماعية والكيانات القومية وللحفاظ على مصالح الأجيال المقبلة والعالم بأسره.والحقيقة يؤدي هذا المزج من المشكلات المقترنة بظهور التكنولوجيات الجديدة إلى بروز قضايا أساسية ستواجهها كافة المجتمعات،إلا أنه في حين تتيح التكنولوجيات الحديثة آفاق جديدة لتطوير وسائل الاتصال،فإنها تخلق أيضاً مشكلات وأخطاراً،ويجب علينا أن نحذر من إغراء اعتبار التكنولوجيا أداة صالحة لجميع الأغراض قادرة على الحلول محل العمل الاجتماعي،والتفوق على الجهود المبذولة من أجل إحداث تحولات بنيوية في البلدان المتطورة والبلدان النامية ويتوقف المستقبل إلى حد كبير على الاختيارات المتاحة وعلى توازن القوى الاجتماعية وعلى الجهد الواعي لتوفير أفضل الظروف لنظم الاتصال والإعلام داخل الأمم وفيما بينها.(يتبــع). ‏



أ. نبيل زكــار ‏



المصدر: شبكة الإستراتيجية ‏

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس