الموضوع: الصلاة
عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 29-09-2008, 02:12 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

وإطلاق السراح والتضييق والحرمان كلاهما عند هذا الطالب سيَّان في الخير إذ لولاهما لما استقامت نفسه ولما كدَّت وجدّت في سبيل التعليم، وبالتالي لما نالت تلك المنزلة الرفيعة، ولما بلغت ذلك الشأن العالي في المجتمع، فهو يحمد معلمه على ما قام به تجاهه من تصرُّفات لأنها كلها خير وإحسان
. وكذلك بالنسبة للابن الرشيد مع أبيه، والمريد الصادق مع مرشده ودليله إلى الله والمؤمن مع رسوله، والإنسان تجاه خالقه ومربيه فهذا الإنسان حينما يرى مثلاً أن هذه الأمراض التي ساقها الله له تعالى في الحياة، وأن الفقر والمصائب والهموم والكروب والشدائد في الحروب إنما كانت سبباً في توبته إلى الله، وخلاص نفسه وتطهيرها مما بها من العلل والأمراض. تراه حينما يشعر بالصحة النفسية يحمد الله تعالى على ما تفضَّل به عليه. ويرى الخير في جميع تلك المعاملات التي عامله بها تعالى مهما كانت شديدة، ومهما كانت مؤلمة إذ أنه لولاهما لما تطهرت نفسه من الأدران ولما تمحَّصَ ما في قلبه، بل لكان ألمه النفسي ولكانت دنائته وانحطاطه أشد عليه من جميع تلك الشدائد من مرض أو فقر أو خوف وفزع وضيق.

ذاك كله يراه المؤمن في الحياة الدنيا فيحمد الله تعالى عليه في دنياه قبل موته، فإذا كانت الآخرة وكانت الحياة الطيبة وأضحى هذا المؤمن في جنان الخلد يستغرق في النعيم فهنالك يحمد الله تعالى حمداً لا نهاية له حمداً لا يوافي نعم الله ولا يكافئ مزيده، لأن نعمه تعالى لا تتناهى، وكل حمدٍ مهما عظم ففضله تعالى أعظم ونعمته سبحانه أكبر وأكبر
. أما الكافر فيحمد الله تعالى في الآخرة، يحمده على أن ساق له في الدنيا ما ساق من شدائد كلها كانت في مصلحته ولخيره ويحمده على أن خلق له النار لأنه يرى أن احتراق جسده بها وشديد إيلامها أهون عليه مما يخالج نفسه ويلازمها من حسرة على ما فرّط في الحياة الدنيا ومن خزي ودناءة وانحطاط تمثل أمامه بسبب أعماله التي قدّمها، فإذا ما صار إلى النار وذاق عذاب حريقها وكان ذلك الألم الجسدي من عذاب الحريق سبباً في غيبته عن آلامه النفسيّة التي لا تطاق، وسبباً في احتجابه عن عاره وخزيه ودناءته وحسراته فهنالك يحمد الله تعالى.

قال صلى الله عليه وسلم
: «إن العَارَ ليلزم المرءَ يوم القيامة حتى يقول يا ربِّ لإرسالُكَ بي إلى النارِ أيسرُ عليَّ ممَّا ألقى وإِنَّه ليعْلَم ما فِيهَا من شِدةِ العذاب»(1).

وهكذا فأهل الجنة يحمدون الله تعالى، وأهل النار يحمدونه، وكل الخلق يومئذٍ يرون فضل الله تعالى عليهم، وعظيم إحسانه إليهم قال تعالى
: {..وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ}(2).

ولا تظننَّ أن معنى كلمة
(الحمد لله)تقف بنا عند هذا الحدّ الذي بيَّناه فما ذاك من معناها إلا طرف يسير، وهنالك معانٍ تنطوي تحت هذه الكلمة لا يعلمها إلا الله فما من واقع يقع، ولا حادث يحدث ولا حال يحول ولا همّ ولا غم ينزل، ولا مرضٍ أو فقر وشدة تلمّ إلاَّ وهي من الله تعالى فضل ونعمة وإحسان تسوقها وتنزلها يد الرحمن الرحيم، فهو تعالى دائم العناية بالخلق، باسط يده على عباده بالحنان والرحمة يقلبهم من يسر إلى عسر ومن ضيق إلى فرج، ومن فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر وفاقة، ومن صحة إلى مرض، ومن مرض إلى صحة، يحوِّل من حال إلى حال وكل ذلك منه تعالى تمحيص وتنقية لهذه النفس وكله منه تعالى مداواة وتطهير وتصفية، وكل ذلك فضل ورحمة وإحسان فلو كشف الغطاء لما اخترت غير ما اختاره لك الله ولرضيت بالواقع. قال تعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(1) .

وفي الصبر على ما تكره خير كثير
. قال تعالى: {..وَبَشِّرِ الصَّابِرينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أولَئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئكَ هُمُ الْمهْتَدُونَ}(2).

فالمؤمن إذا أصابته المصيبة، وحاقت به الشدة صبر واستسلم لأنه يعلم أن يد الحنَّان المنَّان إنما أنزلت به ما أنزلت من شدة، فكيف لا يرضى وكيف لا يستسلم؟
. إنه يرضى ويستسلم لأنه يعلم رحمة الله، ويعلم حنان الله ويرى عناية الله، عنايته تعالى التي خلقت ما في الأرض وما في السموات لهذا الإنسان، عنايته تعالى التي سخَّرت الشمس وسخَّرت القمر دائبَيْن، وسخرت الليل والنهار والأنهار والبحار، وخلقت من فواكه وأثمار ونباتات وأزهار وسهول وجبال، ومآكل ومشارب ولذائذ، خلقت كل ذلك وتخلق على الدوام فضلاً ومنَّة ورعاية لهذا الإنسان، إنه يرى تلك العناية الإلهية المحيطة به، القائمة على هذا الكون كله والمشرفة عليه كله، إنه يرى دوام العناية الإلهية عليه في الليل والنهار، وفي كل لحظة من اللحظات فلو انقطع إمداده تعالى عن العين لما أبصرت وعن الأذن لصمّت وما سمعت، وعن اللسان لتوقّف وما نبس بكلمة، وعن الفكر لزال وما وعى، وعن القلب لسكت وما نبض نبضة، يرى المؤمن عناية الله تعالى به ظاهراً وباطناً فيستسلم لتصرُّفاته تعالى ويعلم أنها كلها خير وفضل ورحمة.

ويحمده تعالى على كل حال
. على أن كلمة (الحمد لله رب العالمين)ليست فيما وردت عليه الآن في سورة الفاتحة اعترافاً من المصلِّي يعترف به، وإقراراً يقرّه، بل إنما هي إعلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رد مع اقتباس