عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29-12-2006, 08:18 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

دور فلسفة التاريخ في البعد التربوي

زكية بالناصر القعود
14/12/2006

--------------------------------------------------------------------------------


إن علم التاريخ هو ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية الذي يستهدف جمع المعلومات عن الماضي وتحقيقها وتسجيلها وتفسيرها، فهو يسجل أحداث الماضي في تسلسلها وتعاقبها، ولكنه لا يقف عند تسجيل هذه الأحداث، وإنما يحاول عن طريق إبراز الترابط بين هذه الأحداث وتوضيح العلاقة السببية بينها أن يفسر التطور الذي طرأ على حياة الأمم والمجتمعات والحضارات المختلفة، وأن يبين كيف حدث هذا التطور ولماذا حدث(1).

ومن فوائد دراسة علم التاريخ : الاطلاع على ثقافات الشعوب على أحوال الماضي للاستفادة منه خبرة للحاضر والمستقبل، إذا كان هدف الإنسانية أن تعيش فلا بد من الاستعانة بأي فرع من فروع المعرفة، ولن يتأتى هذا لو أننا أهملنا العلم الذي يعرفنا كيف عاش الناس من قبلنا، وهكذا فإننا بالتاريخ نعيش أعمارا كثيرة.(2)

يقول حسين مؤنس: (إن الفائدة الكبرى التي يمكننا أن نجنيها الآن من دراسة التاريخ لهي بلا شك التوسع في معرفة الإنسان واقتباس عادة التدقيق في الشخصيات بحيث تكشف أعمق ما في كل شخصية عن طريق التعرف إلى جوهر الإنسانية الثابت خلال الدهور.)(3).

كما أن معرفة الماضي قد تمهد الطريق وتهدي إلى التقدم في الحاضر إذا تجنب الإنسان ما اتضح في الماضي مخيبا الآمال. إننا لا نستطيع أن نعيش وأن نعمل وأن نساير الزمان إلا إذا احتفظنا بالتضامن الوثيق مع الماضي.(4)

ويعد التاريخ من أهم مقومات الشخصية، حيث إن الفهم الصحيح لأحداث التاريخ يعين على بناء الشخصية السرية ووقايتها من الذوبان، ومن الأمراض النفسية التي تعترضها وتشل طاقتها، فكما أن الإنسان يحتاج إلى ذاكرة فهو يحتاج إلى تاريخ لأن التاريخ هو ذاكرته القومية، وعلماء النفس يعلمون الاختلال الذي يطرأ على التوازن العقلي والنفسي إذا ما فقد المرء ذاكرته، فكما يمرض الفرد لفقد الذاكرة أو اضطرابها كذلك تمرض الشعوب لضياع تاريخها (5).

وإذا تمعنا اليوم في أبناء امتنا نجدهم في يعيشون مرحلة صراع وعدم استقرار وتشعرون بالضياع، أنهم اضعفوا ذاكرتهم ببعدهم عن تاريخهم وتراثهم وهذا يرجع إلى الأسباب التي أشرنا إليها في المقدمة .
يمكن أن نوضح أهمية التاريخ في نقاط الآتية

1- بعث الروح القومية والإسلامية والاعتزاز بهما
2- معرفة الحاضر
3- أداة إطلاق وتحرير ( معرفة العيوب ومعالجتها)
4- مادة ثقافية
5- مدرسة لتعليم الأخلاق ( الوعظ والاعتبار من خلال سير والتراجم )
وقد حذر جزيفير من الجهل بقيمة التاريخ تربويا في قولة " قد يؤدى الجهل بقيمة التاريخ تربويا ‘إلى مسالك متعارضة، فالفرد الذي يجهل أحداث الماضي عرضة، لان يأخذ بأحد الاتجاهين :-
الأول : التعلق بكل ما هو جديد من اتجاهات أو نظم معتقدا أنه السبيل الوحيد إلي النجاح دون إن يحاول أن يعرف ما إذا كان هذا الجديد هو السبيل المباشر أو ما إذا كان هذا قد جرب من قبل .
الثاني: اعتقاد الفرد بأن فكرة التقدم مجرد وهم، فأنه لا يخرج من المسار إلا من المضمون الذي رسمته التقاليد الراسخة وهكذا يسير متخبطا (6)
وللوعي بدروس التاريخ فمن الطبيعي ان نلجأ إلى الأساليب المعروفة المطروحة، إلا ان علينا أن لا نندفع وراء كل ذلك .


فلسفة التاريخ

ولتحقيق أعظم الفوائد من التاريخ لابد من دراسته في إطار فلسفي.

ويعتبر عبد الرحمن بن خلدون أول من أستخدم تعبير فلسفة التاريخ،حيث قصد بها البعد عن السرد وتسجيل الأحداث دون ترابط بينها، كما قصد بها التعليل للأحداث التاريخية، وهو قد يميز بين الظاهر والباطن في التاريخ، حيث يقول عن التاريخ " في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن ُيعد في علومها وخليق ) (7)

كما أن الفيلسوف الفرنسي (قولتير ) كان أول من صاغ مصطلح فلسفة التاريخ في القرن الثامن عشر من بين الفلاسفة الأوروبيين، وقد قصد بها دراسة التاريخ من وجهة نظر الفيلسوف، أي دراسة عملية تحليله ناقدة، ترفض الخرافات وتنقح التاريخ من الأساطير والمبالغات من أجل نشر الحرية والتنوير العقلي كما يعتقد . (8)

وفلسفة التاريخ هي سبيل لتقص القيم الخالدة . وذلك بعرض العديد من القرائن لوزن القضايا الحالية والحلول المؤقتة في نطاق واسع . إنها تتيح الفرصة لتقيم معتمدين . ضمانة تحول دون ضياع القيم الأساسية في غمرة معالجتنا أمور طارئة، وبذلك نتجنب تعقيد القضايا الأخرى اثناء انشغالنا بقضية واحدة فمهما بلغت هذه القضية من الإلحاح تستطيع فلسفة التاريخ ان تنهج نهجين معا:

1- نهجا يزيد الخيال الاجتماعي شعورا بالمسؤولية إذ يربطة بالرواسي .
2- - نهجا يزيد هذا الخيال حرية ومرونة إذ يوسع أمامه جمال إدراك الإمكانات البشرية .(9)
أي إن فلسفة التاريخ هي تفكير حول معنى التاريخ وهدف اكتشاف القوانين العامة التي تحكم الصيرورة الإنسانية . ويجب عدم الخلط بين فلسفة التاريخ من جهة والتفكير المنطقي الذي نطبقه على التاريخ كمعلم يدرس تعاقب الأحداث والنشاطات في الماضي من جهة أخرى.

والمراد من فلسفة التاريخ هنا استنطاق التاريخ وتحليله ونقده للوصول إلى معرفة عوامل النهضة والانحطاط ...هذه الدراسة للتاريخ لا تجعل منه جامدا بل دراسة مقاربة هدفها يميز عناصر القوة من عناصر الضعف في تاريخ الأمة .

مما تعارف عليه أن الفلسفة هي حب الحكمة والسعي وراءها وليست الحكمة في ذاتها.

وأن الحكمة والمعرفة ليستا شيئا وحدا .. فمن المعروف أن أحكم الناس ليس دائما أولئك الذين بلغوا أعلى المستويات الأكاديمية .

فالحكمة تتضمن نضجا في النظرة، وفكراً ثاقبا وفهما وإدراكا .مما لا تستطيع المعرفة وحدها أن تؤكد وجوده. وهناك من يضيف قيدا أو شرطا آخر للحكمة وهو معرفة تطبيق المعرفة والقدرة على تطبيقها . ومن هذا يتبين أن الحكمة لها خمسة مكونات أو مقومات هي الشمول . واتساع النظرة،والبصيرة والنظرة التأملية ومعرفة تطبيق المعرفة أو المعرفة المقرونة بحسن التصرف ... وهذا ما تحتاج إليه في طرق تدريسنا المواد للطلاب.
لنخلق منه أنساناً حكيماً يعتنق النظرة الشاملة، فيقدّر كل المعلومات الممكنة، ولا يقنع بزاوية واحدة أو ميدان واحد للخبرة فهو يهتم بجميع ميادين الخبرة الإنسانية . وهو من جهة أخرى يمتاز بنظرته الواسعة التي تمكنه من أن يرى الأشياء في مجال أوسع ويقدر مغزاها الحقيقي وأن يتجاوز الحدود الضيقة للاهتمامات الخاصة والمصالح الفردية،وبذلك يصبح في وضع يمكنه من أن يحكم حكما نقذيا ذكيا ... فالإنسان الحكيم ليس سطحيا ولكنة يمتلك البصيرة ..

وهذا ما نحتاج إلية في هذا الجيل الذي بين أيدينا وهذا لايكون إلا بتكوينه وتعليمه بوسائل علمية تمكنه من هذه المقومات التي تكمن في فلسفة العلوم ومنها علم التاريخ برؤية إسلامية .

إذا علينا فبل أن نكون محاضرين أو باحثين أو مدرسين أن نكون تربويين وهذا يتطلب من المدرس أينما كان موقعه في سلم التعليم العالي أو المتوسط . أن يمتلك وجهة نظر تربوية محددة أو مجموعة من المبادئ والمعتقدات التي لها قيمة تطبيقيه في المجال التربوي وهذه العلاقة الوثيقة بين المعلم العام (الفيلسوف العام ) والمعلم التربوي ( الفيلسوف التربوي) منبثقة أصلا من العلاقة القوية بين الفلسفة العامة والفلسفة التربوية 10)
وهذا ما نحتاج إلية في العملية التعليمية لبناء جيل يرفع هذا الوطن و الأمة .... جيل يرى في العملية التعليمية بناءً عقليا وأخلاقيا و.بذلك تكون العملية التعليمية أسهمت في خلق كيان قوى لهذه الأمة من أبنائها ... في حين نرى العملية التعليمية في الوقت الحاضر هدم واستهتار بالعقل في كثرة المقررات ومواد السنوات الدراسية في مدارسنا وجامعاتنا لغياب الربط بين العلاقة بين المواد الدراسية وميادين الحياة ومبادئها ومعتقداتها ..فاستهان الطالب بالعملية التعليمية .أصبحت الشهادة العلمية مسمىً من أجل وظيفة ليكون على عتبة الحياة إنسان عبء على نفسه وعلى الآخرين . وأرى إصلاح هذا المسار لا يكون إلا بدراسة مادة الفلسفة الإسلامية للتاريخ على طلابنا، وان يكون القائمين على العملية التعليمية على دراية بفلسفة المادة في محاولة لربط المادة الدراسة بما يتلاءم مع مبادئ الحياة ومعتقداتها والقضايا المعاصرة .

إن دراسة التاريخ بفلسفة تربوية إسلامية عنصر هام لا يستغني عنه عند التخطيط للمستقبل فمثلا بعد الحرب العالمية الثانية عملت الكثير من دول العالم وخاصة المهزومة مثل اليابان على إصلاح نظمها التعليمية بما يتمشى مع المتغيرات الجديدة التي طرأت على العالم أثر الحرب، ولقد تضمن هذا الإصلاح الاهتمام بالنظرية والفلسفة في التربية وكذلك العودة والاهتمام بتطور دراسة التاريخ من الجانب التربوي ... ولا نسى دور التاريخ في أوروبا في عصر القوميات ما له من أثر في ذلك على تغير وضع أوروبا.

نرى أن دراسة التاريخ من الوجهة الفلسفية الإسلامية توضح لنا أمرين هامين : -

1- إنها تكشف عن العناصر الماضية التي تسربت إلى الفكر في حاضرنا، كما أنها توضح لنا نوع المشاكل التي تنشأ نتيجة لاصطدام التقاليد الموروثة بظروف جديدة ومطالب جديدة .
2- أنها توضح لنا كيف عمل السابقون على إيجاد حلول لمشكلاتهم الحياتية (11).

الأهداف التي نرجوها من ذلك .

1- تزويد الجيل بقدر كاف من الحقائق التاريخية التي تعينه على الوصول إلى الفروض والنظريات المتعلقة بجوانب الحياة السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وفهم هذه النظريات ومقاربتها بالنظرة الإسلامية
2- تساعد الناشئ عل تفسير الحقائق المتصلة بتطور الفكر التاريخي . ومن فهم هذه الحقائق وتفسيرها يمكن إصدار أحكام سليمة والوصول إلى قرارات سديدة قائمة على مفاهيم سليمة .
3- تعاون عناصر العملية التعليمية على تصور أو إيجاد حلول مناسبة ملائمة لما يواجهها من مشكلات فكرية أو اجتماعية أو تربوية، فمن خلال فهم حركة التاريخ و أبعاده يمكن مواجهة المشكلات والإسهام في حلها بصورة أفضل .
4- يسعى المدرس أو الباحث على فهم الاتجاهات الفكرية الحديثة في إطار أبعادها التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذا فهم العلاقة بين التاريخ والجوانب الأخرى .
5- تنمي القدرة لدى الباحث على اكتشاف العلاقات بين الأنظمة المختلفة أثارها وتأثيرها في حركة سير التاريخ، وعلاقة فلسفتها بالتطبيقات العملية والعلمية .
6- تنمية القدرة على النقد والتحليل والدراسة لدى الطالب والباحث، وذلك من خلال دراسة الفكر التاريخي والاستفادة من النظريات المختلفة، لأجل بناء فلسفة إسلامية ، وحتى يتخذ موقفا إيجابيا قائم على العلم والمعرفة من خلال عمله
7- تزيد بصيرة وعى الباحث والطالب بالمشكلات التي يمكن أن تنشأ عند اقتباس فكرة أو رأى دون أن يكون لها جذورها وإمكانياتها في إطارنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، مما يعوق حركة تطورنا


أفكار النظريات الفلسفية تجسيدا لثقافات و أوضاع المجتمع والعصر:

قبل الخوض في النظريات الفلسفية التي أحدثت اصدأ وأصبح لها مكان بين العلوم المعارف وروج لها أنصارها نحب أن ننوه إلي أن تلك النظريات كانت تعبر عن حال المفكر وثقافة.

تعددت الآراء حول تعريف الثقافة عند الغرب والغربيين، فمن تعريفات الغربيين قول كوينسى رأيت " الثقافة هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش في حالة الاتصال المستمرة بين أفراده وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الأباء وعبر العمليات التربوية " (124).

بعد أن استعراض معن زيادة تعريفات مفكرين الغربيين عن الثقافة يقول ك " هذه التعريفات كلها تبز بشكل واضح أهمية العقيدة ودور الدين في وضع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان الغربي "(13)

من تعريفات المفكرين العرب قولهم : " أن الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة كمركب كلى ونمو تراكمي مكون من محصلة العلوم المعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والأدب والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والمدركات الذهنية والحسية والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي وفي الحياة )(14)

أن المراد من عرض تعريف الثقافة توضيح أن الثقافة تبز عقيدة المفكر التي تصوغ جميع أفكاره وسلوكه .
وعليه فان تلك النظريات الفلسفية التي ندرسها لطلابنا ونقررها منهجا علميا في مناهجنا الدراسية في الحقيقة تعبر عن أصحابها ومعتقداتهم بالدرجة الأولى.

أي أن تلك النظريات أو الفلسفات للتاريخ تعكس عقلية المفكر التي تكون متأثرة تأثيرا مباشرا أو غير مباشر بالوعي أو اللاوعي بثقافة مجتمعة، وربما يكون متضامنا معها وربما يكون رافضا لها وربما يكون بين هذا و ذاك .. وهذا التأثير يلقي بضلاله على الفكرة أو النظرية، وبدلك يكون قد نقل معتقدة موروثة الثقافي إلى النظرية بشكل ظاهر أو غير ظاهرة .

ومهما كانت عقلية صاحب الفكرة نيرة كما قد يعتقدها الأخر وانه على بصيرة ومبدع فهو قاصرة بقصور الإنسان . فقد نمت وترعرعت في تربة غريبة عن تربة عقولنا، تربية أكسبتها الكثير من الخصائص التي بدون شك أثرة في أفكارها التي ستطلقه وتجد من يروج لها لأغراض يرى فيه الآخر الخير والأمل لعلاج مشكلة أو قضية أو مؤيدة لفكرة ما . ولعل من أجل الهمينه ولسيطرة على أفكار الغير في ذلك العصر، وقد تبلورة تلك الفكرة في الإطار السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي .

وعليه على كل من يسهم في بناء عقول هذه الأمة الحذر والتريث من الفكر الغربي الجديد

إذ كل مذهب يسعى إلى قولبة الوقائع التاريخية وصبّها في هيكله المسبق، واستبعاد أو تزيف كل ما لا ينسجم وهذا الهيكل . فإذا ما حدث وكان المفكر مفسرا للتاريخ وتفسير التاريخ –كما تعلم – توسيع للتحليل صوب الماضي والمستقبل اللذين يندّان كثيرا عن الحصر والضبط والتحديد فإن لنا أن نتصور كم سيجيء هذا التفسير مطبوعا بطابع العصر الذي يعيشه المفسر وكيف أن الأشياء والظواهر والأحداث في الماضي والمستقبل ستأخذ اللون الذي يجد المفسر نفسه مضطرا إلى النظر من خلال زجاجته التي سقطت عليها مواضعات العصر والظلال و الأضواء وهذا يؤدى إلى تباعد التفاسير الوضعية بدرجة أو أخرى عن العلمية والموضوعية والحياد (15).


نبده عن بعض النظريات الفلسفية للتاريخ :-

تعددت النظريات الفلسفية،و زعم فلاسفة التاريخ بأنهم يفسرون التاريخ دون الانطلاق من خلفية ميتافزيقية صريحة أو ضمنية، في حين أن كل دراسة تاريخية تتضمن رؤية فلسفية إلى التاريخ وينظرها بالنظر إلى الأهداف التي تصورها مسبقا. فصياغة فلسفة التاريخ لا تخلو إذا من أفكار مسبقة (16).

فمنها نظرية الدوران المتعاقبة، وهي نظرية قديمة وتقول بالمفهوم الدوري للتاريخ والصيرورة التاريخية، وقد عرفها الأقدمون باسم نظرية ( العودة الابدى )، وتعتبر هذه النظرية أنة بعد مرور عدة آلاف من السنين على التاريخ البشري يعود التاريخ من جديد إلى نقطة البداية في حركة دائرية (17).

ونظرية فولتير العقلية العامة : التي أراد بها تقد مفهوم التاريخ عند الاسقف " بسوت " الذي فسر التاريخ تفسيرا لاهوتيا . بقوله " ان تفسير التاريخ من هذه الرؤية لا يمثل سوى جزء ا صغيرا من الجنس البشرى . واعتبره فوق كل ذلك يكون تفسيرا لتاريخ البشرية كلها مدونا من وجهة نظر دينية خاصة من فهمة وحيا خص به هذا الجزء الصغير من البشرة لا يتمكن من فهمه إلا أولئك الذين يشتركون في هذه النظرة ".. واقترح فولثير بدلا من هذا التفسير المذهبي نظرة فلسفية للتاريخ أساسها المبادئ العقلية العامة وتعني فلسفة التاريخ هذه النظرة إلى التاريخ دون إقليمية واعتبار جميع الناس وكل المجتمعات خاضعة لقوانين ثابتة .. وكانت هذه الفكرة والتفسير رد فعل لأول صدمة كبيرة نشأت على تأثير العقل الأوربي بالعلم الحديث واتساع الاتصال مع بقية العالم أى أنه يرى تفسير التاريخ بمعزل عن الدين ....وهذا غير صحيح (18)

-ونظرية لورد بو لينغبروك فلسف التاريخ من وجه نظر أخلاقية،واعتبر أن التاريخ كأنه " الفلسفة التي تعلم القدوة " ويؤكد على أن هذه الفلسفة تقودنا إلى معرفة " بعض المبادئ العامة وكذلك بعض قواعد الحياة والسلوك التي يجب أن تكون على الدوام صحيحة ما دامت مطابقة لطبيعة الأشياء التي لا تتغير (19).

ومن النظريات نظرية التقلبات :التي ظهرت على يد سوروكن عالم الاجتماع الأميركي في كتابة الدينامية الأجتماعية والثقافية " وهو يحتوي على دراسة عن التحولات الاحتماعية والسياسية والفكرية للحضارة الغربية منذ عصر اليونان وحتى الوقت الحاضر .. ويستخلص منها النتيجة التالية :أن هذه التحولات لا تعبر عن تقدم على أمام ولاعن تطور دوري وغنما هي عبارة عن تقلبات مستمرة فقط (20)

ونظرية اشبنغلز القوة، التي برزت في كتابة " انهيار الغرب " ، حيث يرى أن الحضارة تتدهور حين تنحط طبقة النبلاء التي تمثل جانب القوة عنده فهي القوة المحاربة-.ولما كانت هذه الطبقة قد انحطت بعد الثورة الفرنسية فإن الغرب قد انهار وهو الآن في سبيله إلى شيخوخة والهرم .ويؤمن اشبنغلز بأن الحضارات لا يؤثر بعضها في بعض، بل إن كل حضارة في رأيه ليست سوى دائرة مقفلة لا يدخل إليها شئ ولا يخرج منها شئ .. وهذه الفكرة تؤشر إلى التحجر الذي أصاب الغرب والتحجر هو الاسم الآخر للانهيار نفسه .كما يعتقد أن الحضارة الفاشستية أى حضارة الغرب الحديث هي ارقي حضارة عرفها التاريخ (21)

نظرية هيجل : تعد من أكثر فلسفات التاريخ شيوعا واميزها شهرة وثراء معرفيا .

تختصر رؤية للتاريخ في كونه هو المهيمن على الوقائع ويصوغها ضمن منطقها الداخلي من خلال تفاعل الشخصيات التاريخية نفسها مع المقصد الخفي الذي يبلوره المنطق الباطني للتاريخ، حيث يقوم التاريخ وفقا لهذه الفلسفة بتفسير الواقع واستخراج القوانين والتنبؤات لما سيجرى من غير التقيد بزمن معين يراد له أن يبسط قوانين وآلية جريان أحداثة على زمن آخر،والسبب في ذلك أن العقل كما يراه هيجل هو جوهر التاريخ ومن ثم فهذا العقل هو الذي يتحكم في أحداث العالم عن طريق التاريخ نفسه،وبالتالي فكل حدث من أحداث التاريخ إنما جرى وفقا لمقتضيات العقل الذي يُموضع الأحداث العالمية لتخدم قصدا معينا أو هدفا محددا ولكن من تحت مظلة التاريخ .

هذه الفلسفة تعتبر العقل نفسه هو من يسير التاريخ بحيث يرتب أحداثه على نحو يجعلها سائرة نحو الهدف أو مقصد بعيد المدى .

على هذا النحو فالتاريخ لدى هيجل عبارة عن منظومة تطور ونمو خاضعة لمنطق باطن كامن في الشخصيات التاريخية التي لم تكن وفق هذه الفلسفة إلا أدوات لتحقيق فلسفة أو هدف التاريخ السائر بشكل حتمي نحو تحقيق مقصد كلي بحيث لم تكن تلك الشخصيات التاريخية تشعر أساسا بأنها ستحققه ولم يكن يشكل في الأساس مقصدا لها وإنما تصرفت على نحو جعلها تضبط وقائع التاريخ نحو ذلك الهدف، هؤلاء الأشخاص أو الأدوات التنفيذية كما يرمز لهم هيجل ليسوا استثناءَ من فلسفة المصلحة أو المنفعة الشخصية فهم يسيرون حسب أهوائهم وتحكم تصرفاتهم مصالحهم الشخصية ويرمون تحقيق مآربهم الخاصة دون إرادة أى شئ آخر ولكن منطق التاريخ الداخلي يؤكد أن غاية بعيدة المدى ستتحق من سعيهم لمصالحهم رغم أنهم لم يكونوا هم في الأساس على علم بها ولم تكن على أجنده مصالحهم وهو ما يسميه هيجل ( مكر أو خبث العقل الكلي المسيطر على التاريخ ) حيث يتبدى خبث هذا العقل بأنه يستعين بهده الشخصيات التاريخية لتحقيق مقاصده دون أن يكون على علم بها، والذي يجعل هؤلاء أقوياء وجادين على السير نحو الطريق إلى الهدف، هو أن أهدافهم الجزئية ومصالحهم الضيقة تحتوى في باطنها على المحتوى الجوهري الذي هو إرادة الروح الكلية أو العقل الكلي،وهذا المحتوى موجود في الأساس في الغريزة الكلية غير المشعور بها لدى الناس بمن فيهم أدوات التنفيذ التاريخية .(22)

كانت هذه النظرية من معطيات عصر التنوير الرافض لفكر الكنيسة . وذلك برفع قيمة العقل وتحريره من الضوابط الدينية واستخدامه في تفسير الظواهر

نظرية ماركس المادية : جاءت ترفض فلسفة هيجل المثالية برمتها، واحتفظ بنهجه الديلكيتي، غير أنة جرّده من شكله الغامض المتعلق بما وراء الماديات، ويرى أن السبب الأكبر لما يحصل في المجتمع من تغير ليس كامنا في أفكاره وفي الحق الخالد، والعدل الاجتماعي،وإنما في تغير أساليب الإنتاج والتبادل ." لذلك فالانتقال من مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي إلى أخرى لا يكون لأن مبادئ عقلية استجدت،أو لآن أفكارا جديدة عن الحق والعدل ظهرت، لأن هذه متعلقة بالكيان العلوي،والذي يجعل قبولها ممكنا هو أن التغيرات التي تحصل في قوى الإنتاج توجد بيئة تجعلها تبدو التغير الطبيعي عما صار الناس يرغبون فيه " إن النظرية المادية التاريخية تميل إلى أن ترى في قادة الفكر والعمل مجرّد حمَلةِ للقوي الاجتماعية التي هي في أساسها اقتصادية .

فماركس يعتقد أن الحافز المحرّك الأكبر للمجتمع البشري المسؤول عن كل ما يحصل من تغير في وعي الإنسان وفكرة،أو الذي يسبب حدوث النظم الاجتماعية المختلفة والمنازعات ليس منشؤه الفكر ( العقل أو الروح ) وإنما الظروف المادية للحياة . فهو يرى أن أسلوب الإنتاج هو الذي يقرر الكيان العلوي الكامل للمجتمع، شكله الاجتماعي والسياسية ، وقيمه الدينية والحضارية بل فكره وآرائه (23).

نظرية آرنولد توينبي :نضج علم التاريخ في أوروبا الغربية خلال القرن التاسع عشر، كما نضجت النظريات التي بذلت جهدا مرموقا بغية استيعاب ما هية التاريخ والتحكم بمساره لصالح الغربيين . ظهر آرنولد بنظرية الفلسفية للتاريخ من خلال كتابة الضخم بعنوان " دارسة التاريخ ) في اثني عشر مجلدا .

لذلك فليس من السهل أن نستعرض نظرية آرنولد الضخمة التي تضمنت في دراسة إحدى وعشرين حضارة على مر العصور، هي أبرزت حضارات في التاريخ كله ..ولكن نحاول أن نوجز بعضا من الأفكار الرئيسية منها مقولة " التحدى والاستجابة "و لعله يقصد من قوله بأن البيئة من شأنها أن تتحدى الناس فإن استجابوا للتحدي بنجاح، فانهم سوف يتمكنون من إنشاء حضارة قوية ذات شأن،وإن هم أخفقوا في ذلك، فإن نمو حضارة متقدمة في تلك البيئة ( التي قد تكون شديدة القسوة كالصحراء في شبة الجزيرة العربية ) لن يكلل بالنجاح بتاتا . وبإيجاز، أن نمو حضارة من الحضارات أمر مرهون بمدى استجابة الناس للتحديات التي تواجههم .

وتضيف النظرية ما فحواة أن كل حضارة تمر بطورين أثنين .ففي الطور الأول، وهو طور النمو، تكون الاستجابة للتحديات موفقة دوما،إي أن الناس يكونون أقدر من القوة التي تعارضهم وتعرقل تفتحهم . أما الطور الثاني، فيكون الوضع مناقضا لما كان عليه الحال في الطور الأول، إي تكون التحديات أقوى من كفاءة الناس، الذين يعجزون عن الاستجابة لها . ففي هذا الطور يظهر التحدي الذي يؤدي إلى رد ّفعل مخفق. ثم يظهر تحدّ أكبر من السابق، فيكون الرد عليه أضعف من الرد الأول ويستمر الحال هكذاحتى تضمحل الحضارة أو تشيخ. ويعتقد بأن الحروب هي السبب الجوهري لانهيار المجتمعات أو الحضارات .(24)

ومما يؤخذ على هذه النظرية أن المبادئ التي سار عليه آرنولد في" دراسته" للتاريخ مبادئ مستعارة من مناهج العلوم الطبيعية التي تقوم أساسا على العلاقات الظاهرية . ذلك أن العالم الطبيعي يعالج حقائق منفصلة أومحسوسة يمكن حصرها .، حيث قسم حقل الدراسة إلى وحدات أو" حضارات "وتمثل كل منها تكاملا ذاتيا .

ويرى آرنولد أن الحضارة التي " تتغير " تكف عن الحياة أو تنقرض .لتحل محلها حضارة مغايرة تماما . وما ينطبق في رأى آرنولد على البعد الزماني في نظريته ينطبق أيضا على البعد المكاني . هذا إلى أن نظرية آرنولد تفرض فواصل مصطنعة وقاطعة بين حضارة أخرى، وهذا يلغي مفهوم تفاعل الحضارات واحدتها مع الأخرى.(25)

كما أن منطق آرنولد في " دراسته " للتاريخ هو منطق الفلسفة الوضعية التي تفصل الذات عن الموضوع فصلا تعسفيا بحد من السكين : فالباطن والظاهر كلاهما " فردي مستقل " . ولكن هذا الفرض لا ينطبق إلا على حجر أصم أو إى جماد مشابه . ولذا فإنه لا يصلح في معالجة التاريخ .تعمد على النظرة العقلنية والتطور في دراسة التاريخ (26)

يتضح من هذه الفلسفات للتاريخ أنها قاصرة واحد تنقد الأخر، .رغم ذلك فهي من المعارف والخبرات الإنسانية التي علينا أن ندرسها وأن نستخلص منها دروسا وعبرا قد تكون نافعة، ولنا الحق كل الحق في أن نرفض منها ما نعتقد أنه غير مناسب لظروفنا المعاصرة، وأن نعدل فيها ما نشا ء ... كما أن المنهج الذي سارت علية كل منها لا يمكن أن يكون أداة أو سلاحا للنهضة والحضارة

وانطلاقا من دور التاريخ في نهضة الأمة ، يجب علينا البحث عن الفلسفة التاريخية التي تنفعنا لنهوض بأمتنا- ولتكن الفلسفة إسلامية- .لتحقيق ما نرجوه من دراستنا لتاريخ . ولا نظر أ إلى هذه الرؤية غير علمية عند البعض أو غير متفق عليها في العالم إذ تخص المسلمين فقط ويعتر البعض هذا نوع من القصور في الرؤية وضيق الأفق العلمي . فالعالم الآخر يصوغ ما يحتاج إليه لخدمة مصالحة ترويجا لها في أفكار قولبة في قوالب علمية تحت مسمي" نظريات فلسفية ". فما بال المسلمين لا يسعون إلى أن يصوغوا ما يحتاجون إلية في تحت هذا المسمى " وتكون الفلسفة الإسلامية " فعلينا أن نخالف ولو قليلا في شئ ، لتحقيق أهداف أكبر من الانقياد وراء فلسفات عالمية لا نرجو منها إيه أهداف تخدم نهضة امتنا .

أن الوعي بضرورة الفلسفة الإسلامية للتاريخ يحتاج مراجعة التصورات السائدة عن الحضارة الإسلامية وهذا يتطلب جرؤه فكرية واجتهادية تحرران الفكر الإسلامي المعاصر من الحلول المريحة التي تدعي أن كل شئ جاهز من ماضينا أو من حاضر الثقافة الغربية. هذه المراجعات ضرورية لتصحيح المفاهيم وأدارك الواقع، ذلك أن المجتمعات لا تتقدم بالاستقراءات السطحية للتاريخ أو بالنظرة التجميد يه له
كما أن علينا أن نعي بأن الواقع الجديد الذي تعيش فيه الأمة في هذه العقود الأخيرة يحتم على الفكر الإسلامي المعاصر أن يعيد تحديد موقعة من الفكر المعاصر على العموم ومن فلسفات التاريخ على الخصوص

وليسنا مطالبين بالفلسفة إسلامية القديمة وهي إشكالية العلاقة بين العقل والوحي أو الفلسفة والدين . وهي علاقة تمت على حساب متطلبات الدين (إى جعل العقل في مستوى الدين بل علينا أن نربط العقل بالتجربة بالدين ينتج وعيا بالتاريخ يقوم على تجازو الأمر الواقع والتطلع إلى المثل الأعلى الذي يثبت حركة التاريخ في خط النهضة الحضارية الشاملة، حيث أن الإسلام ينير طريق البحث عن طريق القيم والمفاهيم كأدوات استكشافية (27)

أن فلسفة التاريخ بالرؤية الإسلامية تجعلنا نحكم على المؤثرات التاريخية انطلاقا من الواجبات الشرعية والأحكام والقيم والمفاهيم ذات المصدر الديني .


فلسفة التاريخ بالرؤية الإسلامية :

سعى بعض المفكرين المسلمين إلى تفسير التاريخ من منظور الإسلامي منهم الأستاذ عماد الدين خليل من خلال كتابة" التفسير الإسلامي للتاريخ " والسيد محمد باقر الصدر .

وفي هذا النوع من التفسير يقول عماد الدين خليل " إن تفسير القرآن ليس أبدا مجرد مسلمات بعدية تسعى إلى أن تقولب حوادث التاريخ القبلية في إطارها المتعسف، وإنما هو مذهب ينبثق وفق أسلوب موضوعي (عمّا حدث فعلا ) لا (عمّا يجب أن يكون )، وعن طبيعة التصميم التاريخي للبشرية . فهو إذن تبلور للخطوط الأساسية لحركة التاريخ، يصوغها القرآن الكريم في مبادئ عامة يسميها "سننا " ويعتمد المفسرون الإسلاميون،منطلقا، لا لتزيف التاريخ، وإنما لتفسيره وفهمه، وأدراك عناصر حركته ومصائر وقائعه ومسالكها المتشعبة . وهو إذن تفسير شامل محيط يعطي أصدق صورة للسنن التي تسير هذا التاريخ . وبما أن هذه السنن من صنعه تعالى . إرادة وعلما ومصيرا، فإن هذا الموقف القرآني من حركة التاريخ وتفسيره يأخذ صفة الكمال .(28)

فهذه المنهجية في التفسير المبنية على ربط علاقة التاريخ بالقرآن ينتج عنها عملية تشريعية (لحركة التاريخ ) تفجر الطاقات الكامنة في إنسان في العالم الإسلامي وتعيد الفعالية للأمة الإسلامية لاستعادة مكانتها في العالم وفي التاريخ

أن المفاهيم " سننا" القرآنية لا تناقض مع العلاقة السببية التي تخضع لها الحوادث التاريخية أن خضوع التاريخ لسنن الله تعالى يعني ربط عالم الشهادة بعالم الغيب، من جهة وربط الحوادث التاريخية بعضها ببعض من جهة أخرى .

ومن المعروف أن هناك سننا تسود الطبيعة والمجتمع والتاريخ وهذه السنن تجسد أراده الله في الكون، وأن التدخل الإلهي في حركة التاريخ يتم عن طريق سنن الله في الكون . وينتج عن هذه النظرة أن الإنسان يتحكم في مصيره، وأنه لا يخضع خضوعا كليا للحتمية الاجتماعية والتاريخية فالإنسان يربط الحتمية الأهداف التي يرسمها وبالقيم الاخلاقية والدينية .(29)

وهناك من يرى أن كل معرفة مرتبطه بالدين هي معرفة غير علمية قد تجاوزتها حركة التاريخ، يرد عليه الصدر بقوله " ان إلغاء ارادة الله من التاريخ يؤدي إلى تناقض، حيث يصبح التاريخ هو الذي يتمتع بصفة مباشرة أو غير مباشرة بصفات الألوهية ومعنى هذا أن فصل التاريخ عن الدين له نتائج سلبية " (30)يستمر في توضيح ذلك في قوله ": لا يعني نفي قوانين التاريخ، بل أن هذا يؤكد على عقلانية التاريخ،وهي عقلانية تستمد مصادرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية المؤثرة في سير الحوادث وتربط بعضها ببعض، غير أن هذه العوامل ليست من قبيل الحتمية المطلقة لآن الإنسان يؤثر فيها ويؤثر في قوانين التاريخ وهو لا يخضع لقوانين التاريخ خضوعا سلبيا لأنة يتجاوز – عن طريف وعيه –العوامل المؤثرة في التاريخ وبدون هذا التجاوز لا يمكن أن يكون هناك تاريخ ز فالإنسان هو الذي يصنع التاريخ وليس التاريخ هو الذي يصنع الإنسان كما ترى المدرسة الوضعية . أن القول بوجود قوانين يسير بمقتضاها التاريخ لا يتناقض مع الحرية الإنسان ومسؤولية،اذ لا يمكن للإنسان أن يساهم في حركة التاريخ ما لم يخضع التاريخ إلى نظام أو سنن . فالحرية لا تعني الفوضى والعبث وتدخل الإنسان في حركة التاريخ هو سنه من السنن الإلهية في الكون (31).

ومن نتائج دراسة حركة التاريخ البشري بهذه الروية الوقوف على السنن والنواميس الثابتة والقائمة على أن الجزاء من جنس العمل،وادراك إمكانية التنبؤ بالنتائج من مقدماتها وضرورة تحرك الجماعة ( المدركة الملتزمة) متجاوزة مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار ومحسنة التعامل مع قوى الكون والطبيعة ومستمدة التعاليم والقيم من حركة التاريخ نفسه هكذا يتجاوز التاريخ في القرآن الكريم أطره النظرية أو القصصية إلى حركة وبحث وجهد وإبداع تجئ دائما لخدمة " المعاصرة " والسير نحو المستقبل بفهم أعمق وإلمام اكبر بسنن التاريخ . ومن ثم ّتلتقي بآيات الله وهي تطلب من أية جماعة معاصرة أن تسير في الأرض لكي تنظر لا أن تنظر فحسب وأن تتعلم من هذا السير " السنن " التي حاقت باللدين حلوا من قبل من أجل بناء عالم لا تدمره تجارب الخطأ والصواب التي دمرت أمما أو جماعات أو شعوب .(32)


--------------------------------------------------------------------------------

(1) رافت الشيخ : في فلسفة التاريخ، القاهرة 1996م، ص 10.
(2) اسحاق عبيدة :معرفة الماضي من هيردوت إلى تونبي، القاهرة، 1981م)، ص 2.
(3) قيمة التاريخ، ص 108.
(4) اسحاق عبيدة : المرجع السابق، ص 2.
(5) محمد الطالبي : التاريخ ومشاكل اليوم والغد، مجلة عالم الفكر ا، العدد(1)، المجلد(5) 01974م)، ص 25.
(6) شيل زيدان : التعليم والتحديث، دار المعرفة الجامعة ( الاسكندرية، 1995م) ص 21.
(7) ابن خلدون : المقدمة، دار الهلال، بيروت، 1996م، ص 13.
(8) رزج كولنجرو: فكرة التاريخ، ترجمة محمد بكير خليل، القاهرة (د.ت) ص 30.
(9) تشارلز فرنك : الحديث، الانسان أزمة، عرض محتبي العلوى، ص7 مقالة من النت.
(10) عمر التومي الشيباني : فلسفة التربية الاسلامية، منشورات الدار العامة، طرابلس، 1986، ص 15-17.
(11) زيدان شيل : المرجع السابق، ص 23.
(12) معن زيادة : معالم عن طريق تحديث االفكر العربي، 1981، ص 30.
(13) المرجع نفسه، ص 31.
(14) السيد فوزى جودة : الثقافة : الغزو الثقافي، منشورات مجلة المناضل، العدد 280، ص 44.
(15) عماد الدين خليل : حصائص الفكر الاسلام للتاريخ، موقع الاسلام اليوم 2006).
(16) ازمة الحديث الانسان، ص 12.
(17) المرجع نفسه ص 4.
(18) المرجع نفسه،ص 3.
(19) المرجع نفسه، ص 4.
(20) يوسف سامي اليوسف : فلسفة التاريخ بين اشنبغلز وتوينبي، موقع معابر، ص 5.
(21) يوسف أبا الخيل: فلسفة التاريخ عند هيجل، مقالة من النت، ص 3.
(22) عبد الحميد صديقي : تفسير التاريخ ترجمة كاظم الجوادي، دار القلم، الكويت، 1980، ص 176.
(23) يوسف سامي اليوسف : المرجع السابق، ص 7.
(24) اسحاق عبيدة: المرجع السابق، ص 134-144.
(25) المرجع نفسه ص 144.
(26) محمد عبد اللاوى : المرجع السابق، ص 3-11.
(27) المرجع نفسه، ص 11-15.
(28) عماد الدين خليل: التفسير الإسلامي للتاريخ، بيروت، دار القلم، 1975، ص 13.
(29) محمد عبد اللاوى : المرجع السابق، ص 12-30.
(30) المرجع نفسه، ص 30-33
(31) المرجع نفسه، ص 33.
(32) عماد الدين خليل : التفسير الإسلامي للتاريخ، بيروت، دار القلم 1975م، ص 108-111.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس