عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24-01-2007, 10:08 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أصول التربية النبوية


الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً.

والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة.

اللهم صل على محمد ما تفوح بمسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بليل وصاح.

المصلحون يد جمعت هي أنت بل أنت اليد البيضاء

فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لم تفعل الأنواء

وإذا رحمت فأنت في الدنيا أم وأب هذان في الدنيا هما الرحماء

فصلي الله وسلم على بطل الدعوة الرائدة، وأستاذها وموجهها ومعلمها، فما اجتمعنا إلا على رسالته، ولا تآخينا إلا على منهجه، ولا تصافينا إلا على مبادئه الخالدة.

كيف ربي رسول الله صلي الله عليه وسلم أصحابه؟

وكيف أخرجهم عظماء؟

يوم أتي زعماء التراب فمحقوا شعوبهم ليربوا منهم عبيداً وأرقاء.. أتي محمد صلي الله عليه وسلم ليخرج من الأمة العربية البائسة أمة ماجدة خالدة )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)


يا قوميون أين مجدكم قبل الإسلام؟

وأين تاريخكم قبل الرسالة الخالدة؟

فأنتم لا شيء قبل محمد صلي الله عليه وسلم.

إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت سعى لها

فأمدها مدداً وأعلي شأنها وأمات شانئها واصلح بالها



فهذه الدعوة المباركة تحتاج إلى موجه ومرشد وأستاذ وبطل.

وموجهها وأستاذها وبطلها محمد صلي الله عليه وسلم ، فهو لا يزال يقود الركب بسنته حتى يسلم ويدخلها من باب الجنة صلي الله عليه وسلم .

ظن المستعمر أنه سوف يسحق شبابنا، وسوف يهاجم شبابنا بالمرأة والكأس.

وأبى الله إلا أن يتم نورهن ورد كيد المستعمر في نحره، وأقبلت وجوه الشباب تسجد لله ويقول لسان حالها:

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

أصول هذه الرسالة خمسة:

أولها: تربية صلي الله عليه وسلم لصحابه على الحب لله ورسوله حباً يقطع من أجله الجسم وتمزق من أجله شغاف الروح.

الأصل الثاني: تربيتهم على الشجاعة والإقدام ، حيث يقتحمون الأسوار ويسلمون أرواحهم للسيوف تمزقها لتدخل جنة عرضها السماوات والأرض.

الأصل الثالث: الصراحة والوضوح.

الأصل الرابع: الرفق الذي سلكه محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم قدم دعوته للناس في أطباق الحب على رياحين المودة، وعلى باقة من الإخلاص والانسجام.

أما الأصل الخامس: فهو تربيتهم على الطموح وعلو الهمة، وأن لا يرضي أحدهم بالدنيا وذهب الدنيا من أجل أن يبيع ولو طرقة عين من مبادئه.

فأما الأصل الأول: فإنه أعظم الأصول، فقد أتي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة فجاء اليهود يتعاطسون عنده ويقولون : نحن نحب الله، لكن ما نتبعك ، فكذب الله حبهم وأبطل دعواهم وقال لهم: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(آل عمران: الآية31) .

)لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).

أتي صلي الله عليه وسلم فلقن حب الله عز وجل حبه صلي الله عليه وسلم .

يقول له عمر كما في البخاري : يا رسول الله، والله إنك أحب إلى من مالي ومن أهلي ومن ولدي إلا من نفسي.

قال: (( لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك)).

قال: فوالله يا رسول الله إنك أحب إلى حتى من نفسي.

قال : (( الآن يا عمر)).

وعند الترمذي بسند حسنه بعض أهل العلم أن عمر لما أراد العمرة قال له صلي الله عليه وسلم : (( لا تنسنا من دعائك يا أخي)).

قائد عظيم وزعيم عملاق يقول لأحد تلاميذه (أخي).

قال عمر معلقاً: كلمة ما أحب أن لي بها الدنيا وما عليها.

وذهب عمر إلى العمرة ولكن كأنه قد ترك قلبه مع الرسول صلي الله عليه وسلم وأشواقه وأحاسيسه.

بنتم وبنا فما ابتليت جوارحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآفينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

والحب أثبت أصالته في المعركة.

فمن الذي دفع أنس بن النضر أن يهب بسيفه إلى بسيفه إلى أحد فيقول له سعد بن معاذ : عد يا أنس.

قال: إليك عني يا سعد، والله الذي لا إله إلا هو إني لأجد ريح الجنة دون أحد.

ويموت ويضرب بثمانين ضبرية.

أليس هذا بحب صادق؟

ومن الذي دفع حنظلة الغسيل أن يترك زوجته في أول ليلة ويهب وعليه جنابه، فيقتل نفسه في سبيل الله ويقدم نفسه علامة على الحب، حتى يقول صلي الله عليه وسلم وهو يلتفت إلى السماء ويشيح بطرفه: (( والذي نفسي بيده إني لأرى الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض)).

أليس بحب هذا؟ بلي والله إنه من أعظم الحب وأرقي الحب.

ويأتي عبد الله الأنصاري والد جابر فيتكفن ويتطيب بعد أن يكسر غمد سيفه على ركبته، ويلتفت ويقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضي.

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها

والجود بالنفس أغلى غاية الجود

ويذهب للمعركة فيقتل، فيبكي ابنه جابر فيقول صلي الله عليه وسلم : (( لا تبكه، أو ما تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)). ويقول النبي صلي الله عليه وسلم في شأنه أيضاً : (( ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمة كفاحاً، فقال : تمن على أعطك ، قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون))

فجعل الله روحه وأرواح إخوانه الذين قتلوا معه كما جاء في الحديث(( في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل..)).

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأي رضاك أعز شيء فاشترى

هم أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم الذين رباهم على الحب.

وعبد الله بن جحش أول من سمي بالأمير يأتي يوم أحد فيقول: يا رب ، اللهم إنك تعلم أني أحبك وهذا مهر البيعة، اللهم إن كنت تعلم ذلك فلاق بيني وبين عدو لك قوي باسه فيقتلني فيك.

لم يقل أقتله، بل قال يقتلني ، فيبقر بطني ويجدع انفي ويفقأ عيني ويقطع أذني، فإذا قلت لي: لم افعل بك هذا؟ قلت: فيك يا رب.

ولذلك فأحباب الله يسارعون إلى محاب الله.

وفي حديث عند الطبراني من قوله صلي الله عليه وسلم : (( يضحك ربك إلى ثلاثة))، ولله ضحك يليق بجلالة لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله.. أحد الثلاثة رجل حمله الحب فسافر في قافلة وتعب من السفر، فلما نزل أصحابه ناموا على الأرض وأما فما نام، قام إلى الماء البارد وتوضأ ، فاستقبل القبلة وأخذ يبكي ويدعو ويناجي الواحد الأحد.

فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي انظروا لعبدي هذا: ترك فراشه الوثير ولحافة الدافئ وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعو، أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة.

أليس هذا بحب؟ بل أعلي من كل حب.

وفي مذكرات لبعض الدعاة أن شاباً مسلماً من بلاد الجزيرة العربية سافر إلى بلاد الإنجليز، إلى لندن، وهناك أعلن توحيده وأعلن صموده وأعلن إيمانه، لأنه خرج من بلاد الحرمين ومن جزيرة التحدي.

سكن في بيت إنجليزي مع عجوز، فكان يقوم مع صلاة الفجر في البرد القارس المثلج، فيتوضأ والعجوز تلاحظه.

فتقول له: أمجنون أنت؟

قال: لا

قالت: وكيف تقوم في هذه الساعة لتتوضأ؟

قال : ديني يأمرني بذلك.

قالت: ألا تؤخر؟

قال: لو أخرت ما قبل الله مني.

فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد، هذه إرادة تكسر الحديد.

أما الأصل الثاني: فتربيتهم على الشجاعة والإقدام.

فالحياة ليست عبودية للمادة أو خوفاً من المستقبل وتأمينه، فالمستقبل بيد الله سبحان وتعالي فهو الذي يؤمنه.

يقولون للشاب في الثلاثين: أمن مستقبلك، فإذا مستقبله زوجة وسيارة وفلة.

يصبح فيقول: أصبحنا وأصبحت الفلة لله، وأمسينا وأمست السيارة لله.

يفكر في الفلة وهو ساجد، وفي الزوجة وهو راكع، وفي السيارة وهو على جبنه.

أي طموح وأي شجاعة هذه؟

ويموت من أجل الفلة، ويحب من أجل الفلة، ويسميها مستقبلاً.

وهذا ليس مستقبلاً، لأن المستقبل أن تكون مؤمناً بالله وأن تهيئ لك مكاناً في جنة عرضها السماوات والأرض.

لقد ربي المربي العظيم تلاميذه على أن يبيعوا أنفسهم من الله سبحان وتعالي.

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111).

قال ابن القيم ما معناه: أنزل الله حكماً من السماء، أتي به جبريل وأملاه محمد صلي الله عليه وسلم ، ونص المعاهدة: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى )(التوبة: الآية111).

فتقدم أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم بالثمن وهو الأرواح، والسلعة وهي الجنة فتبايعوا.

فقال ابن رواحة: يا رسول الله ماذا تريد منا؟

قال: (( أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأطفالكم وأموالكم)).

قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟

قال : (( لكم الجنة)).

قال: ربح البيع، والله لا نقبل ولا نستقيل.

ثم قم من المجلس.

قال ابن القيم : والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإذا تفرقا فقد وجب البيع.

يرسل صلي الله عليه وسلم حبيب بن زيد رسولاً على مسيلمة الكذاب.

فيقول له مسيلمة: من أنت؟

قال : أتتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال : نعم اشهد.

قال: أتشهد أني رسول الله؟

قال: لا أسمع شيئاً.

فأعاد عليه الكلام ،فأعاد الجواب.

فأمر جنوده أن يقطعوه إرباً إرباً ، وقطعه قطعة، فأخذوا يقطعون منه قطعة فتتدحرج بالدم إلى الأرض.

فيعيد الكلام عليه قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟

قال: نعم أشهد.

قال: أتشهد أني رسول الله؟

قال: لا أسمع شيئاً.

حتى قتله ونحره شهيداً وارتفعت روحه إلى الله، (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (27)

(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (28) (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) (29) (وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر:27-30).

وجعفر بن أبي طالب تقطع يده اليمني في مؤتة فيأخذ الراية باليسرى، فتقطع يسراه، فيحتضن الراية، فتقع السيوف في صدره وهو يقول وهو يبتسم.

يا حـــبذا الجــنة واقترابـــــها



طيبــــة وبارد شرابــــــها

والـــروم روم قد دنا عذابــــها

كافرة بعيدة أنســـــابــــــها

على إن لاقيتهــا ضـــرابــــها

وخالد بن الوليد بعد قتل القواد الثلاثة في مؤتة أخذ السيف فكسره على رؤوس الأعداء، ثم أخذ الثاني فكسره، حتى كسره تسعة أسياف، فما صبرت في يده إلا صحيفة يمانية.

قال ابن كثير: قتل بذلك بيده اليوم خمسة آلاف.

تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مجريهـــا

وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيــــها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمي الروم إلا طاش راميــها

وعمير بن الحمام يسمع الرسول صلي الله عليه وسلم يوم بدر وهو يقول لأصحابه: (( لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)) فدنا المشركون، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض))، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض، قال: (( نعم))، قال: بخ بخ. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( أما يحملك على قولك بخ بخ)) قال : لا ، والله يا رسول الله إلا رجاءه أن أكون من أهلها، قال: (( فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال : لئنا أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة ، فرمي بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.

ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدمــا

وربي صلي الله عليه وسلم أصحابه على الصراحة والوضوح ، وهو الأصل الثالث من أصول التربية، فليس هناك ألغاز ولا مجاملات، ولا نفاق ولا تقية، بل هو وضوح وصفاء.

فأبناء الصحراء يعيشون بصفاء الصحراء.

يأتي رجل كما في الصحيحين فيقول: يا رسول الله هلكت.

قال: وقعت على أهلي وأنا صائم.

قال: (( أعتق رقبة)).

قال: ما أملك إلا رقبتي.. وضوح وصراحة.

قال: وهل أوقعتني فيما أوقعتني إلا الصيام.. يعني ما استطعت أكمل يوماً ووقعت، فكيف أصوم شهرين؟

قال: (( أطعم ستين مسكيناً)).

قال: على أفقر مني!

قال: (( أجلس)).

فجلس ، فأتي النبي بعذق، فقال صلي الله عليه وسلم : (( خذ هذا تصدق به على الفقراء في المدينة)) أو كما قال.

قال: أعلى أفقر منى يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها رجل أفقر منى.

قال: (( خذه وأطعمه أهلك)).

أليس في هذا وضوح وصراحة بلا مجاملة؟

لقد ربي صلي الله عليه وسلم أصحابه على أن يتكلموا بما في قلوبهم، وجعل من خالف قوله فعله من أهل النفاق، ( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم)(الفتح: الآية11).

أما المؤمن فقلبه ولسانه سيان.

يأتيه رجل فيقول صلي الله عليه وسلم : (( اسلم)).

قال : اسلم يا رسول الله ولكن أشترط شرطاً ( وضوح وصراحة).

قال: (( ما هو؟)).

قال : أن تبيح لي الزنا فإني لا أستطيع أن اصبر.

فقام الصحابة يريدون أن يضربوه ويؤدبوه، فقال صلي الله عليه وسلم : (( دعوه)).

ثم وضع يده الحبيبة الشريفة على صدر هذا الرجل وقال: ((أترضاه لأمك؟))

قال: لا

قال: ((أترضاه لأختك؟)).

قال: لا

قال: ((رضاه لابنتك؟))

قال: لا

فقال: (( كيف ترضى للناس ما لا ترضي لنفسك؟)).

قال: أشهد أنك لرسول الله، أتوب إلى الله حتى من الزنا.

تربية خالدة وعلم رائع جميل.

الأصل الرابع: اللين والرفق، فقد أتي صلي الله عليه وسلم بمدرسة اللين والرفق، وما كان اللين والرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا شأنه.

أرسل اله عز وجل موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما وهما في الطريق: )فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44) .

اللين عجيب.

فخذ لك صاحبـــاً خليلاً فإني مبتغي صاحباً مثلي

عزيز منالي لا ينال مودتي إلا مسلم كامل العقل

ولا يلبث الأخذان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل

يقول صلي الله عليه وسلم : (( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة)).

ويقول الحبيب : (( ألا أنبئكم بأحبكم إلى وأقربكم منى مجالساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً)).

وقال تعالي عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: الآية159) (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) .

يأتي ليصلي صلي الله عليه وسلم ، فيأتي أعرابي من الصحراء ليصلي معه، وفي التحيات يدعو الأعرابي ويرفع صوته ويقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً!

فيسلم صلي الله عليه وسلم فيقول: (( من قال منكم كذا وكذا؟)).

وهو يدري أنه الأعرابي ، لكن يريد أن تأتي من الإعرابي.

فسكت الناس.

قال صلي الله عليه وسلم : (( من قال منكم كذا وكذا؟)).

فرفع الأعرابي يده لينال جائزة!!

فقال: أنا يا رسول الله.

فتبسم صلي الله عليه وسلم وقال ك (( لقد تحجرت واسعاً، إن رحمة الله وسعت كل شيء)).

يقول تعالي: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)(لأعراف: الآية156).

فما يلبث الأعرابي إلا أن يكمل طريقة ومشواره فيذهب في طرف المسجد فيبول!

فيقوم الصحابة يريدون أن يلقنوه درساً من التعليم لا ينساه أبداً.

فيقول صلي الله عليه وسلم : (( دعوه ، اتركوه)) ويجلسهم صلي الله عليه وسلم ويستدعي الأعرابي ويجلسه لأن الأمر أسهل من ذلك.

ويقول صلي الله عليه وسلم : (( إلى بذنوب من ماء))، فيأتون بذنوب من ماء فيصبونه على بول الأعرابي.

لقد انتهت المشكلة.

فقال صلي الله عليه وسلم للأعرابي : (( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من الأذى، إنما هي للتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل)).

فيقوم الأعرابي فيتوضأ ويصبح مسلماً، ويخبرهم صلي الله عليه وسلم أنهم لو ضربوه لدخل النار بسببهم.

ويأتي أعرابي آخر فيجر بردة الرسول صلي الله عليه وسلم فتؤثر حواشيها في عنق وفي كتف الرسول صلي الله عليه وسلم ، فيلتفت صلي الله عليه وسلم ، فيقول الأعرابي: أعطني يا محمد من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا أمك.. وما الداعي لهذا الكلام؟ ولم هذا الحرج؟ ولماذا هذه الجفوة؟

فنظر صلي الله عليه وسلم إليه وتبسم وضحك إليه.

فقام الصحابة يريدون البطش به.

فقال صلي الله عليه وسلم : ((دعوه )) ثم أخذ من يده وأعطاه من مال الله زبيباً وحباً وثياباً وقال: (( هل أحسنت إليك ؟)).

قال: نعم، فجزاءك الله من أهل وعشيرة خير الجزاء.

قال: (( إذا خرجت فقل لأصحابي ذلك فإنهم وحدوا في أنفسهم)).

فيخرج به صلي الله عليه وسلم فيسأله أمامهم: (( هل أحسنت إليك؟)).

قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة جير الجزاء.

فتبسم صلي الله عليه وسلم ويقول: (( أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟)).

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: (( مثلنا كرجل كان له دابة فرت منه فلحقها، فلما رآها الناس لحقوها فما زادت لا فراراً، فقال الرجل: يا أيها الناس خلوا بيني وبين دابتي فأنا أعرف بها، فأخذ شيئاً من خشاش الأرض وخضار الأرض فأشار للدابة فأتت وأكلت، فأمسكها وقيدها، ولو تركتكم وهذا الأعرابي لضربتموه ثم ارتد فدخل النار)).

وعاد الإعرابي إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا عن بكرة أبيهم.

إن هذا الأصل الرابع من أعظم أصول التربية، وإن الجفاء والغلظة لا تكسبك إلا بغضاً وحقداً، وإن اللين لا يكسبك إلا حباً في القلوب والأرواح.

قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه: والله ما رآني صلي الله عليه وسلم إلا تبسم وجهي.

ما أحسن البسمة! هي السحر الحلال.

قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟

قل: تبسمك في وجوه الرجال.

وفرق بين المتكبر الجاف الذي لا يبتسم، وإذا تبسم كأنه يقطر عليك بالقطارة، أو كأنه ينفق عليك من دمه ، أو كأنه يمن عليك بالبمسة، وبين من تلقاه بشوشاً طلقاً.

وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار

هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار

ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً اعكوك من نورهم ما يتحف الساري

تروي وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم يسري بها الساري

وفي صحيح مسلم أن معاوية بن الحكم السلمي دخل المسجد فصلي مع الصحابة وراء الرسول صلي الله عليه وسلم ، فعطس رجل، فقال معاوية ـ وهو لا يعرف الحكم ـ : رحمك الله!

فعطس ثانية.

فقال: رحمك الله.

فضرب الصحابة على أفخاذهم ينبهونه.

قال: ويل أمي ماذا فعلت؟

يريدونه يسكت فزاد في الكلام.

فلما سلم صلي الله عليه وسلم قال معاوية: فدعاني بأبي هو وأمي، فما رأيت معلما أحسن منه ولا أحلم منه ولا أرحم منه، ما كهرني ولا سبني ولا شتمني بل وضع يده على كتفي وقال: (( إن هذه الصلاة لا تصلح للكلام، وإنما هي لقراءة القرآن والذكر والتسبيح)).

وأي إبداع بعد هذا الإبداع؟ وأي لين بعد هذا اللين؟

أما الأصل الخامس فهو الطموح وعلو الهمة.

فقد ربي صلي الله عليه وسلم أصحابه علي التعلق بالعالي وترك السفاسف.

ولذلك تجد شبابهم وأطفالهم في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم كانوا أصحاب همة عالية وطموح راق، فابن عباس مثلاً من طموحه أنه كان يتابع الرسول صلي الله عليه وسلم في بيت خالته ميمونة ليعلم كيف يقيم الليل وكيف يكون شأنه أثناء الليل.

وابن عمر رضي الله عنهما يتخصص في متابعة حركات وسكنات الرسول صلي الله عليه وسلم خارج بيته وهو لا زال صغير السن.

فلذلك حفظ كثير من السنن التي لم تأت إلا من طريقه.

وهكذا غيرهما.

فأين أولئك من أطفالنا في هذه السنين ؟ عندما اصبح أكبر طموحهم أن يجمعوا الطوابع أو يضيعوا الوقت في اللعب.

أو أن يكون أحدهم في الكبر تاجراً يملك الملايين أو صاحب منصب يتباهي به عند الناس.

ومن همة الصحابة أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان جالساً معهم يوماً من الأيام، فأخبرهم أن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وهكذا..

فقال أبو بكر وهمته تحركه: يا رسول الله أيدعي أحد من تلك الأبواب جميعاً؟

قال صلي الله عليه وسلم : (( نعم يا أبا بكر وأرجو أن تكون منهم)).

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجيء في الأول

فيسألهم صلي الله عليه وسلم عن حاجتهم فكل منهم اختار شيئاً زائلاً

أنظر إلى الهمة والطموح.

فقال صلي الله عليه وسلم : (( أعني على نفسك بكثرة السجود)).

هذه نماذج من الهمة العالية التي غرسها صلي الله عليه وسلم في أصحابه.

والنماذج كثيرة من حياتهم الحافلة.

فواجب على كل مرب أن يغرس هذا المبدأ، مبدأ الطموح والهمة العالية في نفوس أبنائه وتلاميذه حتى يتربوا على حب المعالي والمنازل الرفيعة بدلاً من أن تجول طموحاتهم حول السفاسف والأمور الهزيلة.

والله أعلم ، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

القرني

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس