الموضوع: محاكم التفتيش
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 19-09-2006, 05:28 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

سر سجون الاعتقال داخل الكنيسة..........محاكم التفتيش[13]



رئيسية :عام :الخميس 21 شعبان 1427هـ – 14 سبتمبر 2006م



مفكرة الإسلام: تناولنا في المقالات السابقة سببين من أسباب الثورة ضد الكنيسة، ألا وهما الطغيان الكنسي وفساد الرهبان، واليوم نتعرض لأحد تلك الأسباب والتي كانت بمثابة النور الذي أوضح لعامة الشعب ما كان تحت ستر الكنيسة من ظلم وقسوة، على الرغم من أن المفترض –كما كان يعتقد الناس- أنهم أهل رحمة وزهد، تلك هي محاكم التفتيش.

وقبل أن نتكلم عن محاكم التفتيش وسبب نشأتها يجب أن نقر بحقيقة قاطعة، وهي أن ما كان يحدث في محاكم التفتيش من صور للتعذيب والقتل لم يصل إليها العسكريون أنفسهم، ولذا كان سلاح محاكم التفتيش سلاحًا رادعًا لمن يخالف أوامر الكنيسة أو تظهر منه بوادر اعتراض على آرائها ومعتقداتها، وكان المسلمون في الأندلس من الذين نالوا قسطًا غير قليل من ويلات محاكم التفتيش، حيث كانت الكنيسة تمارس ضدهم تطهيرًا عرقيًا، وقد نجحت الكنيسة في ذلك إلى حد كبير، حتى ما بقي في الأندلس مسلمًا واحدًا.



يقول ول ديورانت -بعد أن يعدد مباذل البابوات وانحرافات رجال الدين-: [ وإذا ما عفونا عن بعض هذا الشذوذ الجنسي والانهماك في ملاذ المأكل والمشرب، فإننا لا نستطيع أن نعفو عن أعمال محكم التفتيش ][1].

شهد القرن الثالث عشر تطور منظمة جديدة في الكنيسة هي محكمة التفتيش البابوية، ذلك أنه جرت عادة البابا قبل ذلك الزمان بأن يقوم في بعض الأحيان بتحقيقات أو استعلامات عن الإلحاد في هذا الإقليم أو ذاك، ولكن [إنوسنت الثالث][2] وجد الآن في عقد الرهبان الدومينيسكيين الجديد أداة قوية للقمع، ومن ثم نظمت محاكم التفتيش كأداة تحقيق مستديمة تحت إداراتهم.

[ وقد تجلى في الكنيسة عندما وافى القرن الثالث عشر ما يساورها من قلق قاتل حول الشكوك الشديدة التي تنخر بناء مدعياتها بأكمله، وقد تجعله أثرًا بعد عين، فلم تكن تستشعر أي اطمئنان نفسي، وكانت تتصيد الهراطقة في كل مكان، كما تبحث العجائز الخائفات- فيما يقال- عن اللصوص تحت الأسرة وفي الدواليب قبل الهجوع في فراشهن][3].

[ وقبل القرن الثالث عشر لم تنزل عقوبة الإعدام إلا نادرًا بالملاحدة والكفار، فإما الآن فإن كبار رجال الكنيسة كانوا يقفون في مئة ساحة من ساحات الأسواق في أوروبا ليراقبوا أجسام أعدائها -وهم في غالبية الأمر قوم فقراء لا وزن لهم- تحترق بالنار وتخمد أنفاسهم بحالة محزنة، وتحترق وتخمد معهم في نفس الحين الرسالة العظمى لرجال الكنيسة إلى البشرية فتصبح رمادًا تذروه الرياح ][4].



ولا يفوتنا أن نقول: إن الضحية الأولى لمحاكم التفتيش كانت المسلمين الأندلسيين الذين أُبيدوا إبادة تامة بأقسى وأشنع ما يتخيله الإنسان من الهمجية والوحشية، ثم ظلت تمارس أعمالها على مخالفي الكنيسة وإن لم يكونوا مسلمين أو متأثرين بالحضارة الإسلامية، وانتقلت من أسبانيا إلى بقية أقاليم الكنيسة، وكانت المحكمة الأم لها هي 'المحكمة المقدسة' في روما، ولا يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث عنها إلا ويصيبهم الاضطراب، وتتفجر كلماتهم رعباً، فما بالك بالضحايا الذين أزهقت أرواحهم والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال!

وإذا أردنا أن نلقي نظرة عما كان يحدث هناك تفصيليًا فعلينا أن نتأمل تلك القصة التي حدثت بعد الثورة الفرنسية:

بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.



تحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: [ أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تظفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت 'دي ليل' استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً، فماذا تريد يا لفتنانت؟! قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف، فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.

عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف، فصفق الضابط 'دي ليل' من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.

وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.

قلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!



وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.



أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.

ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.

وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.

كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.

كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.



وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم ][5].

هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟ … أشد وأنكى لا شك.

ولذا فقد كانت محاكم التفتيش وما صحبها من الفظائع عميقة الأثر في الحس الأوروبي، وسيئة النتائج بالنسبة للنهضة التي انبثقت في أوروبا بعد الثورة على الكنيسة، لقد أصبح العداء للدين المتمثل هناك في الكنيسة ورجالها أمرًا لازمًا لكل صاحب فكر حر أو ضمير حي؛ لأن هذا العداء هو أبسط تعبير عما رآه الناس من أهوال لم يكونوا يتصوروا أن تقع بأيدي رجال من المفترض أنهم رجال دين.

ونتعرض في المقال القادم إن شاء الله إلى السبب الأخير من أسباب الثورة ضد الكنيسة وهو 'الإقطاع'





ـــــــــــــــــ

[1] قصة الحضارة، [21/86].

[2] إنوسنت الثالث ولد في أجناني بإيطاليا، عاش ما بين الفترة [ 1160م-1216م]، تولى منصب البابوية عام 1198م، ويعد من أبرز بابوات القرون الوسطى، وكانت أكثر إسهاماته وضع مذهب خاص حدد سلطة البابا إلى يومنا هذا، كان أحد الذين دعوا إلى الحملة الصليبية الرابعة والخامسة.

[3] معالم تاريخ الإنسانية، [3/902-903].

[4] معالم تاريخ الإنسانية، [3/908-909].

[5] التعصب والتسامح، محمد الغزالي. ص[311-318]، باختصار.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس