عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-07-2005, 06:45 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 873
معدل تقييم المستوى: 20
سهيل الجنوب is on a distinguished road

ثالثاً: تعلم القراءة والكتابة:

يستمر تلقين الولد إلى فترة طويلة حتى يتمكن من القراءة، وأخذ المعلومات بنفسه. فإن القراءة تعد من أعظم وسائل المعرفة، إذا لم تكن هي أعظمها، والأمر قد جاء بها من عند الله عز وجل، فقد كان أول التقاء بين السماء والأرض بعد انقطاع طويل، نزول قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ( العلق:1) . وفي هذا إشارة إلى أهمية العلم والتعلم، وبيان وسيلتهما ومفتاحهما وهي القراءة.

والأب مكلّف بمهمة التعليم، فهو المسؤول عن تعليم أولاده القراءة، والكتابة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وأن لا يرزقه إلا طيباً".

وإن هذا لا يتحقق في جو فشت فيه الأمية بين المسلمين، وقل الشغف بالقراءة، والإطلاع وطلب العلم، خاصة من المقربين للولد، فإن "الرغبة في المطالعة لا تولد مع الطفل، فالأطفال لا يتعلمون حب الكتب بدافع ذاتي، فلا بد أن يقودهم شخص ما إلى عجائب عالم الكلمة المكتوبة"، وهذا الشخص لا بد أن يكون هو الأب، لأنه القدوة، ولأنه المحبوب من أولاده، وكل ما يصدر عنه، فهو جميل وحسن.

ويمكن أن يبدأ الأب في تأصيل حب القراءة عند الولد، عن طريق تأسيس مكتبة علمية في البيت بمجرد ولادة الطفل، فإن إحاطته بالكتب من أول الأمر تجعله يعتادها ولا يستنكرها، فيتعلم كيف يتعامل معها ويحترمها في سن مبكرة من عمره.

ويحاول الأب في هذه الفترة أيضاً أن يقرأ بجوار الولد بصوت عالٍ غير مزعج، حتى يعتاد على الإصغاء، وسماع صوت القراءة الرتيب، ولو جعل مختاره من القراءة هو كتاب الله عز وجل، كانت الفائدة أعظم، والأجر أكبر.

والطفل في سن الأربع سنوات يتشكل عنده خمسون بالمائة من النمو الذهني، فتكون المطالعة البسيطة في هذه الفترة تعزيزاً لهذا النمو الذهنبي عنده. كما أنه في سن السادسة تقريباً يشعر بالثقة في نفسه، وأنه قادر على اقتحام أي مجال من المجالات، فيكون إشغاله في هذه الفترة بالقراءة استغلالاً جيداً لهذه الطاقة الحيوية عنده. مع ملاحظة أن توجيه الولد إلى الإطلاع في سن مبكرة، لا ينبغي أن يكون إجبارياً، إذ أن إجباره على تعلم القراءة قبل استعداده لذلك يؤثر على الاتزان العاطفي عنده، إلى جانب أنه لن يتعلمها بسهولة ويسر، بل يفقد أولاً بأول ما يتعلمه منها، ويسوقه ذلك فيما بعد إلى كرهها وبغضها.

وقد جاءت بين توصيات "ندوة كتب الأطفال في دول الخليج العربية" والتي عقدت في البحرين عام 1985م، توصية نصت على : "عدم إجبار الأطفال في سن ما قبل المدرسة على القراءة والكتابة، مع توفير المثيرات الموحية لهم بتوفير الكتب المصورة المناسبة لتشجيعهم على التعامل مع الكتب" ، فهذه التوصية صريحة في التحذير من إجبار الطفل على القراءة قبل دخول المدرسة ، مع اتخاذ الوسائل المناسبة والموحية والمشجعة له للتعامل مع الكتب، فيمكن للأب أخذاً بهذه التوصية، أن يهيىء لولده في حدود سن الرابعة أو الخامسة تقريباً، مثيرات متنوعة، تدفعه للقراءة وحب الكتب، ومن ذلك استخدام بعض الكتب المصورة التي تتضمن صوراً ملونة جميلة لبعض الحيوانات، والنباتات، والأدوات والأشياء المختلفة، وتعليم الولد أسماءها، ثم سؤاله بعد ذلك عنها، فمن خلال هذه الوسيلة يتعلم الولد شيئاً من القراءة، ويتعرف على مضامين هذه الصور، إلى جانب تقوية صلته بالكتب وإشغاله بها.

ويُدرَّب الولد الصغير على القراءة من خلال تعلم الكلمات الكبيرة، كالموجودة في الجرائد، ولافتات المحلات، والإعلانات الكبيرة، ولوحات المرور الإرشادية، وغير ذلك مما يمكن أن يكون سهلاً على الطفل يمكنه قراءته بوضوح.

كما يمكن للأب زيادة تشجيع الولد على القراءة من خلال صناعة بعض الأحرف الهجائية من الحلوى، فيتعلم الولد ويأكل في نفس الوقت، وقد كان بعض القدماء يستعملون هذا الأسلوب، وقد نصح به الفيلسوف "إيراسموس". فبإمكان الأب تكليف أهل البيت بأن يصنعوا هذه الحلوي أو البسكويت، على شكل أحرف هجائية، أو أرقام عددية، ثم يجلس الأب من وقت لآخر يداعب ابنه ويلاطفه بهذا الأسلوب التربوي الجميل، فيتعلم أن القراءة شيء لطيف يدخل السرور، فتكون هذه خطوة مشجعة للولد لمواصلة المسير في تعلم القراءة نحو القصص والروايات المبسَّطة، والخاصة بالأطفال الصغار.

ولما كانت الصلة قوية بين القراءة والكتابة، فهما لا ينفكان ولا ينفصلان عن بعضهما البعض فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن أمر بالقراءة في أول سورة أنزلها على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الآية الرابعة عن فضله ونعمته بأن علّم بالقلم فقال: (الذي علّم بالقلم) يقول قتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية: "القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه سبحانه، بأن علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو" .

رد مع اقتباس