عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15-09-2006, 11:10 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road




العرب..و الصهاينة

دروس التجربة الصليبية
ــــــــــــــــــــــــــــ

عبد العال الباقوري*



بعد حوالي سبعة قرون على انتهائها، في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وتسعة قرون على إعلانها وبدئها (في أوخر القرن الحادي عشر)، لاتزال"الحروب الصليبية"، فكرة وأحداثاً، تلقى إلى اليوم بتأثيراتها على الفكر العربي، الإسلامي من ناحية، ومن ناحية أخرى على جناح أو آخر من الفكر الأوربي متفرعاً عنه وتابعاً له "الفكر الصهيوني". واليوم، لا يكاد يتذكر عربي أو مسلم"الحروب الصليبية" إلا وطافت بذهنه"الغزوة الصهيونية"، والعكس صحيح.



و"الحروب الصليبية" تجربة تاريخية، لها، ككل تجربة تاريخية، دروسها المستفادة، والمفيدة. ومن المؤكد أننا لا نبحث عن شفاء أمراضنا الحالية في أحداث ما ضينا. للماضي منطقه، وللحاضر منطقه. ولكن أوجهاً من وجوه التشابه بين الأحداث واردة. وعند هذا الحد يجب التوقف بإمعان لاستخلاص الدروس: لماذا حدث ما حدث؟ وكيف حدث؟ وهل، أو حتى، كيف"يمكن" أن يحدث ثانية (أو حتى يتكرر ؟) في ظروف مغايرة، وأجواء مختلفة.



إن أحداَ من العرب لا ينتظر صلاح الدين ولا عودة عماد الدين زنكي أو بيبرس أو قلاوون، إن هؤلاء لا يعدوننا بمستقبل أفضل، إلا إذا خلقنا الظروف التي تلد أمثالهم اليوم، بكل ما في كلمة "اليوم" من تبعات[1].



وفي الوقت نفسه فإن"التجربة الصليبية" هاجس وشبح يؤرِّق الصهاينة، ويكاد يقض مضاجع بعضهم، سياسيين وعسكريين ومفكرين، ويدفعهم إلى دراسة هذه التجربة دراسة عميقة مستفيضة، بغرض استنباط الدروس المستفادة، للأخذ بها وتطبيقها، لعل ذلك يكون حائلاً ومانعاً دون أن تلقي الظاهرة الصهيونية المصير نفسه الذي لقته الظاهرة الصليبية.



التطابق ليس وارداً بين ظاهرتين تاريخيّتين في سياقين زمنيين مختلفين، وفي إطارين دوليين لا يمكن أن يتشابها، ولكن حديث"الدروس المستفادة" قد يغري بالإغراق في حديث"المشابهة"، خاصة وأن هناك وجوهاً كثيرة ومفردات عديدة تبدو"متشابهة" بين تجربة أمس وظاهرة اليوم، ولا نزال، نحن العرب، نفتقد وجود دراسة شاملة تلم بأطراف ذلك، وتغوص في أعماق أدق التفصيلات، وعلى الرغم من أننا نتحدث كثيراً عن مصير الصليبيين فإن غالبية كتاباتنا بأن الصهاينة سيلقون نفس المصير تصدر ذلك وكأنه حكم نهائي بات، وتكتفي بالاهتمام بالمشابهة أكثر من اهتمامها بالدروس المستفادة[2].



وأوجه التشابه بين التجربتين شديدة الإغراء لمن يريد أن يطرقها، وهي ليست مدار بحثنا هنا، حيث تكفي نظرة طائر يحلق، يرى الأحداث في مجراها ومسارها، لا يعددها ولا يفصِّلها، ولكن يضعها في الاعتبار، ويختزنها خلفية لاستخلاص الدرس، دون أن يتردد في طرح التساؤل عن إمكانية "التكرار" في ظل ظروف متغيرة، وأحوال مغايرة، وأجواء متقلَّبة، وقيادات مختلفة، فما يحدث اليوم لا يمكن أن"يكرَّر" صورة ما حدث أمس. دون أن نسقط من الاعتبار أن الأرض التي دارت فوقها أحداث أمس هي الأرض نفسها التي تدور فوقها أحداث اليوم. فهل التاريخ هو ظل الأحداث فوق هذه الرقعة الجغرافية، أي فلسطين، بوابة مصر الشرقية، وجنوب الشام، ومن يسيطر عليها يؤِّثر عليهما؟



ظاهرتان ومقارنة

لا يتردد الدكتور قاسم عبده قاسم، وهو واحد من أهم المؤرخين العرب المعاصرين اهتماماً بـ"الحركة الصليبية" في أن يصف هذا المصطلح بأنه"المصطلح المضلل المربك"[3]، ويشرح أسباب ذلك مشيراً إلى أن أحداث هذه الحركة بدأت في السابع والعشرين من شهر نوفمبر 1095م بالخطبة التي ألقاها البابا "أربان الثاني" في كليرمون في جنوب فرنسا[4]، داعياً إلى شن حملة تحت راية الصليب ضد المسلمين في فلسطين. ودارت رحى أحداث امتدت أكثر من قرنين.



وإذا كان الذين انخرطوا في هذه الحروب قد خاطوا على ستراتهم صلباناً من قماش، إلا أن حركتهم لم تحمل صفة "الصليبية" إلا في أوائل القرن الثالث عشر، واستخدمت بدلاً من ذلك مصطلحات أخرى مثل "رحلة الحج" و"الرحلة إلى الأرض المقدسة" و"الحرب المقدسة"[5] وبالمثل، لم يستخدم المؤرخون العرب الكبار المعاصرون لهذه الحروب مصطلحات مثل "الصليبيين" أو "الحملة الصليبية" أو "الحرب الصليبية" بل استخدموا تعبيرات مثل "حركة الفرنج"[6].



وقد أخذت هذه الحروب شكل "حملات" تعددت فوصلت إلى سبع أو ثماني حملات، بدأت أولاها في 1096، وخرجت الأخيرة منها من أوروبا في 1250. وقد نجحت"الحركة الصليبية" في إقامة"مملكة بيت المقدس" وعدد من الإمارات الصليبية الأخرى. لم يكن مسرحها فلسطين وحدها أو المشرق العربي ـ الإسلامي فقط، إنما كان حوض المتوسط بأكمله، بجزره وشواطئه العربية والإسلامية"[7].



ولم يقف بعض قادة هذه الحملات عند هذه الحدود، بل مدّوا أبصارهم إلى ما وراءها، وصولاً إلى المقدسات الإسلامية في الحجاز، ويرى أغلب المؤرخين أن هذه الحروب قد انتهت بتحرير عكا واستعادتها في 1291، بينما يرى آخرون أنها امتدت إلى القرن 15، ويعتبر فريق ثالث من المؤرخين العرب أن هذه الحروب لا تزال مستمرة إلى اليوم[8] ويعتبر الحرب في أفغانستان والعراق "حرباً صليبية".[9]. وقد أصبح تعبير "حرب صليبية" متداولاً ويُضرب مثلاً كدلالة على أية حرب "ضروس" أو طويلة الأمد، ودون أن يعني أنها حرب مقدسة، بل يكاد العكس يكون صحيحاً[10].



أما"الحركة الصهيونية فتعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، وهي ترتبط بكلمة "صهيون" وهو جبل يقع في شرق القدس، وهي، باختصار شديد، تعني إقامة "مجتمع يهودي محض" في فلسطين[11] أو في حدود الأرض الموعودة، التي يزعم اليهود أنه يحق لهم أن يعودوا إليها. ويعتبر كثيرون المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا، وقيام "المنظمة الصهيونية العالمية" بداية لوجود "الصهيونية السياسية" بينما يرون أن "الصهيونية الدينية" أقدم من ذلك بكثير. وعلى الرغم من أن فلسطين لم تكن منذ بدء الحركة الصهيونية هي الهدف لإقامة "الدولة اليهودية" إلا أن الأنظار والأفكار والأعمال الصهيونية تركزت عليها منذ العقد الأول من القرن العشرين، وتأكد ذلك بشكل خاص منذ صدور وعد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا في 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وحين حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين بدأت تطبيق ذلك عملياً، إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع تدويل منطقة القدس، ثم انسحبت بريطانيا فجأة من فلسطين وأعلن الصهاينة في 15 أيار 1948 إنشاء كيان أسموه "إسرائيل" والتي خاضت منذ ذلك الوقت عدة حروب، وتوسعت إلى أن سيطرت على كامل الأرض الفلسطينية في عدوان حزيران 1967، كما استولت على سيناء المصرية والجولان السورية، التي لا تزال محتلة إلى اليوم (كانون الأول 2003) أما سيناء فقد جلت إسرائيل عنها في الفترة الممتدة من 1979ـ 1982، بناء على معاهدة وقعتها مع مصر في آذار 1979، أصبحت سيناء بمقتضاها منزوعة السلاح، ولا تزال كامل الأرض الفلسطينية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.



وقبل أن نتطرّق إلى أية مقارنة بين التجربتين الصليبية والصهيونية، نلاحظ بداية أن الصليبيين قد امتلكوا بعد فترة قصيرة من بداية غزوهم "الجانب الأكبر من فلسطين وساحل الشام"، وهي رقعة بلغ امتدادها من الشمال إلى الجنوب نحو خمسمائة ميل، وبلغ عرضها حوالي خمسين ميلاً[12] وتكاد خريطة "الكيان الصهيوني" كما حدّدها قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 1947 تتشابه إلى حد كبير مع خريطة "مملكة بيت المقدس الصليبية" التي أنشئت في 1099[13] وإذا كانت الحركة الصليبية "مغامرة استيطانية متعصّبة"[14] فإن ذلك ينطبق أيضاً على الحركة الصهيونية، وإذا كانت الأولى قد خرجت تحت شعار الدعوة إلى تخليص قبر السيد المسيح عليه السلام، فإن الثانية خرجت تحت شعار الدعوة إلى استرداد الأرض التي منحها الرب لإبراهيم عليه السلام.



وإذا كان هناك من يرى أنه لا وجه، أولا ضرورة، بتعبير أدق، للمقارنة بين الحركتين، على أساس أن كلاً منهما حدثت في عالم يختلف كلية عن عالم الأخرى، فهناك من يرى بين الظاهرتين تطابقاً كاملاً أو تشابهاً يصل لحدّ التماثل! ويرى البعض[15] في الحركتين تشابهاً مثيراً للدهشة ويعتبر الفروق بينهما ليست شيئاً يذكر أمام أوجه الشبه المثيرة.



ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى عقد مقارنات بين الأشخاص أو القيادات في الحركتين، وبين الشعارات، أو الرموز والسلوكيات، فضلاً عن تشابه الخرائط الذي سبقت الإشارة إليه[16]. ومما لا شك فيه أننا لسنا إزاء ظاهرتين متطابقتين حتى لو كانتا قد حدثتا فوق الأرض نفسها، ولكن في زمنين مختلفين. وفي الوقت نفسه لا يمكن نفي وجود أوجه للتشابه وأخرى للاختلاف بين الحركتين، مما يجعل الدروس المستفادة أمراً وارداً، ويستحق الاهتمام، وحتى هذه الدروس تظل مجرد مؤشرات قد تعين في وضع وبلورة الرؤية العلمية والعملية التي تكفل لنا مواجهة الظاهرة الصهيونية، ومكافحتها، والتغلب عليها. وهذا أمر ممكن، وفي مدى أقصر زمنياً مما عاشته "الإمارات"الصليبية فوق أرضنا.



الحركة الصليبية: كيف يراها الصهاينة والعرب؟

من المؤكد أن للصهاينة رؤيتهم وتقويمهم الخاص للحركة الصليبية، كما أن للعرب رؤيتهم وتقويمهم، فقد اهتم الصهاينة منذ وقت مبكِّر بدراسة الحركة الصليبية، سعياً لإثبات أنها ظاهرة غير قابلة للتكرار من ناحية، وبحثاً عن الأخطاء ونقاط الضعف في هذه الظاهرة كي يتجنّبوها، ونقاط القوة في الجانب العربي الإسلامي (في مواجهة الصليبيين) ليحولوا دون وقوعها، ظناً منهم أن هذا سيحول دون أن يلقوا مصير الصليبيين. ليس أدل على هذا، من الناحية الأكاديمية، من أن البروفيسور "يوشع براور" هو أستاذ تاريخ "العصور الوسطى والحروب الصليبية" بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة[17] ونحن الذين شُنت هذه الحروب ضدنا وجرت فوق أرضنا، ندرس هذه الحروب في إطار العصور الوسطى، ولا أعرف جامعة عربية تخصّص كرسياً للعصور الوسطى والحروب الصليبية! إن هذا لا ينبع من فراغ، خاصة إذا تذكرنا أن "براور" هذا حصل في 1969 على أهم جوائز رئيس الدولة في "إسرائيل" لأنه "أثبت"(!) أن السابقة الصليبية لن تُكرر مع"إسرائيل"[18].



وعلى الرغم من أن المكتبة العربية حول الحركة الصليبية شهدت في الربع الأخير من القرن الماضي وفرة في الدراسات والبحوث والكتب، إلا أنها لاتزال تفتقر إلى اليوم إلى دراسة عربية عن الكتابات الصهيونية والإسرائيلية حول الحركة الصليبية وفي الدراستين المترجمتين إلى العربية واللتين كتبهما "يوشع براور" لا نجد إلا سطوراً تعد على أصابع اليد الواحدة عن الرجل وعن الكتابات الإسرائيلية الأخرى[19].



الصهاينة والحركة الصليبية:

سأحاول هنا تجميع شتات بعض النظرات الإسرائيلية في الحركة الصليبية:

اسحق رابين[20]: في احتفال أقيم بمناسبة الذكرى السبعين للمؤتمر الصهيوني الأول في بال، ألقى رابين في أيلول 1967 خطاباً أعرب فيه عن قلقه من أن السابقة الصليبية قد تتكرر. وبعد أن قارن الحركتين الصليبية والصهيونية، قال: "إن أكثر ما أخشاه على إسرائيل هو أن تذبل، إذا أصابها جفاف في الهجرة، كما حصل مع الدولة الصليبية".[21].



وكان رابين عند إلقاء خطابه هذا لا يزال رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، يحمل لقب "المنتصر" وحين يكون مهندس عدوان 1967، وقائد نصره غير المستحَق مؤرَّقاً إلى هذا الحد بالسابقة الصليبية، فإن هذا يبين مدى قلق الإسرائيليين على كيانهم، ومدى انزعاجهم من أن يلقوا المصيرالذي لقيه الصليبيون من قبل.



شيمون بيريز[22]: في 1998، وبمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء الكيان الصهيوني أصدر كتاب "الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل"[23] وهو عبارة عن حوار مع الوجوه والأجيال والأماكن في صحبة "تيودور هرتزل" ليرى الدولة التي دعا إلى إنشائها، وكيف أنها فاقت المثال الذي تصوره. وفي هذا الكتاب يتحدث بيريز إلى صاحبه عن تكوين الجيش الإسرائيلي ودوره في الحياة الإسرائيلية، حيث رفضت"إسرائيل" إقامة نظام عسكري. يقول بيريز مخاطباً هرتزل: "لم نكن حتماً، وكما بطريقة عجائبية، محصَّنين ضد هذا الخطر، ليس فقط لأن مجتمعنا يحتضن جماعات وأحزاباً تحبّذ ظهور أنظمة استبدادية وتؤثر العسكريين على المدنيين، لكن كأن التاريخ المضطرب للأراضي المقدسة ينشئ في هذا المجال سوابق خطرة". ويضيف بيريز أن هرتزل سوف يفهم هذا تماماً فيما لو أخذه مصادفة للنزهة قرب قيسارية أو عكا للتمتع برؤية آثار القلاع الضخمة التي بناها الصليبيون القادمون من أوربا، ويصف هذه القلاع بأنها المعالم الأخيرة على وجود أولئك "الفرسان" في هذه الأمكنة، وقد عاشوا على الدوام في إطار الدول الفرنجية في المشرق، وكان همهم الوحيد الاستمرار في محيط مناهض، بعيداً عن الأهواء الدينية وفكرة دوام ملك المسيح على الأرض لألف سنة حتى قيامة الموتى، وفقاً لما أوحت به الحروب الصليبية. خلال تجوالنا يمكنني أن أشرح له أن من غير باب الصدفة أن يكون أفضل إخصائيَين مشهورَين عالمياً في تاريخ دولة الفرنجة كانا العالمَين القروسطيين الإسرائيليين "آريي نمرا بويس" و"جوشوا بروسي" وكان لهدف دراستهما وسيلة لتأريخ المتناقضات القائمة في مجتمعهما. ولأننا كنا على اطّلاع على أخطار مثل هذا الانحراف، فقد تمكنا من تحاشي أن تشهد إسرائيل المصير المأساوي الذي عرفته الدول الفرنجية، إذ إن عسكرتها التدريجية لم تمنع من زوالها في النهاية. لقد اخترنا، بالعكس، الديمقراطية التي تشكل السلاح الأفعل والأمضى لضمان بقائنا." [24].



بنيامين نتنياهو[25]: تولى رئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني في 1996، وعندئذ ذاع وانتشر كتابه الذي تُرجم إلى العربية بعنوان "مكان تحت الشمس"[26] وهو كتاب نموذجي في قلب الحقائق، من رجل جمع التطرف من جميع أطرافه[27] وقد أشار نتنياهو إلى "الحروب الصليبية" عدة مرات في كتابه، من أهمها قوله (ص174): "إن الانتصارات التي حققتها المسيحية الغربية وقدرتها على الصمود في وجه أحلام التوسع العربي ـ الإسلامي، جعلتها العدو الرئيس للعرب، طيلة أجيال عديدة. كما تلقّى العرب إهانة أخرى في عام 1099، عندما سقطت القدس بأيدي الصليبيين الذين كانوا أقل منهم عدداً، لكنهم أكثر منهم تنظيماً. لكن صلاح الدين استطاع إلحاق الهزيمة بالصليبيين في معركة حطّين عام 1187، تلك الهزيمة التي أنهت الوجود الصليبي في "أرض إسرائيل" لكن هذا النصر لم يعمَّر طويلاً، إذ سرعان ما احتلت المنطقة كلها من ـ قبل المماليك، ثم خضعت بعد ذلك لحكم العثمانيين مدة 400 سنة.."



وبعد صفحات قليلة وفي الصفحتين "179 و180" يعود نتنياهو إلى حديث الحروب الصليبية وصلاح الدين ويقول: "لقد اعتبر الزعماء العرب ـ المعادون للغرب دائماً وأبداً ـ الصهيونية معبراً وممثلاً للثقافة الغربية، وغرسة غربية تعمل على تقسيم العالم العربي، وما الصهاينة سوى صليبيين جدد".



"وهناك نغمة سائدة في العالم العربي تقول: إن توحيد العرب تحت قيادة صلاح الدين جديد وقذف "دولة الصليبيين" الجديدة إلى البحر هي مسألة وقت فقط". "وحقيقة أن إسرائيل، ترى بعلاقتها الغربية هذه، يمكن أن نلمسها بوضوح بتكرار اسم صلاح الدين على ألسنة صدام حسين، والأسد، وعرفات فقد قال عرفات قبل فترة:"إن منظمة التحرير الفلسطينية لا تطرح سلام الضعفاء، بل سلام صلاح الدين". "إن ما لم يقله عرفات هنا بوضوح، ويعرفه الشعب العربي جيداً، هو أن "سلام صلاح الدين" (أي الاتفاق الذي وقّعه مع الصليبيين). لم يكن سوى خدعة، إذ بعد هذا الاتفاق استأنف المسلمون هجماتهم على الصليبيين، حتى طردوهم نهائياً من الأرض المقدسة. من المحتمل إذن، أن يكون هذا هو السبب الذي جعل الرئيس حافظ الأسد يعلّق في مكتبه صورة كبيرة لصلاح الدين، بطل الانتصارات، الذي طرد آخر الصليبيين". "إن الرغبة في تكرار إنجازات صلاح الدين في الوقت الحالي، كانت دائماً مصدر وحى للهجمات المتكررة على إسرائيل، والعمل المستمر ضد أنظمة الحكم الموالية للغرب، والمحاولات العديدة لإنهاء الوجود الغربي في الشرق الأوسط على غرار ما حاولت العراق عمله بالكويت عام 91. ومثلما نجحت سوريا في عمله بلبنان..".



إن هذه قراءة صهيونية نموذجية للأحداث في الماضي، وفي الحاضر، وهي قراءة لا تقدمها إلا عقلية متعجرفة وعنصرية وكارهة للحقيقة مثل عقلية نتنياهو الذي يتحدث عن فلسطين في زمن الحروب الصليبية على أنها "أرض إسرائيل"، ويفصح عن جهله بأبسط حقائق التاريخ في تلك الفترة فيجعل صلاح الدين هو الذي طرد آخر الصليبيين، ويرى أن العرب خرقوا الهدنة بعد اتفاق أبرمه صلاح الدين إلى أن تمكّنوا من طرد الصليبيين نهائياً.



يوري أفنيري[28]: يبدي اهتماماً كبيراً ومن وجهة نظر صهيونية، بقراءة الحروب الصليبية. وقد برز هذا بشكل خاص في كتابة "إسرائيل دون صهاينة" وكرّس فيه فصلاً خاصاً عنوانه"الصهيونية والصليبيون"[29] وهو يعالج هذا الموضوع بنظرة أقل التواء من نتنياهو، وأكثر استقامة من بيريز، ولكنها تظل معالجة صهيونية خالصة.



يستوقف التشابه بين الحركتين الصليبية والصهيونية أفنيري الذي يشير إلى أنه قرأ كتاب"ستيفان رنسيمان" عن"تاريخ الحملات الصليبية"، وكان ذلك بعد سنوات من"حرب تحرير إسرائيل"، كما يذكر أنه حين وصل إلى الفصل الذي يتحدث عن تحصينات الصليبيين لحماية مملكة بيت المقدس من المصريين، مقابل قطاع غزة، أصيب باضطراب لأنه احتل المواقع نفسها عندما كان جندياً صغيراً في الجيش الإسرائيلي[30].



إن أفنيري، مثل جميع الصهاينة الذين كتبوا عن الحروب الصليبية، تهزه أوجه التشابه بينها وبين الحملة الصهيونية: "خلال قراءتي، كانت تبرز في ذهني مئات التشابهات الصغيرة والكبيرة. قد يؤدي ذلك إلى محاصرة العقل. لم يكتف المرء بتقريب الأحداث الهامة والمؤسسات، إنما يرد الشخصيات المعاصرة إلى الملوك والدوقات والفرسان. فيتساءل المرء أي إسرائيلي يطابق أمير الجليل؟ ومن هو دوق شرق الأردن؟..."، ويعلو صوته إلى حد الصراخ، حين يصل إلىأن "التشابه مثير للغاية" خاصة وأن هذا التشابه يبدو واضحاً، إذ "كان الصليبيون يبرعون في لعبة الحرب، شأن الإسرائيليين، إذ كانوا يعون أن أمنهم يكمن في سرعتهم في مقاومة هجوم العدو. إن مملكة الصليب، كمملكة نجمة داوود، استمرت في التوسع بواسطة الحرب، ولفترة طويلة، بعد إقامتها. كان الصليبيون يسيطرون في أوج توسعهم على مساحة تفوق مساحة الأرض التي احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة". ويقود هذا التحليل أفنيري إلى طرح السؤال الذي يثيره هذا التشابه، وهو: "هل انقراض الدولة الصليبية سيتبعه انقراض الدولة الإسرائيلية؟". ويجيب على ذلك قائلاً: "إن المقارنة بين الحملة الصليبية والغزو الصهيوني، بحد ذاتها ليست مدهشة.. إذ إن الصليبيين فشلوا. فبعد أن حاربوا طيلة أجيال ثمانية، أُلقوا إلى البحر ـ بكل معنى الكلمة ـ من قبل العرب".. إننا نفهم إذاً لماذا يخشى الإسرائيليون أن يبدو التشابه المتتابع إلى أقصى حدوده كإنذار بمقدور حتمي يؤدي في النهاية إلى التأثير الحقيقي على مستقبلهم التاريخي"[31].



وحين يسأل أفنيري نفسه: لماذا انقرضت الدولة الصليبية؟، يعود إلى العلاّمة"رنسيمان" و"تاريخ الحروب الصليبية"، ويقتبس منه: "ما وراء البحار، هكذا كان الأوروبيون يدعون الدول الصليبية، كان دائماً مكبلاً بين احتمالين. لقد تأسس بفضل خليط من الحمية الدينية ومن العطش إلى الأرض والمغامرة. إنما إذا كان عليه أن يدوم بشكل سليم، ما كان بإمكانه أن يظل تابعاً للغرب من حيث المال والرجال كان يتوجب عليه أن يمكن وجوده الاقتصادي الخاص. وماكان بوسعه التوصل إلى هذه النتيجة إلا بشرط التفاهم مع جيرانه.. فإذا كانوا محبين وميمونين، هو أيضاً سيكون محباً وميموناً.



غير أن ابتغاء صداقة المسلمين كان يبدو للصليبيين خيانة كاملة لتصورهم المثالي: أما المسلمون، فما كان بمقدورهم قبول فكرة وجود دولة دخيلة وأجنبية، في ما كانوا يعتبرونه أرضهم. إن الصليبيين في الواقع كدسوا الأخطاء، كانت سياستهم متقلبة ومتورعة. ولكننا لا نستطيع إدانتهم لكونهم لم يجدوا حلاً لمشكلة لم يكن لها حل في الواقع"[32].



إن كتابات أفنيري عن الحركة الصليبية هدفها تنبيه الصهاينة إلى عدم ارتكاب الأخطاء التي ارتكبها الصليبيون وأدت إلى نهايتهم.

إن هذا يبدو واضحاً من مقال كتبه عند غزو إسرائيل للبنان في حزيران 82، واستيلائها على قلعة الشقيف. إن دعوة أفنيري إلى الإسرائيليين تتلخص في الإقلاع عن استمرار الحروب والمعارك التي تستنزفهم، وعليهم بدلاً من ذلك أن يهتموا بالبحث عن السلام "الذي هو وحده يمكن أن يحقق لهم عهداً نظير عهد سليمان.. عندها ستكون إسرائيل مندمجة في منطقتها وستتحالف مع جيرانها من أجل السلم، مثلما حصل أيام سليمان"، حسب قوله في "إسرائيل دون صهاينة"[33].



ميزان المناعة والأمن القومي:

بدءاً من كانون الأول 2000 وإلى الآن شهدت "إسرائيل" سلسلة مؤتمرات عقدت في"المركز المتعدد الاختصاصات "هرتزليا" وهي مؤتمرات تركز أساساً على "الأمن القومي الإسرائيلي" وتعطي اهتماما ًخاصاً للهاجس الديموجرافي[34].



ولدي انطباع بأن هذه المؤتمرات كأنما تبحث في كيفية اجتناب المصير الذي لقيه الصليبيون من قبل. لا أعرف بالضبط من أين جاءني هذا الانطباع، ربما لأن بعض الموضوعات التي تعرّضت لها هذه المؤتمرات تكاد تعكس، بدرجة أو أخرى، بعض ما اتجه إليه أفنيري، أو لأني قرأت دون أن أتذكر أين قرأت أن بعض المتحدثين في المؤتمر الأول أشاروا إلى الحروب الصليبية.



على أية حال، ماذكرناه عن جهود صهيونية في دراسة الحركة الصليبية يبين مدى اهتمام الصهاينة بهذه التجربة، وما وصلت إليه، وكيف يعملون ويحاولون جاهدين لتجنب هذا المصير. ويلوح لي أيضاً، في ضوء ما سبق، أن الصهاينة يعكفون جاهدين على تتبع التجربة الصليبية في أدق تفصيلاتها من أجل الحرص على الابتعاد عن كل نقطة ضعف أصابت الجسد الصليبي، وأسهمت بقدر أو آخر في إنهاء الكيانات الصليبية بعد أن استمرت حوالي قرنين. ولعل تقصي التفصيلات الدقيقة يتضح من كتاب "براور" عن "مملكة بيت المقدس" والاستيطان الصليبي فيها، إنه يغوص في أعماق التجربة، ويقلبها من جميع نواحيها وجوانبها، ويكاد يستنطقها: تحدثي، ماذا حدث؟".



ومن أسف، أن الترجمة التي بين أيدينا، والتي قام بها أستاذ جامعي هو الدكتور عبدالباسط البنا، بكلية الآداب بجامعة الزقازيق المصرية، قد خلت من الهوامش والمصادر، ولذلك جاءت ناقصة ومعيبة، لأنها افتقدت جانباً مهماً لمن يريد أن يقف على المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف، وكيف وظفها لهدف ارتآه، وإن لم يفصح عنه، وهو أن التجربة الصليبية غير قابلة للتكرار بالنسبة لإسرائيل.



العرب والحركة الصليبية:

من النادر أن يخلو كتاب عربي حديث عن الحروب الصليبية من الإشارة ولوفي في مقدمته، إلى الحركة الصهيونية، وربما يزيد على ذلك بأن يقارن بين التجربتين، ليصل إلى القول أن مصير الأولى سيكون مصير الثانية. ولن نحاول، لأننا أصلاً لن نستطيع، أن نتقصى كل هذا وأن نرصده، ولذلك سنأخذ أمثلة من كتابات وخطب سياسية اهتمت بأن تتناول الظاهرتين أو الحركتين الصليبية والصهيونية معاً.



جمال عبدالناصر: قد يكون الزعيم العربي جمال عبدالناصر أكثر السياسيين العرب الذين أشاروا في خطبهم وأحاديثهم إلى الحركة الصليبية، فقد اعتمد على التاريخ العربي كمصدر لفهم العملية السياسية[35]، وعبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية يربط هزيمة العرب فيها بالفرقة، وانتصاراتهم بالوحدة.



في خطاب إعلان الوحدة المصرية السورية في 5 شباط 1958: "واتحدت المنطقة تحت قوة السلامة المشتركة يوم واجهت استعمار أوروبا يتقدم منها محاولاً أن يرفع الصليب ليستر مطامعه وراء قناع من المسيحية، وكان معنى الوحدة قاطعاً في دلالته حين اشتركت المسيحية في المشرق العربي في مقاومة الصليبيين جنباً إلى جنب مع جحافل النصر"[36].



وفي خطاب إلى المؤتمر التعاوني في 26 تشرين الثاني 1958، يقول عبد الناصر: "هدف الاستعمار أن يقضي على القومية العربية ويفتتها ويقيم بينها قوميات أخرى.. هذا الهدف قديم ليس جديداً، من القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، منذ جاءت الحرب الصليبية تتنكر تحت اسم الدين ولم يكن هدفها إلا القضاء على القومية العربية وإقامة استعمار وتحكم في هذه المنطقة من العالم"[37].



وفي الاحتفال بقيام الوحدة المصرية السورية، بعد مرورعام عليها، في 21 شباط 1959، يقول عبدالناصر: "إذا كانت المنطقة التي نعيش فيها قد تعلمت خلال تاريخها الطويل أن الكفاح من أجل القوة والحياة، يلازم الكفاح من أجل الوحدة. كان الكفاح من أجل القوة إرادة الحياة، وكان الكفاح من أجل الوحدة إرادة النصر، ذلك هو درس التاريخ والكفاح المستمر. تاريخ هذه المنطقة التي نعيش فيها في مواجهة الامبراطوريات الغازية، الإغريق والرومان والحروب الصليبية والفتح العثماني، تاريخ هذه المنطقة في مواجهة الاستعمار".[38].



كان لدى عبدالناصر إحساس عميق بالتاريخ[39]، وطالما استخدم الوقائع التاريخية ليدلل ويثبت أن الوحدة مفتاح النصر، وأنها الباب لهزيمة الأعداء ولذلك فهي خطوة حتمية، وهو يلخص ذلك في خطاب في 21 آذار 1959، بقوله: "في القرن الثاني عشر، حينما احتل الاستعمار الصليبي فلسطين، وحينما تقدم الصليبيون من فلسطين حتى دخلت قواتهم إلى مشارف القاهرة، وحينما كانت قوات مصر تحارب وتتقهقر ثم تحارب وتصمد، قامت القوات السورية، وأرسل نور الدين في سوريا جيشاً قوياً لمساندة إخوته المصريين، ووصل الجيش القومي من سوريا إلى مصر، وهزم الصليبيين.. الجيش السوري حينما اتحد مع الجيش المصري استطاعا أن يخلصا الأمة العربية من الاحتلال والاستعمار الصليبي. واليوم يتحد الجيش السوري والجيش المصري تحت راية الجمهورية العربية المتحدة مرة أخرى بعد مئات السنين، وبإذن الله نستطيع أن نحرر الأمة العربية كما حررناها في القرن الثاني عشر، وكما حررناها من التتار حينما اتحد جيش مصر أيضاً مع الجيش السوري.. حدث هذا ضد الاستعمار الصليبي، وحدث هذا أيضاً منذ الغزو التتاري".[40]



إن عبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية وآثارها ونتائجها لم يكن لينسى أستاذيته وخبرته كمدرس في الكلية الحربية، حيث يحرص العسكريون في أحاديثهم عن المعارك على البحث عن الدروس المستفادة، وإذا كانت لكل معركة خبرتها، فلكل معركة دروسها. ومن المؤكد أن عبدالناصر ليس السياسي والقائد العربي الوحيد الذي تحدث عن الحروب الصليبية وتجربتها، ودروسها. إن آخرين فعلوا مثله، منهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والرئيس العراقي السابق ــ أوالمخلوع ــ صدام حسين، ولكن المصادر المتاحة تحت يدي والتي تضمّنت أحاديث وخطباً لكل منهما، بالإضافة إلى مراجع تطرّقت إلى ذلك، كل هذا خلا من أية إشارة إلى كلام الأسد أو صدّام عن الحروب الصليبية.



الدكتور يوسف القرضاوي (رؤية إسلامية): تعددت في السنوات الأخيرة الكتابات الإسلامية حول الحروب الصليبية، وهي في غالبيتها العظمى تعبر عن رؤية أيديولوجية أكثر مما تتضمن تحليلاً موضوعياً عميقاً، ولعل هذا ما نلمسه من لغة خطابية في كتاب أنيس القاسم وعنوانه: "تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني". وعلى الرغم من أن الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعتبر من رجالات حركة "الإخوان المسلمين" كتب كتاباً عن "دروس النكبة الثانية: لماذا انهزمنا؟.. وكيف ننتصر؟" [41] وهو يعني بذلك هزيمة حزيران 1967 التي امتدت ما بين القنطرة والقنيطرة والتي يعتبرها "إحدى الكوارث الكبرى في تاريخ هذه الأمة، ولا يشبهها إلا نكبة التتار حين دخلوا بغداد، ودمروا الحضارة الإسلامية، وأسقطوا الخلافة العباسية، وخرّبوا من الدور، وألقوا من الكتب، وذبحوا من البشر، ما لم يكد يحدث مثله في التاريخ". والحل الذي يقدمه الدكتور القرضاوي هو "الحل الإسلامي" الذي يعبر عنه بقوله: "إذا كان أبناء فلسطين، وإذا كان العرب، وإذا كان المسلمون حريصين على تحرير فلسطين وطرد أعداء الله وأعدائهم من أرضها، فليحرروا أنفسهم أولاً من العبودية لغير الله، ومن اتباع غير هداه، وليصمموا صادقين على العودة إلى الإسلام. فهذا هو أضمن طريق، وإن كان أشق طريق، لاستنقاذ فلسطين". و"الحل الإسلامي" هو الحل الوحيد ولا بديل له عند القرضاوي: "وإذا كانت قضية الإسلام ذاته لا تستحق أن تحظى بتفكيرهم ولا اهتمامهم ولاجهادهم، وكانت العقيدة أهون عندهم من الأرض، والشريعة أرخص من التراب، فهيهات أن يتنزّل عليهم نصر الله الذي وعد به المؤمنين"(ص111). إنه"الحل الإسلامي" وكفى، ولا تسل عن الخطة والاستراتيجية والوسائل، فلن تجد إلا خطاباً عاماً، يصدق على كل حالة، وفي كل وقت، إنه خطبة منبرية تشّنف الآذان، ولا ترسخ في القلوب.. وأغلب الظن أنها لن تتحول إلى"عمل صالح".



الرؤية الإسلامية لفلسطين وقضيتها وتحريرها يحتاج إلى دراسة ليس هذا مجالها، ولكن الشيخ القرضاوي لا يقف، للحق، عند هذا الحد، إنه يدعو إلى تعبئة تقوم على ربط "قضية فلسطين بأصلها الأصيل وهو الإسلام" (108) وفي هذه التعبئة هناك أمران لا بد منهما الأول: هو المناخ السياسي "الذي يهيئ لجماهير الأمة أن تتنشق أنسام الحرية وأن تخط مصيرها بيدها، وأن تملك حق الولاية والعزل، وأن تقول للمحسن أحسنت وللمسيئ أسأت". "المناخ الذي نقصده هو الذي يجعل جيش الأمة لحرب أعدائها، لا لإرهاب أبنائها، ويجعل مخابراته للتجسس على عوارت العدو لا لتتبع أفراد الشعب وإرهابهم بالحرب النفسية وغسيل المخ.. ويجعل أكبر همه المحافظة على سيادة الشعب لا على سيادة شخص أو أسرة أو حزب". "هذا هو المناخ الذي نريده وهذا هو النظام الذي ننشده لا ذلك الذي يخنق أنفاس الشعب باسم الشعب.. ويزهق روح الحرية باسم الحرية"(ص112) وعلى استحياء يقول الشيخ إنه يدعو إلى "تغيير سياسي في المنطقة العربية"(113)، ويحدد الشيخ معالم هذا التغيير بصياغة أقرب إلى الشعار منها إلى برنامج العمل، الشعار مثل: "الجيش لا للسياسة، الجيش لقهر العدو لا لقهر الشعب" و"أن يحقق الحرية السياسية للشعب.. حرية الحقوق لا حرية الفسوق"(114) و"لا بد من تغيير سياسي ينتزع السلطة من أيدي الطغاة المستبدين ويردها إلى الأمة لتختار لنفسها القوى الأمين الذي يسخّر طاقته لإرادة الأمة لا الذي يسخّر طاقات الأمة لإرادته.."(115) والعنصر الثاني في التعبئة التي يدعوإليها الدكتور القرضاوي هو "لابد من صلاح الدين" أي القائد، فبدون هذا القائد سيظل هناك سؤال يدور على الشفاه، ويجول في الخواطر، ولا يجد الجواب.



يقول هذا السؤال: لقد دعوت إلى الجهاد وإلى التعبئة من أجله فمن الذي يستنفر الأمة لهذا الجهاد، ويجمعها عليه، ويعدّها للقيام بأعبائه، ويجند طاقاتها المادية والمعنوية لخدمته؟".(ص120)



ويتساءل: وما صلاح الدين؟. ويجيب: "إنه ليس البطل الأسطوري الذي يحمل في إصبعه خاتم سليمان. ولكن"صلاح الدين" "يعني الحاكم المسلم الذي يلتزم بمنهج الإسلام، وأحكام الإسلام، وأخلاق الإسلام". وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور القرضاوي دون أن أنسى الاعتراف بأنها رؤية مختصَرة من جانبي، وهناك من يرى أن كل اختصار خيانة، وأرجو ألا أكون قد تعمدت ذلك.



الحروب الصليبية مستمرة من مطلع الإسلام إلى اليوم:

هذا اتجاه سلفت الإشارة إليه باختصار، ولكنه يعبر عن وجهة نظر تستحق شيئاً من التفصيل، وهذا ما سنفعله استناداً إلى كتاب الدكتور أحمد شلبي أستاذ ورئيس قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، رحمه الله، وعنوان الكتاب هو: "الحروب الصليبية: بدؤها مع مطلع الإسلام واستمرارها حتى الآن: عرض للهجمات الصليبية الغربية على العالم الإسلامي عبر العصور".[42] ويقول الدكتور شلبي(ص18) إنه تتبع الحروب الصليبية كما يراها، لا كما تعود المؤرخون أن يدونوها "فتتبعت مواقف الصليب وهو يهاجم الإسلام والمسلمين على مر العصور، وفي أمكنة مختلفة ولم أُخدع بالاتجاه الذي حصر الحروب الصليبية في المدة من السنة 1069 إلى سنة 1292م، ولعلي بذلك أكون قد صححت خطأ طال السكوت عليه، وقد أكد "اللنبي" هذا المعنى عندما قال، عقب دخول الحلفاء فلسطين في الحرب العالمية الأولى، إذ قال: الآن تنتهي الحروب الصليبية".



ويعود الدكتور شلبي إلى تكرار هذا المعنى وتأكيده، فيقول (ص21) "إن الحروب الصليبية ـ أو الحركات الصليبية ـ قد بدأت قبل البابا "أوربان الثاني" بعدة قرون، وأنها امتدت بعد "الأشرف خليل" بعدة قرون كذلك، وأنها لا تزال دائرة بشكل أو بآخر، تتضح معالمها أحياناً حينما كان الغرب كله يستعمر دول العالم الإسلامي كلها، يسرق هذه الدول، وينزل بها الذل والهوان، وتختفي معالمها المسعورة أحياناً حين يتظاهر الغرب بإقامة صداقات بينه وبين بعض الدول الإسلامية أو كلها ليشغلها عن عمل صليبي محموم هو إقامة دولة الصهاينة بفلسطين لتكون على مر الزمن شوكة في ظهر العرب جميعاً والمسلمين جميعاً".



والأمر كذلك، فإن الدكتور شلبي يعتبر إنشاء الكيان الصهيوني حملة صليبية. وهذه رؤية فيها قدر كبير من التبسيط، لأنها تكاد تفسر التاريخ تفسيراً صليبياً، فالحركة الصليبية ضد الامبراطورية العثمانية، ووراء حملة نابليون على مصر، وهي التي حطمت خطوات الإصلاح في العالم الإسلامي، ووقفت خلف استعمار أوربا للدول الإسلامية، وخلف زرع إسرائيل في العالم الإسلامي، وهي تتعاون مع الصهاينة لخلق أندية تنفث السم بالعالم الإسلامي كالماسونية والروتاري والليونز، وخلف الحرب بين إيران والعراق، وخلف الحروب المدمرة في لبنان، وتجذب الصينيين في ماليزيا لتحارب بهم السكان المسلمين من أهل البلاد وتزرع التحلل الأخلاقي في البلاد الإسلامية، وتمد أخطارها إلى جيل المستقبل. والحركة الصليبية مؤيدة بالغرب تصارع المسلمين في القرن الأفريقي وأريتريا مع مطلع الإسلام إلى اليوم!! [43] وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور شلبي التي تكاد تكون صورة من فكرة"صراع الحضارات".



الوحدة وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي:

الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" اسم كبير بين المؤرخين المعاصرين للحروب الصليبية، وقد رحل عن دنيانا، بعد أن شغل منصب أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث تخرج على يديه جيل من الباحثين الذين أثروا المكتبة العربية برسائلهم للماجستير والدكتوراه عن بعض جوانب الحروب الصليبية. ومن مؤلفات الدكتور جوزيف مجموعة كتب أصدرها بعنوان:"مكتبة الحروب الصليبية"، من بينها كتاب صغير الحجم فائق الأهمية تناول فيه"الوحدة، وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي"[44] وهو الكتاب الرابع في هذه المكتبة. ومن المعروف أن هذه القضية يتناولها مؤرخو الحروب الصليبية في ثنايا كتاباتهم، وقد تكون مبادرة الدكتور "جوزيف نسيم" الأولى من نوعها في تخصيص دراسة كاملة لحركات الوحدة واليقظة رداً على العدوان الصليبي.



ويبلور الدكتور جوزيف فكرته ــ بل قل فلسفته ــ في هذا الخصوص انطلاقاً من أن"العدوان الصليبي كان يبدأ عادة عندما يكون الشرق الأدنى العربي منقسماً على نفسه، وفي حالة ضعف وتفكك، بينما الغرب في مركز القوة، وينتهى غالباً بانتصارات سريعة خاطفة على حساب العرب. ثم يعقب ذلك استشعار العرب أنفسهم بالخطر وعواقبه، ومبادرتهم بالتكتل والتجمع "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" وغالباً ما تكون حركات التجمع العربي هذه محلية وفي مناطق الخطر نفسها، بقصد العمل على منع امتداده واستفحاله. وكانت تحرز نجاحاً جزئياً وليس نهائياً أو حاسماً، ولكنها كانت تعتبر البداية الطبيعية لحركة اليقظة والإفاقة الشاملة التي تؤدي إلى التئام شمل الشعوب العربية في المنطقة في وحدة واحدة متكاملة تحس بالخطر المشترك وبأبعاده، وتدرك عواقبه ومضاعفاته، وتستعد لدفعه والقضاء عليه "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل". "وكانت هذه المراحل المتتابعة تؤدي في نهاية الأمر إلى المرحلة الأخيرة الكبيرة، ونعني بها الجهاد المقدس""انفروا خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون". والمقصود بذلك الجهاد العسكري المسلح في سبيل الله والعروبة والوطن العربي. ويكون لهذا الجهاد نتائجه الحاسمة، إذ يؤتي ثماره الطيبة بطرد الدخلاء من المنطقة العربية وإحراز نصر مبين عليهم: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم".[45] وبهذا وضع الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" يده على قانونٍ حكم حركة المواجهة والإفاقة والتوحد العربي ضد الغزو الصليبي. وهو يرى فيما وضع يده عليه "ظواهر طبيعية منطقية تنير السبيل أمام الشعوب العربية في حاضرها، وهي تستجمع قواها وتكتل جهودها من أجل مستقبل أفضل. وهو يرى أيضاً أن ما توصل إليه[46] "أحكام وقواعد صحيحة أشبه ما تكون بالقوانين العلمية التي لا تخطئ. فضلاً عما فيها من عظات وعبر ودروس".



إن هذه كلمات تنقلنا مباشرة وإلى جوهر ما نتصدى له هنا، وقبل أن ندخل في ذلك نتوقف مع صاحب هذه الكلمات مرة أخرى وأخيرة لنقرأ قوله: "هذه الأفكار يمكن أن تنبثق عنها آراء ونظريات أخرى جديدة قد تغير الكثير من الشائع والمعروف عن الحركة الصليبية وبعضها لا يزال ينتظر دراسات دقيقة مستفيضة تسد نقصاً في زاوية من زوايا العدوان الصليبي لا يزال الغموض يكتنفها، أو تعدل وجهة نظر بحاجة للتصويب".



قوانين الحركة الصليبية ودروسها صهيونياًوعربياً

ونصل إلى بيت القصيد: الدروس المستفادة. فكل ما سبق كان مقدمة وتمهيداً وخلفية من أجل الاستنباط والاستخلاص عن بيّنة وبناء على أساس متين، كشف لنا أن الصهاينة لا يقلون اهتماماً عن العرب بالحروب الصليبية، بل ربما كان اهتمامهم أكبر، وربما كان أعمق. دلالة ذلك مثلاً أن دراسة "يوشع براور" عن "مملكة بيت المقدس" لا توجد دراسة عربية توازنها في عمقها وشمولها، بصرف النظر عن الهدف الذي يحركه إلى ذلك، وهو محاولة إثبات ـ بشكل غير مباشر ـ أن ما حدث في هذه المملكة غير قابل للتكرار، وعلى "إسرائيل" ألا تخشى ذلك. ولكن باحثين آخرين لا يقلون عمقاً عن "براور" في بحوثهم يخلصون إلى عكس ما خلص إليه، ومن هؤلاء العالم الفيزيائي، الرياضي، اليهودي "هيرمان كاهن" الذي يقرر في محاضرة بجامعة "بارايلان" في تل أبيب أن العرب لن يعدموا وسيلة لاستعادة "فلسطين" مثلما فعل اليهود حينما عادوا إليها بعد فاصل من ألوف السنين[47].



أكثر من هذا، كشف هيرمان النقاب عن أنه يرأس فريقاً من العلماء لدراسة المشكلة، والبحث في العوامل الاقتصادية والسياسية التي يمكن اللجوء إليها للتخفيف من ضغط العرب على إسرائيل، وإبقاء قوة إسرائيل متفوقة حتى يوجه العرب أنظارهم نحو شئون أخرى [بعيداً عن الحرب] ويتم بالتالي تخفيف حدة التوتر"[48] أليس هذا أبسط معاني التخطيط السياسي؟. ولعل هذا ـ بالإضافة إلى أسباب أخرى ـ ما جعلنا نرى في "مؤتمرات المناعة القومية" التي تُعقد في "إسرائيل" منذ العام 2000 محاولة للبحث، ولو بشكل غير مباشر، في كيفية اتقاء المصير الذي آلت إليه الحركة الصليبية.



ولا حاجة إلى القول إن للعرب دروسهم من الحروب الصليبية، وللصهاينة دروساً أخرى، ولكنهما يسيران في طريق واحد، ولكن من اتجاهين مختلفين، فما يريد العرب تحقيقه هو ما لا يريده الصهاينة وما يسعى الصهاينة إلى تجنبه هو ما يعمل العرب من أجل إنجازه. وفي سبيل ذلك عقدت هيئة إسرائيلية سلسلة حلقات دراسية حول أوجه التشابه بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بهدف الاستفادة من دروس الماضي للحيلولة دون أن يكون مصير الظاهرة الصهيونية مطابقاً لمصير الظاهرة الصليبية".[49]



الصهاينة والخبرة الصليبية:

الظاهرة الصهيونية لها جوانب انميازها عن الحركة الصليبية، والإسرائيليون منذ أن نجحوا في إقامة كيانهم حريصون ـ عن وعي أو لا وعي ـ على تعميق جوانب الانمياز هذه وتضخيمها، وتجنب نقيضها، ومن هذه الجوانب:



ـ الحركة الصهيونية حركة عالمية، بل ربما كانت أكبر وأكثر التنظيمات دقة وقوة طوال القرن العشرين، وقد أثبتت الأحداث أنها كانت أقوى من الحركة الشيوعية الدولية. و"إسرائيل" في حركتها على مسرح السياسة الدولية تخطط لأن تكون لها علاقات مع كافة القوى الدولية المؤثرة. صحيح أن رابطتها الوثقى هي مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها ذات علاقات قوية مع الاتحاد الأوربي، ومع اليابان، والصين، بل ومع الهند وروسيا الاتحادية اللتين كانتا إلى وقت قريب من أصدق أصدقاء العرب. وتخطّط إسرائيل لدورها الدولي على أساس أنها قوة مؤثرة عالمياً فإن لم تكن قوة كبرى عالمياً، فهي على الأقل قوة كبرى إقليمياً. وقد تحدث "آرييل شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ـ أي في 2004 ـ وعندما كان وزيراً للدفاع في 1981 عن مجال حيوي إسرائيلي يمتد من أفغانستان وباكستان إلى المغرب، ومن تركيا إلى جنوب إفريقيا. وجاء "فرايم سنيه" العمالي في كتاب له عن إسرائيل بعد سنة 2000 ليضع معالم سياسة لإسرائيل وكأنها قوة كبرى. [50]



ـ الحركة الصليبية ارتبطت بالحج إلى قبر السيد المسيح في القدس، ولم تعتبر الإقامة في فلسطين واجباً دينياً أو دنيوياً، ولذلك فإن الحجاج والفرسان والأمراء والمقاتلين الذين توافدوا على الشرق لم يكن في خاطر أغلبهم أن يبقى ويقيم. وكانت الغالبية تنظر إلى دورها على أنه أمر مؤقت تؤديه، وتعود مرة أخرى إلى أوروبا. أما الحركة الصهيونية فإنها تكاد تجعل من الهجرة والإقامة والاستيطان في فلسطين عملاً لا تكتمل يهودية اليهودي إلا به، وتشن منظمات صهيونية مختلفة حملات وبرامج منظمة من أجل دعوة يهود العالم إلى المجئ إلى فلسطين. وهي ـ على عكس الحركة الصليبية ـ اعتمدت في عملها هذا على مؤسسات منظمة وقوية، على رأسها المؤتمر اليهودي العالمي والحركة الصهيونية.



ـ ترتّب على العاملين السابقين أنه "لم يكن لدى الصليبيين شعور ارتباط بالأرض مساوٍ لشعور الارتباط لدى الصهاينة. وكان لدى الصليبيين شعور بأنهم جزء من شعب له أرض في مكان آخر، أما الصهاينة فقد تطورت أيديولوجيتهم على أساس مقاومة ذلك الشعب الآخر الذي كانوا جزءاً منه".[51] كان الصليبي يأتي إلى المشرق وفي نيته أنه سيلبث زمناً ثم يعود إلى وطنه في أوربا، أما الصهيوني فإنه ينظر إلى نفسه على أنه عائد إلى أرضه ووطنه، الذي لا يوجد له وطن سواه، والذي دون العيش فيه لا تكتمل شخصيته ولا تتوافر مقوماتها.



ـ "إسرائيل" كيان سياسي موحد، وله سلطة مركزية واحدة، ولكل هيئة اختصاصاتها المحددة التي تضمن استمرار هذه الوحدة، ولم تكن الكيانات الصليبية كذلك، بل كانت تنشب بينها صراعات وخلافات داخلية بين الأمراء في الرها وطرابلس وأنطاكيا وعكا (بعد تحرير العرب ــ المسلمين للقدس) مما أفقد هذه الإمارات عنصر الوحدة والتماسك الذي تتمتع به إسرائيل. لقد كانت "الإمارات الصليبية" عبارة عن "حلف مفكك مهدد بالانهيار" وشيئاً فشيئاً برز تمايز بين فريقين من الصليبيين: "البارونات المحليين" الذين يميلون إلى المسالمة والمحافظة على التقاليد التي استقرت بين اللاتين في الشرق، والقادمين الجدد من الغرب الذين اشتهروا بالمغامرة والحرص على أن تكون لهم إقطاعات خاصة، مع شدة كراهيتهم للمسلمين. [52]



ـ قامت الحركة الصليبية على أساس الحملات التي جاءت إلى الشرق على فترات متباعدة ولأسباب عدة دفعت كل واحدة منها إلى الخروج من أوربا وبعضها انحرف عن مساره، أما "الهجرة اليهودية" فهي عملية مستمرة، وتيار متدفق، قد يختلف عدد المهاجرين من سنة إلى سنة ولكن منذ أواخر القرن التاسع عشر لم يتوقف، وما من سنة إلا وهناك أعداد جديدة من المهاجرين. ويتم هذا بشكل مخطط ولا يُترك للعشوائية والارتجال[53]. وتبحث"إسرائيل" حالياً عن استجلاب وتهجير المليون السابع، لعله يسعفها في علاج عجز ديموجرافي يهددها تهديداً بنيوياً.



وإذا كانت هذه نقاط قوة أو تفوق في الكيان الصهيوني عند مقارنته بالكيانات الصليبية، فإن هناك نقاط ضعف هيكلية عانت منها الإمارات الصليبية، ويعاني منها الكيان الصهيوني. فعلى مدى قرنين من السنين نشأت بين الصليبيين والسكان العرب المسلمين علاقات معقدة ومتداخلة، وكان السكان المحليون يشكلون أكثرية في بعض المناطق التي استولى عليها الفرنجة وأخضعوها لحكمهم على الرغم من أنهم أقاموا فيها مستوطنات جذبت سكاناً من الغرب الأوربي ليفدوا إلى الشرق وعلى الرغم من أنهم قاموا بحركة تفريغ بعض القرى من سكانها المسلمين بعد الاستيلاء عليها".[54]



هل تعلّم الصهاينة هذا الدرس من الصليبيين؟. ولكن هذا الدرس له جانب آخر، تمثل في أن حكام المسلمين حرصوا على أن تتضمن المعاهدات التي عقدوها مع الفرنج نصاً على عودة الفلاحين إلى الأراضي التي هجروا منها. [55]



وهنا، وفي رصدنا للدروس المستفادة صهيونياً من الحركة الصليبية، لاحظنا أمراً جديراً بالوقوف أمامه، وهو أن العلامة "رنسيمان" يركز[56] في الحديث عن العلاقات بين المسلمين والفرنج على جانب الصداقة رغم من الصدام بينهم إلى حد أن لقى كل من السادة من الفرنج والمسلمين عادة الترحيب والتشريف في بلاط كليهما، على الرغم من الاختلاف في الدين، وقد يحدث في زمن السلام، أن يشترك سادة الأطراف من الجانبين معاً في حملات الصيد بينما نجد "يوشع براور" يركز على نقيض ذلك، ويقول: "نظراً لأن الصليبيين قد انتهجوا سياسة كانت ترمي إلى نبذ ورفض عملية التقارب بين السكان المحليين والصليبيين فإن هذه السياسة استطاعت أن تقوّض أساس النظام القائم، وأن تحبط محاولات الاندماج الاجتماعي بين الطرفين".[57]



كل يغني على ليلاه. ويبدو أن براور يريد أن ينبه الصهاينة إلى خطر الانفتاح على العرب، ظناً منه أنه ذلك سيطيل عمر كيانهم، ويحافظ على وحدتهم، وعلى أية حال، من المعروف أنه قامت علاقات اقتصادية بين الإمارات الصليبية والأراضي العربية المجاورة لها.



ولكن الصهاينة أذكى من أن يأخذوا بما ذهب إليه "براور" لأنهم يعرفون أن هذه العلاقات الاقتصادية بين الصليبيين والعرب ـ المسلمين لعبت دوراً في إطالة عمر الكيانات الصليبية، التي كان يمكن أن تتلاشى قبل التاريخ الذي اختفت فيه لوأنها انغلقت على ذاتها، بينما كان الزاد البشري والمادي الوارد لها من أوربا يتراجع ويتناقص. ولذلك، يصرّ الصهاينة على ما يسمونه "التطبيع" خاصة في ميداني السياسة والاقتصاد، ولكنه ليس تطبيعاً بين ندين، بل بين سيد ومسود، أو على الأقل، بين قوي وضعيف. والرد العربي الصحيح على ذلك معروف ومجرب وهو المقاطعة والمحاصرة، حتى يظل الكيان الصهيوني وسكانه في حالة عزلة، وفي "جيتو" يشعرون داخله أنهم غير طبيعيين أو إن شئت فقل "مقاطعين"[58].. وسنأتي لذلك بقدر من التفصيل. و"إسرائيل" في ضوء السابقة الصليبية يتنازعها اتجاهان: هل تكون جزءاً من "المنطقة" التي تعيش فيها، والتي لا تراها إلا "الشرق الأوسط" على ألا يخل هذا بطابعها الخاص؟ أو تظل قطعة من الغرب لا صلة لها بالشرق الذي تعيش فيه؟ والتردد بين هذين الاتجاهين يبدو عند السياسي، أو المفكر، الواحد، فهو مرة يبدو مع اتجاه الاندماج في المنطقة، ومرة أخرى يميل إلى الأخذ بالعزلة والحرص على البعد عن المنطقة، أو أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم. [59] وبعد مرور أكثر من خمسين سنة على إنشاء الكيان الصهيوني، يبدو سكانه موزعين على هذين الاتجاهين، فمشاعر واتجاهات "الصابرا" تختلف عن مشاعر واتجاهات المهاجرين الجدد، وهؤلاء يختلفون عن المهاجرين القدامى، وفي داخل كل فريق من هذه الفرق هناك شرائح تتأثر بانتماءاتها الدينية "أصولية أو غير أصولية" وبالبلاد التي وفدت منها، وباتجاهها السياسي، إلى جانب شريحة المثقفين وصناع الرأي العام وقادته.



وهناك جوانب عديدة، وجزئيات كثيرة في السابقة الصليبية يعكف الإسرائيليون على دراستها بعمق للاستفادةبها. ويذكر "أفنيري"[60] أن مؤرخاً مشهوراً قال له: "على الإسرائيليين أن يعتبروا كتاب "تاريخ الحملات الصليبية" دليلاً عملياً للأخطاء التي يجب تجنبها وعدم ارتكابها" وهو يعني بذلك كتاب "العلامة""رنسيمان" الذي يعتبر بحق من أفضل ما كتب عن الحركة الصليبية، أنه عند قراءته هذا الكتاب كانت تبرز في ذهنه مئات"التشابهات الصغيرة والكبيرة".[61]



إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن هل ينقاد الصهاينة للحرب الدائمة مع العرب؟. ألم تكن الحرب هي وسيلة العرب التي استنزفوا بها الكيانات الصليبية إلى أن قضوا عليها.



وبعد كلماته السابقة مباشرة يضيف "أفنيري" كلمات أخرى لا تقل أهمية: "إن الأعمال العسكرية المدهشة التي أوصلت الصليبيين إلى قلب مصر حجبت المشاكل الرئيسية، هذه المشاكل التي على المدى البعيد، قررت مصيرهم". فما هي هذه المشاكل؟



يكاد"أفنيري" بناء على قراءته الواعية لرنسيمان يضع يديه على القانون الذي حكم مصير الكيانات الصليبية.. لقد رأى "رنسيمان" منذ وقت مبكر من الوجود الصليبي في الشرق أن هذا الوجود محكوم بالفشل، وقرر في المجلد الثاني من موسوعته: [63] "لم يلبث أن صار واضحاً أنه كيما يبقى لسكان فلسطين من الفرنج من القوة ما يكفي للسيطرة على البلاد، لا بد أن يقدم من أوروبا باستمرار هجرات وفيرة العدد".



"ولا بد أيضاً من رد الحد المصري إلى الجنوب حتى يتوافر الأمن في الطريق من بيت المقدس إلى الساحل، وتحتم تشييد معاقل أمامية فيما ورا ء نهر الأردن، وإلى الجنوب من البحر الميت. وينبغي لـ"بلدوين" أن يحاول ربط مملكته بالإمارات المسيحية الواقعة إلى الشمال، حتى يتيسر بذلك فتح الطريق للحجاج، ولأعداد متزايدة من المهاجرين. وتحتم عليه أن يبذل كل جهد لبسط سلطانه على امتداد الساحل، وأن يشجع قيام إمارات مسيحية أخرى في سوريا. وينبغي أن يوفر لمملكته ميناء آخر، يفصل كلاً من حيفا ويافا. ذلك أن ميناء يافا لم يكن من العمق بما يكفل للسفن الضخمة الوصول إلى الشاطئ، ولذا لم يتم النزول إلى البر إلا باستخدام قوارب العبور، وتعرُّض الهابطين للخطر الشديد، عند هبوب الرياح، فإذا اشتدت الرياح، كان ذلك خطراً على السفن".



يبدو أن إسرائيل عبر ما يزيد عن خمسين عاماً لم تفعل ولا تفعل سوى ذلك، سواء من حيث امتداد حدودها والأراضي التي تستولي عليها، أو من حيث بناء البنية التحتية في النقل والمواصلات والمواني على طول الساحل الذي تحتله بالكامل، من حيفا إلى غزة!



ولكن هذا وحده لا يكفي، كان تأمين دولة "بلدوين" يحتاج أكثر، يحتاج إلى المال والرجال. ويقول رنسيمان[64]: "الواقع أن المال والرجال هما أهم ما احتاجه "بلدوين" لحكومته في الداخل. ولن يأمل في إقامة مملكته ما لم يتوافر له من الثروة والقوة ما يكفي لضبط أتباعه. فلن يستطيع الحصول على القوة البشرية إلا بالترحيب بالهجرة، وبتشجيع المسيحيين الوطنيين على التعاون معه، أما المال فيستطيع الحصول عليه، بتشجيع التجارة مع البلاد المجاورة، وبالإفادة من توافر الرغبة في عمل الخير عند المسيحيين في أوربا، بما يسهمون به من أموال، وما يجرونه من أحباس على المنشآت ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بأن"بلدوين" هو كونت "الرها" وملك بيت المقدس من(1100ـ1118) وهو الذي وضع الأسس التي استمرت عليها هذه المملكة، إنه "بن جوريون" المملكة الصليبية، وبالمثل يمكن اعتبار "بن جوريون" "بلدوين" الكيان الصهيوني. وإذا كان "بلدوين" قد رأى رد حدود دولته إلى الجنوب مع مصر، فإن بن جوريون استمسك باحتلال النقب، وتطلع إلى بقاء سيناء في 1956 بين يديه، وحذر الإسرائيليين من القيادة المصرية للعالم العربي[65]. فهل هذا ممكن؟ من ناحية، وهل لو لم تقم مصر بقيادة الوطن العربي سيظل هذا الوطن يعاني من فراغ قيادي، أم أن هناك قوى أخرى ما ستملأ هذا الفراغ؟



الجواب مفروغ منه، ولكن "رنسيمان" يأبى إلا أن يكرر الحديث عن استراتيجية بلدوين فيعود إلى القول[66] إنه كان يدرك دائماً أن فلسطين معرضة باستمرار "للغزو والتسلل من جهة الجنوب الشرقي عن طريق النقب، ولذا كان لا بد من السيطرة على الإقليم الواقع بين البحر الميت وخليج العقبة، لقطع طريق الاتصال بين مصر وسائر العالم الإسلامي".



يبدو أن"بن جوريون" استوعب جيداً تجربة بلدوين، على الرغم من أنه لم يفصح عن ذلك، على الأَقل فيما قرأته له وعنه: ألم يستوطن النقب في آخر أيام حياته، حين بعد عن المعترك السياسي في تل أبيب؟ ألم يكتب في مقدمة كتاب "أسياد الصحراء" في 1960 أن آمال إسرائيل معقودة على استصلاح النقب لاستيعاب المهاجرين الجدد، وفي 1967 وعلى الرغم من تهليله فرحاً بالانتصار، رأي أن القوة العسكرية وحدها لن تؤمن مستقبل إسرائيل، ويجب أن تكون المهمة الأساسية جذب عشرات الألوف من يهود الغرب للهجرة إلى إسرائيل وزيادة عدد سكانها. [67]



إذن نقطتا ضعف هيكليتان أدتا إلى ضعف وتلاشي الكيانات الصليبية إنهما النقص في المال، والنقص في الرجال. من ناحية المال، وعلى الرغم مما نشأ بين "مملكة بيت المقدس الصليبية" وجاراتها العربيات من علاقات اقتصادية، إلا أن هذه المملكة والكيانات الصليبية الأخرى اعتمدت بصورة أساسية على تلقي المساعدات ورؤوس الأموال بصورة مستمرة من الغرب وأخذت هذه المساعدات أشكالاً عديدة وظلت هذه الكيانات عالة على ما كانت تتلقاه.



"إسرائيل" تنظر إلى نفسها على أنها حالة مختلفة، وأنها استطاعت الاعتماد على نفسها اقتصادياً، وأنها تستطيع أن تستغني عن المعونات التي تتلقاها من الغرب سواء في شكل منح ومعونات من الولايات المتحدة، تصل في حدودها القصوى حالياً إلى حوالي عشرة مليارات دولار سنوياً، أو الهبات التي يرسلها اليهود في أوربا والولايات المتحدة. ولكن هذه الأموال تسهم بدور غير قليل في ضمان مستوى المعيشة المرتفع الذي يتمتع به الإسرائيليون، وفي توفير استثمارات كبيرة تساعد اقتصاد إسرائيل على المزيد من النمو والتقدم، هل تستطيع "إسرائيل" الاستغناء عن هذه المعونات؟.



يرى الدكتور عبدالوهاب المسيري أن هناك إجماعاً صهيونياً على أنه"دون الدعم الغربي، وبخاصة الأمريكي، للمستوطن الصهيوني لن يقدر له البقاء والاستمرار.. وأن الغرب قد تبنى المشروع الصهيوني وضمن له البقاء والاستمرار كي يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ودون أداء هذه الوظيفة، لن يكون هناك دعم".[68]



إن الأموال الغربية ـ اليهودية والصهيونية ومساعدات الحكومات والدول ـ أحد العوامل الأساسية في بناء إسرائيل، واستمرارها وأحد ضمانات بقائها متقدمة ومتفوقة اقتصادياً. فهل يمكن أن تتوقف هذه المساعدات؟ وكيف؟ ومتى؟ دون أن نجيب على هذه الأسئلة، يمكن القول إنه حين تجدّ ظروف تؤدي إلى تجفيف منابع هذه المساعدات وإلى توقفها، فإن هذا سيؤثر كثيراً على الكيان الصهيوني، وسيهزه هزة عنيفة.



وهنا، فإن خبرة السابقة الصهيونية تشير إلى أن زعماء أوربا القرن الثالث عشر لم يعودوا متحمسين لشن حروب صليبية جديدة ضد المسلمين لسببين هما: الانغماس في المشاكل الداخلية من ناحية، ولإدراكهم من ناحية أخرى أنه من غير الممكن فرض الوجود الصليبي بالقوة إلى الأبد[69]. وارتبط هذا بنقص القوة البشرية، أو الرجال، حسب تعبير "رنسيمان" فقد كان هذا واحداً من الأسباب المباشرة لانهيار الإمارات الصليبية، وذهابها في ذمة التاريخ. و"إسرائيل" بدورها تعتبر توقف الهجرة بداية النهاية. وهي إذا كانت تتمنى لو تستطيع أن تجلب من المهاجرين ما يصل بعدد سكانها من اليهود إلى 10 ملايين أو حتى 12 مليون نسمة فإنها تعمل حالياً جاهدة لاستجلاب المليون السابع، بالتركيز على البلاد التي لا تزال بها أعداد كبيرة من السكان"اليهود".[70]. إن"إسرائيل" في حاجة إلى هؤلاء المهاجرين أو المهجرين من أجل الميزان الديموجرافي في الداخل، أي مع الفلسطينيين من أبناء 1948 ومع أبناء 1967 من جانب، وللتوازن مع الطوفان البشري العربي المحيط بها. وهنا، فإن وقفة قصيرة مع الأرقام قد تكون مفيدة:



[1] يذكر"ميخائيل زابوروف"[71] أنه في حوالي أواخر الثمانينيات من القرن الثاني عشر، كان عدد المستعمرين الإفرنج المقيمين في المدن والقلاع، كما حسب المؤرخون، يربو على 100ـ 120 ألفاً."وكانت قوى الأتباع وحدهم لا تكفي في آن واحد لإبقاء هؤلاء السكان في حالة الخضوع، ولصد هجمات الجيران المسلمين.



[2] في حال"التعبئة العامة" للاتين القادرين علىحمل السلاح، لم يكن بوسع مملكة بيت المقدس أن تجند أكثر من ألفي فارس ثقيلي السلاح و20 ألفاً من الرماة خفيفي السلاح.



[3] كانت الأوساط العليا المميزة في الشرق اللاتيني تعيش بين السكان المحليين المعادين، فضلاً عن أنهم أكثر تعداداً بكثير من الافرنج، وكانت أشبه بمعسكر يطوقه ويحاصره العدو على الدوام.



من المقرر أن الصليبيين قاموا بعمليات اضطهاد واستغلال منظمين للسكان العرب في المدن والقرى التي استولوا عليها كما قاموا بعمليات طرد وتهجير. ولكن لم تخل البلاد من أهلها الأصليين، خاصة من الفلاحين، الذين كانوا يقومون بزراعة أراضيهم.



ينظر الصهاينة إلى هذا الوضع ويرونه نقطة ضعف ولذلك فإن الترحيل أو "الترانسفير" عندهم سياسة ثابتة من قبل إنشاء كيانهم في 1948 وإلى اليوم. ويؤرقهم وجود الشعب الفلسطيني، الذي قالت عنه "جولدا مائير" يوماً: "لا أعرف شيئاً بهذا الاسم". لم يكن هذا جهلاً، بل كان محاولة تجاهل، لجأت إليها وهي تغلي من داخلها صارخة كلما سمعت عن ميلاد طفل فلسطيني.



ومن المفيد هنا أن نربط ما أورده "زابوروف" من أرقام بما سجله الدكتور قاسم عبده قاسم من أن سكان بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية كان حوالي مليونين وسبعمائة ألف نسمة، حسب تقديرات بعض الباحثين، وربما يكون من الصعب تقدير المساحة المأهولة من بلاد الشام في زمن الحروب الصليبية".[72]



ولا نملك أرقاماً دقيقة عن الصليبيين في مملكتهم وإماراتهم سنة بعد سنة، منذ دخولهم القدس إلى انسحابهم من الأرض العربية كلها، بحيث نقارن هذه الأعداد بسكان بلاد الشام، وسكان الوطن العربي بعامة، فيما بين القرنين العاشر والثاني عشر، لنتبين على ضوء ذلك الميزان الديموجرافي الحالي بين الصهاينة من جانب والسكان الفلسطينيين من جانب آخر، وكذا بين الصهاينة وسكان الوطن العربي.



لكن الواضح أن الصهاينة يحاولون ما استطاعوا أن يستجلبوا "يهوداً" من كل بقاع الأرض بدءاً من "الفلاشا" الأثيوبيين إلى يهود الاتحاد السوفيتي السابق، الذي يعرفون ويعترفون بأن جزءاً غير قليل منهم ليسوا يهوداً. وعملية التجميع هذه تخلق مشكلات وصراعات، على المدى البعيد، قد لا تقل حدة عن الصراعات بين اليهود الأصوليين واليهود العلمانيين. فضلاً عن توقعات إسرائيل بأن السنوات القريبة قد تشهد توازناً بين السكان اليهود والمواطنين الفلسطينيين في حدود أرض فلسطين التاريخية، ما بين البحر والنهر ثم تتلو ذلك مرحلة يتفوق فيها الفلسطينيون عدداً على "اليهود" وقد اجتاحت الكيان الصهيوني حالة من الهلع منذ أن وضع الدكتور "أرنون سوفير" الخبير الديموجرافي والأستاذ بجامعة حيفا ومستشار المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء دراسته عن النمو السكاني في فلسطين التاريخية، والتي توقع فيها أن يكون عدد اليهود 6,300,000 نسمة في 2020، بينما سيصل عدد الفلسطينيين إلى 7,900,000 نسمة. [73]



كيف ستواجه إسرائيل ذلك الوضع؟. إن الخبرة الصليبية لا تفيدها، ولا تسعفها، بل تزعجها؛ ذلك أن القوة وحدها ليست ضماناً كافياً لاستمرار وبقاء الكيانات الاستيطانية، كما أن التفوق في التسليح والتدريب لا يمكن أن يظل إلى الأبد من نصيب طرف واحد من الطرفين المتصارعين. إن هذا التفوق مؤقت وقصير المدى. أما التفوق البشري فمستمر، وطويل المدى. ومن وقائع الحروب الصليبية أن صلاح الدين حاقت به في 1177 هزيمة كبيرة قرب "قلعة تل الجزر" على مسافة بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من الرملة، حيث فاجأه فرسان الفرنجة، بينما كان جانب من عساكره يسعى للحصول على العلف للخيل ولم يتوافر لصلاح الدين ما يكفي من الوقت لإعادة حشد من بقى منهم. فلاذ عدد كبير منهم بالفرار عند أول صدام، بينما لم ينقذ حياة صلاح الدين إلا حرسه الخاص من غلمانه. أما القوات التي صمدت في القتال فقد جرت إبادتها".[74]



ويقدم العلامة تفصيلاً لبعض ما جرى فيه هذه المعركة يذكرنا بما حدث بالضبط في هزيمة حزيران 1967، فيقول: "ولى الجيش المصري الأدبار إلى بلاده في بضع ساعات، بعد أن خلف وراءه كل ما حاز من غنيمة وأسرى، بل إن العساكر المصرية قذفوا بأسلحتهم إلى الأرض، كيما تزداد سرعتهم في الفرار، وحاول صلاح الدين أن يعيد الأمن إلى نصابه، غير أن اجتياز صحراء سيناء كان شاقاً ومؤلماً فانقض البدو على هؤلاء الفارين الذين كادوا أن يكونوا عزلاً من كل سلاح".



وفي تعليقه على الهزيمة المرة التي لحقت بصلاح الدين وقواته، يقول "رنسيمان":[75] "كان ذلك انتصاراً باهراً، إذ أنقذ مملكة بيت المقدس في الوقت الراهن، غير أنه لم يغير الوضع على مر الزمن، فلا حد لموارد مصر، على حين أن الفرنج مازالوا يعانون نقصاً في الرجال". في معارك الشعوب، الهزيمة تؤذن بنصر، والضعف يدفع إلى خلق القوة. هذه الهزيمة المنكرة لم تبعد عن "حطين" ونصرها المؤزر سوى عشر سنين. وفي أيامنا، لم يبعد نصر أكتوبر المجيد سوى ست سنوات وأربعة أشهر عن الهزيمة المُرة في 1967.. ومما لا شك فيه أن نقص الرجال في جانب ووفرة الرجال في الجانب الآخر عامل مؤثر في ذلك، وقد يكون حاسماً.



العرب ودروس الحملات الصليبية:

الوطن العربي ـ بلغة عصرنا ـ والبلاد العربية الإسلامية بمفاهيم زمن الغزو الصليبي، يكاد يحكمه قانون أساسي: "إن اتحد انتصر، وإن تفرق انهزم"، وعشية مجيئ الصليبيين كانت المنطقة في حالة وهن سياسي بسبب الخلافات والصراعات بين الخلفاء والأمراء والملوك، وفي حالة ضعف اقتصادي نتيجة التجزئة والحروب بين الأشقاء، وقوم هذه حالهم واجهوا الفرنجة فرادى، وفرادى انهزموا ودخل الصليبيون القدس في 15 تموز 1099 في ظل خلافتين إسلاميتين؛ عباسية في بغداد وفاطمية في مصر. وبعد ذلك بخمسة وأربعين سنة فقط، بدأت مرحلة الإفاقة وبدايات التوحد التي أدت سريعاً إلى تحرير الرّها في 1144 وحين جاءت الحملة الصليبية الثانية لم تحرِّر أرضاً، ولم تحقق نصراً.



وهكذا تثبت بدايات الغزو الصليبي أن "جميع المصائب التي حلت بالأمة العربية قد ساهمت التجزئة والخلافات في تحقيقها"[76] والعكس صحيح، فالوحدة طريق النصر، ودربه الآمن، وطريقه السالك.



هل نقول إن هذا مفروغ منه، ومتفق عليه؟. لا أدل على ذلك من الحقيقة التي يبرزها د. أنيس القاسم[77] ويعبر عنها بقوله: ".. الاحتلال الصليبي كله أو معظمه قد قُضى عليه في فترة حكم رجل واحد فقط عندما حزم أمره، وشحذ عزيمته، ووهب نفسه للتحرير".



التحرير هدف، ورسالة، وقرار، من اتخذه لايقر له قرار إلا بعد أن ينفذه، ويحققه، باتخاذه العدة والأساليب التي تكفل له إنجاز ما قرره: "لقد دام حكم صلاح الدين من عام 1169 حتى عام 1193، أي حوالي ربع قرن واستطاع في هذه الفترة الوجيزة نسبياً أن يقوض دعائم الاحتلال الصليبي ويسترد القدس بعد مواجهة متواصلة استمرت علىالأقل من عام 1183 حتى عام 1193".



ويستوقفنا تعبير "المواجهة المتواصلة" ويجب أن نقف أمامه ونطيل التفكير وبعمق، خاصة لو اتفقنا على أن هذه "المواجهة" تعني "تعبئة عامة" شاملة، لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الانقطاع، سواء على المستوى "الرسمي" أو "الشعبي". ويكفي عند الحديث عن دور الشعب في المعركة ضد الغزو الصليبي أن نتذكر الكلمات التي قالها "عموري" ملك بيت المقدس عندما دعى من الحامية الصليبية في مصر إلى العودة للاستيلاء عليها، فقال إن "صاحب مصر وعساكره وعامة بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها".[78]



وفي مواجهة الغزو الصليبي استخلص العرب ـ المسلمون وبسرعة أن "الاحتلال مهما كان نوعه لا يقضي عليه سوى النضال المتواصل".[79] وغداة تحرير الرها، ومنذ سنة 1150 نادى الشيخ علي السلمي من مسجد في ضاحية دمشق "بجهاد هجومي" يكون هدفه تحرير القدس. [80]



وإذا كان القانون الذي حدد مصير الكيانات الصليبية هو نقص المال والرجال، فإن هذا القانون له وجه عربي، تمثل من جانب في التعبئة المستمرة، والحرب المستمرة، ومن جانب آخر في"عدم التفريط" وعدم التنازل عن حق، بل الاستمساك وبقوة بمبدإ وحق التحرير، وبرفض إقرار أن للعدو حقاً أي حق في أرض احتلها؟!



لقد قامت استراتيجية التحرير العربية ـ الإسلامية ضد الغزو والاحتلال الصليبيين على وضع العدو في حالة حرب دائمة، تتضمن الضغط بلا هوادة، والاستنزاف بلا توقف، وبحيث تكون اتفاقات الهدنة التي أبرمت ـ أياً كانت مدتها ـ فترة لالتقاط الأنفاس استعداداً للجولة القادمة، وليست "ستاراً للاسترخاء والتهاون مع العدو".



وفي الوقت نفسه كانت المعركة المستمرة وسيلة لرأب الصدع وسد الثغرة التي تسرب منها العدو، وهي ثغرة الخلافات والفرقة، بحيث تم "بناء دولة الطوق" التي وضعت الكيان الصليبي بين "فكي كماشة" كان يتم الضغط على جانبيها بشكل مستمر، وبناء. "دولة صلاح الدين" هي النموذج الذي حقق النصر وأنجز التحرير الذي احتشدت الأمة كلها وراءه ومن أجله.



ومرة أخرى، يضع العلامة "رنسيمان" يده على النقطة المركزية، أو الحلقة المركزية في الموقف العربي ـ الإسلامي بتركيزه على ما سماه "إمبراطورية صلاح الدين"[81] التي امتدت من برقة إلى نهر دجلة حيث "ارتكن إلى ثروة مصر، وخضعت لحكمه المباشر المدينتان الكبيرتان دمشق وحلب، وأحاط بهما وامتد صوب الشمال الشرقي حتى أسوار الموصل، الاقطاعات الحربية التي ارتكن صلاح الدين إلى مساندة أربابها. ولقى صلاح الدين التأييد من الخليفة العباسي ببغداد. وسعى سلطان السلاجقة ببلاد الأناضول "آسيا الصغرى" إلى كسب صداقته ولم يكن لأمراء السلاجقة بالشرق من القوة مايدفعهم إلى مقاومته ولم تعد الامبراطورية البيزنطية مصدر خطر له".



وعندئذ، لم يتبق لصلاح الدين إلا أن يضرب ضربته ليقهر الدخلاء "الذين صاروا وصمة عار في جبين الإسلام، بتملكهم فلسطين وساحل الشام".[82] وقد فعل. وكانت حطين منطلق الظفر، والبداية الحقيقة لإزالة الوجود الصليبي. ولكن، هل من الضروري أن تقوم دولة عربية في حدود دولة صلاح الدين كي يتم النصر على الكيان الصهيوني؟ ثم ألا يوجد فارق نوعي بين كيان أمس وكيان اليوم الذي يتدرع بسلاح نووي ويستند إلى مدد لا ينفد من جانب أمريكا التي تقدم له سنوياً حوالي 10 مليارات دولار؟.



عوامل لا تسقط من الاعتبار، ونحن نتذكر أننا كنا قريبين يوماً من حدود دولة صلاح الدين، وتمثل هذا في نطاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في أبريل 1963. ومن قبل كانت وحدة مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة، لماذا تساقط هذا؟



إننا نحتاج إلى القيادة التي تجعل التحرير هدفاً ورسالة، وتربط كل شئ بهذا الهدف/ الرسالة التي يحملها قائد، ربما يكون شخصاً أو حزباً أو اتجاهاً يشحذ الأمة كلها خلفه، بحيث تنتقل الرسالة من يد إلى يد، كما انتقلت من قبل من عماد الدين زنكي، إلى ابنه نور الدين محمود ثم إلى صلاح الدين، وخلف من ورثوها بعده. صحيح أن بعضهم فرط أو تنازل، كما فعل الكامل محمد، ولكن خط التحرير ظل خطاً مستمراً ومتصاعداً لدرجة أن المماليك واصلوا رسالة الأيوبيين وأكملوها، ومن أسف ومنذ 1948 إلى اليوم نكاد نفتقد مثل هذه القيادة، اللهم إلا عبدالناصر ما بعد هزيمة حزيران 1967 إلى أن توفي قبل ذلك وبعد ذلك، نجد قيادات وأحزاباً وتنظيمات تتنازل اليوم عما استمسكت به أمس، وتفرط هنا فيما رفضت التفريط فيه هناك، أي لا نعرف بقاءً على مبدأ، ولا قتالاً من أجل الحق، سواء في ميدان الحرب أو على مائدة المفاوضات.



يروي صاحب "النوادر السلطانية"[83] أنه في إحدى جولات المفاوضات بين العادل شقيق صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد الذي يسميه "الأنكتار" بعث هذا إلى السلطان رسالة قال فيها: "إن المسلمين والفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد، وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين، وقد أخذ هذا الأمر حقه، وليس هناك سوى القدس والصليب، والبلاد، والقدس فمتعبدنا ما ننزل عنه، ولو لم يبق منا واحد، وأما البلاد فيعاد إلينا منها ما هو قاطع الأردن، وأما الصليب فهو خشبة لامقدار له عندكم، وهو عندنا عظيم، فيمن به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا العناء الدائم". فما كان من صلاح الدين إلا أن رد عليه بقوله: "القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئاً عليها، لضعف من كان بها من المسلمين في ذلك الوقت. وما أقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائماً بيننا، وما بأيدينا نحن منها نأكل بحمد الله وننتفع، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، ولا يجوز لنا أن نفرط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها".



إن الصلابة ليست في ميدان القتال فقط، بل في كافة الميادين، فمن يفرط أو يتنازل مرة يفعل ذلك مرات ومرات. وهذا ما تحتاج إلى أن تتعلمه وتقتدي به كل الشخصيات التي تفاوض العدو الصهيوني في أي مجال من المجالات، دون أن ننسى أن التفاوض هو شكل من أشكال الصراع، وليس وسيلة لراحة أو استرخاء وحين نستذكر أحوال مفاوضينا، من كامب ديفيد إلى أوسلو على سبيل المثال، فإن الصورة لا تسر أحداً، لدرجة أن العادل وزير خارجية صلاح الدين كان أشد بأساً ومراساً وأكفأ وأقدر على المناورة والأخذ والعطاء من رجال الدبلوماسية العرب المعاصرين الذين أدمنوا التفاوض، كما أدمنوا التنازل. ومن أسف أنهم يكابرون ويتبجحون ويقولون: هل تريدوننا أن نقاتل إلى الأبد؟ ويهزأون من الشعارات التي التفت حولها الأمة متسائلين: ما معنى أن "ما ضاع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"؟ ويزعمون أن هذا قمة الضياع. ويسخرون من الاستمساك بحق العودة، ومن الدعوة إلى الحرب المستمرة، ويتمسحون في صلاح الدين بدعوة أنه فاوض، وهادن، وعقد صلحاً، دون أن يعرفوا أن هذا القائد ابن العصور الوسطى لم يبرم ما يسمى صلحاً نهائياً، وسار خلفاؤه من بعده على هذا النهج، بينما نجد أن الوزير الفاطمي "شاور" كان مستعداً وموافقاً على عقد "معاهدة سلام دائمة" مع ملك مملكة بيت المقدس يباركها الخليفة الفاطمي العاضد. [84]



وإذا كانت الحرب هي الدبلوماسية بوسائل أخرى، فإن صلاح الدين كان يقاتل ويفاوض هكذا فعل مع ريتشارد قلب الأسد أثناء القتال عند عكا، بعد تحرير القدس. وعندما حمى وطيس القتال، واشتدت المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين، طلب ريتشارد عقد "قمة" مع صلاح الدين "دون تحديد مسبق للأساس الذي تقوم عليه المفاوضات بينهما"، فما كان منه إلا أن رفض وقال كلمة صارت مثلاً وقاعدة وعرفاً: "الملوك لا يجتمعون إلا عن قاعدة".[85]



كان صلاح الدين يعرف أهدافه، وقد أجاد الإعداد والتخطيط لها، سياسة وقتالاً ضد العدو، وإعداداً لدولته من الداخل. وقد وضع نصب عينيه هدفين أساسييين ومتكاملين: توحيد مصر والشام والجزيرة، واتخاذ ذلك قاعدة انطلاق للجهاد ضد الفرنجة، وكان الهدفان يتكاملان معاً، ويسيران معاً. التوحيد والاندماج خطوة خطوة، والجهاد معركة بعد معركة، فالتوحيد زاد للجهاد، والجهاد يخلق الأرضية لتحقيق المزيد من الوحدة. [86]



ولكن التاريخ ليس خطاً بيانياً صاعداً باستمرار. وبعد رحيل صلاح الدين في 1193 تمزقت دولته بين أشقائه وأبنائه، وحدث نزاع بين البيت الأيوبي والبيت الزنكي.. ووصلت الأمور إلى حد أن الملك الكامل محمد ـ ابن أخي صلاح الدين ـ تنازل في اتفاقية يافا في 18 شباط 1229 عن بيت المقدس للامبراطور فردريك الثاني، بالإضافة إلى بيت لحم والناصرة وتبنين وصيدا. وبالفعل دخل الامبراطور المدينة المقدسة في 17آذار من السنة نفسها. وفي 1244 اقتحم الخوارزمية بيت المقدس واستولوا عليه من الفرنجة، وأدى هذا إلى خروج الحملة الصليبية السابعة، التي توجهت إلى دمياط واستولت عليها، ولكن لويس التاسع وقواته هزموا وأسر هو في المنصورة في 1250 وفي السنة نفسها انتهى حكم الأيوبيين في مصر، وبدأت دولة المماليك.



وبهذا نرى أن ما حققه صلاح الدين من إنجازات فيما بين 1182 و1193 بشكل خاص، كاد يتبدد على أيدي خلفائه، لولا أن شعلة الجهاد كانت قد اتقدت وبدأت تحرك "الشارع العربي ـ الإسلامي" إنكاراً واستنكاراً لكل تنازل للأعداء، وإدانة له وسخطاً عليه. فحينما تنازل الكامل محمد للامبراطور فردريك عن بيت المقدس: "قامت القيامة في جميع بلاد الإسلام، واشتدت العظايم بحيث أنه أقيمت المآتم"، ويقول المقريزي إنه حين سمع المسلمون بخبر تفريط الكامل في القدس: "اشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل، وحضر الأئمة والمؤذنون من القدس إلى مخيم الكامل وأذنوا على بابه في غير وقت الأذان.. فعظم على أهل الإسلام هذا البلاء، واشتد الإنكار على الملك الكامل وكثرت الشناعات عليه في سائر الأقطار".[87]



ورد الفعل الشعبي هذا أقوى بكثير من رد الفعل على سقوط القدس في أيدي الصليبيين في 1099، فقد شارك "الشعب" على مدى قرن ونصف في احتمال أعباء الجهاد، ولعب دوره في كثير من المعارك، ولذلك لم يعد يتقبل الهزيمة أو يقبل التفريط.. وقد لعب هذا التفريط من قبل الكامل محمد دوره في نهاية دولة الأيوبيين ومجيئ المماليك، الذين رأوا أن شرعيتهم لن تكتمل إلا بمواصلة الحرب والجهاد ضد الصليبيين، والقضاء على بقايا وجودهم في المنطقة.



وإذا كانت المعارك ضد الصليبيين قد استمرت حوالي قرنين، تخللتها تطورات عديدة فقد تقاعس بعض الحكام وسعى آخرون إلى خطب ود الصليبيين اتقاء لشرهم أو طمعاً في مغنم على حساب آخرين من الحكام والأمراء العرب ـ المسلمين في حين أن أهل الفكر لم يهادنوا يوماً، ولم يظهر بينهم من يدعو إلى قبول الصليبيين أو مصالحتهم بل كان العماد الفاضل، وابن شداد وغيرهما من رجال الفكر والأدب الذين أحاطوا بصلاح الدين أصحاب دور كبير في شحذ الهمم، وتوحيد الصفوف، ودعوة القوى العربية ـ الإسلامية إلى مساندة السلطان في جهاده.



ومع غزارة ما كتب في تلك الفترة من أدب وشعر وكتب، فإن المرء لم يقدر له أن يجد كلمة من كاتب تدعو إلى تثبيط الهمم، أوالتقاعس عن القتال، مثل تلك الدعاوى التي تتوالي في أيامنا هذه، بدعوى "السلام" تارة والحرص على التنمية تارة أخرى، ومراعاة الظروف الدولية مرة ثالثة!! بالعكس، كان صوت وسوط النقد يلهب ظهور من يتقاعسون عن الجهاد، أو يفرون من ميدان القتال ولا يأتون من البأس إلا قليلاً، ولم ينج حتى كبار القادة من النقد الذي لم يسلم منه صلاح الدين بعظمته وبطولاته وانتصاراته.



ويسجل التاريخ أن "أدب المقاومة العربي" بدأ مع بداية الاجتياح الصليبي للشام وأن المساهمين فيه، سواء كانوا عرباً أو غير عرب، كتبوا أدبهم بالعربية، لغة الثقافة والتراث"[88] وإدراكاً من العدو الصهيوني اليوم لدور الكلمة في المعركة فإنه يحاول بوسائل متعددة أن يؤثر على الكتاب والأدباء والمثقفين والصحفيين وقادة الرأي العام.



وعلى الرغم من أن محاولاته لم تحقق نجاحاً، إلا أنه لم يتوقف، وقد بدأ يحدث اختراق في هذه الجبهة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في 1993.. فالذين كانوا ضد التطبيع كادوا يصبحون سماسرة تطبيع، وما أسهل التبرير والتزييف، ورفع شعار حرية الرأي والاجتهاد، مادامت الخيانة قد أصبحت وجهة نظر.



وفي مواجهة هذا الإفك، فإن إحياء وتعميق الكتابة عن فترة الحملات الصليبية يعتبر مهمة نضالية، خاصة وأن كثيراً من أدب عصر الحروب الصليبية كما يقول الدكتور أحمد أحمد بدوي "لايزال خبيئاً في الخزائن، مخطوطاً أو مصوراً، لم يحقق تحقيقاً علمياً يظهره في أكمل صورة ممكنة، وأن من الواجب تضافر القوى على نشر هذا الأدب وإذاعته حتى يكون من الميسور دراسته في صورة أوسع.." [89] ولكل قاعدة شواذ والشاذ هو الذي يثبت القاعدة ويؤكدها. جميع الكتاب والشعراء المثقفين كانوا مع الجهاد ووراءه، ورفع رايته، والانخراط فيه.. باستثناء واحد، واحد فقط، في قرنين من الزمان وهذا الواحد يروي الدكتور أحمد أحمد بدوي قصته بقوله: [90] "مما ينبغي أن يسجل لندرته، حتى لا يروي تاريخ الأدب له نظيراً، هذا الشعر الخائن الذي يشمت بهزيمة المسلمين، ويشمت بما ينالهم من ضر، ولا يروي التاريخ من هذا النوع سوى بيتين، قالهما شاعر لم يشأ التاريخ أن يحتفظ باسمه بل ذكر فحسب أنه كان عند الفرنج، وأنه كان ينتجعهم ولست أدري السبب الذي دفعه إلى انتجاع أعداء البلاد، وفي أمراء البلاد الإسلامية ما كان يغنيه عن هذه الخيانة النكراء، فهل احتفظ به الفرنج وأغدقوا عليه ليكون داعيتهم وليتخذوا لسانه سلاحاً لهم، ينشر في صفوف المسلمين الرعب من الفرنج والرهبة لهم؟!. يقف التاريخ صامتاً عن السبب الذي دفع هذا الشاعر إلى هذا الاتجاه، الذي لم أر له مثيلاً: أما البيتان فقد قالهما الشاعر عقب غزوة غير ناجحة للأفضل الوزير المصري، ابن أمير الجيوش، فقد كوتب من عسقلان بأن الفرنج قد اجتمعوا للغزو، فعنى الأفضل بالأمر أيما عناية، ولم يبق في مكنته شئ من مال، وسلاح، وخيل، ورجال، وأناب أخاه مكانه بين يدي الخليفة، ومضى لا يريد أن يصد هجومهم المترقب فحسب، بل أن يستنقذ الساحل كله من أيديهم ولكنه لم يوفق في بلوغ هدفه. ويقال إن السبب في ذلك يعود إلى خيانة من الجند، فعاد الأفضل غاضباً على جنده وشيعه هذا الشاعر الخائن بقوله، يخاطب صنجل ملك الفرنج: نصرت بسيفك دين المسيح فلله درك من صنجـــل



وما سمع الناس فيــما رووه بأقبح من كسرة الأفضل

ولقد لقى هذا الشاعر جزاء خيانته، فقد توصل الأفضل إلى ذبحه ومما لا ريب فيه أن هذا الشاعر الخائن ندد بالمسلمين في غير هذا الشعر، وربما يكون الفرنج قد قصدوا بشعره هذا أن يشيع بين المسلمين الذين بقوا تحت سيطرة الفرنج إن كان قد بقى منهم أحد".



ولا شك أن بيننا اليوم أكثر من واحد من أمثال هذا الشاعر الذين يوهنون العزائم، ويثبطون الهمم، ويكادون يقولون إنه ليس بمقدورنا أن نهزم العدو. إنهم لا يقولونها صريحة واضحة، ولكنهم يلفلفونها ويلفون من حولها ويدورون، وإذا كان العصر غير العصر، حيث صار العالم "قرية واحدة" وخارج واحد على الصف يمكن أن يكون لصوته ناقل في الإذاعات، والفضائيات والصحف، خاصة وأن أدعياء "الحكمة" يتكاثرون، وساحة المواجهة لا تقف عند حدود دول الطوق: مصر والشام والجزيرة، بل إن كل قطر عربي يحاول أن تكون له كلمة ورأي حتىدون أن يقول كلمة حق من أجل فلسطين. وحين عجز العدو عن أن يفتح أبواباً للتطبيع مع مصر وسوريا ولبنان، وحين جوبه بحركة مضادة قوية في الأردن، ذهب يقرع أبواباً في عُمان وفي قطر.. وحتى في موريتانيا، وبذلك فإن العدو يعترف بفشله لا بنجاحه، ذلك أن مصائر فلسطين في عصر الصليبيين وفي عصرنا الراهن لم تقررها ولن تقررها إلا إرادة أبنائها، ودول الجوار اللصيقة.. التي تستطيع أن تكون قاطرة لدول عربية أو حتى إسلامية أخرى. وهنا، فنحن أمام "معادلة هامة في تاريخ المنطقة العربية" حسب تعبير الدكتور قاسم عبده قاسم[91]، معادلة مؤداها أن العمل المشترك والتنسيق والحد الأدنى من الوحدة كانت شروطاً لازمة للنجاح والنصر. هذا هو القانون الحاكم، وسنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.



وفي هذا الإطار ومن أجل معركة التحرير، فإن هناك إقليماً قاعدة، حسب التعبير العصري. وهذا الإقليم هو مصر، فيه "تقرر آخر الأمر مصير مملكة بيت المقدس"[92] وبعبارة أخرى: فإن دعاة الحركة الصليبية والمتحمسين لها وصلوا في نهاية القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر إلى نتيجة حاسمة لا شبهة فيها ولا جدال حولها، هي أن مفاتيح بيت المقدس توجد في القاهرة، وأن عليهم البدء بمصر أولاً بوصفها الطريق الطبيعي الذي ـ لا طريق غيره ـ للوصول بهم إلى بيت المقدس.



وقد ظهرت هذه العقيدة بوضوح في أقوال زعماء الحركة الصليبية ودعاتها، فهم حيناً يشبهون مصر بأنها رأس الأفعى وأحياناً يشبهونها بأنها مخزن الإمدادات في العالم الإسلامي، ومرة ثالثة يشبهونها بالقلب في الجسم"[93].. وتفكير الصليبيين في مصر، والنظر إليها على أن في عاصمتها مفتاح القدس تفكير برز منذ بدايات الحملة الصليبية، وغداة الاستيلاء على القدس في 1099 ولكن مع نهاية القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر أصبح راسخاً في أذهان الصليبيين أن "الاستيلاء على مصر ضروري لتأمين مشاريعهم وبقائهم في فلسطين، وأنه بدون سيطرتهم على مصر لن تستقر حياتهم في الشام" وعلى الجانب الآخر، الجانب العربي ـ الإسلامي، أنذرالكامل محمد من خلال سبعين رسولاً أهل الإسلام من غلبة الفرنج على مصر، وخوفهم من أنهم حتى ملكوها "لا يمتنع عليهم شئ من الممالك بعدها".[94]



هذا عن الصليبيين، فماذا عن الصهاينة؟. أليس هذا عينه ما تحدث به بن جوريون، النبي المسلح، حين حذر بني قومه من القيادة المصرية للعالم العربي؟!.



والصهاينة على خطى الصليبيين حاولوا غزو مصر، وغزوها فعلاً ولكنهم لم يدخلوا القاهرة أو دمياط.. بل وقفوا عند ضفة القناة، واجتازوها مرة واحدة في 1973، ووقفوا على مبعدة 101 كيلو متر من القاهرة.. ولكنهم من ناحية أخرى لا يألون جهداً من أجل نزع مصر من مقعد زعامة وقيادة الوطن العربي.



إذن درس مستفاد آخر، وليس أخيراً، هو الاستمساك بدور مصر العربي، ومقاومة أية محاولة لإضعافه أو التقليل منه.. من يفعل ذلك يجد نفسه، شاء أم أبى، يقف بجوار العدو، ويعمل ما يحقق مصلحته.



ماذا بعد؟.. ماذا عن المستقبل؟

المقارنة بين الحركة الصليبية والحركة الصهيونية تقود غالباً إلى الحديث عن المستقبل، أي مستقبل الكيان الصهيوني، لأن السؤال الذي يختفي وراء هذه المقارنة، والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف هو: هل سيلقى الكيان الصهيوني المصير نفسه الذي لقيته مملكة بيت المقدس الصليبية؟ إذن كيف ومتى؟؟



الدراسات ذات الطابع الإسلامي أوالدراسات الإسلامية تعتبر زوال إسرائيل مسألة مفروغاً منهاً، وحتمية قرآنية وهي في أغلبها تفسير تأويلي لبعض آيات القرآن الكريم.



هناك دراسات عربية أخرى، منها دراسة الدكتور أسامة الغزالي حرب عن مستقبل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحوار منير شفيق والسيد أباه عن "مستقبل إسرائيل"[95] وهناك دراسات أخرى، وربما حملت العنوان نفسه.. ولكن هناك كتابات من الجانب، كتابات مثيرة، إن لم تناقش علمياً، فإنها تستحق أن تؤخذ في الاعتبار.



منها، كتاب "أوري وزولي" وعنوانه: هل ستبقى إسرائيل حتى عام 2048؟ [96] من قبل وفي عدد 12ـ18 تشرين الأول 2000 من مجلة"الإكسبريس"الفرنسية خرج "جاك أتالي" مستشار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران وأحد القادة السابقين للطائفة اليهودية بمقال عنوانه: "إسرائيل إلى أين؟ الحلم الصهيوني محكوم بالموت".[97]



وفي سبتمبر من العام 2003، خرج "إبراهام بورج" الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي بعنوان: مجتمع إسرائيلي فاشل ينهار، فيما يلزم قادته الصمت وتتحكم فيه دولة المستوطنات".[98]



ووسط تلال الأوراق والقصاصات وجدت اقتباسة لم أسجل مصدرها الذي نقلت عنه، ولكنها تشير إلى مجلة "مومينت" الصهيونية الأمريكية عدد سبتمبر 1977، المجلد الثاني العدد الثاني، ص51.. والاقتباسة تشير إلى أن هذه المجلة نشرت مقابلة مع الزعيم الصهيوني المعروف "ناحوم جولدمان" يتحدث فيها عن "حديث على انفراد" بينه وبين "بن جوريون" أحد رؤساء الوزراء السابقين في "إسرائيل". ويقول جولدمان "إن الحديث كان من الخطورة لدرجة أنهما أبعدا زوجة بن جوريون عن سماعه".



في ذاك المساء قال بن جوريون حسب رواية جولدمان: "لماذا يجب على العرب أن يقيموا سلاماً معنا؟. هل هم مجانين؟. لوكنت عربياً هل كنت أقبل بإسرائيل؟ لقد جئنا وسلبناهم بلادهم، فلماذا يجب أن يقيموا سلاما؟" في بقية الحديث كما رواه جولدمان ألقى بن جوريون نظرة مستقبلية على صراع الكيان الصهيوني ضد العرب. سأل جولدمان زميله بن جوريون: إذا كان هذا هو الوضع في رأيك يا ديفيد فكيف ترى المستقبل؟ حسب رواية جولدمان فإن جواب "بن جوريون" كان: سأخبرك، في شهرين أو ثلاثة سأبلغ السبعين، فإذ سألتني ما إذا كنت سأموت وأدفن في دولة يهودية، أقول لك إذا عشت 10 أو 15 سنة، ربما، أعتقد نعم أموت وأدفن في دولة يهودية. ابني عاموس سيبلغ الخمسين في شهر أكتوبر، إذا سألتني ما إذاكان سيموت ويدفن في دولة يهودية، أقول لك إن حظه في ذلك 50% في أفضل الأحوال. يختتم "جولدمان" روايته بأنه سأل بن جوريون: كيف ينام الليل كرئيس للوزراء لديه مثل هذه التوقعات؟



أجاب بن جوريون: "من قال لك إني أنام الليل؟". ومنذ شهر بالتمام والكمال قبل كتابة هذه الكلمات أي في 27 تشرين الثاني 2003 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالاً للكاتب الإسرائيلي "يرون لندن" قال فيه: "في مؤتمر المناعة الاجتماعية" الذي عقد هذا الأسبوع، في سدروت علم أن نسبة كبيرة جداً من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة. هذه المعطيات تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة الثانية عشرة. وهذا هو السبب لكثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة".



في 18نوفمبر الماضي نفسه، كتب "يوئيل ماركوس" مقالاً بعنوان: "القبطان ملزم بالمغادرة" في هآرتس، أشار فيه أيضاً إلى حكاية الثلاثين سنة، وقال: "في بعض الحلقات البحثية والدراسية أصبحوا يتداولون في كون إقامة الدولة مسألة خاطئة من البداية، من انتفاضة الحجارة والزجاجات الحارقة الأولى، وصلنا إلى وضع تطرح فيه أسئلة حول تواصل بقاء إسرائيل كدولة يهودية بعد 30 سنة"..



شخصياً، أكاد لا أصدق هذه الأقوال"الإسرائيلية" أحسبها نوعاً من المبالغة في المعارضة لشارون وسياساته، كما أن المقاومة الفلسطينية، والرفض العربي لم يصلا إلى الحد الذي يسقط "إسرائيل"، بعد 30 سنة من الآن. ليس بعد...



هوامش:

(1) أنظر في معنى مغاير لما ذهبنا إليه الدكتور بشارة خضر، في كتابه: أوربا وفلسطين من الحروب الصليبية حتى اليوم"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ، 2003. ص60ــ61، حيث يقرر أن العرب والمسلمين يجدون في"حروب الإفرنج" نوعاً من الوعد بمستقبل أفضل، أو هي أسطورة تستخدم" كتعويض عن حاضر محبط نفسياً". ثم يضيف(60ــ61) "هكذا تصبح ملحمة الحروب الصليبية، كأسطورة سياسية،"خزان دروس" للأزمنة الحاضرة" وسيستخدم الصحافيون والمؤرخون والمناضلون القوميون أو المسلمون هذا الحدث الماضي للتشديد على أهمية وحدة الأمة العربية أو الأمة الإسلامية، لإبراز مركزية مصر أو سوريا في السلم والحرب، وأخيراً لطمأنة رأي عام محبَط بإعلان أن نصر العرب والمسلمين على أعدائهم مندرج في نوع من الضرورة التاريخية الموضوعية". ويكفي أن الدكتور بشارة يبدو كمن يرد على نفسه حين يذكر أن"هذا اللجوء إلى التاريخ ـ المرافعة ليس خاصاً بالعالم العربي. فلدى جميع الشعوب نزعة إلى تحويل الذكريات إلى إرث، وإلى أن تجعل الهزيمة الوطنية تسمو نحو فعل بطولة، وإلى أن تبتدع لنفسها أساطير سياسية".



ويبدو أن الدكتور بشارة ليس ملماً بما يكفي بالأدبيات العربية حول الحروب الصليبية.. ولو أن كلامه عن"أسطرة" هذه الحروب عند العرب صحيح، لما اهتم بها الصهاينة، ووضعوها موضع دراستهم، كما سنبين في المتن.. وحتى الكتابات الإسلامية الجادة والأصيلة لا تذهب إلى ما سماه الدكتور بشارة"إعلان أن النصر.. مندرج في نوع من الضرورة التاريخية والموضوعية" بل تتحدث عن التغيير والقوانين أو السنن التي توجهه، أنظر على سبيل المثال: د. ماجد عرسان الكيلاني: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس.المعهد العالمي للفكر الإسلامي هيرندن ــ فرجينيا ــ الولايات المتحدة الأمريكية، 1994. ومع ذلك، يجب أن نضع في الذهن ما يذكره الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. سلسلة عالم المعرفة، الكويت، مايو ــ آيار1990 ص7] من أن أدبيات الحروب الصليبية في التدوين التاريخي العربي"لاتزال تدور في الغالب الأعم حول أحداث المعارك ووقائع الحروب ولا يزال رصد الظاهرة من منظور يهتم بالسببية التاريخية ويحاول استقصاء نتائجها وحصادها محدوداً للغاية".



(2) هناك عدد من الدراسات العربية التي تناولت المشابهة بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بشكل مباشر من أبرزها:

أ ـ شارل عيسوي: الحروب الصليبية والأزمات الحالية في الشرق الأدنى مشابهة تاريخية. مجلة"الأبحاث"، بيروت، ديسمبر1957.

ب ــ الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني. الدار العربية للكتاب، ليبيا ــ تونس، 1975.

جـ ـ أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء. مجلة شؤون فلسطينية بيروت، ع 22، حزيران ــ يونيو 1973.

د ــ كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية. دار الموقف العربي للصحافة والنشر والتوزيع، القاهرة، دون تاريخ نشر"تاريخ الإيداع في دار الكتب المصرية هو 1980".

هـ ـ د. عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي: مستقبل الصراع على فلسطين في ضوء مقارنة بين الاستعمارين الصليبي والإسرائيلي. مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، القاهرة2002.

(3) د. قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره ، ص9.

(4) لا يوجد نص كامل لخطبة البابا أربان الثاني، أنظر ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، الجزء الأول، 1967. ص60 ــ 63.

(5) د. قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب، مصدر سبق ذكره، ص12.

(6) المصدر نفسه، ص14. ومن أسف أن أ. د. زينب عبدالعزيز في كتابها "حرب صليبية بكل المقاييس" دار الكتاب العربي، دمشق ـ القاهرة، 2003. ص7" تعتبر استخدام تعبير حرب الفرنجة تلاعباً بالألفاظ من قبل أقلام كبار المسيحيين في مصر ليمحوا عنها ارتباطها بالدين المسيحي والصليب، مستخدمين عبارة "حرب الفرنجة" بدلاً عنها لأن الصليب منها برئ. وتسابقت بعدهم أقلام بعض الذين ألفوا التطوع والمواكبة من المسلمين لإثبات صحة هذا التحريف الجديد أو هذا التلاعب بالألفاظ، ترى هل كان مؤرخونا الكبار، الذين أشار إليهم د. قاسم، من أمثال ابن القلانسي وابن الأثير وابن العديم وابن واصل وغيرهم يتلاعبون بالألفاظ فلم يستخدموا تعبير"حرب صليبية" واستخدموا بدلاً منها"حرب الفرنجة"؟. وهل قرأت الأستاذة الدكتورة كتابات هؤلاء المؤرخين الكبار؟.

(7) الدكتور أنيس قاسم: تأملأت في الاحتلالين، مصدر سبق ذكره ، ص46.

(8) عبدالعال الباقوري: مشروع مكتبة عربية حول الحروب الصليبية. صامد الاقتصادي"مجلة فصلية تصدر من عمان" العدد 133ــ134، السنة 25، من حزيران إلى كانون الأول 2003، ص352.

(9) د. زينب عبدالعزيز: حرب صليبية...، مصدر سبق ذكره ص22 ــ 23.

(10) يشير الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص14، إلى أن"ماركس وإنجلز ولينين يرون أن"الحملات الصليبية" كانت مشروعات استعمارية استيطانية تهدف إلى استعباد الشعوب تحت راية الصليب" ويضيف أن"لينين جسد هذه النظرية حين اعتبر الإجراءات التي اتخذت عشية الحرب العالمية في أيرلندا ضد العمال" حملة صليبية" ضد العمال وحقوقهم وقد درج الماركسيون على تضمين مصطلح"الصليبية" معنى مجازياً سلبياً في كل كتاباتهم".

(11) الكتابات حول الصهيونية عديدة، وتعريفاتها متعددة، ويكفي أن نشير هنا إلى مصدرين فقط هما:

أـ د. محمد عبدالرؤوف سليم: تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة 1897ـ1918، القسم الأول. معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974.

ب ــ روجيه جارودي: ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية. دار الشروق،القاهرة، 1984.

(12) د. السيد على السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996 .ص155 وانظر المرجع الذي يشير إليه في الهامش.

(13) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: مصدر سبق ذكره. ص14

(14) التعبير للدكتور قاسم عبده قاسم في "ماهية الحروب الصليبية"، مصدر سبق ذكره، ص15

(15) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل. مصدر سبق ذكره، ص6ــ7.

(16) يعقد كمال الأسطل مقارنات بشكل موسع تشغل الصفحات من الصفحة الحادية عشرة ، إلى الصفحة الواحدة والثلاثين.

(17) مقدمة الدكتور عبدالحافظ البنا لترجمة كتاب يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001.ص2

(18) أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مرجع سبق ذكره. ص20.

(19) الدراستان هما"الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس" الذي سبقت الإشارة إليه"أنظر الهامش رقم1" و"عالم الصليبيين" ترجمة: الدكتور قاسم عبده قاسم والدكتور محمد خليفة حسن، دار المعارف، القاهرة1981. وقد وعد الدكتور محمد خليفة في مقدمته للترجمة"ص26" بتقديم دراسة بيبلوجرافية وهستوريو جرافية عن الدراسات الصهيونية حول الحركة الصليبية، وأظن أنها لم تصدر إلى اليوم على الرغم من أن الرجل يرأس منذ سنوات مركز الدراسات الشرقية في جامعة القاهرة وهو مركز مهتم بالدراسات والأعمال الصهيونية والعبرية واليهودية.

(20) رئيس الأركان الإسرائيلي في عدوان 1967، وقد تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية ولقى حتفه اغتيالاً على يدي صهيوني أكثر منه تطرفاً في 4نوفمبر ــ تشرين الثاني 1995، لأنه وقع اتفاق أوسلو في 1993.

(21) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص33، انطوان بطرس، مصدر سبق ذكره، ص20. والمصدر الأصلي الذي استقى منه الاثنان هو كتاب يوري أفنيري"إسرائيل دون صهيونية" الصادر في 1969، أنظر كميل منصور: أوري أفنيري أو الصهيونية المستحدثة، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، سلسلة دراسات فلسطينية، رقم 80، بيروت، 1971.

(22) يتولى شيمون بيريز رئاسة حزب العمل حالياً، وقد تولى من قبل عدة حقائب وزارية منها وزارة الخارجية، كما رأس الحكومة الإسرائيلية من 1984إلى 1986، ومن 1995 إلى 1996.

(23) ترجمه إلى العربية يوسف ضومط، وصدر عن الأهلية للنشر والتوزيع في عمان في 2001.

(24) المرجع السابق نفسه، ص115 ــ 116.

(25) ولد في عام49 في تل أبيب، عضو نشط في الليكود، واحد من أكبر المتطرفين في قيادته المتطرفة، وقد تولى رئاسة الحكومة في 96 حين هزم بيريز بفارق ضئيل، وقد نافس شارون على زعامة الليكود، ثم تولى وزارتي الخارجية والمالية في حكومة شارون منذ 2001.

(26) ترجمه إلى العربية محمد عودة الدويري، وصدر عن دار الجليل/ عمان 96، وتضمنت الترجمة مقدمة كتبها نتنياهو لهذه الترجمة!

(27) صدر عدد غير قليل من الكتب العربية رداً على هذا الكتاب، منها على سبيل المثال لا الحصر: حسين سراج: نتنياهو رجل حرب أم داعية سلام؟‍‍‍‍، دار ديوان، القاهرة، دون تاريخ، حمدان حمدان: اغتيال التاريخ، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1997، د. سليمان المدني: العرب على مذبح السلام. المنارة، دمشق، 97، مازن النقيب: بنيامين نتنياهو إرهابي تحت الأضواء. مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996.

(28) صحفي وسياسي إسرائيلي شغل عضوية الكنيست وأصدر صحيفة"هاعولام هازيه" أو"هذا العالم"، له عدد من الكتب أشهرها:"إسرائيل دون صهاينة" و"صديقي العدو".

(29) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص137. (30) المصدر نفسه، ص138. (31) المصدر نفسه، ص138ـ139. (32) المصدر نفسه، ص140. (33) المصدر نفسه، ص147.

(34) خالد عايد(إعداد): مؤتمر هيرتسليا للأمن القومي الإسرائيلي بين الهاجس الديموغرافي وتداعيات 11أيلول ــ سبتمبر. مجلة الدراسات الفلسطينية"فصلية تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية" ، بيروت، العدد 52، خريف 2002. ص88 ــ 96.

(35) الدكتور محمد سيد سليم: التحليل السياسي الناصري: دراسة في العقائد والسياسة الخارجية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1983. ص133.

(36) عن د. مارلين نصر: التصور القومي في فكر جمال عبدالناصر 52ــ1970. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1981 ص58.

(37) نقلاً عن المصدر نفسه، ص55.

(38) نقلاً عن الدكتور محمد سيد سليم، التحليل السياسي الناصري مصدر سبق ذكره، ص133.

(39) المصدر الأخير، ص139.

(40) المصدر الأخير نفسه ، ص183 ــ 184.

(41) الدكتور يوسف القرضاوي: درس النكبة الثانية: لماذات انهزمنا.. وكيف ننتصر؟ مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1987.

(42) الكتاب صادر عن مكتبة النهضة المصرية، دون تاريخ نشر، ويصدّره الكاتب بإشارة إلى أن"هذا الكتاب قائم بذاته وهو في الوقت نفسه يمثل الأجزاء 42و43و44 من المكتبة الإسلامية لكل الأعمار.

(43) الدكتور أحمد شلبي: الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص24ــ25.

(44) صدرت هذه الكتب عن دار النهضة العربية، بيروت، 1981.

(45) الدكتور جوزيف نسيم يوسف: الوحدة وحركات اليقظة، مصدر سبق ذكره في المتن، ص48.

(46) المصدر السابق نفسه، ص65.

(47) انطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مصدر سبق ذكره ،ص22، ولم يذكر المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات.

(48) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

(49) جورج جبور:"دروس التجارب التاريخية" في"العرب ومواجهة إسرائيل: احتمالات المستقبل" الجزء الأول. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000. ص49.

(50) أنظر العرض الذي أعددناه بشكل مفصل لهذا الكتاب، والذي صدر عن دار ميريت، بالقاهرة، في 2001 بعنوان:"حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في القرن21".

(51) جورج جبور: دروس التجارب التاريخية، مصدر سبق ذكره، ص49.

(52) الدكتور الباز العريني في تقديمه للجزء الثاني من موسوعة رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ص6.

(53) هناك خلافات كبيرة جداً بين المؤرخين حول أعداد الصليبيين، فهل كان المشاركون في الحملة الأولى 600ألف، أو 300ألف أو 100 ألف؟ هكذا يتساءل العلامة رنسيمان"الجزء الأول ص481 وأنظر ص 483" حيث يقول:"صار مستحيلاً علينا في الوقت الحاضر أن نتحقق من الحجم الحقيقي للجيوش الصليبية.. ليس للأرقام من معنى سوى أنها تدل على أن العدد بالغ الضخامة" بمقاييس الزمن الذي جرت فيه هذه الحملات. ويعود ليذكر أن مجموع الفرسان في الحملة الأولى كان يتراوح بين 4200 و4500 فارس و30ألفاً من الرجالة، وفي "ص487" يذكر أن الذين حاصروا بيت المقدس كانوا نحو 1200 أو 1300 فارس، وما يزيد قليلاً على 10آلاف من الرجالة، أما"براور" فقّدر عدد الذين سكنوا في الأرض المقدسة بحوالي 100 ــ 120 ألف رجل، وأن المدن الثلاث الكبرى وهي القدس وعكا وصور كان سكانها 20ألفاً و40 ألفاً و30ألفاً على التوالي.

(54) د. السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996. ص21ــ22 وانظر ص156 ــ 157.

(55) المصدر السابق نفسه، ص51.

(56) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص511 ــ 514.

(57) يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين، مصدر سبق ذكره، ص602 ــ 604.

(58) الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية، مصدر سبق ذكره، ص11، وانظر ص126.

(59) محمد حسن (اسم مستعار لكاتب مصري صرف جهده في السنوات الأخيرة للعمل في مجال حقوق الإنسان العربي): مصر في التصور الإسرائيلي. دار الكلمة، بيروت 1981.

(60) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص145.

(61) المصدر السابق نفسه، ص138.

(62) المصدر السابق نفسه، ص145ــ146.

(63) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص20ــ21.

(64) المصدر السابق نفسه، ص21.

(65) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل.. مصدر سبق ذكره، 281.

(66) رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص158.

(67) تهاني هلسه: دافيد بن جوريون. مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1968. ص158و199.

(68) د. عبدالوهاب المسيري: مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر العربي المعاصر دمشق ـ بيروت 2002 ص 143.

(69) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص158 ــ 159.

(70) كارم يحيى: رهان المليون السابع: اليهود والهجرة الصهيونية حتى 2020. دون دار نشر، القاهرة، 2002.

(71) ميخائيل زابوروف: الصليبيون في الشرق. دار التقدم، موسكو، 1986. ص156.

(72) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص201 ــ 202.

(73) الدكتور محمود سعيد عبدالظاهر: الوضع الديموجرافي وتأثيره على مستقبل إسرائيل، بحث مقدم إلى مؤتمر"مستقبل فلسطين.. ماذا بعد زوال إسرائيل؟" الذي أقامته جمعية مصر للثقافة والحوار، في مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، 16يونيو 2002.

(74) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص672 ــ 673.

(75) المصدر السابق نفسه، ص673.

(76) أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين..، مصدر سبق ذكره، ص81.

(77) المصدر السابق نفسه، ص81.

(78) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1963. ص696. ويعلق الدكتور عاشور على كلمات"عموري" هذه فيقول:"ولعله مما يشرف مصر وتاريخها أن الملك عموري والصليبيين عملوا حساباً لعامة أهل مصر وفلاحيها في الوقت الذي كانوا يعلمون جيداً مدى انحلال حّكام مصر وضعفهم". وعن دور المقاومة الشعبية وأساليبها ضد الصليبيين، أنظر: الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية..، مصدر سبق ذكره، ص182 ــ 197.

(79) الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين...، مصدر سبق ذكره، ص59.

(80) نيكيتا إليسيف: المملكة اللاتينية في القدس والحكام المسلمون في القرن 12م خطوط كبرى للعلاقات السياسية. في "الصراع الإسلامي ـ الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى" تحرير: هادية دجاني ـ شكيل برهان دجاني . مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 94. ص229. ويذكر أنطوان بطرس"مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء، مصدر سبق ذكره، ص24، أن"عمانوئيل سيفان"، في دراسته عن"الإسلام والصليبيين" تناول فكرة الجهاد عند المسلمين"كما دونها أبو طاهر السلمي في"كتاب الجهاد" ويضيف"ولهذا الكتاب ـ المخطوطة أهمية خاصة إذ إنه كتب بعد ثلاث سنوات فقط من دخول الصليبيين إلى المنطقة، وبالتالي فهو أول دراسة عن موقف العرب من الدولة الدخيلة" وأنقب في كتب"الجهاد" عن أية معلومات عن"السلمي" هذا فلا أجد!!

(81) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص704.

(82) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها.

(83) بهاء الدين بن شداد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق د. جمال الدين الشيال. الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964. ص 194.

(84) الدكتور عمر كمال توفيق: الدبلوماسية الإسلامية والعلاقات السلمية مع الصليبيين. مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1986. ص66ــ67.

(85) المصدر الأخير نفسه، ص172، ويشير الدكتور عمر كمال توفيق في هامش بالصفحة نفسها إلى أنه عندما طلب ريتشارد الاجتماع بالسلطان، رد الملك العادل والأفضل على رسول ملك انجلترا قائلين:"لا يمكن لقاء السلطان لكل من يرسل، وما كل مقصود عليه يعرض، ليعلم في الأول هل هو مما يقبل أو عنه يعرض". انظر المصدر الذي استند إليه.

(86) إن قائداً بلا أخطاء لم يولد بعد، ولم يعرف بعد. ولست مع الصورة الملائكية التي ترسمها كتابات كثيرة لصلاح الدين، فقد كان بشراً، أخطأ وأصاب، ولكن أخطاءه لم تكن في مستوى إنجازاته العظيمة وأعتقد أن المبالغة في تصويره كقائد ورع وبطل لا يهزم، ليست من التاريخ في شئ. وفي الوقت نفسه، فإن تقييمه بنظرة طائفية ليس من التاريخ أيضاً في شئ، كما فعل حسن الأمين في كتابه: صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين، دار الجديد، بيروت، 95. أما ابن الأثير في"الكامل" فيوجه سهام نقده بموضوعية إلى بعض أعمال صلاح الدين، مثل بطء حركته بعد تحرير القدس، وعدم اهتمامه بالإسراع في تحرير الثغور، وتركه الصليبيين يتجمعون في عكا، وبعض خصوماته مع عدد من الحكام المسلمين.

(87) نقلاً عن الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره،102.

(88) هادية دجاني ـ شكيل برهان الدجاني: الصراع الإسلامي ــ الفرنجي..، مصدر سبق ذكره، ص6 ويسجل الكاتبان أن التحرير لم يكن ليتم عسكرياً لولا حملة إعداد فكري قوية واكبته بمشاركة من العلماء والخطباء والأدباء والمتصوفة الذين كان لهم دور مرموق، غرسوا من خلاله قولاً وكتابة، مثل الجهاد والتحرير والارتباط بالأرض. وكتابات هؤلاء عديدة لم تسبر أغوارها حتى الآن.

(89) د. أحمد أحمد بدوي: الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، دار نهضة مصر، القاهرة ط2، دون تاريخ. ص566.

(90) المصدر السابق نفسه، ص543 ــ 544.

(91) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص7.

(92) أرنست باركر: الحروب الصليبية، نقله إلى العربية الدكتور السيد البار: العريني. دار النهضة العربية، بيروت، دون تاريخ. ص78.

(93) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص961ــ963.

(94) المصدر السابق نفسه، ص974.

(95) الدكتور أسامة الغزالي حرب: مستقبل الصراع العربي ــ الإسرائيلي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987.

الدكتور السيد ولد أباه والأستاذ منير شفيق: مستقبل إسرائيل. دار الفكر ــ دار الفكر المعاصر، دمشق ــ بيروت، 2001.

(96) أوري وزولي: هل ستبقى إسرائيل حتى عام2048؟، ترجمة سميرة دميان. الهيئة العامة للاستعلامات بوزارة الإعلام المصرية، سلسلة: كتب مترجمة، رقم 845، القاهرة، 2002.

(97) النهار، بيروت، في 12 ــ 12 ــ 2000

(98) الحياة،(لندن)، 12 ــ 9 ــ 2003.




 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس