عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18-04-2005, 01:35 AM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

أخلاقيات الجهاد في الإسلام

لما كان الإسلام دين الحياة بكل تفاصيلها وأوقاتها وأحوالها في السلم والحرب فقد أمر الله عز وجل في كتابه الكريم ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة - أمر المسلم بالعدل والرحمة علاقاته مع الآخرين بما فيهم أعداؤه ومن يقاتلهم ،و لم يطلق الإسلام يد أتباعه في جهادهم ضد أعدائهم ، بل وضع لهم أعظم الدساتير التي عرفها الكون على مر الدهور والعصور ، دستوراً ملؤه الرحمة والعدل والقسط لأن هذا الدين لم يضعه البشر بل هو من عند الله رب العالمين ، فكان هذا الدين عدلاً وقسطاً ورحمة للعالمين . ولم يعرف التاريخ مثل هذه الأخلاقيات التي يلزم بها دين أتباعه في قتالهم لعدو الله وعدوهم كما عرفها أخلاقا نظرية وواقعا حيا يمارسه المسلمون في جهادهم وقتالهم ، فالحرب في الإسلام مقدسة فاضلة في الباعث عليها وفي ابتدائها وسيرها وانتهائها ومعاملة المغلوبين فيها.. حرب عادلة لاتبيح قتل أحد لا يقاتل.. وتمنع إتلاف الزرع والشجر وتخريب العمران، تستمد نظامها من عند الله لا من قوانين الغابة في الأرض ولا من تحكم القوى في الضعيف، الباعث عليها نصت عليه الآية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) و(قاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله )، فالقتال لدفع الاعتداء، ودفع الفتنة وإعلاء كلمة الله وحده وإقامة دينه، ، فالقتال لمنع الفتنة حتى إذا انتهت انتهى القتال، والأصل في القتال التحريم إلى أن يكون هناك سبب له وهو الاعتداء والإسلام لا يقصد بالقتال الاستيلاء على الأرض أو التحكم في الرقاب أو في مصائر العباد.

فمن أخلاقيات الجهاد في الإسلام :

1) عدم جواز قتل النساء والأطفال:

هناك أصل عام قررته النصوص الشرعية ببيان جلي، وهو تحريم قتل النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال منها:

1- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

قال القرطبي (2/348): قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد هي محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم.

وعن الحسن البصري : المراد بذلك النهي عن ارتكاب المناهي من المثلة والفلول وقتل النساء والشيوخ الذين لا قدرة لهم على القتال ، وكذلك النهي عن قتل الرهبان وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة وفي الآية نهي مطلق يفيد التحريم عن قتال من لم يقاتل من النساء والأولاد والشيوخ والرهبان.

2- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان".

قال النووي في شرح مسلم (12/73): "أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا".

3- عن سلمان بن بردة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً...)).

4- عن رياح بن ربيع قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: انظر إلى ما اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل))، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً فقال: ((قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً)).

فاستنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل المرأة، وبين سبب استنكاره وهو كونها ليست من أهل القتال، فقرن النبي -صلى الله عليه وسلم- كونها لا تقاتل بمنع قتلها، فدل على أن علة القتل هي القتال.

وكذا ذكره -صلى الله عليه وسلم- العسيف، وهو الأجير لحفظ المتاع والدواب فلا يقتل إلا إن قاتل، وبناءً عليه فكل مستأجر لأعمال غير قتالية لا يجوز قتله ولو حضر لأرض المعركة.

5- عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه خرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أميراً على جيش فقال لهإنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له) .

6- عن عمر -رضي الله عنه- أنه قالاتقوا الله في الفلاحين).

فهذه النصوص مجتمعة تدل على أن القتال إنما هو لأهل المقاتلة والممانعة، أما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

وسيأتي الرد على احتجاج البعض بحديث التبييت على جواز قتلهم مطلقا تبعا لا أصالة عند الرد على شبهات القائمين بأعمال التفجير في ديار الإسلام واستهداف النصارى المقيمين في ديار الإسلام بدعوى أنهم محاربون.

2) عدم جواز قتل الأعمى ولا الزمنى ولا الراهب ولا العبد ولا الفلاحين ولاغيرهم ممن ليس من أهل الممانعة ولا المقاتلة:

وقد تقدم بعض أدلة هذه المسألة في المسألة السابقة ،وكذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. ونسوق طائفة أخرى من أقوال أهل العلم في ذلك :

قال الإمام مالك: لا يقتل النساء والصبيان والشيخ الكبير والرهبان والمجوسيين في الصوامع والديارات.

و قال شمس الدين بن قدامة المقدسي: إذا ظفر بالكفار لم يجز قتل صبي لم يبلغ بغير خلاف، ولا تقتل امرأة ولا هرم ولا شيخ فان وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي، أما الفلاح الذي لا يقاتل فينبغي أن لا يقاتل لما روى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب. وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث.

قال الشوكاني: لا يجوز، مثل من كان متخليًا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضهم عن ضرر المسلمين.

قال صاحب كتاب الهداية الحنفي: لا يقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا فانيا ولا مقعدا ولا أعمى، لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب، ولا يتحقق منهم، ولهذا لا يقتل يابس الشق "الشلل النصفي" والمقطوع اليمنى والمقطوع يده ورجله من خلاف، ولا يقتلوا مجنونا والمشهور عند المالكية أن الصناع لا يقتلون.

3) حرمة قتل المدنيين الذين ليسوا من أهل المقاتلة والممانعة:

اختلف العلماء في علة قتال المشركين: أهي الكفر أم هي الانتصاب للقتال؟

ذهب الجمهور إلى أن العلة الانتصاب للقتال، أما الشافعية فيرون أن العلة هي الكفر.

وأجاب الجمهور أنه لو كانت العلة هي الكفر فإن هذه العلة موجودة في النساء والرهبان والشيوخ والزمني والأعمى، وهؤلاء وردت النصوص بمنع قتلهم في الحرب كما سبق وبينا.

كما احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على المرأة المقتولة: ((ما كانت هذه تقاتل)) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم علة النهي عن قتلها أنها لا تقاتل ولو كانت علة قتل الكفار وهو كفرهم لأمر النبي بقتلها لأنها كافرة!

وكذا قول عمر بن الخطاب: (اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب) فجعل علة عدم قتلهم أنهم لا يشاركون في الحرب.

فكل الأصناف السابقة المنهي عن قتالهم من النساء والصبيان والشيوخ والزمني والرهبان كلهم اشتركوا في علة واحدة هي عدم مشاركتهم في القتال وعدم انتصابهم إليه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمني ونحوهم فلا يقتلون عند الجمهور إلا أن يقاتل بقوله أو بفعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان، والأول هو الصواب؛ لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191].

أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه أهـ.

4) لا يجوز التمثيل بجثث القتلى:

وردت عدة أحاديث في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة نقلها عنه جمع من أصحابه، منهم:

بريدة بن الحصيب، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة، ويعلى بن مرة، وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن يزيد، وأسماء بنت أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين، فمن ذلك:

ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبة والمثلة.

وما أخرجه أحمد ومسلم والأربعة عن بريدة رضي الله عنه مرفوعاً: (اغزوا باسم الله في سبيل الله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً... الحديث).

وما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبَّان عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة)، وقد رواه البخاري عن قتادة إثر قصة العرنيين مرسلاً.

وما أخرجه أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله عن المثلة).

وما أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله في بعث، فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"، وفي بعض ألفاظ الحديث: (وإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله).

وثمَّة نصوص أخرى تفيد النهي عن التمثيل بالحيوان أيضاً ليس هذا مجال ذكرها.

قال ابن عبد البر في "الاستذكار": (والمثلة محرَّمة في السنة المجمع عليها، وهذا بعد الظفر، وأما قبله فلنا قتله بأي مثلة أمكننا) نقلاًً عن "مواهب الجليل".

وقال ابن عابدين في حاشيته: (نهينا عن المثلة بعد الظفر، أما قبله فلا بأس بها اختياراً).

إلا أن البعض يقيد ذلك بألا يمكن قتلهم أي قبل الظفر إلا بالمثلة بهم، وذلك بتحريقهم ونحوه.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المثلة إذا كان ذلك على سبيل القصاص

واحتج بالأدلة التالية:

أولاً: قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].

قال الشعبي وابن جريج: (نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثِّل بهم لنمثِّلن بهم، فأنزل الله فيهم ذلك).

وقال القرطبي: (أطبق جمهور أهل التفسير على أن هذه الآية مدنية، ونزلت في شأن التمثيل بحمزة يوم أحد، ووقع ذلك في صحيح البخاري في كتاب السير، وذهب النحَّاس إلى أنها مكية، والمعنى متصل بما قبلها من المكي اتصالاً حسناً؛ لأنها تتدرج الرتب من الذي يدعى ويوعظ، إلى الذي يجادل، إلى الذي يجازى على فعله، لكن ما روى الجمهور أثبت، روى الدار قطني عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظرًََا ساءه، رأى حمزة قد ُشق بطنه، واصُطِلم أنفه، وجُدعت أذناه، فقال؛ "لولا أن يحزن النساء أو أن تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير، لأمثِّلن مكانه بسبعين رجلاً"، ثم دعا ببردة وغطى بها وجهه فخرجت رجلاه، فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه، وجعل على رجليه الإذخر، ثم قدمه فكبر عليه عشراً، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، إلى قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، فصبر ولم يمثل بأحد)، وكذا أخرجه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه بإسناده عن أبيّ بن كعب بنحو هذه القصة.

قال شيخ الإسلام: (أما التمثيل في القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص، وقد قال عمران بن حصين رضي الله عنه: ما خطبنا رسول الله خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة، حتى الكفار إذا قتلناهم فإنا لا نمثل بهم ولا نجدِّع آذانهم ولا نبقر بطونهم، إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم ما فعلوا، والترك أفضل كما قال تعالى؛ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ...}[النحل: 126]، قيل؛ إنها نزلت لما مثَّل المشركون بحمزة وغيره من شهداء أحد، فقال: لئن ظفرني الله بهم لأمثِّلن بضعفي ما مثلوا بنا، فأنزل الله هذه الآية، وإن كانت قد نزلت قبل ذلك بمكة... ثم جرى بالمدينة سبب يقتضي الخطاب فأنزلت مرة ثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل نصبر)).

ونقل صاحب الفروع عن الإمام أحمد أنه قال: (إن مثَّلوا مُثل بهم) - ذكره أبو بكر -

وقال شيخ الإسلام -: (المثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها والصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالاً لهم عن نظيرها، فأما إن كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان، أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القضية في أُحُد كذلك؛ فلهذا كان الصبر أفضل، فأما إن كانت المثلة حق لله تعالى فالصبر هناك واجب، كما يجب حيث لا يمكن الانتصار ويحرم الجزع).

ثانياً: ما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أن قوماً من عكل وعرينه اجتووا المدينة فأمرهم النبي بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم).

قال الباجي رحمه الله تعالى: (أما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالعرنيين الذين قتلوا رعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا نَعَمَه، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، فقد روى سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه؛ أنهم كانوا فعلوا بالرعاء مثل ذلك، ومثل هذا يجوز من مثَّل بمسلم أن يُُمثَّل به على سبيل القصاص).

يشير الإمام الباجي رحمه الله تعالى إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه بإسناده عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه قال: (إنما سَمَل النبي أعين أولئك؛ لأنهم سَمَلوا أعين الرعاة).

وقال القاضي عياض: (اختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا، فقال بعض السلف؛ كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة فهو منسوخ، وقيل؛ ليس منسوخاً وفيهم نزلت آية المحاربة، وإنما فعل بهم النبي ما فعل قصاصاً؛ لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك، وقد رواه مسلم في بعض طرقه، ورواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأهل السير والترمذي، وقال بعضهم؛ النهي عن المثلة نهي تنزيه ليس بحرام) .

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (ومال جماعة منهم ابن الجوزي على أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص؛ لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه قال؛ إنما سمل النبي أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة...)، إلى قوله: (وتعقبه ابن دقيق العيد بقوله؛ إن المثلة وقعت من جهات وليس في الحديث إلا السمل.

قلت – أي ابن حجر –؛ كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثَّلوا بالراعي.

وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ.

قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في النهي عن المثلة؛ (هذا الحديث ينسخ كل مثلة، وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ).

5) عدم جواز قتل رسل الأعداء:

وقد نقل المطيعي الإجماع على تحريم قتل رسول الأعداء.

قال الشيرازي: "لا يقتل رسولهم لما روى أبو وائل قال: لما قتل عبد الله بن مسعود ابنة النواحة قال: إن هذا وابن أثال قد كانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة الكذاب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدون أني رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت قاتلاً رسولاً لضربت أعناقكما فجرت سنة أن لا تقتل الرسل"اهـ.

قال ابن قدامة: لأن الحاجة تدعو إلى الله فإنا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة أهـ.

6) لا يقاتل الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام:

فلا يجوز قتال الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام للأدلة التالية:

1ـ عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين خيرًا، وقال له: ((إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم)).

قال ابن قدامة: "من لم تبلغه الدعوة يدعى قبل القتال ولا يجوز قتالهم قبل الدعاء".

قال الشيرازي: فإن كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجر قتالهم حتى يدعوهم إلى الإسلام لأنه لا يلزمهم الإسلام قبل العلم والدليل عليه قوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]. ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم".

قال الخرقي: "ويدعي عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا".

وقال ابن قدامة في الشرح: "إن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال، وكذلك إن وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعى قبل قتاله"اهـ.

جاء في تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: "ولا يحل لنا أن نقاتل من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام ولا ينبغي قتالهم حتى يدعوهم إلى الجزية".

قال الشيخ المحلي في شرحه على منهاج الطالبين للنووي: "ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا يسألهم ما ينقمون، بأن يعظهم ويأمرهم بالعودة إلى الطاعة، ثم إن لم يرجعوا أعلمهم بالقتال"أهـ.

قال الشيخ شهاب الدين في الحاشية شارحًا لما سبق قوله "ولا يقاتل الإمام" أي لا يجوز حتى يبعث إليهم.

7) عدم جواز الغدر والخيانة ونقض العهد:

لايوجد دين يحث أتباعه على الوفاء بعهودهم واحترام مواثيقهم مثل دين الإسلام ، ولم يجعل ذلك قاصرا على التعامل بين أتباعه فحسب بل أيضا بينهم وبين أعدائهم فقال سبحانه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] وهذا مع الأعداء المحاربين الذين يخشى غدرهم فكيف بمن دونهم؟!! والنصوص في ذلك متوافرة متكاثرة فمنها :

1- قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء:107].

قال الطبري رحمه الله: "يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه".

وقال القرطبي: "روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {كَفُورٍ}، فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصحَ نهي عن الخيانة والغدر. وقد مضى في الأنفال التشديد في الغدر، وأنه ينصب للغادر لواء عند استه بقدر غدرته يقال: هذه غدرة فلان".

2- وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34].

قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي: الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه، {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} أي: عنه".

3- وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين} [يوسف:52].

قال القرطبي رحمه الله: "معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم".

وقال ابن سعدي رحمه الله: "فإنّ كلّ خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بدّ أن يتبين أمره".

4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)) .

قال المناوي رحمه الله: "((فإنها بئست البِطانة)) بالكسر، أي: بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة. قال في المغرب: بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله. والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع، وغير ذلك".

5- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .

قال النووي رحمه الله: "الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار".

6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره)) .

قال ابن تيمية رحمه الله: "فذمّ الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر".

7- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...)) .

قال النووي رحمه الله: "وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغدر، وتحريم الغلول..." .

8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان)).

9- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة)).

قال النووي رحمه الله: " معنى: ((لكل غادر لواء)) أي: علامة يشهَر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة. وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثيرين. وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء".

وقال ابن حجر رحمه الله: "أي: علامة غدرته، والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور".

10- وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)) .

قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته".

وقال ابن حجر رحمه الله: " قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده".

قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك".

11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) .

قال المناوي: "أي: لا تعامله بمعاملته, ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله, وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقّه إذ لا تعدّي فيه, أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا, بل قابله بالأحسن الذي هو العفو, وادفع بالتي هي أحسن".

وقال ابن قدامة: وإذا عقد الهدنة الإمام لزمه الوفاء بها لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]. وقال سبحانه وتعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة:4]. ولأنه لو لم يف بها لم يسكن إلى عقده، وقد يحتاج إلى عقدها.

ويقول أيضًا: "إن الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم وما لهم والتعرض لهم".

و صفحات تاريخ المسلمين الحربي ناصعة البياض، خالية من الظلم والبغي والعدوان والغدر والخيانة.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس