الموضوع: اليهووووووود
عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 27-05-2005, 11:28 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

اليهود هم اليهود..

والصهاينة هم الصهاينة

مرشد إبراهيم



في 23/11/2001، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً بعنوان: "العرب هم العرب" عبر فيه الصحفي الصهيوني ميرون ربابورت عن دهشة الجمهور في الكيان الصهيوني إزاء تراجع المؤرخ الصهيوني الكبير بني موريس عن أفكاره التي كان قد عبر عنها في كتابه المنشور عام 1988، بعنوان "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".

لقد عاد بني موريس بعد 13 سنة على نشر كتابه الأول إلى نقض أفكاره السابقة. فبعد أن عرض عام 1988 للمظالم التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وعرض الوثائق التي تؤكد أن الفلسطينيين قد أجبروا على ترك مدنهم وقراهم تحت الإرهاب والسياسات الصهيونية العنصرية. إذ به يعود ليصدر طبعة جديدة من الكتاب تبرئ الصهاينة من مسؤوليتهم عن صنع مأساة اللاجئين الفلسطينيين وتحمل هذه المسؤولية للعرب.

هذا الفصام الصهيوني الذي جسده بني موريس، يعكس طبيعة هذا الكيان الذي ما زال يجبن عن مواجهة حقيقته، ويحارب كل من يجرؤ على ملامسة هذه الحقيقة.

القراءة التالية، تسعى إلى إلقاء الضوء على قضية بني موريس من واقع كونها تمثل جانباً من الصراع المحتدم داخل الكيان الصهيوني، بين حقيقة هذا الكيان وبين الصورة الملفقة للتجربة الصهيونية التي يسعى الصهاينة إلى تصديرها للعالم.



بني موريس

من مراجعة الصهيونية إلى إعادة إنتاجها

قضية بني موريس عميد "المؤرخين الجدد" في الكيان الصهيوني، تستحق وقفة تأمل ودراسة متأنية، فالنقاش الخطير الذي ولدته هذه القضية على المستويات الفكرية والسياسية والأكاديمية في الكيان الصهيوني يكاد يختزل كامل أبعاد المشروع الصهيوني، ويمس في الصميم. مشروعية هذا الكيان ومصداقية المقولات الأساسية التي أنشئ عليها.

وتزداد أهمية هذا النقاش من كونه نقاشاً داخلياً يتناول قضايا حساسة للغاية، كانت حتى الأمس القريب تعتبر ضمن المحرمات، أو على أقل تقدير جزءاً من أسرار الدولة التي لا ينبغي أن يطلع عليها الآخرون، أو أن تكون موضوعاً للتداول على المستوى العام.

ملخص قضية بني موريس، أنه نشر في عام 1988 كتابه: "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، والذي أثبت فيه من خلال الوثائق والشهادات الحية، أن عملية ترحيل الفلسطينيين خلال حرب 1948 قد تمت وفق أسس مدروسة ومتعمدة، وأن جملة الإجراءات العسكرية والإدارية التي اتخذها القادة الصهاينة بهذا الصدد كانت تهدف إلى إجلاء الفلسطينيين بالقوة عن ديارهم، وإجبارهم على مغادرة المناطق التي يسيطر عليها الصهاينة، ومن ثم عدم السماح لهم تحت أي شرط من الشروط بالعودة إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي أجبروا على الرحيل عنها.

لم يكن بني موريس يسعى من خلال إصداره ذلك الكتاب إلى أن يصبح بطلاً أو ضحية، بل إنه لم يكن مدفوعاً إلى ذلك بأي أيديولوجيا أو موقف سياسي محدد. لقد تم الأمر بمحض الصدفة: كان بني موريس يعمل على تأليف كتاب حول سيرة "البالماخ"، ومن خلال تصفحه للوثائق اكتشف حكاية اللاجئين الفلسطينيين. وقد فوجئ بالفارق الشاسع بين ما تظهره هذه الوثائق وبين ما تم تسويقه رسمياً حول قضية اللاجئين الفلسطينيين. وكان قد أتيح للكاتب زيارة لبنان في أعقاب الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، حيث التقى بالعشرات من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان, واستمع منهم إلى العديد من الروايات حول ظروف ترحيلهم من مدنهم وقراهم في فلسطين، وما رافق ذلك من أعمال بطش وإرهاب وإجراءات صهيونية قسرية حملتهم على مغادرة بلادهم. وقد تقاطعت تلك الروايات مع ما اكتشفه من وثائق في الأرشيفات المفرج عنها في دوائر الكيان الصهيوني مثل أرشيف الدولة وأرشيف الجيش وغيرها.

الحقيقة والعقاب

كانت دوافع بني موريس لإنجاز كتابه حول اللاجئين الفلسطينيين أكاديمية بحتة، غير أن ما ولده كتابه من ردود فعل عاصفة داخل الكيان الصهيوني تجاوزت كثيراً الإطار الأكاديمي. لقد حطم بني موريس، ربما عن غير قصد، ولكن بصورة علمية موثقة، واحدة من أهم الأساطير التي قام على أساسها الكيان الصهيوني، ونسف الرواية الصهيونية الرسمية حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تزعم أن الفلسطينيين غادروا بلادهم بملء إرادتهم، أو تلبية لنداءات وجهت لهم من قبل الزعماء العرب، وليس نتيجة لأي ضغط أو إكراه من الجانب الصهيوني، مما يترتب عليه تبرئة ساحة الجانب الصهيوني من المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه مأساة اللاجئين الفلسطينيين.

تلك القنبلة التي فجرها بني موريس، في ذلك الوقت، أثارت ضده عاصفة من النقد اللاذع والاتهامات الشنيعة التي وصلت إلى حد اتهامه بالخيانة، وبوصفه بأنه "عدو الشعب". وفقد بني موريس على إثر ذلك وظيفته في صحيفة "جورزالم بوست"، ولم يتمكن طوال عشر سنوات بعد نشر كتابه من الحصول على عمل له في الوسط الأكاديمي في الكيان الصهيوني، على الرغم من أنه يحمل درجة بروفيسور في التاريخ.

لقد كانت جريمة بني موريس أنه كشف جانباً من الحقيقة. وفي كيان مثل الكيان الصهيوني، فإن كشف الحقيقة يعتبر جريمة يستحق مرتكبها العقاب، خاصة إذا كانت تلك الحقيقة لا تختلف في جوهرها كثيراً عن الجريمة. لكن قصة بني موريس لا تنتهي عند هذا الحد، بل لعلها تبدأ من هنا بالذات.

الأصل والصورة

فبدءاً من عام 1979، ورغبة في تقليد الدول الأوروبية العريقة، قام الكيان الصهيوني بالإفراج عن الملفات والوثائق الرسمية، التي مضى عليها ثلاثون سنة، والتي تنتهي بنهاية العام 1949. وهكذا أصبح بين يدي الباحثين ملفات ضخمة تغطي أحداث عامي 1948 ـ 1949. وهما العامان الأخطران في عمر المشروع الصهيوني.

كان أبرز الوثائق المفرج عنها متضمناً في أرشيف مؤسسات اكتنف عملها لسنوات طويلة طابع السرية مثل: أرشيف الهاغاناه، الأرشيف الصهيوني المركزي، أرشيف حزب العمل. أرشيف الكيبوتس الموحد. أرشيف بن غوريون في سديه بوكر، الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي، أرشيف يادفيشم (الكارثة والبطولة). أرشيف الجيش، أرشيف مدينة القدس، وأرشيف الدولة.. الخ.

والمفارقة هنا، أن الكيان الصهيوني في تقليده الأعمى لهذا التقليد الغربي، فاته الفارق الجوهري في محتوى التاريخ بين الدول القومية الأوروبية ذات النشأة الطبيعية وبين الكيان الصهيوني. فالتاريخ الطويل لكل دولة أوروبية يتألف من مراحل متعددة تعبر عن سياق تطوري متكامل لتاريخها، على الرغم من تميز كل مرحلة من تلك المراحل بسمات خاصة تميزها عما قبلها وما بعدها من المراحل. مما يعني أن إدانة مرحلة معينة من تاريخ دولة من تلك الدول لا يعني إدانة تاريخها بمجمله أو المس بشرعية وجودها.

أما بالنسبة للكيان الصهيوني، فالأمر مختلف تماماً، حيث إن تاريخ هذا المشروع ما زال يتألف من مرحلة واحدة لم تكتمل بعد، وهي مرحلة الصراع لفرض وجوده بالقوة على المنطقة. ومن المنظور الاستراتيجي، فإن ما أحرزه المشروع الصهيوني من نجاحات، حتى هذه الأيام، وخاصة فيما يتصل باحتلال الأرض الفلسطينية وتهجير قسم كبير من الشعب الفلسطيني، فإن مثل هذه النجاحات لا يمكن النظر إليها إلا من حيث كونها نتائج تكتيكية مؤقتة تعكس الخلل السائد في موازين القوى على الأرض الفلسطينية وحولها.

إن أسس الصراع على أرض فلسطين ما زالت قائمة اليوم، كما كانت قبل قرن من الزمن. وهي لا تزال تتفاعل ضمن مسار تاريخي يعمقها ولا يلغيها أو يغيرها.

إن حرب 1948، لا تشكل نهاية مرحلة تاريخية بالنسبة للكيان الصهيوني، ولا بداية مرحلة جديدة، بل نقطة تطور نوعي في الصراع ذاته الذي بدأ مع بداية الغزوة الصهيونية، منذ مطلع القرن الماضي. فالكيان الصهيوني، على الرغم من اعتراف العديد من الدول به، إلا أنه لا يمتلك بعد حدوداً سياسية مرسمة شأن أية دولة أخرى. كما أنه لم يخرج عدوه الرئيس، أي الشعب الفلسطيني من ميدان الصراع، مما يعني أنه لم يستطع أن يغلق هذا الصراع، وبالتالي أن يكرس وجوداً دائماً وثابتاً ضمن علاقة طبيعية مع المحيط الجغرافي والثقافي والسياسي للمنطقة.

الصراع، هو الحقيقة الثابتة الوحيدة التي تصف ماهية وطبيعة المشروع الصهيوني، وبنتيجة هذا الصراع، وبعد توقفه فقط، ستولد الحقائق التاريخية الثابتة والدائمة على أرض فلسطين.

قضية اللاجئين الفلسطينيين، هي البرهان الأوضح على أن الصراع لم يغلق بعد وأنه لم يسفر عن نتائج نهائية بعد، على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على بعض تلك النتائج. فلقد استغل الصهاينة، أحداث الحرب عام 1948 ليهجروا 750 ألف فلسطيني. بالإكراه وباستخدام الحرب النفسية من خلال المجازر الرهيبة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال تلك الحرب. كما تم طرد عشرات الألوف بصورة مباشرة وتم إجلاؤهم بالقوة عن قراهم وتم نقل العديد منهم بالشاحنات إلى ما وراء الحدود الفلسطينية.

وعندما تقدم الصهاينة في أواخر عام 1948 إلى الأمم المتحدة للاعتراف بكيانهم، فقد ضمنت الأمم المتحدة في قرار اعترافها بالكيان الصهيوني عدة اشتراطات عليه الالتزام بتحقيقها ليكون الاعتراف به ناجزاً وفي مقدمة تلك الاشتراطات الالتزام بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين.

لكن الصهاينة، وبمجرد اعتراف الجمعية العمومية بكيانهم في آذار 1949، تراجعوا عن مواقفهم على تطبيق قرار الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، وتنصلوا من أية مسؤولية عن تهجير الفلسطينيين إلى خارج ديارهم. وصدروا للعالم تلك الرواية الرسمية التي تزعم أن الفلسطينيين غادروا مدنهم وقراهم برضاهم أو بتأثير نداءات وجهت لهم من زعمائهم العرب. وبالمحصلة فقد نظر الصهاينة إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة عربية وليست مشكلة يتحمل مسؤولية حلها المتسبب الحقيقي وهو الكيان الصهيوني.

وبالعودة إلى بني موريس، فإن كتابه "ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين" لم ينطو على إبداع كبير، على الرغم من أنه كان سبباً في حمل مؤلفه لقب "عميد المؤرخين الجدد". لقد استفاد بني موريس من كنز المعلومات والوثائق الجديدة التي تم الإفراج عنها، وكان جل إبداعه ينحصر في كشفه عن هذه الوثائق وتضمينها في كتابه، الأمر الذي شكل انقلاباً خطيراً في الرواية الرسمية الصهيونية التي تم الترويج لها طوال أربعة عقود، وبالتالي، فإن العديد من الصهاينة أنفسهم قد صدموا لما تضمنه الكتاب من حقائق ومعلومات جديدة تتصل بقضية حساسة للغاية مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين. لقد نشر بني موريس كتابه عام 1988 بالإنكليزية عن دار كامبردج خارج الكيان الصهيوني، بحيث لم يتح للصهاينة فرض أي رقابة على ما ورد فيه من معلومات من جهة، كما يسر له أوسع انتشار على المستوى العالمي من جهة أخرى، الأمر الذي زاد من حنق الصهاينة على مؤلفه.

لقد انهارت الرواية الرسمية الصهيونية حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولم يعد الصهاينة قادرين على التنصل من مسؤوليتهم المباشرة في صنع مأساة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن كان على بني موريس أن يتحمل أيضاً مسؤولية هذه الورطة التي أوقع فيها الكيان الصهيوني. وهكذا بدأت رحلة المعاناة والنبذ التي عاشها بني موريس طيلة عشر سنوات، والتي اضطر في نهايتها إلى العودة إلى حضن الصهيونية، من خلال إصدار طبعة جديدة معدلة من كتابه حول اللاجئين الفلسطينيين.

اكتشف عميد المؤرخين الجدد، بعد طول معاناة، أن تاريخ كيانه يتألف من مرحلة واحدة لم تكتمل بعد، وأن إدانة ماضي هذا الكيان هي إدانة لحاضره، حيث ينضوي الماضي والحاضر ضمن حيز هذه المرحلة غير المكتملة، وأن ما فعله الصهاينة بالأمس يتوجب عليهم دفع استحقاقاته اليوم أو غداً، وهكذا فقد حاول بني موريس في طبعته الجديدة المعدلة من كتابه أن يلوي عنق الحقيقة بطريقة مبتكرة. لقد ثبت بني موريس كل الحقائق الواردة في الطبعة الأولى من كتابه والتي تؤكد مسؤولية الصهاينة المباشرة عن تهجير الفلسطينيين، بل زاد عليها ما تيسر له تالياً من تلك الحقائق والوثائق. ولكنه أضاف إلى الطبعة الجديدة إضافات ملفقة تتصل بالاستنتاجات المترتبة على الحقيقة الأولى.

يزعم بني موريس في كتابه المعدل أنه لم تكن هناك سياسة مبرمجة واضحة لطرد الفلسطينيين من ديارهم، وأن المبادرة إلى ذلك جاءت من القادة الميدانيين، الذين أدركوا أنه من الأفضل قتل الفلسطينيين أو طردهم حتى لا يكون هناك طابور خامس وراء ظهورهم. أما القرار المنهجي فقد كان، حسب رأيه، عدم السماح للعرب بالعودة، فهذا كان قراراً حكومياً اتخذ في تموز 1948. وموريس يعتبر أن هذا القرار كان أحد أهم قرارين أو ثلاثة قرارات في تاريخ الدولة.

يعترف بني موريس (الجديد) أن ما حدث عام عام 1948 كان "تطهيراً عرقياً جزئياً"، ولكنه لا يعتقد أن هذا المصطلح سلبي. "فما حدث في عام 1948 كان مسألة لا مفر منها" وهو لا يرفضه أخلاقياً "فلولا طرد السكان الفلسطينيين لما ظهرت هنا دولة يهودية، وإنما دولة مع جالية عربية كبيرة وطابور خامس، كما أطلق عليه وبحق، موشيه شاريت وغيره من القادة".

الانقلاب الأخطر في موقف موريس يتمثل في رؤيته الجديدة للمسؤولية عن قضية اللاجئين. لقد وجه له صحفي صهيوني السؤال المحدد التالي:

أنت الشخص الذي كشف لنا مسؤوليتنا عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، فهل تطلب منا، الآن، تجاهل ما كشفته؟.

ويجيب موريس: أنا كشفت الحقيقة بعد ما حدث في عام 1948، كشفت الحقائق التاريخية، ولكن العرب هم الذين بدؤوا الحرب، وهم الذين بدأوا إطلاق النار، فلماذا يتوجب علينا تحمل المسؤولية؟ العرب بدأوا الحرب وهم المسؤولين.

وحسب وجهة نظر بني موريس الجديدة، يعتبر أي ذكر لحق العودة كارثة، ووصفة لتدمير الكيان الصهيوني، وهو يعارض حتى مجرد الاعتراف بالمسؤولية الصهيونية عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين، حتى لو كان ثمن ذلك تنازل الفلسطينيين عن تجسيد حق العودة. بل إن بني موريس يذهب إلى أبعد من ذلك كثيراً في رؤيته لحل مشكلة الوجود الفلسطيني داخل المناطق المحتلة عام 1948. فهو يدعو إلى الترانسفير، دون أن يسمي ذلك صراحة، فمن وجهة نظره الراهنة، ثمة إمكانيتين لحل هذه المشكلة: "إما ضم تجمعات عربية للدولة الفلسطينية أو لدولة عربية مجاورة. أو أن "يرغبوا" هم بمغادرة البلد، وهذه مسألة يمكن أن تحدث".

إزاء ما يولد مثل هذا الانقلاب في المواقف والرؤى من ذهول لدى الصهاينة أنفسهم، يتساءل الصحفي الصهيوني الذي أجرى الحوار مع بني موريس: "من هو بني موريس إذن؟ هل هو المؤرخ الذي كشف النقاب عن مظالم اليهود ضد العرب في عام 1948، أم أنه الشخص الذي يقوم اليوم بتبرير هذه المظالم؟". بني موريس يقول إنه قد يكون منفصماً مثل النفس الصهيونية المنقسمة والمتناقضة، التي تكون إنسانية من جهة، وهدامة من جهة أخرى.

المراجعة أم التماثل

لكن المشكلة تبدو أعمق من ذلك بكثير، إنها ليست مشكلة شخص بقدر ما هي مشكلة التجمع الصهيوني بكامله، والتجربة الصهيونية منذ بدايتها. لقد تشكلت التجربة الصهيونية في فلسطين وفق مخطط مسبق، رسمت تفاصيله وخطوطه على بعد آلاف الأميال من فلسطين، ومن قبل أشخاص لم يقيض للعديد منهم الوصول إلى فلسطين ومعاينة واقعها البشري أو الاقتصادي أو السياسي. كان مجرد مشروع نموذجي لإقامة مستعمرة كولونيالية في فلسطين أو أوغندا أو الأرجنتين، أو غيرها، وهو بصورة عامة، يركز على الجوانب الميكانيكية لإقامة المشروع، ويلحظ بصورة أساسية جدوى المشروع ومصالح القائمين عليه، دون أن يضع في الاعتبار أية مصلحة للمستهدفين به.

عند المباشرة بتطبيق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، لحظ العديد من قادة هذا المشروع الميدانيين التباينات الواسعة بين المخطط الصهيوني الجاهز وبين الواقع على الأرض الفلسطينية.

التباين الأخطر، تمثل في وجود شعب عريق يعمر البلد منذ آلاف السنين، وليس كما ورد في المخطط، حول "الأرض المهجورة التي تنتظرنا منذ ألفي عام" أو وجود بعض البدو الرحل الذين لن يشكلوا عقبة أمام المشرع الصهيوني. لقد تبين بجلاء للرواد الصهاينة الأوائل أن أي إنجاز لصالح هذا المشروع ينطوي على ظلم مماثل في الجانب الآخر، وأن تحقيق هذا المشروع لا يمكن أن يتم بالانسجام مع متطلبات العدل والحقوق الإنسانية، بل في مواجهتها تماماً.

الصهاينة الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية الصهاينة العمليين، قرروا المضي بمشروعهم الاستعماري بمعزل عن العدالة والأخلاق وكان شعارهم وما زال: إن الحقيقة هي تلك التي تخدمنا وليست التي توجهنا. كانوا يدركون أن استجابتهم لأي نزعات أخلاقية أو إنسانية تعني انهيار مشروعهم، ولذلك فقد وقفوا بحزم في مواجهة مثل هذه النزعات والميول، التي برزت خلال العملية الاستعمارية الصهيونية في فلسطين.

وهكذا أفرز المشروع الصهيوني ديناميات داخلية لنبذ وقمع الأصوات المعارضة للطابع العدواني لهذا المشروع. ويمكن استعراض مئات الأصوات التي تم قمعها أو إسكاتها أو تطويقها خلال التجربة الصهيونية، والتي كان أصحابها يوصفون عادة بـ "اليهودي المرتد، اليهودي اللاسامي، اليهودي المصاب بعقدة كره الذات، اليهودي المندمج.. الخ".

وفي حالات كثيرة وصلت المواجهة مع هؤلاء المعارضين إلى حد التصفية الجسدية، كما حدث مع حاييم أورلوزورف الذي اغتالته جماعة جابوتنسكي عام 1933، لأنه طالب بدولة ثنائية القومية للفلسطينيين واليهود معاً. ولعل تصفية رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أسحاق رابين يمثل شاهداً قريباً على ذلك.

بني موريس يمثل النموذج الأضعف بين المعارضين للمقولات الصهيونية، فهو لم ينطلق في معارضته أصلاً من موقف سياسي أو رؤية أيديولوجية مختلفة، لذلك فقد تراجع تحت الضغوط الصهيونية عن الأفكار التي طرحها عام 1988 حول قضية اللاجئين واضطر للتكيف مجدداً مع السياق الرسمي الصهيوني. وعلى الرغم من أنه لا زال يعلن إيمانه بصوابية المعلومات التي ضمنها في الطبعة الأولى من كتابه، إلا أنه خرج منها باستنتاجات معاكسة في الطبعة الجديدة المعدلة. لقد كان هذا هو الثمن الذي لابد من دفعه ليستعيد موقعه كمدرس للتاريخ في جامعة بئر السبع.

لكن بني موريس لا يشكل ظاهرة مستقلة، بل هو جزء من ظاهرة ما زالت تتفاعل داخل الكيان الصهيوني وخارجه. فالوثائق الرسمية الصهيونية المفرج عنها كانت المرجع الرئيسي لعدد كبير من المؤلفات التاريخية التي خرجت إلى النور في أواخر عقد الثمانينات، وهي بمجملها تعارض جوانب جوهرية من المقولات الصهيونية الرسمية الرائجة. منها كتاب سمحا فلابان: "ولادة إسرائيل" الذي نشر في نيويورك عام 1987، وكتاب آفي شلايم: "تواطؤ عبر نهر الأردن" الذي صدر عن أكسفورد عام 1988، وكتاب إيلان بابه": "بريطانيا والصراع العربي ـ الصهيوني" الذي صدر في لندن في العام ذاته.

لقد أطلق الصهاينة على مجموعة المؤرخين الذين أصدروا تلك الكتب تسمية المؤرخين الجدد، لتمييزهم عن المؤرخين الصهاينة التقليديين، الذين التزموا بالرواية الرسمية الصهيونية. وهي تسمية لا تنطوي على تقييم إيجابي للموصوفين بها، بل تعبر عن اتهام مسبق لهم بالخروج عن الثوابت الصهيونية.

لكن الأمر لم يعد يقتصر على حقل التاريخ وحده، بل تجاوزه إلى مؤلفات من النمط ذاته تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، بحيث لم تعد تسمية المؤرخين الجدد تتسع للجميع، فأطلق على هذا الطيف الواسع من الكتاب المتنوعي الاهتمامات والاتجاهات "ما بعد الصهيونية" وهي تسمية تعني في الواقع الكتاب المعادين للصهيونية.

على امتداد سنوات طويلة من عمر المشروع الصهيوني، نجح الصهاينة في الحفاظ على مسافة محددة تفصل بين حقيقة المشروع الصهيوني، وبين صورته المتداولة داخلياً وخارجياً.

لقد كانت المقولات الرسمية الصهيونية ـ التي ثبت زيفها بعد كشف الوثائق ـ تشكل أساس البرنامج التربوي والثقافي والتدريسي داخل الكيان الصهيوني، بنفس القدر الذي كانت تشكل فيه أساس البرنامج الدعاوي الصهيوني في الخارج.

وعندما انهار الجدار الفاصل بين صورة الكيان الصهيوني المروجة، وبين حقيقته التي كشفتها وثائقه الرسمية، فقد اكتسب الوضع طابع الفضيحة، وهو ما يفسر الهجمة العنيفة التي تشنها الدوائر الرسمية الصهيونية ضد من تدعوهم "ما بعد الصهيونيين"، والتي تتهم هؤلاء الكتاب بأنهم يعملون على التشهير بالكيان الصهيوني ونسف الأسس الأخلاقية التي أقيم عليها والتشكيك في مصداقية وجدوى المشروع الصهيوني بكامله.

إن حركة ما بعد الصهيونية لا تزال محصورة، حتى الآن، في حدود الجامعات، والمؤسسات البحثية والأكاديمية، وقد بدأت بعض تأثيراتها تتسرب في وسائل الإعلام. غير أن أخطر ما تجابهه المؤسسة الرسمية الصهيونية. هو تأثير ما بعد الصهيونية بدأ يمتد إلى المستوى التربوي في الكيان الصهيوني. يقول إيلان بابه: "إن أكثر ما أرعب الذين يهاجموننا هو حقيقة أن مؤلفي الكتب المدرسية بدؤوا يتأثرون بما بعد الصهيونية".

عندما تتطابق صورة هذا الكيان مع حقيقته، فإنه بلا شك سيفقد الكثير من بريقه في الداخل والخارج، كما سيفقد المدافعون عنه الكثير من ذرائعهم. لكن ما هو أخطر من ذلك، أن هذه المواجهة مع الحقيقة لن تنتهي بدون خسائر جسيمة.

 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس