عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-07-2012, 12:02 PM
حسين علي احمد ال جمعة حسين علي احمد ال جمعة غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: السعودية
المشاركات: 608
معدل تقييم المستوى: 13
حسين علي احمد ال جمعة is on a distinguished road
الأمثال في السنة النبوية ::

الأمثال في السنة النبوية ::

استعان النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه بمهمة التبيين والبلاغ التي كلفه بها ربه عز وجل بشتى أساليب الإيضاح والتعليم ، وفي الذروة من تلك الأساليب يأتي أسلوب ضرب المثل.

وضرب الأمثال في البيان النبوي لم يأت لغاية فنية بحتة كغاية الأدباء في تزيين الكلام وتحسينه، وإنما جاء لهدف أسمى، وهو إبراز المعاني في صورة مجسمة لتوضيح الغامض، وتقريب البعيد, وإظهار المعقول في صورة المحسوس ، كما أن ضرب الأمثال أسلوب من أساليب التربية , يحث النفوس على فعل الخير، ويحضها على البر, ويدفعها إلى الفضيلة ، ويمنعها عن المعصية والإثم، وهو في نفس الوقت يربي العقل على التفكير الصحيح والقياس المنطقي السليم , لأجل ذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الأمثال في قضايا مختلفة وفي مواطن متعددة .

ولما كان الهدف من ضرب الأمثال هو إدراك المعاني الذهنية المجردة، وتقريبها من العقل، وتكوين صورة لهذا المعنى في المخيلة، ليكون التأثر بتلك الصورة أشد وأقوى من الأفكار المجردة، كثر الاعتماد على هذا الأسلوب في القرآن الكريم , قال سبحانه :{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون }(الزمر:27) .

حتى ضربت فيه الأمثال ببعض الأشياء التافهة، كما في قوله تعالى
: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين }(البقرة:26) .
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يمر بآيات الأمثال المضروبة للناس ، ويجد أثرها في الرد والتحدي ، والترغيب والترهيب، وكان يعرف دور المثل ومكانته عند قومه، فلا غرابة إذاً أن يحظى المثل باهتمامه صلى الله عليه وسلم مادام وسيلة من الوسائل التي تعينه على أداء هذه المهمة.

والمتأمل للأمثال النبوية يجد التنويع صفة ظاهرة فيها, فقد نوّع صلى الله عليه وسلم في الممثِّل وضارب المثل نفسه, فتارة يسند ضرب المثل إلى نفسه صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري الذي مثل فيه حاله مع الأنبياء قبله, وتارة يسند ضرب المثل لله عز وجل كما في قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ( إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً..) الحديث, وتارة يسند ضربه للملائكة كما في حديث البخاري في قصة الملائكة اللذين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم والشاهد فيه انهم قالوا إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً فضربوا مثلاً لحاله مع أمته .

ونوّع صلى الله عليه وسلم كذلك في موضوع المثل, والغرض الذي سيق لأجله, فضرب الأمثال في مواضيع متعددة ولأغراض شتى من أمور العقيدة والعبادة , والأخلاق والزهد , والعلم والدعوة , وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب , وغير ذلك .

ونوّع صلى الله عليه وسلم في أسلوب العرض وطريقة ضرب المثل , فاتخذ لضربه طرقاً متعددة, وأساليب مختلفة ، وسلك في ذلك كل ما من شأنه إيضاح المراد ، وإبرازه ماثلاً أمام الأعين . فمن تلك الأساليب استخدامه للإشارة التي تلفت أنظار السامعين وتعينهم على الفهم ، وفيها تشترك أكثر من حاسة في العملية التعليمية ، فالناظر يرى الإشارة ، ويسمع العبارة ، فيكون ذلك أدعى للتذكر, كما في البخاري في الحديث الذي أشار فيه النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعيه عندما أراد أن يقرر أن بعثته مقاربة لقيام الساعة , ومن ذلك أيضاً استعانته بالرسم التوضيحي كوسيلة من وسائل التعليم والإيضاح, عندما تحدث عن قضية اتباع سبيل الله وصراطه المستقيم والتحذير من سبل الشيطان الأخرى .

وقد حرص صلى الله عليه وسلم على ضرب المثل في الأحداث والمواقف المتعددة لأهداف تربوية , ففي بعض المواقف كان يكفيه صلى الله عليه وسلم أن يرد رداً مباشراً لكنه آثر ضرب المثل لما يحمله من توجيه تربوي وسرعة في إيصال المعنى المراد وقد لا يؤدي غيره دوره في هذا المقام , فيراه الصحابة مرة نائماً على حصير وقد أثر الحصير في جنبه فيقولون له : " يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فيقول : ( مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ) كما في الترمذي , حتى المشاهد ، التي تمر في حياة الناس ، فلا يلتفتون إليها، ولا يلقون لها بالاً ، يجد فيها صلى الله عليه وسلم أداة مناسبة للتوجيه والتعليم وضرب الأمثال بها, يمر ومعه الصحابة على سخلة منبوذة فيقول لهم: ( أترون هذه هانت على أهلها فيقولون يا رسول الله من هوانها ألقوها فيقول صلى الله عليه وسلم " فو الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها ) رواه أحمد .

هذه الشواهد - تؤكد مكانة الأمثال في السنة النبوية، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها, وضرورة الاعتناء بالأمثال النبوية جمعاً وتحليلاً ودراسة, والاستفادة المثلى منها في مناهجنا التعليمية وبرامجنا التربوية و الدعوية.


ضرب المثل:

والمثلُ هو الشَّبيه، وهو من أساليبِ البلاغة، وأشدِّها تأثيرًا في النَّفس والقلب، وأبلغُ أنواع التَّمثيل هو تمثيلُ المعاني المعقولةِ بالصُّورة المحسوسةِ أو العكس، والسَّببُ في ضرب المثَل هو أنَّ: "المعاني الكلِّية تعرِضُ للذِّهن مجمَلةً مُبهمةً، فيصعُبُ عليه أن يُحيطَ بها، وينفُذَ منها، فيستخرجَ سِرَّها، والمثَلُ هو الذي يفصِّل مجمَلَها، ويوضِّح مبهَمَها؛ فهو ميزانُ البلاغة وقِسطاسُها، ومشكاةُ الهداية ونِبْراسُها"[2]، ويلعب المثَلُ دورًا هامًّا في التَّربية والتعليم والتَّوجيهِ؛ لِمَا فيه من تقريبِ المعاني، وتسهيلِ فَهْمِها؛ عن طريقِ عرْضِ ما يُشبِهُها أو يماثِلُها، وفي القرآن بضعةٌ وأربعون مثَلاً، وما ذاك إلا لِمَا في ضرب الأمثالِ من الحكمة والموعظة والإيمان، وكان بعضُ السَّلف عندما يمرُّ على مثَلٍ لا يفهمُه يبكي ويقولُ: لستُ من العالِمِينَ[3].

فوائد ضربِ المثَل في الدعوة:

1- المثَلُ يكشِفُ عن وجه الحقيقةِ، ويُبْرِزُ الغائبَ في صورةِ الحاضرِ، فلا تغيبُ عن الإنسان صورتُهُ في جميع الأحوال.

2- في التَّرغيب أو الترهيب، يستعمَلُ ضربُ المثَلِ لأجلِ ترغيب النَّفس في الخيرِ، والحثِّ عليه، والتَّنفيرِ من الشَّر، والتَّحذيرِ من الاقترابِ منه، أو التَّنفير من الاتِّصافِ بصفاتٍ خبيثةٍ يُبْغِضُها اللهُ.

3- إنَّ ضرْبَ المثَل أبلغُ في التَّأثير، وأوقعُ في النَّفس، وأقوى في إقامة الحجَّة، ويجعل الحقائقَ أثبتَ في العقول، وأعلقَ بالنَّفس، فكم من آيةٍ يمرُّ عليها الإنسانُ غيرَ مكترثٍ بها، فاقدَ الاتِّعاظِ والتَّذكرة، ولكن حينما تأتي في صورةِ مثَلٍ - قريبًا من المثالِ - تتحرَّكُ العواطفُ، ويستيقظُ الضَّمير، وفيه ذِكْرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السَّمعَ وهو شهيدٌ.


4- في ضرب المثل إشراكُ أكثرَ مِنْ حاسَّةٍ في فهم المعنى، وتوظيفٌ للعقلِ في التَّحليل والاستنتاجِ.

5- يساعد أسلوبُ ضرب المثَلِ على دفعِ الملَل والسآمةِ عن المستمعِ، ويشوِّقُ إليه سماعَ الموعظةِ، ويجعلُه يتمتَّعُ بالإصغاء إليها.

وأسلوبُ ضربِ المثل هو منهجُ القرآن والسُّنَّةِ في عرضِهما للحقائقِ، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بجوانب العقيدةِ الإسلامية؛ وذلك لِمَا له من مزايا عدَّة، منها:

قدرتُهُ على التَّوضيح والتَّأثيرِ وعرْضِ الحقيقة، مع ما فيه من الإيجازِ، بخلاف الأسلوبِ المجرَّدِ الذي يتبعُه المناطِقَةُ والفلاسفةُ في عَرْضِ الحقائق، وهي طريقةٌ انتقدَها كثيرٌ من العلماءِ؛ لِمَا فيها من تعقيدٍ وغموضٍ في الوصول إلى فَهْمِ الحقائق، وسلوكِ السَّبيلِ الأبعدِ في إيصال المعنى، وهو مَعيبٌ، والمقصودُ هو أن يستغلَّ الدَّاعيةُ تلك الطَّريقةَ في التَّوجيه والتربية.

مصادر الأمثال:

القرآنُ مصدرٌ هامٌّ في ضرب المثَل لبيانِ المعنى، وتقريبِه إلى الفهمِ، وشرحِ المقصود، ومعرفةِ الأشباه والنظائر، وأمثاله من أهم ما يكشف العبرة، ويبين ما خفِيَ من أسرارٍ، وهو يربط بين الصُّوَرِ التي يعرِضُها المثَلُ مع موطنِ الهدايةِ ونحوِها؛ ولذا فهو مصدرٌ هامٌّ في التَّوجيهِ والتَّربية، ومن الأمثلةِ القُرآنية تشبيهُ حالِ مَن أشركَ باللهِ وجعلَ له ندًّا، بصورةٍ محسوسةٍ كحالِ مَنْ هوَى مِنَ السَّماءِ بلا قرارٍ، قد مزَّقَتْه الأهواءُ، وتخطَّفَه الشَّهوات، وما تبقَّى منه فالرِّيحُ تأخذُه في مكانٍ سحيقٍ[4]، وهو مثَلٌ مطابِقٌ لحالِ ونفسيَّةِ المشركِ، فهو لا يكاد ينتهي من شدَّةٍ، حتى يقعَ في مِثْلِها؛ لأنه اعتمد على مَنْ لا يُغنيه، ولا يدفع عنه ضَرًّا، ولا يجلِبُ له نفعًا؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31].


السُّنَّة المطهَّرة:

والسُّنَّة كذلك مصدرٌ نافعٌ للدَّاعية في أنْ يستشهدَ بأمثالِها في تقريب المعاني، وتوضيحِ المقصود، وتجلِيَةِ ما أُبْهِمَ من المعنى على المستمعِ.


ومن الأمثلةِ: ما ثبت في الصَّحيحينِ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لَلهُ أشدُّ فرَحًا بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه مِنْ أحدِكم كان على راحلتِه بأرضٍ فلاةٍ، فانفلتَتْ منه، وعليها طعامُه وشرابُه، فأَيِسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجعَ في ظلِّها - قد أَيِسَ من راحلتِهِ - فبَيْنَا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذَ بخطامِها، ثمَّ قالَ من شدَّةِ الفرَحِ: اللَّهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك - أخطأَ من شدَّةِ الفرحِ))[5]، فهو مثَلٌ بديعٌ في بيانِ محبَّةِ اللهِ للتَّائب، وفرحه بتوبته أعظم مِنْ فرَحِ مَن وجدَ الطَّعامَ والشَّراب - وهما مادَّةُ الحياةِ، وخاصَّةً في صحْراءَ قاحلةٍ محرقةٍ - وفيه دليلٌ للحثِّ على التَّوبةِ، والمسارعةِ إلى الإنابة، ويمكِنُ للدَّاعيةِ أن يفصِّلَ في شرحِ الحديثِ، ويبيِّنَ فوائدَه وفضائلَ التَّوبةِ؛ منطلقًا مِن هذا المثَلِ البديعِ.


الأمثالُ الفصيحة:

وتعتبرُ مصدرًا من مصادر الأمثالِ، على أنَّ هناك تشابهًا في المعنى في كثيرٍ من الأمثالِ، ولكنَّ تغييرًا حدَثَ بسبب اللَّهجة، ويمكِنُ للدَّاعية - كذلك - أنْ يدعَمَ نصحَهُ وموعظتَهُ بما يعرفُهُ من الأمثالِ الشَّعبيةِ، ومن تلك الأمثالِ قولُ القائلِ: "كلُّ شاةٍ برجْلِها تُناطُ"، أو "كلُّ شاةٍ معلَّقةٌ بكُرَاعِها"، ومعناه أنَّ الإنسانَ يُجازَى على عملِهِ، إنْ خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشَرٌّ، فلا يأمُل أنْ يجدَ النجاةَ وهو لَم يقدِّمْ شيئًا، إضافة إلى ذلك فالدَّاعيةُ الفطِنُ يجد في بيئتِه وما حوله العديدَ من الأمثالِ التي يمكِنُه أنْ يوصِّلَ المعلومةَ من خلالها، "وبطريقةٍ سهلةٍ ميسَّرةٍ، بحيث يتجدَّدُ أثرُها كلما شاع المثَلُ وانتشر استعمالُهُ، وتردَّدَ عند حدوث حادثٍ مشابهٍ للَّذي ذُكِرَ فيه عند صدور المثَلِ"[6].

المصدر

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/41081/#ixzz21uDTDl00

رد مع اقتباس