عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-04-2005, 01:49 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

إشكالية المرأة الخليجية بين مطالب الداخل وضغوط الخارج
التقرير الاستراتيجي الخليجي






لم يحظ موضوع في غضون الأعوام الماضية، بمثل هذا الكم الهائل من الاهتمام مثلما حظي موضوع المرأة، فبعد مؤتمر بكين 1995م تعددت صور الاهتمام محلياً وإقليمياً ودولياً ما بين جمعيات نسوية ومجالس للمرأة تنشأ، ودراسات تنشر، وندوات تعقد، ومؤتمرات تصدر توصيات متعددة، إن لم تكن متباينة بحسب المواقع الأيديولوجية لمنظمي تلك المؤتمرات والمشاركين فيها، وهو الأمر الذي أحدث وفرة تجاوزت الكم إلى النوع على صعيد الدراسات الخاصة بالمرأة.

وإذا كان جلّ الاهتمام العالمي بالمرأة المسلمة في السابق منصباً على المرأة المصرية والتونسية باعتبارهما النموذجان البارزان عربياً، وعلى المرأة التركية والإيرانية إقليمياً، فإن التركيز قد انصب بشكل ملحوظ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على المرأة الخليجية، إذ أن الولايات المتحدة صارة تنظر إلى المنطقة ككل والسعودية على وجه الخصوص؛ باعتبارها راعية الأصولية مفرخ الإرهاب، وذلك بفضل بيتها الاجتماعية التقليدية المحافظة، ومن هنا فإنَّ قوائم الطلبات الأمريكية، الخفية والمعلنة، قد تخطت للمرة الأولى النظم السياسية الحاكمة واتجهت مباشرة صوب المجتمعات العربية في مسعى منها لتعديل وتحوير هوية الشعوب العربية ومحو خصوصيتها الثقافية، وصار التركيز على العامل الثقافي بغرض إيجاد شرق أوسط مختلف يتبنى قيماً بديلة وأفكاراً جديدة هي في مجملها إفرازات الحضارة الغربية، وفي القلب من هذه القيم يأتي الحديث عن حقوق الأقليات، والديمقراطية، والتعليم الديني، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وإدماج النساء في عملية التنمية، وهي ما صارت تؤلف ما يعرف باسم قضايا الإصلاح.

ولا يفوتنا التنويه أنَّ هذه القضايا هي مطلب داخلي ملح، وكان يجب معالجتها داخلياً وفق أطروحات تراعي الخصوصية الثقافية، وتأخذ بعين الاعتبار النسق المجتمعي القائم حالياً، إلا أنها صارت قضية ذات حساسية خاصة؛ لأنَّ طرحها أتى من الخارج، وبالتالي ارتفعت نبرة الكبرياء القومي في مواجهتها.

ملاحظات أولية:
وقبل أن نخوض في الحديث عن أهم القضايا المتعلقة بالمرأة الخليجية، والمعالجات المختلفة لها، وآخر المستجدات التي طرأت على هذه القضايا؛ سنحاول تقديم بعض الملاحظات تلقي الضوء على أوضاع المرأة الخليجية بصفة عامة:

1ـ الحديث عن إشكالية المرأة الخليجية لا يعدّ استثناء عن إشكالية المرأة العربية، فهي تقاسمها معظم الهموم باستثناءات أقرب إلى الكم منها إلى الكيف. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أننا حينما نشير إلى "المرأة الخليجية" لا يعني أننا نغفل التباينات النوعية بين امرأة وأخرى، والراجعة إلى الانتماء إلى مجتمعات تختلف من حيث درجة التحضر أو البداوة، ومن حيث معدلات التحديث. إلا أن هذه التباينات لا تنفي وجود خصائص عامة مشتركة تبرر إطلاق مصطلح "المرأة الخليجية" كمصطلح قادر على توصيف نساء هذه المنطقة بشكل عام.

2ـ التحولات الاقتصادية السياسية التي خضعت لها منطقة الخليج منذ اكتشاف النفط قد تركت بصماتها على المرأة التي كسرت عنها طوق العزلة، ومكنتها الوفرة الاقتصادية من الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة ودخول سوق العمل.

3ـ لم تشهد القاعدة البنيوية الاجتماعية القبلية حراكاً نتيجة ازدياد أعداد المتعلمات والعاملات لأسباب سوف نتعرض إليها لاحقاً.

4ـ ترتب على جمود التركيبة المجتمعية تأخر ظهور وعي نسائي بقضايا المرأة، حيث تأخر تكوين الجمعيات والهيئات النسوية المختلفة إلى حقبتي الستينات والسبعينات، وذلك على الرغم من تشابه أوضاع المرأة في البلدان العربية المختلفة، إلا أنَّ المرأة الخليجية لم تواجه وتقابل حركات التغيير التي عاشتها المرأة المصرية على سبيل المثال.

5ـ تعد المرأة البحرينية والكويتية استثناء من هذا التعميم، فقد شاركت الأولى بقوة منذ منتصف الخمسينات في الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وكان لها دور فعال في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البحرين عام 1994م. أما المرأة الكويتية فقد طالبت منذ مطلع السبعينات بحقوقها السياسية والاجتماعية، وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية اندلعت تظاهرات نسائية تطالب بمنح المرأة حق المشاركة في انتخابات مجلس الأمة.

6ـ استهدفت برامج عمل الجمعيات النسوية ـ في مستهل عهدها ـ دعم قضايا المرأة الخليجية المختلفة من تعليم وتنمية من خلال المواقع التقليدية للمرأة "عن طريق تحمل المرأة لمسؤولياتها وأداء المهام التي تلائمها باعتبارها أختاً وزوجة وعضواً فعالاً ومؤثراً في المجتمع"، كما اقتصرت اهتماماتها على النشاط الاجتماعي والخيري، وبمرور الوقت وبفضل سيطرة نخبة سياسية اقتصادية متغربة واحتكارها عمل النسوة ثم تغييب قضايا الفئات الدنيا من النساء من برامج هذه الجمعيات، واستعارة قضايا المرأة الغربية وتعميمها باعتبارها قضايا النساء في كل زمان ومكان، الأمر الذي أدى إلى وجود حاجز كبير بين الواقع الذي ترزح تحته غالبية النساء وبين ما تنادي به هذه الجمعيات.

ماهية الإشكالية:
ثمة أفكار وقضايا تنشر لا لأصالتها أو صوابها، وإنما للإلحاح في إعادة طرحها في كل مناسبة وبكل الوسائل، ومن هذه القضايا ما يتعلق بإشكالية المرأة الخليجية والتي لا تنفك الصحافة العالمية والعربية الآن في الحديث عنها، وتطرح من خلالها رؤى متباينة وهي إشكالية ليست يسيرة كما يتوهم البعض، فالقضايا التي تؤسس عليها الإشكالية تأخذ أحد بعدين أحدهما ـ يروج له دعاة التيار النسوة ـ ويتعلق بقضايا إلحاق المرأة بجميع مراحل التعليم دون استثناء، وولوجها مجالات العمل المختلفة جنباً إلى جنب مع الرجل، وأخيراً مشاركتها في الحياة السياسية وإلغاء كافة القوانين والنصوص التي قد تتعارض مع ذلك. أما البعد الآخر المسكت عنه، فلا يتعلق فقط بتلك الصعوبات الخارجية التي تقابلها المرأة، وإنما يتعلق بقضية وعي المرأة الخليجية بذاتها وبإنسانيتها وفاعليتها في الحياة العامة، ووعي المجتمع بهذه الفاعلية.

المنظور الأمريكي لحقوق المرأة الخليجية:
حين تطرح إشكالية حقوق المرأة فإنها تطرح على اعتبار أنها جزء من إشكالية أكبر هي إشكالية حقوق الإنسان ككل، ومن المفهوم أنَّ دعاة النسوية حينما يشيرون إلى مسألة حقوق الإنسان فإنهم يعدون النسق الغربي هو الإطار المرجعي لقضايا حقوق الإنسان في العالم أجمع، وهو اتجاه يزكيه اتجاه الإدارة الأمريكية لاتخاذ مسألة حقوق الإنسان كعصا للضغط على بعض الدول لتغيير مواقفها بشأن قضايا سياسية واستراتيجية.

وموقف الولايات المتحدة الرسمي من حقوق الإنسان في العالم يتحدد من خلال تقارير سنوية تصدرها واشنطن كل عام، وهذه التقارير تعدت كونها مجرد أداة إعلامية ذات فائدة، إلى كونها "أداة سياسية حيوية"، وقد احتلت مسألة حقوق المرأة الخليجية جزءاً كبيراً من عام 2003 وذلك مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام الذي احتلته على سلم أولويات الإدارة الأمريكية. وقد أشاد التقرير بالخطوة القطرية في انتخابات المجلس البلدي وتعيين أول امرأة كوزيرة، كما أشاد أيضاً بالانتخابات الأردنية. أما التقرير الخاص بحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، فقد ركزت أجزاء مطولة من التقرير على إدانة قوانين الشريعة الإسلامية المعمول بها وخاصة باعتبار شهادة المرأة أمام المحاكم الشرعية لا تحمل نفس شهادة الرجل. أما بخصوص الميراث فقد نص على أنَّه "أخضعت النساء أيضاً إلى التمييز بموجب أحكام الشريعة الإسلامية كما تفسرها الحكومة، التي تنص على أنَّ الابنة تحصل على نص مبلغ الإرث الممنوح إلى شقيقها". أما بالنسبة للحجاب فقد عدَّه التقرير أحد أدوات القمع لأنَّه "يفرض على المرأة أن ترتدي في الأماكن العامة عباءة سوداء تغطي كامل جسمها ورأسها وشعرها". وأنَّ هذا يتم فرضه أيضاً على نساء الجنسيات الأخرى حتى إن كن غير مسلمات. وأخيراً تناول التقرير مسألة تعدد الزوجات في فقرة مطولة وأدان تمتع الرجال بهذا الحق، وبأنَّ القانون السعودي لا يشترط أن يبلغ الرجل زوجته بأمر زواجه من أخرى.

أما بخصوص التعليم فقد أوضح التقرير أنَّ المرأة استطاعت الحصول على تعليم مجاني، لكن مفصول عن الرجال حتى المستوى الجامعي، وأنَّ الجامعيات السعوديات استثنين من دراسة مواضيع كالهندسة، والصحافة، وفن العمارة، وأضاف أنَّ القانون ينص على أنَّ بإمكان النساء أن يدرسن في الخارج شرط أن يرافقهن زوج أن قريب ذكر، ومع ذلك لم يطبق هذا التقييد قسرياً في الممارسة الفعلية. أما بالنسبة للعمل فقد أدان التقرير تركز معظم العاملات في قطاعات معينة أهمها التعليم والصحة.

يتضح من استعراضها لأهم ما جاء به التقرير الأمريكي أنَّ جل انتقادات الإدارة الأمريكية كانت موجهة إلى قوانين الشريعة الإسلامية، التي لم تعد متوافقة مع المنظور الأمريكي لحقوق الإنسان، وهو ما يحمل على الاعتقاد أنه لم يعد هناك مجال مطلقاً للتوفيق بين قوانين الشريعة الإسلامية والرؤية الأمريكية لحقوق الإنسان، وأنَّ أي محاولة للإدعاء بإمكانية التقريب بينهما سيكون مآلها الفشل.

أما على صعيد التحرك الفعلي فقد قررت الولايات المتحدة التعامل مع بعض جمعيات حقوق الإنسان والمرأة مباشرة دون الحكومات، حيث يقوم صندوق حقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكي بتمويل عدة منظمات محلية غير حكومية وتقديم تدريب لها حول المشاركة السياسية، وتطوير الأحزاب السياسية، وقضايا المرأة.

وفي خطوة عملية ذات أهمية بالغة رعت الولايات المتحدة وقطر ندوة لتدريب المرأة الخليجية في المجال السياسي عرفت باسم مبادرة "حملات النساء الانتخابية" عقدت في الدوحة في الفترة من 14 إلى 18 شباط/ فبراير وهي ما أطلق عليه بشكل غير رسمي اسم "مدرسة الحملات الانتخابية". وقد رعت النشاط مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية التي أطلقها الرئيس بوش لدعم الفرص الجديدة في الشرق الأوسط، ومجلس قطر الأعلى للشؤون العائلية، وشاركت فيها مشاركات من البلاد الخليجية التي لم تتمتع النساء فيها بحقوقهن السياسية، وقد وجهت السيدة لوري بوش خطاباً إلى المشاركات في الندوة، وكذلك السيدة هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخي الأمريكي التي حيت في كلمتها المشاركات بقولها: "نشعر، نحن شريكاتكن في المجتمع الدولي بالإعجاب بقوتكن ومثابرتكن ونقف إلى جانبكن في محاولاتكن تحقيق مساواة أكبر للنساء".

إشكاليات الممارسة السياسية:
هذا التأييد الأمريكي الجارف قد شجع بعض الأصوات النسائية أن ترفع صوتها عبر وسائل الإعلام مطالبة بمنح المرأة الخليجية حقوقها السياسية، فقد دعا مؤتمر "مستقبل المرأة السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي" إلى تعديل القوانين السارية في بعض بلدان المنطقة للنص صراحة على أن حق المرأة في الترشيح والانتخاب في كافة المجالس التشريعية وغيرها. وأكد المؤتمر في بيانه الختامي ضرورة تعديل نصوص القوانين المتعلقة بالمرأة وفقاً للمواثيق الدولية وتم التصديق عليها مع إلغاء التحفظات التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وفي البحرين ذات النشاط النسوي العريق أعدت لجنة نسائية عريضة رفعت لملك البحرين ركزت في معظم مطالبها على تعديل قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية. والواقع أنَّ ربط مطالب منح المرأة حقوقها السياسية بتعديل قوانين الأحوال الشخصية المستمد من الأفعال يبعث الشك في أن جهات خارجية هي التي تقف وراء هذه المطالب.

وبفعل الضغوط الداخلية والإلحاح الأمريكي على ضرورة توسيع قاعدة مشاركة النساء في العملية السياسية دفعت بعض الدول الخليجية في الإسراع باتخاذ خطوات من شأنها الادعاء بأنها تسير في هذا السبيل من ذلك الإعلان عن تشكيل مجالس للمرأة في معظم البلاد الخليجية. أما السعودية التي تبدو أكثر روية في الإقدام على مثل هذه الخطوات، فقد تمَّ الإعلان فيها عن قيام مجلس حقوق الإنسان والذي ضمَّ في عضويته ثلاث نساء، كما شاركت 10 سيدات من أصل 60 مشاركاً في جلسات الحوار الوطني الثاني الذي عقد في أواخر العام الماضي، كما شاركت المرأة بنصيب أوفى في جلسات الحوار الوطني الثالث الذي عقد بالمدينة المنورة قبل عدة أشهر وكان بعنوان" المرأة: حقوقها وواجباتها"!

وفي بادرة جديدة من نوعها أعلنت قطر في شهر مايو 2003 عن تعيين السيدة شيخة المحمود كأول وزيرة قطرية، وتعد بذلك أول وزيرة خليجية على الإطلاق، تبعتها عمان بتعيين السيدة راوية البورسعيدي كأول وزيرة عمانية، وجاء ذلك أثناء الاحتفال بيوم المرأة العالمي لعام 2004م، وتتوقع التكهنات أن تصدر الكويت والإمارات قراراً مماثلاً قريباً. هناك إذن اتجاه رسمي لمنح المرأة حقها السياسي عن طريق سن تشريعات جديدة، إلا أنه يؤخذ على هذه التشريعات أنها "محاولات فوقية" لن تؤتي ثمارها في تفعيل مشاركة المرأة، ولن يتعدى تأثيرها القشرة الخارجية للمجتمع، وسيظل الأمر رهناً بحدوث تغييرات بنيوية في القاعدة الاقتصادية والاجتماعية، وبتغيير أشكال الوعي المجتمعي من عادات وتقاليد وأعراف، إذ ليست العبرة بقوانين تسن، وإنما العبرة بتطبيق هذه القوانين.

ليس أدل على ذلك من أن النظام الأساسي الصادر في قطر عام 1998 قد منح المرأة حق الترشح لعضوية المجلس البلدي، وبلغ عدد المرشحات للانتخاب 6 مرشحات، لم تفز أي منهن في الانتخابات ـ ذكوراً وإناثاً ـ عن التصويت لهن، وتعد الإمارات مثالاً آخر، فقد حاولت القيادة السياسية الضغط في مطلع عام 2003 باتجاه منح المرأة حقها في الممارسة السياسية، فصرح الشيخ زايد أنه "لا توجد أي موانع لمشاركة المرأة في العمل السياسي، باعتباره حقاً كفله الدستور ولم يحرمه عليها الدين" وترددت تكهنات بأن المرأة ستدخل لأول مرة المجلس الوطني الاتحاد (البرلمان)، غير أن حكام الإمارات السبعة كان لهم رأي آخر، فاتفقوا على تأجيل تلك الخطوة، إلى أجل غير مسمى، استناداً إلى معايير قبلية ترفض فكرة ممارسة المرأة لأي دور سياسي. ومن قبل أصدر أمير الكويت مرسوماً أميرياً في مايو1999 يعطي المرأة الكويتية هذا الحق وأقرته الحكومة، لكن مجلس الأمة ردّه في نوفمبر من العام نفسه تحت ضغط نواب العشائر والنواب الإسلاميين.

هناك ملاحظة أخرى بالنسبة لمسألة القوانين والتشريعات، وهي أنها من المفترض أن تكون محصلة واقع اجتماعي وما يسوده من علاقات مجتمعية وإنتاجية، لذا يظل حدوث تطور اجتماعي شرطاً لا بدّ منه لسنّ التشريعات والقوانين، ومن المفارقات أنَّ هناك مجتمعات خليجية قد حققت تطوراً نسبياً على هذا الصعيد كالكويت والبحرين، ورغم ذلك ظلَّت القوانين المعمول بها لا ترقى لمستوى التطور المجتمعي، في حين أن مجتمعات أخرى ليست على ذات الدرجة من التطور الاجتماعي ـ وتعدّ قطر مثال بارز على ذلك ـ ورغم ذلك فإنَّ القوانين المعمول بها تسابق الواقع الاجتماعي. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنَّ القوانين التي تمَّ الإعلان عنها مؤخراً في بعض الدول الخليجية ليست وليدة حاجة مجتمعية، وأنَّ هناك عوامل أخرى، تتعلق بوجود ضغوط خارجية هي التي أملتها.

كل هذه المستجدات الجديدة فرضت نفسها على الساحة السياسية حتمت ضرورة إجراء مراجعة سياسية من جانب القوى السياسية المختلفة لمواكبة هذه التطورات، فقد أعلنت الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، أحد أبرز المعارضين لمنح المرأة حق الانتخاب أنها بصدد تقييم ودراسة موقفها من الحقوق السياسية للمرأة. وأوضحت أنَّ ذلك يأتي في إطار طرح مبادرات إصلاحية ومشاريع تنموية داخلية تساهم في مواجهة المشاريع التغريبية، ومن الواضح أنَّ الحركة قد اضطرت لاتخاذ هذا الموقف في أعقاب زيارة مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية "جوانا ليفنسون" للكويت لبحث حقوق المرأة، وتصريح رئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد بالتزام حكومته بحقوق المرأة السياسية وتعديل قانون الانتخاب.

إشكالية التعليم والتنمية:
تأتي على رأس أولويات الأجندة النسوية بالنسبة لحقوق المرأة الخليجية مسألة التوسع في إدماج المرأة في التنمية، ويمكن إرجاع ذلك إلى كون معظم فلسفات وأفكار التيار النسوي مستمدة من النظام الرأسمالي وعلاقاته، ولذلك فمنظوره يخضع لمفاهيم اقتصاد السوق كالعرض والطلب، والربحية، والعمل في مقابل أجر، وهي مفاهيم لا تتحقق إلا بخروج المرأة للعمل خارج منزلها، وفي هذا الاتجاه تحتل الجداول الإحصائية مكان الصدارة في التباهي بالتقدم والازدهار الذي لحق بأوضاع المرأة الخليجية من خلال مقارنة أعداد المتعلمات والعاملات حالياً بأعدادهن في فترات سابقة، لإعطاء استنتاجات معينة تؤكد على أنَّ ازدياد نسبة المتعلمات والعاملات، وارتياد المرأة مجالات جديدة لم تكن متاحة لها من قبل يعد دلالة قاطعة على الإنجازات التي حققتها المرأة الخليجية. على جانب آخر فقد لوحظ أنه حتى الآن لا تزال بعض الدول "قطر والسعودية" لا تسمح للفتيات بالتعليم الفني، كما أن بعض التخصصات العلمية في الجامعات لا يزال دخولها قاصراً على الذكور، وهو الأمر الذي يحول دون شك في دخول النساء بعض مجالات العمل، التي تظل قاصرة على الرجال.

ورغم النسب المرتفعة التي تشير إلى ازدياد نسبة النساء العاملات، فالملاحظ أنَّ التغيير الذي طرأ على حياة المرأة الخليجية ورصدته الدراسات هو تطور كمي وليس تطور نوعي، إذ ليس صحيحاً على الإطلاق أنَّ الأعداد الكبيرة للمتعلمات والعاملات يعني تلقائياً وضعاً أفضل للمرأة الخليجية دون النظر إلى الأوضاع الاقتصادية/ الاجتماعية/ السياسية المحيطة، أو أنه يعكس ارتقاء في وعي الخليجية بذاتها ووعي مجتمعها بها. أما من ناحية النوع فغالباً ما ينظر لعمل المرأة لا من زاوية الإنتاج، بل من زاوية شد الشاغر والحديث عن فتح آفاق جديدة أمام المرأة، بغض النظر عن الأعداد الضئيلة التي تلحق بها، والتي لن تكون مؤثرة مطلقاً على عجلة التنمية، وهو ما يرجح أنَّ السماح بارتياد المرأة لمجالات عمل جديدة هو من قبيل التمثيل الرمزي وبغرض تجميل صورة المجتمعات الخليجية أمام المجتمع العالمي والتشدق بما تحققه المرأة من إنجازات، وليس له أية أبعاد معيارية.

تعدُّ السعودية هي الأسبق على صعيد فتح مجالات عمل جديدة أمام المرأة، وليس هذا راجع بالضرورة حسبما هو شائع إلى ضغوط خارجية فقط؛ بقدر ما هو راجع إلى وجود حالة من القلق المجتمعي ناجمة عن تصاعد معدلات العمليات الإرهابية، ووجود ضغوط قوية في الداخل تطالب القيادة السياسية بالإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة وفتح آفاق عمل جديدة أمام المرأة.

وفي إطار هذا التوجه الجديد سمحت السلطات السعودية بمشاركة المرأة إلى جوار الرجل لأول مرة من خلال مؤتمر جدة الاقتصادي والذي افتتحته، للمرة الأولى أيضاً سيدة أعمال سعودية، وقد دعت في كلمتها الافتتاحية إلى توفير فرص عمل للرجال والنساء على حدّ سواء وإدماج المرأة السعودية بشكل علني ومباشر في عملية التنمية. وقد قوبلت تلك الخطوة بمعارضة شديدة من العناصر الدينية، فقد ندد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية بالمشاركات في المنتدى واصفاً اختلاطهن بالرجال دون حجاب ـ يقصد العزل المكاني "بأنه أمر يستوجب الإنكار".

أما على صعيد المجالات الجديدة التي أعلن عن السماح للمرأة بالعمل، فقد تم الإعلان عن تعيين ثلاث مذيعات سعوديات في القناة الإخبارية الجديدة في خطوة وصفت بأنها "ذات حساسية بالغة" خاصة أن السعودية كانت قد أقدمت على مثل هذه الخطوة عام 1999م، ولكنها تراجعت عنها بفعل معارضة عناصر من داخل المؤسسة الدينية. وفي خطوة إصلاحية مهمة تمَّ تعيين أول امرأة للعمل كمطوفة. كما تم الإعلان عن أنَّ وزارة الخارجية سوف تقبل نساء للعمل بها كدبلوماسيات وموظفات. ومن المفارقات التي تستحق التأمل أنه تم الإعلان عن "أول قائدة طائرة سعودية"، في حين أنَّ السعودية لم تمنح حق قيادة السيارات للسعوديات رغم وجود ضغوط خارجية طالبت بمنحهن هذا الحق.

نحن إذن أمام معالجة تحاول الإفلات ـ بخطة حثيثة ـ من ضغوط خارجية متزايدة لم تعد خفية، تساندها مطالب داخلية بالمسارعة في الإصلاح دون إبطاء، لتلبية الأجندة العالمية، الأمر الذي صار يخشى معه حدوث هزة يمكن أن يتعرض لها مجتمع قبلي عاش في شبه عزلة عما حوله من تيارات وثقافات، وهو ما أدى إلى احتفاظه إلى وقت قريب للغاية ببنية اجتماعية وأعراف وتقاليد كانت مثار تغيير في المجتمعات العربية المجاورة.

الإشكالية الاجتماعية:
نظراً لكون الأسرة هي أولى الوحدات الاجتماعية تأثراً بالتغييرات الاجتماعية الاقتصادية التي أصابت المجتمع الخليجي مؤخراً؛ فقد امتدت إليها ظلال هذه التغييرات فصار التوجه لبناء الأسرة النووية ـ المستقلة من حيث الدخل الاقتصادي والمسكن ـ بديلاً عن الأسرة الممتدة هو الاتجاه السائد حالياً، وهو اتجاه آخذ في الانتشار في معظم البلدان الخليجية وخصوصاً بين فئات الحضر، الشباب المتعلمين والطبقة المتوسطة من السكان. وبعض الباحثين يرى أنَّ سيادة الأسرة النووية "توفر الخلفية الضرورية لتحرير المرأة" أما الشرط الأساسي لتحريرها فهو انفتاحها على التعليم وولوجها سوق العمل.

تفشي نمط الأسرة النووية ليس هو المتغير الوحيد الذي لحق بالنظام المجتمعي، فظواهر مثل الطلاق وتأخر سن الزواج، بل والعنوسة غدت ظواهر شائعة، وتشير الإحصاءات ـ رغم تحفظنا السابق بشأنها ـ أنها في تصاعد مستمر، ففي السعودية وحدها سجلت خلال عام 2003 ما يقرب من 16 ألف حالة طلاق، وهو ما يعكس مدى الاضطراب القائم في العلاقات الاجتماعية المتغيرة في ظل الظروف الجديدة.

وفي دراسة تناولت الطلاق وعوامل تزايده في المجتمع الكويتي، تم التوصل إلى أنَّ دخول المرأة دوائر العمل المختلفة خارج المنزل واستقلالها مادياً ومعنوياً هو أحد الأسباب الرئيسية للطلاق، وهذا الاستنتاج يدعمه أن عدد كبير من المطلقات من العاملات، ولفتت الدراسة الانتباه إلى أنَّ الطلاق في الكويت أصبح من السهولة بدرجة فاقت ما هو عليه في بعض المجتمعات الخليجية بسبب الوفرة الاقتصادية، وتذهب دراسات أخرى إلى أنَّ مؤسسة الزواج كمؤسسة اجتماعية ما زالت تسيطر عليها مفاهيم ما قبل الحقبة النفطية، مثل سيادة زواج الأقارب "زواج التحيير" وعدم مراعاة التوافق الاجتماعي بين الطرفين، والاكتفاء بالتوافق القبلي، وعدم أخذ موافقة الفتاة على الزواج، إلى غير ذلك من المفاهيم التي هي في حاجة إلى تطوير في مضمونها لتتلاءم مع القيم الإنسانية والظروف المجتمعية الجديدة.

ظاهرة أخرى وهي ظاهرة العنوسة أخذت تطل برأسها مع التغيرات الاقتصادية منذ اكتشاف النفط، وازدادت حدتها مؤخراً في ظل الانتعاش وتبني القيم الاستهلاكية، وواجه الشباب صعوبات متعلقة بتوفير السكن ومتطلبات الزواج الأخرى، وهو ما دفع بالكثيرين إلى العزوف عن الزواج تماماً أو الزواج بأجنبيات، وهو اتجاه لم يعد قاصراً على الرجل؛ فهناك إقبال متزايد من المرأة الخليجية على الزواج من شباب الدول العربية المجاورة، في محاولة للفرار من شبح العنوسة. وفي محاولة للحد من التأثيرات القيمية والاجتماعية الناتجة عن تأخر سن الزواج، ولمواجهة خطر العنوسة؛ حاولت الحكومات إيجاد آليات لتسهيل الزواج بإنشاء جمعيات للزواج تساعد الشباب مادياً، وتقديم قروض تعرف باسم قروض الزواج، وتنظيم حفلات الزواج الجماعية، ومحاولة التدخل للحد من ارتفاع المهور، ووصل الأمر إلى حد تدخل الحكومة الكويتية لوضع حد قانوني للمهور. أما في الإمارات فهي في طريقها الآن لإصدار قانون لحصار ظاهرة الزواج من أجنبيات، بحيث يتحتم حصول موافقة وزير الداخلية لإتمام الزواج. أما المخالفين للقانون فسيتعرضون لعقوبات تصل إلى حد الفصل من الوظيفة الحكومية، وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات فإنَّ الظاهرة في تصاعد مستمر، ولا يتوقع انحسارها قريباً، بل ربما سوف تتفاقم حدتها إذا أفلحت الجمعيات النسوية والضغوط الأجنبية في تعديل قوانين الأحوال الشخصية وفرض قيود على تعدد الزوجات.

نظرة عامة:
تبين من العرض السابق أنَّ المرأة الخليجية في العام الماضي كانت محل اهتمام في الداخل والخارج وأنَّ إشكالياتها قد نوقشت بشكل واسع، وقد جرى التعامل بسخاء معها، إذ منحت الكثير من الحقوق الشكلية وبخاصة تلك المتعلقة بالمساواة القانونية في ممارسة الحقوق السياسية، والتنمية، والتعليم، إلا أنَّ إشكالياتها الحقيقية والأكثر عمقاً والمتعلقة بوعيها بذاتها وإنسانيتها وبهويتها الدينية والثقافية لم تشغل حيزاً من النقاش، وهو ما نرغب أن تتم مناقشته وفي أقرب وقت خشية أن ننجرف جميعاً لمواجهة تيار الأطروحات الغربية ونغفل أن وعي المرأة الخليجية بذاتها هو الكفيل وحده بدحض كل هذه الأطروحات.







 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس