عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17-10-2005, 06:35 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 873
معدل تقييم المستوى: 20
سهيل الجنوب is on a distinguished road
فخ العولمة





الكتاب: فخ العولمة.
تاريخ النشر: 1999م.
المؤلفان: هانس بيتر مارتين- هار الدشومان.
ترجمة: د. عدنان عباس علي.
الناشر: سلسلة عالم المعرفة - الكويت.
العالم كله وقع في قبضة هؤلاء الصبيان» هذا ما علق به «ميشيل كامديسو» المدير الفرنسي الصارم لصندوق النقد الدولي؛ تعليقاً على السلوك غير المسؤول الذي قام به الرأسماليون الغربيون عندما سحبوا رؤوس أموالهم - كالمذعورين - متسببين في أزمة وانهيار اقتصاد المكسيك عام 95م، الأمر الذي دفع الصندوق والخزانة الأمريكية لتقديم قرض لحكومة المكسيك يزيد على الخمسين مليار دولار، في قرض يعتبر الأعلى من نوعه منذ عام 1951م، عندما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع «مارشال» لبناء ما هدمته الحرب العالمية الثانية.
لقد وصفت «الإكونومست» هؤلاء المغامرين بـ«الجيش الإلكتروني التسليح». لم لا، وثمة (358 مليارديراً) يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه (2.5 مليار) من سكان المعمورة؟ يتحكم هؤلاء في عصب الحياة؛ المال، القوة الفاعلة الأولى في العصر الحاضر نعم؛ ثمة 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، وعلى 85% من مجموع المدخرات في العالم، إنه مجتمع الخمس الغني، وأربعة الأخماس الفقراء. لا بل دون خط الفقر. يعيشون في هذه القرية الكونية التي تزداد ضيقاً يوماً بعد الآخر!
«لم يعد نموذج النمو الحضاري العلماني الحديث صالحاً للمستقبل!» ذلك ما يخرج به الفاحص العميق للأرقام المروعة التي تحدثنا بها الإحصائيات حول حجم الدمار الذي تخلفه هذه الحضارة البشعة.
الخطر الذي تفرزه الرأسمالية العلمانية المعولمة من جراء النمو السرطاني الفوضوي للبورصات وأسواق النقد العالمية ربما يكون أكثر بشاعة وهولاً من الحرب العالمية الثالثة التي كانت سيفاً مسلطاً على الرؤوس قبل نهاية الحرب الباردة. إنها كما يقول نيلي مدير شركة سان الأمريكية الكبيرة مبدأ «إما أن نأكل أو نؤكل» «to have Lunch or be Lunch» إنها شريعة الغاب تبعث من جديد، أو كما يقول الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر تلطفاً «الداروينية الاجتماعية».
إن بوسع المرء أن يدعي - كما يقول لستر ثارو الخبير الاقتصادي في معهد إم آي تي (MIT) - إن الرأسماليين قد أعلنوا الحرب الطبقية على عمالهم، ويضيف بمرارة: أنهم قد فازو بها!، لقد أعطى رونالد ريجان الرئيس الأمريكي السابق إشارة الانطلاق عندما أوعز في عام 1980م، وبلا تردد بطرد جميع النقابيين من جهاز السيطرة على حركة الطائرات التابع للدولة، لقد تحركت الزوبعة التي تحدث عنها «رويتر» رئيس شركة «بنز» الألمانية السابق عندما قال: «إن المنافسة في القرية المعولمة تشبه الزوبعة، لا أحد يستطيع البقاء بمنأى عنها»، بل راحت كما يقول رئيس مؤسسة «سمينز» إلى أبعد من ذلك: «لقد تحولت رياح المنافسة إلى زوبعة، وصار الإعصار الصحيح يقف على الأبواب». ذلك صحيح إلى حد بعيد، فمنذ إشارة ريجان السالفة وحتى عام 1995م خسر ثلاثة وأربعون مليون مواطن فرصة عملهم. إنه شبح البطالة المروع يلوح في الأفق. فإذا تساءلت: فأين نقابات العمال، البديل الرأسمالي المدهش للشيوعية؟! كان الجواب أنها الشركات العملاقة لا تعييها الحيلة في عصرنا المعولم هذا. لقد انهارت القاعدة التنظيمية لهذه النقابات منذ عام 1980م، لقد كان ما نسبته 20% من العمال أعضاء في هذه النقابات، وقد انخفض هذا الرقم إلى النصف في عام 1997م بدل أن يزيد كما هو منطقي ومتوقع. بل إن هذا الرقم المتواضع اليوم قد شلت فعاليته هو الآخر، فعندما صممت نقابة عمال السيارات الأمريكية (UAW) على القيام بأطول وأعنف إضراب عمالي استمر منذ (1992 - 1995) الأمر الذي كلف النقابة 300.000.000 دولار، لم يجد ذلك نفعاً، وتخلى المضربون عن إصرارهم، لأن قانون العمل الأمريكي يمنع تسريح العمال المضربين، لكنه يسمح بالاستعانة بالعاملين الممتنعين عن الإضراب بمواصلة الإنتاج، وكان الجو مواتياً فالركود وعمليات الترشيد صنعا جيشاً من العمال المتخصصين العاطلين عن العمل، وهكذا لم يحقق الإضراب أهدافه، بل على العكس، كما يقول «فيتس» رئيس شركة «كاتربلر» إنه بالنسبة للمؤسسة الناشطة عالمياً يهيىء الفرصة المواتية لتخفيض تكاليف الأجور، وزيادة أرباح المؤسسة!
* عولمة الجريمة
«ليست هنالك عولمة واحدة - كما يقول أمين عام الأمم المتحدة السابق بطرس غالي - بل ثمة عولمات عديدة في مجال المعلومات والبيئة والمال. وعولمة في مجال المخدرات والأوبئة والجريمة التي صارت تتعاظم في المجالات المختلفة»، يقول بيرس بارنفيك رئيس شركة (ABB) العملاقة: «إذا تجاهلت المشروعات التحدي الذي يفرزه الفقر والبطالة فستؤدي التوترات بين الأثرياء والفقراء إلى تصعيد بين العنف والإرهاب»، إن النتائج المترتبة على ذلك تثير الرعب بلا شك. لقد أضحت الجريمة المنظمة عالمياً أكثر القطاعات الاقتصادية نمواً..!! إنها تحقق أرباحاً تبلغ خمسمائة مليار دولار في العام..!!!، وفي دراسة قدمها خبراء من جامعة مدينة منستر الأمريكية، تنبأ الخبراء بأن جرائم من قبيل المتاجرة بالبشر، وإعارة العاملين على نحو غير شرعي، وسرقة السيارات، وعمليات الابتزاز ستنمو حتى عام ألفين بمعدل يبلغ 35%، وفي روسيا، وأوكرانيا، وكولومبيا، وهونغ كونغ؛ تتداخل العمليات الشرعية وغير الشرعية بحيث صار يصعب وضع حد فاصل بينها!!، بل لم يعد بالإمكان معرفة ما إذا كان هذا الجهاز أو ذاك من أجهزة الدولة يكافح من أجل فرض القانون، أم أنه يحارب بتكليف من المجرمين أنفسهم؟! ومجموع الثروة التي تملكها المافيا الإيطالية -رغم كل الحروب المشبوبة ضدها- تتراوح بين (150 - 200 مليار مارك) لم تتمكن الدولة حتى عام 1996م من مصادرة ما يزيد على 2.2 مليار مارك منها!!
إنه -كما يقول أحد موظفي الإنتربول: «ما هو من مصلحة التجارة الحرة، هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضاً».. بل إن السؤال المشروع يضغط بإلحاح: «هل ثمة فرق كبير بين عتاة المجرمين وكبار الرأسماليين؟!». إنهم يزاولون المهنة نفسها.. سرقة أموال الفقراء..! لقد ارتفع حجم مبيعات الهيروين عام 1990م إلى عشرين ضعفاً، أما الكوكايين فقد زادت إلى خمسين ضعفاً، وتجارة الرقيق الأبيض درت على بعض العصابات الصينية (Triaden) الناشطة في الولايات المتحدة أرباحاً تصل إلى 2.5 مليار دولار في العام الواحد! يقول مدير مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن: «إن العالم يتجه دون هوادة إلى مأساة سيقف المؤرخون حيالها حيارى.. لماذا لم يتم تدبير إجراء ما لوقفها في الوقت المناسب؟ ألم يلمس الاقتصاديون والسياسيون العواقب الوخيمة التي يفرزها التطور الاقتصادي والتكنولوجي..؟».
* البيئة تترنح :
«لقد أصابني الذعر والفزع عندما تحسست المستقبل الذي ينتظر الجزء الأعظم من مناطق المحيط الهادي.. هناك ربع سكان المعمورة قد دمر جزءاً مهماً من المعمورة في سياق سعيه لتحقيق مستوى معيشي أعلى»، هذه انطباعات المهندس البريطاني جون سيرجانت. وكما قال رئيس منظمة السلام الأخضر: «سيتقرر المستقبل البيئي للبشرية جمعاء في آسيا»، ولكن ذلك بالطبع لا يعني سلامة بقية أرجاء المعمورة، ففي عام 1989م كانت مشكلات البيئة والكارثة المناخية على جدول أعمال مؤتمر قادة الدول السبع الكبرى لأول مرة، وتدمير الغابات والأراضي الزراعية؛ ففي عام 1995م انخفض احتياطي القمح والأرز والذرة إلى أدنى مستوى له منذ عقدين من الزمن، بل لقد بلغ مستوى المخزون من الحبوب عام 1996م حداً بحيث لم يعد يكفي إلا لسد حاجة 49 يوماً فقط، وهو أدنى مستوى يبلغه في التاريخ! لقد ضحت البلدان الأسيوية بما مجموعه 40% من الأراضي المخصصة لإنتاج الحبوب، وقد ارتفع سعر القمح بين مايو 1995م ومايو 1996م بمقدار 60%، الأمر الذي كلف البلدان المستوردة الفقيرة - حسب تقديرات منظمة الغذاء في الأمم المتحدة - ثلاثة مليارات إضافية.
* ومثالب أخرى:
ولا يتسع المجال أيضا للحديث عن حجم الدمار الواقع والمستقبلي في مجال حقوق الإنسان وبناء الأسرة، وخصوصيات الحضارات العقدية والأخلاقية والسلوكية والثقافية..
لا يتسع المجال للحديث عن احتكار وسائل الإعلام، وتحيزات وسائل الاتصال الصارخة، ولا عن تهميش وتسطيح اهتمامات الشعوب، وإنماء وإعلاء قيم الاستهلاك والتدبير والأثرة.. ولكن أليس ثمة وجه آخر للعولمة؟ بلى!
* بوادر مشجعة :
رغم كل ما سبق، فلا يزال هنالك الملايين من الناس يطالبون فيما بينهم أو بالتضامن مع غيرهم بالوقوف في وجه جنون السوق العالمية -كما يقول مؤلفا كتاب فخ العولمة، الكتاب الذي طبع تسع مرات في سنة صدوره، ولا تزال إشكاليته تتجدد- سواء في صفوف منظمة السلام الأخضر (Greenpeace) أو في المبادرات الاجتماعية والبيئية الكثيرة، في نقابات العمال، أو في بيوت العبادة، في حركات التضامن مع الدول المنتهكة الحقوق أو النامية، مع المهاجرين والمعوزين والمظلومين يستفيد هؤلاء جميعاً من الإمكانات التي تتيحها العولمة، والأدوات التي تقدمها لهم، لكنهم فقط -وبكل مرارة- يمثلون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.. أملنا أن يحالفهم التوفيق في مسعاهم هذا.
* أمل يلوح في الأفق:
هل كتب على البشرية أن تندفع بلا هوادة نحو هذه الهوة السحيقة؟ إنها حصاد الرؤية العلمانية للحياة والكون والإنسان والعالم.. في ظل قيم المنفعة الذاتية، والاستهلاك والتبديد والأثرة.. ليس ثمة بديل إلا بناء الذات السوية وفق معايير الدين وقيمه وموازينه في الزهد والإيثار والتكافل والمودة، وليس ذلك عسيراً.. ولكنه يحتاج إلى تحرك على مستوى عالمي.
نشر في مجلة (المعرفة) عدد (46) بتاريخ (محرم 1420هـ -أبريل/مايو 1999م)

 

التوقيع

 

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 
 
رد مع اقتباس