عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 01-09-2010, 04:57 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

نموذج حضاري(2)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الثاني)

ومنها يستنبط المنظرون معالم التربية الحضارية وأساليبها.

أهم أساليب التربية على تحقيق هذا الهدف:

1 – فهم سنن التغيير اللازمة لبناء الحضارة واستمرارها :

ففي قصة آدم عليه السلام وصراع ابنيه قابيل وهابيل ما يبين سنة الصراع الحضاري بين الخير والشر الذي لم تسلم منه المجتمعات الغابرة والمعاصرة . قال تعالى :{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:30) .وقال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال:53).

2 – تكوين روح مقاومة اغراءات الحياة الدنيا والزخارف المادية التي تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة :

وذلك لأن هذه المغريات بزخرفها ومباهجها تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة . وقد ذكر لنا القرآن سورة كاملة تحكي قصة نموذج حضاري فريد عاشه نبي من الأنبياء هو يوسف عليه السلام . حيث أُخذ قسراً من بين أحضان والديه وبيع كالرقيق ثم عاش فترةً من عمره في قصر أحد الفراعنة ، فانتقل من دياره إلى بلاد ذات حضارة مغايرة وجاور قوماً ذوي قيم مختلفة لم يعرفها في منشئه ولم يترب عليها في بيت النبوة الذي خرج منه . وتعرض لإغراءت مادية وجنسية، ومع ذلك حافظ على دينه وعقيدته وأخلاقه وقيمه ولم يتخل لحظةً واحدةً عن سلوكه الديني . وحين تعرضت له امرأة ذلك الملك وقف أمام هذه المحنة كالطود الأشم .قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف:23-24) . يقول ابن القيم رحمه الله (ت751) مصوراً الحالة النفسية التي عاشها يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز : " ولهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجب وبيعه بيع العبيد والتفريق بينه وبين أبيه ، وابتلائه بمراودة المرأة وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهي الداعية إلى ذلك ، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء فإن الشباب داع إلى الشهوة . والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام . وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته ، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد،وإذا كانت جميلة كان أعظم،فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة ، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ ، فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب ، فإن كان الرجل كمملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية كان أبلغ في الداعي ، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين " ، (ص227) .



3 – الاستفادة من سير الأنبياء في تكوين البصيرة الإدارية:

وقد تجلت أهمية البصيرة الإدارية الواعية والسياسة الحكيمة المحنكة لقيام الحضارة وتسيير أمورها ودفعها للتفوق بين الأمم في موقف حضاري آخر ليوسف عليه السلام .وبرزت مواهبه الإدارية وقدراته التخطيطية والتي تؤسس الكيان الحضاري حين أشار بمشورة ثمينة وقدم نصيحة غالية أنقذت بلاد مصر من كارثة اقتصادية فادحة . قال تعالى :{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ .ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ}(يوسف:47-48) .

4 – تبصير المتربين بهدي الأنبياء في تسخير المعطيات الطبيعية والموارد المتاحة :

ويعتبر كل من داود وسليمان عليهما السلام من أنبياء الله الذين أتقنوا فنون الصناعات والابتكارات وسخروا القدرات المادية والعينية كالريح والجن من أجل عمارة الأرض واختراق المسافات ونقل الأغراض بسرعة فائقة تزيد عن قدرة الإنسان الحديث.قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الانبياء:78) ، وقال تعالى :{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل:16) .

فكان داود عليه السلام قاضياً بين الخلائق ، قال تعالى :{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (صّ:26) . وسخر له الله عز وجل الجبال والطير تتجاوب مع تسبيحه وعبادته ، قال تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء: من الآية79) .

واستفاد داود عليه السلام من المعادن المتوفرة في بيئته فاستخدمها لصنع الدروع ، وقيل أنه أول من صنعها وسردها وحلقها وكانت من قبل صفائح ، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الانبياء:80) .وقال أيضاً :{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( سبأ 10-11) .

ولا شك أن ممارسة الوظائف الدنيوية والصنائع المهنية هي من صميم العبادة التي يؤجر عليها المؤمن إذا قام بها لوجه الله ، ولذا امتدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخاه داود عليه السلام فقال عنه : (كان داود أعبد البشر ) ، صححه الألباني في الصحيحة برقم 707 .

5 – تكوين الرغبة في الاقتداء بالأنبياء في الوظائف المهنية :

فلا بد من الاهتمام بالوظائف المهنية وتشجيع الأجيال للانخراط فيها وذلك لأهميتها في صنع الحضارة . وقد ضرب الأنبياء عليهم السلام أروع الأمثال في ذلك . فكان نبي الله نوح عليه السلام رائداً في صناعة السفن وبنائها وله خبرة في تقطيع الخشب والضرب بالحديد واستخدام القار وغيره لإحكام صنعته . قال تعالى :{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ . وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (هود: 37-38) . وقال تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر:13).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا ماهرين في فن التشييد والعمران عندما استجابا لأمر الله عز وجل ببناء البيت الحرام ، فوضعا أسسه وقواعده وبنيا جدرانه . قال تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127)



د. هاشم الأهدل

رد مع اقتباس