أخر تحديث 02/11/2008
نواب للتأجير!!
كتب د. فالح محمد العمرة
اصبح الكثير من الاشياء في هذه الدنيا للتأجير، الا ما شاء الله سبحانه، فلو قلنا ان هناك سيارات للتأجير او عقارات او طائرات.. او... او فهذا ليس مستغربا ابدا، ولكن الغريب والمستهجن ان تكون هناك عقول للتأجير منتهية بالتمليك، هذا والله ما لا يقبله عقل سليم، ان يؤجر انسان عقله الى الغير ويضع امكانياته تحت تصرف الغير هذه والله المصيبة، فكم من اناس سلموا عقولهم وتفكيرهم لغيرهم يتصرفون بها كيف شاؤوا، فلو قلنا ان المؤجرين من عامة الناس لكان هذا هينا، ولكن ان يكون المؤجر هو ممن يمثل الامة هذه كارثة، نعم هناك من نواب الامة من يسمح لنفسه ان يكون مؤجرا منتهيا بالتمليك ويسري هذا العقد الى سريان حياته، فهو مستخدم وتحت تصرف من استأجره في كل الظروف والملمات، وقد يكون المالك شيخا وقد يكون تاجرا وقد يكون صاحب نفوذ وهكذا، وما على هذا النائب إلا ان يلبي حاجات سيده وهو اصبح كالخادم والمملوك في خدمة سيده ومالكه، وعليه ان ينفذ المخططات والطلبات والا يكون كالعبد الآبق، لذلك نرى بعض النواب رافعين رايات الحرب على الفساد وهم يسبحون في محيطات وبحور الفساد، تعرفهم في لحن القول، وتعرفهم بسيماهم وتحركاتهم المشبوهة، يعرفون مواطن الفساد في البلد ولكنهم انتقائيون، هم كالثعالب يبحثون عن المثالب، واي مثالب ؟ المثالب التي يوجهه المالك والسيد اليها، فنجد بعض النواب يتوجه الى وزير بعينه ولا يعرف الا وزارته فيصب جام جهده وقوته على ما فيها من مخالفات وتجاوزات ليس من اجل الاصلاح والتنمية لهذا البلد، بل من اجل تصفية حسابات سيده ومالك عقله، فهو يخوض معارك بالوكالة، بل من اجل ارضاء شيخ او تاجر او متنفذ، ومن اجل مناقصة هنا او هناك او الاطاحة بوزير لانه ليس محسوبا على لوبي الفساد، وتكثر الاسئلة البرلمانية والتصريحات النارية، وبعدها الاستجوابات الهزلية والتمثيلية، وكذلك هذا ليس من اجل الاصلاح بل من اجل فتح باب المساومات على مصراعيه، وتبدأ محاكمة الوزير والشعب يصفق لقد انتصر الحق وبلج نور الاصلاح، وقالوا جاء الحق وزهق الباطل، وما علموا انه فاصل درامي من بطولة النائب المملكوك ومن اخراج الشيخ او التاجر، وان هذا النور انما هو فلاشات كاميرات التصوير، محاكمة باطلة ظالمة وليست عادلة، لانها نبتت على السحت، ولانها بطولات زائفة نمت وترعرعت على قطع الطريق، فما عاد الشعب يدري المصيب من المخطئ، وغابت عقولهم وسط هذا الضباب، وهذا ليس من غباء الشعب، بل من دهاء ومكر نائب الامة الذي يصرخ وينادي بالاصلاح كأنه نذير حرب ويلعن الفساد والمفسدين، وياليت الشعب اطلع على قصيدة امير الشعراء احمد شوقي الذي يقول في مطلعها.
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
فمشى في الارض يهذي ويسب الماكرينا
وفي ظل هذه الظروف اختلط على الناس معرفة المصلح من المفسد، وظن الشعب ان هذا النائب معارض للحكومة وما علموا انه مفاوض وليس معارض، وهو يفاوض من اجل مصالحه الشخصية السرية ويظهر الاصلاح بمطالب عامة للناس لكي يظن الجميع انه حامل لواء الاصلاح ومنقذ البشرية ومخلصهم من الفساد ويوحي للقواعد الشعبية ان أي معارض لاستجوابه انه حكومي، ويرمي معارضيه بأوصاف كالفداوية والمتنفعين وما علم الشعب بأنه مملوك شيخه وسيده وانه صبي صغير وفداوي عند شيخ آخر او تاجر، فيصبح النائب المصلح الحقيقي في ورطة، لأنه ان وقف ضد الاستجواب فهو في نظر الشعب حكومي، وان وقف مع النائب المملوك الذي يعرف تحركاته المشبوهة فقد خان نفسه والأمانة التي حملها على عاتقه، لأن طبيعة بعض الاستجوابات حق اريد به باطل، ولقد سمعنا من قبل ان حكومة تستجوب حكومة والآن نسمع ان شيوخا تستجوب شيوخا، وعلى البلد السلام.
إذا بات كلبك مستأسدا
وأصبح هرك مستنمرا
وساق حمارك سرج الجواد
وديكك أقبل مستنسرا
وصار اسامة يهوى العواء
وود ثعالة أن يزأرا
فلا تعجبن ولا تغضبن
فإن الزمان مشى القهقرا
حكمة
عظمة النفس الانسانية في قدرتها على الاعتدال، لا في قدرتها على التجاوز.
alamrah75@gmail.com