عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10-11-2005, 07:15 AM
سهيل الجنوب سهيل الجنوب غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 873
معدل تقييم المستوى: 20
سهيل الجنوب is on a distinguished road
العولمة : الاتجاهـات المضادة ..!

القاهرة - عبدالعظيم حماد ( مساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام)


مازلت أتذكر كم هاج، وماج زملاؤنا الماركسيون في مقاعد الدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في أواخر الستينيات، عندما أخذ أستاذنا د.حامد ربيع- رحمه الله- على النظرية الماركسية -في سياق نقده لها- خطأ منهجياً صارخاً هو أن هذه النظرية خالفت المنهج العلمي بتعميمها لحظة معينة في تاريخ التطور السياسي للدول الصناعية الغربية على التاريخ الإنساني كله، ماضياً، وحاضراً ومستقبلاً، وكان يقصد بهذه اللحظة السنوات التي أنفجر فيها الصراع الطبقي بسبب تراكم مظالم الرأسماليين للعمال في أعقاب الثورة الصناعية الأولى. ومازلت أذكر ابتسامة د.حامد ربيع الساخرة برقة، وهو يقول إن الماركسيين هنا سوف يقف شعر رؤوسهم عندما أقول: نعم كان هناك صراع طبقي في القرن 19، لكن الصراع الطبقي ليس أزلياً ولا أبدياً كما أدعى ماركس وأنجلز. لماذا أقص هذه الحكاية في بداية هذا الحديث الذي يتناول أسباب رفضنا للإيمان بأن العولمة بمعناها السياسي المتمثل في أبدية ما يسمى بالنظام العالمي الجديد هي قدر البشرية الذي لافكاك منه؟ الرهان على النظام العالمي الجديد! بالطبع قصدى هو أن أقول لأولئك المستسلمين لدعوى العولمة على أساس الليبرالية الغربية، بوصفها حتمية تاريخية، أو بوصفها «نهاية التاريخ» كما بشر المفكر فرانسيس فوكوياما في نظريته الشهيرة... إن موجبات العولمة التي تبدو حالياً قاهرة ليست إلا لحظة في سياق التطور السياسي للإنسانية لا ينبغي تعميمها على المستقبل مثلما لم تكن حقيقة في الماضي، برغم كل ما شهده العالم من تطورات أدت إلى تعميق تواصله ثقافياً وسياسياً واقتصادياً.. وكما عاش تلاميذ حامد ربيع ليروا بأعينهم انهيار الماركسية، وتبخر طغيانها الفكري مثل قطرة ندى في يوم قائظ، ربما يعيشون ليروا أن العولمة نفسها بمعنى سيادة النمط الغربي في الثقافة والاقتصاد والحكم والسياسة في المجتمعات البشرية كلها في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ليست هي قدر الإنسانية.. فإن لم يكونوا هناك ساعتها.. فسوف يكون أبناؤهم هناك. لعله أصبح واضحاً الآن أن حديثنا سوف ينصب على استكشاف فرص بقاء أو زوال النظام العالمي الجديد بوصفه الإطار السياسي لدعوى العولمة، ونكتفي باستعراض أهم الاتجاهات العامة في السياسة العالمية التي يعمل منها لصالح ديمومة هذا النظام العالمي الجديد، أو الذي يعمل لتقويض هذه الديمومة مع الموازنة بين الكفتين. إن المراد بالنظام العالمي الجديد هو.. عالم القطب الأمريكي الواحد. والسؤال الذي لابد أن يتبادر إلى الأذهان الآن هو إلى متى سيستمر نظام القطب الواحد؟ لكي تكون الدولة قطباً عالمياً فإنه يلزمها قاعدة اقتصادية راسخة ودائمة النمو، ونظام سياسي مستقر ومفتوح للتطور، وكتلة سكانية كبيرة ذات مستوى فني مرتفع، فضلاً عن التقدم التكنولوجي، وأخيراً استراتيجية عسكرية عالمية بمعنى القدرة على الحرب في كل الأماكن المهمة من العالم، سواء كانت الحرب بالأسلحة التقليدية أو بالأسلحة النووية. هذا هو الوضع المثالي للقطب العالمي، ولكن يمكن أن تكون الدولة قطباً عالمياً، ولا تتمتع بالمستوى نفسه من القدرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية، ولا حتى القدرة على الحرب التقليدية في معظم أنحاء العالم، لأن الاتحاد السوفيتي كان قطباً عالمياً، بينما كانت قواته البحرية أقل كفاية من القوات الأمريكية، ولم يكن يحتفظ بقواعد خارج حدوده وحدود أتباعه في أوروبا الشرقية، مثلما كانت الحال بالنسبة للولايات المتحدة. ويعني ما تقدم أنه على الولايات المتحدة لكي تحافظ على وضعها المتميز بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تحتفظ بالمزايا السابق ذكرها وتواصل تنميتها، وتحاول منع المنافسين المحتملين من الوصول إلى المستوى نفسه حتى لا يزاحموها إلى أبعد مدى زمني ممكن. وهكذا ندخل إلى قلب الاستراتيجيات الأمريكية للمحافظة على هذا الوضع المتميز. أولاً : مبدأ كلينتون العالمي: ونستعرض الآن ما بدأ يعرف في أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية باسم «مبدأ كلينتون»، ومبدأ كلينتون يلخصه السيد ستروب تالبوت وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس بيل كلينتون في الشؤون الروسية فيقول: إنه كلما أتسع نطاق جماعة الدول التي تختار الديمقراطية نظاماً لحكمها.. وازداد توثق العلاقات بين الدول المكونة لهذه الجماعة.. كلما كان الأمريكيون أكثر أمناً ورخاء، لأن الدول الديمقراطية تحافظ على التزاماتها الدولية وتكون أقل ميلاً لإثارة الحروب. ففي أمريكا اللاتينية تجعل إدارة كلينتون هدفها الأول توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) لتشمل جميع دول الفناء الخلفي وعددها 34 دولة بلا استثناء سوى كوبا انتظاراً لسقوط الشيوعية فيها، وهذا هو الذي يفسر لنا لماذا تدخلت السياسة الأمريكية لوقف نمو مجموعة التجارة الحرة لدول أمريكا اللاتينية التي كانت تقودها البرازيل. أما في أوروبا فإن الهدف الاستراتيجي للسياسة الأمريكية سيبقى هو توسيع حلف الأطلنطي شرقاً بهدف إقامة منطقة عازلة بين ألمانيا وروسيا من ناحية وبهدف إخضاع دول شرق ووسط أوروبا لآلية مؤسسة تسيطر عليها الولايات المتحدة لموازنة الاتجاه الاستقلالي لدى بعض دول الأتحاد الأوروبي من ناحية أخرى. وفي آسيا يشير لنا قرار الرئيس كلينتون برفع مستوى اجتماعات منظمة (آبيك) وهي منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي إلى مستوى القمة ليحضرها بنفسه مرتين إلى طبيعة الاستراتيجية الأمريكية في هذه القارة، فهي استراتيجية تقوم أيضاً على التوسع الاقتصادي في ظل علاقة تفاهم سياسي مع الصين تسمى الشراكة الاستراتيجية أملاً في تغيير الصين من الداخل، كما حدث بنجاح في حالة الاتحاد السوفيتي، كما أن هناك تفسيرات للأزمة الاقتصادية الأخيرة في شرق آسيا تقول إنها من تدبير الولايات المتحدة للقضاء على منافسة الاقتصاديات الآسيوية للاقتصاد الأمريكي. إننا إذاً أمام سياسة خارجية أمريكية تهدف إلى دمج العالم كله في الاقتصاد الأمريكي. وفيما يتعلق بتوسيع الأطلنطي. فإن الأهداف المعلنة لا تكفي لإظهار الحقيقة كلها. ثانياً: الأطلنطي يصارع الحضارات: الأهداف المعلنة هي ضمان التطور السلمي على أسس الليبرالية السياسية والاقتصادية في دول وسط وشرق أوروبا بالتحرر من شبح الحروب السياسية والاقتصادية في دول وسط وشرق أوروبا والحروب الأهلية، والكابوس الروسي معاً في وقت واحد، ولو كان ذلك هو الهدف فقط لما امتنع الرئيس الأمريكي عن التعهد لنظيره الروسي في قمة هلسنكي بعدم ضم دول كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق إلى حلف الأطلنطي في المراحل التالية وبخاصة الدول الآسيوية، ولو كان هذا هو الهدف أيضاً لكانت تكفي سلسلة من الترتيبات التعاقدية في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تنص على عدم الاعتداء، وعلى احترام الإنسان والالتزام بالانتخابات طريقة لتولي السلطة. إذاً هناك مصالح أو أهداف أهم للاستراتيجية الأمريكية في توسع الأطلنطي منها بالطبع دمج اقتصاديات أوروبا الشرقية في الاقتصاديات الأوروبية الغربية والاقتصاد الأمريكي، والدليل الدامغ على ذلك هو أن خطط توسيع الأطلنطي تتطابق مع خطوط الدوائر الحضارية المتصارعة التي رسمها هانتيجتون، فهذه الخطط تستبعد روسيا زعيمة الحضارة السلافية الأرثوذوكسية، كما تستبعد أيضاً الصين الكونفوشوسية، وأيضاً تستبعد الدائرة العربية الإسلامية، أما ضم دول صغيرة تتبع الدائرة الحضارية المستبعدة أو تلك فهو استثناء لا يلغي القاعدة، والمقصود به حرمان الدول القائدة للدائرة الحضارية المستبعدة من تبعية بقية مكونات الدائرة لقيادتها ودمج هذه المكونات تدريجياً في النموذج السياسي والاقتصادي والثقافي الغربي المهين. وتبقى ملاحظة مهمة وهي أن القول بصراع الحضارات ليس معناه الصراع المسلح الشامل، فهذا لم يحدث أصلاً في الطور الأول لنشأة حلف الأطلنطي، وإنما الذي حدث هو أن الحلف عمل بكفاءة كقوة حصر وردع للاتحاد السوفيتي وأتباعه.. وهذا بالضبط هو ما سيفعله الأطلنطي في طوره الجديد في صراعه مع الحضارات. يبدو لي هذا المفهوم بمنزلة أيديولوجية ذراعية.. بمعنى أنها أيدلوجية مخترعة اختراعاً تعسفياً لتوفير ذريعة تستبقي بها الولايات المتحدة تحالف أوروبا الغربية معها، وتحت قيادتها، وبما يكفل لها دائماً الحق المشروع في التدخل في الشؤون الأوروبية، فلا شك أن المخطط السياسي الأمريكي أصبح لديه ما يشعر بالقلق من احتمال بات وارداً بقوة يتمثل في اتجاه أوروبا للاستقلال عن الولايات المتحدة وربما منافستها مستقبلاً بعد أن زال خطر التوسع السوفيتي الشيوعي الذي جمع بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة بعد الانتصار على ألمانيا النازية، ولكي تبقى أوروبا متحالفة وتابعة للاستراتيجية الأمريكية، فلابد من وجود خصم مشترك جديد، وإذا لم يكن هذا الخصم موجوداً فعلى المخطط السياسي الأمريكي أن يخترعه، وهكذا اخترع هانتينجتون الخصوم المشتركة للولايات المتحدة وأوروبا الغربية وهم أصحاب الحضارات الأخرى المغايرة للحضارة الأوروبية الكاثوليكية ووليدتها البروتستانتية أي الحضارة الصينية الكونفوشيوسية، والحضارة الهندية البوذية، ثم الحضارة العربية الإسلامية. وهكذا تقضي هذه الأيديولوجية مقدماً على فكرة البيت الأوروبي الواحد التي طرحها الرئيس السوفيتي السابق جورباتشوف، كبديل للحرب الباردة، وهي فكرة لقيت استحساناً واضحاً في أوروبا الغربية قبل أن يسقط الاتحاد السوفيتي ومعه جورباتشوف. وبالطبع ظهرت نظريات كثيرة تدعم أيديولوجية صراع الحضارات أو تمهد لها، مثل نظرية نهاية التاريخ التي اخترعها أيضاً مخطط سياسي أمريكي من أصل ياباني هو فرانسيس فوكوياما وملخصها أن تطور التاريخ الإنساني وصل إلى نهايته بسيادة النظام الليبرالي في الحكم والاقتصاد، وكما نعلم فإن هذا هو النظام السائد في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. القوى المضادة للعولمة الأمريكية؟ هل تبقى هذه الاستراتيجيات ناجحة إلى مالا نهاية في إبقاء الولايات المتحدة في مركز القيادة المنفردة للنظام العالمي؟ هناك قوى واتجاهات كثيرة تعمل ضد هذه الاستراتيجيات بكفاية واضحة. 1- العامل الاقتصادي: إن المؤرخ الأمريكي بول كيندي الذي اشتهر بكتابه «قيام وسقوط الإمبراطوريات» يضع قانوناً لسقوط الدولة المهيمنة عالمياً من هذا المركز، هو «أن الدولة العظمى تبدأ في الانسحاب من دورها العالمي عندما يشرع متوسط الدخل الفردي في الداخل في الانخفاض بسبب نفقات الاحتفاظ بهذا الدور» وهو مقتنع بأن الولايات المتحدة دخلت هذا الطور، بدليل اتجاهها المتسارع لخفض معوناتها الاقتصادية للدول الأجنبية، وبحثها المتزايد عن شركاء إقليميين في عمليات حفظ السلام في مناطق العالم المختلفة، وحثها كل من اليابان وألمانيا على زيادة المخصصات المالية للأغراض العسكرية، لمساعدتها في دور رجل الشرطة العالمي، وفي سبيل ذلك تتبنى الولايات المتحدة نفسها مشروع منح هاتين الدولتين مقعدين دائمين في مجلس الأمن. في الوقت نفسه فقد أصبحت الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على الخارج في النواحي الاقتصادية، وليس ذلك مقصوراً فحسب على الأغلاط التقليدية للاعتماد الاقتصادي على الخارج أي على أسواق التصدير، ومصادر المواد الأولية، ولكن يمتد ليشمل الاعتماد المالي على الخارج، وأذكر أن السيد تشورونجي رئيس وزراء الصين قال في حديث لصحيفة الأهرام المصرية إن اليابان بوسعها أن تدمر الاقتصاد الأمريكي ومعه أقتصاد العالم كله إذا باعت فجأة حصة كبيرة من الأوراق المالية الأمريكية بحوزتها والتي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، معنى ذلك أن العولمة الاقتصادية تحت القيادة السياسية والمالية للولايات المتحدة هي سلاح ذو حدين، فبينما هي تضمن التفوق للولايات المتحدة فإنها في الوقت نفسه تجعلها أكثر عرضة لأن ينال الآخرون منها، بل يضربونها في مقتل. 2- العامل القومي: الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديجول هو أول من صك تعبير، أن القومية لا تزال هي محرك التاريخ، وستظل تفعل ذلك لمدة مائة عام قادمة على الأقل، وقد نجحت القومية حتى الآن في تدمير الماركسية التي كانت فلسفة أممية كما نعلم، وليس هناك ما يجعلنا نفترض أن العولمة وهي صيغة جديدة للأممية سوف تكون أفضل حظاً من الأممية الماركسية أمام القومية، وهكذا فإن القوميات الكبرى أخذت ضد هذا النظام العالمي الجديد. الخلاصة هي أنه بفعل العوامل الأمريكية الذاتية والعوامل التابعة من تحدي الآخرين.. فليس هناك ما يبرر افتراض أن الولايات المتحدة سوف تتمكن إلى مالا نهاية، ولا حتى لعدة عقود من الاحتفاظ بنظامها العالمي الجديد الذي يشكل الإطار السياسي لدعوى العولمة على مستوى العلاقات الدولية.. وأنها عاجلاً أو أجلاً سوف تلحق بما سبقها من إمبراطوريات ظنت أن التاريخ توقف تحت سطوتها، ولكنها سرعان ما تخلت عن مكانها لغيرها بدءاً من إمبراطورية روما، وحتى الإمبراطورية التي لم تكن تغيب الشمس عنها مروراً بامبراطورية الأرامادا الإسبانية.. وكما قلنا فالنظام العالمي ليس نظاماً تثبت فيه العلاقات الوظيفية بين وحداته، ولكنه نظام قابل دائماً للتغير، لأنه نظام دائم الحركة. نشر في مجلة (المعرفة) عدد (46) بتاريخ (محرم 1420هـ -أبريل/مايو 1999م)

 

التوقيع

 

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

 
 
رد مع اقتباس