الإبداع جِبِلّةٌ أم اجتهاد ؟
يعيب الناس على القادر حينما لا يبادر ، وعلى الغني حينما يبخل ، وها نحن اليوم قادرون على أن ندفع عن أنفسنا عار التهمة : " بأن العرب لا يقرأون ، وإذا قرأوا لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يطبقون ، وإذا طبقوا لا يحسنون " !! ولكننا وللأسف لم نبادر !
إن الذين قالوا فينا ما قالوا إنما قاسوا واقعنا بواقعهم ، ولم يقيسوا ماضينا بماضيهم ، فظنوا أن هذه الأمة عقيمة في إنجاب النوابغ ، والمفكرين والمكتشفين ،والمخترعين ، والمتنورين ، والمبدعين .. ونسوا أن هذه الأمة هي التي أبدعت " القانون " في الطب ، و " الإسطرلاب " في الجغرافيا ، و " الأزياج " في علم الفلك ، و " المقدمة " في علم الاجتماع ، و " الجبر والمقابلة ً في الرياضيات ، و" ساعة البندول " وهي أول أداة لحساب الزمن من نوعها ، ... يوم أن كان للعرب أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية .
ونسوا كذلك مصطفى مشرفة ، وفاروق الباز ، وأحمد زويل ،.... وغيرهم كثير من علماء هذا العصر الذين أذهلوا العالم بإبداعاتهم في مجالات الفيزياء والجيولوجيا والكيمياء ، .... لقد خرج هؤلاء من رحم هذه الأمة ، وهي أمة قادرة ومقتدرة إن أرادت ، ولكنها لِعلِّة – غير عضوية – بخلت فتخلفت !
انظر لليابان ، فقد كانت قبل الامبراطور " فيجي " نسياً منسياً ولكن ذلك الامبراطور حينما أعلن عن قداسة العلم ، وحينما كرّم العلماء واحتضنهم ، وأرسل البعثات لتنهل من منابع العلم في أوربا ، وفي مصر (محمد علي ) في حينه عاد المبعوثون إلي البناء والإعمار في بلادهم ، كان " فيجي " قادراً وغنياً فبادر ولم يبخل ، فكانت علي يديه نهضة اليابان الحديثة التي لا تنكر.
إن هذا وذاك يؤكد أن الإبداع الفردي أو الإبداع الأممي ليس جِبِلّةً ، إذا لو كان كذلك لبقي النبوغ في أحفاد الفراعنة أو في أحفاد كونفو شيوس أو في أحفاد نبوخذ نصر ، وهم أصحاب أقدم الحضارات الإنسانية ، أما وقد تحركت مراكز الحضارة الإنسانية من ضفاف الأنهار إلي شواطئ المحيطات ، ومن الشرق إلي الغرب فإنما هذا بفعل عوامل أخرى ، إنه الاجتهاد ، والرغبة في التجديد والتطوير ، والجو الأمن والإمكانيات المادية المسخرة لدعم العلم والعلماء والبحث النظري والتطبيقي .
ويقول ( توينبي ، 1964 ) : " إن توفير الفرص الكافية لانطلاق الطاقات الإبداعية الكامنة من عقالها أصبح قضية حياة أو موت لأي مجتمع "
يقول ( جروان ، 1997 ) : " الإبداع ليس سحراً أو إلهاما ً أو قوة خارقة تملكها قلة من البشر ، ولكنه مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي توجد لكل فرد سوي بدرجة ما "
فهل طاقاتنا الإبداعية ، وقدراتنا واستعداداتنا ، بدأت تعمل وتنتظر الإشراق للمشاركة في توسيع دائرة الحضارة الإنسانية أو في تحريك مركزها ؟ وهل قدحنا الزناد لطاقات أبنائنا الكامنة حتى تضيء لنا ؟ أم أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان - وفي هذا الهوان والخسران ؟!
الهمة ! الهمة ! يا رجال العلم ، فالإبداع 99% منه مثابرة واجتهاد ، 1 % فقط منه حظ وإلهام ، فهلا اجتهدنا ولو 1 % حتى نرفع عن أنفسنا التهمة والحرج ! ؟
محمد أحمد مقبل
رئيس مركز التطوير التربوي
mamoqbel@yahoo.com