هذه هي الوصية الأخيرة في سلسلة وصايا لقمان لإبنه وهو يعظه.
تحدث لقمان عن القضايا العقائدية والعبادية والاجتماعية , وفي النهاية عن القضايا الأخلاقية التي ذَّم فيها الكبر والاختيال ومدح التواضع والإعتدال .
بدأ قائلاً لإبنه :" ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ " (18-31).
يا بني : ولا تمشِ من موضع التكبر والتجبر والفخر إن الله لا يحب المستكبرين.
ثم قال له "وأقصد في مشيك " حيث يؤكد على الإعتدال في المشي, إن المشي مسألة بسيطة. إلاَّ إن هذه المسألة البسيطة تعكس أحوال الإنسان الداخلية والأخلاقية.
قال (ص): من مشى على الأرض اختيالا لعنته الأرض ومن تحتها ومن فوقها, ومن لبس ثوباً فاختال فيه كان قرين قارون لأنه أول من اختال .
ويقول تعالى:" ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً" (37-17).
كن واقعياً أيها الإنسان : إنما أنت مهما رفعت رأسك في السماء , أن تكون مثل الجبال علواً فإنك لا ترتفع سوى سنتمترات قليلةٍ , وحتى هذه الجبال لن تكون شيئاً إزاء الكرة الأرضية هذه التي تُعتبر ذرَّة سابحة في عالم الوجود , إذن فما هذا الكبر والغرور الموجود.
كان النبي يمشي دون حواشي وأتباع من خلفه , ولا خدم ولا حشم من أمامه يركبون الخيول أو الدراجات النارية التي تزعج الناس بأصواتها إعلاناً عن مقدمِهِ ليفسحوا له إجلالاً وتعظيماً وكان يحلب الماعز بنفسه ويجلس على التراب صلى الله عليه وآله ويركب الدابة دون غطاء.
وعن هشام بن سالم قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام مع أصحابه وهو راكب فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال : ألكم حاجة ؟ فقالوا : لا يا أمير المؤمنين ولكنِّا نحب أن نمشي معك فقال لهم : انصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي.
وهذا تذكرةً للناس حتى لا يُصابوا إذا وصلواإلى منصب مهم بالتكبر والغرور , ويكونوا بالتالي بعيدين عن الفقراء والضعفاء , ولذلك نقرأ في سيرة أميرالمؤمنين (ع) إنه كان يجلب الماء إلى البيت , وفي بعض الأحيان كان ينظف البيت , وقد حجَّ بيت الله الحرام عشرين مرة مشياً على الأقدام .
يقول الله تعالى للإنسان : " إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال " يعني اترك الغرور والتكبر والإستعلاء , إنك لن تتمكن من أن تشق الأرض شقاً فتجعلها نصفين بضربة أقدامك , ولن تتمكن من الوصول إلى طول الجبال وإرتفاعها , فليس لك أن تختال وتتكبر , فإنها محض حماقة .
تحياتي