عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 27-08-2010, 11:37 PM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

الأخلاق في التربية النبوية
إن التربية النبوية عنيت بالأخلاق الإنسانية على نحو يختلف عن عناية الفلاسفة الغربيين في العصور القديمة والحديثة ، وعن الفلاسفة والحكماء الشرقيين على السواء ، فقد تحدث كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو عن الأخلاق ، كل من منظوره الفلسفي والاجتماعي والسياسي ، ولكنهم لم يقدموا معايير أو مَحَكّات عملية للعمل الأخلاقي . وخلّفوا (علم الأخلاق) ، ولكن لم يقدموا معايير العمل الأخلاقي أو منظومة عملية للقيم ، تطبق في المجتمع والواقع العملي ، ولم تساعد الفلسفة الأخلاقية في حل مشكلات الإنسانية في مسارها التاريخي نحو المستقبل . وبقيت الإنسانية تعاني أزمة أخلاق ، في حين أن الإسلام قّدم إطاراً فكرياً وعملياً للأخلاق هدى ورحمة ، لكي تسعد الإنسانية وتحقق الغاية من وجودها - طاعة الله ، وإعمار الأرض - وبهذا ارتقت التربية الإسلامية إلى تربية عالمية ترتبط بحقـيقة الإنسان أينما كان وفي أي عصر ، فالإسلام دين خير وسلام . فالإنسان المسلم لديه رادع يردعه عن الإساءة للآخرين ، أو ارتكاب ما حرم الله ، والوقوع فيما نهى عنه ؛ لأنه يؤمن باليوم الآخر والثواب والعقاب الذي سيناله في الآخرة جزاءً لأفعاله. من هذه التربية يأتي الإعداد الصحيح للإنسان الصالح الذي يتبع هدى الله ، فهدى الله لا يترك الناس حيارى يتخبطون في التيه ، كل منهم يرسم الصورة على هواه ، وإنما يحدد لهم مواصفات هذا الإنسان في دقة ووضوح ، ويرسم لهم المنهج الذي يصلون به إلى تحقيق تلك الغاية.

وقال ابن الرومي :

كن مثل نفسك في السمو إلى العُلى لا مثل طينة جسمك الغدار

فالنفس تسمو نحـو عُـلو مَلِيكها والجسم نحو السِفل هاوٍ هار

وقال الشاعر :

والنفس راغبة إذا رغبتهـا وإذا تـردُ إلى قليـلٍ تقـنعُ

بهذه الأخلاق يسمو المؤمن ويرتقي بتربيته النبوية التي سبقه أجداده عليها ، فطريقه واضح ومنهجه مشرق ، يختلف عن منهج أولئك الضالِّين الذين يريدون أن يتبعوا آباءهم على الضلالة ، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير)، (لقمان آيه 21) ، فأولى بالمسلم أن يتبع منهج سيد البشرية ، في تعامله وسائر أمور حياته حتى يُطهر نفسه ، ويزكيها من أدران الواقع الذي أصبح يغشى المؤمن ليخرجه إلى حياة اللهو والضلال . وبالتالي يخرج عن نطاق التربية النبوية ، التي تربي المؤمن تربية شاملة متوازنة ومتميزة كونها ربانية " تقرر وجود حقيقة مادية وأخرى روحية في كيان الوجود ، وفي كيان الإنسان ، ومن ثم تنظم حياة الإنسان على أساس واقعه المادي وواقعه الروحي ؛ لأنها لا تريد أن يعيش في السماء وهو في الأرض ، ولا أن يعيش منغمساً في الحياة الأرضية المادية وحدها ، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية- لأن في كيانه وجوداً روحياً- لهذا فهي تريد أن تجمع له حياة العالمين معا : عالم المادة ، وعالم الروح "، قال تعالى : (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) ، (السجدة آية 7-9) ، الآية الكريمة فيها استدلال على أن الله U أحسن خلق الإنسان في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلقه بالذكر لما فيه من أطوار عجيبة تتكرر كل يوم أمامه ، بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ، فأصله من تراب ، ثم كُوَّن فيه نظام النسل من ماء ، وفي خلقه دقائق ظاهرة و باطنة وأعظمها العقل ، فهو معجزة عظيمة في الإنسان . وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة للتنويه بذلك السر العجيب الذي لا يعلم أدق تكوينه إلا هو U ، فالإضافة تفيد أنه من أشد المخلوقات اختصاصاً بالله تعالى ، والنفخ يبين الروحانية في الكثيفة الجسدية مع الإبداع في خلقه ، وجعل I الخطاب موجهاً للناس بأن خصهم بسمع وبصر ، وكلمة أفئدة أجمع من كلمة عاقلين ؛ لأن الفؤاد يشمل الحواس الباطنة كلها والعقل بعض منها ، وآثر بالامتنان الإنسان لأنه قليل ما يشكر نعم الحواس وقوى العقل ، التي هي أقوى من الامتنان بالخلق وتسويته ؛ لأن الانتفاع بالحواس والإدراك متكرر متجدد ، فهو محسوس بخلاف التكوين والتقويم فهو محتاج إلى النظر في الكون الذي سخره الله له ، وجعله يتناسب معه ، فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ، ورِقّة الهواء ليسهل استنشاقه للتنفس . والحيوانات لينتفع بها . وكل ما حوله مسخر له . وسوف يتم تناول الأحاديث النبوية التي توضح حدود وكيفية العلاقة بين الإنسان والحيوان ، كما تبين صلة الإنسان بما حوله - من أرض وجبال ورياح ومطر - والمنافع التي يحصل عليها وتعينه على مطالب الحياة الضرورية .







د. فاطة باجابر (السعودية)

رد مع اقتباس