عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-06-2007, 07:59 PM
أبو ناصر أبو ناصر غير متصل
إداري مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,062
معدل تقييم المستوى: 26
أبو ناصر is on a distinguished road
رد: الدلائل الشرعية على تحريم موافقة اليهود والنصارى في العطلة الأسبوعية

دلالة الإجماع :

لقد اتفق ( الصحابةُ وسائرُ الفقهاء بعدَهم : أنَّ أهل الذمة مِن أهل الكتاب لا يُظهِرون أعيادَهم في دار الإسلام , وسَمَّوا الشعانين ([115]) , والباعوث ([116]) , فإذا كانَ المسلمونَ قد اتفقوا على منعهم مِنْ إظهارها , فكيفَ يَسُوغُ للمسلمينَ فعلُها , أَوَ ليسَ فِعلُ المسلمِ لِهَا أشدُّ مِن فعل الكافر لَها , مُظهراً لها ؟ ) ([117]) .

واتفقَ أهلُ العلم أيضاً : على أنه لا يجوزُ للمسلم رجلاً كان أو امرأةً ، أن يَتَشَبَّهَ بالكافرين في عباداتهم ، وعاداتهم ، وأنماط سلوكهم ([118]) .

دلالة الاعتبار ([119]) :

1 - أنَّ أعيادَ الأسبوع ( الجمعة للمسلمين , والسبت لليهود , والأحد للنصارى ) من جملة الشرع والمناهج والمناسك ، التي قال الله سبحانه وتعالى : {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} , كالقبلة والصلاة والصيام ، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد ، وبين مشاركتهم في سائر المناهج ، فإنَّ الموافقة في جميع العيد ، موافقةٌ في الكفر ، والموافقةُ في بعض فروعه ، موافقة في بعض شُعَبِ الكفر ، بل الأعيادُ هي مِن أخصِّ ما تتميزُ به الشرائع ، ومِنْ أظهرِ ما لَها من الشعائر ، فالموافقةُ فيها موافقةٌ في أخصِّ شعائر اليهود والنصارى ، وأظهرِ شرائعه .

2 - أنَّ ما يفعلونه في يوم السبت والأحد معصيةٌ لله , لأنَّه إما مُحدَثٌ مبتدعٌ ، وإما منسوخٌ ، وأحسنُ أحواله - ولا حُسْنَ فيه - أنْ يكونَ بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس , هذا إذا كان المفعولُ مِمَّا يُتديَّن به ، وأمَّا مَا يتبعُ ذلك من التوسُّع في العادات من اللعب والراحة ، فهو تابعٌ لذلك العيدِ الدينيِّ ، كما أنَّ ذلك تابعٌ له في دين الله : الإسلام , فيكون بمنزلة أنْ يتخذَ بعضُ المسلمين عيداً مُبتدَعاً يَخرجُ فيه إلى الصحراء ، ويفعلُ فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يَوْمَيِ الفطر والنحر ، أو مثل أن ينصب بُنيَة يُطاف بها وتُحَجُّ ، ويَصنعُ لِمَنْ يفعلُ ذلك طعاماً ونحو ذلك , فلو كَرِهَ المسلمُ ذلك ، لكانَ غيَّرَ عادَتَهُ ذلك اليوم ،كما يُغَيِّرُ أهلُ البدعة عادتهم في الأمور العادية أو بعضها ، بصنعة طعام وزينة لباس ، وتوسيع في نفقة ونحو ذلك ، من غير أن يَتعبَّدَ بتلك العادة الْمُحدَثة ، ألَمْ يكن هذا من أقبح المنكرات ؟ .

فكذلكَ مُوافقةُ هؤلاء المغضوبِ عليهم والضالِّينَ في ترك العمل يوم عيدهم أشدُّ , وأهلُ الكتاب يُقَرُّونَ على دينهم المبتدَع والمنسوخ مُسْتَسِرِّين به ، والمسلم لا يُقَرُّ على مُبتَدَعٍ ولا منسوخٍ ، لا سِرَّاً ولا علانية ، وأمَّا مُشابهة الكفار فكمشابهة أهلِ البدع وأشدُّ .

3 - أنه إذا سُوِّغَ جعل الإجازة يوم السبت ، أدَّى إلى جعل الإجازة يوم الأحد أيضاً ([120])،ثم إذا اشتُهِرَ الشيء دخَلَ فيه جميع الشركات والمؤسسات والدوائر الحكومية ، وتناسَوا أصلَه ، حتى يَصيرَ عادةً للناس , بل عيداً ، حتى يُضاهَى بعيد الله ، بل قد يُزاد عليه حتى يكاد أن يُفضي إلى موت بعض شعائر الإسلام ، كما قد سوَّله الشيطانُ لكثيرٍ مِن الأقطار الإسلامية , ومن هنا جاء باب سدّ الذرائع المفضية إلى المفاسد أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع ، أو التحايل عليها ولو بغير قصد ([121]) .

و ( سدُّ الذرائع معناه : حسم مادة وسائل الفساد دفعاً لها ) ([122]) .

4 - إنَّ جعل العطلة الأسبوعية في عيد اليهود , أو عيد النصارى ينتجُ عنه فتور الرغبة في العيد الشرعي ومَحبَّته , وهو يوم الجمعة , فالعبدُ إذا أَخذَ من غير الأعمال المشروعة بعضَ حاجته ، قلَّت رغبتُه في المشروع وانتفاعه به ، بقدر ما اعتاض من غيره ، بخلاف من صَرَفَ نهمته وهمَّته إلى المشروع ، فإنه تَعْظُمُ مَحبتُه له ومنفعته به ، ويتمُّ دينه ويَكملُ إسلامه , ولذا تَجدُ مَنْ أكثرَ سَمَاعَ القصائد لِطَلَبِ صلاح قلبه ، تنقصُ رغبته في سماع القرآن ، حتى رُبَّما كَرِهَهُ , ولهذا عظَّمت الشريعةُ النكيرَ على مَنْ أَحدَث البدع ، وكرهتها , لأنَّ البدع لو خرجَ الرجلُ منها كفافاً لا عليه ولا لَهُ ، لكانَ الأمرُ خفيفاً ، بلْ لا بُدَّ أنْ يُوجبَ له فساداً ، منهُ : نقصُ منفعة الشريعة في حقِّه , إذ القلبُ لا يَتَّسِعُ للعوض والمعوض منه , ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم في العيدين الجاهليين : « إنَّ الله قد أبدَلَكُم بهما خيراً منهما » ([123]) , فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدَعة مانعاً من الاغتذاء ، أو مِنْ كمال الاغتذاء بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية ، فيَفسُدُ عليه حالُه مِن حيثُ لا يشعر ، كما يَفسُدُ جَسَدُ المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر ، وبهذا يتبيَّن لنا بعض ضَرَر البدع .

5 - أنَّ مُشابَهة اليهود أو النصارى في جعل العطلة الأسبوعية يوم عيدهم يُوجبُ سُرورَ قلوبهم بما هم عليه من الباطل , ويُوجب قوَّة قلوبهم ، وانشراحَ صدورهم ، وربما أطمَعَهم ذلكَ في انتهاز الفُرَص ، واستذلالِ الضعفاء من المسلمين ، وهذا أيضاً أمرٌ محسوسٌ ، لا يستريبُ فيه عاقلٌ , فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامَهم بلا مُوجبٍ ، معَ شَرْعِ الصَّغَارِ فِي حَقِّهِم ؟ .

6 - أنَّ موافقة اليهود أو النصارى في عطلتهم الأسبوعية يُلَبِّسُ على عموم المسلمين دينَهُم , حتَّى لا يُميِّزوا بين المعروف والمنكر .

7 - أنَّ الله تعالى جبل بني آدم - بل سائر المخلوقات - على التفاعل بين الشيئين الْمُتشابهين ، وكلَّما كانت الْمُشابهةُ أكثر كان التفاعلُ في الأخلاق والصفات أتمّ ، حتَّى يَؤولَ الأمرُ إلى أن لا يَتميَّزَ أحدهما عن الآخر إلاَّ بالعين فقط , فالْمُشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة ، تُوجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي , ويَظهرُ هذا في اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين ، فهم أقل كفراً من غيرهم ، والمسلمون الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ، هم أقلّ إيماناً من غيرهم ممن جرَّد الإسلام ، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً ، وإنْ بَعُدَ المكان والزمان .

فمشابهتهم في جعل العطلة الأسبوعية يوم السبت والأحد - أو أحدهما - هو سببٌ لنوعٍ مَا مِن اكتساب أخلاقهم التي هي مذمومةٌ ، وما كان مظـنَّة لفساد خفيّ غير منضبط ، عُلِّقَ الحكم به ، وأُديرَ التحريم عليه ، فنقولُ : مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل في نفس الاعتقادات ، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط , ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط ، وقد يتعسَّر أو يتعذر زواله بعد حصوله لو تُفطِّنَ له ، وكل ما كان سبباً إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يُحرِّمه كما دلَّت عليه الأصول المقرَّرة .

8 - أنَّ مشابهة اليهود أو النصارى في عطلتهم الأسبوعية تُورثُ نوعَ مودَّةٍ ومحبة ، وموالاةٍ في الباطن ، كما أنَّ المحبة في الباطن تُورثُ المشابهة في الظاهر , وهذا أمرٌ يَشهدُ به الحسُّ والتجربة ، حتَّى إنَّ الرجلين إذا كانا من بلدٍ واحدٍ ، ثم اجتمعا في دارِ غُربة ، كان بينهما من المودَّة والائتلاف أمرٌ عظيمٌ ، وإنْ كانا في مِصرهما لم يكونا متعارفين ، أو كانا مُتهاجرين , وكذلك نجدُ أرباب الصناعات الدنيوية يألفُ بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم , وكذلك الملوك والرؤساء وإنْ تباعدت ديارُهم وممالكهم , إلاَّ أنْ يَمنع من ذلك دِينٌ أو غَرَضٌ خاصٌّ , فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تُورث المحبة والموالاة لهم ، فكيفَ بالمشابهة في أمور دينيَّة ؟ فإنَّ إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشدّ ، والمحبة والموالاة لهم تُنافي الإيمان , قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }المائدة وقال تعالى فيما يُذمُّ به أهل الكتاب : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } المائدة81, فبيَّن I أنَّ الإيمانَ بالله والنبيِّ صلى الله عليه وسلم وما أُنزل إليه مُستلزمٌ لعدم ولايتهم ، فثبوتُ ولايتهم يُوجبُ عدمَ الإيمان , لأنَّ عدمَ اللازم يقتضي عدم الملزوم , وقال الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة22, فأخبر سبحانه أنه لا يُوجدُ مؤمنٌ يُوادُّ كافراً ، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن ، والمشابهةُ الظاهرةُ مَظنةُ الموادَّة ، فتكونُ محرَّمة ، كما تقدَّم تقريرُ مثل ذلك , ولنعلم : أنَّ وجوه الفساد في مشابهتهم كثيرةٌ ، فلنقتصر على ما نبَّهنا عليه , وفيه ما يُقنعُ العاقلَ إن شاء الله تعالى .


يتبع.....

رد مع اقتباس