عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 03-04-2005, 03:53 PM
د.فالح العمره د.فالح العمره غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
الدولة: في قلوب المحبين
المشاركات: 7,593
معدل تقييم المستوى: 27
د.فالح العمره is on a distinguished road

هل يميز الإسلام ضد المرأة؟
صالح بن عبد الرحمن الحصين






يقصد بالتميز هنا معنى الكلمة الإنجليزية discrimination ويفسرها قاموس اكسفورد الوجيز بأنَّها تعني (unfavouable treatment based on prejudice, esp. regarding race, colour or ) أي: معاملة أدنى على أساس التحيز والإجحاف، وبخاصة فيما يتعلق بالعرق أو اللون أو الجنس. كما يفسر كلمة يميز أو يميز ضد discriminate بأنها تعني make adistinction esp. unjustly and on the basis of race, colour or أي التفريق في المعاملة بغير عدل على أساس العرق أو اللون أو الجنس.

ولا يعني العنوان بالضرورة المضمون الذي حددته اتفاقية الأمم المتحدة أو أي نصوص أخرى، وإنَّما يتعلق بهذا المضمون بطريق غير مباشر، أي من حيث التفريق بين التصور الإسلامي وتصور الثقافات الأخرى، فيما يعتبر التمييز ضد المرأة وما لا يعتبر كذلك.

ليس غير المسلمين هم فقط من يجيب على هذا السؤال بنعم، بل إنَّ من علماء المسلمين من يرى أنَّ الإسلام يعتبر الرجل من حيث هو رجل أفضل وأكرم وأرقى منزلة من المرأة من حيث هي امرأة، وأنّ جنس النساء أدنى من جنس الرجال، ويؤسسون في التمييز في الأحكام الشرعية أو بعضها بين الرجال والنساء على هذا التمييز في الفضل والتكريم وشرف الرتبة.

يقول عالم جليل معاصر (توفى رحمه الله) في تفسير الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}: أشار (أي القرآن) إلى أنَّ الرجل أفضل من المرأة؛ وذلك لأنَّ الذكورة شرف وكمال، والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأنَّ الأنثى يجعل لها جميع الناس الزينة والحلي، وذلك إنما لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة. بخلاف الذكر، فجمال الذكورة يكفيه عن الحلي وغيره. اهـ.

وأصل هذه الفكرة نجد التعبير عنه (وإن لم يكن مثل هذا التعبير الغالي) لدى غيره من المفسرين عند تفسيرهم بعض النصوص التي تحمل ألفاظها تفضيل جنس الرجال على جنس النساء.

فمثلاً في تفسير الآية الكريمة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.

جاء في تفسير الزمخشري: (درجة) زيادة في الحق وفضيلة.

وفي تفسير الرازي: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور العقل والدية والمواريث، وصلاحية الإمامة والقضاء، والشهادة، وأن يتزوج عليها، وأن يتسرى عليها، والتطليق، وإذا ثبت فضل الرجل على المرأة، ظهر أنَّ المرأة كالأسير العاجز في يد الرجل.

وعند تفسير الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

قال الزمخشري: والضمير في (بعضهم) للرجال والنساء جميعاً، وإنما كانوا مسيطرين عليها بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء.

وقال الرازي: لما أثبت للرجال سلطة على النساء ونفاذ أمرهم عليهن بين أنَّ ذلك معلل بأمرين: بما فضل الله بعضهم على بعض، يعود التفضيل إلى صفات خلقية منها القدرة والعقل والحزم، وأما تفضيل عائد للأحكام الشرعية فإنَّ فيهم الإمامة الكبرى وكونهم مأمورين بالجهاد وزيادة النصيب في الميراث وتحمل الدية وبما أنفقوا من أموالهم، وهو السبب الثاني في التفضيل. والمراد هنا بالإنفاق ما يقدمه الرجال من مهور وما يبذلونه من نفقة.

وقال أبو السعود: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي قوامون عليهم بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن، أو متلبسين بتفضيله دون تصريح بما فيه التفضيل من صفات ككمال العقل وحسن التدبير والرزانة والقوة. ولذلك خصوا بالنبوة والجهاد.

ويقول الرازي عند تفسير قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}. المراد من قوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}لتنبيه إلى نقصانها (أي المرأة) وهو أنَّ الذي يربي في الحلية يكون ناقص الذات؛ لأنه لولا نقصان ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية.

ويقول الزمخشري: فيه أنَّه جعل النشأة في الزينة والنعومة من المعايب والمذام، وأنه من صفات ربَّات الحجال.

(قد غفل الرازي والزمخشري ـ رحمهما الله ـ عن أنَّ المقربين في الجنة يحلون بأساور من ذهب ولؤلؤ، وأنَّ الحلية تبلغ من المؤمن مبلغ الوضوء).

ويقول الرازي: بين نقصها (المرأة) من وجه آخر، وهو قوله تعالى: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} يعني: أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين، وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها. فهذه الوجوه دالة على كمال نقصها.

ويقول الزمخشري: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} وهو إذا احتاج مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين، ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان يحتج به على من يخاصمه؛ وذلك لضعف عقول النساء ونقصهن عن فطرة الرجال، ويقال: قلما تكلمت المرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

(الرازي والزمخشري ـ رحمهما الله ـ هنا أيضاً غفلا عن قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}، والمرأة إنسان. كما غفلا عن قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} والمرأة مخلوق).

لئلا يتوهم القارئ أنَّ مثل هذه الأحكام هي الطابع العام لعلماء التفسير عند تفسيرهم كل النصوص القرآنية، أسارع بالاعتراف بأنني كنت انتقائياً في تلقط هذه الآراء التي تخفض من مرتبة المرأة، وقد أردت بإيرادها التنبيه إلى أنه حتى العلماء الكبار، مثل الرازي والزمخشري، قد لا يستطيعون التخلص من تأثير البيئة والثقافات السائدة.

كما أردت إيضاح أنَّ العادات والتقاليد والموروثات الثقافية لدى الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وما بقي لدى العرب أيضاً من تقاليد، كل ذلك صار له تأثير على تفكير المسلمين في مختلف العصور، وفي مختلف الأمكنة. بحيث بَعُدَ هذا التفكير بدرجات متفاوتة عن التصورات الإسلامية المتفقة مع القرآن والسنة الصحيحة.

ولا شك أنَّ صراحة النصوص ووضوحها فيما يتعلق بالتصور عن المرأة وعلاقتها بالرجل كانت في أغلب الأحيان تتغلب على التأثير الضاغط للتقاليد والعادات والموروثات الثقافية الغربية عن الإسلام.

ولكن ممَّا لا شك فيه أيضاً أنه بقي لهذا التأثير الضاغط عمله في عقل المسلم.

كما أردت بالإشارة إلى هذه النصوص في كتابات المفسرين إيضاح مدى قابلية التراث الإسلامي المكتوب في هذا الموضوع للاستغلال من قبل الباحث المتحيز، وكذلك قابليتها لخداع القارئ المتعجل الذي لا يعنى بالمقارنة بين الآراء المختلفة والمقارنة بين النصوص التي أشير إليها فيما سبق، ونصوص الوحي الأخرى صريحة الدلالة التي تعارض مثل تلك المعاني.

مثل الآراء السابقة التي أشرنا إليها في كلام المفسرين يوجد في كلام غيرهم من العلماء، كما شاعت تصورات تخفض من منزلة المرأة في البيئات والثقافات المختلفة في العالم الإسلامي، وقد ساعد على شيوعها ركام من الأحاديث الموضوعة وغير الصحيحة وردت في كتب الحديث أو غيرها من الكتب مثل: "طاعة المرأة ندامة"، "شاوروهن وخالفوهن"، "لولا النساء لعبد الله حقاً"، "لولا النساء لدخل الرجال الجنة"، "لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف"، فكل هذه أحاديث موضوعة.

ومن الأحاديث غير الصحيحة:

ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: "أي شيء خير للمرأة؟ قالت: أن لا يراها رجل ولا ترى رجلاً، فضمَّها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض".

"إنما النساء لعب فمن اتخذ لعبة فليحسنها أو ليستحسنها" ،"هلكت الرجال حين أطاعت النساء"، "استعينوا على النساء بالعري"، "أعروا النساء يلزمن الحجال"، "واروا عوراتهن بالبيوت".

وهذه الأحاديث كما نرى بالإضافة إلى كونها أو غير صحيحة فهي تخالف الأحاديث الأخرى الصحيحة. وهذه الأحاديث في الغالب مثل بعض التفاسير لنصوص القرآن، كانت نتيجة بيئات ثقافية تنظر إلى المرأة نظرة دونية، ولكن هذه الأحاديث ـ في الغالب أيضاً ـ ساهمت في تركيز التقاليد والتصورات التي تجسد النظرة الدونية للمرأة.

ولكن ما موقع الحقيقة في الآراء السابقة، هل حقاً إنَّ الإسلام يميز ضد المرأة، بمعنى أنه يقدر أن الرجل من حيث هو رجل أفضل وأكرم وأشرف منزلة من المرأة من حيث هي امرأة؟

الواقع أنه عند تأمل النصوص الأخرى من القرآن والسنة وعندما نحاكم إليها النصوص والآراء السابقة فإنَّ الإجابة على السؤال الوارد في عنوان المقال تكون بالنفي. إيضاح ذلك:

أولاً: إنَّ المعيار في التمييز بين الناس بنص القرآن (التقوى) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفي الحديث الشريف: "لا فضل لعربي على عجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى"، وفي حديث آخر: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" فالأكرم والأشرف منزلة من الرجال والنساء الأتقى.

ودلَّت النصوص على المساواة بين الجنسين، ولعلَّ من أبلغها وأدقها في التعبير عن المساواة عبارة {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} في الآية الكريمة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}.

قال الزمخشري في تفسير {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}: أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر، أي من أصله، أي كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم.

وقال الرازي: فيه وجوه أحسنها أن يقال "من" بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض.

وقال أبو السعود: قوله {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} بيان لسبب انتظام النساء في سلك الرجال في الوعد، فإن كون كلّ منهما من الآخر لتشعبهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال بينهما أو لاتفاقهما في الدين والعمل مما يستدعي الشركة والاتحاد في ذلك.

وقال سيد قطب في "في ظلال القرآن": العمل الذي يعتبره الإسلام الثمرة الواقعية (للعبادة) والذي يقبل من الجميع ذكراناً وإناثاً بلا تفرقة بين الجنسين فكلهم سواء في الإنسانية بعضهم من بعض وكلهم سواء في الميزان.

وقد تكرر في القرآن النص على خلق الله ذكورهم وإناثهم من نفس واحدة، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}. كما تكرر النص على المساواة في الجزاء، مثل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ..} الآية.

ويؤكد فكرة المساواة بين الجنسين النص على وحدة طبيعة العلاقة بينهما كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ}. وفي الحديث الشريف: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وفيه "إنما النساء شقائق الرجال".

ومن جهة أخرى نعى القرآن على أهل الجاهلية تمييزهم بين الجنسين كما في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. وربما ألمح لهذا المعنى قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} حيث قدم الإناث في الذكر. فكأنه يشعر بالتنبيه إلى بطلان مذهب الجاهلية في تحقيرها للإناث وكراهيتها لولادتهن.

وقد وردت نصوص ربما يفهم منها تفضيل جنس النساء في الرعاية، مثل ما جاء في الحديث الشريف: "من أحقّ الناس بصحابتي قال أمك قال ثمَّ من قال أمك قال ثمَّ من قال أمك قال ثمَّ من قال أبوك" ومن الأحاديث الواردة في فضل رعاية البنات، ولكن الداعي للتوصية بالأم والبنات هو حاجتهن أكثر للرعاية، وليس المقصود تفضيل جنس النساء على جنس الرجال.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أنَّ المقصود بالمساواة بين الجنسين في المسؤوليات والوظائف الاجتماعية مساواة التكامل وليس مساواة التماثل، وهذا ما يتفق مع الطبيعة والفطرة، إذ إن الجنسين غير متماثلين في الصفات والوظائف الفسيولوجية والبيولوجية والسايكولوجية، فالمثل من المعقول أن لا يكونا متماثلين في الوظائف السيوسيولوجية، والعدل هو المماثلة بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين.

إنَّ فكرة مساواة التماثل التي وجدت في الجاهلية المعاصرة بالإضافة إلى أنها شذوذ عن الطبيعة والفطرة فهي فكرة ظالمة ضحية الظلم الأولى فيها المرأة.

1ـ الاستدلال بالنص الكريم (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) استدلال في غير محله، فمع أنَّ عدم التماثل بين الجنسين على نحو ما أوضح سابقاً، حقيقة طبيعية، إلا أنَّ النص لا يدل على أنَّ جنس المذكور أسمى أو أرقى أو أفضل من جنس الإناث.

فشيخ المفسرين الطبري رحمه الله في رأيه نفسه، وفيما نقله عن المفسرين الآخرين، يرى أنَّ هذه العبارة من كلام امرأة عمران وليست من كلام الله، ومقصودها أنها بعد أن نذرت مولودها محرراً للمعبد وفي تصورها أنه سيكون ذكراً فوجئت بأنَّ مولودها أنثى، فعبرت عن أنَّ الذكر في التحرير للمعبد وخدمته ليس كالأنثى. فالعبارة لفظ امرأة عمران، والمقصود منها نفي التماثل بين الذكر والأنثى في التأهيل لخدمة المعبد ولا صلة لها بالتمييز ضد المرأة.

2ـ النص الكريم {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} جاء هذا النص مباشرة بعد قوله تعالى: {وَإِذَابُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌٌ}، وهذه الآية مثل قوله تعالى في موضع آخر: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}. اختلف المفسرون في المقصود في النصّ الكريم بمن ينشؤ في الحلية، فرأى بعضهم أنَّ المقصود به الأنثى، وأنَّه تقرير من الله معناه عيب الموصوف بصفتي ذم وهما التنشئة في الحلية، وعدم الإبانة في الكلام والجدل، ورأوا تبعاً لذلك أنَّ النص يعني ذم الأنثى وعيبها وتقرير أنَّها دون الرجل، وفي منزلة أدنى من منزلته.

ويردّ على هذا التفسير ما يأتي:

أ ـ إنَّ هذا التفسير يعارض في الظاهر ما ذكر الله في موضعين من القرآن من أنه خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين، والمرأة إنسان مخلوق فهي مشمولة بصفة الإبانة في الخصومة.

ب ـ إذا لم تكن الآية تقريراً من الله بمضمونها فلا يظهر من الواقع ما يدلّ على أنَّ المرأة عندما يتاح لها أن تناول مستوى من التربية والتثقيف مثل ما يناله الرجل تكون أقلّ منه في القدرة اللغوية. فالقدرة اللغوية في الغالب ـ وباستثناء حالات الإعاقة ـ تكتسب بالتربية والتعليم.

ج ـ أنَّ وصف المقربين من عباد الله بأنهم يحلون من أساور من ذهب ولؤلؤاً في الجنة، ينفي أن يكون التحلي في ذاته صفة ذم، ولا يعترض على هذا بأنَّ الخمر ـ وهي مذمومة في الدنيا ـ موجودة في جزاء الصالحين في الجنة؛ لأنَّ ما هو موجود منها في الجنة نفى عنه ما كانت به مذمومة في الدنيا، وهو التصديع والنزف.

د ـ إنَّ الجاهليين لم ينسبوا إلى الله الإناث من البشر، وإنَّما سموا الملائكة إناثاً ونسبوهم إلى الله.

ربما لأجل هذه الإيرادات وغيرها فسَّر آخرون المراد بمن ينشؤ في الحلية بالأصنام التي تصنع من الذهب أو تحلى بالذهب والجواهر، ولكن هذا تفسيربعيد جداً، ولا يساعد عليه السياق؛ لأنه لم يسبق النص الكريم كلام عن الأصنام، ومع بُعد هذا التفسير وغموضه فالغالب أنَّ الذي ألجأ المفسرين له هو أنه امتنع عليهم التسليم بالتفسير الأول للإيرادات التي ذكرناها.

وكلا التفسيرين ألجأ إليها افتراض أنَّ النص الكريم تقرير من الله وليس حكاية عن غيره.

ولكن السياق لا يمنع من افتراض آخر يبدو أقرب، وهو أن يكون النص الكريم حكاية عن لسان الحال أو لسان المقال لموصوف قبله، وهو من يظل وجهه مسوداً وهو كظيم إذا بشر بولادة أنثى. فكأنه يقول: {وَإِذَابُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌٌ} يقول بلسان الحال أو المقال: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}. وبهذا يتفق هذا النص مع النص المشابه في سورة النحل. وهذا النص الأخير صريح في التشنيع على من يظل وجهه مسوداً وهو كظيم إذا ولدت زوجته أنثى وليس ذكراً، والإعلان عن سفاهة عقله وسخف مذهبه.

وإذا أخذ بهذا التفسير فيكون النص في تقدير "يقول" مشابهاً للنص الكريم الوارد في قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} فقوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} حكاية عن لسان الحال أو لسان المقال لمن يتفكرون في خلق السموات والأرض، وكذلك مشابه لقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

قال الإمام الطبري في تفسيرها: يعني أنهم يقولون بما ينالهم من ذلك الكرب والجهد هذا عذاب أليم.. وترك من الكلام (يقولون) استغناء بمعرفة السامعين معناه عن ذكره. اهـ.

في القرآن أشبه كثيرة لهذا السياق لا تكاد تحصى، مثل قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. قال الطبري: وتأويل الكلام: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله يقولون لا نفرِّق بين أحد من رسله، وترك ذكر (يقولون) لدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكره في قوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم..} بمعنى: يقولون سلام عليكم.

3ـ أنَّ القول بأنَّ الذكر والأنثى عندما يجتمعان سوياً في مستوى واحد من القرابة ـ من ناحية درجة القرابة وقوتها (شقيق أو لأب أو لام) ـ يكون دائماً للأنثى نصف نصيب الذكر من الميراث، فكرة وهمية غير صحيحة، وإن شاعت على الألسن. فالقرآن تضمَّن سبع حالات في الحكم بالميراث عندما يجتمع الذكر والأنثى في مستوى واحد من القرابة.

ثلاث منها يكون نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر.

وثلاث منها يكون نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر.

وحالة سابعة يختلف المفسرون في تفسيرها وفي إحدى صورتيها يرى بعضهم أنَّ للذكر نصف نصيب الأنثى.

فإذاً الحكم بتصنيف نصيب الأنثى غير مطرود على خلاف فهم كثير من الناس، ووجود حالة واحدة ينخرم فيها الاطراد يدل على أنَّ العامل المؤثر ليس محض الذكورة والأنوثة، وإنما الظروف المختلفة التي يراعيها الشارع في الاختلاف في تحديد أنصبة الوارثين.

أما عندما لا يكون الذكر والأنثى في مستوى واحد من القرابة للموروث سواء من ناحية درجة القرابة أو قوتها، فتوجد حالات كثيرة يكون فيها نصيب الأنثى أكثر من نصيب الذكر، بل أحياناً لا يكون للذكر نصيب مع وجود الأنثى.

4ـ فكرة أنَّ وزن شهادة المرأة نصف وزن شهادة الرجل على الدوام أيضاً فكرة وهمية، ذلك أنَّ النصّ الكريم: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} وارد على شهادة التحمل وليس على شهادة الأداء، ووارد فقط على الشهادة في توثيق الدين، وقاس عليها العلماء توثيق المعاملات المالية الأخرى. والحديث الشريف: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل" يشير إلى هذا النص كما في فتح الباري (ج1، ص484).

أما شهادة الأداء فالغالب أنَّ الأحكام الفقهية التي نظمتها مصدرها المباشر الاجتهاد وليس النص، وهي تخضع لاعتبارات مختلفة، ومن ذلك مثلاً أن هناك حالات تقبل فيها شهادة امرأة واحدة، ولا تقبل فيها شهادة الرجال.

وتحسن الإشارة هنا إلى أنَّ شهادة المرأة الواحدة تقبل في نقل النص الشرعي، بدون تفريق بينها وبين الرجل. بل الملفت للنظر أنَّ نسبة من ضعفه علماء الجرح والتعديل أو كذبوه من النساء في رواية الحديث أقلّ بكثير من نسبة الرجال، بل إنَّ الإمام الذهبي (هو حجة في الرواة) يقول: لا أعلم من النساء من تركوه ـ أي علماء الحديث ـ.

5ـ فكرة أن دية المرأة نصف دية الرجل، هذه الفكرة أيضاً لا علاقة لها بالتمييز ضد المرأة، إذ إن المنتفع بالدية ليس الميت أو الميتة، بل الوارث عنه أو عنها، وإذا لحظ معنى التعويض عن الضرر في تشريع الدية، فإنَّ العدل يوجب التمييز بين الأضرار، بحسب أثرها على المضرور، وهذا ما تذهب إليه كلّ الشرائع.

ولا شك أنَّ الضرر المادي الذي يلحق بالورثة بموت مورثهم إذا كان رجلاً ـ في الغالب ـ أكبر منه إذا كان الميت امرأة؛ لأنَّ الغالب أنَّ الموروث يكون هو العائل للورثة. والأحكام الشرعية والقانونية تبنى دائماً على الغالب. يوضح هذا الأمر أنَّ الدية عندما يكون المنتفع المصاب نفسه أي عندما تكون جزئية كدية الأعضاء فإنَّ الأمر يختلف حينئذٍ، وتستوي دية المرأة والرجل إلى حدود يختلف اجتهاد الفقهاء في تعيينها.

6ـ النص الكريم {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} جاء في سياق النص {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فإما أن يكون هذا الحكم وارداً على حالة الرجعة أن يكون وارداً على نطاق أوسع وهو علاقة الزوج بزوجته، ولكنه بدلالة السياق ليس وارداً على علاقة الرجل بالمرأة من حيث هو رجل وهي امرأة، ويبدو أنَّ القول بأنَّ الحكم وارد على العلاقة بين الزوجين هو الأرجح عند المفسرين.

ثمَّ يختلف المفسرون في المقصود بقوله سبحانه: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فبالإضافة إلى التفسيرات التي أشير إليها فيما سبق، يذكر شيخ المفسرين الطبري أنَّ بعض المفسرين يرى أنَّ المراد بها الإمرة والطاعة، وأنَّ آخرين يرون أنَّ المراد بها أفضاله عليها (أي الرجل)، وأداء حقها إليها وصفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه.

قال الطبري: وأولى هذه الأقول بالتأويل ما قاله ابن عباس وهو أنَّ الدرجة التي ذكرها الله جلّ ثناؤه في هذا الموضع: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب له عليها، واغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه، وذلك أنَّ الله جلَّ ثناؤه قال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} عقب قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فأخبر أنَّ على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحقوقها مثل الذي عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهن، وغير ذلك من حقوقه، ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل فقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} بتفضلهم عليهن وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}. ومعنى الدرجة: الرتبة والمنزلة، وهذا القول من الله جلَّ ثناؤه وإن كان ظاهره خبرا فمعناه ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ليكون لهم عليهن فضل درجة. اهـ.

ويقول سيد قطب في تفسير {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: أحسب أنها مقيدة في هذا السياق بحق الرجال في ردهن إلى عصمتهم في فترة العدة.. وهي درجة مقيدة في هذا الموضع وليست مطلقة الدلالة كما يفهمها الكثيرون ويستشهدون بها في غير موضعها اهـ.

على أنه إن قيل أنَّ النص الكريم: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِوَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليس خاصاً بحالة الفرد في فترة العدة، بل هو عام يحكم العلاقة بين الزوجين، وإذا تجاوزنا المعنى الذي اختاره الطبري ـ رحمه الله ـ فالظاهر أنَّ المقصود بالدرجة "القوامة" التي تضمَّنتها الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وعلى كل الأحوال فليس في الآية يما يتضمَّن التمييز ضد المرأة.

7ـ النص الكريم {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} لقد فسرت لفظة {قَوَّامُونَ} بما يرجع للإمرة وقيادة المجتمع الصغير (الأسرة)، وفسرت بتحمل مسؤولية الإنفاق والرعاية. ولعلّ الأرجح أنَّها لا تعني الأمرين معاً.

ويلاحظ أنَّ هناك فرقاً في التعبير وبالتالي في المعنى بين أن يقال {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وأن يقال: بما فضل الله الرجال على النساء. فقوله {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يحتمل أن يكون المراد منه بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء، وهو الغالب في الصفات المؤهلة للإمرة في الأسرة وتحمل مسؤولية الإنفاق عليها والرعاية لها. كما يحتمل اللفظ أن يكون المراد: بما تميز به كل من الجنسين من ميزات توجب أن تكون القوامة للرجل، بمعنى أنَّ ما فضل الله به الرجال من صفات وما فضل الله به النساء من صفات جعل الرجل أكثر أهلية لقيادة الأسرة وجعل المرأة أكثر أهلية لإدارتها "الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".

ولعلّ الأولى تفسير {بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في هذه الآية بالمعنى المراد بعبارة (بعضكم على بعض) في الآية قبلها {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} فهنا الواضح أنَّ المعنى: لا يتمنى الرجال ما فضل الله به النساء ولا النساء ما فضل الله به الرجال، فالآية لا توجب القول بتمييز الرجل من حيث هو رجل على المرأة من حيث هي امرأة، كما لا توجب القول بأنَّ هذا التمييز هو سبب اختصاص الرجل بتلك المسؤولية.

وعلى كل فإذا فسرنا القوامة بالإمرة فإنَّ هذا بالطبع يوجب الطاعة على المأمور. ولكن الطاعة هنا ـ كما هي الطاعة في حالة كل أمير مجتمع ـ صغير أو كبير ـ ليس طاعة مطلقة، وإنما هي الطاعة بالمعروف، كما جاء في حديث الحكم بن عمرو الغفاري "إنما الطاعة بالمعروف" وهذا الحديث صحيح، بل هو أصحّ حديث في الباب، وقال تعالى في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال المفسرون: علم الله أن نبيه صلى الله عليه وسلم لن يأمر بغير المعروف ولكن أراد أن يعلم الأمراء أنَّ طاعتهم غير مطلقة، والواضح أنَّ الطاعة المطلقة ـ في حكم الإسلام ـ من خصائص الإلهية.

وقد روت الأحاديث الصحيحة بترغيب المرأة في طاعة زوجها وتحذيرها من معصيته، وكلها مقيدة كما أشير بأن تكون الطاعة بالمعروف.

والإمرة والطاعة لا تعني الاستبداد والخضوع، سواء في المجتمع الكبير أو الصغير، بل إنَّ الشورى يجب أن تطبق في كل مجتمع بما في ذلك مجتمع الأسرة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، بل إنَّ القرآن نصَّ على أنه حتى بعد انفصام علاقة الزوجية يكون فطام الرضيع برضا وتشاور من الوالدين {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}.

أ ـ أنه ينظم حالة ومرحلة في علاقة الزوجية تنشأ قبل مرحلة الشقاق بين الزوجين التي نظمت بالآية بعدها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} فالنص الكريم {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ..} الآية، ينظم مرحلة في الحالة الزوجية، تكون المرأة فيها راغبة في البقاء زوجة ولم تبلغ المرحلة من الشقاق التي ترغب المرأة فيها في فراق زوجها.

ب ـ أنَّ معنى النشوز في اللغة: الارتفاع والعلو، ويلاحظ أنَّ القرآن يجعل إرادة العلو في الأرض والفساد وسفك الدماء أسوأ الصفات في علاقة الإنسان بالإنسان، وكما جعل القرآن النشوز في جانب الزوجة حالة مرضية تستوجب العلاج بنص الآية الكريمة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} جعل بالمثل النشوز في جانب الزوج حالة مرضية استوجبت العلاج بنص الآية الأخرى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية. ففي حق المرأة جعل العلاج بالتأديب الذي توجبه طبيعة العلاقة بين الآمر والمأمور، وهو يتدرج في العظة، والهجر، والضرب غير المبرح.

وفي حق الرجل جعل العلاج بالخلع.

وهذا العلاج التأديبي هو أكثر ما شغب به أهل الأهواء في دعواهم أنَّ الإسلام يميز discriminate ضد المرأة، وإنما يشغب بهذا من لا يعترف بأنَّ الله الحكيم الخبير أعلم بما يصلح عباده، ولا يستقرئ طبائع النفس البشرية ويستبطن سايولوجية الإنسان.

وعلى كل فهذا الإجراء ـ كما هو واضح ـ إنما يطبق في حالة نشوز المرأة واستعلائها على زوجها وبالتالي انتهاكها لمتطلبات القيادة في الأسرة. ولا صلة لهذا الأمر بالعنف الجنسي، أو التجاوز abuse في السلطة. وبالتالي فلا صلة له بالتمييز ضد المرأة أو بالنظرة الدونية لها. (يراجع في هذا المعنى تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب ـ رحمه الله ـ عند تفسير الآية).

9ـ الزواج على المرأة، والتطليق: من كلام الرازي في تفسير {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: الرجل أزيد في الفضيلة من النساء بأمور.. أن يتزوج عليها. وأن يتسرى عليها والتطليق. ربما لا يقصد الرازي إنَّ إباحة زواج الرجل على المرأة وحقه في تطليق زوجته شرعاً بسبب أنَّ جنس الرجال أرقى وأسمى من جنس النساء، وإنما يرى أنَّ ذلك مظهر من مظاهر تفضيل الرجل على المرأة.

ولكن قضية تعدد الزوجات، وبدرجة أقل قضية الطلاق، كانت من أكثر القضايا التي استخدمها المحاربون للإسلام لنقده والشغب عليه.

وفيما يتعلق بالغربيين من هؤلاء فإنَّ الأمر يجد تفسيره في الموروث الثقافي لديهم culture إذ إن جزءاً من تكوين هذا الموروث مستمد من المسيحية التي ترى أنَّ الزواج في ذاته ليس مرغوباً، إذ إنه ينزل بدرجة الإنسان روحياً، وأنَّ الطلاق محظور في الشريعة. أمَّا غيرهم ممَّن ليس لهم هذا الموروث الثقافي فإنَّ الأمر يجد تفسيره في التقليد الببغائي، والنظر إلى الغرب بأنه المثال الذي يجب أن يحتذى في التقاليد والقيم وفلسفة الحياة.

إنَّ النظرة الغربية لتعدد الزوجات أو الطلاق ليست مبنية على التفكير العقلاني، والموضوعي، أو التجارب العملية التي تهدي إلى ما يصلح البشر، وتسعد به المجتمعات، وإنما مبنية على مجرَّد الموروث الثقافي.

ولو تأملنا التنظيم الإسلامي لتعدد الزوجات أو الطلاق ونظرنا إليه بموضوعية وتخل عن الهوى الجامح والعاطفة الطائشة؛ لظهر لنا أنَّ هذا التنظيم يحقق مصلحة المرأة أولاً ثمَّ مصلحة الرجل، وشرع لإيجاد مجتمع سليم، وأنه لا صلة له إطلاقاً بالتمييز ضد المرأة.

توضيح ذلك أنه بقراءة الآية الوحيدة في القرآن المصرَّحة بإباحة تعدد الزوجات، في ضوء الواقع العملي والتاريخي، يلاحظ أنَّ نصّ الآية الكريمة يقضي بأنَّ تعدد الزوجات عامل محقق للفاعلية في ضمان عدل المجتمع تجاه اليتامى، وفي هذا إشارة غير مباشرة إلى الدور الذي يؤديه هذا التنظيم في مصلحة المرأة والمجتمع.

إنَّ المجتمع لا يمكن أن يعدل في اليتيم بإيداعه دار الأيتام أو بتوفير غذائه وكسائه، إذ إن لليتيم وراء ذلك حاجات عاطفية ونفسية لا تحقق إلا بتنشئته في جو الأسرة، وهذا لا يتحقق إلا إذا تزوجت أمه فصار له أب بديل ومشاركون في الحياة من إخوة وأخوات، وهذا الأمر لا يتحقق على نطاق معقول إلا إذا زاد طلب الرجال على النساء، وهذا إنما يتم فقط في مجتمع تكون فيه الفرصة متاحة لتعدد الزوجات.

وإذا لاحظنا من ناحية أخرى أنَّ للمرأة حقوقاً أساسية يعترف بها الإسلام وتتجاوز الحقوق التي تضمَّنتها وثيقة حقوق الإنسان الدولية، وتشمل هذه الحقوق حقها في الأمومة، وحقها في أن يكون لها زوج تتبادل معه معاني السكن والمودة والرحمة، وحقها في أن يكون لها بيت تكون مليكته وتمارس فيه وظائفها الطبيعية.

إذا تأملنا ذلك أدركنا مدى الظلم والإجحاف الذي يلحق بالمرأة إذا عاشت في مجتمع يحدد بالتقاليد أو بالقانون فرصتها في الحصول على هذه الحقوق.

ولا شك أنَّ المجتمع الذي يقلّ فيه طلب الرجال على النساء كما في المجتمعات التي يتحدد فيها تعدد الزوجات، تتحدد فيه فرصة المرأة في الحصول على تلك الحقوق، والواقع شاهد بذلك.

من ناحية أخرى فإنَّ المجتمع التي يتحدد فيه تعدد الزوجات يصبح فيه الطلاق بالنسبة للمرأة المتزوجة شبحاً مرعباً؛ لأنها تعلم أنها بالطلاق سوف تفقد حقوقها التي حصلت عليها بالزواج مما أشير إليه مما سبق، وسوف يكون من الصعب عليها التعويض بزواج آخر في مجتمع تتحدد فيه فرص المرأة في الزواج.

وهذا الوضع يحمل المرأة على الصبر على ظلم الرجل لها واضطهاده إياها ويقيد حريتها في الحركة. وإذا أردت صورة توضيحية لهذا الأمر فما عليك إلا أن تقارن بين المرأة في مجتمعات شبه القارة الهندية والمرأة في مجتمعات غرب أفريقيا، لترى أيهما أقدر على حماية حقوقها ومقاومة ظلمها وامتلاك حريتها.

ليس أوضح في الدلالة على أنَّ الغرب في نظرته لتعدد الزوجات يقاد بالهوى والعاطفة وغلبة الموروث الثقافي وليس بالتفكير المنطقي، أو الاختبار العملي للمصالح، ليس أوضح في الدلالة على ذلك من أنَّ الغرب يقبل بسهولة (قانوناً وسلوكاً اجتماعياً) أن تقوم خارج العلاقة الزوجية علاقة بين الزوج وامرأة أخرى (خليلة) أو امرأتين أو أكثر تماثل علاقة الزوجية في كل شيء عدا عدم وجود عقد الزواج الشكلي، وعدا أنَّ الخليلة أو الخليلات أو ثمرة علاقة الزوج بها أي الأولاد محرومون من الحقوق التي للزوجات أو للأولاد، باستثناء ما يحاول القانون بين وقت وآخر أن يحفظه.

ومن ناحية أخرى فليس هناك ما يدل على رفض الغرب لتعدد الأزواج أو الزوجات في حالات الزواج الجنسي الشاذ (اللوطيين والسحاقيات) الذي شاع واعتبر قانونياً في عدد من بلدان الغرب.

وكل ما سبق يدل على أنَّ نظرة الغرب لتعدد الزوجات ليست مبنية على المنطق أو على التجارب العملية واختبار المصالح، وإنما على مجرَّد الموروث الثقافي calture.

لا شك أنَّ لتعدد الزوجات سلبيات ككل شيء في الحياة، وحتى الزواج بواحدة له سلبيات، ولا شك أنه لا أكره للزوجة في الغالب من أن يتزوج عليها زوجها أو يطلقها، ولكن النظم الاجتماعية لا تبنى على عواطف الرغبة والكراهية، وإنما تبنى على المصالح العامة.

منذ بداية الاستعمار تتركز حملة المستشرقين الغربيين على الحجاب بدعوى أنه مظهر تخلف ورمز لاضطهاد الإسلام للمرأة أو نتيجة اضطهاد المسلم للمسلمة، ولم يخب أوار هذه الحملة مع مرور الزمن الطويل.

وكان من الملفت للنظر حقاً تركيز أعداء الإسلام على الحجاب من بين المظاهر الإسلامية الأخرى، سواء من الغربيين أو المتشدقين بالعلمانية من المثقفين والحكام في العالم الإسلامي، وفي العشرينيات من القرن العشرين كان اهتمام أتاتورك في تركيا ونادر شاه في أفغانستان وظاهر شاه في إيران بمنع الحجاب، واتخاذ الإجراءات المؤلمة والعقابية في سبيل إلغائه، يطغى ـ ربما ـ على كل اهتمام آخر.

وفي السنوات الأخيرة، وبالرغم من تحاشي الدول الغربية في أوربا وأمريكا عن الظهور داخلياً بمظهر من ينتهك الحريات الشخصية، فقد اقتحم الغرب هذه العقبة، وما زالت تظهر أمثلة على اضطهاد المسلمات انتهاك حرياتهن بسبب الحجاب.

وفي أواخر القرن الماضي، اهتدت طالبة للإسلام وكانت تدرس في جامعة تورنتو ـ كندا، للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وتحجبت، وبسبب مرورها بهذه التجربة العملية وما واجهته من ردود أفعال المجتمع، أدركت أهمية قضية الحجاب فطلبت من الجامعة تغيير موضوع أطروحة الدكتوراه إلى موضوع الحجاب، بالرغم من أنها كانت قد أمضت سنة ونصف السنة في الإعداد للموضوع الأول، وفي أثناء بحثها اطلعت على قدر كبير جداً مما كتب باللغة الإنجليزية عن الحجاب، وأجرت مقابلات مع مسلمات متحجبات في كندا، واستطاعت في أطروحتها المعنونة "الحجاب في السياسة" أن تحلل دوافع الحرب على الحجاب وصلتها بالصراع السياسي والثقافي، وأثبتت أن لا صلة للحجاب باضطهاد الرجل للمرأة ولا بالتمييز ضد المرأة. وكل ذلك من خلال التزام صارم بالمنهجية العلمية والبحث الموضوعي الذي لا يدع لذي لب شكاً في صحة ما انتهت إليه من نتائج.

معيار التفاضل بين الناس عند الله، وعند عباده الصالحين: "التقوى" فلا تمييز في الإسلام بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الموقع الجغرافي. وفيما يتعلق بالجنس فإنَّ عدم التماثل بين الرجل والمرأة فسيولوجيا وبيولوجيا وسايكولوجياً، يجعل من المعقول عدم تماثلهما في الوظائف السوسيولوجية، وقد راعى الإسلام ذلك في توزيع الوظائف والمسؤوليات بين الرجل والمرأة، ففي هذا المجال أقام بين الجنسين مساواة التكامل وليس مساواة التماثل.

وفي تاريخ البشرية في أغلبه تعرضت المرأة للظلم وانتهاك حق المساواة بينها وبين الرجل.

وبين وقت وآخر تجرى محاولات لتحقيق مساواة التماثل في الوظائف والمسؤوليات بين الرجل والمرأة. ولعلّ أهم هذه المحاولات وأشملها وأوسعها نطاقاً وأطولها عمراً: تجربة الاتحاد السوفيتي التي استمرت أكثر من سبعين سنة.

لقد كانت البداية الشعار الذي أطلقه الزعيم الشيوعي "لينين" حين قال: "إنَّ المجتمع لا يمكن أن يتقدم ونصفه في المطبخ"، فخرجت المرأة في الاتحاد السوفيتي إلى سوق العمل المأجور، فشاركت الرجل في عمله على اختلاف أنواعه، عملت مهندسة، ورائدة فضاء، وباحثة في مراكز البحوث، وميكانيكية في المصنع، وعاملة في مجال البناء، ورصف الطرق وكنس الشوارع.

وكان نصيب المرأة الأكبر في الأعمال الشاقة بدنياً والمكروهة.

ثم كانت النهاية في كلمات معبرة للزعيم الشيوعي "جورباتشوف" في كتابه "البروسترويكا" حين كتب: "لقد وضعت الدولة السوفيتية حداً للتمييز ضد المرأة الذي كان سائداً في روسيا القيصرية.. كسبت المرأة.. نفس الحق في العمل كالرجل والأجر المتساوي للعمل المتساوي.. ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق عجزنا عن أن نولي اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة واحتياجاتها الناشئة عن دورها كأم وربة منزل ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال. إنَّ المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي وفي مواقع البناء، وفي الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي، لم يعد لها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل ـ العمل المنزلي، وتربية الأطفال وإقامة جو أسري طيب ـ لقد اكتشفنا أنَّ كثيراً من مشاكلنا ـ في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وفي الإنتاج ـ تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسرية، والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية، وهذه نتيجة مناقضة لرغبتنا المخلصة والمبررة سياسياً لمساواة المرأة بالرجل في كل شيء. والآن في مجرى البيرسترويكا بدأنا نتغلب على هذا الوضع. ولهذا السبب فإننا نجري الآن مناقشات جادة في الصحافة وفي المنظمات العامة، وفي العمل والمنزل بخصوص مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى رسالتها النسائية البحتة" اهـ.

إذا سلمنا بأنَّ تصور الإسلام للعلاقة بين المرأة والرجل مساواتها له مساواة التماثل في معنى الإنسانية، وقيمة الشخصية والكرامة البشرية، وكمال الأهلية القانونية، وجزاء العمل، ومساواة التكامل معه في الوظائف والمسؤوليات الاجتماعية، المساواة التي تتناغم مع ما بينهما من اختلافات فسيولوجية وبيولوجية وسايكولوجية، وتتناسق مع القوانين الطبيعية..

إذا سلمنا بذلك فينبغي أن نسلم بأنَّ جزءاً كبيراً من تراثنا المكتوب والتقاليد والعادات السائدة في المجتمعات الإسلامية، تبتعد بدرجات متفاوتة عن التصور الإسلامي للعلاقة بين الرجل والمرأة. ويبدو في مقارنة التراث المكتوب أنَّه كلما تأخر الزمن عن زمن النبوة يزيد هذا الابتعاد.

وهذا يوجب أن نقرأ التراث ونحكم على التقاليد، مستحضرين في الذهن ما يلي:

أ ـ مضمون الآيتين الكريمتين: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..}، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وما يوجبه هذا المضمون من التخلي عند قراءة النصوص عن التأثير السلبي للأفكار السابقة، والأهواء، والانقياد لسلطان العادة، وكذلك توقي التأثير السلبي لتصورات وأفكار الجاهلية المعاصرة.

ب ـ إنَّ من عوامل الترجيح بين الآراء والتفسيرات: تقديم الرأي والتفسير الذي تتوافق فيه النصوص وتتناغم، وتأخير الرأي والتفسير الذي تختلف فيه النصوص أو لا تتوافق إلا بتمحل أو تحكم.

ج ـ حقيقة أنَّ المفسر أو الفقيه عاش في بيئة ثقافية ليس من السهل عليه أن يتخلص من تأثيرها الضاغط على عقله، وتوجيه تفكيره، وما يوجبه الوعي بهذه الحقيقة من وزن للرأي والتفسير، وتمييز ما هو منها نتيجة التفكير المجرَّد، وما هو نتيجة تأثير البيئة الثقافية التي عاش فيها صاحب الرأي أو التفسير.

د ـ أنَّ الأعراف والتقاليد الاجتماعية قد تراعى في تعيين العلاقة بين الجنسين؛ بشرط أن لا يترتب على ذلك ظلم لأحد أو انتهاك لحقه أو معارضة للصالح العام.

وفي الختام.. فلقيام المجتمع الإسلامي الصحيح والمحافظة عليه ولتثبيت التصور الإسلامي لعلاقة الرجل بالمرأة؛ تقع المسؤولية الأولى على من تناط بهم تربية الناشئة، وخصوصا الوالدين، ولا سيما الأم، إذ إن لطريقة معاملتهما الأولاد من الذكور والإناث الأثر الباقي الذي سيحدد في المستقبل تصورات المجتمع، وأساليب سلوكه، ولعلَّ هذا ما حرص عليه الشارع الحكيم عندما أكَّد الحديث الشريف على أهمية التسوية في المعاملة بين الأولاد "من كان له بنت فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها دخل الجنة"، "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه.



 

التوقيع

 



من كتاباتي
صرخاااات قلم (( عندما تنزف ريشة القلم دما ))
قلم معطل وقلم مكسوووور
عندما ’تطرد من قلوب الناس !!!!!!(وتدفن في مقبرة ذاتك)
دعاة محترفون لا دعاة هواه ( 1)
الداعية المحترف واللاعب المحترف لا سواء(2)
نعم دعاة محترفين لا دعاة هواة!!!! (( 3 ))
خواطر وجها لوجه
همسة صاااااااااااارخه
خواطر غير مألوفه
اليوم يوم الملحمه ...
على جماجم الرجال ننال السؤدد والعزه
عالم ذره يعبد بقره !!!
معذرة يا رسول الله فقد تأخر قلمي
دمعة مجاهد ودم شهيد !!!!!!
انااااااااا سارق !!!!
انفلونزا العقووووووووول
مكيجة الذات
الجماهير الغبيه
شمووووخ إمرأه

 
 
رد مع اقتباس