الحـروب الصـليبيـة (6) : الحملة الصـليبية الرابعة
تعد هذه الحملة نتيجة مباشرة لوفاة صلاح الدين الأيوبي في شهر صفر سنة 589هـ ، فمنذ وفاته دعا البابا ( أنوسنت الثالث ) إلى حرب صليبية ضمن خطة وضعها للكنيسة على رأسها مشروع محو آثار حروب صلاح الدين في الشرق واغتصاب بيت المقدس من المسلمين .
فدعا في منتصف سنة 594هـ إلى حملة صليبية رابعة ، واستجاب له فيها عدد من الأمراء وتولى قيادتها عدد من البارونات الفرنسيين وغيرهم .
وبعد مداولات بين أمراء الحملة وقوادها رأوا أن يتجهوا بها إلى مهاجمة مصر أولاً ، ثم بيت المقدس بعد ذلك .
وبدأت الاستعدادات بالتعاون مع البندقية لتمدهم بالسفن ، واحتشد الصليبيون في البندقية في صيف 598هـ ،غير أن البنادقة اشترطوا على الصليبيين ثمناً لهذا التعاون أن يهاجموا مدينة( زارا ) ويستردوها من ملك هنغاريا ، واستجاب الصليبيون لذلك من غير موافق البابا وعلى الرغم من غضبه وإصداره قرار الحرمان ضد الحملة كلها ثم قصره على البنادقة أخيراً .
وبينما يستعد الصليبيون للاتجاه نحو مصر إذا بثورة تنشب في القسطنطينية تطيح بالإمبراطور إسحاق الثاني ، فيفر ابنه الكسيوس قائد الثورة إلى الغرب بعد فشل ثورته طالباً المساعدة من البابا ومن الصليبيين عارضاً في مقابل ذلك إخضاع الكنيسة الشرقية للبابوية ومساعدة الصليبيين في حملتهم ضد مصر .
وصادف ذلك هوى في نفس البابا ومصلحة لدى البنادقة ، وتشفياً من الصليبيين في الدولة البيزنطية ، فاتجهت جموع الصليبيين إلى القسطنطينية واستولت عليها عام 600 هـ ، وقاموا بتخريبها والعدوان على أهلها حتى تمنى بعض البيزنطيين أن لو كانت القسطنطينية قد وقعت في أيدي المسلمين ، وقد أحرق الصليبيون بعض الكنائس والجامع القديم الذي بني في عهد بني أمية وقاموا بسلب المدينة .
واستولت الكنيسة الكاثوليكية على الكنيسة الأرثوذكسية ورأسها أول كاثوليكي منذ إ نشائها .
ولقد كان من نتائج هذه الحمل أن فترت همة المحاربين في الحروب الصليبية الآتية لاستيقان الناس بأنها غارات بربرية وليست حروباً دينية .
كما عمقت هذه الحمل الخلاف بين مسيحيي الشرق ومسيحيي الغرب ، وجعلت الطريق البري إلى الشام أشد وعورة وأعظم خطراً .
كما أغرت كثيرين من فرسان الصليبيين في الشام إلى أن يتركوا الشام ومتاعبه ويتجهوا إلى قبرص أو البلقان ليهنئوا بحياة مستقرة .
وبالجملة فقد أضعفت الحملة الصليبية الرابعة مركز الصليبيين في الشرق الإسلامي وزعزعت مكانتهم .
لذلك قرر أحد مؤرخي الحروب الصليبية ( أن الحمل الصليبية الرابعة جاءت نذيراً بفشل الحركة الصليبية بأكملها .
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/333، والغزوالصليبي لعلي عبدالحليم 109