الموضوع: الصلاة
عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 29-09-2008, 02:10 AM
shireen shireen غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 56
معدل تقييم المستوى: 18
shireen is on a distinguished road
رد: الصلاة

والمحروم كل المحروم من حُرِمَ الصلة بالله، والخاسر من ترك الصلاة وما تشرَّفت نفسه في يوم من الأيام بالوقوف بين يدي الله والإقبال عليه تعالى بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
. إنه المسكين يلهو بالدنيا وأكدارها وكدوراتها وينغمس في رذائلها ودنيء شهواتها ويحرم نفسه من نفائس الإقبال والتمتُّع بشهود أسماء ذي الجلال.

إنه ينصرف إلى المخلوق ويدع الخالق، إنه يتمسك بالأكدار ويدع الجواهر واللآلئ إنه الأعمى، أعمى القلب، وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
. إنه ميت القلب وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، فيا خسارة إنسان لحق الدنيا وترك منابع السعادة وموارد الإيمان، آن الآن لهذه النفس من بعد أن أذَّنت هذا الأذان وأقامت الصلاة هذه الإقامة وإن شئت فقل آن لهذه النفس من بعد أن قامت صلتها بالله أن تقف بين يدي ربها للصلاة التي أمرها بها تسبِّح بحمده وتناجيه وتستمع إلى أوامره تعالى ونصائحه فتشترك بالتبعية في تلقي نصائح خالقها وأوامره كيما تستنير بها في حياتها وتسير عليها، ففيها مناسكها، وما يجب أن تطبقه في أعمالها، وهي نبراسها ونورها.

ومن لم يصلِّ هذه الصلاة التي قدَّمنا لها هذا التقديم، ومن لا يعي ولا يعقل في صلاته شيئاً مما يتلى من آيات الله، ظلَّ في جهالة، وظلت نفسه واقفة عند حدٍ واحد لا تتقدم في طريق معرفة أوامر الله خطوة واحدة، بل إنما هو ناقل لما يراه في الكتاب وما يسمعه من غيره غير عاقل لها
.

أما هذا المصلي وعندما يكبّر تكبيرة الإحرام فإنه يشير بذلك إلى إلقائه الدنيا وما فيها من مشاغل وأعمال وراءه ظهرياً، ملتفتاً بكلِّيته إلى الله جامعاً نفسه على الله
.. تراه يبدأ أول ما يبدأ بدعاء الثناء، فهو يقول: (سبحانك اللهم)وما كلمة (سبحانك)إلاَّ تعبير لفظي عن سبح النفس في عظمة ربها تلك العظمة التي لا تتناهى. وما كلمة (اللهم)إلاَّ تعبير عن مشاهدة النفس للتسيير الإلهي لسائر الكائنات، فإنها بكلمة (سبحانك اللهم) تعبر عن سبح نفسي مقرون بشهود للتسيير الإلهي لسائر ما في الكون، ورؤية أن هذا الكون بجميع ما فيه من عوالم سائر كله بإرادة هذا الرب العظيم، فلا نهاية والحالة هذه لجلال الله ولا حدَّ له ولا انتهاء. وتفيد كلمة (وبحمدك)إقراراً من النفس بأن هذا التسيير الإلهي لجميع ما في الكون، هذا التسيير كلَّه مبني على رحمة وفضل، فهو سبحانه يُحمد على هذا التسيير، ونتائجه كلها فضل على هذا المخلوق وإحسان وخير، ولا يصدر من هذه الذات العليّة إلا محض الإحسان والخير. لقد شاهدت هذه النفس المؤمنة التي وقفت تصلي هذه الصلاة طرفاً من هذا الحمد في التسيير الإلهي، ورأت من قبل شيئاً منه فقامت تعبِّر عن مشاهدتها بقولها (سبحانك اللهم وبحمدك)، فإنها تقول ما أعظم جلالك أيها الرب العظيم، وما أعظم فضلك أيها المسيّر الحكيم، إن كل ما في الكون سائر بأمرك، وإن كل ما تسيِّره بما تُحمد عليه إنه يسير سيراً مقروناً بحمدك.

أما كلمة
(وتبارك اسمك)فهي تعني أن اسم الله هذا الاسم الذي يشير إلى الذات العليَّة، هذا الاسم العالي، وهو كلمة "الله" ينطوي تحته معانٍ كلُّها خير وكلها فضل وإحسان لسائر العباد والمخلوقات، ففيها البركة على العباد وفيها الخير المستمر على سائر المخلوقات.

وإن كلمة
(تبارك) تعني تتالي الخير الإلهي وتتابعه على المخلوقات. وكلمة (اسمك)تشير إلى ما ينطوي تحت كلمة (الله)من معان وأسماء. إنها تشير إلى اسم الرحمن الرحيم، والحكيم العليم، والقوي القادر، المقسط العادل.. إنها تتضمن سائر الأسماء الإلهية التي انطوت تحت كلمة (الله) كلها خير وفضل وإحسان. ذلك بعض ما نفهمه من كلمة (وتبارك اسمك).

وذلك حال النفس تعبر عن إيمانها ومشاهدتها لما يتتالى على الخلق من خيرات هذه الحضرة الإلهية تتالياً متتابعاً لا ينقطع طرفة عين أو لحظة من اللحظات، ثم ينتقل المصلي إلى كلمة
(وتعالى جدك)، وكلمة وتعالى جدك مأخوذة من الجد تقول جد فلان في الأمر أي انصرف إلى إتمامه وإنجازه انصرافاً تاماً لا يدع معه أدنى خلل أو نقص فيه.

وهكذا فالله جل جلاله متواصلٌ خلْقُهُ وإمداده لا ينقطع، وخلقه إنما يأتي دوماً على أبدع وجه من الكمال فما من نبات ولا حيوان وما من تنظيم لشؤون هذا الكون وما من مخلوق من المخلوقات إلا ويتم خلقه وتتواصل العناية الإلهية به على أكمل وجه وبصورة لا يستطيع أحد أن يجد فيه نقصاً أو خللاً فضلاً عن أن يدرك لكماله نهاية
. هذه المخلوقات كاملة من كل ناحية تامة من كل وجه لا يستطيع الإنسان أن يجد نهاية لكمالها في حسن ترتيبها ودقة صنعها وإذا الكون كله في كماله وإذا كل مخلوق من مخلوقاته وإذا كل عضو من أعضاء لأي مخلوق كان وإذا وظائف الأجهزة والأعضاء وإذا الترابط الوظيفي بين هذه الأجهزة والأعضاء، وإذا الكون كله مهما دقت أجزاؤه ومهما عظمت وكثرت مخلوقاته كل ذلك جاء خلقه ويجيء على التوالي تاماً كاملاً يعجز الإنسان أن يرى لكماله نهاية وكيف يدرك لهذا الكمال نهاية وهو نسيج يد القدرة الإلهية؟
ولذلك يعبر المصلي عن طرف من مشاهداته لهذا الكمال الإلهي في إيجاد هذه المخلوقات بقوله
: (وتعالى جدك) أي تعالى خلقك عن أن أجد لكماله أو أن يجد أحد لكماله نهاية فلا نهاية ولا حدَّ لكمال الخلق الذي قامت عليه هذه الموجودات.

ويختم المصلي دعاء الاستفتاح بقوله
(ولا إله غيرك). فعلى الرغم من سعة هذا الكون وعلى الرغم من تطلّبه تسييراً دقيقاً وعلماً واسعاً وقدرة لا متناهية وحكمة بالغة فليس له من إله معك فأنت المسير لشؤونه وحدك وأنت العليم بما تتطلبه سائر مخلوقاتك وأنت الواسع الحكيم وأنت الإله القدير والعزيز الرحيم وهذه بعض معاني وأذواق ذاقتها نفس هذا المؤمن خلال مسيره في طريق الإيمان فقام يعبر عن أذواقه ومشاهداته لمَّا وقف بين يدي خالقه للصلاة ذكَّره بها وأعاده لشهودها كله كلمة (الله أكبر)الذي افتتح بها الصلاة فذكر بهذه الكلمة وتذكَّر ولا يتذكَّر إلا من تذكَّر.

ثم يبدأ المصلي صلاته بكلمة
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وتدخل نفسه بهذه الكلمة الكعبة البيت الحرام والحصن الحصين وهنالك تجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم إمامه وإمام العالمين فيقتدي بهذا الرسول الكريم وينصت إليه فإذا به صلى الله عليه وسلم يقول لهذا المقتدي بل لكل من ائتم به ووقف يصلي معه (بسم الله الرحمن الرحيم).

أي يا عبد الله إنما أبلغك باسم هذا الإله الرحمن الرحيم وأتلو عليك ما سأتلوه عن لسانه
.

وهكذا فكلمة
(بسم الله الرحمن الرحيم)إنما هي خطاب لك أيها المصلِّي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبك بها معرفاً ومبيناً أنه إنما يتلو عليك ما يتلوه باسم الله وعن لسان الله وهو بيان لك من الله وينصت هذا المصلِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويصغي إليه وتتفتح مسامع نفسه لما سيتلوه عليه فإذا به صلى الله عليه وسلم يتلو كلام الله قائلاً: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين}.. ونوجز ثم نفصل فنقول:

يريد الله تعالى أن يعرفك في الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث بأنه تعالى يُحمد على تسييره لهذا الكون فما من حادثة تحدث ولا مصيبة أو ضائقة تلم وتنزل ولا عسر أو يسر ولا مرض أو شفاء وما من هم أو غم ولا نصرة أو خذلان وما من واقع يقع في هذا الكون إلا وهو منه تعالى محض الخير والفضل والإحسان فهو سبحانه يحمد على كل حال وهو تعالى يستحق الحمد وله الحمد في كل ما يسوقه لهذه المخلوقات، أدرك طرفاً من ذلك أولوا العلم والأبصار ولو انكشف الغطاء لما اخترت إلا ما اختاره الله لك وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبُّوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
. وكيف لا يُحمد الله تعالى على ما يسوقه لعباده وهو الرحمن الرحيم؟ وهل يعاملك الرحمن إلا بما فيه السعادة لك وهل يسوق لك هذا الرب الرحيم إلا ما فيه خيرك؟

رد مع اقتباس