الحـروب الصـليبـية (4) : الحملة الصليبـية الثانية
لم يصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للغارات باستمرار ولهجوم المسلمين بشكل دائم ، وعندما نقضوا عهدهم مع العبيديين أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال .
وجه العبيديون حملة كبيرة بقيادة حاكم بيروت السابق عام 494 انطلاقاً من عسقلان نحو بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت .
وجهز العبيديون حملة أخرى عام 495 واتجهت إلى اللد والرملة فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي ( بلدوين ) فانهزم وفر إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففر من الرملة واستعادها المسلمون ، ثم حاصروه في يافا فجاءته نجدات بحرية فهاجم المسلمين فانتصر عليهم .
ثم أرسل العبيديون حملتين : إحداهما برية والأخـرى بحرية واستنجـد ( بلدوين ) بأمير الرها وأمير أنطاكية فأنجداه وانتصر .
وجهز العبيديون جيشاً كبيراً ودعموه بأسطول بحري ، وطلبوا دعم السلاجقة فأجابوهم ، وجرت أول معركة عام 498 ظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين ، ولم تكن نتائجها واضحة .
واستمرت غارات العبيديين على البلدان التي سيطر عليها الصليبيون ، فقد أغاروا على يافا عام 499، وفي العام التالي على الخليل ، وفي العام الذي يليه وصلوا إلى أسوار بيت المقدس ، وفي عام 518 أغاروا على يافا ، وأغاروا على بيت المقدس .
وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة عام 494 على حملة صليبية جاءت من غربي أوروبا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس .
ونصب الأمير كمشتكين كميناً لأمير أنطاكية الصليبي وأخذه أسيراً عام 494 ، واستطاع في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً .
وفي عام 497 سار أتابك الموصل جكرمش والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها ، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي ، ووقع ( بلدوين ) و ( جوسلين ) في الأسر .
وفي عام 499 أغار أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل ، وأغار أمير الموصل مودود عام 505 على الصليبيين ، وفي العام التالي سار إلى جهات طبريا ومدينتها .
وفي عام 514 هاجم النصارى الكرج ومن معهم من القفجاق – وهم من الكفار – ديار المسلمين وأحرزوا نصراً على المسلمين .
وفي عام 518 هاجم الصليبيون مدينة صور وكانت للعبيديين ، وسـار ( بلدوين الثاني ) أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسـر ( بلدوين ) و( جوسلين ) فأسرع إليه (بلك الأرتقي) ، فهزم جيشه وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده .
وفي عام 523 حاصر الصليبيون دمشق ولكن فشلوا في اقتحامها .
وفي عام 527 جاءت أعداد كبيرة من التركمان من الجزيرة ، واتجهوا نحو طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها ... إلخ .
وبدأ عماد الدين زنكي في عام 529 يوجه هجماته على مراكز الصليبيين الواقعة شرق نهر العاصي ليكون الفتح تدريجياً فاستولى على الأثارب و زردنا وتل أغدى ومعرة النعمان وكفر طاب وأغار على قنسرين وشيزر وحمص .
وأغار نائب زنكي على الصليبيين عام 530 فوصل إلى اللاذقية ، وفي سنة 531 أغار المسلمون على إمارة طرابلس فقتلوا أميرها وأسروا عدداً كبيراً من أتباعه .
واستطاع عماد الدين زنكي أن يفشل خطة ( حنا كوين ) إمبراطور البيزنطيين في الاستيلاء على حلب ، وامتاز زنكي عن غيره من أمراء المسلمين أنه جعل المعركة جهاداً في سبيل الله قبل كل شيء ، وجعل توحيد المسلمين وصفوفهم خطوة ضرورية قبل خوض أي معركة ضد الصليبيين .
واستطاع زنكي عام 539 أن يحاصر الرها وأن يستعيدها من الصليبيين ، واستولى على سروج عام 539 .
أما الحملة الصليبية الثانية فقد شجعها على الانطلاق فتح عماد الدين لإمارة الرها عام 539 ، وعندما انطلقت هذه الحملة عام 542 كان عماد الدين قد توفي ، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين إمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين ، وكان على رأس الحملة ملك ألمانيا ( كونراد الثالث ) و ملك فرنسا (لويس السابع ) ، واتجهت الحملة نحو دمشق ، وكان أميرها مجير الدين يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه ، واتجاه الحملة الصليبية نحو دمشق جعل أمير دمشق يستنجد بنور الدين زنكي ضدهم ، وهذا ما هيأ لنور الدين احتلال دمشق عام 549 ، واضطر ملك ألمانيا بعدها العودة إلى بلاده ، كما تبعه ملك فرنسا بعد مدة وجيزة .
ولما قتل زنكي حمل الراية الجهادية ابنه نور الدين محمود الذي حاصر الصليبيين في الرها – استطاعوا الاستيلاء عليها بعد موت عماد الدين – وهزمهم هزيمة منكرة ، وقتل (بلدوين) وأصيب ( جوسلين ) إصابة بليغة ، واستعاد منهم الرها .
وواصل نور الدين جهاده فاستطاع في عام 542 أن يستولي على عدد من القلاع مثل : بسرفوت وأرتاح والأثارب وكفر لاتا وغيرها .
وهكذا كان الهجوم على الصليبيين من الجنوب والشمال ، ثم امتد على أمارة طرابلس في الغرب ، فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتقلقهم باستمرار ، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي وتتوسع على امتداد إمارات الصليبية ،ويخطط عماد الدين وابنه من بعده محمود للسير بصورة تدريجية ومركزة .
وفي عام 544 دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية وحاصر في طريقه مدينة حارم ، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم ، غير أنه هزم عام 546 عندما سار لقتال ( جوسلين ) أمير الرها ، ثم تمكن من أسره فيما بعد ، وظل في أسره تسع سنوات ، واستطاع أن يأخذ عزاز وعينتاب ومرعش .
وباختصار فإن إمارتي الرها وأنطاكية الصليبيتين أصبح معظمهما في أيدي المسلمين .
وفي عام 546 استطاع مسعود الاستيلاء على عينتاب ودلوك ، واستولى نور الدين على الراوندان ثم على تل باشر .
واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام549 ، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام 550 ، ويعتبر عام الوحدة وتجمع القوى الإسلامية ، كما أخذ شيزر عام 552 ...
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/269 ، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبدالحليم محمود 89