عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-01-2008, 06:20 PM
سمو الرووح سمو الرووح غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 31,712
معدل تقييم المستوى: 49
سمو الرووح is on a distinguished road
رد: دروس من الهجرة النبوية


- 2 -


ومن القضايا المهمة التي لابد ان نتدبرها في قضية الهجرة ان الرجال الذين هاجروا
معه والنساء الذين تبعوهم

على الرغم من انهم كانوا قلة وضعفاء الا انهم كانوا اقوياء بايمانهم وصبرهم واحتسابهم،
وقد اعانهم الله وأكرمهم وكرمهم ورفع من شأنهم.

ولا شك أن العامل الآخر

هو أن المدينة المنورة كانت قد بدأت تستقبل الإسلام ودخل في دين الإسلام عدد من أهل المدينة
وكان
هذا الأمر مهما وشجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوجه إلى المدينة المنورة.

أضف إلى ذلك أنه في ذلك الوقت كان لها دور أساسي باعتبارها مركزا حضاريا من الناحية التجارية ومن الناحية الزراعية،

وكانت مدينة تعج بالحركة والنشاط بالإضافة لكونها ملتقى القوافل التي كانت تمر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام
وهذا أيضا جعلها مؤهلة أن تلعب دوراً أساسيا بالنسبة لانتشار الدعوة الإسلامية.

ومن العوامل الأخرى المهمة:

ما اتسم به أهل المدينة من مروءة ومن رجولة
ولا شك ان من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المدينة ان دعا لها وحرم ما بين لابتيها.
عندما قال صلى الله عليه وسلم:


ا ـ « اللهم إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم ابراهيم مكة » (متفق عليه من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه).

2 ـ « المدينة حرم ما بين عير الى ثور » (متفق عليه من حديث علي رضي الله عنه).

3 ـ « ان ابراهيم حرم مكة واني حرمت المدينة وما بين لابتيها » ( رواه مسلم من حديث حاصر رضي الله عنه).
4 ـ « اللهم اني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم ابراهيم مكة » (متفق عليه. من حديث أنس رضي الله عنه).

5 ـ « اللهم ان ابراهيم حرم مكة فجعلها حرما واني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها » (رواه مسلم. من حديث ابي سعيد رضي الله عنه). الى غير ذلك من النصوص.

ودعا صلى الله عليه وسلم للمدينة بمثلي او بضعفي ما دعا ابراهيم عليه السلام لمكة،وأن يكون فيها من البركة ضعف ما بمكة أيضا من البركة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان الناس اذا رأوا أول الثمر جاءوا به الى النبي صلى الله عليه وسلم
فاذا اخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في ثمرنا »
(الحديث)

وفي آخره: « اللهم ان إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وانه دعاك لمكة وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه » (اللفظ لمسلم).

ومن حبه صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة أنه اضافها الى نفسه فسميت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والمدينة النبوية ومدينة المصطفى بعد كان اسمها في الجاهلية يثرب.

وهكذا دخلت التاريخ من أوسع ابوابه.

ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها يحس بابعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل

ثم تلاه الأخذ بالأسباب، فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه يتشوق للهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى التريث حتى جاءت اللحظات الحاسمة التي أدرك
فيها أبو بكر الصديق أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عز وجل.

وجاء اليوم المشهود، وجاء صلى الله عليه وسلم إلى دار أبي بكر في وقت لم يكن من المألوف
أن يزورهم فيه،فقد كان يلم بدارهم كل يوم صباحا أو في العشي، ولكنه لم يكن يزورهم فى
اشتدادالحر في مكة كما حدث في ذلك اليوم، فقال الصديق رضي الله عنه:
ما جاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمر عظيم، وربما توقع أنه هذا الأمر وأنها الساعة التي كان ينتظرها.

وكانت القصة فقد اخبره عليه الصلاة والسلام انه قد اذن له في الهجرة، وعليه ان يعد العدة ويستعد للخروج
معه رفيقا ومؤنسا معينا في هذه الرحلة الخالدة بخلود كتاب الله المجيد، فبكى أبو بكر من شدة الفرح،
ومنذ الساعة تزايد إحساسه بالمسؤولية عن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وعن نجاح هذه الرحلة الميمونة،
فاستأجر دليلا خبيرا ماهراً مؤتمنا، من بني عبد بن عدي،تسلم الراحلتين يعتني بهما ويعلفهما حتى تأتي الساعة الموعودة،
ثم رتب
مع عامر بن فهيرة مولاه أن يرقبهما حتى إذا استقرا في الغار ويروح عليهما بمنيحة أبي بكر أي
بأغنام أبي بكر كل يوم ليشربا لبنها ولتختفي آثار أقدامهما تحت أرجل الغنم،وكلف
ابنه عبد الله أن يأتيهما كل ليلة ـ حين تهدأ الرجل ـ حاذرا ـ
ليخبرهما بما سمع من حديث المشركين وظنونهم وتدبيرهم، وكلف
اسماء بنت أبي بكر أن تعد
سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سيحملانه في هذه الرحلة من زاد وماء.


وصل الركب الشريف إلى غار ثور، ووجدا فيه مكانا صالحا للاختفاء فترة من الزمن حتى يهدأ الطلب،
فأسرع الرائد الأمين يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاد المكان يتفحصه ويؤمنه حتى يطمئن
إلى خلوه من عدو أو خطر أو دواب أو حشرات، ودخل الغار يصلح من شأنه قدر طاقته حتى يكون
صالحا لإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وشق رداءه قطعا يسد بها شقوق الغار خشية أن يكون
بأحدها حية أو هامة من هوام الأرض تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن حل الرسول
الكريم بالغار حتى أسرعت الحمامة تصلح عشها وتبيض على بابه، وجاءت عنكبوت فنسجت نسيجها
الواهي تسد به مدخل الغار، وقد تم كل ذلك بأمر الله وتدبيره عز وجل.

وظل الفتية من قريش الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم أمام داره فغشيتهم الغاشية،

فلم يحسوا به يتسلل من بين أيديهم،وما لبثواو ان اقتحموا داره حتى وجدوا الفتى الشجاع
على بن ابى طالب يرقد فى فراشه ,
فماان علموا بخروجه، فأصابهم ما يشبه الجنون،وانطلقوا يبحثون عنه في كل اتجاه ويبذلون الوعود بالمكافأة السخية
لمن يدلهم على محمد أو يأتيهم بأخباره وصاحبه،وأخذوا يهددون آل أبي بكر وصغاره عسى أن يفوزوا منهم بكلمة
تدلهم على مكانه فلم يصلوا إلى شيء.

انطلقوا يبحثون في كل شبر بمكة وشعابها وما حولها حتى وصلوا إلى الغاروتقدم دليلهم وهو يتوقع
في ما يشبه اليقين انه سيجدهما في هذا الغار المحفور في الصخر،لكنه فوجئ بما خيب أمله فقد وجد
على باب الغار حمامة ترقد على بيض وعنكبوتا نسجت فسدت مدخل الغار،فقال للقوم انه غار لم يدخله
أحد منذ شهور عدة،ارتجف قلب أبي بكر حين رآهم فوقه خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فأجابه:
« يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ».

وخلد القرآن هذا المشهد الرائع بقول الحق تبارك وتعالى:

« الا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه
لاتحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ».


ومكثا في الغار يومين أو ثلاثة، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار، لقد هدأ الطلب،
وجاءهما الدليل بالرواحل، وجاءت أسماء بالزاد ولما لم تجد ما تعلق به الطعام والماء في
الرحل شقت نطاقها فجعلت منه حبلا ومنذ يومها سميت ذات النطاقين.

وبدأت الرحلة في طرق وعرة بعيدة عن طرق القوافل اتقاء لمقابلة أحد من أهل مكة وتجلى أثناء الرحلة
استعداد الصديق للتضحية والفداء والحرص على سلامة الدين بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهو يمشي أمام الرسول ليتلقى عنه ما قد يأتي من الأمام، ثم يتذكر الطلب فيمشي خلفه، ثم يمشي عن يمينه،
ثم يمشي عن يساره، وهكذا طول الطريق يمهد له الظل ليستريح، ويأتيه بالطعام والشراب، لا يدخر وسعا
ولا يألو جهدا في خدمته وتهيئة أسباب الراحة ما أمكنه ذلك، يخفق قلبه عند أية بادرة أو نبوة خوفا عليه
صلى الله عليه وسلم وعلى مصير الإسلام والمسلمين إن حدث له شيء.

هذه اذا ملامح من الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر والرغبة فيما عند الله عز وجل ولكنها
في الوقت نفسه توضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن قضية مفاجأة ولا أمراً عفوياً، بل كان فيها
الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي سبقه التمهيد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى أو الثانية
أو الثالثة يوم كان ينتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم مواسم الحج فيلتقي بأهل يثرب
ويدعوهم ويهيئهم، ثم ما فعله مع الخزرج في العام التالي واخذ صلى الله عليه وسلم يتدرج في البيعة،
ثم عندما أرسل مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بالرجال والنساء الذين دخلوا في الإسلام
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على لقائهم في موسم الحج التالي وتمت البيعة والرسول صلى الله عليه وسلم يحادثهم:
<<ابايعكم على ان تمنعوني فيما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فردوا عليه: نعم،
والذي بعثك بالحق نبيا يارسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الدروع ورثناها كابراً عن كابر>>.

هكذا اذاً مهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الهجرة ثم خطط لها يوم همس في أذن أبي بكر
بأن الإذن قد جاء بالهجرة وما تبع ذلك من تخطيط في اختيار الوقت الملائم والمناسب للخروج
من مكة وفي تهيئة الأسباب الرئيسية للرحلة، ثم في خداع المشركين عندما طلب من سيدنا علي بن أبي طالب البطل المغوار
أن ينام في فراشه،فهذه التنظيمات من كتمان تام لخبر الهجرة،واختيار ملائم للتوقيت والخروج في وقت الهجيع الأخير من الليل
وسلوكه طريقاً غير الطريق الذي تألفه قريش، كل هذه الأمور تعلم الأمة أهمية التخطيط في حياتها وأهمية التنظيم
وأهمية الشورى وأهمية التعاون، ثم العزم والتوكل على الله والصمود في سبيل مرضاة الله عز وجل
مهما كانت الصعاب ومهما كانت الكوارث ومهما كانت التحديات.

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الدروس ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية هامة:

«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» لأنه القدوة ولأنه الأسوة ولأن هؤلاء الرجال أخذوا عنه،
وهذا رب العالمين يأمرنا بطاعته
« من يطع الرسول فقد أطاع الله » ويقول عز وجل « أطيعوا الله وأطيعوا الرسول »
ثم يجعله القدوة والأسوة « لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ».

هذه إذاً لمحات من الهجرة ولا شك إن من الواجب أن نحرص كل الحرص على أن نستفيد من هذه المناسبة
ونعود إلى الله ونتوب توبة نصوحا،فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غمار المعارك يتوب إلى الله ويستغفر الله
ويجأر إلى الله بالدعاء ويعلمنا أن نعود إلى الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح الذي يروى عنه صلى الله عليه وسلم
انه يتوب إلى الله بين اليوم والليلة اكثر من سبعين مرة، ويعلمنا ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له،
كل هذا لنتعلم العبودية الخالصة لله عز وجل، وأن نعلم أن الأخذ بالأسباب شيء،ولكن الأساس في
لأمر هو العزيمة والتوكل على الله عز وجل حق التوكل ومن الواجب الأخذ بالأسباب في كل عمل نقوم به وفي كل معركة تنوي الأمة الإسلامية القيام بها، ولا بد في كل الأمور أن نعود بين وقت وآخر إلى مثل هذه الأحداث لنتعلم من معلم هذه الأمة كيف تصرف وكيف فعل وكيف خطط وكيف نظم،ومع ذلك
فإنه في كل الأمور كان يلجأ إلى الله ويخاف رغم ما وعده الله سبحانه وتعالى به من نصر ويحرص على أن يكون قريبا من الله عز وجل، ويعلمنا أبعاد التوبة وأهمية التوبة وإخلاص العبادة لله عز وجل.

والعودة الى الله والتوكل عليه والإيمان الكامل والصادق بأن الأمور كلها بيد الله، وأن نتعلم ونحن نتابع
هذه الدروس والأحداث أن الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ من الاتباع والالتزام بكل ما جاء به
صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل وهذا التوجيه الرباني الواضح في أن حب الله عز وجل يبدأ
ويتحقق باتباع الرسول الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم:
« قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله » .

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل


منقول للفائدة العامة
رد مع اقتباس