عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 01-04-2005, 03:23 PM
ابومحمد الشامري ابومحمد الشامري غير متصل
ابوحمد الشامري ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Dec 2004
الدولة: شـبـكـة مـجـالـس العجمـــــان
المشاركات: 19,132
معدل تقييم المستوى: 10
ابومحمد الشامري قام بتعطيل التقييم



( التذوق والتقدير الجمالي )

(1) التذوق من المبدع إلى المتلقي:‏


مهما كان جنس العمل الفني وانتماؤه، لا يمكن تحريره –إلا من ناحية فرضية بحتة –من تعلقه بمبدعه أولاً ثم بمتلقيه ثانياً.‏

فليس العمل الفني مقطوع الصلة عن المبدع وخصائصه النفسية والبنية الاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها. ولربما كان الاتكاء على النص أو العمل مفيداً في تحليل الأعماق اللاشعورية للمبدع، لذا فالانتقال من العمل إلى مبدعه أو منتجه أفضل من إقصائه لأنه يفسح في المجال لاكتشاف ما يجمع المبدع بالمتلقي، أو ما يجعل المنتج الفني وتذوقه قابلين للفهم.‏

ويجد المرء نفسه في كل محاولة لفهم عملية التلقي بحاجة ماسة إلى فهم ديناميكية الاستجابة وعلاقتها بالمثير من جهة وبعملية الاتصال من جهة أخرى وليس بعيداً عن علاقة ذلك بالقيم التي تجعل من عمل ما على درجة معقولة من القبول لدى هذا المتلقي أو غيره.‏

وخضعت عملية التذوق لعديد من التفسيرات أكد بعضها على العوامل التي يتكون منها العمل، كما أن بعضها الآخر شدد على العوامل الذاتية لدى المتلقي. لكن هذه التفسيرات على اختلافها لم تمنع تفسير عملية التذوق بمجموعتي العوامل معاً. وهذا ما يدخل أثر المثير ودوره (وهو في مجال الاتصال والعلاقة بين المبدع والمتلقي يتمثل في العمل الفني) ودور الخصائص التي تميزه والأشكال التي يظهر بها (من البساطة أو التعقيد) وقدرته على إحداث استجابات متنوعة في معادلة العلاقة في التذوق بين المبدع والمتلقي بحيث يشكل العمل الفني في البداية نوعاً من المخرجات عند المبدع ليصير مدخلات لدى المتلقي.. لكن العمليات النفسية والعقلية المتفاعلة مع هذه المدخلات هي التي تمنح مخرجات عملية التلقي خصائصها وسماتها لتعود هذه المخرجات فتؤثر في المبدع من خلال عملية تغذية راجعة تدعم ما استحسنه المتلقي وتعطي الإشارة للمبدع للمراجعة فيما لم يلق استجابة حسنة عند المتلقي.‏

وقد تناولت الدراسات القديمة والحديثة عملية التذوق بالبحث والتفسير. ففي كتاب (الهوامل والشوامل) يتساءل أبو حيان التوحيدي عن طبيعة الإدراك الجمالي فيقول: "ما سبب استحسان الصور الحسنة؟ وما هذا الولوع الظاهر والنظر والعشق الواقع من القلب والصبابة المتيحة للنفس والفكر الطارد للنوم والخيال الماثل للإنسان. أهذا كله آثار الطبيعة؟ أم من عوارض النفس؟ أم هي من دواعي العقل؟ أم من سهام الروح؟ (1)‏

فالتلقي لا يتم في حالة استرخاء وإنما هو بحاجة إلى الاهتمام والانتباه. إذ يشتمل الاتجاه الجمالي على نوع من الابتعاد النسبي عن الانشغالات الذهنية والاهتمامات العملية –كما يقول اوسبورن –ويكو ن الاهتمام بالموضوع الجمالي ليس من خلال كونه ذي فائدة أو نفع، وإنما من خلال تفهم الجوانب الانفعالية والمميزة لها.‏

ولربما كان التذوق كأي نشاط ذهني غير بعيد عن العاطفة بحاجة بالإضافة إلى الدربة إلى مستوى أرقى من التركيز يقوم على التمهل والتروي والتحكم بعيداً عن التسرع في إطلاق الأحكام والذوبان والاندماج. ولا بدمن إضاءة الموضوع بالانفعال والشعور والمعرفة والاستدلال والتحليل والمقارنة والتصنيف وتكوين المفاهيم...‏

وهكذا يكون التذوق "ممكناً من خلال نوع من الاكتشاف العقلي الذي يتطلب بدوره ذاكرة متطورة والارتقاء بها، بحيث يمكنها الاحتفاظ بخبراتها لمدة أطول، كما يتطلب ذلك قدرات إدراكية وتحليلية ومعرفية" (2)‏

ولا يمكن فصل عملية التذوق عن عمليات التأمل وإتقان الاستماع والمقارنة والتحليل وهو ما يرى فيه علماء النفس أساساً مهماً في التفاعل بين الانفعال والعقل، وبين الحساسية الوجدانية وعمليات التفكير والتحليل والمقارنة المعرفية.‏

وتمتد هذه العملية من إغراء الحواس وإغوائها إلى كشف الأعماق، حيث تستمد قوتها أو مشروعيتها من كون الخيال هو الذي يستطيع أن يعيد للبشرية المهددة فكرة الحرية، ولعل هذا كان أحد أهم المبادئ الأولية في انطلاقة الحركة السريالية، كما يقول جبرا إبراهيم جبرا. (3)‏

وهو ما نجده واضحاً فيما قاله (أراغون):‏

"إنها مسألة التوصل إلى إعلان جديد لحقوق الإنسان" بينما عدّها (بريتون) وهو السريالي المعروف الخلق التلقائي الذي يتعدى الواقع المحجوب. فوراء الواقع أي في اللاوعي الحقيقة الشاملة التي ينطوي تحتها كل شعر، كل مجاز، كل شهوة، كل حلم.‏

فعملية التذوق التي تشد عملية الاتصال بين المبدع والمتلقي هي جزء من لغة النفس التي وهي في الأعماق لا تنطق إلا بالرموز المغلقة.(4)‏

وهو- أي التذوق- يلبي حاجة هامة تطلبها الحواس بعلاقته بالسحر. فلو (انتزع من قلوب البشر حب الجمال، لما بقي في أعينهم أي سحر). بهذه العبارة الدالة عبّر (روسو) عن عملية التذوق التي تقول عنها الروائية عالية ممدوح بها نجرؤ على استحقاق الجمال.‏

لكن هل تستطيع العلاقة بين المبدع والمتلقي أن تمنح التذوق بمعناه الأوسع الفني والجمالي تعريفاً محدداً؟ أم أن التذوق بحاجة إلى مزيد من الفحص حتى يمكن فهمه بصورة أوضح وأكثر صراحة؟‏

(2)التذوق والمعنى:‏

يتصل التذوق بالمعنى في العمل الفني، وبمعنى العمل بعامة والنص بخاصة الذي هو هذا الشيء الذي ينتجه القارئ حين يقرأ وليس ذاك الشيء الدفين أساساً في النص بمعزل عن القارئ.(5)‏

فكل شيء في الوجود- بحسب أرسطو- هو محاكاة لمثال. وهذا المثال لا تراه العين أو لا تقع عليه، وهو محاكاة لعمل جميل موجود أو متصور يجلوه الفكر أو يصوره الخيال.‏

فالمعنى إذاً غير مطروح في السوق كما يقولون، وإنما هو ما ينتجه القارئ أو المتلقي بعامة. سواء كان العمل لوحة تشكيلية أم نصاً أدبياً أو لحناً، أو حركة.. الذات المتلقية هي التي تصنع له معنى. ويبقى العمل الفني مطروحاً ومفتوحاً على المزيد من التأويلات بحسب الانطباعات التي يتركها والتي تتأثر بدورها بقناعات المتلقي. ويفرض العمل الفني اتباع "منظومة هادية إلى القراءة وبالتالي إلى المعنى، ولكنها في الآن نفسه منظومة لا نهائية مفتوحة، وتحتاج إلى استكمال وتجسيد.. وحقيقة النص تقع في العلاقة بين القارئ والعمل، وهي نتيجة الوشيجة الجدلية بينهما"(6).‏

ويستند المعنى في علاقته بعملية التذوق والإدراك الجمالي إلى تربية الحواس حيث تجد الحواس في العمل الفني ما يشبع حاجاتها. (لا يقتصر دور الأذن على سماع الأصوات، وإنما هي بحاجة لأن تسمع- ولا تقتصر وظيفة العين على رؤية الأشياء وإنما هي بحاجة إلى أن ترى. فكأن الجمال تعبير ووسيلة في الوقت نفسه لإرضاء حاجات عضوية لدى الكائن البشري. فالحاجة إلى الجمال والانسجام- تقول جوكوفسكايا- مغروسة في طبيعة الإنسان ذاتها. وينجذب الأطفال منذ الصغر إلى ما يبدو لهم جميلاً ساطعاً بشكله أو لونه.(7) كل إنسان، بشكل ما، ذواقة.. يتذوق شيئاً يستهويه أو يجذبه نحوه. ويعتمد التذوق على الحواس أولاً، لكنه يتطور من مجرد انفعال يقوم على الإعجاب والدهشة اللذين يسترعيان الانتباه إلى تقدير شخصي للعوامل المعنوية الدفينة في العمل.‏

تنبعث الانفعالات الخاصة بالجمال بالسمع والبصر.. ويكون التذوق بهذا المعنى تفاعلاً ضمنياً بين الشيء الجميل والمتلقي، وهو يعرض للحالة الشعورية عند الإنسان. وبالتالي يكون التذوق بهذا المعنى شعوراً بالتوافق الوجداني بين حالاتنا الانفعالية وإيحاءات الوحدة الجمالية، وهو يتعلق بالعواطف التي كلما كانت رقيقة إيجابية ساعدت بدورها على الارتقاء بالذائقة الجمالية.‏

ويمكن إجمال ما سبق في كشف العلاقة بين المعنى والتذوق في أن الأخير يتمثل في قدرة الشخص على الاستجابة الانفعالية لما يحسه ويشعره، وهو موجود لدى الناس كافة، ولكن بدرجات متفاوتة.. ويكاد يكون واحداً بين المنتمين لبيئة واحدة بفعل الثقافة المشتركة والعيش المشترك، وكما يقول (ماكدوغال) هو حالة وجدانية صرفة. ولأنه كذلك فهو يتصل بعاطفة الحب الذي يعود التخلف في التذوق الجمالي إلى إهمالها. وكشف عالم النفس الفرنسي المعروف (الفريد بينه) أن أطفال السنة الرابعة قادرون على تذوق الجمال، وإن في أبسط أشكاله لأنهم مفعمون بالحب الوالدي.. وكل ما ذكر يشكل الضرورات في عملية التذوق ولكنه لا يكون كافياً إذا لم يستند إلى خلفية معرفية عقلية..‏

(3)التذوق والاستمتاع:‏

لا ينفصل التذوق عن الاستمتاع بالجمال الذي يحتاج إلى مكابدة وممارسة ودربة. وهو بالتالي يخضع لعمليتي الاكتساب والتعلم. فما يساعدنا على اكتشاف الجمال لا يكون خارج خبراتنا التي بوساطتها نتذوق الجمال فيما حولنا، وبها ندرك ما يتمتع به العمل الفني من الجدة والأصالة. وكلما كان المتلقي قادراً على الاستمتاع بألوان مختلفة من الفنون كلما كانت لديه القابلية لتذوق ضروب فنية متنوعة.‏

(4)التذوق والخبرة والإدراك:‏

من كل ما سبق يمكن أن نلج إلى مفهوم الخبرة الجمالية والإدراك الجمالي. فالخبرة الجمالية ظاهرة بشرية- وإن وجدنا لها أساساً في سلوك بعض الأصناف والأنواع الحيوانية- وهي تعود في أصولها إلى نواح فطرية أولية، لكنها لا تظل كما هي عليه لدى الإنسان الذي لا يقاس ما يتعلمه ويكتسبه بما هو غريزي لديه.‏

وتبدأ الخبرة الجمالية عند الإنسان منذ إحساسه بالطبيعة واكتشافه ما فيها من نظام وتوافق. وهو إحساس خصب وفير. وتتداخل هذه الخبرة مع عملية الإدراك وتتفاعل معه. والإدراك في تجليه الجمالي لا يرى في الموضوعات أشياء ينتفع بها، وإنما يراها ظواهر جمالية يتذوقها، ويقف عندها لذاتها، ويستمتع بها.‏

فالتذوق يكون متحرراً من سر المنفعة ومن طلب الموضوع لذاته.(8)‏

وفي جانب من الخبرة الجمالية نكتشف خبرة تأملية بعيدة عن الاصطناع كونها- أي الخبرة الجمالية- تحتاج إلى مزاج خاص بها.‏

ولاكتشاف عنصري الرشاقة والإبداع ونقيضهما (كلام مهذب، كلام ناب) يجد المرء أين اتجه أن الحياة تنبض وتفيض بصنوف من الفنون الإبداعية والإنشائية كالنقش والنسيج والتطريز والعمارة وصناعة الأواني والنماذج الحيوانية والنباتية بحيث يستمتع المرء بالجميل ويحس به.(9)‏

إذ أن الفن بمختلف ألوانه ما هو إلا أداة تشكيلية تستند إلى تنسيق الواقع وتنظيمه وتحويله إلى صورة تجسيمية مبتكرة.‏

وكما يعلمنا التذوق رؤية الأشياء بنشاط، يعلمنا التفكير والإحساس بعيوننا وآذاننا وببقية حواسنا واستيعاب الخصائص الجمالية.‏

وكلما كانت القراءة (أو فعل التلقي) النشطة مقترنة بالنقد والتفكير كلما كانت القدرة في السيطرة على ما ينطوي عليه العمل من معنى أكبر وأفضل.‏

فما يثيره فينا الشيء الجميل أو (الجمال) هو معادل أخلاقي للفضيلة هذا ما رواه أفلاطون عن لسان أستاذه سقراط. إذ أن اللهجة الحلوة والرشاقة والانتظام لا تتأتى إلا من عقل نبيل مرتب منظم.‏

وفي المعنى ذاته يقول (رامبراندت):‏

"لن تكون الحياة لدى الناس عادلة إلا إذا كانت طافحة بالجمال"‏

فللتذوق مداخله المعرفية والأخلاقية والعاطفية والاجتماعية، يلخصه فرويد بقولـه: الانفعال الفني هو أعمق شيء في أعماقنا وهو أحد أشكال الاندماج الاجتماعي بل أقواها. فالإعجاز في الفن يتمثل في أنه يرد إلى أنفسنا عن طريق مزجنا بالآخرين كلياً، وكنا نجهلهم جهلاً تاماً.‏

وفي عملية التذوق الفني يهدأ روع الإنسان ففي اللحظة التي يحس فيها بالاغتراب والنفي يؤكد له الفن ذلك الرباط الروحي بالآخرين يجمعه وإياهم وحدة شعورية لا تنفصم.(10)‏

(5)التذوق والتقدير:‏


يبقى أن نشير إلى ما يميز التقدير الجمالي عن التذوق. فإذ يكاد التذوق أن يكون متشابهاً لدى أبناء الثقافة الواحدة باختلاف في الدرجة فإن التقدير يختلف عن ذلك، إذ يكاد لكل شخص حكمه وتقديره تبعاً لثقافة الشخص وكيفية تفاعله مع البيئة. وهو- أي التقدير- يتناول القيمة الإدراكية للشيء على أساس من إدراك العلاقات بين عناصر الموضوع ومعرفة تركيبه. إلا أن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن تقدير الجميل والحكم عليه يتأثران بالعوامل الذاتية للشخص (حالته النفسية، قدرته على النظر إلى الموضوع بمنظار منتجه، قدرته على المقارنة). وهنا تختلف نظرة الشاعر مثلاً للقصيدة التي يتلقاها مع نظرة القاص أو الفنان التشكيلي.. وتتعلق النظرة بالمادة وعناصرها وشكلها. وبلغة المتلقي وقدرته على التحليل والتركيب والنقد وبخبراته السابقة. فالرؤيا الجمالية في علاقاتنا بالمحيط والمؤثرات المختلفة فيه تكتشف علاقات منها ما هو مطمئن، ومنها ما هو منفر. لكن الإنسان المتذوق يحاول أن يغير من موقع الأشياء أو يتلاعب بالعناصر يبرز بعضها يخفي البعض الآخر حتى يتحول ما هو داخل مدى إحساسه إلى مظهر جمالي ماتع، لكن هذه الرؤيا لا تأتي سهواً رهواً بل نتيجة تربية وتعود.‏

(6)التذوق والتربية الجمالية:‏

واهتمت التربية الحديثة منذ بدايات عصر النهضة في أوروبا بالتربية الجمالية يقول (جان جاك روسو):‏

الغرض من تربية إميل أن أثبت عواطفه وأذواقه، وأن أمنع شهواته من النزول إلى الخبيث والرذيل. فإذا تم ذلك وجد إميل طريقه إلى السعادة ممهداً وأملي الوحيد أن يجد ذلك في المنزل.(11)‏

وتنطلق التربية الجمالية من كون الميل إلى الجمال واحد من ميول الإنسان الفطرية. وهو ميل يعود إلى جملة دوافع أولية، بل إن بعضهم يعده دافعاً من دوافع الإنسان العليا أو الراقية (حق، خير، جمال). لكنه لا ينفصل عن الحياة العضوية للإنسان وما تنطوي عليه من إحساسات وحركات وما تتطلبه من حاجات.‏

يرتبط ابتكار الموسيقا والشعر والغناء، وتذوقها بحاسة السمع. كما ترتبط فنون الرسم والنحت والتصوير والحفر وما إليها بحاسة البصر. أما الرقص فإنه يعود إلى الدافع الحركي.‏

لكن الإنسان بما يتميز به نموه العقلي والاجتماعي والانفعالي يصعّد دوافعه الأولية فتتجاوز دوافعه الأولية تلك مظاهرها البدائية إلى مظاهر أكثر تنوعاً وأعظم رقياً. حيث ترتفع الحركة عند الإنسان من حركات عشوائية محدودة إلى أشكال من الرقص الجميل والألعاب الممتعة.‏

تقول (جوكوفسكايا): الحاجة إلى الجمال والانسجام مغروسة في طبيعة الإنسان ذاتها. والأطفال منذ الصغر ينجذبون إلى ما يبدو لهم جميلاً ساطعاً جذاباً بشكله وألوانه.‏

كما أن المعرفة- بحسب بياجيه- ليست معطىً نهائياً بل تتشكل باستمرار، فالعلاقة بين الذات والموضوع هي سلسلة من عمليات التكيف التي تستمر مدى الحياة من خلال عمليتي التمثل والمطابقة.‏

وبالنسبة للشعور بالجمال والانجذاب إليه فيمكن ملاحظته من خلال ما يظهر من استجابة الطفل وهو في المهد نحو الأشياء الجميلة والأصوات الشجية..‏

أما ما يخص التعبيرات الفنية فتظل محكومة بالنمو الجسمي والحركي والنفسي.. ولكن ذلك الشرط الضروري لن يكون شرطاً كافياً فللتربية الدور الأهم في تربية الطفل على حب الجمال وتذوقه وتقديره بالإضافة إلى تدريبه ورعاية ما لديه من مواهب ليعبر عما يشعره وينتج الأشياء الجميلة..‏

إن في رعاية الطفل ومساعدته على الابتكار وتذوق الأشياء الجميلة دعوة حارة إلى تنمية الإبداع وتقديره. وإن إيقاظ إحساس الطفل لتذوق الجمال في شتى مظاهر الحياة هو إحدى مسؤوليات التربية في سن مبكرة من الحياة. ويراعى في ذلك:‏

1- تنمية القدرة على التعجب عند الطفل كخطوة أولى تتيح للطفل فرص تذوق الجمال من خلال إدراك الموضوع الجميل والشعور به وهو ما يمكن من أن يصبح الطفل قادراً على الانفعال بضروب الثراء الكامن في الوجود، وأرهف إحساساً بصنوف الجمال والانسجام الباطنين في الحياة.(12)‏

2-منح الطفل فرصة أن يرى ويسمع روائع الفن والأعمال الإبداعية لأن الاحتكاك المباشر بمثل هذه الأعمال دون اللجوء إلى التفاصيل الفنية الدقيقة أولاً يساعد على تدريب الذوق ونموه.‏

3-لا يقيد الكبار الصغار بوجهات نظرهم في تقدير الجمال الكامن فيما يعرض لهم، وألا يعارضوهم في آرائهم وترك الحرية لهم في تذوق الجمال دون قسر.‏

4-إتاحة الفرص للطفل لإصدار الأحكام على الأعمال التي يتصل بها. فليس ثمة تعارض بين "التفهم والتذوق، وبين التفكير والوجدان، بل لا بد من تشجيع حماسة الأطفال للنواحي الجمالية وتعبئة الطاقات النفسية، لما فيها من الدهشة العقلية والتفكير النقدي من أجل تذوق الجمال على النحو الأكمل".‏

5-اختيار الأعمال والنصوص التي تعرض على الأطفال منذ سني الحياة الأولى. على أن يضع المربي في اهتمامه أنه لا يوجد جمال بحت في أي من ضروب الفن والأدب. بل أنه في كل فن شكل وظيفي يقوم بأداء وظائف معينة من أجل هدف أو أهداف على ألا يكون في ما يقدم دغدغة للعواطف وإثارة للغرائز بل أن يكون الهدف الأهم المساعدة في نمو شخصية متكاملة متوازنة.‏

6-يراعى فيما يقدم للطفل من أعمال فنية وأدبية ما يتناسب مع درجة نمو الطفل من الناحيتين النفسية والعقلية.. وأن يكون فيما يقدم ما يذكي الخيال.‏

7-والخلاصة: يعلّم الفن بعامة والأدب بخاصة المتذوق إدراك الأشياء بنشاط ويعلمه التفكير والإحساس بعينيه وأذنيه وخياله واستيعاب الخصائص المتطورة والجمالية لما يقع في دائرة حواسه. ولا ينفصل الإدراك الحسي عن الإدراك المعرفي وهذا ما عبر عنه سيزان بقوله:‏

الطبيعة هي ما داخل نفوسنا، كما أن ليونار دافنشي قد رأى أن المعرفة تستمد جذورها من إدراك المحسوسات.‏

تشارك عملية التذوق العملية الإبداعية في كون كل منهما سلسلة من شطحات الخيال، حيث يخلع المبدع عليها الشكل المرغوب بتكوينات المادة المطابقة لما يريد.‏

تأتي الإبداعات جاهزة ناجزة للمتذوق، لكنه يمارس عملية غريبة وجريئة عندما يستغرقه العمل الفني، فلا غرابة أن يأخذ طريقة المبدع في صوغ ما أبدع دور المقاومة الشديدة إزاء أية مجموعة من القواعد الثابتة.‏

(1) -عن الطريق العدد 2/61 ص 54‏

(2) -شاكر عبد الحميد: التفضيل الجمالي ص 413 –عالم المعرفة –ع 267 -‏

(3)-كتاب العربي – 29 –ص 23‏

(4) السابق- ص 25.‏

(5) صبحي الحديدي: الكرمل- ربيع 2000- ص 127.‏

(6) السابق: ص 130.‏

(7) جوكوفسكايا: أحاديث في تريبة الأطفال- دار التقدم- موسكو.‏

(8) زكريا إبراهيم: الفنان والإنسان- ص 7-8.‏

(9) صالح عبد العزيز: التربية وطرق التدريس- ص 356- دار المعارف- القاهرة.‏

(10) الفكر المعاصر- العد 78- ص 53.‏

(11) صالح عبد العزيز: السابق- ص 371.‏

(12) زكريا إبراهيم: مصدر سابق- ص 147.‏

 

التوقيع

 


تِدفا على جال ضوه بارد إعظامي=والما يسوق بمعاليقي ويرويها
إلى صفا لك زمانك عِل يا ظامي=اشرب قبل لا يحوس الطين صافيها
 
 

التعديل الأخير تم بواسطة : ابومحمد الشامري بتاريخ 01-04-2005 الساعة 03:48 PM.
رد مع اقتباس