عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-01-2009, 01:43 PM
ناصر الحميداني ناصر الحميداني غير متصل
Banned
 
تاريخ التسجيل: May 2006
الدولة: مع ســـــقراط
المشاركات: 2,932
معدل تقييم المستوى: 0
ناصر الحميداني is on a distinguished road
العمل او الموت للشيخ عائض القرني

.

العمل أو الموت






د. عائض القرني


رفع الألمان بعد الحرب شعار (العمل أو الموت) فتحوّلت ألمانيا إلى ورشة عمل، وبعد أربع سنوات صارت دولة صناعية مرموقة، وفي كتاب (متعة الحديث) يقول إسحاق نيوتن: النجاح يحتاج إلى ثلاثة عوامل: العمل ثم العمل ثم العمل، والعمل يبدأ بالعلم، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ والعلم يبدأ بالقراءة، وأمة لا تقرأ لن تتعلّم ولن تعمل ولن تنال المجد، وفي مقال لي سابق بعنوان: (العرب لا يقرؤون) بيّنتُ ما يلزمنا في هذا الباب، وأمة لا تعمل لا تستحق البقاء، والإسلام جاء بالعلم والعمل، وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً فأساً وأمره أن يحتطِب ويبيع لئلا يبقى عالة على المجتمع، وضرب عمر بن الخطاب شباباً جلسوا في المسجد وتركوا الكسب واعتمدوا على جيرانهم وصاح في وجوههم: اخرجوا واطلبوا الرزق فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وشارك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في بناء مسجده وحفر مع الصحابة الخندق وقال: 'إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقِنَه'، وقال: 'المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف'، وكان إدريس خيّاطاً وزكريّا نجاراً وداود حداداً، ورعى موسى الغنم بالأجرة، ومن أسباب تقدم الغرب اعتماده على العلوم العملية التطبيقيّة فدخل المصانع والمعامل، واعتمدنا على العلوم النظرية فانشغلنا بالجغرافيا حتى حفظنا عن ظهر قلب أسماء عواصم تشاد والسنغال وأوغندا، وحفظنا نقائض جرير والفرزدق وهي لا تُطعم خبزاً ولا ترفع مجداً، وأسرفنا في الفنون والرياضة على حساب الإبداع والاختراع والصناعة. والإنتاج خدعة شيطانيّة ولعبة إبليسيّة، فمنتخب الكمرون الرياضي أقوى من منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، بينما عجزت الكمرون عن إطعام رعاياها الخبز اليابس، وإذا أرادت الشعوب أن يحالفها الإخفاق ويُختم لها بالخذلان تحوّلت من الجامعات إلى الكبريهات ومن المصانع إلى مقاهي اللهو ومن الإنتاج والإبداع إلى لعب الورق وأكل الفصفص.

رأيت في ألمانيا (مزايين المرسيدس) وفي فرنسا (مزايين الكونكورد سابقة الصوت) وفي أمريكا (مزايين أف 16 العاصفة القاصفة) ولأننا أقمنا (مزايين الإبل) فينبغي أن نقيم مهرجانات (مزايين العقول) لنحيّي فيها الموهوبين ونكرم المبدعين ونشجع المخترعين والمكتشفين.

فينبغي أن نعالج مرضانا النفسيين بالإيمان والعمل؛ لأن الفراغ يولّد لهم الخيالات الفاسدة التي توصل صاحبها إلى الانتحار، والعمّال أسعد الناس وأشرحهم صدوراً؛ لأنهم ليس عندهم فرصة للتفكير الخاطئ، وأي دولة لا تتحوّل إلى ورشة عمل هي دولة نامية نائمة كُتب عليها الموت، وإذا عملنا واجتهدنا فسوف تتقلّص مشكلاتنا وبطالتنا وفقرنا وأمراضنا، ولنرفع شعار (نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع).
وفي قصيدة: (أنشودة الصباح) للروائي الهندي كاليدا ساي: 'استقبل يومك بالعمل فإن هذا اليوم قد لا يُشرِق مرة ثانية'. إن عَرَق العامل أزكى من مسك الفاشل، وإن ساعد المثابر أكرم من جبين الكسلان، وإن زفرات البنّاء أجمل من غناء المترف:

لَقَد أَسمَعت لَو نـادَيت حَيّاً وَلَكــن لا حَيــاةَ لِمَن تُنادي


وَلَو نار نفختَ بِها أَضاءَت وَلَكن أَنتَ تَنفخُ في رَمادِ


شكراً لكل مسؤول جلس على كرسيّه يعدِلُ في القضايا، ويقمع الظالم وينصر المظلوم ويواسي المنكوب، شكراً لكل أستاذ وقف يصحح مفاهيم، ويصلح قلوباً ويبني عقولاً، شكراً لكل طبيب يعالج مريضاً ويداوي مبتلى ويضمّد جراحاً، شكراً لكل مزارع يغرس شجرة، ويعدّل ماءً ويحرث أرضاً، شكراً لكل جندي يحمي ديناً، ويحرس وطناً، ويدافع عن أمة، شكراً للسواعد القويّة والهمم الوثّابة والأفكار الخلاّبة، وشكراً للناجحين.

التعديل الأخير تم بواسطة : ناصر الحميداني بتاريخ 02-01-2009 الساعة 01:47 PM.