عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 15-09-2010, 02:01 PM
عربي مسلم عربي مسلم غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 252
معدل تقييم المستوى: 15
عربي مسلم is on a distinguished road
رد: إظلام المصابيح ليلا إعجاز نبوي يقي من التلوث الضوئي

ثانيا: الكائنات الحية غير الإنسان
في بحث جديٍّ أوضحت نتائجه مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" ألقي الضوء على ما يعرف بظاهرة "التلوث الضوئي" وآثارها السلبية على كل الكائنات, فأظهرت نتائجه بأن المخلوقات الحية لم تكن بأحسن حالا من الإنسان, فقصتها السلبية مع التلوث الضوئي لا تقل خطورة عما يحدث للإنسان.
فالعديد من أنواع الأسماك والكائنات البحرية (صورة 5) تفقد حياتها وحياة صغارها بسبب التلوث الضوئي، سواء الموجودة بالقرب من شواطئ المسطحات المائية العملاقة، كالمحيطات والبحار المفتوحة، أو تلك الأضواء الموجودة تحت سطح الماء في القاع، لدواعي التنقيب عن ثروات طبيعية أو انتشال حطام سفينة أو طائرة استقرت بسبب الحوادث، في مملكة الكائنات البحرية.
هناك أنواع من الكائنات البحرية، مثل السبيط "كلماري" وثعبان البحر، وأنواع من السلاحف البرمائية، والحوت الأزرق، جميعها – وبطريقة فطرية – تأخذ في الدوران بسرعة عالية حول البقع الضوئية في قاع البحار، حتى يحدث لها نوع من الدوار الحاد يتسبب فوراً في نفوقها، الأمر الذي يهدد الثروة السمكية والبحرية، بالإضافة لتلوث قاع البحار، الذي لا ينقذه إلا تجديد ذاته تلقائياً حسب ما هو معروف في علم البحار.
(صورة 5: بعض صغار السلاحف تدور حول نفسها و لا تستطيع الوصول لماء البحر بسبب الضوء. مصدر الصورة: )
أما طيور البطريق والطيور المهاجرة, فلها مع الأضواء قصص مأساوية، فطيور البطريق، الذكر منها، يضع صغيره بعد أن تلده الأم، تحت تجويف طبيعي في بطنه من الخارج وفوق قدميه، وإذا تعرض الصغير لتلوث ضوئي فإنه ينفق سريعاً، لأنه يحيا في نسبة ظلام طبيعية تفرضها المناطق الثلجية القطبية، التي بدأ الإنسان الوصول إليها وتخريب قوانين الطبيعة فيها.
أما هجرة الطيور للتزاوج، وقطع مئات الأميال من مكان لآخر في العالم، فتخضع لنظام البوصلة الطبيعية التي زودها الله سبحانه وتعالى بها، كنوع من الإعجاز في الخلق، وهذه البوصلة الطبيعية التي تحدد اتجاه الطيران لهجرة هذه الأسراب من الطيور، تفقد فاعليتها بالأضواء الساطعة عند معابر القارات وفوق المسطحات المائية، فتكون النتيجة نفوق أسراب هائلة من الطيور المهاجرة، مما يترتب عليه انقراض بعض أنواعها.
أيضاً تصمت حناجر الطيور المغردة، مثل ما يعرف بـ"الطيور السوداء" ذات الحنجرة الرائعة التي تصدر نغمات طبيعية مغردة، وطيور "العندليب" التي لها القدرة على تنغيم الصوت الموسيقي الطبيعي الصاعد تلقائياً من حنجرتها الواسعة، فهذان الطائران لا يغردان إلاّ وسط الظلام، ليكتمل الإعجاز بالصوت والصورة معاً، فالأضواء الشرسة الصاخبة تخرس أصوات هذه الطيور للأبد، وتنتهي حياتها بعيداً عن الطبيعة والفطرة التي خلقت عليها.
أيضاً تتأثر مملكة الحشرات بالتلوث الضوئي، لأنها تعيش في الظلام النسبي لاصطياد الحشرات الأخرى، وبعض من النباتات التي تقتات عليها، فالضوء نذير بالخطر لكل ما تأكله الحشرات، بحيث تهرب فرائسها، وبالتالي تنقرض الحشرات مثل أنواع من النمل المتسلق والفراشات كبيرة الحجم، أيضاً تقل نسبة تكاثرها الذي يتم في الظلام الهادئ.
كما أن الأضواء الصاخبة تقلل من نسبة الخصوبة لدى ذكور التماسيح، والخرتيت "وحيد القرن"، والبحث جارٍ حالياً حول مدى تأثير أضواء النيون الساطعة على نسبة التبويض لدى السيدات، وعلى صحة وحيوية الحيوانات المنوية لدى الرجال، فقد أثبتت الباحثة "ريتش" بأن قوة الضوء الصناعي تُحدث خمولاً في بعض الوظائف الحيوية للإنسان والحيوان معاً.
كما تأثر النبات بفعل التلوث الضوئي، لأن الأضواء المباشرة علي الأرض تمتص الرطوبة الطبيعية التي تحفظ للأرض سلامتها، وبالتالي تقل نسبة الأراضي الصالحة للزراعة والزهور والاخضرار.

* كيف تغلب التشريع البشري علي الآثار الضارة للضوء:
بعد أن تنبهت البشرية إلي مخاطر التلوث الضوئي بدأت جميع دول أوروبا و أمريكا و غيرها من بلدان العالم المتحضر في سن القوانين و التشريعات التي من شأنها أن تحمي الإنسان و بيئته من أضرار الإضاءة الليلية الزائدة, وتهدف هذه التشريعات إلى عدم التبذير في استهلاك الكهرباء ليلاً، والتقليل من الهالة الضوئية المنطلقة من المدن، والتي تعيق رؤية النجوم ليلاً. و تمنع هذه التشريعات استعمال نوع من مصابيح الإنارة العمومية التي تنطلق أشعته إلى الأعلى, مع استعمال مصابيح فيها سقف يعكس الضوء نحو الأسفل، مما يساهم في اقتصاد الطاقة وتقليل هالة الضوء المنطلقة نحو الفضاء. ويسعى القانون إلى تحديد نسبة درجة الإنارة التي لا يمكن تجاوزها.
و من الغريب أن دول العالم الإسلامي و حتى لحظتنا هذه ما تزال تسرف في استخدام الإضاءة ليلا بالرغم من التحذير النبوي الصريح (أطفئوا مصابيحكم إذا رقدتم بالليل).
* وجه الإعجاز العلمي في قول النبي صلي الله عليه و سلم (أطفئوا مصابيحكم عند الرقاد):
إن دقة الحديث النبوي في رواياته العديدة التي تناولت إطفاء المصابيح, و التي تمثلت في الإطلاق و التقييد و التعميم و التخصيص قد غطت كل الأبحاث العلمية التي تناولت هذا الموضوع من كل جوانبه بشكل يذهل العقل. فلو تعرض بحث لضرورة النوم في الظلام ليلا نجد أن هناك رواية تؤيد هذا و إن تناول بحث أخر أهمية التواجد في فترة من الظلام بصفة دورية دون التقيد بالنوم في هذه الفترة نجد من الروايات ما يؤيد ذلك و إن تناول بحث أخر النوم في أي فترة من اليوم دون الليل لكن في الظلام نجد من الروايات ما يؤيد ذلك . لكن المجمع عليه من كل الروايات و الواضح منها هو إطفاء السراج أو النار أو المصابيح في الليل, و هو الموافق لتعريف التلوث الضوئي علي أنه زيادة الإضاءة في الليل.
الأحاديث التي جاءت بصيغ العموم دون تحديد لسبب الأمر بإطفاء المصابيح, و لا تحديد الضرر المترتب علي بقائها موقدة, شملت كل أنواع الضرر الذي قد يصيب الإنسان أو بيئته من جراء التلوث الضوئي, و كلما اكتشف الإنسان من أضرار جديدة للمصابيح, جاءت اللفظة المعجزة (أطفئوا مصابيحكم) لتعم هذا الضرر. و لذلك فان علماء المسلمين حين قصروا العلة من إطفاء المصابيح علي النار, فقالوا لو زالت هذه العلة فيجوز ترك المصابيح منيرة, نقول لهم في عصرنا الحديث صرنا نعلم أن أضرار المصابيح (الإضاءة) لا تقف عند حد النار و فقط, بل قد تتجاوزه إلي صحة الإنسان و بيئته من خلال التلوث الضوئي, و لذا نقول بحول الله و قوته بأن الأخذ بظاهر الأحاديث التي فيها تعميم دون تقييد بالروايات التي ذكرت علة الحرق بالنار أولي, لأن النبي صلي الله عليه و سلم أفهم و أفقه لأضرار الإضاءة (المصابيح) من أقوال علماء المسلمين, و بالتالي فان العمل بسنة إطفاء المصابيح عند الرقاد تظل باقية إلي قيام الساعة طالما أننا نكتشف أضرار جديدة للإضاءة غير النار, و طالما أنها موافقة للسنة الكونية التي أرادها رب البرية للكرة الأرضية فقال تعالي (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) 47.
قبل أن تعرف البشرية مصطلح التلوث الضوئي في العصر الحديث, و قبل أن تبدأ البشرية في سن القوانين التي تحمي الإنسان و بيئته من التلوث الضوئي, جاء التشريع الإسلامي علي لسان النبي محمد صلي الله عليه و سلم الذي لا ينطق عن الهوى, ليحمي البشرية من مخاطر المصابيح الظاهرة علي عهده (كالاحتراق بنارها) و الخفية التي لم تحدث في عهده (كالتلوث الضوئي), فقال صلي الله عليه و سلم (أطفئوا مصابيحكم إذا رقدتم بالليل), و لا يمكن للعقل السليم أن يشك و لو للحظة بأن هذا من كلام البشر, فلماذا يأمر النبي صلي الله عليه و سلم أمته بهذا الأمر و هم لم يسألوه عنه, و لماذا يغير من عادة العرب في إضاءة المصابيح في الليل و هم لم يشتكوا له من ضررها, و لماذا يتطرق الي مسألة دنيوية يمكن بحثها بالعلم التجريبي, و لو ثبت خطأه لما صدقه أحد, و لكن لأنه نبي مرسل لا ينطق عن الهوي و لا يتكلم إلا بالوحي فقد سبق كل التشريعات البشرية و وضح الحل الجذري لمشكلة بيئية خطيرة لم يراها علي زمنه بكلمات قليلة لو أحسن تدبرها كل الباحثين في مشكلة التلوث الضوئي, و المشرعين للحد من أضرارها لقالوا جميعا, صدق رسول الإسلام الرحمة المهداة إلي العالمين, فإظلام المصابيح عند الرقاد إعجاز نبوي يقي الإنسان و بيئته من التلوث الضوئي الذي ينشأ من التعرض الزائد للضوء في الليل.
الخاتمة:
إن ما أتينا به هنا ليس إلا على سبيل المثال لا الحصر فأهمية التعرض للظلام أثناء اليوم ما هو إلا موضوع تنبه له العلم حديثا و هذا مما يتضح هنا من الأبحاث التي تناولته . و قد يتكشف مستقبلا من الفوائد ما قد لا يتاح حاليا . و هذا يدفعنا لدعوة العلماء لإجراء الأبحاث حول هذا الموضوع من جوانب عدة و أهميته على صحة البشر و بيئته . و هنا عظمة الإسلام الذي لا يكتفي بإثبات الأبحاث العلمية الدالة على الإعجاز إنما أيضا في الاستفادة مستقبلا من توجيه الأبحاث إلى طريق يختصر كثيرا من الجهد و المال للوصول إلى نتائج مفيدة لحياة الإنسان . و سبحان الله العلى العظيم الذي أخبر نبيه الكريم هذا الأمر اللازم لوقاية الإنسان من أضرار كثيرة لم يكشف عنها العلم إلا حديثا .

فكرة و إعداد: هشام عبد الرحمن حسن عبد الرحمن (باحث ماجستير في الكيمياء الحيوية)

 

التوقيع

 

لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد .. وهو على كل شيء قدير
 
 
رد مع اقتباس