عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 11-08-2010, 04:31 PM
البحار الكبير البحار الكبير غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 407
معدل تقييم المستوى: 15
البحار الكبير is on a distinguished road
رد: شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحر

حرف الفاء


فاتحة الكتاب
وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك‏.‏
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك، رقى بها اللديغ، فبرأ لوقته، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏وما أدراك أنها رقية‏)‏‏.‏
ومن ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، والإفتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة،والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه‏.‏ وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى، وعقل آخر، وإيمان آخر، وتالله لا تجد مقالة فاسدة، ولا بدعة باطلة إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق، وأصحها وأوضحها، ولا تجد بابًا من أبواب المعارف الإلهية، وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه، وموضع الدلالة عليه، ولا منزلًا من منازل السائرين إلى رب العالمين إلا وبدايته ونهايته فيها‏.‏
ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك، وهي فوق ذلك‏.‏ وما تحقق عبد بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلم بها، وأنزلها شفاء تامًا، وعصمة بالغة، ونورًا مبينًا، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغى ووقع في بدعة ولا شرك، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لمامًا، غير مستقر‏.‏
هذا، وإنما المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة، ولكن ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحققوا بمعانيها، وركبوا لهذا المفتاح أسنانًا، وأحسنوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق، ولا ممانع‏.‏ ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة، بل حقيقة، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين، كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم، والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية تحول بين الإنس وبينها، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني، معها أسلحة لا تقوم لها الشياطين، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة، فلا تقاوم تلك الأرواح ولا يقهرها، ولا ينال من سلبها شيئًا، فإن من قتل قتيلًا فله سلبه‏.‏
فاغية
هي نور الحناء، وهي من أطيب الرياحين، وقد روى البيهقي في كتابه شعب الإيمان من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه يرفعه ‏(‏سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية‏)‏ وروى فيه أيضًا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏كان أحب الرياحين إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفاغية‏)‏‏.‏ والله أعلم بحال هذين الحديثين، فلا نشهد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما لا نعلم صحته‏.‏
وهي معتدلة في الحر واليبس، فيها بعض القبض، وإذا وضعت بين طي ثياب الصوف حفظها من السوس، وتدخل في مراهم الفالج والتصدد، ودهنها يحلل الأعضاء، ويلين العصب‏.‏
فضة
ثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان خاتمه من فضة، وفصه منه، وكانت قبيعة سيفه فضة، ولم يصح عنه في المنع من لباس الفضة والتحلي بها شيء البتة، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها، وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي، ولهذا تباح للنساء لباسًا، وحلية ما يحرم عليهن استعمال آنية، فلا يلزم من تحريم الآنية تحريم اللباس والحلية‏.‏
وفي السنن عنه‏:‏ ‏(‏وأما الفضة فالعبوا بها لعبًا‏)‏‏.‏ فالمنع يحتاج إلى دليل يبينه، إما نص أو إجماع، فإن ثبت أحدهما، وإلا ففي القلب من تحريم ذلك على الرجال شيء، والنبي صلى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمسك بيده ذهبًا، وبالأخرى حريرًا، وقال ‏(‏هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم‏)‏‏.‏
والفضة سر من أسرار الله في الأرض، وطلسم الحاجات، وإحسان أهل الدنيا بينهم، وصاحبها مرموق بالعيون بينهم، معظم في النفوس، مصدر في المجالس، لا تغلق دونه الأبواب، ولا تمل مجالسته، ولا معاشرته، ولا يستثقل مكانه، تشير الأصابع إليه، وتعقد العيون نطاقها عليه، إن قال، سمع قوله، وإن شفع، قبلت شفاعته، وإن شهد، زكيت شهادته، وإن خطب فكفء لا يعاب، وإن كان ذا شيبة بيضاء، فهي أجمل عليه من حلية الشباب‏.‏
وهي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن، وضعف القلب وخفقانه، وتدخل في المعاجين الكبار، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة، خصوصًا إذا أضيفت إلى العسل المصفى، والزعفران‏.‏
ومزاجها إلى اليبوسة والبرودة، ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد، والجنان التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم يلقونه أربع جنتان من ذهب، وجنتان من فضة، آنيتهما وحليتهما وما فيهما‏.‏ وقد ثبت عنه في الصحيح من حديث أم سلمة أنه قال‏:‏ ‏(‏الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏‏.‏
وصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏)‏‏.‏
فقيل علة التحريم تضييق النقود، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم، وقيل العلة الفخر والخيلاء‏.‏ وقيل العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها‏.‏ وهذه العلل فيها ما فيها، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد، والفخر والخيلاء حرام بأي شيء كان، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة، والمراكب الفارهة، والملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، وغير ذلك من المباحات، وكل هذه علل منتقضة، إذ توجد العلة، ويتخلف معلولها‏.‏
فالصواب أن العلة ـ والله أعلم ـ ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة‏.‏

رد مع اقتباس