عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-07-2005, 06:47 AM
ابومحمد الشامري ابومحمد الشامري غير متصل
ابوحمد الشامري ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Dec 2004
الدولة: شـبـكـة مـجـالـس العجمـــــان
المشاركات: 19,132
معدل تقييم المستوى: 10
ابومحمد الشامري قام بتعطيل التقييم

الخَاتمَـــــة

حاولت في هذه الدراسة أن أُبيّن أن طائفة مهمة من طوائف شعراء العصر الأُموي، هي طائفة (الفُتّاك) أو من شابههم في الحياة والظروف التي عاشوها في هذا العصر، يمكن أن تُعدّ امتداداً لطوائف الشعراء الذين ظهروا في تاريخ الأدب العربي، قبل ذلك العصر وفي أثنائه، إذ ترادفت سماتهم الشعرية وملامح حياتهم الشخصية، مع من سبقَهم من الشعراء الفرسان والصعاليك بفئاتهم المختلفة: الخلَعاء والشُذّاذ والمتمردين على قبائلهم وعلى أوضاعهم الاجتماعية المتردية، أما لأسباب اقتصادية تتعلق بفقرهم وعَوزهم، وإما لأسباب نفسية وبيئية تتعلق برغباتهم في الوصول إلى مكانة تساويهم مع أقرانهم، وإما لأسباب سياسية تتعلق بالمتغيرات التي شهِدها العصر الأُموي، من أبرزها ظهور الأحزاب أو الاتجاهات القريبة من الاتجاهات السياسية، كالأُموية والعَلويّة والزبيرية وا لخوارج، وظهور شعراء يتحدثون باسم كل منها ويمثّلونها في التعبير عن أهدافها ومراميها داخل المجتمع العربي الجديد، الذي تكوّن آنذاك.‏

وقد وجدت أن هذه الطائفة من الشعراء تعرّضت إلى محاولات عدّيدة لتشويه معالمها الرئيسة، منها ما تسببت به طبيعة حياتها نفسها، حيث التشرُّد في القفار والفلوات، نتيجة لجنايات جناها عدد منهم، أدت بهم إلى حياة التشرُّد هرباً من أيدي ممثلي الخلافة الأموية، من الخلفاء أنفسهم أو ولاتهم وعمّالهم، أو نتيجة لاعتماد عدد منهم أساليب اللصوصية في تحصيل أقواتهم، وهما – أي الحالتان – كانتا قد بدأتا تُواجَهان بالرفض الشديد والعقوبات والحدود التي شرَّعتها الرسالة الإسلامية من جهة، فضلاً عن تطوّر نظام الحكم وما رافقه من ظهور الدواوين المتخصصة وأجهزة القضاء والشرطة من جهة أُخرى، خلافاً لما كان عيه الأمر في العصر السابق للإسلام أو أوائل عصر صدر الإسلام تحديداً.‏

وأمكن خلال الدراسة الوقوف على ما قدمته هذه الطائفة الشعرية مما يمكن أن يُعَدَّ ضمن الجديد من الموضوعات ذات المضامين والأبعاد الفكرية والنفسية، إذ أسهم شعراؤها في حدِّ ذاتهم بتقديم صور ومعانِ اتّسم بعضها بالجدَّة والتفرُّد، حتى ما كان منها مرادفاً لما سبقهم إليه الشعراء الآخرون، من شعراء عصر ما قبل الإسلام، لاسيما الصعاليك منهم، ومن شعراء عصر صدر الإسلام، لاسيما شعراء العقيدة، كموضوعة (الحنين إلى الأهل والديار) وموضوعة (التشرّد والخوف)، إذ تميّز شعراء هذه الطائفة – إبداعياً في عرض أحوالهم وشؤونهم الذاتية، لاسيما إحساسهم الطاغي بالاغتراب والغُربة عن مجتمعهم وعن بيئتهم، انطلاقاً من أسباب ودوافع استجدّ بعضها في العصر الأُموي، ولم تكن معروفة في العصرين السابقين المذكورين آنفاً، وفي مقدمتها الأسباب: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.‏

ذلك أن هذه الطائفة من الشعراء، عالجت موضوعات مُبتكرة المضامين الفكرية في أشعارها، مثل: موضوعة (الحنين إلى الأهل والديار والأحباب) التي ارتبطت بأحوال تشرّد عدد غير قليل من شعرائها لأسباب سياسية (التمرد) أو اجتماعية (اللصوصية) من جهة، أو لأسباب دينية تتعلق بغربة عدد آخر من شعرائها من جرّاء اشتراكهم في الفتوحات الإسلامية، التي امتدت مساحتها في هذا العصر، من جهة أخرى.‏

كما استطاعت هذه الطائفة من الشعراء أن تقدّم عبر معالجتها لموضوعات: (عذابات السجن) و (الإيمان والحكمة) و(الإعتداد بالنفس)، صوراً ومعانيَ وقيماً حياتية وإنسانية، انسـجمت وروح جدَّة هذه الموضوعات في الحياة العربيـة حتى ذلك العصر، وتلمَّست الدراسة روح الإبداع النابضة فيها من خلال تصوير أشعار هذه الطائفة لدقائق الحياة داخل السجن – مثلاً – بتفصيلات لم تكن مطروقة أو معروفة من قبل، وتسجيلها لمشاعر الإيمان والحكمة والاعتداد، من منطلقات نفسية وفكرية واجتماعية جديدة، كان بعضها قد بدأ يتشكل في وقت قريب سابق، من خلال تأثير الرسالة الإسلامية وقيمها ومبادئها، وصولاً إلى حالة ما يمكن عَدَّه من بوادر التعبير عن قيم التصوف الديني، وما يمكن إن يُشكِّل نواة التفكير الفلسفي الإسلامي، الذي ظهر فيما بعد، أي بعد ظهور أُولى الأفكار الفلسفية الإسلامية، التي قرنت الدين بالعقل من أجل الوصول إلى هدف (الحكمة) الذي نادت به طروحات الفلاسفة اليونانيين مثلاً .‏

فحتى موضوعة (الاعتداد بالنفس) تحوّلت لدى شعراء هذه الطائفة إلى تسجيل لأسباب ودوافع قيمية، أضافت إليها تعاليم الإسلام الحنيف المزيد من العوامل الروحية والاجتماعية، وإلى ما كان معروفاً من تلك العوامل في الحياة العربية في العصر السابق للإسلام وعصر صدر الإسلام، وهذا ما أدى – في الوقت نفسه – إلى أن يُظهر عددٌ من شعراء هذه الطائفة، ما يُعبِّر عن اتجاهات ونظرات تقترب بهذا القدر أو ذاك من العلوم المعاصرة: النفسية والاجتماعية والسياسية والإدارية، على سبيل المثال لا الحصر.‏

أما في مجال دراسة مظاهر البنية الفنية في أشعار هذه الطائفة من الشعراء، فقد أُتيح للدراسة في ما يمكن تسميته بـ"الخصائص الشكلية الخارجية"، متمثلةً بـ: أشكال البناء الخارجية لأشعارها، والبنية الموسيقية لهذه الأشعار، ثم البنية الموضوعية لها، التوصل إلى نتائج مفادها عدم ظهور ما يُشكِّل معالم إبداع مميزة فيها، إذ كانت الهيمنة في الجانب الأول من هذه الخصائص للمقطّعات على بقية الأشكال الخارجية للبناء الشعري: الأبيات المفردة والقصائد والمطوّلات، لأسباب يتعلق بعضها بطبيعة ما وصل من أشعار هذه الطائفة، إلى أيدي الجامعين والمُحقّقين، بينما يتعلق بعضها الآخر باحتمالات ضياع الجزء الأكبر من أشعارها، لعوامل حياتية ذات صلة بطبيعة الحياة التي عاشها هؤلاء الشعراء، حيث التشرّد والابتعاد عن مراكز المدن وعن قبائلهم من جهة، أو لعوامل خارجية ذات صلة بأشعارهم، من جهة أُخرى، التي كانت معيناً ثرّاً أمام علماء اللغة العربية والجغرافيين والمؤرخين والبُلدانيين، الذين أفادوا من هذه الأشعار لتعزيز معنى لُغوي أو للاستشهاد ببيت واحد أو أكثر من مقطّعة ما أو قصيدة أو مطوَّلة، كان كافياً – في تقديرهم – لتحديد أماكن بعض القبائل أو لتعزيز واقعة تاريخية وتأكيدها ليس إلاّ.‏

لقد بينت الدراسة أهمية أشعار هذه الطائفة في خدمة هؤلاء العلماء والمؤرخين والبلدانيين، وما أسهم فيه هؤلاء – في الوقت نفسه – من دور في تشتيت الكثير من هذه الأشعار وتوزيعها على عدد كبير من المظان والمصادر القديمة.‏

أما من حيث البنية الموسيقية، وتقصي أبرز البحور والأوزان الشعرية والقوافي المستخدمة في أشعار هذه الطائفة، فأمكن التوصل إلى تأكيد هيمنة البحور الأربعة الرئيسة: الطويل والبسيط والوافر والكامل، وهي البحور نفسها التي كانت أكثر استخداماً من غيرها في معظم أشعار من سبق هؤلاء الشعراء أو عاصرهم، مما جعل من شعراء هذه الطائفة امتداداً طبيعياً لمسيرة الشعر العربي، وهو ما أكدته أيضاً هيمنة قوافي: الراء واللام والباء والميم والدال والعين والنون، على معظم أشعارهم.‏

في حين توقّفت الدراسة عند البنية الموضوعية (الخارجية) وحاولت أن تتلمس في هذه الأشعار الوحدتين العضوية والموضوعية، لتنتهي إلى تقرير وجودهما فيها لأسباب وعوامل حددتها بـ: وجود الطابع السردي (القصصي) في معظم مقطعات هؤلاء الشعراء وقصائدهم ومطوّلاتهم من جهة، وتأثّر هذه البنية بالقيم الفكرية والنفسية والفنية التي يحتفظ بها كل شاعر في أعماقه من جهة أُخرى، واعتماد الشعراء على محاكاة بنيات موضوعية تقليدية (مسبوقة)، حتى في حالات تخلّي الكثيرين منهم عن التزام التصريع في المطالع وعن تسلسل الأغراض، وتعدّد الأغراض الفرعية.‏

أما في مجال دراسة السمات أو الخصائص الأُسلوبية، التي تميّزت بها أشعار هذه الطائفة من الشعراء، فأمكن للدراسة التوصل إلى تلمُّس عدد من هذه الخصائص، من حيث استعمال اللغة (ألفاظاً وتراكيب)، ومن حيث اعتماد التكثيف والإيجاز أو التوسُّع في المعاني ومدلولاتها، ومن حيث تقديمها للصور الفنية، ومن بينها صور الحواس: البصَريّة واللمسيّة والسمعيّة والشميّة والذوقيّة، وبروز ظاهرة (القصصيّة) في هذه الأشعار، فضلاً عن التكرار الداخلي المتحقق في حروف هذه الأشعار وألفاظها ومقاطعها، وما تؤكده هذه الخصائص – مُجتمعةً – من حقيقة وجود معالم إبداع في أشعار هذه الطائفة، تمثّلُ جزءاً مهمّاً من معالم إبداع الشعر العربي، ومن معالم إبداعها الخاص المتحقّق من جرّاء تميّزها من النواحي الفكرية والنفسية المباشرة، ومن الناحية الحياتية والاجتماعية والثقافية والدينية، وما انعكس منها في هذه الأشعار.‏

وثمّة ملاحظة تجدر الإشارة إليها هنا، وهي أن هذه الطائفة من الشعراء وما ظهر بشأنها من اختلاف في زوايا النظر إليها، وفي تحديد أسماء شعرائها، وما أسهمت فيه الكتب المُحقّقة – لاسيما المصادر القديمة – من كشف عنها وجلاء لحقيقة بعض شعرائها، من ناحية تقرير صلة هذا الشاعر أو ذاك بها، يؤكد أهمية تضافر الجهود وازدياد الاهتمام بتحقيق مصادر التراث العربي الفنية، لكونها من عوامل إضافة المزيد من معالم روح الإبداع المتحقّقة في الأدب العربي، وفي مسيرة الشعر العربي تحديداً، التي ظلت إلى وقت قريب محكومة بنظرة محددة إلى طوائف معيّنة من الشعراء، ومدفوعة نحو أضيق المجالات الإبداعية، من دون سعي جاد إلى اكتشاف المزيد من جديد هذا التاريخ الشعري العريق ومجيده، ومن هذه الطوائف الشعرية المجدّدة، أو دراستها ضمن الدراسات العلمية وتبيان أهميتها، التي من شأنها إعطاء أهمية أكبر لمحاولات التجديد والتطوير في تاريخ الأدب العربي، التي فاقت في بعض جوانبها ما حصل في العصر الحديث، إذ كانت محاولات بكْراً مهدّت الطريق للمحاولات التي شهِدها العصر العباسي الأول وما تلاه من عصور أدبية معروفة.‏

لقد كان العصر الأُموي عصر ازدهار أدبي وفكري وسياسي واجتماعي، وكان أرضية الاِنطلاق لمعالم التجديد والتطوير في مضامين الأدب العربي وفنونه المختلفة، ولاسيما من النواحي الفنيّة التي لم يكن من السهل تلمُّسُها من جانب الباحثين والدارسين، لأسباب تتعلق بالمنطلقات الفكرية للعديد من هؤلاء الباحثين من جهة، وبمناهج دراسة هذا الأدب من جهة ثانية، ولانصراف كثير من الدارسين إلى آراء سابقة تبدو وكأنها من المُسَلَّمات وهي – في الكثير منها – على العكس من ذلك، مثلما صار ثابتاً ومعروفاً في حياتنا الأدبية.‏

 

التوقيع

 


تِدفا على جال ضوه بارد إعظامي=والما يسوق بمعاليقي ويرويها
إلى صفا لك زمانك عِل يا ظامي=اشرب قبل لا يحوس الطين صافيها
 
 
رد مع اقتباس