عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 06-07-2007, 02:33 PM
المسافر المسافر غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
المشاركات: 461
معدل تقييم المستوى: 20
المسافر is on a distinguished road
رد: مقالات الجاسم (متجدد)

حركة تطهير!


نشرت صحيفة عالم اليوم في عددها الصادر بتاريخ 3 يوليو تفاصيل لقاء الشيخ أحمد الفهد برئيس مجلس الوزراء. ولم يصدر عن الشيخ أحمد أي نفي أو توضيح أو تعليق على ما نشر، وكذلك لم يصدر أي نفي أو توضيح من مكتب رئيس الوزراء، وهذا يعني أن ما نشرته الصحيفة دقيق. كما نشرت مجلة الطليعة في عددها الصادر بتاريخ 4 يوليو معلومات عن "تعرض كبير الثلاثي إلى زفة معتبرة يوم السبت الماضي على خلفية قيام نائب مقرب منه بالتصريح عن نيته استجواب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والدفاع، حيث قيل للمزفوف هل يعقل أن يصرح هذا النائب تحديدا دون أوامرك؟!!"

ومن بين التفاصيل التي نشرتها صحيفة عالم اليوم قول الشيخ أحمد الفهد لرئيس مجلس الوزراء: "أنا لست وراء كل هذه المؤامرات" "أنا مالي شغل" "أنا جندي" "ستجدني عندما تطلبني.. أنا لست ضدك.. أنا أدعمك ويهمني نجاحك ونجاح حكومتك..".

والواقع أن الحديث عن دور الشيخ أحمد الفهد في الحالة السياسية التي تمر بها البلاد هو حديث مهم جدا ليس من جهة تحليل وتقييم ما يقوم به الشيخ أحمد فقط، وإنما من جهة التعرف على وضع الأسرة الحاكمة والمرحلة التي وصلت إليها من تفكك وانقسام. وأعتقد أنه من قبيل إضاعة الوقت أن نتحدث عن مدى تطابق إنكار الشيخ أحمد وصلته "بالمؤامرات" التي أشار إليها في حديثه مع رئيس مجلس الوزراء مع الواقع، فدور الشيخ أحمد معروف ولا يمكن إنكاره وهو دور له أكثر من اتجاه أو هدف. فمن جهة يسعى الشيخ أحمد الفهد إلى إثبات فشل الشيخ ناصر المحمد في رئاسة مجلس الوزراء، ومن جهة ثانية يسعى لإثبات عدم قدرة النظام على التخلي عن "خدماته"، ومن جهة ثالثة هو يسعى إلى خلق أوضاع تؤدي إلى حل مجلس الأمة أو إعادة تشكيل الوزارة بحيث يتاح له فرصة العودة إلى مقاعد الوزراء. وقد كثف الشيخ أحمد من "جهوده" المضادة لرئيس الوزراء وللاستقرار السياسي عموما مؤخرا بعد أن صدرت إشارات واضحة لا تقبل الشك مفادها أن "مكانة" الشيخ أحمد الفهد وسط الأسرة الحاكمة عموما ووسط دائرة القرار فيها قد تضاءلت، حيث لم تعد "تكتيكاته" تنطلي على من كان يستمع إليه ويصدقه!

لقد "كان" الشيخ أحمد الفهد "آذان النظام وعيونه" خاصة في فترة سيطرته على جهاز أمن الدولة في المرحلة السابقة على وفاة المرحوم الشيخ جابر الأحمد. وكانت "الخدمات" التي يقدمها الشيخ أحمد في تلك الفترة مهمة جدا لكنها كانت تخدم أزمة الخلافة المتوقعة آنذاك كما تخدم وضعه الشخصي. وقد سبق لي أن عبرت عن خطورة دور الشيخ أحمد في تلك المرحلة في مقال سابق بعنوان "أسير الشقيقين" وفي خاتمة كتاب "آخر شيوخ الهيبة". وإذ تغيرت الظروف والأوضاع بعد استقرار أمر الخلافة، فإن الحاجة إلى "خدمات" الشيخ أحمد تقلصت لكن نفوذه كان قد كبر وتضخم تماما كما تضخمت أحلامه وطموحاته. وقد سعى من خلال تحالفه مع رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي إلى الدخول في الوزارات السابقة التي شكلها الشيخ ناصر المحمد حيث كان الخرافي يدفع باتجاه تعيينه وزيرا للداخلية. وإذ تأكد استبعاد الشيخ أحمد من دائرة القرار السياسي فإنه بات "يلعب" بعصبية شديدة فكثف من ظهوره الإعلامي لكنه كان يخسر بعد كل لقاء أكثر مما يكسب. كما أنه كثف من استخدام "أدواته" سواء في مجلس الأمة أو في الصحافة، ومع ذلك استمر في تحقيق الخسائر التي توجت "بالزفة" التي أشارت إليها مجلة الطليعة في عددها الأخير. وهذه "الزفة" هي التي دفعت الشيخ أحمد الفهد إلى محاولة كسر الحاجز النفسي مع رئيس مجلس الوزراء والتبرؤ من "المؤامرات"!

والسؤال الآن: هل يكفي أن يعلن الشيخ أحمد الفهد عدم صلته "بالمؤامرات"؟ هل عودته إلى الساحة السياسية مسألة تخص الأسرة الحاكمة فقط؟ أليس للشعب الكويتي الحق في إعلان رغبته بعدم إعادة الشيخ أحمد؟ هل يمكن إعادة تأهيل الشيخ أحمد؟

إن خبرة الشيخ أحمد الفهد السياسية أقرب إلى خدمات "القبضاي السياسي" حيث أنه تمكن، ومن خلال تقديم خدمات "التضبيط" في المرحلة السابقة، من لفت الانتباه إلى قدراته ومن انتزاع اعتراف الشيوخ الكبار بتلك القدرات. لكنه في الوقت ذاته سعى إلى تكوين أجندة خاصة به هي أجندة حكم وسيطرة، وقد نجح فعلا وعلى نحو باهر في تكوين قاعدة نفوذ لا يملكها أي شيخ. فهو يحرك حاليا أعضاء في مجلس الأمة وهو يدير مؤسسات إعلامية بالريموت كونترول، وهو لديه عيون وآذان في كل زاوية من زوايا مكاتب ومجالس الشيوخ. باختصار هو الآن اخترق كل المؤسسات والشخصيات المهمة في البلاد!

لقد "كان" بإمكان الشيخ أحمد الفهد أن يرتقي المناصب العليا في الدولة وأن يصل إلى كرسي الإمارة لو أنه لم "...." لكنه مع الأسف خسر الكثير من رصيده الشخصي واستنفد تماما رصيد والده الشهيد الشيخ فهد الأحمد واستدان من رصيد الأسرة الحاكمة بشكل عام ومن رصيد ذرية مبارك بشكل خاص حتى اضطرت الأسرة الآن لترك مسافة بينه وبينها.

لقد أصبح التيار العام في الأسرة الحاكمة أقوى من الشيخ أحمد، وما عليه سوى الانسحاب نهائيا من المشهد السياسي والإعلامي والاستعداد لمواجهة تطورات قضية هاليبيرتون وتجاوزات دورة الخليج وربما أيضا ما قد تكشف عنه تحقيقات مجلس الأمة في شأن "الفحم المكلسن"!

لقد انفصلت أجندة الشيخ أحمد الفهد تماما عن أجندة "عمامه" وعن أجندة ذرية مبارك الصباح، وانفصلت على نحو أوضح أيضا عن السياق العام لروح المجتمع الكويتي، ولم يعد بالإمكان إعادة تأهيله وإدخاله مرة أخرى في الحياة السياسية، وهو يشكل الآن مصدر قلق للنظام الذي يمر في مرحلة انتقالية ويجاهد للتخلص من آثار الصراع القديم والمرحلة السابقة على أزمة الخلافة. ويمكن اعتبار استبعاد الشيخ أحمد الفهد بمثابة "حركة تصحيحية" أو "تطهير سياسي" يقوم بها النظام.

إن الشيخ أحمد الفهد ينتمي إلى مرحلة انتهت، هي مرحلة صراع الكبار داخل الأسرة الحاكمة، وقد استفاد كثيرا من تلك المرحلة التي تعدته، لذلك فهو يجاهد للعودة مرة أخرى من خلال إعادة أجواء الصراع والتنافس بين الشيوخ، فهذه الأجواء هي بيئته التي "يتجلى" فيها! إن مسؤولية الانحدار لا يتحملها الشيخ أحمد لوحده بل أن الأسرة الحاكمة تشاركه تلك المسؤولية حين كان البعض "يتشرق" باسم أحمد الفهد بعد أن أعطوه الضوء الأخضر للتلاعب بالساحة.

لقد فات أوان تصحيح مسار الشيخ أحمد الفهد، والحاجة ماسة لتصحيح مسار العمل السياسي والعلاقات السياسية في البلاد التي تأثرت سلبا إلى حد كبير بفعل مرحلة "التضبيط والتكتيك". ويكفي أن نقارن بين مستوى العمل السياسي في الفترة السابقة على ظهور الشيخ أحمد وبين مستواه في فترة الشيخ أحمد كي ندرك خطورة المنحدر الذي "تدحرجت" الكويت نحوه.

وسواء اختفى الشيخ أحمد الفهد من المشهد تماما أو أعيد إليه مرة أخرى، فإنه يبقى ظاهرة فريدة في تاريخ الأسرة الحاكمة في الكويت. ومع الأسف فقد كنا نتمنى لو أن لتلك الظاهرة وجه إيجابي واحد فقط!

رد مع اقتباس