عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-06-2007, 02:19 PM
العظــ سالم ــيمان العظــ سالم ــيمان غير متصل
Banned
 
تاريخ التسجيل: Mar 2007
الدولة: المملكة العربية السعودية
العمر: 40
المشاركات: 750
معدل تقييم المستوى: 0
العظــ سالم ــيمان is on a distinguished road
رد: الصــــــــوفيــــة

اقوال الشيخ / عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الصوفية

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ج وفقه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد وصلتني رسالتك وصلك الله بهداه، وما ذكرته فيها كان معلوماً، وأخبرك بأن العقيدة الصوفية التي تقضي بأن الله في كل مكان عقيدة باطلة مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم، وهي العقيدة الصحيحة من الإيمان بأن الله سبحانه في السماء فوق العرش عال على جميع الخلق، كما قال سبحانه في كتابه العزيز - القرآن الكريم -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[1] الآية من سورة طه، وقوله سبحانه في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[2] الآية، في سبع آيات من القرآن الكريم، وهاتان الآيتان من جملة السبع، وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}[3] الآية.

والآيات في هذا المعنى كثيرة، فنوصيك بتدبر القرآن الكريم؛ لأن فيه الهدى والنور والتوجيه إلى كل خير، كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[4]، وهكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الدلالة على كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندنا في السودان شيخ له أتباع كثيرون يتفانون في خدمته وطاعته والسفر إليه معتقدين أنه من أولياء الله فيأخذون منه الطريقة السمانية الصوفية، وتوجد عنده قبة كبيرة لوالده يتبرك بها هؤلاء الأتباع ويضعون فيها ما تجود به أنفسهم من النذور، ويضمون الذكر بضرب الدفوف والطبول والأشعار، وفي هذا العام أمرهم شيخهم بزيارة قبر شيخ آخر فسافروا رجالا ونساء في مائة سيارة فكيف توجهونهم؟


الجواب :
هذا منكر عظيم وشر كبير فإن السفر إلى زيارة القبور منكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، ثم إن التقرب لأصحاب القبور بالنذور أو الذبائح أو الصلوات أو بالدعاء والاستغاثة بهم كله شرك بالله عز وجل، فلا يجوز لمسلم أن يدعو صاحب قبر ولو كان عظيما كالرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا يجوز أن يستغاث بهم كما لا يجوز أن يستغاث بالأصنام ولا بالأشجار ولا بالكواكب.
أما لعبهم بالدفوف والطبول وتقربهم بذلك إلى الله سبحانه فهو من البدع المنكرة، وكثير من الصوفية يتعبدون بذلك، فكله منكر وبدعة وليس مما شرعه الله، وإنما يشرع الدف للنساء في العرس خاصة إظهارا للنكاح وليعلم أنه نكاح وليس بسفاح.
كذلك من البدع ووسائل الشرك البناء على القبور واتخاذها مساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها، كما روى الإمام مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، فيجب أن تكون القبور ضاحية مكشوفة ليس عليها بناء، ولا يجوز التبرك بها ولا التمسح بها، كما لا يجوز دعاء أهلها والاستغاثة بهم ولا النذر لهم ولا الذبح لهم، فكل هذا من عمل الجاهلية، فالواجب على أهل الإسلام الحذر من ذلك، والواجب على أهل العلم أن ينصحوا هذا الشيخ، وأن يعلموه أن هذا العمل عمل باطل ومنكر، وأن ترغيبه للناس في الاستغاثة بالأموات ودعوتهم من دون الله أن هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله، ويجب على المسلمين أن لا يقلدوه ولا يتبعوه ولا يغتروا به، فالعبادة حق الله وحده وهو الذي يدعى ويرجى قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[1]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[2]، فسماهم كفرة بدعوتهم غير الله من الجن والملائكة وأصحاب القبور والكواكب أو الأصنام، كل هؤلاء دعوتهم مع الله شرك أكبر يقول الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}[3] يعني المشركين، وعلى جميع من يستطيع إنكار هذا المنكر أن يساهم في ذلك، وعلى الدولة إن كانت مسلمة أن تمنع ذلك وأن تعلم الناس ما شرع الله لهم وأوجبه عليهم من أمر الدين حتى يزول هذا الشرك وهذا المنكر. نسأل الله الهداية للجميع.

سائل من سوريا يقول : يوجد ناس عندنا يقولون إننا أبناء الشيخ عيسى أو أبناء غيره من الشيوخ المعروفين عندنا، ويأتون يسألون الناس وقد لبسوا لباساً أخضر على رءوسهم من حرير، في أيديهم أسياخ من حديد إذا أعطيتهم أرضيتهم، وإذا لم تعطهم غضبوا وضربوا أنفسهم بهذا الحديد في بطونهم وفي رءوسهم؟


الجواب :
هؤلاء من بعض الطوائف التي تسمى الصوفية. وهؤلاء يلعبون على الناس ويخدعونهم، بزعمهم أنهم أولاد فلان أو فلان، ويزعمون أنهم يستحقون على الناس المساعدة، وهؤلاء ينبغي منعهم من هذا العمل وتأديبهم عليه من جهة الدولة، لما في ذلك من كف شرهم عن الناس على السؤال بهذه الطريقة المنكرة.

ولا يعطى مثل هؤلاء لأن عطاءهم يشجعهم.. وإذا ضربوا أنفسهم فلا حرج عليك من ذلك، وإنما الحرج عليهم. والواجب نصيحتهم وتحذيرهم من هذا العمل المنكر. وهو من التشويش والتلبيس الذي يخدعون به الناس، وهم في الحقيقة يعملون هذه الأمور الشيطانية بتزيين من الشيطان، وتلبيس منه، وهو ما يسمى بالتغمير، وهو من أنواع السحر، يفعلون هذا الشيء في رأي الناظر، وهم لا يفعلونه في الحقيقة، ولو فعلوه حقيقة لضرهم. لأن السلاح والحديد وأشباه ذلك يضر الإنسان إذا ضرب به نفسه، ولكنهم يسحرون العيون بما يفعلون، كما ذكر الله عن سحرة فرعون، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[1]، وقال تعالى في سورة طه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[2]، فلا ينبغي لأهل الإسلام أن يساعدوا مثل هؤلاء؛ لأن مساعدتهم معناها مساعدة على المنكر وعلى التلبيس وعلى الشعوذة وعلى إيذاء المسلمين وخداعهم. فالواجب منع هؤلاء والقضاء على منكرهم هذا، وحسم مادتهم بالأدب البليغ، أو السجن من جهة الدولة، حتى يرتدعوا عن هذا العمل.. وفق الله قادة المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده.

من سوداني مقيم في الأنبار يقول: في بلدنا طوائف متفرقة كل طائفة تتبع شيخا يرشدها ويعلمها أشياء، ويعتقدون أنهم يشفعون لهم عند الله يوم القيامة، ومن لم يتبع هؤلاء المشايخ يعتبر ضائعا في الدنيا والآخرة، فهل علينا اتباع هؤلاء أم نخالفهم؟ أفيدونا بارك الله فيكم.


الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:

فيذكر السائل أن لديهم مشايخ يتبعونهم وأن من ليس له شيخ فهو ضائع في الدنيا والآخرة إذا لم يطع هذا الشيخ. والجواب عن هذا: أن هذا غلط ومنكر لا يجوز اتخاذه ولا اعتقاده، وهذا واقع فيه كثير من الصوفية، يرون أن مشايخهم هم القادة وأن الواجب اتباعهم مطلقا، وهذا غلط عظيم وجهل كبير وليس في الدنيا أحد يجب اتباعه والأخذ بقوله سوى رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو المتبع عليه الصلاة والسلام.

أما العلماء فكل واحد يخطئ ويصيب، فلا يجوز اتباع قول أحد من الناس كائنا من كان إلا إذا وافق شريعة الله، وإن كان عالماً كبيراً، فقوله لا يجب اتباعه إلا إذا كان موافقاً لشرع الله الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، لا الصوفية ولا غير الصوفية، واعتقاد الصوفية في هؤلاء المشايخ أمر باطل وغلط، فالواجب عليهم التوبة إلى الله من ذلك وأن يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[1] المعنى: قل يا أيها الرسول للناس إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله... والمراد هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الناس المدعين لمحبة الله: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[2]، وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3] فالطاعة الواجبة هي طاعة الله ورسوله، ولا يجوز طاعة أحد من الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا وافق قوله شريعة الله، فكل واحد يخطئ ويصيب ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله عصمه وحفظه فيما يبلغه للناس من شرع الله عز وجل قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}[4]، فعلينا جميعا أن نتبع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وأن نعتصم بدين الله ونحافظ عليه، وأن لا نغتر بقول الرجال، وأن لا نأخذ بأخطائهم، بل يجب أن تعرض أقوال الناس وآراؤهم على كتاب الله وسنة رسوله فما وافق الكتاب والسنة أو أحدهما قبل وإلا فلا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[5]، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[6]، وقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[7] فتقليد المشايخ واتباع آرائهم بغير علم وبصيرة ذلك أمر لا يجوز عند جميع العلماء، بل منكر بإجماع أهل السنة والجماعة، لكن ما وافق الحق من أقوال العلماء أخذ به؛ لأنه وافق الحق، لا لأنه قول فلان، وما خالف الحق من أقوال العلماء أو مشايخ الصوفية أو غيرهم وجب رده، وعدم الأخذ به لكونه خالف الحق لا لكونه قول فلان أو فلان.

يقول السائل: عندنا من مشايخ الصوفية من يهتم بصنع القباب والأضرحة، والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان هذا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم، وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟


الجواب :
النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يعلموا الناس ذلك، وأن يحذروا اتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك، فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم، وإنما الدين ما يؤخذ عن كتاب الله وعن سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعما أجمع عليه أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، الدين هكذا يؤخذ لا عن تقليد زيد وعمرو.

وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يجوز البناء على القبور، ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا اتخاذ القباب، ولا أي بناء، كل ذلك محرم بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، قالت رضي الله عنها: (يحذر ما صنعوا).

وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).

فأخبر عليه الصلاة والسلام: أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق، وهكذا من يتخذ عليها الصور؛ لأنها دعاية للشرك، لأن العامة إذا رأوا عليها المساجد والقباب عظموا المدفونين، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، ودعوهم من دون الله، وطلبوا منهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر.

وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، خرجه مسلم في الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: ((إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)).

هكذا رواه مسلم في الصحيح. فدل ذلك على فضل الصديق رضي الله عنه، وأنه أفضل الصحابة وخيرهم، وأنه لو ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ خليلاً لاتخذه خليلاً رضي الله عنه، ولكن الله جل وعلا منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه سبحانه وتعالى، فإن الخلة أعلى المحبة.

وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وعلى ذم من فعل ذلك من جهات ثلاث:

الأولى: ذمه من فعل ذلك.

الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: ((فلا تتخذوا القبور مساجد)).

الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإني أنهاكم عن ذلك)).

فحذر من البناء على القبور من هذه الجهات الثلاث، بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد))، ثم قال: ((ألا فلا تتخذوا القبور مساجد))، يعني: لا تتأسوا بهم، فإني أنهاكم عن ذلك، - وهذا تحذير صريح من البناء على القبور واتخاذها مساجد، والعلة والحكمة من ذلك ما قاله أهل العلم أنه: وسيلة وذريعة إلى الشرك الأكبر، وإلى عبادة أهل القبور، وصرف الدعاء، والنذور، والاستغاثة، والذبائح لهم، وطلب المدد منهم والعون، كما هو الواقع الآن في بلدان كثيرة، عند السائل في السودان، وفي مصر وفي الشام والعراق.

وفي بلدان كثيرة، يأتي الرجل العامي الجاهل يقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلب المدد والعون والغوث، كما يقع عند قبر البدوي، والحسين، والسيدة نفيسة، وزينب، وغيرها في مصر، وكما يقع عندكم في السودان عند قبور كثيرة، وكما يقع في بلدان أخرى، وكما يقع من بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وعند قبور أهل البقيع، وعند قبر خديجة في مكة، وقبور أخرى، يقع هذا من الجهال، فهم يحتاجون إلى تبصير وإلى بيان، وإلى عناية من أهل العلم، فالواجب على أهل العلم جميعاً سواء كانوا من المنسوبين إلى التصوف أو غيرهم، فالواجب على علماء الشريعة جميعاً أن يتقوا الله، وأن ينصحوا عباد الله، وأن يعلموهم دينهم، وأن يحذروهم من البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها أو القباب، أو غير ذلك من أنواع البناء، وأن يحذروهم من دعاء الموتى، والاستغاثة بالموتى، فالدعاء عبادة لله وحده؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[1]، ويقول سبحانه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ}[2]، يعني: المشركين، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))، فالميت قد انقطع عمله عن الناس، فهو في حاجة أن يدعى له ويستغفر له، وإلى أن يترحم عليه، لا أن يدعى من دون الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، فكيف يدعى من دون الله؟! وهكذا الأصنام، وهكذا الأشجار، والأحجار، وهكذا القمر والشمس والكواكب، كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها، وهكذا أصحاب القبور وإن كانوا أنبياء، وإن كانوا صالحين، هكذا الملائكة، والجن، لا يدعون من دون الله، والله سبحانه يقول: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[3]، فجعل اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً بالدعاء والاستغاثة كفراً، والله لا يأمر به سبحانه وتعالى.

وفي حديث جابر عند مسلم يقول رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها)؛ وذلك لأنها وسيلة إلى الشرك، فالبناء عليها والتجصيص والكسوة، والقباب كل هذا وسيلة إلى تعظيمها، والغلو فيها ودعاء أهلها، أما القعود عليها فهو امتهان لا يجوز، فلا يُقعد عليها فهي محترمة لا تمتهن، فلا يقعد عليها، ولا يبول عليها ولا يتغوط عليها، ولا يستند إليها، ولا يطؤها، فهذا ممنوع؛ احتراماً للمسلم.

والمسلم حياً وميتاً محترم، لا يجوز أن يداس قبره، ولا تكسر عظامه، ولا يقعد على قبره، ولا يبال عليه، ولا أن توضع عليه القمائم، كل هذا ممنوع، فالميت المسلم لا يمتهن ولا يدعى من دون الله، لا يغالى فيه فيدعى من دون الله، ولا يمتهن ويداس وتوضع عليه القمائم والأبوال والقاذورات، لا هذا ولا ذاك، فالشريعة جاءت بالوسط، جاءت باحترام القبور، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، وزيارتهم؛ للدعاء لهم، والاستغفار لهم، ونهت عن إيذائهم بالقاذورات، وبالقمائم، وبالبول، وبالقعود عليهم، إلى غير ذلك.

ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها))، لا يجوز أن تجعل قبلة، ولا أن يقعد عليها، فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين، بين تحريم الغلو في أهل القبور ودعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأكبر، وبين النهي عن إيذائهم وامتهانهم والجلوس على قبورهم، أو الوطء عليها والاستناد إليها، أو وضع القاذورات عليها، كل هذا ممنوع، وبهذا يعلم المؤمن، ويعلم طالب الحق، أن الشريعة جاءت بالوسط، لا بالشرك ولا بالإيذاء والامتهان، فالنبي والرجل الصالح يدعى له، ويستغفر له، ويسلم عليه عند زيارته، أما أن يدعى من دون الله فلا، فلا يقال: يا سيدي، المدد المدد، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أعني على كذا، فهذا يطلب من الله، ولا يمتهن فتوضع القمامة على قبره، أو يوطأ عليه، أو يداس عليه، لا هذا ولا ذاك.

أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه؛ لأن له عملاً فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية، كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[4]، في قصة موسى، فإن موسى حي وهو المستغاث به، فاستغاثه الإسرائيلي على الذي من عدوه وهو القبطي، وهكذا الإنسان مع إخوانه، ومع أقاربه، يتعاونون في مزارعهم، وفي إصلاح بيوتهم، وفي إصلاح سياراتهم، وفي أشياء أخرى من حاجاتهم يتعاونون بالأسباب الحسية المقدورة، فلا بأس، وهكذا من طريق الهاتف -التليفون-، من طريق المكاتبة، من طريق الإبراق والتلكس، كل هذا تعاون حسي لا بأس به في الأمور المقدورة.

لكن ما يتعلق بالعبادة فلا، فلا يقال للحي أو الميت: اشف مريضي، أو رد غائبي، لاعتقاد أن له سراً في ذلك، ولا يقال: انصرنا على عدونا، أي بسره، أما طلب النصر من الحي القادر الحاضر بالأسباب الحسية كالسلاح والقرض، فلا بأس.

كذلك يأتي الطبيب يطلب منه العلاج لا بأس، أما أن يقول: اشفني؛ لأنه يعتقد فيه سراً، كما هو مشهور عند الصوفية وغيرهم، فهذا كفر؛ لأن الإنسان ما يستطيع أن يتصرف في الكون، إنما في الأمور الحسية، والطبيب يتصرف في الأمور الحسية كالأدوية.

كذلك الإنسان القادر الحي يتصرف في الأسباب الحسية، يعينك بيده، يقف معك، يعطيك مالاً كقرض، أو مساعدة تبني بها، أو يعطيك قطع غيار لسيارتك، أو يساعدك بالشفاعة لدى من يعينك فهذه أمور حسية ولا بأس بها، ولا تدخل في عبادة الأموات، والاستغاثة بالأموات، ونحو ذلك.

وكثير من دعاة الشرك يشبهون بهذه الأمور، وهذه أمور واضحة بينة، لا تشتبه إلا على من هو أجهل الناس، فالتعاون مع الأحياء شيء جائز بشروطه المعروفة، وسؤال الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم أمر ممنوع، ومعلوم عند أهل العلم أنه شرك أكبر بإجماع أهل العلم، ليس فيه نزاع بين الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان وأهل البصيرة، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب كذلك منكر معلوم عند أهل العلم، جاءت الشريعة بالنهي عنه، فلا يجوز أن يلتبس هذا على أهل العلم.

فالواجب على أهل العلم - مرة أخرى - أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن ينصحوا لعباد الله، وأن يعلموهم شريعة الله، وألا يجاملوا في ذلك زيداً ولا عمراً، بل يعلمون الأمير والصغير والكبير، ويحذرون الجميع مما حرم الله، ويرشدونهم إلى ما شرع الله، هذا هو الواجب على أهل العلم أينما كانوا، من طريق الكلام الشفهي، ومن طريق الكتابة، ومن طريق التأليف، ومن طريق الخطابة، في الجمع وغيرها، ومن طريق الهاتف، ومن طريق التلكس من أي الطرق التي وجدت الآن، يستعان بها على تبليغ دعوة الله، وعلى نصح عباد الله. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رد مع اقتباس