**اختطاف السلطة!**
لن يتحقق الاستقرار السياسي في الكويت طالما بقيت بؤر للنفوذ تمارس نشاطها خارج أجندة الدولة (الحكم والحكومة والبرلمان)... ما حدث في مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي هو استعراض للقوة... يبذلون جهدا فوريا لتفريغ خطاب الأمير للشيوخ من قيمته... يسعون لخلق الفتنة وإثبات عدم قدرة النظام على التخلي عنهم... يريدون إثبات أنهم رقم صعب في المعادلة السياسية المحلية... نظموا صفوفهم في الانترنت والصحافة والبرلمان وفي كل زوايا الشارع السياسي... محاولات للإطاحة بحكومة الشيخ ناصر المحمد عبر افتعال الأزمات السياسية مع البرلمان، وهجوم إعلامي منظم في الانترنت على الشيخ جابر المبارك والشيخ ناصر صباح الأحمد... وبعض الكتاب الذين يساهمون في كشف مخططات تلك البؤر وغير ذلك كثير وكثير.
باختصار هم يحملون مشروع حكم خاص بهم، وهم يصرون على تنفيذه وبدءوا في صرف الأموال. وما تشهده الساحة السياسية والإعلامية هذه الأيام هو المرحلة الأولى من مخطط اختطاف السلطة. ولا استبعد، بل أنني أتوقع، أنهم يضعون في ذهنهم استخدام "وسائل أخرى" في مرحلة قادمة إن فشلت جهودهم الحالية في تمكينهم من السيطرة على السلطة الفعلية.
والمشكلة لا تكمن فقط في وجود مخطط لاختطاف السلطة، بل تكمن المشكلة الأكبر في غفلة النظام عن هذا المخطط أو عدم الاهتمام به وعدم مواجهته. ولا أعرف كيف يمكن تنبيه النظام أو تحفيزه على التحرك للقضاء على المخطط الذي يتحدث عنه كل من له صلة بالوضع السياسي. ولا أملك إلا أن أقول أنه إذا كان تاريخ أسرة الصباح لم يشهد سوى عملية استيلاء واحدة على السلطة، فإن الأجواء الحالية تنذر بشيء من هذا القبيل. وهذا لا يعني أنني أتوقع اغتيالات سياسية بالضرورة على الرغم من وجود "إشارات" نحو "التمادي" كلما ضاقت عليهم الدائرة، لكن من الواضح أن هناك من يخطط لفرض نفسه على الحكم بطريقة أو بأخرى. هم يريدون احتكار "بوابة النظام" فلا معلومة تدخل إلا من خلالهم ولا قرار يخرج إلا من خلالهم.. هم يريدون ممارسة الحكم. وما دام المال قد توفر لديهم بغزارة، وما دامت "الرغبة الجامحة" متوفرة، وما دام هناك من يشجعهم ويدعمهم "من تحت لي تحت"، وما دامت "غفلة النظام وحسن نيته" موجودة، وما دام التهور قائم، فكل شيء وارد ومحتمل.
إن أكبر النار من مستصغر الشرر!!
من جانب آخر، على القوى السياسية أن تدرك أن الأمور في أوساط الأسرة الحاكمة خرجت عن نطاق "التنافس" بين الشيوخ كما كان في السابق، وأن الأمر يتجه نحو "التصادم". وعلى الرغم من ذلك فإن بعض تلك القوى ما تزال "تلعب" اللعبة القديمة وهي لعبة "التحالف" مع أطراف في الأسرة الحاكمة، بل وتتحرك سياسيا تحت تأثير نفوذها. إن على تلك القوى أن تدرك أنها، ومن خلال استمرار التحالف، إنما هي تقحم نفسها في صراع مرير على السلطة. فهل تسعى تلك القوى إلى "المشاركة" في المخطط!
ما أقوله ليس شطحات خيال أبدا بل هو استنتاج منطقي لتتبع وتقصي وتحليل ما يدور على المسرح السياسي وخلف كواليسه. إن على النظام أن يتصرف ويعيد "تحجيم" خصومه ويحمي بيته ممن هم في داخله قبل فوات الأوان. لقد قلت من قبل وها أنا أعيد القول، على النظام أن يطبق المثل القائل: "خرب عشه قبل لا يكبر طيره"!! والعلة ليست في مجلس الأمة.
وفي موضوع آخر، يتردد بين المتابعين لتفاصيل الحركة السياسية في الكويت أن الشيخ أحمد الفهد لم يتمكن حتى الآن من تقبل خروجه من دائرة الحكم، وهو يدرك أن هذا الخروج قلص كثيرا قدرته على التأثير على "مركز القرار"، وإن مازال يحتفظ بتأثير على "الأطراف". ومن المعروف أيضا أن العلاقة السياسية بين الشيخ أحمد الفهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وكذلك العلاقة السياسية بينه وبين النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والدفاع الشيخ جابر المبارك وشيوخ غيرهما، ليست على ما يرام، وأن هناك تعارضا في الأجندة السياسية، بل أن اتهامات توجه إلى الشيخ أحمد الفهد من قبل خصومه بأنه يقف وراء محاولات خلق التوتر السياسي في البلاد لإيجاد فرصة تتيح له العودة مجددا إلى دائرة القرار. ولم تعد "شكاوى الشيوخ" من تحركات الشيخ أحمد الفهد سرية أو مبطنة بل هي علنية وفي أوساط عليا.
والسؤال الذي أطرحه هنا هو ما حقيقة وضع الشيخ أحمد الفهد؟ وما حقيقة الاتهامات التي يوجهها له "عيال عمه"؟ هل هو مقرب فعلا من مركز القرار؟ أم أنه يوحي بذلك؟
هناك إشارات "إعلامية" يحرص عليها الشيخ أحمد توحي بأنه مازال يتمتع بدعم "الشيوخ الكبار"، كاصطحابه ضمن الوفود الرسمية وقيادته لسيارة صاحب السمو أحيانا. وحرصه على تلك "الإشارات" يدل على دهاء سياسي لأن لتلك الإشارات مفعول قوي في الأوساط السياسية وفي أذهان العامة. فإذا كانت هذه الإشارات غير صحيحة، فإنها تسبب الارتباك ولابد من توقفها. أما إذا كانت صحيحة، فهي دليل على وجود اضطراب شديد في صفوف الأسرة الحاكمة. فرئيس الوزراء يحظى بدعم مباشر وعلني من قبل الأسرة الحاكمة، وهو يتهم الشيخ أحمد الفهد بالعمل على إسقاط حكومته، فكيف نفسر الأمور؟ ماذا تريد الأسرة الحاكمة؟ هل تريد توفير الاستقرار للحكومة من خلال دعم رئيسها الشيخ ناصر المحمد، أم أنها تريد عرقلة أعمالها من خلال دعم الشيخ أحمد الفهد؟ هذا على افتراض أنه "مدعوم" فعلا!
وإذا قلنا أن الشيخ أحمد الفهد "مدعوم" وأن لديه "ضوء أخضر"، فإننا نتساءل "بتردد"، هل هناك "أهداف" مبيتة من وراء "رعاية الأضداد"؟ بمعنى آخر: هل توجد "أهداف مزدوجة"؟
هل يهدف دعم رئيس الوزراء إثبات الرغبة في الاستقرار والتعاون مع مجلس الأمة (الهدف المعلن)، فيما يهدف دعم الشيخ أحمد الفهد "تسهيل" تهيئة الأجواء لحل مجلس الأمة والانقلاب على الدستور (هدف غير معلن) أو الرغبة في "حرق مراحل" الشيخ ناصر المحمد واختصار مدة بقاءه في رئاسة مجلس الوزراء وفي السلطة عموما ثم الإتيان بغيره (هدف آخر غير معلن)؟ الله أعلم.
على أي حال، إن بقاء الأمر على ما هو عليه بالنسبة لتضارب الإشارات وتناقضها، أو تعارض الأهداف وازدواجها، يتسبب في استمرار حالة الانقسام و"التشويش" السياسي، وهذا الانقسام وذاك التشويش هو البيئة المناسبة لنمو مشروع مخطط اختطاف السلطة!