الحـروب الصـليبـية ( 13 ) : الحــمـلات الصليبية الجديدة من قبرص
في عام 767 استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية ، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنته بطرد الصليبيين من عكا عام 690 والانتهاء منهم من كل بلاد الشام أيام الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور ، ثم طردهم من جزيرة أرواد عام 702 أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وإنما استمرت الحروب الصليبية لأن كثيراً من الصليبيين قد لجؤوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام ، واتخذوا هذه الجزيرة مستقراً لهم ، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم .
وكانت أسرة ( لوزجنان ) التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة ، وقد تولى أمر هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760 بطرس الأول ، وقد زار غربي أوروبا ، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين ، فحصل على بعض التأييد ، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767 في يوم جمعة والمسلمون في المساجد ، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فساداً ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه ، وقد أخذ معه قرابة خمسة آلاف أسير ، وفرحت بذلك أوروبا وهنأ ملوكها بعضهم بعضاً ، كما هنأهم البابا.
وفي عام 827 أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص ، وقد اتجهت إلى ميناء ( ليماسول ) كرد فعل على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات تيمورلنك على بلاد الشام ، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته ، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد .
وفي العام التالي 828 أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة ( فاما غوستا ) ، وقد أحرزت النصر ، ومكثت أربعة أيام ، ثم اتجهت إلى مدينة ( ليماسول ) ، وتمكنت من فتحها بعد جهد ، ثم رجعت الحملة إلى مصر .
وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو ( ليماسول ) ففتحها ، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص ( جانوس ) بنفسه فجرت معركة طاحنة بين الفريقين انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً ، وأسروا الملك ، وحملوه معهم ، وساروا نحو( نيقوسيا ) فصلوا الجمعة في كنيستها ، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير ، وفي القاهرة فدى الملك نفسه ، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك ، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية ، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائياً إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام .
التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/66،77- 80، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم ، ص 214