عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 01-09-2010, 05:50 AM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

أختاه لا تحزني
يا فتاة الإسلام .

أيتها المؤمنة القانتة .

أيتها الدرة المصونة ، والجوهرة المكنونة .

السلام عليكِ ورحمة الله تعالى وبركاته ، أما بعد :

فلا تحزني لأن الله تعالى شرَّفكِ بالإسلام ، ورفعكِ بالإيمان ، وجعلكِِ شقيقةً للرجل ومثيلةً له .قال تعالى : } إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً { ( سورة الأحزاب : 35 ) .

وليس هذا فحسب بل قد أنزلك منزلةً رفيعةً عندما كرَّمكِ بالانتساب إلى أُمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – ، ومن سار على نهجهن من النساء الصالحات ، والعابدات القانتات ، والمؤمنات الصادقات . اللواتي قال فيهن الشاعر :

فتشبَّهُوا إن لم تكونوا مِثلهم

إن التّــَشبه بالكِرام فــلاحُ

لا تحزني وقد أنصفك الإسلام يوم أن جعل منك البنت المصونة ، والأُخت الغالية ، والزوجة المكفولة ، والأم الحنون ، والجدة الموقرة .

واعلمي أن هذه المنزلة العالية ، والمكانة المتميزة لم تكن لتُمنح لك لولا أنك أمينةٌ على أبنائه ، وحافظةٌ لكيانه ؛ فلا تُفرطي في أداء هذه الأمانة العظيمة ، واحتسبي ما تبذلينه من جهدٍ ووقتٍ في ذلك عند الله جل جلاله ، فهو الذي لا يُضيع عمل عاملٍ من ذكر أو أُنثى .

لا تحزني وأنتِ متمسكةٌ بحجابك الشرعي الساتر لكل ما أمر الله بستره لأن في هذا الحجاب عزةً وكرامةً لا يذوق حلاوتها إلا من آمنت بالله رباً ، ورضيت بالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، فعن العباس بن عبد المطلب t أنه سمع رسول الله e يقول :

" ذاقَ طعمَ الإيمانِ ، من رضي بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ نبيّاً " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 2623 ، ص 591 ) .

وإياك ثم إياك أن تنـزعي هذا الحجاب ، أو تتهاوني في الحفاظ عليه ؛ فهو أمرٌ من الله تعالى ليُجنبك الأذى ، قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً { ( سورة الأحزاب : 59 ) . وهو هدي المصطفى e الذي جاء به ليُميز المرأة المسلمة عن غيرها من النساء وليُربيها على خُلق الحياء منذ نعومة أظفارها ، فتعيش – بإذن الله – في سعادةٍ وسرور ، وتسلم من الوقوع في الرجس والفجور ، ويرضى عنها العزيز الغفور . ولله در من قال :

لا تُعرضي عن هدي ربك ساعةً

عضي عليه مدى الحياةِ لتغنمي

ما كان ربُكِ جـائراً في شرعه

فاستمسكي بعُراه حتى تسّلمي

ودعي هراء القائلـيـن سفاهةً

إن التقدم فـي السفـور الأعـجمي

لا تحزني وأنت ممن شرفها الله تعالى بحمل رسالة الإسلام في البيت ، وفي المدرسة ، وفي مكان العمل ، وفي كل زمانٍ ومكان ؛ وكوني قدوةً صالحة في دينك ودنياك ، وعلمك وعملك ، ومأكلك ومشربك ، وملبسك وزينتك ، وكلامك وصمتك ، و في كل شأنك . وأعلمي أن لكل عملٍ غاية ، ولكل مشوارٍ نهاية .

لا تحزني وأنت تعلمين أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة ، وأن السيئة بمثلها ، ولا تنسي – بارك الله فيك – أن الله تعالى يعفو ويتجاوز عن عباده بفضله ورحمته وكرمه .

لا تحزني وأنت ملازمةً لبيتك ، محافظة على أداء واجباتك ، قائمة بما افترضه الله تعالى عليك من العبادات والطاعات ؛ واعلمي أن في عدم الاختلاط بالفارغات واللاَّهيات نعمةً كبيرةً لا تُقدَّر بثمن ؛ إذ أن في البعد عن هؤلاء راحةً للبال ، وهدوءا للخاطر ، وسلامة للنفس ، وبعداً عن الخطأ .

لا تحزني وأنتِ محافظة على ذكر الله تعالى ملازمة للاستغفار ، فإن في كثرة الاستغفار وملازمة الإنسان له ارتياحاً من الهموم ، وسلامةً من الغموم ، ووسيلة لطلب السعادة وراحة البال .

جاء في الحديث عن ابن عباس عن معلم الناس الخير e أنه قال : " من لزم الاستغفارَ جعل الله له من كل ضيقٍّ مخرجاً ، ومن كل همٍّ فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 1518 ، ص 234 ) . وعليكِ – بارك الله فيك – بالإكثار من التسبيح والحمد والتكبير والتهليل والاستغفار ، وترطيب اللسان بكثرة ذكر الله تعالى لتحصل لك الطمأنينة ، قال سبحانه : } الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : 28 ) .

لا تحزني وأنتِ تتمتعين بصحة الجسم ، وعافية البدن ، وسلامة الحواس . وتذكري أن هناك الكثير ممن يبحثون عن الصحة فلا يجدونها ، ويتمنون العافية فلا تحصل لهم ، وأنتِ - بفضلٍ من الله تعالى - تنعُمين بذلك كله ؛ فلا شكوى من مرضٍ ، ولا بكاء من ألمٍ ، ولا معاناة من إعاقةٍ ، وصدق الله حيث يقول : } وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ { ( إبراهيم : 34 ) .

لا تحزني إذا لم يتحقق مرادك ، أو حال حائلٌ دون بلوغ آمالك فإن كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر ، وتأكدي أنه لا يُمكن أن يحصل أو يقع أمر صغيراً كان أو كبيراً ، إلا بعلم الله تعالى وتقديره . قال جل في عُلاه : } إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ { ( القمر : 49 ) . ولأنك لا تعلمين أين يكون الخير والصلاح ! فقد يحرص الإنسان على أمر ما ويجتهد في تحقيقه ؛ فإذا ما تحقق كرهه وتمنى غيره ، والعكس صحيح . قال جل من قائل : } وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ { ( البقرة : من الآية 216) .

لا تحزني فإن باب علام الغيوب ، وغفار الذنوب ، مفتوح وغير محجوب . قال سبحانه : } قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { ( الزمر :53 ) . وعليكِ إذا ما زلَّت بكِ القدم ، أو أحاطت بكِ الخطيئة ، أن تحسني الظن بالله تعالى ، وأن تسارعي بالعودة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب ، والالتجاء إليه سبحانه فقد قال جل شأنه : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { ( الطلاق : من الآية 5 ) . وعن أبي موسى t عن النبي e قال : " إن الله عزَّ وجلَّ يبسُط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار ، ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6989 ، ص 1196 ) .

وما أجمل قول القائل :

وإن هـوى بكِ إبلـيس لمعصيـةٍ

فأهلكـيـه بالاستغـفار ينتـحـبِ

بسجدةٍ لكِ في الأسحار خاشعةً

سجـود معـترفٍ لله مـقتـربِ

وخيرُ ما يغسل العاصي مدامعه

والـدمع مـن تـائبٍ أنـقى مـن السُحبِ

لا تحزني وأنتِ قادرة على دعاء الله وسؤاله ، والوقوف بين يديه ، والانطراح على عتبات ربوبيته ، فإن من يسأل الله تعالى يُعطه ، ومن يطلبه يمنحه ، ومن يرجوه يُحقق رجاءه ، ومن يستعيذه يُعذه ، ومن يستغفره يغفر له ، ومن يُقبل عليه يقبله . فقد صحّ عن أنس بن مالكٍ t أنه قال : سمعت رسول الله e يقول : " قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرةً " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3540 ، ص 804 ) .

لا تحزني إذا كنتِ قد سَخرّتِ قلبك وجوارحك لطاعة الله تعالى ورضاه ؛ فلا تنطق شفتيك إلا بقول الحق ، ولا يلهج لسانك إلا بالذكر ، ولا يُصغي سمعك إلا للمعروف ، ولا تُبصر عينيك إلا ما أحل الله لها ، ولا تبذل يديك إلا الصدقة والإحسان ، ولا تسر قدميك إلا إلى الطاعات والواجبات ، ولا تُشغلك مباهج الدنيا الفانية عن العمل والاستعداد للدار الآخرة .

لا تحزني يا من أطعت زوجك في الحق ، وأديت فرضك طاعةً وامتثالاً ، وصمتِ شهرك اتباعاً واقتداءً ، فقد ضمن لك الصادق المصدوق e الدخول من أي أبواب الجنة شئتِ ؛ لما روي عنه e أنه قال : " إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وأطاعت زوجها ، دخلت جنة ربها " ( رواه ابن حبان ، الحديث رقم 4163 ، ص 471 ) .

لا تحزني وأنتِ من يصلح الله تعالى بصلاحها المجتمع ، فيرتقي ويرتفع ، ويهتدي وينتفع ، ويرعوي ويرتدع . وليس هذا فحسب فأنتِ من تُنشئ الأطفال ، وتخرَّج الأبطال ، وتصنع الرجال . قال الشاعر :

الأم مدرســـةٌ إذا أعددتـها

أعددت شعباً طيب الأعـراقِ

الأم أستاذ الأساتذة الأُولى

شغلت مآثـرهـم مدى الآفـاق

وفي الختام ، أسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يُصلح بنات المسلمين ، وأن يكفيهن كل شرٍ يُرادُ بهن ، وأن يُذهب عنهن الهم والغم والحزن ، وأن يُريهن الحق حقاً ويرزقهن اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقهن اجتنابه ، وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والسَّداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد ...



د. صالح بن علي أبو عرّاد

رد مع اقتباس