عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 27-08-2010, 10:28 PM
فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات غير متصل
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 261
معدل تقييم المستوى: 14
فاستبقوا الخيرات is on a distinguished road
رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"

العدل في التربية والتعليم (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

أقام الإسلام المجتمع على دعائم قوية ثابتة، ومنها: العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم.

وقد تعددت مفاهيم العدل بتعدد صوره وأنواعه، ولكن ما يهم الباحث هو مفهوم العدل الاجتماعي الذي عرفه بعضهم بأنّه: "أن يصرف الإنسان أمور نفسه وأمور النّاس على قانون لا عوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة، وأن يسيّر أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل".

ويقوم العدل الاجتماعي على أساس تعاون أفراد المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص أمام الجميع، بغض النظر عما بينهم من فروق في الجنس، أو العرق، أو المستوى الاقتصادي، أو المستوى الاجتماعي...بحيث يتاح لكل عضو الفرص المناسبة تبعا لاستعداداته وقدراته، ثم عطائه بعد ذلك.

ومن أهم مجالات العدل الاجتماعي العدل في التربية والتعليم، والتربية الإسلامية تتميز باهتمامها المتفرد بالعلم والمتعلمين، ومن خلال اهتمامها بالعلم والتعليم أكدت على أهمية الوسائل المعينة على إيجاد بيئة تربوية مناسبة لتحصيل العلم، والمبادئ التي تنظم العمليات التربوية، ومن أهم تلك المبادئ مبدأ العدل، فالتربية الإسلامية تستمدّ جذورها من تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو إلى نبذ النظم الطبقية التي تفرق بين البشر دون مسوغ شرعي، والتربية الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام لم تعرف نظام الطبقات في التعليم، "ولقد ساوى الإسلام بين أبناء الأغنياء والفقراء في التعليم، ومنحهم جميعا الفرص في أن يتعلموا من غير تفرقة بينهم".

ولقد دعا الإسلام إلى تحقيق هذا المبدأ في التربية والتعليم؛ لما يترتب على تطبيقه من آثار تربوية إيجابية كثيرة، تعود بالنفع للفرد والمجتمع بأكمله، وتتنوع ملامح وصور هذا المبدأ في التربية الإسلامية، ومن أبرز هذه الملامح والصور ما يلي:

أولا - العدل بين المتعلمين في المعاملة:

ويقصد بالعدل في المعاملة: أن تعامل المؤسسة التربوية جميع المتعلمين معاملة قائمة على الحق والعدل لا على المكانة الاجتماعية أو الحالة المادية، بمعنى أن يعامل الأغنياء والفقراء وذوو النفوذ والمكانة معاملة أفراد المجتمع من حيث إتاحة الفرص للتعلم، وتوزيع النظر والاهتمام بهم، والشفقة عليهم والجلوس في مكان بارز ليروا المعلم جميعا، وأن يكون التفاضل بينهم قائما على أساس مستوى المتعلم وما يحققه من تقدم في تحصيله دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

فالتربية الإسلامية تنظر إلى البشر كلهم على اختلاف شعوبهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وعلى اختلاف منازلهم الاجتماعية، والأعمال التي يقومون بها، والمال الذي يملكونه، على أنّهم كلهم عباد لله، أصلهم واحد، وخالقهم واحد، فلا تفاوت بينهم في الكرامة الإنسانية، وفيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

وبناء على هذه النظرة سوَّت التربية الإسلامية في الحقوق بين الناس جميعا، بين الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، وأصحاب المراتب وعامة الناس، فكلهم أمام الحق والحقوق والكرامة الإنسانية سواء، أما التفاضل بينهم عند الله فهو بالتقوى والعمل الصالح: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأما تفاضلهم في الحياة الاجتماعية فيكون بقدر تفاوتهم في العمل والجهد والخبرة والمواهب والعلم والإنتاج النافع، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس، ويكون سببا في التفاضل وتقدير الجهد المبذول لمنفعة الناس.

عن رفاعة بن رافع t؛ أن النبي r قال لعمر رضي الله عنه: ((اجمع لي قومك))، فجمعهم، فلما حضروا باب النبي r دخل عليه عمر فقال: قد جمعتُ لك قومي، فسمع ذلك الأنصار، فقالوا: قد نزل في قريش الوحي، فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي r، فقام بين أظهرهم. فقال: ((هل فيكم من غيركم؟)) قالوا: نعم؛ فينا حليفنا وابن اختنا وموالينا. قال النبي r: (((حليفنا منا، وابن اختنا منا، وموالينا منا، وأنتم تسمعون: إن أوليائي منكم المتقون؛ فإن كنتم أولئك فذاك، وإلا فانظروا، لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم))...الحديث.

وعن ابن عباس قال: ((لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} حتى بلغ: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك! فليس أحدٌ أكرمَ من أحد إلا بتقوى الله)).

وعن يزيد بن الأصم t قال: قال ابن عباس: ((ما تعدُّون الكَرَم؟ وقد بَيَّن الله الكَرَم، فأكرمُكم عند الله أتقاكم، ما تعدون الحَسَب؟ أفضلكم حَسَباً أحسنكم خُلُقا)).

وبناء على هذه النصوص وغيرها التي تدعو إلى المساواة الإنسانية وعدم التفاضل بين البشر إلا بالتقوى، نادى عدد من المربين المسلمين بإنصاف المتعلمين والعدل بينهم في المعاملة كحق من حقوقهم في التعلم، فهذا الآجري يقول: "ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن، فلا ينبغي أن يقرب الغني ويبعد الفقير، ولا ينبغي له أن يرفق بالغني، ويخرق بالفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله فحكمه أن يعدل بينهما".

كما نادى ابن جماعة بهذا المبدأ مطالبا المعلم "ألا يظهر للطلبة تفضيلَ بعضهم على بعض عنده في مودّة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة، فإنّ ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر منه القلب". وهذا إشارة منه إلى الآثار التربوية والنفسية السلبية المترتبة على عدم المساواة بين المتعلمين، وتفضيل بعضهم على بعض دون مبرر مقبول.

رد مع اقتباس