عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-02-2010, 11:16 AM
الصورة الرمزية عاليه الاخلاق
عاليه الاخلاق عاليه الاخلاق غير متصل
 
تاريخ التسجيل: May 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 4,144
معدل تقييم المستوى: 21
عاليه الاخلاق is on a distinguished road
فقه إدارك الذات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ..



إدراك الذات
هو أرقى أنواع الإدراك، هكذا يقول العلماء والنفسانيون، فالنفس الإنسانية لا يَطلب لها العافية إلا من أدرك ما بها من أدواء، وما نزل بها من بلاء، فأول الشفاء هو الإحساس بالمرض، فالشعور بالنقص أول مراحل الكمال. .


فكم من امرئ لا يدري أنه عليل؛ لأن في رأسه بعض العلوم، ولو فتّش عن نفسه ربما وجدها مليئة بالمشاعر التي لم تعالج، والخشونة التي لم تهذب ورُبّ إنسان قليل في معارفه، إلا أنه عميق الإخلاص، كثير التفتيش عن عيوبه، والاعتراف بتقصيره، هذا بلا شك أرقى من الذي رضي عن نفسه واغتر بها، يقول الإمام ابن القيم: "أصل كل معصيةٍ وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه".


إن النفس الإنسانية موئل الفضائل، كما أنها جُبّ الرذائل، إنها إذا ما أهملت لصقت بها مجموعة خسائس ولا بد، فإذا ازداد الإهمال ازداد الاتساخ ولا شك. وحتى نلقى الله تعالى وهو عنا راضٍ، لا بد أن نَقدم عليه بصفحةٍ نقية، وقلب سليم: "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء 88 - 89).


إن الدين ليس أحكامًا جافة، وأوامر ميتة، إنه قلب يتحرك شوقًا ورغبة، شوقًا يحمل صاحبه إلى المسارعة في الخيرات وهو يردد: "وَعجِلتُ إلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى" (طه: 84)، فكيف نحوّل التكاليف الصعبة إلى شيء سائغ مرغوب؟ كيف نصنع الضراعة الحارة لتسوق أرواحنا إلى الرحيم الودود؟


الذات عبارة عن مدركات وقيم تنشأ من تفاعل الفرد مع البيئة، يبلورها الفرد ويعتبرها تعريفًا نفسيًّا لذاته. وأفضل طريقة لفهم الذات هي الوصول إلى طريقتها في الإدراك، أو ما يسمى بالإطار المرجعي الداخلي للفرد..


والذات في حالة نمو وتغير نتيجة التفاعل المستمر مع البيئة، فكلما نما إدراك الفرد، واكتسب خبرات أكثر وتنوعت مشاربه، ازداد مفهوم الذات لديه، وأمسى أقدر على إدراك المعلومات والخبرات بدون تشويه.

وأصحاب الذات الفعَّالة الناجحة , هم الذين يدركون الحقيقة بكفاءة، ويقبلون ذواتهم كما هي، ويقبلون الآخرين كما هُم! إنهم تلقائيون في تفكيرهم وسلوكهم، يركزون اهتمامهم في المشاكل، أكثر من تركيزهم على ذواتهم وتضخيم حظوظها.


.وأيضًا من سمات أصحاب الذات الإيجابية، أنهم يجربون دائمًا الجديد ما دام نافعًا، ولا يلتصقون بالقديم ولا يتجمدون عليه، وهم أقوام يحاولون استكشاف عيوبهم، فهم يتحلّون بالشجاعة في مواجهتها والقضاء عليها..


الغرور بالذات وتزكية النفس

بعض الناس إذا أحرز شيئًا من العلم، أو إذا دَلَفَ وانتمى إلى قبيلة ما، أو طائفة ما، تضخم عنده الإحساس بالذات، وظن أنه ناج لا محالة، وهذا عين الخسران وأول البهتان.

فالمرء مؤاخذ بعمله، غير ناجٍ بنَسبه، قالها خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام وهو يعلم أمته كيف تحترم العمل [يَا ‏عباسُ بْن عَبد المطلِبِ ‏لا أُغنِي عَنْك مِن اللهِ شَيْئًا، ويا‏ ‏صفِيَّة عمةَ رسولِ اللهِ ‏لا أُغنِي عَنْك مِن الله شَيْئًا، ويا ‏فَاطِمة بِنْتَ مُحَمد، ‏سَلِينِي مَا شِئْتِ مِن مَالِي لا أُغْني عَنْك مِن اللهِ شَيْئًا]..


إن أول عقبات إدراك الذات ونقدها وتطويرها، تحول الانتماء عند البعض إلى غاية، والارتباط العنيف بشيء ما، يخرجه حتمًا عن الاعتدال والحسنى، وهذا يولد دائمًا نفوسًا مستنفَرة، وفي غمرة التحديات والصراعات التي يعيشها فرد أو جماعة أو أمة، يتبدّد الجهد في سبيل المراجعة الذاتية لافتقار الشروط الموضوعية لذلك.

وكلما كان الصراع حادًّا كانت المراجعة في أتونه شبه مستحيلة، خاصة إذا ما كان موضوع المراجعة متصلاً بأحد عناصر الصراع الأساسية:

كالهُويّـة.. والتاريـخ.. والتـراث. فلا شك أن الانصراف كليّة عن عيوب الذات والاشتغال بالآخر، بات من الظواهر المستفحلة التي قوّضت فرص تصحيح الرأي والموقف والسلوك. ولقد تشربت ظاهرة الاشتغال بالآخر والرضا عن النفس ..

إن النقد الذاتي هو حديث عن الذات وتفتيش عن العيوب والسلبيات، بحيث نصحح تصوراتنا عن الذات في مختلف الحقول الفكرية والتربوية والحركية، حتى نتقدم خطوة نحو الأمام، أي خطوة نحو الخالق البارئ سبحانه، وفي الحديث القدسي [وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه‏ ‏باعا،‏ ‏وإن أتاني يمشي أتيته هرولة] متفق عليه.

وتأكيدًا لفكرة النقد ومحاسبة النفس يجب أن نفهم بعمق كلمة للإمام الكبير ابن قيم الجوزية في كتابه "الوابل الصيب" يقول "ومطالعة عيب النفس والعمل، توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلسًا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقامًا ولا سببًا يتعلق به، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والإفلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى.....والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها: حبٌ كامل.. وذلٌّ تام.. ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلين المتقدمين وهما: مشاهدة المنّة التي تورث المحبة.. ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام. ثم يقول رحمه الله: وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غِرة وغيلَة، وما أسرع ما يُنعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه برحمته".


:.:.:.:.:.:.:.::

موضوع شيق أتمنى يلقى استحسانكم والا تزعجكم الاطاله فيه
نفعنا الرحمن و إياكم بما نقرأ ونعوذ به من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا
,, وفقكم الله و حفظكم و أسعد قلوبكم ,,
رد مع اقتباس