مع الحافظ"الكملي" : التبكير للجمعة .. ولا أدافع عن"أبي حنيفة"!
مع الحافظ"الكملي" : التبكير للجمعة .. ولا أدافع عن"أبي حنيفة"!
مرة أخرى .. أكتب عن "الفقه"من باب حب الكتابة والتفكير في المسائل الفقهية. كتبتُ قبل فترة عن (يوم الجمعة هل هو وقت نهي؟" وذكرت هناك قصتين : ذلك الذي صلى إلى جوار"ولدي"وقد فاتتهما ركعة .. فسلم الآخر .. وحين أخبره ولدي .. سجد للسهوي .. بدلا من الركعة .. ثم لم يهتم .. حين علم أن ذلك لا يكفي .. ولعله لم يفهم! والقصة الثانية،مشابهة إلا أن الذي صلى إلى جواري .. انصرف قبل أن أنبهه الجديد .. من قصص"ولدي"أيضا : شخص لم يدرك الركوع في ثانية الجمعة ..وصلى ركعتين فقط .. ولم يهتم بالنصح! وآخر : يتوضأ ولا يغسل "كفيه"وحين أخبره ولدي رد : ومِين يقول؟؟ فهل نحن في حاجة إلى أن يخصص "الخطباء" – ولو الخطبة الثانية – دقائق في خطبة الجمعة .. لتفقيه الناس في دينهم؟ "من راح في الساعة الأولى" من الممتع الاستماع – أو قراءة - إلى حوار الفقهاء،واختلاف فهومهم في النصوص الشريعة .. وهنا نبه الحافظ سعيد الكَمَلي – حفظه الله – إلى نقطة مهمة،وهي أن معرفة اختلاف العلماء لا يجب أن تجعل الإنسان ينتقي أسهلها،ويزهد فيما عداه .. وإلا صار الجهل أفضل !! أو شيء بهذا المعنى. درس الشيخ كان حول الحديث الشريف -عن يوم الجمعة - الذي فيه : "ومن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة"أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ : (الساعة عند العرب هي مدة من الوقت معلومة،ولا ينبغي أن يحمل كلام النبي – صلى الله عليه وسلم - في قوله الساعة على الساعات المعلومة عندنا،فهذا لا يخطر أصلا ببال عالم بالشريعة،حمل كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على هذا المعنى){ شرح الموطأ : الدرس 86}. قلتُ : ذكر في هذا الدرس،أو درس آخر حديثا نبويا آخر : "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة" أولا : هذا لافت،وقريب من الساعات المعروفة في زماننا! ثانيا : بحثتُ عن الحديث ،فوجدت أنه في"سنن أبي دوود"وصححه"الألباني. ولكن في "الدرر السنية"وفي شرح "سنن أبي داوود"- في الشاملة" النص هكذا : "عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما –عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنه قال :"يوم الجمعة ثنتا عشرة – يريد : ساعة- "{ "الشاملة" و "الدرر السنية"} ثم عثرتُ على نص كلام"الحافظ الكملي" حفظه الله : "ما رواه أبو داوود والنسائي،عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن روسل الله – صلى الله عليه وسلم – قال :"يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه إياه" {شرح الموطأ : الدرس 92} هكذا"ساعة"ضمن النص،لا بين شرطتين... كما في النص المكتوب. نعود للحديث عن التبكير للجمعة،قال الحافظ"الكملي"حفظه الله : (المالكية يرون أن الساعات المذكورة هي أجزاء لساعة واحدة،من قبيل الزوال إلى صعود الخطيب المنبر(..) هذا قول مالك وجمهور أصحابه وطائفة من الشافعية) { شرح الموطأ : الدرس 86}. ثم أورد الحديث الشريف : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى) وذكر أن الرواح يكون بعد الزوال،أما ما قبل الزوال فيسمى السير فيه غدوا،وفي القرآن الكريم : " غدوها شهر ورواحها شهر". ثم ذكر حديث أبي هريرة،رضي الله عنه: ( المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ،ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ..) وفي اللغة المُهَجِّرُ الذي يسير وقت الهاجرة،نصف النهار. واستدل الإمام مالك – رحم الله والديّ ورحمه - بأن سبب الأجر الاستجابة للأمر ،لقوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ "قال الحافظ،حفظه الله : (وقالوا إنما كان التفاضل في أجزاء هذه الساعة لما في السابق منها إلى المبادرة بامتثال الأمر. ومتى يكون الأمر؟ عند الزوال،عند النداء . لأن ربنا تعالى قال :"يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة .."حينئذ يجب السعي إليها. فكان الامتياز والتفاضل بسبب ... الذي يُسارع إلى امتثال الأمر لما أمر،وقبل ذلك لا أمر(..) وقالوا لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه،يغدون إلى الجمعة في أول النهار. ويبين ذلك بيانا واضحا خبر عثمان – رضي الله عنه – (..) لما دخل عثمان – رضي الله عنه – وعمر يخطب الجمعة فقال له : أية ساعة هذه؟ فقال : لم أزد على أن سمعت النداء فتوضأت،فجعل وقت الإتيان وقت سماع النداء )){ شرح الموطأ،الدرس 86}. وختم - حفظه الله - بالقول : (هذا تحصيل قول الإمام مالك في هذه القضية : أن هذه الساعات المذكورة،إنما هي تقسيم لساعة واحدة ،تبدأ من قبل الزوال إلى صعود الخطيب المنبر،ولذلك كان رحمه الله يكره التبكير إلى الجمعة من أول النهار . قال ابن رشد الجد رحمه الله : كره الإمام مالك رحمه الله التبكير إلى الجمعة من أول النهار،لأنه لم يكن بالعمل المتصل عنده (..) لم يدرك عليه أهل بلده،على ما ذكره أن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا لا يغدون إلى المسجد هكذا : كما يتبادر لى الذهن أن الغدو أول النهار . قال : ولذلك حمل الساعات المذكورة في الحديث،لا على الساعات المعلومة من أول النهار وإنما على أجزاء من ساعة واحدة ... (..) ثم قال : ولما كانت أجزاء هذه الساعة غير معلومة (..) وجب الرجوع في ذلك إلى العمل المتصل ،وهو الذي أخذه الخلف عن السلف (..) فإذا ذهب من أول النهار فقد شذ عن السلف ،وفهم من الحديث ما لم يفهموه ورغب من الفضيلة ما لم يرغبوه"- قال الحافظ الكملي - وقضية أخرى تبين لكم فضل الأولين على الآخرين . قال : ولا يأمن أن يحب أن يعرف بذلك،ويذكر به فتدخل عليه داخلة من ذلك تفسد نيته ) { شرح الموطأ،الدرس 86}. ثم ذكر الحافظ – حفظه الله – قول من خالف المالكية : (وهم الحنفية والحنابلة وطائفة من الشافعية حملوا الساعات المذكورة في الحديث على الساعات المعلومة عند العرب والتي تبدأ من طلوع الشمس : هم اختلفوا هل من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس ،إلى صعود الخطيب المنبر. واستدلوا على ذلك بأدلة (..) قالوا إن رواية عند مسلم – حديث المهجر – بلفظ المتعجلُ إلى الجمعة كالمهدي جزورا والذي يليه كالمهدي بقرة إلى آخره. وردوا على المالكية قالوا : إن ما استدللتم به من قولكم إن الرواح هو السير بعد الزوال ،الرواح يطلق في لغة العرب على ما ذكرتم ،ويُطلق أيضا على ما لم تذكروا،وهو السير في أي ساعة من ليل أو نهار،هذا أيضا يطلق عليه رواح،هكذا قالوا.(..) وقالوا أيضا أن التهجير كما يطلق على السير في الهاجرة،يطلق كذلك على السير في أي وقت من ليل أونهار. واستدل الجمهور كذلك بحديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :(من غسل يوم الجمعة واغتسل وبَكَّرَ وابْتكر.){ { شرح الموطأ،الدرس 86}.} وذكر أن الجمهور ردوا على المالكية،مسألة التهجير : ( هو الذي بعد الزوال إشكال عظيم ،وهو أن في الزوال يرقى الخطيب المنبر ،وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والأئمة بعده إذا زالت الشمس،جلسوا على المنبر ،فمتى يتأتى التهجير بعد ذلك!! والحاصل أن مذهب الجمهور قوي ،ولكن مذهب المالكية ليس بدونه في القوة،لماذا؟ نحن قلنا لكم إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال"المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة"فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأول مهجرا .. جعل الأول مهجرا ،وهذا اللفظ مأخوذ من الهاجرة والهجير وهو نصف النهار،وذلك وقت النهوض إلى الجمعة ،أما أول النهار فليس بتهجير ولا هاجرة. هذا هو الذي يعرفه أهل اللسان التهجير والرواح بمعنى ،ويقابلهما التبكير والغذو. قال تعالى"ولسيلمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر"فقابل بين الغدو والرواح فدل على أنهما ليسا بمعنى واحد. وقال عمر بن أبي ربيعة : أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أو رائح فمهجر) { شرح الموطأ،الدرس 86}. قلت : لكن الحالظ - حفظه الله – لم ذكر الرد المالكية على استشكال الجمهور،وسؤالهم : متى يأتي التهجير ؟ خصوصا في العهد الأول،وقبل أن يجعل سيدنا عثمان – رضي الله عنه – للجمعة أذانين. ثم رد – حفظه الله - على رد الجمهور بحديث من"بكر وابتكر" بأن العرب تستعمل "بكر"بمعنيين،والمعنى الذي قصده الجمهور،ويدل كذلك على المبادرة .. واستدل بقول الشاعر : بكرت تلومك بعد وهن في الندى . والوهن مقدار ثلث الليل.وأضاف : (ثم نقول إن مالكا كان يجالس فقهاء بلده،فقهاء المدينة وكان يرى وقت غدوهم إلى الجمعة ،وكان من أشد الناس اتباعا لسلفه ومن أشد الناس حرصا على عدم مخالفتهم ،فلو كان يراهم يذهبون إلى الجمعة في أول النهار لم ينكر ذلك ولم يكرهُّ.) { شرح الموطأ،الدرس 86}. طال بي "السرى"ولم أصل إلى ما يتعلق بالإمام أبي حنيفة – رحم الله والديّ ورحمه – وقد استغرقني هذا الخلاف الفقهي .. ولكن "هانت"كما نقول بالدارجة! قال الشيخ"الكملي"حفظه الله : (ابن حبيب – من المالكية – ذهب مذهب الجمهور،اختار رأي الجمهور،وأن الأولى أن يذهب الإنسان في أول النهار. لكن هذا الاختيار – يعني – لا بأس أن يخالف أمامه (..) هذا جرى به العمل (..) قال بعض الأشياخ (..) : رد الأجلاء على الأجلا* من الأبين والشيخ دلا (..)رد على مالك ابن القاسم * وابن ابن عاصم على ابن عاصم وابن ابن مالك على ابن مالك *ولم يعب صاحبُ نقل ذلك. حتى الرهونيُّ مع رسوخه* أكثر في الرد على شيوخه (..) لماذا يذكر ابن حبيب هنا؟ لأنه لما رد قول الإمام مالك خشن العبارة ،وشد الوطأة في النكير. لما ذكر هذا القول وهو لم يذكر القائل . لكن معروف القائل .(..) من جملة ما قال لما ذكر هذا الحديث ،وذكر التفسير الذي ذكرناه لكم. قال:"الحديث في لفظه بين . وهذا شرح بالمحال. الحديث في لفظه بين،وقد حُرّف عن وجهه ،وشُرح بالخلف من القول ،وبما لا يكون ،وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من التهجير في أول النهار،فزهدهم هو فيه. " (..) لم يسكتوا له،قال ابن عبد البر:"هذا تحامل من ابن حبيب على مالك"){ شرح الموطأ،الدرس 86}. ثم ذكر – الحافظ - أن العلماء كانوا يعتذرون لمن أخطأ التاويل،ويقولون :"والحامل له على هذا التأويل. ثم يبينون الحامل له على ذلك. ليتطرق العذر إليه. من أمثلة ذلك.قول الله تعالى:" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "النفي في لغة العرب ،هو الإبعاد. أو ينفوا من الأرض أي يبعدوا إلى بلاد بعيدة. أبو حنيفة وبعض العلماء،فسروا النفي هنا بالحبس. العرب لا تعرف النفي بمعنى الحبس.لما يتطرق العلماء إلى تفسير هذه الآية ،قطعا سيذكرون كلام أبي حنيفة ،لأنه ممن ينبغي أن يذكر . لكن يقولون – عندما يذكرونه – ويبينون أن العرب لا تعرف هذا في كلامها. يقولون:"والحامل له على هذا التأويل بعيد"لا يشتمون أبا حنيفة ولا يضلولنه،ولا يبدعونه ،ولا يخطئونه. يعني يعرفون للرجل العالم قدره،والخطأ يبين بألين عبارة. (..) وعنما تعرف الحامل لأبي حنيفة على هذا التأويل تعذره. أبو حنيفة يرى أن هذا المحارب ،الذي يصل شره إلى الناس،والشريعة تريد دفع شره ،إذا نفيته فإنك لا تدفع شره ،إنما تنقله من بلد إلى بلد. كان شره مسلطا على أهل هذا البلد فنفيته،فصار شره مسلطا على بلد آخر فقال يُحبس. الفقهاء قالوا : لا. إنه إذا نفي ذل. الغريب في موطن الناس،لا يمكنه أن يستأسد عليهم،ويصول كما كان يفعل بين ظهراني أهله ،فإنه إذا نفي ذل،فتنسكر شوكته.){ شرح الموطأ / الدرس 86} قلتُ – كما في العنوان – ليس دفاعا عن الإمام أبي حنيفة – رحم الله والديّ ورحمه – لسببين،أولهما : أنه ليس في حاجة لدفاعي عنه،وثانيها : أنني – للأسف الشديد – لست من أهل العلم الشرعي. مع ذلك،فقد بدت لي نقطتان : النقطة الأولى : لعل الأمر محسوم لصالح "جماهير أهل العلم"طالما أن لغة العرب – والتي نزل بها الكتاب الكريم – لا تعرف "النفي"بمعنى السجن،ولا تعرفه إلا بمعنى الإبعاد،فلا جدال. النقطة الثانية : تعليل الإمام أبي حنيفة – رحم الله والديّ ورحمه – بأن النفي نقل لشر قاطع الطريق إلى مكان آخر،يدعو – فعلا – للتأمل ..والذي تبادر إلى ذهني : الغربة التي يشعر بها قاطع الطريق،وهي التي ردوا بها على الإمام أبي حنيفة – رحم الله والديّ ورحمه – تطرح أكثر من سؤال : هل قاطع الطريق "يستأسد" على الناس بقبيله،أم بقوته الذاتية؟ ولماذا لم يرده شعوره القبلي،في مجتمع "قبلي"عن فعل ما قد يُلحق العار بأهله وعشيرته؟ أليس البعد ،والعدوان على مجهولين .. تكفيه السطوة نفسها،التي كان يقطع بها الطريق في بلده،دون حياء ولا خجل؟ وبعد .. رحم الله والديّ،ورحم الإمام أبا حنيفة،فقط طرح قضية تستحق التأمل دون شك،ورحم الله جميع علماء المسلمين .. فالله – سبحانه وتعالى – أعلم بدالالات اللغة التي أنزل بها كتابه،وأعلم – سبحانه – بما يصلح لعباده،وما يًصلح عبيده .. ورحم الله عامة المسلمين أيضا .. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحابته. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني |
الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 01:45 AM . |
مجالس العجمان الرسمي