مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   مجلس الدراسات والبحوث العلمية (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=41)
-   -   أهمية دراسة التاريخ (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=16747)

د.فالح العمره 27-12-2006 10:36 PM

أهمية دراسة التاريخ
 



لما كان التاريخ مرآة الأمم ، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها ، وتستلهم من خلاله مستقبلها، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به، والحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهم ومستقبلهم . فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوام الأمم ، تحيى بوجوده وتموت بانعدامه .

ونظراً لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة - فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيراً من الحقائق، وقلب كثيراً من الوقائع، وأقاموا تاريخاً يوافق أغراضهم، ويخدم مآربهم، ويحقق ما يصبون إليه.

وهذا المقال سيكون بمثابة مدخل بسيط لهذا الموضوع نقصر القول فيه على بيان أهمية التاريخ في حياة الأمم عموماً وحياة المسلمين خصوصاً فنقول :

1- التاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ حال تشابه الأسماء والاشتراك فيها.

2- التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها ، كما حصل في كتاب أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة معاوية و سعد بن معاذ ، وعند التحقيق والتدقيق يتبين لنا أن معاوية أسلم بعد الفتح، و سعد قد مات يوم بني قريظة، قبل خيبر بسنتين، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر.

3- التاريخ يعين على معرفة تاريخ الرواة، من جهة وقت الطلب واللقاء، والرحلة في طلب العلم، والاختلاط والتغير، وسنة الوفاة، وحال الراوي من جهة الصدق والعدالة.

4- التاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ، إذ عن طريقه، ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر.

5- التاريخ تُعرف به الأحداث والوقائع وتاريخ وقوعها، وما صاحبها من تغيرات ومجريات.

6- التاريخ يعين على معرفة حال الأمم والشعوب، من حيث القوة والضعف، والعلم والجهل، والنشاط والركود، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها.

7- التاريخ الإسلامي صورة حية للواقع الذي طُبق فيه الإسلام، وبمعرفته نقف على الجوانب المشرقة في تاريخنا فنقتفي أثرها، ونقف أيضاً على الجوانب السلبية فيه فنحاول تجنبها والابتعاد عنها.

8- التاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال تعالى: { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } (الأنعام:11).

9- التاريخ فيه استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا.

10- التاريخ فيه شحذ للهمم، وبعث للروح من جديد، وتنافس في الخير والصلاح والعطاء.

11- التاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتركت صفحات بيضاء ناصعة، لا تُنسى على مر الأيام والسنين.

12- ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين، والحذر من المزالق التي تم الوقوع فيها عبر التاريخ، أخذاً بالهدي النبوي فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) متفق عليه.

تلك هي أبرز الجوانب التي تبين أهمية التاريخ ودراسته، سائلين الله التوفيق والسداد.


(الشبكة الإسلامية)

عريق 29-12-2006 04:27 PM

بارك الله فيك على النقل يا شيــخ فالح

لطن لدي سؤال بسيط

دام أنه التاريخ شي راح وانقضى
ويعتبر مما مضى
فما الهدف من دراسته و البحث عنه والسعي ورائه وكما تفعلون أنتم
أم هو مجرد قصص واساطير وسوالف عرب على جال ضوهم ؟

د.فالح العمره 29-12-2006 08:03 PM

مرحبا بك يا عريق وعيدك مبارك

اقرأ الموضوع وانت تعرف وش الفايده من دراسة التاريخ !!!!

د.فالح العمره 29-12-2006 08:12 PM

( من فوائد دراسة التاريخ الإسلامي )



عناصر الموضوع :

1. فوائد عامة من معرفة التاريخ

2. فوائد من معرفة تاريخ ابن تيمية

3. كشف التاريخ حقائق الفرق الباطنية

4. وقائع وأحداث عبر تاريخنا الإسلامي

5. تاريخنا تاريخ أحداث وعبر وعظات



من فوائد دراسة التاريخ الإسلامي:

نحن أمة ذات عراقة في التاريخ، أمة تاريخها يبدأ منذ أن كان الأنبياء قادة، والمؤمنون سادة، أمة لها تاريخ حقق الله فيه على أيدي المسلمين إنجازات كبيرة. والحقيقة أن تاريخنا ممتلئ بالعبر والعظات، والأحداث والطرائف التي يجب أن نقف عندها وقفة المتأمل المستلهم؛ المستفيد مما حملته من أمور نحتاج إليها؛ لنربط بها حاضرنا بماضينا.



فوائد عامة من معرفة التاريخ:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فأحييكم -أيها الإخوة- بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأقول في مطلع حديثي في هذه الليلة: إن التاريخ الإسلامي تاريخٌ عظيمٌ جداً، بدأ منذ بداية هذه البشرية من آدم عليه السلام، ونحن أمة ذات عراقة في التاريخ، وجذورنا ضاربة فيه، وبدايتنا مبكرة جداً، وتاريخنا لا يبدأ في هذا القرن، ولا في هذا الزمان، بل إنه قديمٌ جداً، تاريخٌ مشرق.. تاريخٌ كان فيه الأنبياء قادة، والمؤمنون سادة.. تاريخٌ عظيم حقق الله فيه على أيدي المسلمين إنجازاتٍ كبيرة، وهدى الله بأفرادٍ من هذه الأمة خلقاً من خلقه لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وهذا التاريخ دراسته ذات فوائد جمة، والذي يحرم من فوائد دراسة التاريخ فإنه يخسر كثيراً. أيها الإخوة! هذا التاريخ الذي صنف فيه علماؤنا مصنفاتٍ كثيرة، وكتبوا الأحداث، وبينوا زمنها ومكانها حتى تكون الأجيال على وعيٍ، وحتى تتربى على بصيرة. أيها الإخوة: سوف يكون حديثنا في هذه الليلة مقدمة لهذا الموضوع الكبير، وسيكون العنوان: (من فوائد دراسة التاريخ الإسلامي). 1- التاريخ الإسلامي دراسته ذات فوائد تربوية؛ لأن المسلم يعلم من خلال دراسة التاريخ أن الأمة كانت مناطة بهدفٍ عظيم؛ ألا وهو استعمار هذه الأرض.. عمارتها بمنهج الله عز وجل، والأنبياء في هذا التاريخ كانوا قدوات، ونستلهم منهم نحن اليوم طريقة الحياة، والقيم والموازين الربانية التي بعثوا بها، وكذلك كيفية تحقيق المنهج في الأرض. 2- من فوائد دراسة التاريخ: معرفة سنن الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، والله له سننٌ لا تتخلف ولا تتبدل وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62] هذه السنن بعضها خارقٌ يجريها على أيدي أنبيائه بالمعجزات، وعلى أيدي أوليائه بالكرامات، وبعضها سننٌ جارية وهي الأعم الأغلب، مثل: تنفيذ وعد الله لأوليائه بالنصر إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ [غافر:51] كما أن من هذه السنن إهلاك المكذبين. 3- وكذلك فإن دراسة التاريخ تحوي في طياتها فوائد، مثل: معرفة أن هلاك الأمم يكون بالترف والفساد. 4- ومن فوائد دراسة التاريخ: معرفة أن الله عز وجل يداول الأيام بين الناس، فتكون تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ولا يدوم أحد، وكما قال أحدهم لخليفة: " لو دامت لغيرك ما وصلت إليك " وهذا دليلٌ على بقاء الله سبحانه وتعالى، وديمومة ملكه وانتهاء ملك الأمم والناس، فكم من دولة ظهرت، وكم من دولة سقطت، وكم من ملكٍ تولى ثم مات، وكم من خليفة استخلف ثم انتهت خلافته وانتزع ملكه، وهكذا يبقى ملك الله عز وجل هو الحي لا إله إلا هو، لا يموت سبحانه وتعالى مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء. 5- نتعلم من دراسة التاريخ: مسألة ابتلاء الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وكيف يصبر المؤمنون على ذلك، كقصة أصحاب الأخدود وغيرها. 6- نتعلم من دراسة التاريخ: طبيعة الصراع بين الحق والباطل، والتدافع بين الحق والباطل، وأن هذه الدنيا منذ أن خلق الله فيها البشر والمعركة بين الحق والباطل مستمرة وقائمة لا تنتهي، وأن الحق يكون له الدولة في أزمان، والباطل قد يعلو في أزمان، لكن يبقى أصحاب الحق مستعلين بالمنهج والعقيدة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين) بالظهور الذي قد يكون ظهور السلاح والملك، ولكن يكون دائماً ظهور العقيدة والحق الذي معهم يظهرون به على سائر الملل والنحل. 7- وكذلك فإننا نتعلم من دراسة التاريخ -أيها الإخوة- معالم الحياة الإنسانية، وكيف بدأت البشرية، وأنها بدأت على التوحيد، وأن الفكرة التي تقول: " إن الديانة في الأرض تطورت من تعدد الآلهة إلى الإله الواحد " هي فكرة خاطئة ضالة، وأن الله أول ما خلق البشرية على التوحيد، وأن آدم وعشرة قرون بعده كانوا على التوحيد حتى ظهر الشرك في قوم نوح، فبعث الله سبحانه وتعالى نوحاً نبياً وهادياً. 8- ونتعلم من دراسة التاريخ: سير العلماء والمجاهدين، وعلى رأسهم حواريو الأنبياء، وصحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتابعيهم. 9- ونتعلم: أن الصبر على المشاق من لوازم حياة المؤمنين في هذه الأرض. ونتعلم أيضاً: الحصانة الفكرية التي لا تجعلنا نخطئ في التعامل مع الأفراد والأمم، وفي نظراتنا إلى الدول المختلفة، وإلى الحكومات المتعددة؛ لأن هذا التاريخ يضع لنا الحروف على النقاط، ودراسته من خلال القرآن والسنة وأقوال المؤرخين الإسلاميين الثقات لها فوائد كثيرة، ومنها: الفضائل الأخلاقية التي تتربى عليها الأجيال المختلفة عندما يتعلم الناس كيف صبر السالفون، وما هي طبائعهم الفاضلة، وكيف حصل بسبب الأخلاق انتشار لهذا الدين. 11- كما أن دراسة التاريخ تساعدنا على فهم الحاضر، لأن الحاضر هو جزءٌ من الماضي لا يمكن أن يقطع منه، والدليل على ذلك: أن كثيراً من الأديان الموجودة -الآن- أصولها قديمة، وأن معرفة الأصول القديمة تساعد على فهم واقع الأديان الحاضرة، وعلى فهم الملل والنحل الموجودة الآن. زد على ذلك أن قولة: (التاريخ يعيد نفسه) قولة صحيحة ولا شك، وأن كثيراً من الأخطاء حصلت في الأزمان الماضية يمكن للأذكياء إذا درسوا التاريخ أن يتلافوا كثيراً منها، ولذلك كان من أكثر ما يؤدب به أولاد الخلفاء سير الماضيين، حتى يتعلموا أصول الحكم، وكيف يسوسون الرعية. وكذلك -أيها الإخوة- فإننا في هذا الواقع الموجود الآن؛ من جهة أننا أمة مضطهدة ومحاربة، وأن الدولة الآن للكفار، وأن أعداء الله قد ظهروا على الأرض بقواتهم المادية، وإمكانياتهم التي أعطاهم الله إياها فتنة لهم، نتعلم كيف نواجههم، وكيف نصبر على أذاهم، وما هي السنن الربانية التي يجب أن نسير عليها، وكيف نستعمل المنهج في مواجهة الكفر والإلحاد؟ نحن نعلم أن هذا الزمان بما فيه من هذا التسلط والجبروت من أعداء الله سوف سيعقبه دولة للإسلام ولا شك إن شاء الله، وسوف يقوم للإسلام قائمة عظيمة إذا حصل ظهور جيلٍ من المسلمين يطبق الإسلام في نفسه، ويطبق الإسلام في المجتمع، وعند ذلك ستقوم دولة الإسلام عالية على جميع أمم الكفر ومذاهب أهل الأرض، ونحن نستعرض الآن نماذج من الأمور التي حصلت في التاريخ الماضي وكيف نأخذ منها عبراً ودروساً. إن دراسة تاريخ الأنبياء ودعوات الأنبياء مسألة مهمة جداً، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] سِر على ذاك النهج، واختط نفس الطريق.



فوائد من معرفة تاريخ ابن تيمية:

نحن الآن لسنا بصدد دراسة تاريخ الأنبياء والدعوات؛ ولكن نريد أن نذكرها في البداية لنؤكد عليها، وعلى رأس ذلك سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة من بعده والخلفاء الراشدين، وسير العلماء الذين كانوا يبينون للناس الأحكام الشرعية، عندما تقوم المحن يظهر دور العلماء.. عندما يعم الجهل يقوم المخلصون من أهل العلم بالبيان والصدع بالحق، مثلما قام الإمام أحمد رحمه الله لما ظهرت المبتدعة على أهل السنة بالقول بخلق القرآن. ومثلما ظهر شيخ الإسلام رحمه الله لما تكالب المبتدعة من كل جانب، فصنف المصنفات للرد عليهم، سواء الباطنية، أو المنحرفة في باب الأسماء والصفات، أو المبتدعة ومجيزي التوسل وأصحاب الموالد، أو الذين كانوا يحاربون الدين من النصارى؛ فرد على النصارى واليهود، وبيَّن بياناً مهماً باطل التتر، لأن الناس عندما هجم التتر واكتسحوا بلاد العالم الإسلامي بعد فترة ادعى بعض التتر الإسلام، ولكنهم استمروا في هجومهم الكاسح، حتى وصلوا إلى قريب من دمشق ، وعند ذلك خرج المسلمون لملاقاتهم، ولكن طرأت شبهة على المسلمين وهي: كيف نقاتل التتر وقد ادعوا الإسلام ونحن لنا الظاهر وهم ليسوا بغاة على الإمام، فإنهم لم يدخلوا في طاعته أصلاً؟ وقد انطلت هذه المسألة على كثيرٍ من الناس، واحتاروا كيف يقاتلون التتر، وهذا قائد التتر قد جاء معه بإمام وقاضٍ ومؤذن، فكيف يقاتلوه؛ فظهر شيخ الإسلام رحمه الله علماً بارزاً وسراجاً منيراً، فقال للناس: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي و معاوية ، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسين به من المعاصي والظلم وأكثر من ذلك، فتفطن العلماء والناس، وكان يقول شيخ الإسلام: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني -أي: إذا رأيتموني من جانب التتر وعلى رأسي مصحف فاقتلوني -ابدءوا بي أنا- ثم حمس الناس على القتال، وكان انتصاراً عظيماً للمسلمين في معركة شقحب بالقيادة الحقيقية لأهل العلم، وعلى رأسهم شيخ العلم ابن تيمية رحمه الله تعالى. فلولا هذا البيان لحصل للناس ذعرٌ، وحصلت انشقاقات واختلافٌ كبير كان سيؤدي بهم إلى الهزيمة. ثم قَعَّد شيخ الإسلام في بيان حقيقة التتار قواعد كبيرة، وبيَّن بأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، وأنه لا بد من تصور حال التتار ومعرفة ما هم عليه، ولهذا فقد بيَّن أهل العلم أن معهم كتاب الياسق ، وكتاب الياسق هو عبارة عن تشريعات مجمَّعة من ملة الإسلام و اليهودية و النصرانية وأشياء من المذاهب المنحرفة الأخرى، جمَّعها لهم ملكهم وأمرهم أن يسيروا عليها. فبيَّن لهم ابن تيمية أن خلط الحق بالباطل كفر، وأن هؤلاء يريدون استئصال شأفة المسلمين ولو كانوا على الحق، لماذا يغيرون على المسلمين؟ ولماذا يخربون مدن المسلمين؟ ولماذا يقتلون المسلمين إذاً؟ يقول شيخ الإسلام للناس: ليسوا أحق بالإسلام منا؛ ولذلك فقد كان بسبب هذا البيان خيرٌ عظيم. ومن الأمثلة كذلك ما استعان به أهل الجرح والتعديل في كشف كذب الرواة، حيث استعانوا بالتاريخ في معرفة من لقي من الرواة البعض الآخر ومن لم يلقه، وكشفوا الانقطاع في الأسانيد من خلال التاريخ، بل ودرسوا من دخل المدينة الفلانية ومن لم يدخلها، ومن الذي يمكن أن يكون قد اجتمع بالراوي الفلاني. ومن الذي لا يمكن أن يجتمع به، فكشفوا أموراً كثيرة من التدليس، وبينوا بناءً على ذلك صحة الأحاديث من ضعفها. ومن الأمثلة الطريفة في استعمال التاريخ في كشف الأشياء المزورة، ما فعله الخطيب البغدادي رحمه الله، فإن بعض اليهود الخيابرة -من أهل خيبر - أظهروا كتاباً، قالوا: هذا كتاب من عهد النبوة، مكتوب في هذا الكتاب إسقاط الجزية عنهم، فلما عرض الكتاب على أمير المسلمين في ذلك المكان اطلع عليه الخطيب البغدادي رحمه الله، فقال الخطيب: هذا الكتاب كذب لا يمكن أن يكون صحيحاً. فقالوا له: وما الدليل على كذبه؟ قال: لأنه موجود -لاحظ الذكاء والفطنة- من الشهود على الكتاب في الأسفل معاوية بن أبي سفيان و سعد بن معاذ، فأما معاوية فإنه أسلم عام الفتح، و خيبر كانت قبل الفتح، وأما سعد بن معاذ فقد قتل بعد الخندق بعد بني قريظة، وغزوة بني قريظة كانت قبل فتح خيبر، فكيف تدَّعون أنه شهد على الكتاب بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، فـمعاوية أسلم بعد خيبر و سعد مات قبل خيبر، فكشف زورهم وبهتانهم.



كشف التاريخ حقائق الفرق الباطنية:

إن دراسة التاريخ تكشف لنا أعداءنا، وتبين الخطورة التي هم عليها. فعلى سبيل المثال: الباطنية بجميع فرقهم من ألد أعداء الإسلام؛ لأن عندهم عقائد كفرية كثيرة، وهؤلاء الباطنية بفرقهم المختلفة، مثل: القرامطة، و الحشاشين، و النصيرية، و الرافضة، و الدروز.. وغيرهم لهم امتدادات موجودة إلى هذا الزمان، وهؤلاء كان لهم وجودٌ في الحقب الماضية، فكيف واجههم المسلمون؟ وكيف تكلموا على عقائدهم، وما زالت عقائدهم موجودة إلى الآن؟ ينبغي أن يُدرس تاريخ هؤلاء الباطنية بعناية شديدة، لأننا سنكتشف بعد دراسة تاريخ الباطنية أنهم من ألد أعداء الإسلام، فنحذر منهم في هذا الزمان، وربما نضطر أن نحذر منهم أكثر من اليهود والنصارى، ولذلك فلو درست تاريخ الباطنية وأخذت مثالاً على ذلك: حادثة القرامطة وما فعلوه في مكة سنة [317هـ] لاكتشفت أشياء عجيبة جداً، وإليك مثال على ذلك: خرج القرامطة جهة المشرق، وجهة المشرق كانت ولا زالت مصدراً للفتن منذ فجر الإسلام؛ مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (الفتنة من قبل المشرق، وأشار بيده إلى جهة المشرق) وأكثر الدجالين و الباطنية والجيوش التي اجتاحت العالم الإسلامي قدمت من المشرق، ولا زالت الفتنة قائمة إلى الآن، وآتية من جهة المشرق كما تدل عليها الحوادث الموجودة، وهذا لا يعني أنه ليس هناك فتنٌ من جهة المغرب؛ بل قد حدث للباطنية أنفسهم كما حدث في دولة ابن تومرت الذي ظهر وادعى أنه المهدي ، وعمل أشياء عجيبة، وقتل في المسلمين خلق كثير، وظهر من جهة المغرب.



أفعال القرامطة في بيت الله وحجاجه:

هؤلاء القرامطة الذين ترأسهم يوماً من الأيام أبو طاهر الجنابي جاءوا إلى مكة، ودخلوا يوم التروية فانتهبوا أموال الحجاج، واستباحوا دماءهم، وقتل في رحاب مكة وفي شعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة خلقٌ من المسلمين لا يعلمهم إلا الله، وجلس قائدهم أبو طاهر الجنابي -لعنه الله كما يقول ابن كثير في تاريخه- على باب الكعبة والمسلمون يقتلون حوله، وسيوف القرامطة تعمل في الناس في المسجد الحرام.. في الشهر الحرام.. يوم التروية، وهو يقول:



أنا الله وبالله أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا!!!

فكان الناس يفرون منه ويتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي عنهم ذلك شيئاً، بل يُقتلون وهم متعلقون بأستار الكعبة، ويطوف هؤلاء القرامطة حول الكعبة فيقتلون الطائفين، وكان بعض أهل الحديث يطوف يومئذٍ، فلما قضى طوافه أخذته السيوف فأنشد وهو كذلك:

ترى المحبين صرعاً في ديارهمُ كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

ولما انتهى هذا القرمطي من قتل الحجاج حول الكعبة وفعل ما فعل أمر بإلقاء الجثث في بئر زمزم، ودُفن كثيرٌ من الناس في أماكنهم في صحن الحرم، ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة في ذلك المكان وذلك الزمان، ولم يغسلوا، ولم يكفنوا؛ لأنهم شهداء قتلوا في إحرامهم في الحرم. ثم أخذ الكسوة وفرقها على أصحابه، وأصعد رجلاً إلى الميزاب لكي يقتلعه، ثم أمر بأن يقتلع الحجر الأسود، فاقتلع الحجر الأسود من مكانه، وجعل أصحابه يطوفون ويقولون: أين الطير الأبابيل؟ وأين الحجارة من سجيل؟ يستهزئون بالمسلمين، ورجعوا بالحجر الأسود إلى بلادهم، ومكث عندهم الحجر الأسود [22سنة] والناس يطوفون بالكعبة من غير الحجر الأسود. ولذلك لا تستغرب إذا وجدت في كتب بعض الفقهاء عندما يصف الطواف حول الكعبة، يقول: ويستلم الحجر [إن وجد] والذي لا يعرف هذه الخلفية إذا مر بعبارة الفقيه يقول: كيف يقول: [إن وجد] أي: ممكن لا يوجد؟!! نقول: نعم لقد مرت فترة طاف فيها المسلمون بالكعبة ولم يكن يوجد فيها الحجر الأسود، ثم رده الله من عندهم، هؤلاء الذين ألحدوا في المسجد الحرام إلحاداً عظيماً، هؤلاء الذين كان لهم اتصال بالفاطميين الذين ملكوا مصر بعد ذلك وهم من الباطنية ، وكان بين فرق الباطنية تعاونٌ كبير، وهؤلاء لا زالت آثارهم ممتدة إلى الآن، ولا زالت محاولاتهم للإلحاد في البيت الحرام ممتدة إلى هذا الزمن.



فوائد من تربية كل من أهل السنة والباطنية لأتباعهم:

لا بد أن نقرأ ولا بد أن نعي تاريخ هؤلاء الباطنية ، ثم نأخذ من التاريخ فوائد كثيرة في الفرق بين تربية أهل السنة لمن كان معهم وتربية الباطنية لمن كان معهم. أهل السنة وعلماء السنة كانوا يربون من معهم على الدليل الصحيح، وعلى اتباع الحق، وعلى التضحية في سبيل الله، وعلى محبة الله ورسوله.. كانوا يربون من معهم على عمل الطاعات، وعلى الأخلاق الحسنة، وكان العالم في الحلقة يعلم الناس الخلق قبل أن يعلمهم العلم، لكن قل لي: كيف كانت تربية الباطنيين لأتباعهم؟! لما ظهرت فرق الحشاشين وغيرهم من الذين كانوا ينتقون الأفراد ويأخذونهم إلى بستان كبير جداً فيه نساء وخمور وأنواع الثمار والفواكه ثم يقنعون الشخص أن هذه هي الجنة، ويجلسونه في ذلك المكان فترة من الزمن، ثم يقولون له بعد ذلك: تذهب وتقتل القائد المسلم الفلاني، أو تقتل الخليفة الفلاني، أو تقتل العالم الفلاني، فإذا قتلوك ستدخل هذه الجنة. وكذلك فإن من طريقة تربيتهم لأتباعهم: ما ذكره ابن كثير رحمه الله سنة [494هـ] تقريباً عندما قام أحد دعاتهم، واسمه: الحسن بن صباح ، وتعلم الزندقة ثم صار ينتقي من الناس من كان غبياً جاهلاً لا يعرف يمينه من شماله، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز حتى يعكر مزاجه ويفسد دماغه، ثم يذكر له أشياء من أخبار آل البيت، ويكذب له من أقاويل الرافضة أنهم ظلموا ومنعوا حقهم الذي أوجبه الله لهم، ثم يقول له: قم وقاتل لنصرة الإمام علي بن أبي طالب ، ولا يزال يسقيه العسل حتى يستجيب له، ويصير هذا الشخص أتبع له من أبيه وأمه وأطوع، ويظهر له أشياء من الحيل التي لا تروج إلا على الجهال، حتى التف مع الحسن بن صباح هذا الباطني خلقٌ كثير. وبعد ذلك حصل أن سلطان المسلمين أرسل له رسالة يتهدده ويتوعده وينذره، فأتى الباطني برسول المسلمين الذي معه الخطاب يريد أن يبين له حال أتباعه، ثم قال له: إني أريد أن أرسل منكم رسولاً إلى مولى هذا الرسول الذي أتى من عند المسلمين، فاشرأبت وجوه الحاضرين، فقال الحسن بن صباح الباطني لأحد أتباعه أمام رسول المسلمين: اقتل نفسك. فأخرج سكيناً فضرب بها غرصمته فسقط ميتاً -انظر إلى أي درجة وصلت الطاعة العمياء- وقال لآخر منهم: القِ نفسك من هذا الموضع، فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفلها فتقطع. ثم قال لرسول المسلمين: هذا هو الجواب، فرجع. إذاً: هكذا يربون أتباعهم، فالتاريخ حلقات متواصلة، وتربية الباطنيين لأتباعهم ما زالت مستمرة إلى هذا العصر؛ لذلك لا تستغربوا إذا رأيتم أتباع الباطنيين يلقون أنفسهم في المهالك مثل الجراد.. يتقاطرون ويلقون أنفسهم في خضم المعارك؛ لأنهم يعتقدون أنهم سيدخلون الجنة بطاعة الإمام، أو آية الله الفلاني.. ونحو ذلك، هذه التربية ما زالت موجودة عند فرق الباطنية إلى الآن، والذي يفشي أسرار الطائفة يعدم، ولا يطلع على أسرار الطائفة إلا من بلغ [40سنة] وأكثر، وهكذا طريقتهم موجودة إلى الآن في تربية أتباعهم.



مؤامرات الباطنية على أهل السنة:

إن من فوائد دراسة التاريخ: معرفة المؤامرات التي يدبرها الباطنيون لـأهل السنة في كل زمانٍ ومكان، ولذلك فإن الباطنية وفرق الحشاشين -بالذات- اغتالوا عدداً من قادة المسلمين وعلمائهم، فمن ذلك: أنهم قتلوا مودود قائد المسلمين ضد الصليبين، واغتالوا ابن إمام الحرمين، واغتالوا وزير السلطان السلجوقي، واغتالوا الإمام أبو سعد الهروي القاضي، واغتالوا الخليفة المسترشد وقاموا بعدة محاولات لاغتيال صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. ومن طرقهم الخبيثة في الاغتيال: ما حصل في قتل فخر الملك أبو المظفر ، هذا الرجل كان فيه جوانب من العدل والإحسان، خرج يوماً في آخر النهار، فرأى شاباً يتظلم، كأنه مسكين يشتكي وفي يده رقعة، فقال: ما شأنك، فناوله الرقعة، فبينما هو يقرأها، انتهز الفرصة، فأخرج خنجره فضربه به حتى قتله، هذه من الطرق. ونفس القصة حصلت مع القائد الإسلامي مودود رحمه الله الذي كان يقاتل الصليبين، فقد جاءه أحدهم في هيئة سائل واقترب منه يسأله، فلما همَّ بأن يعطيه شيئاً أخرج خنجره فطعنه به.. وهكذا. ومن نتائج ذلك: شماتة النصارى بأمة الإسلام؛ لأن الباطنيين محسوبون على المسلمين، كثير منهم يحسب الكفار أنهم مسلمون، وهم ليسوا من الإسلام في شيء، فحصل أن ملك النصارى أرسل رسالة إلى المسلمين يقول لهم بعد مقتل هذا القائد فيهم: "إن أمةً قتلت عميدها، في يوم عيدها، في بيت معبودها، لحقيقٌ على الله أن يبيدها ". حتى النصارى صاروا يشمتون أفعال الباطنيين وما فعلوه في المسلمين، ويعتبرون أن هذه انشقاقات في صفوف المسلمين، ويعتبرون أن هذه هي أخلاق المسلمين، ولا زال الكفار إلى الآن إذا رأوا في وسائلهم المقروءة والمسموعة والمرئية بعض المناظر الملتقطة من بلدان فيها أناس من الباطنيين يظنون أن هذا هو الإسلام فيشمتون بالمسلمين، ويقولون: انظروا إلى الإسلام، هذا هو الإسلام، لا زالوا إلى الآن، ومؤامراتهم في اغتيال علماء المسلمين وزعمائهم موجودة إلى الآن، ومقتل الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله ومعه نفرٌ من العلماء في اجتماعٍ لأهل الحديث بواسطة مزهرية مفخخة؛ شاهدٌ على أن الباطنيين مؤامراتهم مستمرة لعلماء الإسلام حتى في العصر الحاضر، والذي لا يعرف يقرأ التاريخ.



حال الباطنية لما حكموا المسلمين في مصر:

من فوائد دراسة التاريخ: معرفة هؤلاء الباطنيين لما حكموا المسلمين مثل الدولة الفاطمية التي قامت في مصر ماذا فعلوا بالمسلمين؟ لقد فعلوا أفعالاً عجيبة جداً، وقد حصل في سنة [411هـ] أن قتل حاكم مصر ملك الفاطميين، واسمه ابن المعز الفاطمي.. كيف كانت سيرته؟ انظر إلى الحاكم عندما يسوس الناس بمزاجيته الفاسدة، ويسن فيهم أشياء عجيبة، يريد أن يتوصل من ذلك إلى هدفٍ خبيث، هذا الحاكم ابن المعز الفاطمي ماذا فعل؟ أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره أن يخروا له سجداً، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع من لا يصلي الجمعة أصلاً، وكانوا يتركون السجود لله يوم الجمعة ويسجدون للحاكم. وهذا الرجل من مزاجياته: أنه ابتنى المدارس وخربها، ورتب المشايخ وقتلهم، وألزم الناس بغلق الأسواق نهاراً وفتحها ليلاً، فامتثلوا لذلك دهراً طويلاً، حتى إنه مرة من المرات خرج بنفسه ليتفقد تطبيق القرار، فمر برجل قد فتح دكانه في النهار، فلما أخذ به ليبطشه قال: سهران يا مولاي سهران، يعني أنه سهران في النهار. وكان يدور على الأسواق على حمارٍ ومعه أتباعه ومعه عبدٌ أسود، فإذا اكتشف رجلاً يغش في المعاملة أمر العبد الأسود أن يفعل به الفاحشة، وهذه عقوبة شنيعة ليست موجودة في دين الله، وكثيرٌ من العقوبات الأرضية الدنيوية فيها ظلمٌ لا توجد في شرع الله. وكانت العامة تكرهه جداً، ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة في صورة قصص؛ فإذا قرأها ازداد غيظاً عليهم، حتى إن أهل مصر عملوا صورة امرأة من ورق مخفية بهذا الجلباب، وفي يدها قصة من الشتم واللعن، فلما رآها ظنها امرأة، فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها فقرأها فغضب جداً، فأمر بقتل المرأة، فلما تبين أنها من ورق ازداد غيظاً. ثم بعد ذلك أنزل مماليكه وعبيده وجنوده إلى مصر ليحرقوها وينهبوا ما فيها من أموال أهل السنة ومتاعهم وحريمهم، فقاتل أهل مصر دون أنفسهم ثلاثة أيام، والنار تعمل في دورهم وحريمهم، وهو يخرج فيقف من بعيد وينظر إلى المعركة ويبكي، ويقول: من أمر بهذا، كل هذا ويقول: من أمر بهذا!!! وهذا مثال من الأمثلة التي طبقت فيها مزاجيات هذا الرجل ليتوصل في النهاية إلى ادعاء الألوهية وادعى أنه الله، وصار الحاكم بأمره، وكان الذي يسمى الحاكم بأمر الله، صار حاكماً بأمره هو، لأنه هو الله بزعمه. بعض الناس يظنون أن النهي عن طبخ الملوخية وغلق الدكاكين في النهار وفتحها في الليل عبث، لكن الرجل كما ذكر أهل العلم كان يريد اختبار العامة، فإذا رآهم أطاعوه عند ذلك ادعى الألوهية، وهذا ما حصل، وهذا من خبث الباطنية وفعلهم.



وقائع وأحداث عبر تاريخنا الإسلامي:

عندما نقرأ التاريخ فإننا نجد أن هذه الأمة قد أصيبت بمصائب عديدة، فمن أهم المصائب بعد حروب الردة وخروج الخوارج والفرق التي حصلت بالمسلمين، و القرامطة و الباطنية والحملات الصليبية، واجتياح التتر، بالإضافة إلى ذلك سلَّط الله على هذه الأمة لما ضعفت وابتعدت عن الهدي من سامهم سوء العذاب من الكفار أو من ظلمة المسلمين.



معرفة مصدر مصائبنا:

إن ما حصل للأمة الإسلامية مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه ألا يجعل أمته بأسهم بينهم، ولكنه لم يعطه هذه؛ فجعل الله بأس هذه الأمة بينها في كثيرٍ من المواطن لما ابتعدت عن تحكيم الشريعة، ولما حصلت البغضاء والشحناء والفرقة بينهم، سلط الله عليهم من داخلهم ومن خارجهم من يسومهم سوء العذاب. ثم إن هذه الأمة أمة مرحومة، جُعل عذابها في دنياها تكفيراً لكثير من ذنوبها، ومن ذلك ما نقرأه في التاريخ من المصائب الكبيرة التي حلت بالمسلمين، ومن ذلك المصائب التي هي نوازل من الريح والخسف والزلازل والطوفان والأمراض والطواعين والجوع والفقر الذي سلط عليها، والذي لا تزال الأمة في كثيرٍ من البلدان تعيش فيه حتى الآن، نتيجة عدم تطبيق الشريعة. إذا طبقت الشريعة في عهد عيسى بن مريم سيستظل الناس بقحف الرمانة -بقشرتها من كبرها- وستخرج الأرض كنوزاً من الذهب والفضة، وستكفي اللِّقْحَةُ الفئام من الناس تحلب في إناء، وسيطاف بالمال فلا يوجد أحد يقبله، عندما تطبق الشريعة تحل البركة في الأرض حتى يصبح الذئب على الغنم كأنه كلبها، وحتى يدخل الولد يده في الحية فلا تضره. بسبب تطبيق الشريعة في الأرض يعم السلام والأمن في الأرض في عهد عيسى بن مريم. لكن انظر ماذا حل بالمسلمين عندما ابتعدوا عن تطبيق الشريعة، فإن الله عز وجل قد أرسل عليهم جوعاً عظيماً في الماضي والحاضر، وابتلاءات بنهب الأموال وقتل بعضهم لبعض، وإليكم شيئاً مما حصل من المصائب في الجوع. في عام [462هـ] حصل في مصر غلاءٌ شديد حتى أكلوا الجيف والميتات والكلاب، وكان يباع الكلب بخمسة دنانير ليأكل، وماتت الفيلة، فأكلت ميتاتها، وأفنيت الدواب، وكان الوزير له خيول كثيرة جداً فلم يبق منها إلا ثلاث؛ لأن الناس كانوا يتخطفونها ليأكلونها، واكتشف رجلٌ يقتل الصبيان والنساء ويبيع لحومهم، فقتل وأكل الناس من شدة الجوع لحمه، وكانت الأعراب يقدمون بالطعام يبيعونه بظاهر البلد؛ لأنهم يخافون أن يخطف منهم إذا دخلوا البلد، وكان لا يجسر أن يدفن الميت بالنهار إنما يدفن في الليل خفية؛ لئلا يُنبش فيؤكل. وحدث أن الناس من كثرة الموت لم يستطيعوا دفن بعضهم بعضاً، ودفن العشرون والثلاثون في قبرٍ واحد، وبعضهم ماتوا من الدفن فصاروا يرمون في البحر، وحصل كذلك أن أكل الناس الجيف والنتن من قلة الطعام، ووجد مع امرأة فخذ كلبٍ قد اخضر، وشوى رجلٌ صبية في فرنٍ فأكلهم، وسقط طائرٌ ميتاً من حائطٍ فاحتوشه خمسة من الناس فاقتسموه وأكلوه. وأحصي من مات من الوباء في بخارى وتلك البلاد بألف ألف وخمسمائة ألف وخمسين ألف إنسان، والناس يمرون في البلاد فلا يرون إلا أسواقاً فارغة، وطرقاتٍ خالية، وأبواباً مغلقة، ووحشة وعدم أنس، وكان الفقراء يشوون الكلاب، وينبشون القبور، ويشوون الموتى فيأكلونهم، وليس للناس شغلٌ في الليل والنهار إلا غسل الأموات، فكانت تحفر الحفر فيُدفن فيها العشرون والثلاثون. وتاب كثيرٌ من الناس، وتصدقوا بأكثر أموالهم فلم يجدوا أحداً يقبلها؛ لأن الناس لا ينتفعون بالأموال إنما يريدون أكلا،ً وكان الفقير تعرض عليه الثياب والدنانير الكثيرة، فيقول: أريد كسرة خبز أسد بها جوعي. وأراق الناس الخمور، وكسروا آلات اللهو، ولزموا المساجد للعبادة وقراءة القرآن، وقلَّ دارٌ يكون فيها خمرٌ إلا مات أهله كلهم. ودخل على مريضٍ له سبعة أيام في النزع ينازع ليموت ولم يمت، فأشار بيده إلى مكان، فوجدوا فيه خابية خمر فأراقوها، فمات من وقته بسهولة. ومات رجلٌ في مسجد فوجدوا معه (50000درهم) فعرضت على الناس فلم يقبلها أحد، فتركت في المسجد تسعة أيام لا يريدها أحد، فدخل أربعة ليأخذوها بعد ذلك فماتوا عليها، ولم يخرج من المسجد منهم أحدٌ وهو حي. والمشكلة أن المصيبة إذا نزلت تعم الناس جميعاً، وحصل موت في العلماء والفقهاء وطلبة العلم، حتى إن فقيهاً كان يدرس عليه في الفقه (700) نفس فلم يبق منهم أحياء إلا (12) نفساً. وحصل طوفانٌ شديد في بعض الأزمنة، كما حصل في بغداد سنة (775هـ) حتى صارت السفن تنقل الناس من مكان إلى مكان، ومن تل إلى تل، ثم يصل الماء إليهم فيغرقهم لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود:43]. وإذا نظرت اليوم إلى حال المسلمين في الأرض تجد أن كثيراً من البلدان قد حصل فيها من أنواع الطوفان والمجاعات والحروب والأمراض والطواعين ما لا يعلمه إلا الله، وهذه المصائب -أيها الإخوة- لا تحدث في الأرض إلا بسبب، فعدم تطبيق الشريعة، سببٌ لنزع البركة، ونزول المصائب، وحصول الآفات، وحصول الاعتداءات من الكفار على المسلمين، هذا كله نتيجة عدم تطبيق الشريعة. وقد حصل أيضاً تسلط لأعداء الله من التتر كما ذكرنا في درسٍ سابق، ومن النصارى الذين دخلوا بيت المقدس عام (492هـ) يوم الجمعة، وكان عددهم مليون مقاتل تقريباً، فعاثوا في المسجد فساداً، وأخذوا قناديل المسجد، وما فيه من الحلي، وقتلوا الناس في ذلك المكان، حتى بلغ عدد القتلى (60 ألفاً) فأكثر، وصار الناس يهربون، وفزعوا إلى إخوانهم المسلمين في أماكن أخرى ليقولون لهم: أنجدونا فلم ينجدهم أحد. ومع الأسف! أن الخطباء قاموا على المنابر وندبوا الناس إلى الجهاد، وخرج أعيان الفقهاء إلى الناس يحرضوهم على الجهاد فلم يخرج أحد، حتى قال أحد شعراء المسلمين:

مزجنا دمانا بالدموع السواجـم فلم يبق فينـا عرضـة للـمراجم

وشر سلاح المرء دمعٌ يريقـه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم

فيا بني الإسـلام إن وراءكـم وقائع ملحقن الـذرى بالمنـاسـم

وكيف تنام العين ملئ جـفونها على هفـواتٍ أيقظـت كل نـائم

وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ظهور المذاكي أو بطون القشـاعمِ

تسومهم الروم الهـوان وأنتـم تجرون ذيل الخفض ذيل المسـالم

النصارى دخلوا واحتلوا البلاد، ثم قال:

أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى رماحهم والدين واهي الدعـائم

ويجتنبون النار خوفاً مـن الردى ولا يحسبون العار ضربة لازم

وهكذا بقيت الأمور حتى قيض الله لهذه الأمة عماد الدين زنكي و صلاح الدين الأيوبي ومن بعدهم من المماليك الذين طردوا النصارى من بلدان المسلمين: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].



محمود بن سبكتكين ومحاربته للشرك:

إذا قرأنا التاريخ نجد فيه ما فعل قادة المسلمين من إزالة الشرك وأنواعه من الأرض، فنعلم أن من الأوليات التي يجب أن يسعى إليها المسلم إزالة الشرك وقتال المشركين: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]. هذا ما ينبغي أن تفعله أمة الإسلام.. أن تقاتل المشركين حتى يزول الشرك، فإذا قام بعضهم بالواجب من سد الثغور، وغزو من يُستطاع غزوه من المشركين، وإلا أثم المسلمون كلهم. ولقد سجل التاريخ مواقف مشرفة لبعض قادة المسلمين، ومنهم: السلطان العظيم محمود بن سبكتكين الذي دخل بلاد الهند فاتحاً، ووصل فيها إلى أماكن لم يصلها أحدٌ بعده، ومن ذلك: أنه كسَّر الصنم الأعظم المسمى بـ(سومناة)، وكان أهل الهند يفدون إليه من كل فجٍ عميق أعظم مما يفد الناس إلى الكعبة والبيت الحرام، وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة التي لا توصف، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية، كل هذه الغلات للصنم ولمن يزور ويحج للصنم، وقد امتلأت خزائن الصنم أموالاً وعنده ألف رجلٍ يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس الحجاج الذين يأتون إلى الصنم، وثلاثمائة رجلٍ يغنون ويرقصون على بابه، وكان عند الصنم من المجاورين الذين يأكلون من أوقاف الصنم آلافاً مؤلفة، وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم. ثم استخار الله السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم، وكثرة عبادة هذا الصنم من الهنود، فتجشم المشاق، وجهَّز الجيش، وقطع الأهوال، وانتدب معه ثلاثين ألفاً من المسلمين حتى وصلوا إلى ذلك المكان وسلمهم الله، فدخلوا البلاد التي فيها الوثن، ونزلوا بساحة عَبَّادِه فقتلوا من أهله خمسين ألفاً، وقلعوا الوثن، وأحرقوه بالنار. وكان أهل الهند قد بذلوا لـمحمود أموالاً جزيلة ليترك لهم الصنم، وأشار عليه بعض الأمراء بأن يترك الصنم ويأخذ الأموال، فقال: أستخير الله، فلما أصبح قال: إني فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت أنه إذا نُوديتُ يوم القيامة: أين محمود الذي كسَّر الصنم، أحب إلي من أن يُقال: أين الذي ترك الصنم لأجل ما ينال من الدنيا، ثم عزم فكسره رحمه الله، ووجد فيه من الجواهر واللآلئ والذهب أضعاف أضعاف ما عرضه عليه الكفار ليستنقذوا صنمهم. إذاً: هذا نموذج من النماذج التي يعرضها التاريخ الإسلامي للقادة المسلمين الذين سعوا في الأرض ليطهروها من الشرك وكيف نصرهم الله عز وجل.



نماذج مشرفة لقضاة المسلمين:

إن دراسة التاريخ تعطينا نماذج مشرفة من قضاة المسلمين في ذكائهم وعدلهم وجرأتهم، فمن ذلك: القاضي إياس رحمه الله تعالى، الذي ناقشه رجلٌ مرةً في الخمر -النبيذ- هل هو حرام أم لا؟ فقال القاضي: إنه حرام. فقال الرجل: أخبرني عن الماء هل هو حلال أم لا؟ قال: نعم. قال: فالكسور -هذه المادة التي يصنع منها النبيذ- قال: حلال. قال: فالتمر. قال: حلال. قال: فما باله إذا اجتمع وخلط صار حراماً؟ انظر الشبهة! فقال له إياس رحمه الله: أرأيت لو رميتك بهذه الحفنة من التراب أتوجعك. قال: لا. قال: فبهذه الحفنة من التبن أتوجعك؟ قال: لا. قال: لو رميتك بهذه الغرفة من الماء أتوجعك؟ قال: لا. قال: أرأيت لو خلطت هذا بهذا وهذا بهذا حتى صار طيناً ثم تركته حتى تحجر ثم رميتك به أيوجعك؟ قال: إي والله وتقتلني. قال: فكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعت. وبلغ من ذكائه وهو صغير أنه كان يهب إلى الكُتَّاب -مكان يتعلم فيه الصبيان القراءة والكتابة. فكان فيه نصارى وكان -مع الأسف- الأستاذ نصراني- قال: فكان صبيان النصارى يستهزئون بالمسلمين، ويقولون: إن المسلمين يزعمون أن أهل الجنة طعامهم لا فضلة له -أي: أهل الجنة إذا أكلوا لا يخرج منهم مخلفات- فالنصارى يقولون: هذا مستحيل ولا يمكن، ويستهزئون بالمسلمين على هذا، وهذا ثابت عندنا أن أهل الجنة تخرج الفضلات منهم على هيئة رشح رائحة المسك ثم تضمر بطونهم، فيأكلون ويخرج رشح كالمسك، فتضمر بطونهم، فيأكلون ولا يمتخطون ولا يتبولون، هذه الفكرة صارت عند صبيان النصارى شيء يستهزئون به على المسلمين. فقال القاضي إياس رحمه الله -وكان صغيراً- للمعلم النصراني: ألست تزعم أن في الطعام ما ينصرف في غذاء البدن قال: بلى. قال: فهل هو بعيدٌ على الله أن يجعل طعام أهل الجنة كله غذاءً لأبدانهم ولا يخرج منه شيء، فقال المعلم: أنت شيطان. أي: مثلما يقول المعلم: أنت ذكي.. أنت عفريت، فهذا أيضاً ما حصل منه. كان القاضي إياس رحمه الله ذكياً جداً، وذكاؤه في القصص ليس هذا موضعه، ولكن المقصود أن نُري كيف كان قضاة وعلماء المسلمين يردون على أهل البدع ويفحمونهم، ولا نقول: إنهم كلهم على الحق، وكلهم لم يأخذوا الرشوة ولكن يوجد نماذج ممتازة جداً يجب أن تعرض، ولعل أن تكون هناك فرصة أخرى لنعرض تلك النماذج.



نموذج رائع لبعض الملوك الذين لم تغيرهم المناصب:

عندما نقرأ التاريخ الإسلامي أيضاً نجد الموقف الصحيح لصاحب المنصب، يوجد بعض الناس استغلوا مناصبهم في السوء، ولكن بعض الناس استغلوا مناصبهم في الأشياء التي هي من الطاعات، فاستغلوا المناصب في نشر العلم، واستغلوا المناصب في بناء المدارس، وفي وضع رواتب للعلماء وأهل الخير وعمل الأوقاف عليها.. استغلوا المناصب في قمع أهل البدع وإظهار السنة وهكذا، وهذا تتبعه مهم حتى يتبين لأهل المناصب في زماننا ما يجب أن يكونوا عليه. فهذا مثلاً نظام الملك الوزير الحسن بن علي بن إسحاق رحمه الله تعالى: مع أنه كان وزيراً فإنه نشأ في طلب العلم، فلما أصبح وزيراً استعمل إمكانياته المادية والمعنوية ووجاهته في نشر العلم، وبنى المدرسة النظامية بـبغداد ، وسميت النظامية نسبة إليه؛ لأنه يعرف بـنظام الملك ، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والعلماء، وكان يقضي غالب نهاره معهم، وهكذا ينبغي أن يكون حال أهل المناصب اليوم، يقربون الصالحين، ويباعدون الطالحين. وكان إذا سئل وقيل له: إن هؤلاء يشغلونك؟ قال: هؤلاء جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستهم على رأسي ما استكثرت ذلك، وإذا دخل عليه أبو القاسم القشيري و أبو المعالي الجويني قام لهما وأجلسهما في المقعد، وإذا دخل عليه أبو علي الفرندي قام وأجلسه مكانه وجلس بين يديه، هذا الوزير يجلس بين يدي الشيخ، فعوتب، فقال: إنه إذا دخل علي ذكرني عيوبي وظلمي، فأنكسر وأرجع عن كثيرٍ من الذي أنا فيه. وكان محافظاً على الصلوات في أوقاتها لا يشغله بعد الأذان شغلٌ عنها. تأمل الآن في حال أصحاب المناصب والوظائف، يجلسون في اجتماعات العمل والمؤذن يؤذن والناس يذهبون للصلاة وهم جالسون في اجتماعات العمل، وربما يخرج وقت الصلاة وهم لا يزالون في اجتماعات العمل، فتباً لهذه الاجتماعات، ولا بارك الله فيها ما دامت تشغل عن الصلاة، فلينتبه أهل المناصب من المسلمين لذلك.



بعض القدوات في أغنياء المسلمين:

نقرأ التاريخ فنجد قدوات من الأغنياء من المسلمين كيف كانت معاملتهم للفقراء؛ فهذا أبو شجاع الوزير : كان غنياً جداً، ومع ذلك فإنه أنفق أمواله في الخيرات وأكثر الإنعام على الأيتام والأرامل. وقد حصل أنه ذات مرةٍ أوتي بأنواعٍ من الحلويات -قطايف عليها السكر- فتذكر أن هناك فقراء في البلد لا يذوقون هذا الطعام، لأنه طعام لا يجلب إلا لخاصة الناس -تأملوا! وزير يُؤتى له بطعام لا يؤتى إلا لخاصة الناس- فذهب به كله إلى الفقراء فقسمه عليهم ولم يأكل شيئاً منه. وجلس مرة للطعام، فقيل له: إن هناك أربعة أيتام وأرملة في مكانٍ ما في البلد، فرفع يده عن الطعام فذهب به إليهم ومعه نفقة، وكان الوقت شتاء، فخلع رداءه في البرد، وقال: لا ألبسه حتى أخبر أن الطعام والنفقة قد وصلت إليهم. فأين أغنياء المسلمين عن الفقراء اليوم؛ الذين ينفقون أموالهم في كثير من التراهات والمفاسد، ويستفيد الكفار من الأموال المودعة في الخارج، وفقراء المسلمين يئنون في أطراف آسيا و أفريقيا من الجوع فلا يغيثهم أحد، ولا يتفطن لحالهم أحد، وهؤلاء الذين يبطرون النعمة، لا بد أن يأتيهم من الله عذابٌ في الدنيا أو في الآخرة! وسوف نورد أمثلة وإلا فالتاريخ فيه الصالح والطالح، هذا أحمد بن علي أبو بكر العلوي رحمه الله كان يعمل في تجصيص الحيطان ولكنه كان لا ينقش صورة، لأن نقش الصور لا يجوز، وكان يتكسب من عمل يده، ونجد كذلك أن هناك بلدان في التاريخ الإسلامي كانوا أهل سنة وأهل طاعة، ومن ذلك: بلدة كيلان التي ينتسب إليها الكيلانيون، هذه البلدة وقعت بينها وبين التتر حروب، فطلب ملك التتر منهم أن يجعلوا له طريقاً داخل بلادهم، فامتنعوا، فأرسل جيشاً كثيفاً فأمهلهم أهل كيلان حتى دخلوا البلد، ثم أرسلوا عليهم خليجاً من البحر كان محبوساً بأشياء، أرسلوا السدود على الجيش، ورموهم بالنفط وهو يحترق، فغرق كثيرٌ منهم واحترق آخرون، وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة، وقتلوا أميرهم فلم ينج من التتر إلا قلة. يقول ابن كثير رحمه الله: وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع، وهم أهل سنة لا يستطيع مبتدعٌ أن يسكن بين أظهرهم -الله أكبر- لما يظهرون في البلد من الطاعات، فأين مدن المسلمين اليوم التي يعيش فيها كل من هب ودب من الكفرة والمجرمين وأهل البدع وغيرهم، أين هي البلاد التي يتمسك أهلها بالسنة فيكونون مجاهدين في سبيل الله؟!



مواقف العامة تجاه من اعتدى على الإسلام:

ينبغي أن لا ننسى -أيضاً- أنه مرت في التاريخ الإسلامي أحداثاً جيدة تعبر عن حمية العامة للإسلام، ففي إحدى السنوات قام أربعة من الرهبان ودعوا فقهاء المسلمين لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهر هؤلاء الرهبان بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ساحر كذاب، فثار الناس عليهم فقتلوهم وأحرقوهم، فأين العامة الذين توجد في نفوسهم حمية للإسلام؛ بحيث إنه إذا صار شيء وأهين الإسلام قام العامة على من أهان الإسلام فأذاقوه صنوف العذاب، بل على العكس قد يهان الإسلام في المجالس.. قد يهان الإسلام في بعض الشوارع والمحلات والعامة ساكتون، لا يستطيعون أن يغيروا شيئاً. ونجد كذلك في دراسة التاريخ وأحداثه أمثلة من تغيير أماكن الفسق إلى أماكن العبادة: فيذكر ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه التاريخ المشهور يقول: كان هناك دارٌ عرفت بدار الفاسقين في بولاق خارج القاهرة؛ لكثرة ما يجري فيها من أنواع المحرمات، فاشتراها الأمير عز الدين الخطيري رحمه الله، استغل أمواله بماذا؟ اشترى مكان فسق فيه خمور وزنا وفواحش، مرقص وملهى، اشتراه بنقوده وهدمه، وبنى مكانه الجامع في عام (737هـ) وسماه جامع التوبة. لاحظ العلاقة بين المبنى السابق واسم المبنى الجديد (جامع التوبة) وكان الخطيري بالغ في عمارته حتى كان من أحسن الجوامع، وهذا الجامع موجود إلى الآن، وقد يعرف الآن باسم (جامع الخطيري) وهو في ناحية بولاق في شارع (فؤاد الأول قرب النيل)، وفيه صحن سمائي وتحيط به أروقة ومئذنة، وقد تهدَّم جزءً منه ثم عمر بعد ذلك، وربما الذين يعرفون مصر جيداً يعرفون هذا المسجد، فإذا مروا به وتذكروه فإنهم يتذكرون رجلاً عظيماً من المسلمين اشترى مكان فسق فهدمه وبنى بدلاً منه مسجداً يذكر الله فيه، فكم عظم الأجر؟ أول شيء درأ المفسدة، ثم جلب المصلحة. ولا زال هناك بقية من أهل الخير في هذا الزمان ولله الحمد، فهلَّا قام أغنياء المسلمين بشراء الملاهي وأماكن الفسق ليبنوا فيها مساجد أو أماكن للطاعات؟! وقد حصل قبل سنواتٍ في بلدة من بلاد الشام أنه كان فيها ملهى معروف يسمى بـ(المونتانا) اجتمع بعض أهل الخير وجمعوا التبرعات واشتروا الملهى، وبنوا فيه جامعاً وهو موجود الآن يسمى (جامع الفرقان) فرقان بين الحق والباطل، فهلا كثرت هذه الأمور أيضاً؟ وكذلك فإننا إذا استعرضنا التاريخ أيضاً سنجد فيه أموراً من الفقه والأحكام الشرعية وطرائف فقهية وهي كثيرةٌ جداً، ونضرب مثالاً واحداً: عبد الملك بن إبراهيم أبو الفضل الهمداني رحمه الله تعالى، كان رجلاً قد درس العلم الشرعي وكان ظريفاً لطيفاً، كان يقول: كان أبي إذا أراد أن يؤدبني أخذ العصا بيده -وكانت مسألة الجهر بالنية مشهورة- ويقول: نويت أن أضرب ولدي تأديباً كما أمر الله. قال: وإلى أن ينوي ويتم النية أكون قد هربت. فهذه مسألة الجهر بالنية من البدع الشائعة، وهي إلى الآن لازالت موجودة شائعة، ترى الواحد إذا قام يصلي قال: نويت أن أصلي لله فرض الظهر الحاضر جماعة وراء الإمام مستقبل القبلة أربع ركعات ... إلخ وهذه البدعة عبارة عن استحسان استحسنه بعض الناس والله: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] فلا حاجة للتلفظ بالنية. فمثل هذه الطرف ترد في ضمن كتب التاريخ، وكتب التاريخ الإسلامي تحوي أحكاماً فقهية، ومناظرات علمية في غاية الجودة والروعة.



التاريخ ومعرفة السنن الكونية في انتقام الله من الناس:

عندما ندرس التاريخ الإسلامي نجد مصداقاً للسنة الكونية في انتقام الله من الناس، عندما يترفون وينفقون الأموال ويسرفون فيها ويبذرون، فإليكم مثالاً واحداً في المرحلة الزمنية التي هي وقت اجتياح النصارى لبلاد المسلمين، والتشرذم الذي حصل في بلاد المسلمين وقيام بعضهم بقتل بعض، وقيام الدولة الفاطمية في مصر التي أزيل ذكر الخلافة العباسية من على المنابر وصار يذكر الحاكم الفاطمي على المنبر ويدعى له بدلاً من الخليفة العباسي، وما صار الأمر إلى ما صار إليه إلا بانتشار مثل هذه الحوادث التي سأذكر واحدة منها الآن: في سنة (480هـ) نقل جهاز ابنة السلطان إلى دار الخلافة -انظر الزواجات في القديم والحديث، فأهل السوء لا يزالون يبذرون الأموال- على مائة وثلاثين جملاً مجللة بالديباج الرومي غالبها من أواني الذهب والفضة، وعلى أربعٍ وسبعين بغلة مجللة بأنواع الديباج الملكي، وأحلاسها وقلائدها من الذهب والفضة، وكان على ستة منها اثنا عشر صندوقاً من الفضة فيها أنواع الجواهر والحلي، وبين يدي البغال ثلاثة وثلاثون فرساً عليها مراكب الذهب مرصعة بالجواهر، ومهدٌ عظيمٌ مجللٌ بالديباج الملكي عليه صفائح الذهب ومرصعٌ بالجوهر. وبعث الخليفة بالوزير لتلقيهم وبين يديه نحو ثلاثمائة مويكبة غير المشاعل لخدمة الست فلانة امرأة السلطان، وحضر الوزير وأعيان الأمراء وبين أيديهم الشموع والمشاعل ما لا يحصى، وجاءت الأميرات مع كل واحدة منهن جماعتها وجواريها، وبين أيديهن الشموع والمشاعل، ثم جاءت زوجة الخليفة بعد الجميع في محفة مجللة وعليها من الذهب والجواهر مالا تحصى قيمته، وقد أحاط بالمحفة مائتا جارية تركية بالمراكب المزينة العجيبة تبهر الأبصار، ودخلت دار الخلافة وقد زينت حرمه وأشعلت فيها الشموع ... إلخ. بمثل تضييع أموال المسلمين هكذا حصل ما حصل من المصائب العظيمة التي نكبت المسلمين.



التاريخ .. وخداع المشعوذين:

عندما نقرأ التاريخ نجد فيه أخبار المشعوذين والدجاجلة وكيف كانوا يخدعون الناس، والأشياء الموجودة الآن في أماكن مختلفة من البلدان كانت موجودة في السابق. ومن ذلك مثلاً: ما حصل أن رجلاً من الصوفية -و الصوفية لا زالوا يخدعون الناس في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي- خدع الملك الظاهر برقوق وأوهمه أنه من أولياء الله، فاعتقد هذا السلطان بهذا الشيخ وهذا الولي -كما يزعمون- وكان إذا دخل الشيخ شفع عند الملك، ثم وصل الأمر إلى درحة أن هذا المشعوذ كان يحضر مجلس السلطان العام ويجلس معه بجانبه على المقعد الذي هو عليه، ويسبه بحضرة الأمراء، وربما يبصق في وجهه ولا يفعل السلطان له شيئاً، لماذا؟ من أثر هذا المشعوذ على السلطان، وكان يدخل المشعوذ على حريم السلطان فلا يحتجبن منه ... وهكذا. وكذلك من الأشياء المشابهة لهذا: أنه أشيع أن امرأة عام (796هـ) -انظروا كيف تشيع الخرافات بين الناس- طال رمدها، فرأت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فأمرها أن تأخذ من حصى أبيض في سفح جبل المقطم وتكتحل به بعد سحقه، ففعلت فعوفيت، فانتشر هذا بين الناس فماذا فعل العامة؟ تكاثروا على استعماله حتى أن حصى جبل المقطم انتهى وهم يلتقطونه ويسحقون منه للشفاء والعلاج والبركة، لماذا؟ لأن امرأة رأت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال كذا، وانتشرت الرؤية المكذوبة، والآن الرؤى الكاذبة على الرسول صلى الله عليه وسلم لا تزال موجودة ومنتشرة، ومنها الرؤيا المنسوبة إلى (أحمد) خادم الحرم المدني قبل مائتي سنة، وربما الرؤيا لا زالت تروج إلى الآن في مواسم وتهدأ وتظهر وتهدأ، مفادها: أن هذا الخادم نام مرة بجانب المسجد، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، وأخبره عن حوادث كثيرة وكذا وكذا... وفي النهاية ومن لم يطبع الورقة فإنه سيخسر، وإذا كذَّب بها فإنه سيموت أو كذا ويصاب المصائب ... والمغفلون من المسلمين يطبعون هذه الأوراق ويوزعونها. وكذلك فمن الأشياء التي حصلت: أن في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصاً كان يتكلم من وراء حائط؛ فافتتن الناس به، حتى قال قائلهم: (يا رب سَلِّم، الحيطة بتتكلم) وحتى قال أحد الشعراء مستهزئاً:

يا ناطقاً من جدارٍ وهو ليس يرى اظهر وإلا فهذا الفعل فتانُ

لم تسمع النـاس للحيطـان ألسنة وإنما قيل للحيطـان آذنُ

هذه اللعبة التي لعب فيها بعض المشعوذين على الناس، عملوا من جهةٍ من الجهات نقض في الحائط وله مثل الماسورة أو قرن وينفخ فيه بشكل يتغير الصوت عند النفخ فيه، والناس يأتون ويسمعون الصوت ويعتقدون أن ولياً من أولياء الله هنا.. ونحو ذلك، وعظم ذلك المكان بسبب لعبة لعبها بعض المشعوذين. إن الموالد كانت تقام وتفعل فيها الرذائل، ومن ذلك أنه عُمِلَ المولد النبوي -بزعمهم- واجتمع فيه من الخلق مالا يحصى عددهم، ووجد في صبيحته (150) جرة من جرار الخمر فارغة، غير ما كان في تلك الليلة من الفساد والزنا واللواط، هذا في أي شيء؟ في حفلة المولد النبوي، وهي بدعة زائفة. هذا الاحتفال يُفعل إلى الآن -أيها الإخوة- في كثير من البلدان، يعملون مولد نبوي رجالاً ونساء ... إلخ، وأنت تسمع وتقرأ في الوسائل المرئية والمسموعة إلى الآن عندما يأتي (12ربيع الأول) حفلة مولد نبوي، غناء وموسيقى وطبل ونساء يغنين ويرقصن، في ماذا؟ في المولد النبوي.



التاريخ.. ومساوئ الرياضة:

كذلك فإننا إذا قرأنا التاريخ سنجد مساوئ للرياضة كانت موجودة في ذلك الزمان.. انظر مثلاً في يوم السبت (12 من ذي القعدة) عمل السلطان حفلاً مهماً عظيماً بالميدان تحت القلعة، وسببه أن السلطان لعب بالكرة مع أحد الأمراء فغلبه، فقال: لا بد ما دام أني غلبتك أن تعمل وليمة عظيمة، قال من كرمه: أنا أتولى عنك النفقات، فعملت الوليمة العظيمة؛ فنصبت الخيم بالميدان، وكان فيها من اللحم عشرون ألف رطلٍ، ومائة زوج أوز، وألف طائرٍ من الدجاج، وثلاثون قنطاراً من السكر استعملت في صنع الحلويات، وثلاثون قنطاراً من الزبيب، وستون إردباً دقيقاً، وعملت المسكرات في جنان من الفخار، ونزل السلطان سحر يوم السبت وأمرهم بأن يعاقروا الشراب، ثم سمح للعامة في انتهاب الأكل بعدما أكل هو ومقربوه. قال المؤرخ: فكان يوماً في غاية القبح والشناعة؛ أبيحت فيه المسكرات، وتجاهر الناس بالفواحش بما لم يعلم مثله قط، ومن يومئذٍ انتهكت الحرمات بتلك الديار، عقب انتصارٍ في مباراة كرة حصلت، وكانوا في القديم يلعبون الكرة على الفرس يضربونها بشيء. المهم انظر الآن ما يحصل أيضاً بعد حصول المباريات الرياضية أو الانتصارات بزعمهم. إذاً يوجد كثيرٌ من هذه المفاسد ولا زالت موجودة في القديم والحديث، ونحن لا بد أن نتعظ ونعلم تماماً بأن الله سبحانه وتعالى لا يرضى عن هذه الأمور.



التاريخ.. ولطائف قدر الله على عباده:

أيضاً في التاريخ عجائب لقدرة الله عز وجل في المخلوقات، فيقول المؤرخ: وجد مخلوق كذا وصفته كذا وكذا من العجائب، وأمطرت السماء في يوم كذا وكذا مطراً كان فيه سمك، وأمطرت مرة حجارة، وحصل أشياء من العجائب حتى وصفوا النيازك وسقوط بعض الأجرام السماوية على الأرض وما حصل فيها. ومن الأشياء اللطيفة التي تذكر في هذه المناسبة: ما يحصل من جريان قدر الله عز وجل في بعض المساكين فمن ذلك: قال ابن كثير رحمه الله: نقل عن ابن الساعي : كان رجلاً بـبغداد على رأسه زبادي فزلق فتكسرت، ووقف يبكي، فتألم الناس لحاله وفقره، ولأنه لم يكن يملك غيرها، فأعطاه رجلٌ من الحاضرين ديناراً، فلما أخذه نظر فيه طويلاً، ثم قال: والله إني لأعرف هذا الدينار، لقد ضاع مني مرة في جملة دنانير، فقال له الرجل الذي أعطاه إياه: ما علامة الدنانير؟ قال: وزنها كذا، وكان معه (23) ديناراً، فوزنوها فوجدوها كما قال: فأعطاه. وذات مرة كان رجل بـمكة، فنزع ثيابه ليغتسل بماء زمزم، وأخرج دملجاً زنته (50) مثقالاً ووضعها في الثياب، فلما فرغ من الاغتسال لبس الثياب ونسي الدملج ومضى، ورجع إلى بغداد وبقي سنتين حتى افتقر ولم يبق معه إلا شيء يسير، فاشترى بهذا الشيء اليسير زجاجاً وقوارير ليبيعها ويتكسب بها، فبينما هو يطوف ذات مرة إذ زلق فسقطت القوارير وتكسرت، فوقف يبكي فاجتمع الناس عليه يتألمون له، فقال للناس من جملة الشكوى: والله لقد ذهب مني منذ سنتين دملج من ذهب زنته (50) ديناراً ما باليت لفقده كما باليت لتكسير هذه القوارير؛ لأنها كل ما أملك الآن، فقال له رجل من الناس: أنا والله لقيت الدملج وأخرجه وأعطاه إياه. تصور أنه فقده في مكة وذهب إلى بغداد وبعد سنتين يأتي في وسط الجمع وهو يتألم لفقره، فيقول رجل: أنا وجدته ولم أعرف صاحبه، فدفعه إليه. فالشاهد -أيها الإخوة- أننا نرى عجائب وغرائب من قدر الله سبحانه وتعالى سواء في مثل هذه الأشياء، أو في وفاة الأشخاص. مثل: ثلاثة إخوة افترقوا فلم يجتمعوا إلا في قبرٍ واحد، ماتوا وما اجتمعوا في الحياة إلا في القبر بعدما ماتوا عرف أن هؤلاء إخوة هذا فلان فدفن، ثم فلان، ثم فلان وهكذا.



تاريخنا تاريخ أحداث وعبر وعظات:

الشاهد: أن تاريخنا غنيٌ جداً بالأحداث وبالعبر والعظات، ولا بد أن نقرأ ونحن لسنا أمة مبتوتة ولا منقطعة، والحقيقة أن هناك أحداث كبيرة يجب أن نقف عندها، مثل: غزو النصارى لبلاد الإسلام، وغزو التتر، وقيام الدول الباطنية في السابق، والمؤامرات على الإسلام، والأسباب التي أدت إلى انهيار المجتمعات. أقول: لا بد من دراسة هذه الأشياء؛ لأننا نحتاج في هذا الزمان إلى ربط حاضرنا بماضينا، وإلى أن نعود إلى طريقة أسلافنا. وإنني أقول لكم أيها الإخوة: إن في التاريخ عبرة ومنهاجا، وإن هذه الأمة لن تقوم على أقدامها إلا إذا استلهمت الماضي وعملت به. إن كثيراً من الكفار متشرذمون لا ماضي لهم ولا حضارة، دولٌ كاملة قامت وسكانها قطاع طرق، كانوا منفيون في جزيرة فتكاثروا حتى أسسوا دولة، وحكموا أجزاء كثيرة من العالم إلى الآن، وليس لهم حضارة، لو تسأل مثلاً: ما هو أصل الشعب الأمريكي والشعب الأسترالي؟ أصلهم قطاع طرق، لصوص، طلاب دنيا، قاموا وقامت لهم حضارات -أقصد الآن دولٌ وهيمنات- فنحن أمة الإسلام ماضينا قديم جداً، وتاريخنا مليء بالثروات الضخمة التي يجب أن نتمعن فيها ونهتم بها. ونقول أيها الإخوة: لا بد من تربية الناس على الإسلام، وتربية العامة حتى يتهيئوا للجهاد في سبيل الله، لا يمكن أن الأمة تجاهد وهي بهذا الوضع من الانشغال بالدنيا، لو ارتفع سعر الخبز في بلد من بلاد المسلمين لأقاموا الدنيا وما أقعدوها، ولكن لو أهين القرآن والسنة والشريعة ما تحرك أحدٌ تقريباً. خذ هذا المثال: قيل للطبيب: ما هي أمنيتك؟ فقال: نحن الأطباء أمنياتنا بحرف العين: عيادة .. عربية .. وعروسة .. وعمارة. هذا مثال نقصد به أن الناس علاقتهم بالدنيا وليست بالله عز وجل، فلا بد من إرجاعهم إلى الله، وتربيتهم على هذه المبادئ، وأشير إلى أن بعض الناس يظنون أن انتهاء المشكلة الحاضرة بظهور قائد للمسلمين يجمع كل المسلمين، نقول: ليس حل المشكلة في القائد كما يظن بعض الناس فقط، القائد صحيح أنه مهم، لكن ليس العلاج فقط في القائد، مثال: موسى عليه السلام أليس قائداً عظيماً، ونبياً كريماً؟ نعم. لكن كيف كانت سيرة شعبه معه؟ كيف كانت سيرة بني إسرائيل؟ اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138].. أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء:153].. لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ [البقرة:61].. يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21].. إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] وجد القائد لكن الشعب إذا لم يترب على الإسلام فلا فائدة، الأمة إذا ما تربت على الإسلام فلا ينفع القائد، فالناس الذين يقولون: نحن ننتظر قائداً ربانياً لا يميناً ولا يساراً! نقول: على هونكم، ليس القائد كل شيء، لا بد أن يتربى الناس على الإسلام ثم يقومون في سبيل الله عز وجل. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وأن يوفقنا لنصرة شريعته وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

د.فالح العمره 29-12-2006 08:16 PM

دراسة التاريخ.. فوائد وعبر
طارق محي الدين*


إنّ للتاريخ أهمية قصوى في حياة الأمم والشعوب, لذلك نجدها أولته رعايتها البالغة، وسعت إلى جمعه في شكل مدونات عن سير الأجداد، أو عبر المحافظة على الموروثات، أو من خلال القصص الشعبي، ليؤدي دوراً مهماً في تعبئة وجدان الناشئة، حتى ينشب الشبل ناسجا على منوال أجداده,محافظاً على قيم شعبه الموروثة كابراً عن كابر.

وقد احتل التاريخ هذه المكانة أيضاً عند المسلمين وذلك بتوجيه القرآن الكريم (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يوسف 111 وأيضاً قوله (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف 176 بل إنّ الله سبحانه أمر المسلمين أن يجيلوا النظر في مصائر الغابرين من الشعوب عِظة واعتباراً (أو لم يسروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) الروم9.

فدراسة التاريخ عند المسلمين ليست للتسلية و إضاعة الوقت و ملء الفراغ، أو لمجرد المعرفة وحفظ الحكايات ـ خاصة تاريخ الأمة الإسلامية ـ على مر العصور وكر الدهور؛ وإلاّ لما ذكر الله سبحانه تاريخ السابقين وقصص النبيين، بل قال علماء الإسلام إن القرآن الكريم مداره على ثلاثة أغراض أولها تقرير العقيدة في الله عز وجل، والثاني الأحكام والشرائع، والأخير عرض أخبار السابقين؛ وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن الكريم لأنها اقتصرت على الغرض الأول.

ولذلك صنف العلماء التاريخ ضمن العلوم التي تخدم الشريعة الإسلامية، إذ أن َصِلَته بعلم الحديث لا تخفى ولذلك قيل (لم يُستعَن على الكذابين بمثل التاريخ)، وقال سفيان الثوري:"لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" لذلك صارت منزلة التاريخ منزلة عظيمة يقول ابن الأثير: "ومن رزقه الله طبعاً سليماً وهداه صراطاً مستقيماً علم أن فوائدها ـ أي فوائد دراسة التاريخ ـ كثيرة ومنافعها الدنوية والأخروية جمة غزيرة" والله تبارك وتعالى استعمل التاريخ في الرد على أهل الكتاب (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والأنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون) آل عمران 65.

وهناك أمر آخر وهو أن علم التاريخ ليس حشداً للحوادث والمرويات وترديداً لها فحسب ـ بالرغم من أهمية ذلك وكونه اللبنة الأولى لهذا العلم ـ ولكن يتبعه أمر آخر جد خطير ألا وهو تعليل هذه الحوادث وإيجاد الخيط الرفيع الذي يربط بين هذه الأحداث على امتداد الزمان لاستخراج مُعينات على فهم مجرى التاريخ والحوادث المؤثرة فيه، فالتاريخ أصلاً موضوعه الإنسان والزمان كما قال السخاوي في الإعلان بالتوبيخ: "أما موضوعه فالإنسان والزمان" فوحدة التصرف البشري نلمحها في تصرفات الإنسان على امتداد الدهر كما يخبرنا القرآن (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم) البقرة 118، وأيضاً قوله جل وعلا (أتواصو به بل هم قوم طاغون) الذاريات 53، فقول الكافرين هو هو, وقول المؤمنين يكاد يتطابق, انظر إلى رد النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله الأصحاب رضوان الله عليهم أن يجعل لهم ذات أنواط (الله أكبر إنها السنن قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة), وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلق على كثير من المواقف بقوله: ((إنما أهلك الذين من قبلكم))، أو ((إنه كان من قبلكم)) دلالة على أن هذا القول وهذا الفعل يشبه ذاك.

ولقد انتبه لهذه النقطة العلامة ابن خلدون ـ الذي كان له الأثر الواضح في فلسفة التاريخ، ووضع علومه في المكان اللائق بها حتى اعترف له بذلك علماء الغرب ـ, يقول ابن خلدون في المقدمة بعد أن ذكر الجزئية الأولى وهي حشد الروايات والأحداث: "وفي باطنه نظر وتحقيق, وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق, وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق, فهو لذلك أصل أصيل في الحكمة وعريق, وجدير بأن يعد في علومها وخليق" ويزيد الأستاذ سيد قطب هذه النقطة إيضاحاً بقوله: "التاريخ ليس هو الحوادث إنما هوتفسير هذه الحوادث واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات متفاعلة الجزئيات ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان"، أرأيت كيف نبه علماء المسلمين إلى أهمية تعليل الحوادث قبل علماء الغرب بقرون، لا كما يتبجح العلمانيون اليوم.

وازدادت أهمية التاريخ ودراسته في العصر الحديث بل واستُخدِم كأداة مؤثرة لتربية الشعوب وزيادة النعرة القومية فيها, فطفق القوم ينبشون الأرض لشعوبهم ويحيون ما اندرس من وثنيات قديمة، كل ذلك لِيُحِلّوا هذه الروابط الأرضية محل الرابطة الإسلامية الصافية، وليعمقوا النعرة القومية لدى شعوبهم فتنفصل عرى الجسد الواحد، كل عضو يفخر بأنساب هلامية ووثنيات بائدة، مسنوداً بالقوى الاستعمارية التي أسست البعثات العلمية في العالم الإسلامي آنذاك، وجعلت في معيتها وحدة كشف أثري كما فعل نابليون حينما اجتاح مصر, وشغل الناس بنبش الأرض بحثا عن أثار قديمة من فرعونية إلى فينقية إلى مروية.

مما يدلل على أهمية التاريخ كذلك أن أصحاب المذاهب الفكرية استعانوا به يطلبون الغوث في تأييد فلسفة مذاهبهم, وإيجاد الشواهد لها والسند التاريخي؛ فكارل ماركس مثلاً يرى أن التاريخ البشري كله يقوم على الصراع وأن وسائل الإنتاج هي التي تتحكم في أخلاقه وقيمه بل حتى دينه، و نتيجة لاستقراء ناقص للتاريخ، رأى أن المجتمع البشري ابتدأ بالشيوعية البدائية ثم بسبب اكتشاف وسائل الإنتاج تحول إلى نظام الطبقات القديم ـ سادة وعبيد ـ ثم بفعل تطور جديد في وسائل الإنتاج تحول إلى مرحلة الإقطاع ثم انتقل منها إلى الرأسمالية ـ رأسماليين وعمال ـ ثم انتقل إلى الشيوعية حيث تنعدم الطبقات.

كذلك من المفكرين الأوربيين من نظر إلى التاريخ نظرة تقديس وإجلال وطلب منه تفسير الوجود وتعليل النشأة الإنسانية مثل (دارون) الذي عمد إلى الحفريات الأثرية ليثبت أن الإنسان والقرد يرجعان إلى أصل واحد، الأمر الذي يناقض عقيدة الخلق المستقل للإنسان التي جاءت بها الأديان! وكل هذا التخبط حدث لأن القوم لا يهتدون بوحي ولا أثارة من علم صحيح.

وأخيراً ونحن نتحدث عن التاريخ وتفسيره وأهميته أريد أن أخلص إلى جملة من الحقائق، هي:

أولاً: إن منهج الإسلام هو أول منهج عرفته الأرض وعُمّرت به ، لأن آدم عليه السلام نبي ويقرر هذه الحقيقة ابن عباس رضي الله عنهما بقوله:" بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على التوحيد".

ثانياً: لا بد من معرفة التصور الصحيح عن الإنسان والكون والحياة لأنها هي إطار حركة التاريخ كما قال السخاوي:"والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم ... إلى أن يقول أما موضوعه فالإنسان والزمان".

ثالثاً: إن الإسلام له من المبادئ والتصورات ما يصلح لئن تكون قواعد ومحددات عامة تحكم دراسة التاريخ بنوعيها: من حيث إثبات الحقائق التاريخية وصحتها بطرق علمية متفق عليها، ومن حيث الحكم على المنجز البشري وتقييمه من حيث الخطأ والصواب.

وهناك كثير من البّحّاثة تعرضوا لثمرات دراسة التاريخ وفوائدها، لعلي في مقاربة قادمة أعرض لها مختصراً ومعلَّقاً والله ولي التوفيق.


د.فالح العمره 29-12-2006 08:18 PM

دور فلسفة التاريخ في البعد التربوي

زكية بالناصر القعود
14/12/2006

--------------------------------------------------------------------------------


إن علم التاريخ هو ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية الذي يستهدف جمع المعلومات عن الماضي وتحقيقها وتسجيلها وتفسيرها، فهو يسجل أحداث الماضي في تسلسلها وتعاقبها، ولكنه لا يقف عند تسجيل هذه الأحداث، وإنما يحاول عن طريق إبراز الترابط بين هذه الأحداث وتوضيح العلاقة السببية بينها أن يفسر التطور الذي طرأ على حياة الأمم والمجتمعات والحضارات المختلفة، وأن يبين كيف حدث هذا التطور ولماذا حدث(1).

ومن فوائد دراسة علم التاريخ : الاطلاع على ثقافات الشعوب على أحوال الماضي للاستفادة منه خبرة للحاضر والمستقبل، إذا كان هدف الإنسانية أن تعيش فلا بد من الاستعانة بأي فرع من فروع المعرفة، ولن يتأتى هذا لو أننا أهملنا العلم الذي يعرفنا كيف عاش الناس من قبلنا، وهكذا فإننا بالتاريخ نعيش أعمارا كثيرة.(2)

يقول حسين مؤنس: (إن الفائدة الكبرى التي يمكننا أن نجنيها الآن من دراسة التاريخ لهي بلا شك التوسع في معرفة الإنسان واقتباس عادة التدقيق في الشخصيات بحيث تكشف أعمق ما في كل شخصية عن طريق التعرف إلى جوهر الإنسانية الثابت خلال الدهور.)(3).

كما أن معرفة الماضي قد تمهد الطريق وتهدي إلى التقدم في الحاضر إذا تجنب الإنسان ما اتضح في الماضي مخيبا الآمال. إننا لا نستطيع أن نعيش وأن نعمل وأن نساير الزمان إلا إذا احتفظنا بالتضامن الوثيق مع الماضي.(4)

ويعد التاريخ من أهم مقومات الشخصية، حيث إن الفهم الصحيح لأحداث التاريخ يعين على بناء الشخصية السرية ووقايتها من الذوبان، ومن الأمراض النفسية التي تعترضها وتشل طاقتها، فكما أن الإنسان يحتاج إلى ذاكرة فهو يحتاج إلى تاريخ لأن التاريخ هو ذاكرته القومية، وعلماء النفس يعلمون الاختلال الذي يطرأ على التوازن العقلي والنفسي إذا ما فقد المرء ذاكرته، فكما يمرض الفرد لفقد الذاكرة أو اضطرابها كذلك تمرض الشعوب لضياع تاريخها (5).

وإذا تمعنا اليوم في أبناء امتنا نجدهم في يعيشون مرحلة صراع وعدم استقرار وتشعرون بالضياع، أنهم اضعفوا ذاكرتهم ببعدهم عن تاريخهم وتراثهم وهذا يرجع إلى الأسباب التي أشرنا إليها في المقدمة .
يمكن أن نوضح أهمية التاريخ في نقاط الآتية

1- بعث الروح القومية والإسلامية والاعتزاز بهما
2- معرفة الحاضر
3- أداة إطلاق وتحرير ( معرفة العيوب ومعالجتها)
4- مادة ثقافية
5- مدرسة لتعليم الأخلاق ( الوعظ والاعتبار من خلال سير والتراجم )
وقد حذر جزيفير من الجهل بقيمة التاريخ تربويا في قولة " قد يؤدى الجهل بقيمة التاريخ تربويا ‘إلى مسالك متعارضة، فالفرد الذي يجهل أحداث الماضي عرضة، لان يأخذ بأحد الاتجاهين :-
الأول : التعلق بكل ما هو جديد من اتجاهات أو نظم معتقدا أنه السبيل الوحيد إلي النجاح دون إن يحاول أن يعرف ما إذا كان هذا الجديد هو السبيل المباشر أو ما إذا كان هذا قد جرب من قبل .
الثاني: اعتقاد الفرد بأن فكرة التقدم مجرد وهم، فأنه لا يخرج من المسار إلا من المضمون الذي رسمته التقاليد الراسخة وهكذا يسير متخبطا (6)
وللوعي بدروس التاريخ فمن الطبيعي ان نلجأ إلى الأساليب المعروفة المطروحة، إلا ان علينا أن لا نندفع وراء كل ذلك .


فلسفة التاريخ

ولتحقيق أعظم الفوائد من التاريخ لابد من دراسته في إطار فلسفي.

ويعتبر عبد الرحمن بن خلدون أول من أستخدم تعبير فلسفة التاريخ،حيث قصد بها البعد عن السرد وتسجيل الأحداث دون ترابط بينها، كما قصد بها التعليل للأحداث التاريخية، وهو قد يميز بين الظاهر والباطن في التاريخ، حيث يقول عن التاريخ " في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن ُيعد في علومها وخليق ) (7)

كما أن الفيلسوف الفرنسي (قولتير ) كان أول من صاغ مصطلح فلسفة التاريخ في القرن الثامن عشر من بين الفلاسفة الأوروبيين، وقد قصد بها دراسة التاريخ من وجهة نظر الفيلسوف، أي دراسة عملية تحليله ناقدة، ترفض الخرافات وتنقح التاريخ من الأساطير والمبالغات من أجل نشر الحرية والتنوير العقلي كما يعتقد . (8)

وفلسفة التاريخ هي سبيل لتقص القيم الخالدة . وذلك بعرض العديد من القرائن لوزن القضايا الحالية والحلول المؤقتة في نطاق واسع . إنها تتيح الفرصة لتقيم معتمدين . ضمانة تحول دون ضياع القيم الأساسية في غمرة معالجتنا أمور طارئة، وبذلك نتجنب تعقيد القضايا الأخرى اثناء انشغالنا بقضية واحدة فمهما بلغت هذه القضية من الإلحاح تستطيع فلسفة التاريخ ان تنهج نهجين معا:

1- نهجا يزيد الخيال الاجتماعي شعورا بالمسؤولية إذ يربطة بالرواسي .
2- - نهجا يزيد هذا الخيال حرية ومرونة إذ يوسع أمامه جمال إدراك الإمكانات البشرية .(9)
أي إن فلسفة التاريخ هي تفكير حول معنى التاريخ وهدف اكتشاف القوانين العامة التي تحكم الصيرورة الإنسانية . ويجب عدم الخلط بين فلسفة التاريخ من جهة والتفكير المنطقي الذي نطبقه على التاريخ كمعلم يدرس تعاقب الأحداث والنشاطات في الماضي من جهة أخرى.

والمراد من فلسفة التاريخ هنا استنطاق التاريخ وتحليله ونقده للوصول إلى معرفة عوامل النهضة والانحطاط ...هذه الدراسة للتاريخ لا تجعل منه جامدا بل دراسة مقاربة هدفها يميز عناصر القوة من عناصر الضعف في تاريخ الأمة .

مما تعارف عليه أن الفلسفة هي حب الحكمة والسعي وراءها وليست الحكمة في ذاتها.

وأن الحكمة والمعرفة ليستا شيئا وحدا .. فمن المعروف أن أحكم الناس ليس دائما أولئك الذين بلغوا أعلى المستويات الأكاديمية .

فالحكمة تتضمن نضجا في النظرة، وفكراً ثاقبا وفهما وإدراكا .مما لا تستطيع المعرفة وحدها أن تؤكد وجوده. وهناك من يضيف قيدا أو شرطا آخر للحكمة وهو معرفة تطبيق المعرفة والقدرة على تطبيقها . ومن هذا يتبين أن الحكمة لها خمسة مكونات أو مقومات هي الشمول . واتساع النظرة،والبصيرة والنظرة التأملية ومعرفة تطبيق المعرفة أو المعرفة المقرونة بحسن التصرف ... وهذا ما تحتاج إليه في طرق تدريسنا المواد للطلاب.
لنخلق منه أنساناً حكيماً يعتنق النظرة الشاملة، فيقدّر كل المعلومات الممكنة، ولا يقنع بزاوية واحدة أو ميدان واحد للخبرة فهو يهتم بجميع ميادين الخبرة الإنسانية . وهو من جهة أخرى يمتاز بنظرته الواسعة التي تمكنه من أن يرى الأشياء في مجال أوسع ويقدر مغزاها الحقيقي وأن يتجاوز الحدود الضيقة للاهتمامات الخاصة والمصالح الفردية،وبذلك يصبح في وضع يمكنه من أن يحكم حكما نقذيا ذكيا ... فالإنسان الحكيم ليس سطحيا ولكنة يمتلك البصيرة ..

وهذا ما نحتاج إلية في هذا الجيل الذي بين أيدينا وهذا لايكون إلا بتكوينه وتعليمه بوسائل علمية تمكنه من هذه المقومات التي تكمن في فلسفة العلوم ومنها علم التاريخ برؤية إسلامية .

إذا علينا فبل أن نكون محاضرين أو باحثين أو مدرسين أن نكون تربويين وهذا يتطلب من المدرس أينما كان موقعه في سلم التعليم العالي أو المتوسط . أن يمتلك وجهة نظر تربوية محددة أو مجموعة من المبادئ والمعتقدات التي لها قيمة تطبيقيه في المجال التربوي وهذه العلاقة الوثيقة بين المعلم العام (الفيلسوف العام ) والمعلم التربوي ( الفيلسوف التربوي) منبثقة أصلا من العلاقة القوية بين الفلسفة العامة والفلسفة التربوية 10)
وهذا ما نحتاج إلية في العملية التعليمية لبناء جيل يرفع هذا الوطن و الأمة .... جيل يرى في العملية التعليمية بناءً عقليا وأخلاقيا و.بذلك تكون العملية التعليمية أسهمت في خلق كيان قوى لهذه الأمة من أبنائها ... في حين نرى العملية التعليمية في الوقت الحاضر هدم واستهتار بالعقل في كثرة المقررات ومواد السنوات الدراسية في مدارسنا وجامعاتنا لغياب الربط بين العلاقة بين المواد الدراسية وميادين الحياة ومبادئها ومعتقداتها ..فاستهان الطالب بالعملية التعليمية .أصبحت الشهادة العلمية مسمىً من أجل وظيفة ليكون على عتبة الحياة إنسان عبء على نفسه وعلى الآخرين . وأرى إصلاح هذا المسار لا يكون إلا بدراسة مادة الفلسفة الإسلامية للتاريخ على طلابنا، وان يكون القائمين على العملية التعليمية على دراية بفلسفة المادة في محاولة لربط المادة الدراسة بما يتلاءم مع مبادئ الحياة ومعتقداتها والقضايا المعاصرة .

إن دراسة التاريخ بفلسفة تربوية إسلامية عنصر هام لا يستغني عنه عند التخطيط للمستقبل فمثلا بعد الحرب العالمية الثانية عملت الكثير من دول العالم وخاصة المهزومة مثل اليابان على إصلاح نظمها التعليمية بما يتمشى مع المتغيرات الجديدة التي طرأت على العالم أثر الحرب، ولقد تضمن هذا الإصلاح الاهتمام بالنظرية والفلسفة في التربية وكذلك العودة والاهتمام بتطور دراسة التاريخ من الجانب التربوي ... ولا نسى دور التاريخ في أوروبا في عصر القوميات ما له من أثر في ذلك على تغير وضع أوروبا.

نرى أن دراسة التاريخ من الوجهة الفلسفية الإسلامية توضح لنا أمرين هامين : -

1- إنها تكشف عن العناصر الماضية التي تسربت إلى الفكر في حاضرنا، كما أنها توضح لنا نوع المشاكل التي تنشأ نتيجة لاصطدام التقاليد الموروثة بظروف جديدة ومطالب جديدة .
2- أنها توضح لنا كيف عمل السابقون على إيجاد حلول لمشكلاتهم الحياتية (11).

الأهداف التي نرجوها من ذلك .

1- تزويد الجيل بقدر كاف من الحقائق التاريخية التي تعينه على الوصول إلى الفروض والنظريات المتعلقة بجوانب الحياة السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وفهم هذه النظريات ومقاربتها بالنظرة الإسلامية
2- تساعد الناشئ عل تفسير الحقائق المتصلة بتطور الفكر التاريخي . ومن فهم هذه الحقائق وتفسيرها يمكن إصدار أحكام سليمة والوصول إلى قرارات سديدة قائمة على مفاهيم سليمة .
3- تعاون عناصر العملية التعليمية على تصور أو إيجاد حلول مناسبة ملائمة لما يواجهها من مشكلات فكرية أو اجتماعية أو تربوية، فمن خلال فهم حركة التاريخ و أبعاده يمكن مواجهة المشكلات والإسهام في حلها بصورة أفضل .
4- يسعى المدرس أو الباحث على فهم الاتجاهات الفكرية الحديثة في إطار أبعادها التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذا فهم العلاقة بين التاريخ والجوانب الأخرى .
5- تنمي القدرة لدى الباحث على اكتشاف العلاقات بين الأنظمة المختلفة أثارها وتأثيرها في حركة سير التاريخ، وعلاقة فلسفتها بالتطبيقات العملية والعلمية .
6- تنمية القدرة على النقد والتحليل والدراسة لدى الطالب والباحث، وذلك من خلال دراسة الفكر التاريخي والاستفادة من النظريات المختلفة، لأجل بناء فلسفة إسلامية ، وحتى يتخذ موقفا إيجابيا قائم على العلم والمعرفة من خلال عمله
7- تزيد بصيرة وعى الباحث والطالب بالمشكلات التي يمكن أن تنشأ عند اقتباس فكرة أو رأى دون أن يكون لها جذورها وإمكانياتها في إطارنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، مما يعوق حركة تطورنا


أفكار النظريات الفلسفية تجسيدا لثقافات و أوضاع المجتمع والعصر:

قبل الخوض في النظريات الفلسفية التي أحدثت اصدأ وأصبح لها مكان بين العلوم المعارف وروج لها أنصارها نحب أن ننوه إلي أن تلك النظريات كانت تعبر عن حال المفكر وثقافة.

تعددت الآراء حول تعريف الثقافة عند الغرب والغربيين، فمن تعريفات الغربيين قول كوينسى رأيت " الثقافة هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش في حالة الاتصال المستمرة بين أفراده وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الأباء وعبر العمليات التربوية " (124).

بعد أن استعراض معن زيادة تعريفات مفكرين الغربيين عن الثقافة يقول ك " هذه التعريفات كلها تبز بشكل واضح أهمية العقيدة ودور الدين في وضع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان الغربي "(13)

من تعريفات المفكرين العرب قولهم : " أن الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة كمركب كلى ونمو تراكمي مكون من محصلة العلوم المعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والأدب والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والمدركات الذهنية والحسية والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي وفي الحياة )(14)

أن المراد من عرض تعريف الثقافة توضيح أن الثقافة تبز عقيدة المفكر التي تصوغ جميع أفكاره وسلوكه .
وعليه فان تلك النظريات الفلسفية التي ندرسها لطلابنا ونقررها منهجا علميا في مناهجنا الدراسية في الحقيقة تعبر عن أصحابها ومعتقداتهم بالدرجة الأولى.

أي أن تلك النظريات أو الفلسفات للتاريخ تعكس عقلية المفكر التي تكون متأثرة تأثيرا مباشرا أو غير مباشر بالوعي أو اللاوعي بثقافة مجتمعة، وربما يكون متضامنا معها وربما يكون رافضا لها وربما يكون بين هذا و ذاك .. وهذا التأثير يلقي بضلاله على الفكرة أو النظرية، وبدلك يكون قد نقل معتقدة موروثة الثقافي إلى النظرية بشكل ظاهر أو غير ظاهرة .

ومهما كانت عقلية صاحب الفكرة نيرة كما قد يعتقدها الأخر وانه على بصيرة ومبدع فهو قاصرة بقصور الإنسان . فقد نمت وترعرعت في تربة غريبة عن تربة عقولنا، تربية أكسبتها الكثير من الخصائص التي بدون شك أثرة في أفكارها التي ستطلقه وتجد من يروج لها لأغراض يرى فيه الآخر الخير والأمل لعلاج مشكلة أو قضية أو مؤيدة لفكرة ما . ولعل من أجل الهمينه ولسيطرة على أفكار الغير في ذلك العصر، وقد تبلورة تلك الفكرة في الإطار السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي .

وعليه على كل من يسهم في بناء عقول هذه الأمة الحذر والتريث من الفكر الغربي الجديد

إذ كل مذهب يسعى إلى قولبة الوقائع التاريخية وصبّها في هيكله المسبق، واستبعاد أو تزيف كل ما لا ينسجم وهذا الهيكل . فإذا ما حدث وكان المفكر مفسرا للتاريخ وتفسير التاريخ –كما تعلم – توسيع للتحليل صوب الماضي والمستقبل اللذين يندّان كثيرا عن الحصر والضبط والتحديد فإن لنا أن نتصور كم سيجيء هذا التفسير مطبوعا بطابع العصر الذي يعيشه المفسر وكيف أن الأشياء والظواهر والأحداث في الماضي والمستقبل ستأخذ اللون الذي يجد المفسر نفسه مضطرا إلى النظر من خلال زجاجته التي سقطت عليها مواضعات العصر والظلال و الأضواء وهذا يؤدى إلى تباعد التفاسير الوضعية بدرجة أو أخرى عن العلمية والموضوعية والحياد (15).


نبده عن بعض النظريات الفلسفية للتاريخ :-

تعددت النظريات الفلسفية،و زعم فلاسفة التاريخ بأنهم يفسرون التاريخ دون الانطلاق من خلفية ميتافزيقية صريحة أو ضمنية، في حين أن كل دراسة تاريخية تتضمن رؤية فلسفية إلى التاريخ وينظرها بالنظر إلى الأهداف التي تصورها مسبقا. فصياغة فلسفة التاريخ لا تخلو إذا من أفكار مسبقة (16).

فمنها نظرية الدوران المتعاقبة، وهي نظرية قديمة وتقول بالمفهوم الدوري للتاريخ والصيرورة التاريخية، وقد عرفها الأقدمون باسم نظرية ( العودة الابدى )، وتعتبر هذه النظرية أنة بعد مرور عدة آلاف من السنين على التاريخ البشري يعود التاريخ من جديد إلى نقطة البداية في حركة دائرية (17).

ونظرية فولتير العقلية العامة : التي أراد بها تقد مفهوم التاريخ عند الاسقف " بسوت " الذي فسر التاريخ تفسيرا لاهوتيا . بقوله " ان تفسير التاريخ من هذه الرؤية لا يمثل سوى جزء ا صغيرا من الجنس البشرى . واعتبره فوق كل ذلك يكون تفسيرا لتاريخ البشرية كلها مدونا من وجهة نظر دينية خاصة من فهمة وحيا خص به هذا الجزء الصغير من البشرة لا يتمكن من فهمه إلا أولئك الذين يشتركون في هذه النظرة ".. واقترح فولثير بدلا من هذا التفسير المذهبي نظرة فلسفية للتاريخ أساسها المبادئ العقلية العامة وتعني فلسفة التاريخ هذه النظرة إلى التاريخ دون إقليمية واعتبار جميع الناس وكل المجتمعات خاضعة لقوانين ثابتة .. وكانت هذه الفكرة والتفسير رد فعل لأول صدمة كبيرة نشأت على تأثير العقل الأوربي بالعلم الحديث واتساع الاتصال مع بقية العالم أى أنه يرى تفسير التاريخ بمعزل عن الدين ....وهذا غير صحيح (18)

-ونظرية لورد بو لينغبروك فلسف التاريخ من وجه نظر أخلاقية،واعتبر أن التاريخ كأنه " الفلسفة التي تعلم القدوة " ويؤكد على أن هذه الفلسفة تقودنا إلى معرفة " بعض المبادئ العامة وكذلك بعض قواعد الحياة والسلوك التي يجب أن تكون على الدوام صحيحة ما دامت مطابقة لطبيعة الأشياء التي لا تتغير (19).

ومن النظريات نظرية التقلبات :التي ظهرت على يد سوروكن عالم الاجتماع الأميركي في كتابة الدينامية الأجتماعية والثقافية " وهو يحتوي على دراسة عن التحولات الاحتماعية والسياسية والفكرية للحضارة الغربية منذ عصر اليونان وحتى الوقت الحاضر .. ويستخلص منها النتيجة التالية :أن هذه التحولات لا تعبر عن تقدم على أمام ولاعن تطور دوري وغنما هي عبارة عن تقلبات مستمرة فقط (20)

ونظرية اشبنغلز القوة، التي برزت في كتابة " انهيار الغرب " ، حيث يرى أن الحضارة تتدهور حين تنحط طبقة النبلاء التي تمثل جانب القوة عنده فهي القوة المحاربة-.ولما كانت هذه الطبقة قد انحطت بعد الثورة الفرنسية فإن الغرب قد انهار وهو الآن في سبيله إلى شيخوخة والهرم .ويؤمن اشبنغلز بأن الحضارات لا يؤثر بعضها في بعض، بل إن كل حضارة في رأيه ليست سوى دائرة مقفلة لا يدخل إليها شئ ولا يخرج منها شئ .. وهذه الفكرة تؤشر إلى التحجر الذي أصاب الغرب والتحجر هو الاسم الآخر للانهيار نفسه .كما يعتقد أن الحضارة الفاشستية أى حضارة الغرب الحديث هي ارقي حضارة عرفها التاريخ (21)

نظرية هيجل : تعد من أكثر فلسفات التاريخ شيوعا واميزها شهرة وثراء معرفيا .

تختصر رؤية للتاريخ في كونه هو المهيمن على الوقائع ويصوغها ضمن منطقها الداخلي من خلال تفاعل الشخصيات التاريخية نفسها مع المقصد الخفي الذي يبلوره المنطق الباطني للتاريخ، حيث يقوم التاريخ وفقا لهذه الفلسفة بتفسير الواقع واستخراج القوانين والتنبؤات لما سيجرى من غير التقيد بزمن معين يراد له أن يبسط قوانين وآلية جريان أحداثة على زمن آخر،والسبب في ذلك أن العقل كما يراه هيجل هو جوهر التاريخ ومن ثم فهذا العقل هو الذي يتحكم في أحداث العالم عن طريق التاريخ نفسه،وبالتالي فكل حدث من أحداث التاريخ إنما جرى وفقا لمقتضيات العقل الذي يُموضع الأحداث العالمية لتخدم قصدا معينا أو هدفا محددا ولكن من تحت مظلة التاريخ .

هذه الفلسفة تعتبر العقل نفسه هو من يسير التاريخ بحيث يرتب أحداثه على نحو يجعلها سائرة نحو الهدف أو مقصد بعيد المدى .

على هذا النحو فالتاريخ لدى هيجل عبارة عن منظومة تطور ونمو خاضعة لمنطق باطن كامن في الشخصيات التاريخية التي لم تكن وفق هذه الفلسفة إلا أدوات لتحقيق فلسفة أو هدف التاريخ السائر بشكل حتمي نحو تحقيق مقصد كلي بحيث لم تكن تلك الشخصيات التاريخية تشعر أساسا بأنها ستحققه ولم يكن يشكل في الأساس مقصدا لها وإنما تصرفت على نحو جعلها تضبط وقائع التاريخ نحو ذلك الهدف، هؤلاء الأشخاص أو الأدوات التنفيذية كما يرمز لهم هيجل ليسوا استثناءَ من فلسفة المصلحة أو المنفعة الشخصية فهم يسيرون حسب أهوائهم وتحكم تصرفاتهم مصالحهم الشخصية ويرمون تحقيق مآربهم الخاصة دون إرادة أى شئ آخر ولكن منطق التاريخ الداخلي يؤكد أن غاية بعيدة المدى ستتحق من سعيهم لمصالحهم رغم أنهم لم يكونوا هم في الأساس على علم بها ولم تكن على أجنده مصالحهم وهو ما يسميه هيجل ( مكر أو خبث العقل الكلي المسيطر على التاريخ ) حيث يتبدى خبث هذا العقل بأنه يستعين بهده الشخصيات التاريخية لتحقيق مقاصده دون أن يكون على علم بها، والذي يجعل هؤلاء أقوياء وجادين على السير نحو الطريق إلى الهدف، هو أن أهدافهم الجزئية ومصالحهم الضيقة تحتوى في باطنها على المحتوى الجوهري الذي هو إرادة الروح الكلية أو العقل الكلي،وهذا المحتوى موجود في الأساس في الغريزة الكلية غير المشعور بها لدى الناس بمن فيهم أدوات التنفيذ التاريخية .(22)

كانت هذه النظرية من معطيات عصر التنوير الرافض لفكر الكنيسة . وذلك برفع قيمة العقل وتحريره من الضوابط الدينية واستخدامه في تفسير الظواهر

نظرية ماركس المادية : جاءت ترفض فلسفة هيجل المثالية برمتها، واحتفظ بنهجه الديلكيتي، غير أنة جرّده من شكله الغامض المتعلق بما وراء الماديات، ويرى أن السبب الأكبر لما يحصل في المجتمع من تغير ليس كامنا في أفكاره وفي الحق الخالد، والعدل الاجتماعي،وإنما في تغير أساليب الإنتاج والتبادل ." لذلك فالانتقال من مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي إلى أخرى لا يكون لأن مبادئ عقلية استجدت،أو لآن أفكارا جديدة عن الحق والعدل ظهرت، لأن هذه متعلقة بالكيان العلوي،والذي يجعل قبولها ممكنا هو أن التغيرات التي تحصل في قوى الإنتاج توجد بيئة تجعلها تبدو التغير الطبيعي عما صار الناس يرغبون فيه " إن النظرية المادية التاريخية تميل إلى أن ترى في قادة الفكر والعمل مجرّد حمَلةِ للقوي الاجتماعية التي هي في أساسها اقتصادية .

فماركس يعتقد أن الحافز المحرّك الأكبر للمجتمع البشري المسؤول عن كل ما يحصل من تغير في وعي الإنسان وفكرة،أو الذي يسبب حدوث النظم الاجتماعية المختلفة والمنازعات ليس منشؤه الفكر ( العقل أو الروح ) وإنما الظروف المادية للحياة . فهو يرى أن أسلوب الإنتاج هو الذي يقرر الكيان العلوي الكامل للمجتمع، شكله الاجتماعي والسياسية ، وقيمه الدينية والحضارية بل فكره وآرائه (23).

نظرية آرنولد توينبي :نضج علم التاريخ في أوروبا الغربية خلال القرن التاسع عشر، كما نضجت النظريات التي بذلت جهدا مرموقا بغية استيعاب ما هية التاريخ والتحكم بمساره لصالح الغربيين . ظهر آرنولد بنظرية الفلسفية للتاريخ من خلال كتابة الضخم بعنوان " دارسة التاريخ ) في اثني عشر مجلدا .

لذلك فليس من السهل أن نستعرض نظرية آرنولد الضخمة التي تضمنت في دراسة إحدى وعشرين حضارة على مر العصور، هي أبرزت حضارات في التاريخ كله ..ولكن نحاول أن نوجز بعضا من الأفكار الرئيسية منها مقولة " التحدى والاستجابة "و لعله يقصد من قوله بأن البيئة من شأنها أن تتحدى الناس فإن استجابوا للتحدي بنجاح، فانهم سوف يتمكنون من إنشاء حضارة قوية ذات شأن،وإن هم أخفقوا في ذلك، فإن نمو حضارة متقدمة في تلك البيئة ( التي قد تكون شديدة القسوة كالصحراء في شبة الجزيرة العربية ) لن يكلل بالنجاح بتاتا . وبإيجاز، أن نمو حضارة من الحضارات أمر مرهون بمدى استجابة الناس للتحديات التي تواجههم .

وتضيف النظرية ما فحواة أن كل حضارة تمر بطورين أثنين .ففي الطور الأول، وهو طور النمو، تكون الاستجابة للتحديات موفقة دوما،إي أن الناس يكونون أقدر من القوة التي تعارضهم وتعرقل تفتحهم . أما الطور الثاني، فيكون الوضع مناقضا لما كان عليه الحال في الطور الأول، إي تكون التحديات أقوى من كفاءة الناس، الذين يعجزون عن الاستجابة لها . ففي هذا الطور يظهر التحدي الذي يؤدي إلى رد ّفعل مخفق. ثم يظهر تحدّ أكبر من السابق، فيكون الرد عليه أضعف من الرد الأول ويستمر الحال هكذاحتى تضمحل الحضارة أو تشيخ. ويعتقد بأن الحروب هي السبب الجوهري لانهيار المجتمعات أو الحضارات .(24)

ومما يؤخذ على هذه النظرية أن المبادئ التي سار عليه آرنولد في" دراسته" للتاريخ مبادئ مستعارة من مناهج العلوم الطبيعية التي تقوم أساسا على العلاقات الظاهرية . ذلك أن العالم الطبيعي يعالج حقائق منفصلة أومحسوسة يمكن حصرها .، حيث قسم حقل الدراسة إلى وحدات أو" حضارات "وتمثل كل منها تكاملا ذاتيا .

ويرى آرنولد أن الحضارة التي " تتغير " تكف عن الحياة أو تنقرض .لتحل محلها حضارة مغايرة تماما . وما ينطبق في رأى آرنولد على البعد الزماني في نظريته ينطبق أيضا على البعد المكاني . هذا إلى أن نظرية آرنولد تفرض فواصل مصطنعة وقاطعة بين حضارة أخرى، وهذا يلغي مفهوم تفاعل الحضارات واحدتها مع الأخرى.(25)

كما أن منطق آرنولد في " دراسته " للتاريخ هو منطق الفلسفة الوضعية التي تفصل الذات عن الموضوع فصلا تعسفيا بحد من السكين : فالباطن والظاهر كلاهما " فردي مستقل " . ولكن هذا الفرض لا ينطبق إلا على حجر أصم أو إى جماد مشابه . ولذا فإنه لا يصلح في معالجة التاريخ .تعمد على النظرة العقلنية والتطور في دراسة التاريخ (26)

يتضح من هذه الفلسفات للتاريخ أنها قاصرة واحد تنقد الأخر، .رغم ذلك فهي من المعارف والخبرات الإنسانية التي علينا أن ندرسها وأن نستخلص منها دروسا وعبرا قد تكون نافعة، ولنا الحق كل الحق في أن نرفض منها ما نعتقد أنه غير مناسب لظروفنا المعاصرة، وأن نعدل فيها ما نشا ء ... كما أن المنهج الذي سارت علية كل منها لا يمكن أن يكون أداة أو سلاحا للنهضة والحضارة

وانطلاقا من دور التاريخ في نهضة الأمة ، يجب علينا البحث عن الفلسفة التاريخية التي تنفعنا لنهوض بأمتنا- ولتكن الفلسفة إسلامية- .لتحقيق ما نرجوه من دراستنا لتاريخ . ولا نظر أ إلى هذه الرؤية غير علمية عند البعض أو غير متفق عليها في العالم إذ تخص المسلمين فقط ويعتر البعض هذا نوع من القصور في الرؤية وضيق الأفق العلمي . فالعالم الآخر يصوغ ما يحتاج إليه لخدمة مصالحة ترويجا لها في أفكار قولبة في قوالب علمية تحت مسمي" نظريات فلسفية ". فما بال المسلمين لا يسعون إلى أن يصوغوا ما يحتاجون إلية في تحت هذا المسمى " وتكون الفلسفة الإسلامية " فعلينا أن نخالف ولو قليلا في شئ ، لتحقيق أهداف أكبر من الانقياد وراء فلسفات عالمية لا نرجو منها إيه أهداف تخدم نهضة امتنا .

أن الوعي بضرورة الفلسفة الإسلامية للتاريخ يحتاج مراجعة التصورات السائدة عن الحضارة الإسلامية وهذا يتطلب جرؤه فكرية واجتهادية تحرران الفكر الإسلامي المعاصر من الحلول المريحة التي تدعي أن كل شئ جاهز من ماضينا أو من حاضر الثقافة الغربية. هذه المراجعات ضرورية لتصحيح المفاهيم وأدارك الواقع، ذلك أن المجتمعات لا تتقدم بالاستقراءات السطحية للتاريخ أو بالنظرة التجميد يه له
كما أن علينا أن نعي بأن الواقع الجديد الذي تعيش فيه الأمة في هذه العقود الأخيرة يحتم على الفكر الإسلامي المعاصر أن يعيد تحديد موقعة من الفكر المعاصر على العموم ومن فلسفات التاريخ على الخصوص

وليسنا مطالبين بالفلسفة إسلامية القديمة وهي إشكالية العلاقة بين العقل والوحي أو الفلسفة والدين . وهي علاقة تمت على حساب متطلبات الدين (إى جعل العقل في مستوى الدين بل علينا أن نربط العقل بالتجربة بالدين ينتج وعيا بالتاريخ يقوم على تجازو الأمر الواقع والتطلع إلى المثل الأعلى الذي يثبت حركة التاريخ في خط النهضة الحضارية الشاملة، حيث أن الإسلام ينير طريق البحث عن طريق القيم والمفاهيم كأدوات استكشافية (27)

أن فلسفة التاريخ بالرؤية الإسلامية تجعلنا نحكم على المؤثرات التاريخية انطلاقا من الواجبات الشرعية والأحكام والقيم والمفاهيم ذات المصدر الديني .


فلسفة التاريخ بالرؤية الإسلامية :

سعى بعض المفكرين المسلمين إلى تفسير التاريخ من منظور الإسلامي منهم الأستاذ عماد الدين خليل من خلال كتابة" التفسير الإسلامي للتاريخ " والسيد محمد باقر الصدر .

وفي هذا النوع من التفسير يقول عماد الدين خليل " إن تفسير القرآن ليس أبدا مجرد مسلمات بعدية تسعى إلى أن تقولب حوادث التاريخ القبلية في إطارها المتعسف، وإنما هو مذهب ينبثق وفق أسلوب موضوعي (عمّا حدث فعلا ) لا (عمّا يجب أن يكون )، وعن طبيعة التصميم التاريخي للبشرية . فهو إذن تبلور للخطوط الأساسية لحركة التاريخ، يصوغها القرآن الكريم في مبادئ عامة يسميها "سننا " ويعتمد المفسرون الإسلاميون،منطلقا، لا لتزيف التاريخ، وإنما لتفسيره وفهمه، وأدراك عناصر حركته ومصائر وقائعه ومسالكها المتشعبة . وهو إذن تفسير شامل محيط يعطي أصدق صورة للسنن التي تسير هذا التاريخ . وبما أن هذه السنن من صنعه تعالى . إرادة وعلما ومصيرا، فإن هذا الموقف القرآني من حركة التاريخ وتفسيره يأخذ صفة الكمال .(28)

فهذه المنهجية في التفسير المبنية على ربط علاقة التاريخ بالقرآن ينتج عنها عملية تشريعية (لحركة التاريخ ) تفجر الطاقات الكامنة في إنسان في العالم الإسلامي وتعيد الفعالية للأمة الإسلامية لاستعادة مكانتها في العالم وفي التاريخ

أن المفاهيم " سننا" القرآنية لا تناقض مع العلاقة السببية التي تخضع لها الحوادث التاريخية أن خضوع التاريخ لسنن الله تعالى يعني ربط عالم الشهادة بعالم الغيب، من جهة وربط الحوادث التاريخية بعضها ببعض من جهة أخرى .

ومن المعروف أن هناك سننا تسود الطبيعة والمجتمع والتاريخ وهذه السنن تجسد أراده الله في الكون، وأن التدخل الإلهي في حركة التاريخ يتم عن طريق سنن الله في الكون . وينتج عن هذه النظرة أن الإنسان يتحكم في مصيره، وأنه لا يخضع خضوعا كليا للحتمية الاجتماعية والتاريخية فالإنسان يربط الحتمية الأهداف التي يرسمها وبالقيم الاخلاقية والدينية .(29)

وهناك من يرى أن كل معرفة مرتبطه بالدين هي معرفة غير علمية قد تجاوزتها حركة التاريخ، يرد عليه الصدر بقوله " ان إلغاء ارادة الله من التاريخ يؤدي إلى تناقض، حيث يصبح التاريخ هو الذي يتمتع بصفة مباشرة أو غير مباشرة بصفات الألوهية ومعنى هذا أن فصل التاريخ عن الدين له نتائج سلبية " (30)يستمر في توضيح ذلك في قوله ": لا يعني نفي قوانين التاريخ، بل أن هذا يؤكد على عقلانية التاريخ،وهي عقلانية تستمد مصادرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية المؤثرة في سير الحوادث وتربط بعضها ببعض، غير أن هذه العوامل ليست من قبيل الحتمية المطلقة لآن الإنسان يؤثر فيها ويؤثر في قوانين التاريخ وهو لا يخضع لقوانين التاريخ خضوعا سلبيا لأنة يتجاوز – عن طريف وعيه –العوامل المؤثرة في التاريخ وبدون هذا التجاوز لا يمكن أن يكون هناك تاريخ ز فالإنسان هو الذي يصنع التاريخ وليس التاريخ هو الذي يصنع الإنسان كما ترى المدرسة الوضعية . أن القول بوجود قوانين يسير بمقتضاها التاريخ لا يتناقض مع الحرية الإنسان ومسؤولية،اذ لا يمكن للإنسان أن يساهم في حركة التاريخ ما لم يخضع التاريخ إلى نظام أو سنن . فالحرية لا تعني الفوضى والعبث وتدخل الإنسان في حركة التاريخ هو سنه من السنن الإلهية في الكون (31).

ومن نتائج دراسة حركة التاريخ البشري بهذه الروية الوقوف على السنن والنواميس الثابتة والقائمة على أن الجزاء من جنس العمل،وادراك إمكانية التنبؤ بالنتائج من مقدماتها وضرورة تحرك الجماعة ( المدركة الملتزمة) متجاوزة مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار ومحسنة التعامل مع قوى الكون والطبيعة ومستمدة التعاليم والقيم من حركة التاريخ نفسه هكذا يتجاوز التاريخ في القرآن الكريم أطره النظرية أو القصصية إلى حركة وبحث وجهد وإبداع تجئ دائما لخدمة " المعاصرة " والسير نحو المستقبل بفهم أعمق وإلمام اكبر بسنن التاريخ . ومن ثم ّتلتقي بآيات الله وهي تطلب من أية جماعة معاصرة أن تسير في الأرض لكي تنظر لا أن تنظر فحسب وأن تتعلم من هذا السير " السنن " التي حاقت باللدين حلوا من قبل من أجل بناء عالم لا تدمره تجارب الخطأ والصواب التي دمرت أمما أو جماعات أو شعوب .(32)


--------------------------------------------------------------------------------

(1) رافت الشيخ : في فلسفة التاريخ، القاهرة 1996م، ص 10.
(2) اسحاق عبيدة :معرفة الماضي من هيردوت إلى تونبي، القاهرة، 1981م)، ص 2.
(3) قيمة التاريخ، ص 108.
(4) اسحاق عبيدة : المرجع السابق، ص 2.
(5) محمد الطالبي : التاريخ ومشاكل اليوم والغد، مجلة عالم الفكر ا، العدد(1)، المجلد(5) 01974م)، ص 25.
(6) شيل زيدان : التعليم والتحديث، دار المعرفة الجامعة ( الاسكندرية، 1995م) ص 21.
(7) ابن خلدون : المقدمة، دار الهلال، بيروت، 1996م، ص 13.
(8) رزج كولنجرو: فكرة التاريخ، ترجمة محمد بكير خليل، القاهرة (د.ت) ص 30.
(9) تشارلز فرنك : الحديث، الانسان أزمة، عرض محتبي العلوى، ص7 مقالة من النت.
(10) عمر التومي الشيباني : فلسفة التربية الاسلامية، منشورات الدار العامة، طرابلس، 1986، ص 15-17.
(11) زيدان شيل : المرجع السابق، ص 23.
(12) معن زيادة : معالم عن طريق تحديث االفكر العربي، 1981، ص 30.
(13) المرجع نفسه، ص 31.
(14) السيد فوزى جودة : الثقافة : الغزو الثقافي، منشورات مجلة المناضل، العدد 280، ص 44.
(15) عماد الدين خليل : حصائص الفكر الاسلام للتاريخ، موقع الاسلام اليوم 2006).
(16) ازمة الحديث الانسان، ص 12.
(17) المرجع نفسه ص 4.
(18) المرجع نفسه،ص 3.
(19) المرجع نفسه، ص 4.
(20) يوسف سامي اليوسف : فلسفة التاريخ بين اشنبغلز وتوينبي، موقع معابر، ص 5.
(21) يوسف أبا الخيل: فلسفة التاريخ عند هيجل، مقالة من النت، ص 3.
(22) عبد الحميد صديقي : تفسير التاريخ ترجمة كاظم الجوادي، دار القلم، الكويت، 1980، ص 176.
(23) يوسف سامي اليوسف : المرجع السابق، ص 7.
(24) اسحاق عبيدة: المرجع السابق، ص 134-144.
(25) المرجع نفسه ص 144.
(26) محمد عبد اللاوى : المرجع السابق، ص 3-11.
(27) المرجع نفسه، ص 11-15.
(28) عماد الدين خليل: التفسير الإسلامي للتاريخ، بيروت، دار القلم، 1975، ص 13.
(29) محمد عبد اللاوى : المرجع السابق، ص 12-30.
(30) المرجع نفسه، ص 30-33
(31) المرجع نفسه، ص 33.
(32) عماد الدين خليل : التفسير الإسلامي للتاريخ، بيروت، دار القلم 1975م، ص 108-111.

د.فالح العمره 29-12-2006 08:20 PM

ما هي الأبعاد التربوية لقراءة التاريخ الإسلامي ؟

أجاب عليه أ.د. ناصرالعمر
التاريخ 23/ 8/1426هـ

السؤال


سلام عليكم سؤالي: ما أهميه التاريخ الإسلامي لنا اليوم؟ وشكرا

الاجابة


الحمد لله وكفى ثم أما بعد:

فإن لدراسة التاريخ وبالأخص الإسلامي فوائد كثيرة جمة, ولهذا عني القرآن الكريم وعُنيت سنة خير المرسلين _صلى الله عليه وسلم_ بقص أخبار الماضين, وذكر طرف من تاريخ الغابرين, بل أذن _صلى الله عليه وسلم_ في أن نحدث عن بني إسرائيل ولا حرج, وكل ذلك يدل على أهمية الاعتبار بأخبار السالفين ولعل ذلك يدخل في عموم الأمر "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا..."(النمل: من الآية69) في نحو أربع آيات من القرآن, فالسير سير حسي ومعنوي, وكذلك النظر.

ولعل من أهم فوائد دراسة التاريخ الإسلامي الظاهرة ما يلي:

1. معرفة أخبار الأنبياء والمرسلين وحسبك بهذه فائدة تزيد الإيمان, فإن من الإيمان بالرسل معرفتهم, وقراءة ما أُرخ عنهم من جملة الأسباب المعنية على ذلك ولا سيما كتب التواريخ التي تهتم الأسانيد أو تذكر الصحيح.

2. معرفة أخبار المجددين والمصلحين, فإن العلم بأحوال هؤلاء يرفع الهمة, ويدفع اليأس, ويبقي في النفس أملاً, بل يوقد فيها جذوة العمل الدؤوب لأجل الإصلاح والدعوة.

3. معرفة عوامل قيام الدولة وأسباب سقوطها, فالتاريخ يلخص لك حقبة كاملة وعمر دولة عظيمة في سطور, والدول شأنها في هذه الحياة شأن كل شيء يجري عليها قانون للأسباب, ونواميس الكون وسننه فالمتأمل في صفحات التاريخ يلحظ سبب نشؤها ويجد أسباب قوتها, ويلمس أسباب ضعفها, ويرقب أسباب موتها أو قتلها.

وإنك لتعجب عندما تجد حسن استقراء بعض الأئمة للتاريخ الغابر ومن ثم حسن انتزاعهم منه نواميس وقوانين يحكمون بناءً عليها فقل أن يخطأ حدثهم. فهذا ابن القيم الإمام يخبر عن شيخ الإسلام أنه أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة, وأن جيوش المسلمين تكسر, وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام, وأن كلب التتر يكون في الأموال, وهذا كله قبل أن يهم التتار بالحركة, ثم أخبر الناس والأمراء سنة ثنتين وسبعمئة لما تحرك التتار, وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم, وأن الظفر والنصر للمسلمين, وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً, فيقال له: قل: إن شاء الله , فيقول : إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً, قال ابن القيم: وسمعته يقول: فلما أكثروا علي قلت: لا تكثروا, كتب الله في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة, وأن النصر لجيوش الإسلام, إلى أن قال ابن القيم: وكانت فراسته الجريئة في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر, قلت صدق الله: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين), ولكن من يستطيع قراءة التواريخ والسنن مثل شيخ الإسلام ؟

غير أن الأصل باق فإن قراءة التاريخ ومعرفة السن تشير إلى شيء من واقع الناس المرتقب, وقد مرّت بنا أحداث عظام قبل نحو اثنتي عشرة سنة, توسم فيها بعض العالمين بالسنن وتواريخ الأمم ما يمكن أن تمسي عليه الحال في الفراق وما تاخمها فكان كما رؤي وما ذاك عن رجم بالغيب أو كشف معجز، بل هي السنن وقراءتها في تواريخ الأمم وأهل الإسلام, والله المستعان.

ومن نحو هذا القسمة التي تنبأ بها شكيب أرسلان إثر معاونة بعضهم لأهل الاستعمار في التاريخ القريب.

4. ومن خلال قراءة التاريخ تؤخذ المواعظ والعبر, ويذكر الناس ويرعوا, فإن الأمثلة الحية الواقعية والنماذج التي كانت ملء السمع والبصر, تؤثر في النفوس أخبارها.

• فيرعوي المقصر المفرط حين يرى المثلات التي نزلت بالناس من قبله.

• وينشط الخامل الكسول عندما يرى أحوال أئمة الدين من العلماء العاملين, والعباد الصالحين والأئمة المرضيين.

• ويجد الخطيب أو الداعية نماذج تفيده في بيان عاقبة من امتثل الأمر والنهي, ونهاية من أعرض عن الذكر, كما يجد الموعظة الحسنة والحكمة البليغة.

5. ومن فوائد قراءة التاريخ طرد روح العجز وإبعاد الخور, وملء النفس بالتفاؤل وبث الأمل فيها وفي المجتمع, فكم من أمة بلغت من العتو والاستكبار مبلغاً فجاءها أمر الله ليلاً أو نهاراً فجعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ", "فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ", وكل ذلك في التاريخ المذكور مفصّل مأثور.

هذا وكم من إنسان قرأ في تاريخ الإسلام ففاضت عينه ورق قلبه, وارعوى عن إثمه وترك غيه.

فلا عجب أن ترى الدعاة الموفقين ليتلون من تاريخنا ما يكون لهم خير عون في هداية الناس.

وفي قراءة التاريخ فوائد أخرى غير ما ذكر يعرفها من اشتغل به وأحسن قراءته وفق منهج مرضي لا يتسع المقام لبسطها, غير أنه يحسن التنبيه إلى أن الفائدة من التاريخ إنما تكمل إذا كان لدى المرء منهج وفهم عند قراءته فيعرف ماذا يقرأ وماذا يترك وكيف يحكم ويقيم ما يقرأ.

أما من يقرأ ثم يأخذ ما هب ودب فقد يسيء ولهذا كان جديراً بمن أراد الانتفاع من التاريخ والسير أن يقرأ مقدمات في فهمها على أهل العلم الراسخين حتى تكمل فائدته, والله أعلم وأحكم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



بنت ابيها 04-01-2007 09:43 AM

جعـــلك سالم اخــي :
فالح العمــره
وتســلم يمناك على الموضـــوع الطــيب...
اخــي دراســة التاريخ شي مهم لكــن ياليــت كل يدرسه يقـــدره خصوصا التاريخ الاسلامي مدرساتنا التاريخ اللي يدرسونا لاذكروا قصص الصحابة رضوان الله عليهم كنه يتكلمون عن اشخاص عادي
ابلة تذكر حادثة سرية النخلة يوم خالف الصحابي جحش امــر الرســول صلى الله عليه وسلم قالت الابله للبنات صدق انه جحش استغفر الله واتوب اليه تصدق ان مثل هذي واشكالهــا يدرسونــا تاريخــنا الاسلامي العظــيم..

وان شاءالله اني ناويه ادرس تاريخ اسلامي عقب التخرج من الثانوية ان الله عطانـي عمــر بستعيــن بموضوعك في دراستي وان شاءالله تتحقق امنتي في اني اصير مدرسة تاريخ اسلامـــي ،،،

اللهم اغفــر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات الأحيــاء منهم والأموات..

د.فالح العمره 04-01-2007 05:34 PM

مرحبا بك اختي الفاضله

وفقنا الله واياك لما يحبه ويرضاه

والتاريخ محفوظ بإذن الله من الاشكال العابثه

Mr. Adobe 04-01-2007 06:28 PM

العزيز فالح دراسة ثرية وقيمة وهامة
هناك عودة إن شاء الله بعد إتمام القراءة

مع التحية


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 07:19 PM .

مجالس العجمان الرسمي