مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   مجلس الدراسات والبحوث العلمية (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=41)
-   -   الحروب الصليبية (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=14423)

د.فالح العمره 15-09-2006 04:11 PM

الحروب الصليبية
 
التسمية
سمي الصليبييون في النصوص العربية بالفرنجة او الافرنج وكانوا يسمون في الغرب بتسميات متعددة كمؤمني القديس بطرس (fideles Sancti Petri) او جنود المسيح (milites Christ)، ورأى من كان مندفعا بدافع الدين من الصليبيين انفسهم, على انهم حجاج ، واستخدم اسم "الحجاج المسلحين" لوصفهم في اشارة الى ان الحجيج لا يحمل السلاح في العادة .وكان الصليبيون ينذرون او يقسمون ان يصلوا الى القدس ويحصلوا على صليب من قماش يخاط الى ملابسهم ، واصبح اخذ هذا الصليب إشارة الى مجمل الرحلة التي يقوم بها كل صليبي .

وفي العصور الوسطى كان يشار الى هذه الحروب عند الاوروبيين بمصطلحات تقابل الترحال والطواف والتجوب (peregrinatio)والطريق الى الارض المقدسة (iter in terram sanctam) وظهر مصطلح "الحرب الصليبية" او "الحملة الصليبية" على ما يبدو اول ما ظهر في بحث لمؤرخ بلاط لويس التاسع عشر ، لويس ممبور سنة 1675.


السياق التاريخي
جاءت بداية الحروب الصليبية في فترة كانت فيها اوروبا قد تنصرت بالكامل تقريبا بعد اعتناق الفايكينج والسلاف والمجر للمسيحية .فكانت طبقة المحاربين الاوروبيين قد اصبحوا بلا عدو لقتاله ، فاصبحوا ينشرون الرعب بين السكان ، وتحولوا الى السرقة وقطع الطرق والقتال في ما بينهم ، فكان من الكنيسة ان حاولت التخفيف بمنع ذلك ضد جماعات معينة في فترات معينة من اجل السيطرة على حالة الفوضى القائمة .وفي ذات الوقت افسح المجال للاوربيين للاهتمام بموضوع الارض المقدسة التي سيطر عليها المسلمون منذ عدة قرون ولم يتسن للاوربيين الالتفات لها لانشغالهم بالحروب ضد غير المسيحيين من الفايكنج والمجريين الذين كانوا يشكلون المشكلة الاقرب جغرافيا سابقا ، وكذلك بدأت الكنيسة تلعب دورا في الحرب الاستردادية في اسبانيا ، حيث قام البابا الكسندر الثاني عام 1063 بمباركة المحاربين الذاهبين الى الاندلس ، الامر الذي لعب دورا كبيرا في تكوين فكرة الحرب المقدسة.

كذلك كانت جذور الفكرة الصليبية قد بدأت بالظهور عندما بدا ان المسلمين يضطهدون المسيحيين في الديار المقدسة عندما هدمت احدى الكنائس في القدس ، وان كان قد اعيد بناؤها فيما بعد. وفي هذه الظروف التاريخية ، كان شن حروب الى ما وراء البحار باسم هداية الناس الى الطريق الصحيح والدفاع عن الاخوة في الارض المقدسة فكرة لاقت ترحيبا في صفوف الاوروبيين.

دوافعها

الدوافع الدينية
كانت دعوة الباباوية للحروب الصليبية التي بدأها البابا اوربان الثاني في نوفمبر 1095 بعقده مجمعا لرجال الدين في مدينة كليرمون فران الفرنسية ، وكان الكثير من الحملات قد بررت بتطبيق "ارادة الرب" عن طريق الحج الى الارض المقدسة للتكفير عن الخطايا ، وكانت الدعوات تروي عن اضطهاد الحكم الاسلامي للمسيحيين في الارض المقدسة وتدعو الى تحريرهم ، وتراجعت هذه الدوافع الدينية مع مرور الوقت لتصل الى حد تدمير مدينة القسطنطينية المسيحية الشرقية في الحملة الصليبية الأولي و الرابعةغلي أيدي الصليبيين أنفسهم .

الدوافع الاجتماعية
كان قانون الارث المطبق في اوروبا ينص على ان يرث الابن الاكبر عقارات والده وعبيده بعد موته ، وتوزع المنقولات بين ابنائه ، وبسبب هذا القانون نشأت طبقة من النبلاء او الاسياد الذين لم يكونوا يملكون اقطاعيات ، فشاعت بينهم القاب مثل "بلا ارض" و"المعدم" دلالة على عدم ملكيتهم لقطعة ارض ، ورأى الكثير من هؤلاء فرصتهم في الحملات الصليبية للحصول على اراض في الشرق ، ورأى آخرون فيها فرصة لتوسيع املاكهم بضم املاك جديدة ، كما كان الفقراء يجدون فيها فرصة لحياة جديدة افضل ووسيلة تخرجهم من حياة العبودية التي كانوا يعيشونها في ظل نظام الاقطاع السائد في ذلك الوقت.


العلاقة مع الإسلام
كانت العلاقات الخارجية لاوروبا مع المد الإسلامي لا تبعث على الطمأنينة .فالمسلمون الذين كانوا قد قاتلوا البيزنطيين منذ القرن السابع الميلادي قد وصلوا الى جبال البيرينية في شمال اسبانيا وجنوب فرنسا بعد ان سيطروا على شمال افريقيا ، فكانت المناطق الاوروبية المتاخمة لحدود دولة الأندلس الاسلامية بشبه جزيرة إيبيريا وجزيرة صقلية تشعر بتهديد السيطرة الإسلامية عليها مما ساهم في تجنيد الاوروبيين بدافع الحماية والدفاع عن مناطقهم.

[تحرير]
التوترات بين روما والقسطنطينة
رأت البابوية في السيطرة على الارض المقدسة دعما كبيرا لنفوذها ، كما رأت ايضا , في السيطرة على الكنيسة الشرقية بالقسطنطينية وسيلة لاعادة توحيد الكنيسة تحت ظلال البابوية ، ولعبت العوامل الاقتصادية والتنافسية دورا بدا واضحا في الحملة الصليبية الرابعة. مما أدي الى التضاؤل المستمر في دفاع الصليبيين عن الامبراطورية البيزنطية.

الحملات الرئيسية
يصعب الفصل بين الاحداث التي وقعت في فترة الحروب الصليبية . لكن المؤرخين يقسمون الحملات الصليبية الى الحملات التالية:

حملة الفقراء أو حملة الشعب
للمقال الكامل راجع حملة الفقراء

حملة قام بها الفقراء والاقنان وجمهور قليل من الفرسان ، حيث كان الوعد الكنسي بالخلاص والفوز بالغنائم سببا مقنعا لمغادرة حياتهم البائسة والتوجه الى تحرير القدس. وهذه الحملة قادها بطرس الناسك حتى وصولها إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزطية. وكانت الجموع تندفع دون توقف ودون انتظار أوامر القيادة، خلفت وراءها خرابا ونهبا في المجروالصرب واليونان وآسيا الصغري، حتى سحقتهم قوات السلاجقة الأتراك في 21 أكتوبر عام 1096 م. وكان عدد الصليبيين 25 ألف رجل.

الحملة الاولى

الحرب الصليبية الاولى و الحرب الصليبية الثانية[1]تحركت في اغسطس عام 1096 من اللورين ,طوابير قادها غودفري دي بويون الرابع , وانضم اليها اتباعه (اخوه الاكبر الكونت يفتسافي من بولون واخوه الاصغر بودوان من بولون ايضا ، كما انضم بودوان له بورغ ابن عم غودفري ، والكونت بودوان من اينو والكونت رينو من تول) على اثر الدعوة التي انطلقت لها حملة الفقراء ، مشت هذه الفصائل على طريق الراين-الدانوب التي سارت عليها قبلهم فصائل الفلاحين الفقراء. حتي وصلت القسطنطينية نهاية عام 1096 .

واسفرت الحملة الاولى عن احتلال القدس عام 1099 وقيام مملكة القدس اللاتينية بالاضافة الى عدّة مناطق حكم صليبية اخرى ,كالرها(اديسا) وامارة انطاكية وطرابلس بالشام .

ولعبت الخلافات بين حكام المسلمين المحليين دورا كبيرا في الهزيمة التي تعرضوا لها ، كالخلافات بين الفاطميين بالقاهرة ,والسلاجقة الأتراك بنيقية بالأناضول وقتها .وباءت المحاولات لطرد الصليبيين بالفشل كمحاولة الوزير الافضل الفاطمي الذي وصل عسقلان ولكنه فر بعدها امام الجحافل الصليبية التي استكملت السيطرة على بعض البلاد الشامية والفلسطينية بعدها.

الحملة الثانية
مقالة رئيسية: حملة صليبية ثانية

بدأت الحملة الثانية عام 1147 وانتهت عام 1149 . وكانت قد أعقبت فترة من الهدوء ، دعا اليها برنارد دي كليرفو ، وكان قادتها لويس السابع ملك فرنسا وكونراد الثالث هوهنشتاوفن امبراطور الجرمان(المانيا) ، وهي اول حملة يشترك فيها الملوك ، تعرضت فيها الجحافل الالمانية لضربة قوية تمثلت في الجوع والمرض بعد هزيمة لحقت بها امام فصائل الخيالة التابعة لسلطان قونية السلجوقي جوار ضورليوم ، كما منيت القوات الفرنسية بهزيمة خطرة بجوار خونة . انهك السلاجقة الصليبيين بغاراتهم المتواصلة. وفي 24 يونيو 1147 تلاقى لويس السابع وكونراد الثالث ووصية العرش ميليساندا مع اعيان القدس . ومضوا لحصار دمشق الحصينة ، لان فتحها كان يبشر بغنائم وفيرة .دام الحصار خمسة ايام (من 23 الى 27 يوليو ). لكنه فشل . و تخلي ملك القدس بودوان وبارون طبرية عن مطلبهما بعد تدهور موقعهم العسكري بسبب مناورة عسكرية أو لعله برشوة قدمها لهما الوزير الدمشقي معين الدين نور.

في 4 يوليو 1187 وقعت معركة حطين التاريخية والمحورية . حيث انتصر فيها السلطان صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر . فحرر القدس في 2 اكتوبر 1187 ، الامر الذي دفع بالبابا غريغوريوس الثامن الى الدعوة الى حملة صليبية جديدة.


الحملة الثالثة
للمقال الكامل اقرأ الحملة الصليبية الثالثة

دعا اليها البابا غريغوريوس الثامن ، عام 1187 ردا علي استرداد صلاح الدين للقدس وعودتها للمسلمين .وقاد الجيوش الصليبية ملك فرنسا فيليب اوغست الثاني ، وملك انجلترا ريتشارد الاول الذي كان يلقب برتشارد قلب الاسد ، وملك الجرمان (المانيا) فريدريك الاول برباروسا . لكن برباروسا غرق في 1190 في نهر اللامس . فتشردت صفوف قواته .اما الفرنسيون والانجليز ، فلم ينتهوا من الاستعداد للحملة حتى 1190 ، وفي الطريق عمل ريتشارد الاول على توسيع نفوذه في صقلية مما وتر العلاقات مع الملك الفرنسي واضعف التحالف بينهما.

قام الصليبيون بحصار عكا التي استسلمت في 12 يونيو 1191 . وغادر فيليب عائدا الى فرنسا ، وجرت مذبحة بأمر ريتشارد وتحت قيادته في عكا . بعدها تمت محاولاته لاحتلال مدن اخرى .لكنها باءت كلها بالفشل ، وفي عام 1192 .عقد الصلح مع صلاح الدين ، واحتفظ الصليبيون بشريط ساحلي يمتد من صور الى يافا ، وسمح صلاح الدين للحجاج والتجار بزيارة مدينة القدس والأماكن المقدسة .

الحملة الرابعة
للمقال الكامل اقرأ الحملة الصليبية الرابعة

دعا اليها البابا اينوقنتيوس الثالث في 1202 . وكانت خطة الصليبيين الاولية تتلخص في دفع القوات الى مصر, لضرب القوة الاسلامية الكبري في المنطقة .ثم شن الحرب منها باتجاه القدس .لكن البندقيين الذين تولوا امر توجيه وتوفير وسائل النقل والغذاء للحملة مقابل 85 الف مارك ذهبي ، اثّروا في مسار الحملة ووجهوها الى القسطنطينية عمدا . لأن الصليبيين لم يوفروا المبلغ المتفق عليه . واسفرت الحملة عن تخريب وتدمير القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ومركز الثقافة الإغريقية العريقة ، ولم تتخذ البابوية اجراءات فعلية تجاه هذا الحدث . وكانت تلك الحملة تمثل انحطاط الحملات الصليبية التي اصبحت فيما بعد بحاجة الى تبرير مقنع , بعدما كانت امرا الهيا باسم الكنيسة.

الحملات الطفولية
للمقال الكامل انظر الحملات الصليبية الطفولية

حدثت في حدود عام 1212 وكانت هذه الحركة شبيهة بحملة الفقراء الأولى قبل 1096م ، يختلف حولها المؤرخون لقلة ما كتب عنها.

يرى بعض المؤرخين ان هاتين الحملتين لم تكونا سوى جموعا من الاقنان والفقراء الذين استاءوا من الفشل الذي لاقته الحملات السابقة بقيادة الاسياد ، وان تسميتهم بالحملة الطفولية او حملة الاطفال جاءت كاستعارة صورية لهذه الجموع .ولم تكن ترتبط حقيقة بكون المشاركين فيها من الاطفال . لكنها تصوير لفظي اصبح فيما بعد وهما تاريخيا . ويرى البعض من المؤرخين انها كانت حملتين اشترك فيها اعداد كبيرة من الاطفال ,وان لم تقتصر عليهم.

مات العديد من المشاركين بسبب الجوع والظروف القاسية ، وتفرقت الجموع وركب بعضهم السفن فوقعوا في ايدي القراصنة وبيعوا كعبيد في اسواق النخاسةز ولم يصل المشاركون في اي من الحملتين الى الارض المقدسة.


الحملة الخامسة
للمقال الكامل انظر الحملة الصليبية الخامسة

سعى البابا اينوشنتيوس الثالث الى بدء حملة صليبية جديدة عام 1213 . فبدأ بحملة وعظ دامت حتى انعقاد المجمع اللاتيني الرابع عام 1215 الذي اتخذ سلسلة من الاجراءات التي تتعلق بتنظيم الحملات الصليبية . تحركت قوات مجرية وجنوب المانية بقيادة اندارش الثاني وقوات نمساوية .ووصلت الى عكا .وتوقفت هناك حتى انضمت اليها قوات المانية وهولندية . فتوجهوا الى مدينة دمياط في شمال شرق الدلتا بمصر علي النيل . واستولوا عليها عام 1219 . وتحت الحاح نائب البابا اونوريوس الثالث والقاصد الرسولي بيلاجيوس استكمل الهجوم نحو المنصورة .وفي ذلك الوقت بالذات بدأ فيضان النيل.وفتح المصريون السد علي النهر . وقطع المسلمون طريق التراجع على الصليبيين .وحاصرت قوات المسلمين الصليبيين باعداد كبيرة .وغرق المئات بمياه الفيضان . وأسر الملك لويس التاسع بدار إبن لقمان بالمنثورة فطلب الصليبييون الصلح واطلاق سراح الملك لويس .وقبلت الملكة شجر الدر زوجة السلطان الكامل الأيوبي الصلح ادراكا منها بخطر المغول في المشرق . وكان الكامل قد مات ليلة معركة المنصورة ووقع الصلح في 30 اغسطس 1221 لمدة 8 سنوات ، وكان على الصليبيين مغادرة دمياط ، ونفذوا ذلك في اوائل سبتمبر من نفس العام ومنيت الحملة الصليبية الخامسة بالفشل الذريع.

الحملة السادسة
للمقالة الكاملة إقرأ الحملة الصليبية السادسة

قادها الامبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن الالماني الذي اراد ان يحقق مقاصده دون ان يسحب سيفه من غمده في صيف 1228 ، ولم تحظ هذه الحملة بمباركة البابوية بل حرم الامبراطور من الكنيسة لتأخره في تنفيذ نذره بأخذ الصليب .تفاوض فيها فريدريك مع السلطان الكامل مما اسفر في فبراير 1229 عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله السلطان عن القدس باستتثناء منطقة الحرم ، وبيت لحم والناصرة وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حاليا) وكانت الحملة الاولى التي لا تبارك انطلاقها البابوية.

الحملة السابعة
للمقالة الكاملة اقرأ الحملة الصليبية السابعة

كان الهزيمة التي لحقت بقصائل الصليبيين عام 1244 وخسارتهم التامة للقدس ادت الى ترتيب الحملة الصليبية السابعة ، فقادها الملك الفرنسي لويس التاسع وتوجه بها الى مصر واستمرت الحملة بين عامي 1248 و1254 ، فسيطروا في البدء على دمياط ثم المنصورة ، ولكن المسلمين بقيادة الملك المعظم طوران شاه نجحوا في تدمير قواتهم وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا ، ووقع لويس في الاسر حتى تم فديه عام 1250 فعاد الى عكا وبقي فيها 4 سنوات قبل العودة الى فرنسا بخفي حنين.


الحملة الثامنة
للمقالة الكاملة إقرأ الحملة الصليبية الثامنة

انطلق في هذه الحملة لويس التاسع ملك فرنسا في عام 1270 بعد حوالي 3 سنوات من التأخير ، وقد قام بها عدد قليل من البارونات والفرسان الفرنسيون ، اذ ان فشل الحملات الجلي وانحطاط سمعتها صدهم عنها ، حتى ان مؤرخ سيرة حياة لويس التاسع الذي رافقه في حملته السابقة رفض الانضمام اليه هذه المرة ، ويروي هذا المؤرخ ان نبأ الحملة الجديدة كان مفاجئا للغاية بالنسبة له شخصيا وبالنسبة للاشخاص الآخرين المقربين من الملك ، وانه اذهل البارونات ، وكانت المعارضة مجمع عليها تقريبا واضطر الملك الى شراء حماسة الاسياد بالمال ، ونذر مع الملك النذر الصليبي ابناءه الثلاثة وبعض تابعي الملك الآخرين ، واتفق على ان توجه الحملة نحو تونس.

بدأت المفاوضات مع المستنصر امير تونس ولما نزل الصليبيون في تونس وصلت المفاوضات الى طريق مسدود ، وعندها انضم شارل الاول كونت انجو ، الاخ الاصغر للويس وملك مملكة نابولي. واستولوا على قلعة قرطاجا القديمة ، ولكن وباء دب في صفوف الفرسان ، وتوفي على اثره الملك وافراد العائلة المالكة المرافقة باستثناء فيليب الابن البكر للملك الذي شفي ، وفي نفس يوم وفاة الملك وهو 25 اغسطس 1270 وصل اخاه شارل الاول ، وخاضت قواته برفقة قوات لويس بقيادة خلفه فيليب بضع معارك ناجحة ضد قوات أمير تونس ، وفي اول نوفمبر 1270 وقعت معاهدة صلح مع المستنصر الزمته بدفع جزية مضاعفة الى ملك الصقليتيين ، كما شملت حقوقا تجارية متبادلة ، وبعد 17 يوما من التوقيع ، ركب الصليبييون السفن وغادرو تونس.

وقد حدثت حملات صليبية اخرى غير رئيسية منها:

الحملة على الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا بين عام 1209 و 1229 ،
الحملة الصليبية على الاسكندرية بين عامي 1365 و 1369 بقيادة الملك بطرس الاول ملك قبرص ،
حملة نيقيا عام 1396 ،
وفي القرن الرابع عشر حدث اكنر من 50 حملة ضد البروسيين الهادينيشيين ومدينة ليتاور نظمها الحاكمون في مناطق ألمانيا ، وفي القرن الخامس عشر حدثت 4 حملات صليبية ضد الهوسيين التشيكيين ، ومن 1443 الى 1444 حدثت آخر حملة صليبية ضد الامبراطورية العثمانية.

تأثيرات الحملات الصليبية
كان للحملات الصليبية تأثير كبير على اوروبا في العصور الوسطى ، في وقت كان السواد الاعظم من القارة موحدا تحت راية البابوية القوية ، ولكن بحلول القرن الرابع عشر الميلادي ، تفتت المبدأ القديم للمسيحية ، وبدأ تطور البيروقراطيات المركزية التي شكلت فيما بعد شكل الدولة القومية الحديثة في انجلترا وفرنسا والمانيا وغيرها.

كان تأثر الاوروبيين بالحضارة العربية والاسلامية كبيرا في فترة الحروب الصليبية ، ولكن يرى العديد من المؤرخين ان التأثير الاعظم وانتقال المعارف الطبية والمعمارية والعلمية الاخرى كان قد حدث في مناطق التبادل الثقافي والتجاري التي كانت في حالة سلام مع الولايات الاسلامية ، مثل الدولة النورمانية في جنوب ايطاليا ومناطق التداخل العربي- الاسلامي مع اوروبا في الاندلس ومدن الازدهار التجاري في حوض المتوسط كالبندقية وجنوه والاسكندرية ، ولكن ما من شك بتأثر الاوروبين بالعرب خلال الحملات الصليبية ايضا ، فكان تطور بناء القلاع الاوربية لتصبح ابنية حجرية ضخمة كما هي القلاع في الشرق بدلا من الابنية الخشبية البسيطة التي كانت في السابق ، كما ساهمت الحملات الصليبية في انشاء المدن- الدول في ايطاليا التي استفادت منذ البدء من العلاقات التجارية والمبادلات الثقافية مع الممالك الصليبية والمدن الاسلامية.

وكان للحملات الصليبية اثارا دموية ، فبالاضافة الى سفك الدماء في الحروب في الشرق ، كانت الاقليات من غير المؤمنين تعاني الامرين ، فكان الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا واليهود في المانيا وهنغاريا قد تعرضوا لمذابح بوصفهم "كفرة" او "قتلة المسيح" ، وادى ذلك الى تنمية التمييز العرقي بين شعوب اوروبا الذي كان تكتل اليهود في اوروبا وعزلهم من نتائجه ، الامر الذي الهم فيما بعد الفكر النازي والفاشي في فترة مراهقة الدول القومية في اوروبا.

الحروب الصليبية في الذاكرة الانسانية
ترى الشعوب التي تم السيطرة عليها من قبل الصليبيين اثناء الحروب الصليبية على انها كانت شكل استعماري وفترة قمع وتأخر ، ويرى المسلمون في شخصيات كصلاح الدين والظاهر بيبرس ابطالا محررين ، وكذلك يرى الاوروبيون الشخصيات المشاركة في الحروب الصليبية ابطالا مغامرين محاطين بهالة من القداسة ، فيعتبر لويس التاسع قديسا ويمثل صورة المؤمن الخالص في فرنسا ، ويعتبر ريتشارد قلب الاسد ملك صليبي نموذجي ، وكذلك فريدريك بربروسا في الثقافة الالمانية.

كما ينظر إلى مسمى حملة صليبية في عديد من الثقافات الغربية نظرة إيجابية على أنه حملة لأجل الخير أو لهدف سامي ويعمم المصطلح أحيانا ليتخطى الإطار الديني، فقد ترد عبارات كـ"بدأ فلان حملة صليبية لإطعام الجياع"، كما استخدم المصطلح من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش لوصف ما أسماه الحرب على الإرهاب في 16 سبتمبر 2001 في عبارة مثيرة للجدل "This crusade, this war on terrorism is going to take a while." أي "هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب سيستلزمها وقت."[2]

مراجع
الحملات الصليبية من الموسوعة الانجليزية
الحملات الصليبية من الموسوعة الالمانية
الصليبيون في الشرق - ميخائيل زابوروف - دار التقدم / موسكو 1986
الحروب الصليبية كما رآها العرب،أمين معلوف

د.فالح العمره 15-09-2006 04:13 PM

الحروب الصليبية.. حملة الرعاع

(في ذكرى تجمعها: 21 من شعبان 489هـ)

أحمد تمام



أوربان الثاني يستنفر الرعاع

شهدت مدينة "كليرومونت" الفرنسية حدثًا خطيرًا في (26 من ذي القعدة 488هـ = 27 من نوفمبر 1095م) كان نقطة البداية للحروب الصليبية؛ حيث وقف البابا "أوربان الثاني" في جمع حاشد من الناس يدعو أمراء أوروبا إلى شنّ حرب مقدسة من أجل المسيح، وخاطب الحاضرين بلغة مؤثرة تكوسها الحماسة ودعاهم إلى تخليص الأرض المقدسة من سيطرة المسلمين، ونجدة إخوانهم في الشرق، ودعا المسيحيين في غرب أوروبا إلى ترك الحروب والمشاحنات، وتوحيد جهودهم إلى قتال المسلمين في الشرق.

وكي يُقبل الناس على الاشتراك في هذه الحروب وعدهم البابا بمنح الغفران لكل من يشترك في هذه الحرب، وتعهد بأن الكنيسة ستبسط حمايتها على أسر المحاربين وأمتعتهم؛ فلا تتعرض زوجاتهم أو أطفالهم أو أملاكهم لأية أخطار، وقد لقيت خطبة "أوربان" الحماسية بما انطوت عليه من امتيازات ومكاسب دينية ودنيوية – استجابة هائلة على الفور من الحاضرين، وأيقظت في نفوسهم روح المغامرة والكسب؛ فصاحوا جميعًا صيحة مدوية هزت أرجاء الفضاء قائلين: "هذه مشيئة الله"، وكانت هذه الصيحة المشئومة إيذانا بفتح أول صفحة في كتاب "الحروب الصليبية"، وبداية صراع دام عدة قرون.

أول متطوع في الحروب الصليبية

ولم يكد البابا "أوربان الثاني" يفرغ من خطبته التي دعا فيها إلى محاربة المسلمين حتى جثا "أدهمار" أسقف بوي أمام قدمي البابا، راجيًا أن يكون له شرف المساهمة في تلك الحرب المقدسة، وبذلك افتتح هذا الأسقف قائمة المتطوعين التي لم تتوقف بعد ذلك، واختاره البابا ليكون مندوبًا عنه يقود الصليبيين في رحلتهم إلى المشرق، إشارة بأن تلك الحروب إنما تتم تحت إشراف الكنيسة وهيمنتها.

وأمر البابا رجال الكنيسة الذين كانوا يحضرون خطبته أن يعودوا إلى بلادهم، ويبشروا بالحروب الصليبية، وعهد إلى أحد رؤساء الأديرة بأن يدعو إلى الحرب في "نورمانديا" و"إنجلترا"، وبعث بأسقفين إلى "جنوة" لإثارة حماس أهلها، وحدد البابا الخامس عشر من أغسطس من سنة 1096م (وهو يوافق 21 من شعبان 488) موعدًا لرحيل الحملة إلى الشرق؛ حيث تكون المحاصيل قد جُمعت، ويكون التجمع واللقاء في مدينة القسطنطينية الحصينة.

ولم تلبث دعوة البابا أن لقيت رواجًا وانتشارًا في أوروبا، وتأثر بها العامة والدهماء، وراودتهم أحلامهم في حياة ينعمون فيها بالرخاء في الشرق، متأثرين بما يروجه رجال الكنيسة، وسرعان ما تكونت حركة شعبية ارتبطت باسم "بطرس الناسك".

بطرس الناسك

يذكر المؤرخون أن بطرس الناسك كان رجلا قصير القامة، أسمر اللون، يمشى حافي القدمين، مرتديا ملابس رثة، وكان راهبًا هجر الدير بتكليف من البابا؛ لكي يقوم بالدعوة إلى الحملة الصليبية، فطاف بمختلف أقاليم فرنسا بهيئته المزرية داعيا إلى حملة البابا، وفي كل مكان يحل به كان يسحر ألباب الناس، ويخلب أفئدتهم ببيانه الساحر وفصاحته حتى تجمع حوله أعداد هائلة من الأتباع، بلغوا خمسة عشر ألفًا، منهم فلاحون وأهل مدن، وفئات من صغار النبلاء، وبعض المجرمين وقطاع الطرق، ولم يكن يجمع هؤلاء الشراذم إلا الحماسة والرغبة في قتال المسلمين، والاستيلاء على الأرض.

لم تصبر هذه الجموع الغوغاء حتى موعد الرحيل الذي حدده البابا للحملة، ولم تفلح محاولات البابا في إثنائهم عن الرحيل، ولم تجد دعوته استجابة من هؤلاء الغوغاء، ولم تستطع اللوائح التي وضعها "أوربان" علاج الموقف.

وتحركت هذه الجموع تحمل محاصيلهم فوق عربات ثقيلة تجرها الثيران، وفي صحبتهم الزوجات والأطفال، حتى وصلوا "كولونيا" في (15 من ربيع الآخر 489هـ= 12 من إبريل 1096م)، وظلوا بها فترة من الوقت يتزودون بالمؤن، ويتقوون بانضمام الألمان إليهم حتى تضاعف عددهم.

والتر المفلس

وفي الوقت الذي كان فيه بطرس الناسك ماضيا في دعوته في الغرب الأوروبي ظهر زعيم آخر من زعماء العامة اسمه "والتر المفلس"، التف حوله بعض الناس، وعبر بهم أرض "هنغاريا" ثم أراضي الدولة البيزنطية، وطوال الطريق كانوا ينهبون ويسلبون ويعتدون على الأهالي حتى بلغوا القسطنطينية في (رمضان 489هـ = يوليو 1096) وسمح لهم الإمبراطور البيزنطي ألكسويس كوفين بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول "بطرس الناسك".

الطريق إلى القسطنطينية

غادر بطرس الناسك "كولونيا" في (23 من ربيع الآخر 489هـ = 2 من إبريل 1096م) متجها إلى المجر، على رأس حشوده الجرارة من الغوغاء والدهماء، وأثناء عبورهم المجر عند بلدة "سملين"، وقع خلاف بين المجر وجنود الحملة بسبب الحصول على المؤن، وتطور الخلاف إلى مذبحة ارتكبها الصليبيون أسفرت عن مقتل أربعة آلاف من أهل المجر الأبرياء، وتحولت "سملين" إلى خرائب تتصاعد منها دخان الحرائق التي أشعلها جنود الرب، ضد إخوانهم المسيحيين الذين زعم الصليبيون أنهم جاءوا لنجدتهم.

وعندما وصل "بطرس الناسك" الذي كان يمتطي حماره في مقدمة جيشه إلى مدينة "نيش" التي تقع على الحدود البيزنطية خاف قائد الحامية البيزنطية على مدينته من التصرفات الحمقاء لهذه الجموع، فاتخذ تدابير لمواجهتهم عند الضرورة بأخذ بعض الرهائن منهم، لكن الصليبيين عاودوا أعمال السلب والنهب وتخريب القرى والمدن، ولم يجد البيزنطيون بُدًّا من مهاجمة بطرس الناسك، وقتل كثير من رجاله، وأسر عدد آخر، والاستيلاء على الأموال والتبرعات التي كان الراهب قد جمعها من أغنياء غرب أوروبا، لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة الجيش الصليبي، وسار صوب مدينة "صوفيا"، وهناك لقيه مندوبون عن الإمبراطور البيزنطي، وأبلغوا "بطرس" ومن معه باستياء الإمبراطور، وبأوامره التي تقضي بألا يمكث الصليبيون في أي مدينة بيزنطية أكثر من ثلاثة أيام.

على أسوار القسطنطينية

وصلت الشراذم المتبقية من حملة بطرس الناسك إلى أسوار القسطنطينية في (شعبان 489هـ = يوليو 1096م)، وأرسل الإمبراطور البيزنطي في طلب بطرس الناسك، وعرض عليه أن ينتظر بقواته خارج المدينة حتى تأتي القوات الصليبية الرئيسية في الموعد الذي حدده البابا لتجمع القوات الصليبية، لكن بطرس رفض عرض الإمبراطور ونصائحه التي أسداها إليه، وأغرته كثرة أتباعه وأنصاره.

وواصل الصليبيون أعمالهم الهمجية في القسطنطينية، وارتكبوا كثيرًا من المخازي، ومارسوا السلب والنهب، واضطر الإمبراطور البيزنطي أو أن يتخلص من هذا الشر المستطير بنقلهم بسرعة عبر المضايق إلى آسيا الصغرى، وفي الوقت نفسه كرر نصائحه للصليبيين بالتروي والانتظار عند أحد المراكز الحصينة بالقرب من "البسفور"، حتى تأتيهم الإمدادات والجيوش النظامية المدربة من الغرب، لكنهم لم ينصتوا إلى نصائحه، ولم يستطيعوا ضبط أنفسهم، والكف عن السلب والنهب، والاعتداء على المزارع والضياع والقرى والكنائس القريبة.

نهاية محتومة

أخذ الصليبيون يوسعون دائرة أعمالهم الهمجية، وواصلوا زحفهم إلى "نيقية" قاعدة السلطان السلجوقي "قلج بن أرسلان"، وكان عدد الصليبيين خمسة وعشرين ألفا، منهم خمسمائة من الفرسان -على أكثر تقدير-، والباقون من المشاة المعدمين الذين لا يربطهم نظام، ولا توحد صفوفهم قيادة مؤهلة، ولم يجد الأتراك السلاجقة صعوبة في الإيقاع بهذا الجيش الهمجي والإجهاز عليه تمامًا، حتى إنه لم ينج من ذلك الجمع الحاشد من الصليبيين سوى ثلاثة آلاف، وعندما وصلت أنباء هذه الهزيمة إلى الإمبراطور أرسل بعض سفنه تحمل إمدادات إلى الصليبيين، لكن ذلك كان بعد فوات الأوان، فحملت فلولهم إلى القسطنطينية وظلوا في رعاية الإمبراطور حتى وصول الحملة الرئيسية التي شاءت لها الأقدار أن تؤسس الإمارات الصليبية في الشرق، وتستولي على بيت المقدس.

وهكذا انتهت حملة الرعاع فوق تراب الشرق، وضاع الحلم الذي راودهم، وحرك فيهم مشاعر الطمع والاستمتاع بخيرات الأرض التي تفيض باللبن والعسل.. لكن الهزيمة لم تمنع من تكرار المحاولة، وبدأت سلسلة الحملات الصليبية على الشرق الإسلامي.

من مصادر البحث:

ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية ـ ترجمة السيد الباز العريني ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ( 1413هـ= 1993م).

سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ (1982).

السيد الباز العريني: الشرق الأوسط والحروب الصليبية ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة (1963).

قاسم عبده قاسم ـ ماهية الحروب الصليبية ـ سلسلة عالم المعرفة (149) ـ الكويت (1410هـ = 1990م).

د.فالح العمره 15-09-2006 04:18 PM

الحروب الصليبية
استطاع الصليبيون في نهاية القرن الحادي عشر ، الإفادة من الانقسامات التي تعرض لها العالم الإسلامي الفترة التي دبت بين الشيعة والسنة في تلك الفترة، والعرب والترك في تلك الفترة، حتى أن الوزير الفاطمي الأفضل أرسل إلى الصليبيين سفارة عام 1098 م يعرض فيها محالفتهم ضد الأتراك السلاجقة

عقد الصليبيون العزم على أن يسيروا إلى بيت المقدس وذلك بعد الاستيلاء على انطاكية وتقدمت القوات الصليبية في 7 يونيه 1099م وحوصرت المدينة المقدسة من جميع الاتجاهات

وقد كانت المدينة مزودة بكميات كبيرة من المؤن والماء والأسلحة التي فاقت أسلحة الصليبيين ، كما دعمت الأبراج بالقطن والدريس لتصمد أمام قذائف منجنيقات العدو ، وصمدت القوات الإسلامية في المدينة وتعرض الصليبيون إلى هجمات المسلمين ونفذت مؤنهم وعانوا كثيراً من حرارة الشمس، وفشل الصليبيون في هجومهم الأول على المدينة. وحينما وصلت إليهم إمدادات جديدة وعتاد وعدة ،عاودوا الهجوم

لقد بلغ عدد قوات الصليبيين المحاصرة للمدينة 12ألفا من الراجلة، و1300 من الفرسان بالإضافة إلى معاونة حجاج مسيحيين لهم، وفي ليلة 14 يوليو 1099 م استطاع الصليبيون دخول المدينة خلال الأسوار عبر أبراج صنعت خصيصا لذلك

ودمر الصليبيون ما شاء لهم أن يدمروا ،ونهبوا الكثير، كما نهبوا بعض المعادن النفيسة التي كانت على المقدسات ولا سيما قبة الصخرة، وانطلق الصليبيون في شوارع المدينة والى المنازل والمساجد يذبحون كل من صادفهم من الرجال والنساء والأطفال ،وهكذا استطاع المسيحيون الاستيلاء على بيت المقدس

منذ ذلك التاريخ أصبحت قضية تحرير القدس التي ترمز إلى تحرير فلسطين هي القضية الأولى الأساسية على المستويين السياسي والديني لدى العرب والمسلمين

في غضون ذلك وصلت سفارة مصرية إلى بيت المقدس وطلبت من الصليبيين الرحيل من البلاد ، وتقدم " الوزير الأفضل " وزير مصر نحو فلسطين فوصل عسقلان في 4 أغسطس ، وخرج "جودفري " بجيشه من بيت المقدس لمواجهة جيوش المصريين في 9 أغسطس 1099 واحتشد الجيش الصليبي في سهل المجدل ( شمالي عسقلان ) حيث يعسكر الوزير الأفضل وفوجئ الأفضل بتلك الجموع وولى الأدبار إلى مصر بحرا ، وبذلك اصبح نصر الصليبيين لبيت المقدس مؤكدا ، ولم يلبث أن استولى الصليبيون على الجليل وطبريا وحيفا وقيسارية وغيرها

وعلى أثر ذلك أصبح "جودفري دي بويون " هو الحاكم الذي منح لقب المدافع عن كنيسة القيامة

وفي 11 نوفمبر عام 1100 م اصبح "بلدوين الأول " على رأس مملكة الصليبيين في بيت المقدس ، وقد استمرت هذه المملكة 87 سنة ولم يسمح للمسلمين ولا غيرهم بالإقامة داخل المدينة

لقد شعر الصليبيون في تلك الفترة بأنه بتوجب عليهم التخلص من الثقافة العربية في المنطقة وجعل تلك البقعة من الوطن العربي لاتينية، وكذلك القضاء على الأرثوذكسية التي كانت منتشرة فيها وقيل أيضا بأن الهدف الرئيسي لغزو الصليبيين كان تجارياً، حيث ساد نظام الإقطاع في الإدارة فكانت الأرض كلها للفرسان .

د.فالح العمره 15-09-2006 04:24 PM

مجلة النبأ العدد 45 صفر 1421 ايار 2000




الحروب الصليبية..

و

صكوك الغفران!!


الحملة الصليبية الأولى..
فتاوى الجهاد المقدس
أسباب الحروب الصليبية..


خاتمة..
مذابح الصليبيين


لاول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ تأسيسها وحتى الآن يطلب رئيسها البابا يوحنا بولس الثاني الصفح عن الأخطاء التي ارتكبتها وقال (نطلب الصفح عن الانقسامات في صفوف المسيحيين واستخدام العنف الذي لجأ إليه بعض المسيحيين لخدمة الحقيقة والسلوك العدواني الذي اعتمد إزاء اتباع الديانات الأخرى في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ضد المنشقين).. وتابع قائلاً (عن الدور الذي لعبه كل منا، وعن سلوكنا وعن الأعمال التي أدت إلى تشويه صورة الكنيسة نطلب الصفح بكل تواضع).. وأضاف (نحن نصفح ونطلب الصفح)...

واعلن البابا في كلامه بمناسبة (يوم الغفران) للعام 2000 (كم مرة تجاهل المسيحيون الجائعين والعطشى والفقراء والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم).. واوضح البابا أن هدفه من الصفح هو (تطهير الذاكرة من تاريخ حزين من الكراهية والمنافسة)...

وقد قام خمسة كرادلة واسقفان بالاعتذار نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية فقد اعترف الكاردينال الفرنسي (روجية اشيغاراي) بالأخطاء التي (خرقت وحدة المسيحيين) وأعرب عن أمله بان (يمهد الله الطريق أمام المصالحة).

واقر رئيس الأساقفة الياباني (ستيفن فوميوهاماو) بالأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة (ضد الحب والسلام وحقوق الشعوب واحترام الثقافات والديانات).. وأشار البابا إلى حقبتي الاستعمار واولى بعثات التبشير حين (تنكر المسيحيون للانجيل)..

أما كاردينال النيجر فرانسيس ارينزي فقد تحدث عن الأخطاء التي (مست كرامة المرأة ووحدة الجنس البشري).. واعترف رئيس الأساقفة الفيتنامي فرانسوا كزافيية تغوين (بالأخطاء التي ارتكبت في مجال الحقوق الأساسية للإنسان)..

أما الكاردينال الألماني جوزف راتزينغر فقد دعا البابا والكهنة إلى الاعتراف (بالأخطاء التي ارتكبت باسم الحقيقة وباساليب بعيدة عن الاناجيل).. في إشارة إلى الحملات الصليبية وحقبة المحاكم الدينية.. فرد البابا طالباً بقوة صفح الله عن كون المسيحيين (متعارضين ومنقسمين) وعن قرارات (تبادل القاء الجرم)...

منذ الحملة الصليبية الأولى وحتى الوقت الحاضر ولفترة تمتد لأكثر من تسعة قرون لم تقدم الكنيسة الكاثوليكية على ما أقدمت عليه ممثلة بالبابا لطلب الصفح عن أخطاءها وخطاياها بحق المسيحيين أنفسهم وبحق اتباع الديانات والثقافات الأخرى.. إن الهدف كما يقول البابا هو التطهير وغسل الأرواح من ذنوبها التي ترزح تحتها ومن الكراهية التي سكنت النفوس ولا زالت والتي أدت على مدى تلك القرون إلى انهار من الدماء والخراب والمآسي والتي يطلب البابا بتواضع الصفح عنها..

قراءة هذا الطلب يحتاج منا العودة للوراء لمتابعة تلك الحروب التي حملت جحافلها صليب المسيح في مقدمة زحفها ليكون زحفاً مقدساً ومباركاً باسم الرب...

نشاهد في تاريخ المسيحية ومنذ أوائل عهودها خلافات مذهبية عميقة جداً كان لها آثارها الخطيرة إن على مستوى تاريخ أوربا أو مستوى الشرق.. واهم مشاكل الخلاف هي طبيعة عقيدة التثليث والعلاقة بين الاقانيم الثلاثة (الأب ـ الابن ـ روح القدس).. واستفحلت تلك المشكلة حين حدث خلاف حاد بين اثنين من رجال الكنيسة في الإسكندرية وهما (اريوس) و(اثناسيوس).. حيث قال اريوس: أن المسيح مخلوق لاله عظيم وحيد متفرد بطاقاته وصفاته، وإذا لم يكن الحال كذلك فإن المسيحيين يكونون غير مؤمنين بعقيدة التوحيد ويعبدون اكثر من اله..

أما (اثناسيوس) فقد قال: أن فكرة الثالوث المقدس تقضي أن يكون الابن مساوياً للأب ومن نفس العنصر تماماً ودونما خلاف في القدرة والمكانة رغم تميزهما عن بعضهما...

وقد حققت مقولات اثناسيوس مع الأيام تقدماً ملحوظاً على حساب الأفكار التي طرحها (اريوس) من خلال ما دخل إلى العقيدة المسيحية من تقديس للشهداء والقديسين وبقاياهم التي ادت إلى عبادة المخلفات المقدسة والصور حيث حدث إقبال شديد على اقتناء ما سمي (بالايقونات) سواء من قبل الكنائس أو الأفراد.. وما رافق ذلك من أحاديث عن شفاء الأمراض وحل المعضلات وجلب السعادة وطرد التعاسة.. وأدى ذلك إلى إقبال الناس على الإكثار من زيارة الآثار المقدسة للتبرك وتطورت تلك العادة حيث صار الأفراد يسافرون من مكان إلى آخر لزيارة الكنائس والأديرة والآثار وقبور القديسين ومشاهدهم الحاوية لتلك الآثار..

وحيث أن أرض ميلاد المسيح تضم أهم الآثار من حيث مكانتها وقدسيتها فقد اخذ البعض يسافر نحو فلسطين.. وبهذا جاءت إلى الوجود عقيدة جديدة دخلت إلى أركان الديانة المسيحية وهي عقيدة الحج..

وقد حمل الحجاج معهم أثناء عودتهم إلى ديارهم صوراً ومعلومات وافية عن أحوال الشام والمشرق العربي من كافة النواحي مع المبالغة في تصوير أحوال الرفاهية التي ينعم بها الآخرون وتوفر الثروات وكثرتها لديهم..

أسباب الحروب الصليبية..

بدءاً يجب توضيح الالتباس الحاصل في مصطلح (الحروب الصليبية).. حيث لم يظهر هذا المصطلح إلا في عام 1675 على يد المؤرخ في بلاط لويس الرابع (لويس ممبور) مسمياً بحثاً في هذا الموضوع (تاريخ الحروب الصليبية).

أما عن أسباب هذه الحروب فيمكن تحديدها بالآتي:

أولاً: الأسباب الدينية:

ويمكن تلمسها بالتشدد الذي مارسه السلاجقة بعد استيلائهم على الحكم على المسيحيين الزائرين لبيت المقدس كما يذكر ول ديورانت في قصة الحضارة.. إضافة لما أحسه المتصدون في الكنيسة بخطورة موقفهم نتيجة لانتشار الثقافة الإسلامية بعد اتساع نطاق الفتوحات..

لقد عمل رجال الكنيسة على التبشير والترغيب بين الناس للمشاركة في الحرب من خلال وعدهم بأن الزيارة لمهد عيسى تساوي الذهاب إلى الجنة..

ثانياً: العوامل السياسية..

بعد اتساع الفتوحات الإسلامية التي امتدت على طول الشرق والغرب سعى الصليبيون إلى تدمير ومحو الإسلام الذي يهدد سلطانهم مستغلين الوضع الذي كانت تعيشه الدويلات الإسلامية بعد أن دب الضعف والانحلال إلى جسدها..

ثالثاً: العوامل الاقتصادية..

وخير ما يصف ذلك هو المؤرخ الروسي (ميخائيل زابوروف) في كتابه (الصليبيون في الشرق) حيث يقول: أن الجفاف الرهيب حرق العشب في المروج واباد السنابل والخضراوات وتسبب بالتالي بجوع فظيع.. وفي سنة 1095 كانتا نورمنديا وفرنسا مرهقتين بنسبة عظيمة من الوفيات أفرغت الكثير من البيوت ودفع الجوع الأقصى البلايا إلى أقصى الحدود..

ويضيف قائلاً: أن تعاظم الميول الدينية في الريف قد نجم عن ظروف حياة الفلاحين العبيد التي لا تطاق.. فإن العبيد كان يسحقهم العوز، وتضغط عليهم التبعية الشخصية حيال السيد وكانوا مهانين واذلاء بسبب جهلهم. وهذا الجهل كان رجال الدين الكاثوليك يحافظون عيه ويطالبون الفلاحين بالصبر الطويل والاستكانة للأسياد، ويبثون الخوف من نيران جهنم..

كان الفلاح الجاهل والامي الذي اعتاد على العوز والذي لم ير شيئاً أبعد من كونه، يتقبل ويدرك البلايا الاجتماعية والطبيعية من خلال موشور مفهومه البدائي.. قحط الموسم الزراعي، الجوع، الطاعون الناري، الذي يسوق زوجته وأولاده إلى القبر.. كل هذا كان يتصوره بصورة عقاب من السماء نزل عليه من أعلى بسبب خطايا مجهولة.. ومن هنا نشأ شعور غامض بأنه لا يمكن التخلص من العذابات اليومية الدائمة إلا بطلب الرحمة من الرب الغاضب.. ولكن بأي نحو؟ قبل كل شيء، باجتراح مأثرة ما خارجة عن المألوف، بطولية بالمعنى الديني لأجل (التكفير عن الذنوب) لأجل (غفران الخطايا) من نوع الاستشهاد باسم الإيمان.. وهكذا انعكس التحرق إلى الخلاص من اضطهاد الأسياد، والسعي إلى خلع سلاسل العبودية والتفلت من براثن العوز في دماغ الفلاح المرهق بمشقات العيش انعكاساً فاسداً مشوهاً وتحول إلى رغبة عارمة في اجتراح مأثرة دينية..

رابعاً: الأسباب الاجتماعية..

في بداية القرن الحادي عشر وبعد استقرار المسيحيين في المجتمعات الأوروبية لم يلبث هذا الاستقرار أن تبلبل بسبب تمرد أقوام لم تهضم الثقافة المسيحية بشكل كامل ولم تندمج معها.. إضافة إلى المجاعات المتكررة التي شهدتها أوربا سنوات 1005 و1016 و1096 حيث ترك الكثير من الناس أعمالهم والتجأوا إلى الجبال والمناطق النائية مما احدث هزة عنيفة في النظام الاجتماعي.. ولم تنفع التدابير المتخذة بحزم حتى ولا عقوبة الإعدام أن تضع حداً لهجرة الناس وتشردهم.. لقد كان الناس البؤساء يتشبثون بأي شيء للخلاص من وضعهم المؤسف.. لذلك نراهم يتجهون إلى تلك الحروب بحرارة واندفاع..

فتاوى الجهاد المقدس

اقام باباوات الكنيسة في بادئ الأمر مجمعاً سموه (بالاساس) شارك فيه فئتان من علماء وبطارقة المسيحيين وثلاثون ألفا من الإشراف أو الخيّالة العسكرية.. وتحدث في هذا الجمع الراهب (بيرار ميت) الذي كان يحمل الصليب في يده ويطوف في أوربا مدينة مدينة محرضاً الناس على حرب المسلمين..

أما القرارات التي أصدرها المجمع الكنسي الذي عقد في (كليرمونت) في العام 1095 فقد لخصت المشروع الذي قدمه البابا اوربان الثاني ودعى فيه إلى قيام الحملة الصليبية الأولى على النحو التالي (أن كل من يرحل إلى بيت المقدس بدافع التقوى والورع وبهدف تحرير كنيسة الرب وليس بغية الحصول على المجد أو المال فانه يستطيع بهذه الرحلة أن يكفر عن ذنوبه وآثامه كافة)..

وقال: لا يجوز لكل رجل يسعى في خلاص روحه أن يتوانى عن سلوك طريق الرب بكل خشوع وإن احتاج إلى المال فالعناية الربانية ستسعفه.. وأضاف في بيانه قائلاً: أيها الإخوان عليكم أن تتحملوا كثيراً من المشقة والفقر والعذاب من اجل اسم المسيح وتعانوا العري والاضطهاد والمذلة والمرض والجوع والعطش وما شاكل هذا من صنوف الشرور كما قال الرب لحوارييه (سأريكم كم ينبغي أن تتألموا من اجل اسمي.. وقوله (إني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها).. أو كما قال أيضاً (إنكم ستأخذون ميراثاً عظيماً)..

إن المشروع الأصلي للحرب الصليبية كما تخيله البابا اوربان الثاني في ذهنه كان يتلخص في إرسال فرقة عسكرية من الفرسان الأوربيين لمساعدة الإمبراطور البيزنطي (الكسيوس) في صراعه ضد الأتراك السلاجقة في أسيا الصغرى قبل الزحف إلى الأراضي المقدسة.. ولذلك فأن دعوة البابا اوربان الثاني كانت موجهة بشكل مباشر إلى طبقة الفرسان في وطنه فرنسا، لا سيما أن هذا البلد كان يتميز بضعف السلطة المركزية فيه وانعدام القانون في أرجائه انعداماً مزمناً نتيجة أعمال أولئك الفرسان وممارساتهم، وبذلك ربما كانت الحرب المخرج الوحيد لنقل أعمال العنف هذه من تلك البلاد إلى مكان أخر واعطاء الفرسان الأوربيين في الوقت نفسه فرصة للخلاص أيضاً.. ولقد استجاب هؤلاء الفرسان وبأعداد كبيرة لنداء البابا اوربان الثاني وشكلوا العمود الفقري للجيش الصليبي.

الحملة الصليبية الأولى..

في شتاء 1095-1096 اجتمعت في فرنسا قوات مدنية غفيرة من الفقراء المستعدين للذهاب إلى المناطق البعيدة..

وفي آذار 1096 نهضت أول جموع الفلاحين الفقراء من فرنسا الشمالية والوسطى ومن الفلاندر ولورين وألمانيا ثم من بلدان أخرى في أوربا الغربية إلى الحج المقدس..

وعلى حد تعبير صاحب يوميات (أعمال الفرنجة): جاء إلى الوجود هذا اليوم ما كان المسيح يقوله دوماً لاتباعه ومصداقاً لما جاء في الكتاب المقدس (إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني)..

مما أحدث هياجاً عظيماً، ولم يتوان كل ذي قلب طاهر وروح سليمة، صادق النية في إيمانه بالرب عن حمل الصليب والمبادرة لاخذ الطريق نحو القبر المقدس...

كان الفلاحون يمضون بلا سلاح تقريباً.. كانت الهراوات والمناجل والفؤوس والمذاري تقوم عندهم مقام الرماح والسيوف.. كانوا يتحركون مثل حشود غير منتظمة من النازحين، بعضهم مشياً على الأقدام، واخرون على عربات من عجلتين تجرها الثيران، مع نسائهم واولادهم وامتعتهم البيتية الحقيرة.. آملين سراً في تدبير امورهم بنحو افضل في أماكن جديدة في (أرض الميعاد) في الطريق سلك الصليبيون سلوك النهابين.. فاثناء مرورهم في أراضي المجريين والبلغار، كانوا ينتزعون المأكولات بالعنف من السكان، ويسوقون الاحصنة والبقر والغنم ويقتلون ويغتصبون ويتعسفون.. كان النهب بالنسبة للفقراء الأسلوب الوحيد لتحصيل ما يأكلونه.. وكان الصليبيون يواصلون النهب والسلب بعد دخولهم أراضي بيزنطية، لم يكن لدى الفلاحين نقود لكي يدفعوا ثمن المؤونة المقدمة لهم، ناهيك بأن عدداً لا يستهان به من العناصر المتفسخة طبقياً الذين كانوا يرون في المشروع الصليبي مجرد وسيلة ملائمة لأجل النهب والسلب كان يشترك في زحف الفلاحين والفقراء.. وعلى حد وصف أحد مدوني الأخبار لهؤلاء الصليبيين (أن كثيرين من شتى الأوباش قد التحقوا بالعســـكر الصليبي، لا لكي يكفروا عن الخطايا، بل لكي يقترفوا خطايا جديدة)...

إن الصليبيين الذين فسدت معنوياتهم بأعمال السلب والنهب السابقة قد سلكوا في عاصمة الإمبراطورية البيزنطية أيضاً سلوكاً منفلتاً لا ضابط له.. فقد كانوا يدمرون ويحرقون القصور في ضواحي المدينة، ويتخاطفون صفائح الرصاص التي كانت سطوح الكنائس مصنوعة منها..

مذابح الصليبيين

في كتابه (على خطى الصليبيين) يقول مؤلفه الفرنسي (جان كلود جويبو).. تحت ضغط الحجاج قرر (رايموند دي سال ـ جيل) بدءً من 23 نوفمبر محاصرة معرة النعمان ـ في سوريا ـ كان الحصار طويلاً صعباً لكن الصليبيين افلحوا في الاستيلاء على المدينة وذبحوا سكانها.. وفي هذا يقول ابن الأثير: خلال ثلاثة أيام اعملت الفرنجة السيف في المسلمين قاتلين اكثر من مائة ألف شخص واسرين عدداً اكبر من الأسرى..

يقول الكاتب الفرنسي: في جهنم معرة النعمان المتروكة للرعب وللجوع والعطش وبينما كان البارونات يتشاجرون كان الفقراء وقطاعاتهم قد استسلموا لاغراء الممنوع بين الجميع.. فجثث المسلمين التي طرحت في الخنادق قطعت والتهمت بشراهة..

وكتب المؤرخ (راوول دين كاين): عمل جماعتنا على سلق الوثنيين ـ يقصد المسلمين ـ البالغين في الطناجر، وثبتوا الأطفال على الأسياخ والتهموها مشوية ويكتب المؤرخ (البيرديكس): لم تتورع جماعتنا عن أن تأكل الأتراك والمسلمين فحسب وإنما الكلاب أيضاً..

ويكتب (الانويم): بعضهم الآخر قطع لحم الجثث قطعاً وطبخها كي يأكلها..

واخيراً في رسالة رسمية جداً كتبت للبابا (مجاعة رهيبة أوقعت الجيش في (المعرة) ووضعته في الضرورة الجائرة ليتغذى من جثث المسلمين.. ويذكر المؤلف الفرنسي معقباً على تلك الشهادات: في الإسلام برمته سيزرع هذا المشهد الخوف ويؤدي بعدد من المدن العربية إلى الاستسلام دون قتال مع وصول الفرنجة..

وقد كتب (امين معلوف) تعليقاً على تلك الشهادات: لن ينسى الأتراك مطلقاً أكل الغربيين للحم الإنسان، وعبر كل أدبهم الملحمي سيكون الفرنجة موصوفين دائماً كأكلة لحوم البشر، وسوف يساهم مشهد معرة النعمان بحفر هوة بين العرب والفرنجة لا تكفي قرون عديدة لردمها...

وينقل لنا الكاتب صفحات من تاريخ أوربا الهمجي في المدينة التي أمنوا بقدسيتها ـ ونعني بها القدس ـ يقول:

وانفلت الرعب الذي عرضته اليوميات بهلع، الرعب الذي يسميه رينيه غروسية (الخطيئة) التي تحط من شرف الصليبيين، انه الرعب الذي انطبع في الذاكرة الإسلامية إلى الأبد.. ويتابع قائلاً: اخذ الصليبيون يلاحقون ويذبحون المسلمين واليهود الذين كانوا عندئذ حلفاء..

ويصف ابن الأثير في الكامل الاستيلاء على القدس: ولبث الفرنج في البلدة أسبوعا يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على السبعين الفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور ذلك الموضع الشريف، ثم بدأ النهب والسلب..

أما ما ذكره الفرنجة من خلال يومية مجهول من الحملة الصليبية الأولى فهي: وحالما دخل حجاجنا المدينة تابعوا ذبح المسلمين حتى معبد سليمان حيث تجمعوا ودخلوا طيلة اليوم في معركة عنيفة مع جماعتنا وكان ذلك إلى حد أن المعبد كان يرشح من دمهم...

ويكتب (وليم الصوري): كانت المدينة تمثل بمذبحة الأعداء هذه مشهداً ما كان حتى للمنتصرين أنفسهم إلا أن يتأثروا بالرعب والتقزز، أما الانويم فيستعمل صورة سوف يستعيدها التاريخ حيث يؤكد انه داخل المسجد الأقصى كان جماعتنا يمشون في الدم حتى عراقيب أرجلهم، ويتحدث اخباريون آخرون أن أكوام الجثث تلك التي ظلت تحرق تحت أسوار المدينة على امتداد أسبوع بكامله..

ولا نستطيع أن نسجل جميع تلك الأحداث التي جرت في الحروب الصليبية والتي لا يكفيها مقال واحد ولا حتى عشرات المقالات بل تحتاج إلى مجلدات كبيرة وكثيرة..

خاتمة..

لقد كان مشروع البابا اوربان الثاني جذاباً للغاية حتى أن عناصر المجتمع الأوربي كافة كانت ممثلة تقريباً في الحملة الصليبية الأولى، ولكن الاستثناء اللافت للنظر كثيراً في هذا العدد هو غياب ملوك أوربا جميعاً عن هذه الحملة.. فقد اعتبر البابا اوربان الثاني الحملة الصليبية مشروعاً يرتبط بالبابوية ارتباطاً مباشراً، ومن ثم لم يدع الملوك العلمانيين في الغرب بشكل واضح للانضمام إليه...

ولا بأس في النهاية أن نذكر جملة من الأسباب التي ادّت إلى استجابة الناس بهذه الأعداد لنداء البابا اوربان الثاني إضافة إلى الأسباب التي ذكرناها في البداية:

1ـ التوسع المكاني لذلك العصر (إقطاعيات جديدة لما وراء البحار)..

2ـ البطالة التي كانت تخيم على بقية الأبناء بعد البكر في العائلة النبيلة التي تمنح الثروة للابن البكر...

3ـ مصلحة البابوات وعدد من ملوك أوربا وسلطة الكنسيين وشره الرهبان..

4ـ حقد المسيحيين على المسلمين..

ولا يفوتنا أن نذكر أن الصليبية ظاهرة حملت شعار الصليب (الذي لم يكن أبدا رمزاً للحرب والقتل والعدوان) ولم تحمل جوهر المسيحية.. بينما تسترت بلباسها وحملت رايتها وقتلت (حتى المسيحيين) باسمها فكانت معادية لرسالتها وأهدافها.. وكما عبر البابا شنودة الثالث بقوله: إن المسيحية تخالف الفكر الصليبي، وإن الغزاة استتروا وراء الدين ووراء عبارة الأماكن المقدسة، ثم كشفوا عن هدفهم وهو الاحتلال...

د.فالح العمره 15-09-2006 04:28 PM

مرحلة الحروب الصليبية

تمثل المرحلة الصليبية فترة مظلمة في تاريخ العلاقات بين أوربا والعالم الإسلامي ، مرحلة مليئة بالعنف والحروب والنهب والمذابح الوحشية وتدمير المدن ، وتصاعد الحقد والكراهية وعدم الاستقرار . من جانب آخر كانت مناسبة لاكتشاف كل طرف الطرف الآخر عن قرب ، وعبر التعامل المباشر . يعلق الباحث نورمان دانييل Norman Daniel على المزاعم المسيحية فيقول : «لقد اعتبر المسيحيون الحروب الصليبية حرباً مقدسة War Holy من أجل انتزاع الأرض التي تعود للمسيحيين . ولا زالوا يعتقدون بأنهم الأمة الوحيدة التي نهب منها ثلث أفضل ممتلكات الكنيسة بعد ظهور الإسلام» [1].

بدأت الخطوة الأولى من الحروب الصليبية ، عندما وجه الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومونيس Communes Alexius (حكم 1081 ـ 1118م) نداءات متكررة طالباً مساعدة بابوية لمواجهة احتلال الأتراك السلاجقة جزءاً من أراضي الإمبراطورية، ليس بعيداً عن العاصمة القسطنطينية. ورداً على استغاثته ، ألقى البابا أوربان الثاني II Urban (1088 ـ 1099م) خطاباً في عام 1095 ، جنوب فرنسا ، قريباً من الحدود الإسلامية لإسبانيا . وكان خطابه مليئاً بالإشاعات عن وحشية المسلمين وفظاعتهم ، ملمحاً إلى الأطماع الشخصية ومؤكداً على أتباعه «في دخول الطريق إلى الضريح المقدس ، وانتزاعه من العنصر الشرير ، ووضعه بأيديهم» [2]. ورفع شعاراً دينياً يبرر الحملات المرتقبة ويشجع الناس عليه ، فكان شعار (هذه مشيئة الله) هو القادر على تعبئة الجماهير . وسرعان ما انتشرت دعوة البابا مثل النار في الهشيم من فرنسا إلى بقية الأوربيين ، غني وفقير ، شاب وكهل . فقد تبنى التبشير بالحركة الصليبية بطرس الناسك الذي كان يتمتع بالفصاحة والقدرة على التأثير ، فطاف أقاليم فرنسا ليخرج منها بخمسة عشر ألف متطوع معهم نساؤهم وأطفالهم .

وبحلول عام 1097 كان هناك 000ر150 محارب صليبي قد وصلوا القسطنطينية ، معظمهم قدم من فرنسا والنورمان .

وهناك عدة أسباب داخلية وخارجية مهدت الأجواء لتنامي الحملات الصليبية وهي :

1 ـ يدعي الباحث أرنست باركر Barker Ernest أن السلاجقة قد احتلوا القدس عام 1071 ، وهم قوم قساة ، لا يعرفون التسامح مثل الحكام المسلمين السابقين ، أي الفاطميين . فكان المسيحيون يواجهون صعوبات كثيرة أثناء رحلتهم إلى حج القدس [3] . «فأدرك المسيحيون في الغرب ما يعترض طريقهم ، ويمنع حركتهم الطبيعية نحو منبع ديانتهم ، فكان من الطبيعي أنه لا بد لهم آخر الأمر أن يبذلوا جهدهم في تمهيد طريقهم».

وهذا السبب الذي يعرضه باركر مبالغ فيه لأن طريق القدس بقي مفتوحاً أمام المسيحيين في كل العصور ، وحتى في المرحلة الصليبية وما بعدها مما يشير إلى التسامح الإسلامي الفريد من نوعه . ومتناسياً أنه عام 1021 م أصبح الإشراف على الأماكن المقدسة ، مثل كنيسة القيامة وبيت لحم والمؤسسات الملحقة بها كالمستشفى والمدرسة ، من قبل الإمبراطورية البيزنطية ، بعد أن كانت حتى ذلك الوقت برعاية الكنيسة اللاتينية الرومانية . ويعترف باركر أن «البيزنطيين لم يحرصوا على أن يجعلوا طريق الحجاج هيناً سهلاً . وكان لزاماً على البابا فكتور الثاني أن يجأر بالشكوى إلى الإمبراطورة تيودورا ، بسبب ما لجأ إليه موظفوها من ابتزاز الحجاج وإهانتهم» [4].

2 ـ إن البحث عن وسائل جديدة مباشرة للاتصال بطرق التجارة الشرقية ، يعتبر من الأغراض التي انطوت عليها الحروب الصليبية ذاتها . وأدت إلى ما يصح تسميته اكتشاف آسيا في القرن الثالث عشر [5] .

فالمدن الإيطالية التي اشتهرت بتجارتها كانت تبحث عن طرق مباشرة لشراء المنتجات الشرقية من الهند والصين ، دون وساطة العرب المسلمين . فالطرق البحرية كانت غالية ومحفوفة بالمخاطر .

3 ـ كان الأمراء الأوربيون يبحثون عن ثروات وأراض جديدة . فكانت الأطماع متوجهة نحو الشرق ، حيث الكنوز والثراء والتجارة والذهب والحرير والجواري . فهذه الأحلام لعبت دوراً في تأجيج الحماسة .

4 ـ كان الناس العاديون في أوربا يعيشون في أوضاع مزرية من الفقر وتكرر المجاعات والأوبئة التي فتكت بعشرات الآلاف . ففي عام 1094 إنتشر الطاعون من الفلاندرز Flanders إلى بوهيميا Bohemia. وفي عام 1095 حدثت مجاعة في منطقة اللورين Lauren بفرنسا . وتعرضت الكثير من الأراضي الزراعية للخراب نتيجة غزوات الفايكنغ والبرابرة ، فقلّت الأقوات في الوقت الذي ازدادت أعداد السكان . ثم أن الحروب والمنازعات بين الأمراء والإقطاعيين أسهمت في الإخلال بالأمن وتعريض أرواح الناس للهلاك وممتلكاتهم للنهب ، مما جعل الغالبية العظمى من أهالي غرب أوربا يعيشون في حالة يرثى لها من الفقر والحرمان والخوف ، دون أن يجدوا أي ضمان لحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأرزاقهم [6] .

فاعتقد هؤلاء البسطاء أن مشاكلهم ستحل بهجرتهم إلى الشرق . ففي عام 1096 نجح الصليبيون بتجنيد خمسة جيوش من هؤلاء المعدمين .

5 ـ كان هناك عدد كبير من المغامرين ، المفلسين مثل الزعيم الصليبي والتر المفلس ، وقطاع الطرق ، والعبيد الهاربين والرهبان المستائين. لقد كانت هناك دوافع كثيرة للبحث عن مناجم الذهب الموعودة في الشرق .

وعلى الرغم من أن الجنود الأوربيين كان يحملون علامات الصليب ، دليلاً على الدافع الديني للحملات الصليبية ، لكن الدين كان آخر سبب وراءها . فخلال عبورهم هنغاريا ثم أراضي الدولة البيزنطية ، نسيت الجموع أنهم يخترقون بلاداً مسيحية ، فأخذوا ينهبون ويسلبون ويعتدون على الأهالي الآمنين [7] . وأثناء انتظارهم العبور إلى الجانب الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية ، كان تجمع الصليبيين أمام أسوار القسطنطينية يثير مخاوف الدولة ومتاعبها ، إذ أخذ الصليبيون يواصلون نهب القرى والضياع المجاورة ، ويعتدون على الأهالي ويسلبونهم أقواتهم وأمتعتهم ، بل أن الكنائس لم تسلم من إعتداءات أولئك الرعاع [8]. فأسرع الإمبراطور الكسيوس إلى نقلهم إلى الشاطئ الآخر . واستمر ذلك السلوك الوحشي بمهاجمة القرى المسيحية والمزارع والمواشي والكنائس [9] .

وعندما احتل الصليبيون مدينة القدس ، لم يرحموا أحداً «وحتى إخوانهم في الدين لم يوفروهم ، وكان من أول ما اتخذوه من تدابير أنهم طردوا من كنيسة القيامة جميع الكهنة من الكنيسة الشرقية ، روماً وجيورجيين وأرمنيين وأقباطاً وسرياناً ، والذي كانوا يقيمون القداسات معاً تبعاً لمذهب كان جميع الفاتحين قد احترموه حتى ذلك الحين .وإذ ذهل وجهاء الطوائف المسيحية أمام هذا القدر من التعصب ، فقد عزموا على المقاومة ، ورفضوا أن يكشفوا للمحتل عن المكان الذي خبأوا فيه الصليب الحقيقي الذي مات عليه المسيح .وإذ قبض الأوربيون على الكهنة المكلفين بحراسة الصليب ، وأخضعوهم للتعذيب فقد تمكنوا من انتزاع سرهم والحصول منهم بالقوة على أغلى ما يملكون من ذخائر» [10].

وقد ذبح الصليبيون آلاف المدنيين الأبرياء من سكان القدس دون سبب ، فقط لمجرد الإنتقام من المسلمين. ففي يوم 15 تموز 1099 دخل الصليبيون المدينة المقدسة وارتكبوا مذابح فظيعة . يصف أحد المؤرخين اللاتينيين المشاهد المريعة فيقول «كانت أكداس الرؤوس والأيدي ترى من بعيد في الساحات والشوارع» [11].

ويصف مؤرخ آخر ذلك اليوم العصيب فيقول «ولا يزال النازحون يرتجفون كلما تحدثوا بذلك وتجمد أبصارهم وكأنهم لا يزالون يرون بأعينهم أولئك المقاتلين الشُّقر المدرعين المعتمرين الخُوَذ وقد انتشروا في الشوارع شاهرين سيوفهم ، ذابحين الرجال والنساء والأطفال ، ناهبين البيوت ، مخربين المساجد . وعندما توقفت المذبحة بعد يومين لم يكن قد بقي مسلم واحد داخل الأسوار . فقد انتهز بعضهم فرصة الهرج فانسلوا إلى الخارج من الأبواب التي كان المحاصِرون قد خلعوها . وأما الآخرون فكانوا مطروحين بالآلاف في مناقع الدم عند أعتاب مساكنهم أو بجوار المساجد ، وكان بينهم عدد كبير من الأئمة والعلماء والزهاد المتصوفين الذين كانوا قد غادروا بلادهم وجاؤوا يقضون بقية أيامهم في عزلة في هذه الأماكن المقدسة . ولقد أُكرِه من بقوا على قيد الحياة على القيام بأشق الأعمال : أن يحملوا جثث ذويهم فوق ظهورهم ويكدسوها بلا قبور في الأراضي البور ثم يحرقوها قبل أن يُذبحوا بدورهم أو يباعوا في أسواق النخاسة» [12].

أما المؤرخ والدبلوماسي المسلم أسامة بن منقذ (488 ـ 584 هـ /1091 ـ 1188م) الذي عاصر الحروب الصليبية ، فقد كتب في مذكراته عن تلك الأحداث ووصف تفاصيلها . فكان قد شاهد الأحداث عن قرب لأنه كان كاتباً (سكرتيراً) لدى صلاح الدين الأيوبي [13] . وأورد إبن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) بعض جرائم الصليبيين ، إذ ينقل الحادثة التالية التي تعبر عن الوحشية والقسوة . فقد هاجم الصليبيون مدينة المعرة في سوريا ، «وعند الفجر وصل الفرنج ، إنها المذبحة ، فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسَبَوا السبي الكثير» [14]. ويصف أحد المؤرخين الصليبيين ، راول دي كين ، المرافق للجيش الذي دخل المعرة فيقول «كان جماعتنا في المعرة يغلون وثنيين بالغين في القدور ، ويشكون الأولاد في سفافيد ويلتهمونهم مشويين» [15].

ويرى أرنست باركر أن الحروب الصليبية ، أصلاً ، مشروع فرنسي . فقد زرعت بذورها في أرض فرنسية ، بلدة كليرمون Clermonte، وكان أول مبشر بها هـو بابا فرنسي الأصل ، أوربان الثاني . وأنها والمملكة التي أقامها الصليبيون في الشرق كانت في جـوهـرها مملكـة فرنسية ، في لغتها وعاداتها ، وفي فضائلها ورذائلها [16] . ولعل ما يؤيد ذلك أن العرب كانوا يسمونهم بالفرنجـة ، وهـو لقب يخص الفرنسيين ، ولكـن استخدامـه يعم كل الغربيين . من جانب آخـر لا تتحدث المراجع العربية عن (حروب صليبية) بل عن حروب وغزوات ضد الفرنجـة . إن مصطلـح (صليبي) هـو ما أطلقه الأوربيـون على أنفسهم في تلـك الفتـرة ، لإسباغ البعد الديني على حروبهم ، ويمثل الصليب المسيحية ، إذ صار شعاراً لها .

رغم المقاومة التي أبداها المسلمون في الدفاع عن أنفسهم ، إلا أن الحركة الحقيقية بدأت بعد قرن ونصف من وصول الصليبيين . فقد تمكن زنكي ، وهو تركي يحكم الموصل ، عام 1144 م أن يستعيد مدينة الرها Edessa. وأكمل إبنه نور الدين حركة التحرير ، إنطلاقاً من عاصمته دمشق . إذ بدأ بعمليات عسكرية ومناوشات ضد القوات الصليبية . وبلغت المقاومة الإسلامية ذروتها حين وصل صلاح الدين إلى عرش مصر بعد الفاطميين . إذ استطاع صلاح الدين أن يوحد مصر وسوريا تحت هيمنته ، فوضع الصليبيين بين حجري الرحى ، سوريا شمالاً وغرباً ، ومصر جنوباً وغرباً . وحقق صلاح الدين إنتصاراً كبيراً في معركة حطين في 4 تموز 1187 م ، حين هزم الملك الصليبي غي دو لوزينيان Guy de Lusignan، ملك القدس ، وتمزق جيشه البالغ 000ر20 محارب ، ووقع الملك أسيراً . ودخل صلاح الدين القدس دون مقاومة ، فأكرم الأسرى وأطلق سراحهم ، وعامل المسيحيين بالإحسان والتسامح.

بعد فشل الحروب الصليبية ، بقي الأوربيون يبحثون عن أرض جديدة قادرة على استيعاب طموحاتهم وأطماعهم . فبدأت حركة استكشافات جغرافية واسعة . لقد كانوا يبحثون عن خيار آخر غير أوربا التي ضاقت بهم ، وضاقت إمكاناتها فأصبحت الحروب هي لغة التعامل في التنازع على الثروات والموارد الطبيعية والأراضي . أصبح البحث عن أرض جديدة بمثابة الحل الأمثل للمشاكل التي تعانيها القارة الأوربية ، الصراعات السياسية ، الأزمات الإقتصادية ، الخلافات المذهبية والإضطهاد الديني . في عام 1492 م تم اكتشاف أميركا ، واكتشفت أستراليا عام 1606 م فكانتا الحل الذي انتظره الأوربيون قروناً . فأخذت موجات المهاجرين تتدفق على الأرض الجديدة ، لكنهم لم يجدوا حضارة مزدهرة كما في الشرق ، بل قبائل بدائية وشعوباً متأخرة ، سرعان ما أبادوها ، وليقيموا فيها إلى الأبد .





--------------------------------------------------------------------------------


- Normal Daniel, "Islam and the West", p.109.


- Hitti, "Islam and the West", p.79.

[3] ـ أرنست باركر ، «الحروب الصليبية» / ص 16.

[4] ـ المرجع السابق / ص 15.

[5] ـ المرجع السابق / ص 16.

[6] ـ سعيد عبد الفتاح عاشور ، «تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى»/ ص 89 ـ90.

[7] ـ المرجع السابق / ص 90.

[8] ـ المرجع السابق / ص 92.

[9] ـ أنظر سعيد عاشور / مصدر سابق / ص 92 ، وأمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 22.

[10] ـ أمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 78.


- Hitti, "Islam and the West", p.79.

[12] ـ أمين معلوف ، «الحروب الصليبية كما رآها العرب» / ص 12ـ13.

[13] ـ أسامة بن منقذ ، «كتاب الإعتبار» / تحقيق الدكتور قاسم السامرائي.

[14] ـ أمين معلوف / مصدر سابق / ص 63 نقلاً عن الكامل في التاريخ / ج 8 / ص 187.

[15] ـ المرجع السابق / ص 63.

[16] ـ أرنست باركر ، «الحروب الصليبية» / ص 23ـ24.

الفهرس

د.فالح العمره 15-09-2006 04:42 PM

(( المسيحية والسيف))
وثائق تاريخية عن فظائع الحروب الصليبية
34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36 وَ هَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ! (إنجيل متى :10)

يتغنى النصارى بمقولة المسيح : ( من ضربك على خدك الايمن فادر له خدك الايسر ) ليدللوا على ان دينهم دين سلام ورحمة وفي المقابل نجدهم ينعقون ليلا نهارا بأن الاسلام دين السيف والارهاب فهل التاريخ والواقع يصدق ذلك ؟؟

روى ابن الاثير في تاريخه 8/189-190 عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال : ( ملك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة اسبوعا يقتلون فيه المسلمين واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود فاعتصموا به و قاتلوا فيه ثلاثة ايام و قتل الفرنج بالمسجد الاقصى ما يزيد على سبعين الفا منهم جماعة كبيرة من ائمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الاوطان و جاور بذلك الموضع الشريف )

كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال : ( و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين فأجهزت على جميع اللاجئين اليه وحينما توجه قائد القوة ريموند اجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد اخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه وتركت مذبحة بيت المقدس اثرا عميقا في جميع العالم وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها غير انها ادت الى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود بل ان كثير من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث) 1/404/406

وقد وصف كثير من المؤرخين احداث المذبحة التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين اليها و كيف انهم كانوا يزهون بانفسهم لان ركب خيولهم كانت تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع و قد كان من وسائل الترفيه لدى الصليبيين ان يشووا اطفال المسلمين كما تشوى النعاج. ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الاسد في الحملة الصليبية الثالثة عند احتلاله لعكا بأسرى المسلمين فقد ذبح 2700 أسير من اسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا و قد لقيت زوجات واطفال الاسرى مصرعهم الى جوارهم.

فاي سلام يحمله هؤلاء ؟؟؟

فقد امنهم الاسلام على انفسهم لكنهم لا يعرفون معنا للقيم والعهد والسلام . ومع ما فعله الصليبيون في القدس فاننا نرى رحمة الاسلام ومسا محته حتى مع هؤلاء الكلاب فقد وصف المؤرخون ما حدث في اليوم الذي دخل فيه صلاح الدين الايوبي رضي الله عنه الى القدس فاتحا لم ينتقم او يقتل او يذبج بل اشتهر المسلمون الظافرون في الواقع بالاستقامة والانسانية فبينما كان الصليبيون منذ ثماني وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم المسلمين لم تتعرض ا أي دار من دور بيت المقدس للنهب ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه اذ صار رجال الشرطة يطوفون بالشوارع والابواب تنفيذا لامر صلاح الدين لمنع كل اعتداء يحتمل وقوعه على المسيحيين وقد تأثر الملك العادل لمنظر بؤس الاسرى فطلب من اخيه صلاح الدين اطلاق سراح الف اسير فوهبهم له فاطلق العادل سراحهم على الفور واعلن صلاح الدين انه سوف يطلق سراح كل شيخ وكل امراة عجوز.

وأقبل نساء الصليبيين وقد امتلأت عيونهن بالدموع فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي ازواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر فأجاب صلاح الدين بأن وعد باطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا كل بحسب حالته فكانت رحمته وعطفه نقيض افعال الصليبيون الغزاة.

اما بالنسبة لرجال الكنيسة انفسهم وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس فانهم لم يهتموا الا بأنفسهم وقد ذهل المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل وهو يؤدي عشرة دنانير ( مقدار الفدية المطلوبة منه ) ويغادر المدينة وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب وقد تبعته عربات تحمل ما بحوزته من الاموال والجواهر والاواني النفيسة .

ولو نظرنا الى عصرنا الحاضر لما احتجنا كثيرا لقراءة التاريخ فالتاريخ اسود والواقع اشد سوادا فما يزالون يحملون احقادهم ضد المسلمين في كل مكان وضد الانسانية التي يتغنون بها وجنوب السودان وصبرا وشاتيلا والبوسنة والفلبين و الشيشان وكوسوفا وابخازيا واذربيجان تشهد على دمويتهم وحقدهم فقد خرجوا من جحورهم واستأسدوا عندما غابت الليوث لكن سيأتي يوم الحساب قريبا ومهما طال ليل الباطل فلا بد له ان يندحر وتشرق شمس الحق من جديد.


--------------------------------------------------------------------------------

وصف للمجاز الصليبية التي حدثت في القدس حين دخول الصليبيين اليها

ذكر غوستاف لوبون في كتابه الحضارة العربية نقلا عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية لا تدل إلا على حقد أسود متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين. فقال الراهب روبرت أحد الصليبيين المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفا سلوك قومه ص325 ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها ! كانوا يذبحون الأولاد والشباب ويقطعونهم إربا إربا وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية فيا للشره وحب الذهب وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث )

وقال كاهن أبوس ( ريموند داجميل ) شامتا ص326-327:
(حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسرار القدس وبروجها فقد قطعت رؤوس بعضهم فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار وحرق بعضهم في النار فكان ذلك بعد عذاب طويل وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).

وقال واصفا مذبحة مسجد عمر:
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا اتصلت ذراع بجسم لم يعرف اصلها. ولم يكتفي الفرسان الصليبيون الأتقياء (!) بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى الذين كان عددهم ستين ألفا فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا )

وفي ص396 يقول : ( و عمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع و المختبئين في السراديب فأهلكوا صبرا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات و كانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية و غيرها بيد الصليبيين).

فأي انسانية يتغنى بمثلها هؤلاء ؟ هل فعلا يديرون الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن ؟
تاريخهم يجيب عن ذلك!

د.فالح العمره 15-09-2006 04:49 PM






علاقة الشرق بالغرب :

تعد فتوحات الإسكندر السبب في مجيء الإغريق والرومان إلى المسرح الشرقي ، وكان هذا أول التقاء حضاري بين هذين العالمين.

وكان من نتائج هذا التفاعل الحضاري نشوء حضارة جديدة أطلق عليها الحضارة (الهلنستية) تمييزاً لها عن الحضارة (الهلينية) التي تعني الحضارة الإغريقية في البلاد الأم ، وأصبحت الحضارة (الهنستية) الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية.

وكان غزو الإسكندر للشرق هو بداية لتطلع الغرب لخيرات الشرق واحتلاله ، فعندما حلت الإمبراطورية الرومانية محل الإمبراطورية الإغريقية بعدما تغلبت روما على إسبرطة وأثينا ، احتلت سوريا سنة 64 ق.ب وانتهت بضم مصر إليها ، ثم غزت شمال إفريقيا بكامله بعد قضائها المبرم والنهائي على مدينة (قرطاجنة) التي صيرتها خراباً إلى يومنا هذا ، وذلك بعد حرقها وتدميرها وزرع أرضها بالملح حتى لا تنبت مرة أخرى ، وبلغت حدود الإمبراطورية الرومانية من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصحراء السورية العربية شرقاً.

وهكذا نجد أن علاقة الغرب بالشرق التي بدأت منذ الحروب الفارسية اليونانية إلى الحروب الرومانية مررواً بالفتوحات الإغريقية أدت إلى وصول الإغريق والرومان إلى هذه الأصقاع التي استعمروها سياسياً وحضارياً ، وكان لها أثر بالغ من الناحية الاقتصادية باحتلال هؤلاء الغزاة للموانئ العربية ، وإقامة مراكز تجارية بها ، كما عززوها بقواعد عسكرية لحماية تلك التجارة ، وهنا نتوقف وقفة : إذ نجد التاريخ يعيد نفسه ، فهاهو الحضور الغربي في الخليج العربي لحماية مصالحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ابتداء من الاحتلال البرتغالي مروراً بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق ، ووجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.

هذه بداية كان لا بد منها لمعرفة أبعاد وجذور علاقة الغرب بالشرق قبل الإسلام ، وأنها كانت علاقة قائمة على تفاعل حضاري وتبادل تجاري من ناحية ، وتطورت إلى أن أصبحت علاقات قائمة على أطماع ، ومصالح اقتصادية.

لقد جسد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام وهذا ما اعتبره توماس أرنولد بمثابة (حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي ، ووصفها بأنها عبارة عن حرب مقدسة ، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية ، فضلاً عن أنها حرب مباركة يصح أن يعول الناس مصائرهم عليها ، حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية ، ووحدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين) ، بينما يرى المستشرق الروسي (اليكسي فاسيلينتس جورافكسي) أن الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت على مدى أربعة عشر قرناً تقريباً من تجاور الإسلام والمسيحية أو من وجودهما المشترك ، ويقرر في موضع آخر أن التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد ، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية ، مشيراً في ذلك إلى مؤلفات (يوحنا الدمشقي) التي ناقش فيها الإسلام كبدعة ، وأن المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه ، وأن يوحنا يرفض أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الله وهو خاتم المرسلين ، وأن القرآن كلمة الله المنزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء إذ يرى أن سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي ، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغريبة التي وضعت الإسلام أمام محكمة تاريخية ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه.

بواعث الحروب الصليبية:

للحروب الصليبية أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية سأتعرض لكل منها بشيء من التوضيح.

1-الأسباب الدينية:

يثبت التاريخ أن المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ، تشهد عليها الرسالة التي بعث بها (ثيودسيوس) بطرق بيت القدس سنة 869 إلى زميله (اجناتيوس) بطرق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة. وقد قال بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت).

وهذا وإن تعرض بعض المسيحيين أحياناً في بعض البلدان الإسلامية لنوع من الضغط أو الاضطهاد ، فتلك حالات فردية شاذة شذت عن القاعدة العامة التي حرص الإسلام عليها دائماً. وهي التسامح المطلق مع أهل الكتاب ، وإذا كان بعض المؤلفين الأوربيين قد تمسكوا بهذه الحالات الفردية ، وأرادوا أن يتخذوها دليلاً على تعسف حكام المسلمين مع المسيحيين في عصر الحروب الصليبية ، فلعل هؤلاء الكتاب نسوا أو تناسوا ما صحب انتشار المسيحية ذاتها من اضطهادات ومجازر بدأت منذ القرن الرابع للميلاد ، واستمرت حتى نهاية العصور الوسطى ، ويكفي أن أذكر ما قام به خلفاء الأمير قسطنطين الأول من اضطهادات لإرغام غير المسيحيين على اعتناق المسيحية ، وما قام به شارلمان في القرن الثامن من فرض المسيحية على السكسون والبارفيين بحد السيف حتى أنه قتل من السكسون في مذبحة (فردن) الشهيرة أكثر من أربعة آلاف فرد جملة واحدة ، وما ارتكبه الفرسان التيتون ، وفرسان منظمة السيف من وحشية وقسوة بالغة في محاولتهم نشر المسيحية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من البروسيين واللتوانيين وغيرهم من الشعوب السلافية قرب شاطئ البحر البلطي ، هذا إضافة إلى ما قام به المنصرون (الجزويت) في القرن السابع عشر من عنف لنشر المسيحية في الهند.

مما سبق يتبين لنا أنه لم يكن هناك اضطهاد ديني لمسيحي الشرق من قبل المسلمين يبرر قيام هذه الحملة الصليبية على الإسلام وبلاده ، والتي امتدت أكثر من قرنين من الزمان (1092- 1295م) ، ولكن دعاة الحملة الصليبية الأولى ، وعلى رأسهم (البابا أوريان الثاني) قد استغلوا فكرة الاضطهاد للاستهلاك المحلي للدعاية لمشروعهم في غرب أوروبا ، تماماً كما ادعوا الآن بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق ووصفوا الإسلام بالإرهاب.

أطماع البابوية الحقيقية:

لقد كانت للبابوية أهداف وأطماع وراء الحروب الصليبية على المسلمين متذرعة برفع الظلم والاضطهاد عن المسيحيين في الشرق ، كما أراد أن يكون الزعيم الروحي لجميع المسيحيين في الشرق والغرب.

ويذكرنا هذا بتصريح بابا الفاتيكان الذي أعلن في المجمع المسكوني الذي عقد عام 1962 – 1965م باستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام ، وقد كان من قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني : اعتبار المسيحيين هم شعب الله المختار ، ونشر الإنجيل على كافة البشر ، والتأكيد على عصمة البابا من الخطأ ، واقتلاع الديانات الأخرى ، وبخاصة الإسلام.

ولنتوقف هنا عند كلمة (مسكوني) ماذا يعني هذا المصطلح ؟ مصطلح (مسكوني) يدل على (الأرض المسكونة) وهي في القرنين الرابع والخامس للميلاد مساحة الإمبراطورية اليونانية والرومانية وبهذا يطلق على البطريرك الأرثوذكسي في القسطنطينية (العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية) لقب البطريرك المسكوني وعلى مستوى الكنيسة تدل صفة المسكوني على لقاءات الأساقفة (مجامع) للبحث في المسائل المختصة بالكنيسة كلها ومنذ مطلع القرن العشرين استعمل لفظ مسكونية لوصف الجهود المبذولة لجمع شمل المسيحيين في كنيسة واحدة ، وفي الأدبيات المسيحية تصريح بأن (الحركة المسكونية) ترقى بنشأتها إلى مؤتمر (الإرساليات التبشيرية العالمي) المنعقد في أدنبرة استكلندا عام 1910م والكلام عن (الحركة المسكونية) كان يعني أولاً السعي للنهوض بوحدة الكنيسة ، وثانيا بوحدة البشرية ، وذلك عبر التنصير والإرساليات ، وعبر العمل الاجتماعي في العالم غير المسيحي. إن الحركة التنصيرية العالمية أو (الوحدة في العمل التنصيري) شكلت الولادة الحقيقية للعمل المسكوني وللحركة المسكونية ، وفي ذاكرة المسلمين والمسيحيين في الشرق صور أليمة ومريرة عن المواجهة مع الحركات التنصيرية.

من هنا يتضح لنا سبب استغلال الإدارة الأمريكية لأحداث سبتمبر ، ونسبتها للعرب والمسلمين لتتهمهم بالإرهاب ، ولتجعل هذا مبرراً لإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي ، واحتلال بلاد العرب والمسلمين بحجة محاربة الإرهاب ، ويؤكد هذا دخول البعثات التنصيرية العراق مع قوات الاحتلال لتمارس دورها في التنصير عن طريق أعمال الإغاثة في حين جمدت الإدارة الأمريكية أنشطة الجمعيات الإسلامية الخيرية لتنفرد هذه الإرساليات بأعمال الإغاثة ، فالفكر الغربي هو هو لا يتغير مهما مضى الزمن ، فأساليبه ومبرراته واحدة ، وعلى المسلمين أن يعتبروا ويتعظوا من دروس التاريخ وأن يولوا دراسته وصناعته إعلاميا جل اهتمامهم.

2-الأسباب الاقتصادية :

تتلخص الأسباب الاقتصادية في سوء الأحوال الاقتصادية في غرب أوربا لدرجة اضطرت الناس لأكل الأعشاب والحشائش في جو مشحون بالحرب المحلية بين الأمراء الإقطاعيين مما أضر بالتجارة والزراعة فكانت الحروب الصليبية طريقاً للخلاص من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشوا فيها بتحريض من اليهود ، فحشد للحرب كل المعدمين والفقراء والمساكين الفارين من القانون ، من الذين يفكرون في بطونهم قبل أن يفكروا في عقولهم أو بدافع من دينهم بدليل ما قاموا به طوال طريقهم إلى القسطنطينية من أعمال العدوان والسلب والنهب ضد الشعوب المسيحية التي مروا بأراضيها مما يتعارض مع أي وازع ديني.

مصالح البندقية وجنوا وبيزا :

فقد حرصت كل من (البندقية وجنوا وبيزا) لتحقيق أكبر قسط من المكاسب الذاتية على حساب البابوية والصليبيين جميعاً ، ويؤكد هذا ما قامت به البندقية من تضليل حملة صليبية كبرى ، حيث وجهتها نحو القسطنطينية ، وليس غزو مصر.

وهكذا نجد أن الحرب الصليبية صبغت من أول أمرها بصيغة اقتصادية استغلالية واضحة ، فكثير من الذين شاركوا في هذه الحروب لم يفعلوا ذلك لخدمة الصليب وحرب المسلمين ، وإنما جرياً وراء المال وجمع الثروات ، وإقامة مستعمرات ومراكز ثابتة لهم في قلب الوطن العربي بغية استغلال موارده والمتاجرة فيها ، والحصول على أكبر قدر ممكن من الثروة.

ونجد ذلك لا يختلف عن البواعث الاقتصادية للحروب الأمريكية على البلاد العربية والإسلامية ، وإن حل البترول في زمننا هذا محل الأطماع الاقتصادية الأخرى ، فأطماع الغرب من ثروات الشرق ليست وليدة العهد وجري الجمهوريات البحرية الإيطالية وراء جمع مال وثروات البلاد العربية لا يختلف عن جري رجال الإدارة الأمريكية على تأمين آبار ومنشآت بترول العراق ، وجري شركات البناء والتعمير للحصول على عقود إعمار العراق ، فرجال الإدارة الأمريكية الحالية كلهم كانوا يعملون في النفط فعائلة بوش كل تجارتها قائمة على البترول ، وقس على ذلك كثير من المسؤولين ، والسيطرة على البترول تحقق لأمريكا الهيمنة على العالم إضافة إلى حل الأزمة المالية التي تعاني منها الإدارة الأمريكية : إذ تعاني من عجز في ميزانيتها قيمته سبعمائة مليار دولار.

ومما يجدر الإشارة إليه أنه كما كان لليهود دور في إشعال فتيل الحروب الصليبية ، كان لهم دور في الحرب الراهنة على الإسلام والمسلمين ، ويؤكد هذا ما قاله السيناتور موران في الثالث من مارس الماضي (إن الحرب التي تخيم على العراق هي نسيج أيدي اليهود الأمريكيين وإنه لولا دعم المجموعة اليهودية القوي لهذه الحرب لكنا تصرفنا بشكل مختلف).

في ذلك الوقت كانت الحرب مجرد شبح يثير القلق والمخاوف ، أما الآن وبعد أن أصبحت حقيقة واقعة فإن موران ممنوع من الكلام ذلك أن المجموعة اليهودية التي دفعت الولايات المتحدة إلى الحرب تمارس كل ما لديها من نفوذ للتشهير بالسيناتور الكاثوليكي لحمله على الاستقالة من عضوية الكونجرس.

3-الأسباب السياسية :

لم تكن بواعث خروج ملوك أوروبا للحروب الصليبية من أجل حرب المسلمين ، ولكن لوقوعهم تحت ضغوط البابوية ذات النفوذ الكبير آنذاك ، فلا يستطيع ملك من ملوك الغرب أن يعصي لها أمراً ، أو يرد لها طلباً ، وإلا تعرض للحرمان والطرد من الكنيسة ورحمتها ، فلا يستطيع الاحتفاظ بعرشه أو بولاء شعبه.

أما الأمراء الذين أسهموا في الحروب الصليبية ، فمعظمهم كان يجري وراء أطماع سياسية لم يستطيعوا إخفاءها قبل وصولهم إلى الشام ومعظم هؤلاء الأمراء كانوا لا يملكون إقطاعا في بلادهم بموجب نظام الأكبر ، ويؤكد هذا صراع هؤلاء الأمراء فيما بينهم ، وكيف أنهم أخذوا يقسمون الغنيمة وهم في طريقهم إلى الشام.

يضاف إلى ذلك رغبة طبقة الخدم والفلاحين في الخلاص من ظلم الأمراء ولو بالموت أثناء الحرب ، وهذا الصراع على الغنيمة يماثل ما حدث بين الإدارة الأمريكية وبريطانيا ، والدول التي تحالفت معهما على غزو العراق.

وفي النهاية أقول : إن بواعث الحروب الصليبية التي تعرضنا لها في الفترة من (1091 – 1295م) هي ذاتها بواعث الحرب الحالية المعلنة على العالم الإسلامي تحت مسمى محاربة الإرهاب والتي ستطول ولا نعلم مداها لأن قائمة الدول التي سوف تعلن الحرب عليها طويلة ، وإن اختلفت في مصطلحاتها ومفرداتها ، مع إضافة البواعث الثقافية إليها ، وهي فرض الثقافة الصهيو أمريكية علينا ، وتحقيق المشروع الصهيوني في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.

وهذا يؤكد أن النزعة الاستعمارية لدى الغربي نزعة متأصلة فيه ذات جذور عميقة بدأت منذ عهد الإسكندر ، وامتدت إلى أيامنا هذه ، وبواعثه وأهدافه ومبرراته هي هي لا تتغير ، ولكننا نحن لا نقرأ التاريخ ، ولا نستفيد من دروسه.

المنار ، العدد 70 ، جمادى الأولى 1424هـ ، بقلم الأستاذة سهيلة زين العابدين.

|









د.فالح العمره 15-09-2006 04:55 PM



الحرب المقدسة.. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم


عرض/ إبراهيم غرايبة
يعالج هذا الكتاب موضوع الحروب الصليبية معالجة تاريخية وبمقاربات سياسية من الواقع القائم على نحو يبدو تاريخيا سياسيا تحليليا ودينيا أيضا، ويركز على الصراع بين اليهود والمسلمين والمسيحيين الذين يفترض أنهم يتبعون جميعا نبيا واحدا هو إبراهيم ويؤمنون بنبوة ذريته من الأنبياء ويتبعونهم.


غلاف الكتاب

-اسم الكتاب: الحرب المقدسة.. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم
-المؤلف: كارين أرمسترونغ
-عدد الصفحات: 707
-الطبعة: الأولى 2004
-الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت



الحروب الصليبية والنزاع الراهن بدأت أوروبا تشهد في القرن الحادي عشر الميلادي حالة من النهضة، ومحاولات للتخلص من الشعور بالدونية تجاه المسلمين الأشد منهم بأسا والأرقى ثقافة، وبدؤوا يحاولون بناء ذات جديدة ويشعرون بثقة جديدة. وهكذا كانت الحملات الصليبية جزءا أساسيا من هذه العملية، وعبرت تماما عن الروح الغربية الجديدة.

إن اختلاق عدو إجراء بالغ الأهمية كوسيلة لتطوير هوية جديدة، وقد وفر المسلمون ذلك العدو الكامل، وإن كان من الواضح أن الفرنجة لم تكن لهم حتى ذلك الحين أية مآخذ على المسلمين، ولم يكونوا يعرفون شيئا عن الديانة الإسلامية سوى أن المسلمين غير مسيحيين وأنهم مقاتلون أشداء، ومن شأن التغلب عليهم أن يعلي كثيرا من شأن الفرنجة.

كانت الحروب الصليبية قائمة أساسا على معاداة السامية، وبدأت بمهاجمة اليهود والسعي للقضاء عليهم، وكانوا يخيرون بين التنصر والموت. وقبل أن تتحرك الجيوش الصليبية إلى الشرق كانت مشغولة بتطهير أوروبا من اليهود قتلة المسيح، وجعل الصليبيون من اللاسامية مرضا غربيا لا شفاء منه استمر متلبثا في الغرب طوال العصور الوسطى. وعندما نهض هتلر مرة أخرى كان يقتل أيضا حتى الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود قبل مئات السنين هربا من المذابح التي ارتكبها قادة الحروب الصليبية.


في بداية رحلة الصليبيين إلى ذات جديدة لهم ذبحوا اليهود، وفي نهاية حملتهم المرعبة ذبحوا المسلمين في القدس بوحشية تقشعر لها الأبدان، ولولا اللاسامية الغربية لما قامت دولة يهودية في الشرق الأوسط

يجب أن يكون واضحا -برأي المؤلفة- كيف وصلت الفكرة الصليبية إلى أن ترتبط ارتباطا واضحا ومباشرا بالنزاع الحالي في الشرق الأوسط، ففي بداية رحلتهم إلى ذات جديدة لهم ذبح الصليبيون اليهود، وفي نهاية حملتهم المرعبة ذبحوا المسلمين في القدس بوحشية تقشعر لها الأبدان، وكان الحقد على اليهود والمسلمين قد انغرس عميقا في الهوية الغربية، ولولا اللاسامية الغربية لما قامت دولة يهودية في الشرق الأوسط.

وشهد القرن الثامن عشر حقبة قومية ملتهبة، وظهر اليهودي عدوا للشخصية القومية، وفي ألمانيا تشكلت قومية قائمة على الشعب وليس الحضارة والمدينة، وهذه الرؤية جعلت اليهود عدوا أساسيا للروح الألمانية، وفي خضم هذه البيئة القومية المحمومة راح اليهود يلتمسون لأنفسهم حلا قوميا، وكانت الفلسفة الأساسية للحل القومي هي إعادة الاتصال المادي بأرض آبائهم، ونشأت الحركة الصهيونية.

كانت الهجرة الأولى إلى فلسطين بدوافع صهيونية في ثمانينات القرن التاسع عشر، وعندما تبلورت الحركة الصهيونية حركة سياسية ذات شرعية ومعترفا بها لدى كثير من الحكومات وقادة الدول في أوروبا، كانت الفكرة الأساسية هي وطن قومي لليهود، وليس بالضرورة أن يكون هذا الوطن هو فلسطين، بل يمكن أن يكون في سيناء أو أفريقيا.

وعندما انتزع البريطانيون فلسطين من الأتراك عام 1917 لم يكن الفلسطينيون قد أخطروا رسميا بإعلان بلفور، وقد حيا الكثيرون منهم بريطانيا متأملين أن أياما أفضل تنتظرهم في المستقبل. وهكذا فقد وصف الشاعر على الريماوي العهد التركي الطويل بالمظلم في قصيدة نظمها عام 1918، وأشار إلى أن الفلسطينيين والعرب يعلقون آمالا على البريطانيين.

وتبدي قصيدة لمعروف الرصافي نظمها عام 1920 بمناسبة قدوم المفوض السامي هربرت صموئيل ونفى فيها أن يكون العرب يكرهون اليهود:

ولسنا كما قال الألى يتهموننـا*** نعادي بني إسرال في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهــم*** يمت إسماعيل قدما بنو فهر
ولكنا نخشى الجلاء ونتقــي*** سياسة حكم يأخذ القوم بالقهر

ولكن جرت الأحداث بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين كما هو معروف، فقد بدأ اليهود يتدفقون إلى فلسطين حتى أعلنوا قيام دولتهم عام 1948، وهجر مئات الآلاف من الفلسطينيين من أوطانهم، وهدمت قراهم ومحيت من الوجود، واستبدل بها قرى بأسماء عبرية، وتحول النزاع العلماني على الأرض مرة أخرى إلى نزاع ديني وحرب مقدسة.

وتقول المؤلفة "إنه من الأهمية أن ندرك ما قد يعنيه هذا التصعيد في العنف ذي البواعث الدينية بالنسبة للشرق الأوسط، وأحسب أن قصة الحملات الصليبية والاستجابة الإسلامية لتحدياتها، يمكن أن توفر لنا بعض الدروس والعبر القيمة، ليس لأن التاريخ يكرر نفسه، بل لأن اليهود والمسلمين الذين يتحاربون اليوم تتملكهم العديد من نفس الهواجس والأهواء التي كنا نجدها لدى جنود الرب المحاربين في سبيل دينه حين زحف الصليبيون على القدس لتحرير قبر المسيح".

الدوافع الحقيقية للحرب الصليبية
من رواد الحرب الصليبية على الشرق غودفري ولي عهد دوقية اللورين التي قضى عليها الإمبراطور هنري الرابع وعين غودفري وكيلا لها. ولم يكن له مستقبل في الغرب، فقد كان على وشك أن يطرده هنري الرابع من منصبه، وجاء غودفري على رأس أول جيش صليبي ليكون أول حاكم صليبي للقدس.

ومنهم أيضا بوهيموند أحد إقطاعيي دوقية أبوليا جنوب شرق إيطاليا، والذي وجد في الحرب الصليبية فرصة للمجد والثراء في الشرق. وروبرت أوف نورماندي الابن البكر لوليام الفاتح، والذي فشل في صراعه مع أخيه في وراثة عرش أبيه، وعندما عاد من الحروب الصليبية وضعه أخوه في السجن ليقضي بقية حياته فيه. ومنهم بالدورين الذي خسر كل أملاكه وفشل في أن يكون رجل دين. وكان هؤلاء يقودون جيشا من الغوغاء يحلم بالسلب والنهب والثراء.


عندما وصل الصليبيون إلى القدس ودخلوها قتلوا كل من وجدوه في طريقهم من رجال ونساء وأطفال كما لو كانوا يستعيدون المشهد التوراتي الذي صور دخول يوشع بن نون للمدن والمناطق نفسها قبل ألفي عام

وهكذا فقد امتزجت في الحرب الصليبية الدوافع الشخصية والمغامرة والمثل المسيحية فكانت هذه الحملات. كما أوصلت تداعياتها وتطوراتها حالة من المساواة الجديدة المفروضة بين الفقراء والعاديين من الأوروبيين وبين الفرسان والنبلاء الذين جعلتهم المحنة والغربة والحاجة متساوين تماما، مما أعطى الفقراء فرصة بالشعور أنهم من الصفوة، وكانت غنائم بعضهم من الوفرة التي تجعلهم في مصاف النبلاء وتحررهم من شعور طويل متراكم بالمذلة والعبودية، وتعززت فكرة الصليبيين الفقراء الباحثين عن العدالة والمساواة.

وعندما وصل الصليبيون إلى القدس ودخلوها قتلوا كل من وجدوه في طريقهم من رجال ونساء وأطفال كما لو كانوا يستعيدون المشهد التوراتي الذي صور دخول يوشع بن نون للمدن والمناطق نفسها قبل ألفي عام.

وذكر ريمون داغويليه الذي كان يرافق الحملة أن رؤوس الناس كانت تقطع ويلقى بجثثهم في الشوارع، وحرق الكثير وعذبوا وألقي بهم من أبراج المدينة. وأما هيكل سليمان حيث تقام خدمة الرب فربما كان المشهد -كما يروي داغويليه- جذلا لا يصدق، فقد غاص الرجال حتى الركب وأعنة الخيل في الدماء، وقتل في يومين زهاء 40 ألفا من أهل المدينة.

وجرى تعزيز الوجود الصليبي بفرق من الفرسان المقاتلين الذين استولوا على القلاع والحصون، وأقاموا نظاما خاصا اقتبسته بعد مئات السنين المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية.

وفي المقابل فقد كان المؤرخون المسلمون الذين كتبوا عن الحروب الصليبية يرونها حملات عسكرية توسعية اقتصادية ولم يربطوها أبدا بالدين المسيحي، غير أن عماد الدين زنكي بدأ حملة مضادة لمواجهة الصليبيين، واستعيدت من جديد قيم الجهاد وأفكاره لتجميع المسلمين في مواجهة الصليبيين، وتحولت الحرب لدى المسلمين من علمانية للتحرير والدفاع إلى حرب ممزوجة بالكرامات الدينية، وتصاعدت الوتيرة الدينية للحرب بمجيء محمود نور الدين زنكي بعد مقتل أبيه عماد، فقد كان محمود بخلاف أبيه متدينا.

وفي تلك الأثناء تدفقت الهجرة اليهودية إلى الشرق هربا من مذابح الصليبيين، وجاء موسى بن ميمون إلى مصر مع والده وكان طفلا في الخامسة من عمره، فتعلم الطب هناك وبرع فيه، وصار طبيب صلاح الدين الأيوبي، كما كان أيضا أحد أهم المراجع الدينية حتى اليوم لدى اليهود، فقد أنشأ حلما يهوديا -ولعله كان في ذلك متأثرا بالصراع على القدس- بقيام دولة لليهود على أرض إسرائيل تحكمها التوراة.

تنحو الحرب المقدسة اليهودية منحى الحرب المقدسة المسيحية، حتى إن الصهاينة المتدينين يبدون كما لو أنهم يستعيدون ويقتبسون النموذج الصليبي، ويبدو أن الحرب الصليبية ساعدت في تشكيل الصهيونية الدينية تماما كما أنشأت اللاسامية المعادية لليهود.

الحملة الصليبية الثانية
حشد برنار رئيس دير الرهبان في كليرفو منطلقا من فرنسا لحملة صليبية ثانية عام 1146 بعد 50 سنة من الحملة الأولى بهدف إعادة الرهان إلى الحظيرة الصليبية بعدما استولى عليها عماد الدين زنكي.

والواقع أن الحشود الصليبية القادمة من الشرق لم تتوقف منذ بدأت عام 1099، ولكن هذه الحملة المشار إليها بالثانية لدى المؤرخين ينظر إليها باعتبارها واحدة من الحملات الثماني الكبرى التي كان ينفر لحشدها البابوات والأساقفة والقادة والنبلاء.

ولكن حدثت تفاعلات سياسية وخصومات ومنافسات جعلت الإعلان عن حرب صليبية جديدة مخرجا من الأزمة ووسيلة للتخلص من المنافسين، كما في التنافس بين برنار راعي الحملة الصليبية وبين منافسه الفيلسوف ورجل الدين بيير إبيلار. ووجد ملك فرنسا الشاب لويس في الحملة مخرجا لأزمته الشخصية والنفسية بعد المذبحة الهائلة التي نفذها بحق أبناء مدينة فييتري التابعة لمملكته.

وحرضته على الحملة زوجته الشابة الغنية التي كانت أكثر منه ثراء، وعندما تزوجته وانتقلت من الجنوب إلى باريس وجدتها كئيبة لا تطاق، فقد كان الجنوب الفرنسي أقرب إلى العلمانية وأرفع ثقافة من الشمال، فهي كانت تتقن عدة لغات وتنظم الشعر ودرست الفلسفة والعلوم المعاصرة، في حين لم يكن زوجها الملك لويس يملك من الثقافة إلا شيئا ضئيلا وتافها.

وتحركت الحملة من ألمانيا وهي تواصل أعمال النهب والسلب وذبح اليهود والمسلمين في كل النواحي التي تمر بها، وفي جبال طوروس أجهز الأتراك السلاجقة على تسعة أعشار الحملة.

وأما الجانب الفرنسي من الحملة بقيادة لويس فهي وإن كانت أكثر انضباطا فإنها اضطهدت جميع السكان الذين مرت بهم بمن فيهم المسيحيون الأوروبيون.

وانضم إليه بقايا الجيش الألماني بقيادة الملك كونراد، وتعرض الجيش لمناوشات متواصلة مع الأتراك طوال الطريق، وأرهقه الجوع، ووقع خلاف كبير مع الإمبراطور البيزنطي مانويل الذي ضاق ذرعا بالصليبيين، وكان يفضل الصلح مع المسلمين بدلا من تموين جيوش هائلة همجية، وبخاصة في الشتاء عندما تكون المؤونة لا تكفي أصحابها.

وعندما وصل الجيش إلى أنطاكية قرر قادته استخدام البحر لتجنب الصراع الطويل والمتراكم مع المسلمين، ولكن السفن لم تكن تكفي الجيش ومرافقيه من الحجاج وعائلاتهم، فاقتصر تحميل السفن على الفرسان والنبلاء وترك الفقراء وعائلاتهم يواجهون مصيرهم، وهكذا فقد اختفى هؤلاء من التاريخ، ولا يعرف عنهم شيء بعد ذلك، فقد قتلوا واستعبدوا أو اختفوا في وسط المجتمع الإسلامي مهاجرين فقراء ذليلين.


لم يقتل مسيحي واحد من المدنيين بعد معركة حطين، ومازال صلاح الدين موضع تقدير العالم المسيحي، ونسجت حوله الأساطير الضخمة إلى حد اعتباره أحد القديسين المسيحيين

ومرض الملك كونراد فاضطر للرجوع إلى القسطنطينية، حيث اعتنى به الملك مانويل برغم أن كونراد كان قد هدد بتدمير مملكته، وعندما وصل لويس مع جيشه إلى أنطاكية أمضى مع جنوده فترة من الاسترخاء واللهو، واستمتعت إليانور زوجة الملك لويس بأنطاكية كثيرا فقد وجدتها مترفة عامرة وتشبه الجنوب الفرنسي، كما التقت هناك ريمون صديق طفولتها، واستعادا معا أيام الجنوب تاركين الملك في غيرته وعباداته الكثيرة الطويلة.

واختلف لويس مع ريمون الأنطاكي فأبحر نحو عكا مختطفا زوجته بالقوة، وترك ريمون ليلاقي حتفه على يد جيش نور الدين زنكي. وصدم الصليبيون القادمون حين وجدوا أسلافهم الصليبيين قد استقروا في الشرق وتزوجوا من مسلمات وبدؤوا يندمجون في حياة الشرق ومجتمعاته، ولكنهم استنفروا مرة أخرى على يد الصليبيين الأكثر حماسة وتدينا، ولكن جيوش المسلمين كانت هذه المرة أكثر حماسة وتنظيما بقيادة نور الدين زنكي.. وفشلت الحملة فشلا قاسيا.

وخلف صلاح الدين الأيوبي نور الدين زنكي مدشنا حربا شاملة على الصليبيين، وأصبح الوجود الصليبي في الشرق ضعيفا وهامشيا، فقد أوقع صلاح الدين جيوش الصليبيين في فخ بالغ الإحكام والذكاء وأباده تقريبا عن بكرة أبيه، وسقطت القدس تلقائيا بعد معركة حطين عام 1186 بيد صلاح الدين الأيوبي، وجرت بعد ذلك عمليات واسعة لإطلاق سراح بقايا الصليبيين من الأسرى وجمع شملهم بعائلاتهم، ونقلهم إلى بلادهم أو بقايا مدنهم على البحر المتوسط مثل عكا وصور.

وتقول المؤلفة إنه لم يقتل مسيحي واحد من المدنيين بعد معركة حطين، ومازال صلاح الدين موضع تقدير العالم المسيحي، ونسجت حوله الأساطير الضخمة إلى حد اعتباره أحد القديسين المسيحيين.





د.فالح العمره 15-09-2006 05:14 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الحروب الصليبية ... اعتذار أم تكرار ؟


قال صاحب كتاب ( التنصير – تعريفه – أهدافه – وسائله – حسرات المنصِّرين ) :
يُريد النصارى أن ينسى المسلمون الحروب الصليبية حتى تزول الحواجز النفسية التي يظنون أنها هي التي تحول بينهم وبين النصرانية
ومن أجل ذلك انطلقت من أوربا ( مسيرة مُصالحة ) نصرانية للاعتذار للمسلمين عن الحملات الصليبية ، وقد بدأت هذه المسيرة عام 1996 م في فرنسا ، ثم تبعها في ألمانيا حوالي 1000 شخص عام 1997 م معظمهم من سلالة الصليبيين ، وقد زارت هذه المسيرة تركيا ولبنان ، والتقت بعض المسؤولين وبعض المارّة وقدّمت لهم بعض الهدايا مع اعتذار شفهي عن جرائم أجدادهم الصليبيين !! الذين غزوا المنطقة قبل تسعمائة سنة ، وارتكبوا فيها المجازر وألحقوا بالبلاد الدمار .
ومضى صاحب الكتاب قائلاً :
فهل يظن النصارى السذّج أن المسلمين ينسون ذلك التاريخ بهدية تافهة واعتذار بارد ؟؟
فهلا أقاموا مُدناً في بلاد المسلمين عما دمّروه ؟
وهلاّ قدموا إعانات مالية لأبناء المسلمين ؟
وهلا قدموا تدريبا تعليميا وتقنيا ؟
وهلا قدموا رعاية مالية للمعوزين والأيتام ؟
كما يُقدّمون اليوم لليهود ضريبة لما ارتكبوه في حقـّهم – كما افترى ذلك اليهود !! ( يعني بذلك ما يسميه اليهود قضية الأفران !! زعموا )
ولكن هل نَسيت تلك المسيرات النصرانية أن دماءنا لا زالت راعفة في البوسنة والهرسك ؟
وأن جراحنا لا زالت دامية في كوسوفا ؟
وأن إخواننا المسلمين في تلك البلاد يسكنون الخيام بعد أن دَمّرت النصرانية بيوتهم ؟
فمتى ستتجوّل مسيرة مُصالحة أخرى عن هذه الجرائم ؟؟
انتهى كلامه .

وعليه أقول :
هل نسينا دماءنا النازفة في الشيشان بمباركة العالم الغربي .
وإن نسينا كل جرح فلن ننسى جرح الأمة الغائر . جرح الأقصى
وجراحنا التي لا زال ينكؤها النصارى في جُزر الملوك بأندونيسيا
فيُحرقون المساجد على من فيها ، ثم تُجرف الجثث كما تـُجرف النفايات
( انظر موقع www.malukujihad.cjb.net يأتيك بالخبر اليقين )
وغيرها ... الكثير الكثير من جرائم النصارى في حق المسلمين بل في حق الإنسانية .
وكل ذلك يتم تحت سمع وبصر العالم الغربي ( المتحضّر ) دونما نكير أو تشدّق بحقوق الإنسان ؟؟!!

وما بال عظيم الروم ( هرقل ) يُريد أن يُعيدها جذعة !!
ما باله يُريد أن يُعلنها حروبا صليبية ؟؟
أيُريد – بزعمه – حرب الإرهاب أم توليد الإرهاب ؟!!
ما بال وزير دفاعه يُعلن أن الحرب ستشمل ( 60 ) بلدا ؟؟!!

فإذا ما كان له ما يُريد ، وإذا ما سيّرها حروبا صليبية
فمتى سيُقدّم الاعتذار البارد ؟!!
ومتى ستـُـقدّم لنا ورود ( السلام ) وهدايا ( التعايش السلمي ) !!

ومتى سيندمل جرح أمتنا ؟!!
ومتى ستـُفيق أمتي لتعلم علم يقين أن النصارى هم النصارى ، وأن اليهود هم اليهود ؟
وأن تتذكّر جيدا عداوة العدو المتربص وهي تستعيذ بالله من سلوك صراطه في كل يوم ( 17 ) مرة ( غير المغضوب عليهم ) اليهود ( ولا الضالين ) النصارى .
وأن تعي ( ولن ترضى )

قال الدكتور الشاعر يوسف أبو هلالة :

أنا أقسمـت بالذي ذرأ الكـون مـن عـــــدم
وكسى ثوب عـزة كل من بالهدى اعتصــم
ورمــى مدمـن الضـــلال بســوط النقــــم
إن قنعــنا بسخفـنا وركــنّا إلـى النـعــــــم
فخطى الخصم ماضيات من القدس للحرم
عندهـــا يندم الجمــيع ولا ينفــــع الــندم

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

د.فالح العمره 15-09-2006 11:10 PM




العرب..و الصهاينة

دروس التجربة الصليبية
ــــــــــــــــــــــــــــ

عبد العال الباقوري*



بعد حوالي سبعة قرون على انتهائها، في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، وتسعة قرون على إعلانها وبدئها (في أوخر القرن الحادي عشر)، لاتزال"الحروب الصليبية"، فكرة وأحداثاً، تلقى إلى اليوم بتأثيراتها على الفكر العربي، الإسلامي من ناحية، ومن ناحية أخرى على جناح أو آخر من الفكر الأوربي متفرعاً عنه وتابعاً له "الفكر الصهيوني". واليوم، لا يكاد يتذكر عربي أو مسلم"الحروب الصليبية" إلا وطافت بذهنه"الغزوة الصهيونية"، والعكس صحيح.



و"الحروب الصليبية" تجربة تاريخية، لها، ككل تجربة تاريخية، دروسها المستفادة، والمفيدة. ومن المؤكد أننا لا نبحث عن شفاء أمراضنا الحالية في أحداث ما ضينا. للماضي منطقه، وللحاضر منطقه. ولكن أوجهاً من وجوه التشابه بين الأحداث واردة. وعند هذا الحد يجب التوقف بإمعان لاستخلاص الدروس: لماذا حدث ما حدث؟ وكيف حدث؟ وهل، أو حتى، كيف"يمكن" أن يحدث ثانية (أو حتى يتكرر ؟) في ظروف مغايرة، وأجواء مختلفة.



إن أحداَ من العرب لا ينتظر صلاح الدين ولا عودة عماد الدين زنكي أو بيبرس أو قلاوون، إن هؤلاء لا يعدوننا بمستقبل أفضل، إلا إذا خلقنا الظروف التي تلد أمثالهم اليوم، بكل ما في كلمة "اليوم" من تبعات[1].



وفي الوقت نفسه فإن"التجربة الصليبية" هاجس وشبح يؤرِّق الصهاينة، ويكاد يقض مضاجع بعضهم، سياسيين وعسكريين ومفكرين، ويدفعهم إلى دراسة هذه التجربة دراسة عميقة مستفيضة، بغرض استنباط الدروس المستفادة، للأخذ بها وتطبيقها، لعل ذلك يكون حائلاً ومانعاً دون أن تلقي الظاهرة الصهيونية المصير نفسه الذي لقته الظاهرة الصليبية.



التطابق ليس وارداً بين ظاهرتين تاريخيّتين في سياقين زمنيين مختلفين، وفي إطارين دوليين لا يمكن أن يتشابها، ولكن حديث"الدروس المستفادة" قد يغري بالإغراق في حديث"المشابهة"، خاصة وأن هناك وجوهاً كثيرة ومفردات عديدة تبدو"متشابهة" بين تجربة أمس وظاهرة اليوم، ولا نزال، نحن العرب، نفتقد وجود دراسة شاملة تلم بأطراف ذلك، وتغوص في أعماق أدق التفصيلات، وعلى الرغم من أننا نتحدث كثيراً عن مصير الصليبيين فإن غالبية كتاباتنا بأن الصهاينة سيلقون نفس المصير تصدر ذلك وكأنه حكم نهائي بات، وتكتفي بالاهتمام بالمشابهة أكثر من اهتمامها بالدروس المستفادة[2].



وأوجه التشابه بين التجربتين شديدة الإغراء لمن يريد أن يطرقها، وهي ليست مدار بحثنا هنا، حيث تكفي نظرة طائر يحلق، يرى الأحداث في مجراها ومسارها، لا يعددها ولا يفصِّلها، ولكن يضعها في الاعتبار، ويختزنها خلفية لاستخلاص الدرس، دون أن يتردد في طرح التساؤل عن إمكانية "التكرار" في ظل ظروف متغيرة، وأحوال مغايرة، وأجواء متقلَّبة، وقيادات مختلفة، فما يحدث اليوم لا يمكن أن"يكرَّر" صورة ما حدث أمس. دون أن نسقط من الاعتبار أن الأرض التي دارت فوقها أحداث أمس هي الأرض نفسها التي تدور فوقها أحداث اليوم. فهل التاريخ هو ظل الأحداث فوق هذه الرقعة الجغرافية، أي فلسطين، بوابة مصر الشرقية، وجنوب الشام، ومن يسيطر عليها يؤِّثر عليهما؟



ظاهرتان ومقارنة

لا يتردد الدكتور قاسم عبده قاسم، وهو واحد من أهم المؤرخين العرب المعاصرين اهتماماً بـ"الحركة الصليبية" في أن يصف هذا المصطلح بأنه"المصطلح المضلل المربك"[3]، ويشرح أسباب ذلك مشيراً إلى أن أحداث هذه الحركة بدأت في السابع والعشرين من شهر نوفمبر 1095م بالخطبة التي ألقاها البابا "أربان الثاني" في كليرمون في جنوب فرنسا[4]، داعياً إلى شن حملة تحت راية الصليب ضد المسلمين في فلسطين. ودارت رحى أحداث امتدت أكثر من قرنين.



وإذا كان الذين انخرطوا في هذه الحروب قد خاطوا على ستراتهم صلباناً من قماش، إلا أن حركتهم لم تحمل صفة "الصليبية" إلا في أوائل القرن الثالث عشر، واستخدمت بدلاً من ذلك مصطلحات أخرى مثل "رحلة الحج" و"الرحلة إلى الأرض المقدسة" و"الحرب المقدسة"[5] وبالمثل، لم يستخدم المؤرخون العرب الكبار المعاصرون لهذه الحروب مصطلحات مثل "الصليبيين" أو "الحملة الصليبية" أو "الحرب الصليبية" بل استخدموا تعبيرات مثل "حركة الفرنج"[6].



وقد أخذت هذه الحروب شكل "حملات" تعددت فوصلت إلى سبع أو ثماني حملات، بدأت أولاها في 1096، وخرجت الأخيرة منها من أوروبا في 1250. وقد نجحت"الحركة الصليبية" في إقامة"مملكة بيت المقدس" وعدد من الإمارات الصليبية الأخرى. لم يكن مسرحها فلسطين وحدها أو المشرق العربي ـ الإسلامي فقط، إنما كان حوض المتوسط بأكمله، بجزره وشواطئه العربية والإسلامية"[7].



ولم يقف بعض قادة هذه الحملات عند هذه الحدود، بل مدّوا أبصارهم إلى ما وراءها، وصولاً إلى المقدسات الإسلامية في الحجاز، ويرى أغلب المؤرخين أن هذه الحروب قد انتهت بتحرير عكا واستعادتها في 1291، بينما يرى آخرون أنها امتدت إلى القرن 15، ويعتبر فريق ثالث من المؤرخين العرب أن هذه الحروب لا تزال مستمرة إلى اليوم[8] ويعتبر الحرب في أفغانستان والعراق "حرباً صليبية".[9]. وقد أصبح تعبير "حرب صليبية" متداولاً ويُضرب مثلاً كدلالة على أية حرب "ضروس" أو طويلة الأمد، ودون أن يعني أنها حرب مقدسة، بل يكاد العكس يكون صحيحاً[10].



أما"الحركة الصهيونية فتعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، وهي ترتبط بكلمة "صهيون" وهو جبل يقع في شرق القدس، وهي، باختصار شديد، تعني إقامة "مجتمع يهودي محض" في فلسطين[11] أو في حدود الأرض الموعودة، التي يزعم اليهود أنه يحق لهم أن يعودوا إليها. ويعتبر كثيرون المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا، وقيام "المنظمة الصهيونية العالمية" بداية لوجود "الصهيونية السياسية" بينما يرون أن "الصهيونية الدينية" أقدم من ذلك بكثير. وعلى الرغم من أن فلسطين لم تكن منذ بدء الحركة الصهيونية هي الهدف لإقامة "الدولة اليهودية" إلا أن الأنظار والأفكار والأعمال الصهيونية تركزت عليها منذ العقد الأول من القرن العشرين، وتأكد ذلك بشكل خاص منذ صدور وعد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا في 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وحين حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين بدأت تطبيق ذلك عملياً، إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع تدويل منطقة القدس، ثم انسحبت بريطانيا فجأة من فلسطين وأعلن الصهاينة في 15 أيار 1948 إنشاء كيان أسموه "إسرائيل" والتي خاضت منذ ذلك الوقت عدة حروب، وتوسعت إلى أن سيطرت على كامل الأرض الفلسطينية في عدوان حزيران 1967، كما استولت على سيناء المصرية والجولان السورية، التي لا تزال محتلة إلى اليوم (كانون الأول 2003) أما سيناء فقد جلت إسرائيل عنها في الفترة الممتدة من 1979ـ 1982، بناء على معاهدة وقعتها مع مصر في آذار 1979، أصبحت سيناء بمقتضاها منزوعة السلاح، ولا تزال كامل الأرض الفلسطينية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.



وقبل أن نتطرّق إلى أية مقارنة بين التجربتين الصليبية والصهيونية، نلاحظ بداية أن الصليبيين قد امتلكوا بعد فترة قصيرة من بداية غزوهم "الجانب الأكبر من فلسطين وساحل الشام"، وهي رقعة بلغ امتدادها من الشمال إلى الجنوب نحو خمسمائة ميل، وبلغ عرضها حوالي خمسين ميلاً[12] وتكاد خريطة "الكيان الصهيوني" كما حدّدها قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 1947 تتشابه إلى حد كبير مع خريطة "مملكة بيت المقدس الصليبية" التي أنشئت في 1099[13] وإذا كانت الحركة الصليبية "مغامرة استيطانية متعصّبة"[14] فإن ذلك ينطبق أيضاً على الحركة الصهيونية، وإذا كانت الأولى قد خرجت تحت شعار الدعوة إلى تخليص قبر السيد المسيح عليه السلام، فإن الثانية خرجت تحت شعار الدعوة إلى استرداد الأرض التي منحها الرب لإبراهيم عليه السلام.



وإذا كان هناك من يرى أنه لا وجه، أولا ضرورة، بتعبير أدق، للمقارنة بين الحركتين، على أساس أن كلاً منهما حدثت في عالم يختلف كلية عن عالم الأخرى، فهناك من يرى بين الظاهرتين تطابقاً كاملاً أو تشابهاً يصل لحدّ التماثل! ويرى البعض[15] في الحركتين تشابهاً مثيراً للدهشة ويعتبر الفروق بينهما ليست شيئاً يذكر أمام أوجه الشبه المثيرة.



ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى عقد مقارنات بين الأشخاص أو القيادات في الحركتين، وبين الشعارات، أو الرموز والسلوكيات، فضلاً عن تشابه الخرائط الذي سبقت الإشارة إليه[16]. ومما لا شك فيه أننا لسنا إزاء ظاهرتين متطابقتين حتى لو كانتا قد حدثتا فوق الأرض نفسها، ولكن في زمنين مختلفين. وفي الوقت نفسه لا يمكن نفي وجود أوجه للتشابه وأخرى للاختلاف بين الحركتين، مما يجعل الدروس المستفادة أمراً وارداً، ويستحق الاهتمام، وحتى هذه الدروس تظل مجرد مؤشرات قد تعين في وضع وبلورة الرؤية العلمية والعملية التي تكفل لنا مواجهة الظاهرة الصهيونية، ومكافحتها، والتغلب عليها. وهذا أمر ممكن، وفي مدى أقصر زمنياً مما عاشته "الإمارات"الصليبية فوق أرضنا.



الحركة الصليبية: كيف يراها الصهاينة والعرب؟

من المؤكد أن للصهاينة رؤيتهم وتقويمهم الخاص للحركة الصليبية، كما أن للعرب رؤيتهم وتقويمهم، فقد اهتم الصهاينة منذ وقت مبكِّر بدراسة الحركة الصليبية، سعياً لإثبات أنها ظاهرة غير قابلة للتكرار من ناحية، وبحثاً عن الأخطاء ونقاط الضعف في هذه الظاهرة كي يتجنّبوها، ونقاط القوة في الجانب العربي الإسلامي (في مواجهة الصليبيين) ليحولوا دون وقوعها، ظناً منهم أن هذا سيحول دون أن يلقوا مصير الصليبيين. ليس أدل على هذا، من الناحية الأكاديمية، من أن البروفيسور "يوشع براور" هو أستاذ تاريخ "العصور الوسطى والحروب الصليبية" بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة[17] ونحن الذين شُنت هذه الحروب ضدنا وجرت فوق أرضنا، ندرس هذه الحروب في إطار العصور الوسطى، ولا أعرف جامعة عربية تخصّص كرسياً للعصور الوسطى والحروب الصليبية! إن هذا لا ينبع من فراغ، خاصة إذا تذكرنا أن "براور" هذا حصل في 1969 على أهم جوائز رئيس الدولة في "إسرائيل" لأنه "أثبت"(!) أن السابقة الصليبية لن تُكرر مع"إسرائيل"[18].



وعلى الرغم من أن المكتبة العربية حول الحركة الصليبية شهدت في الربع الأخير من القرن الماضي وفرة في الدراسات والبحوث والكتب، إلا أنها لاتزال تفتقر إلى اليوم إلى دراسة عربية عن الكتابات الصهيونية والإسرائيلية حول الحركة الصليبية وفي الدراستين المترجمتين إلى العربية واللتين كتبهما "يوشع براور" لا نجد إلا سطوراً تعد على أصابع اليد الواحدة عن الرجل وعن الكتابات الإسرائيلية الأخرى[19].



الصهاينة والحركة الصليبية:

سأحاول هنا تجميع شتات بعض النظرات الإسرائيلية في الحركة الصليبية:

اسحق رابين[20]: في احتفال أقيم بمناسبة الذكرى السبعين للمؤتمر الصهيوني الأول في بال، ألقى رابين في أيلول 1967 خطاباً أعرب فيه عن قلقه من أن السابقة الصليبية قد تتكرر. وبعد أن قارن الحركتين الصليبية والصهيونية، قال: "إن أكثر ما أخشاه على إسرائيل هو أن تذبل، إذا أصابها جفاف في الهجرة، كما حصل مع الدولة الصليبية".[21].



وكان رابين عند إلقاء خطابه هذا لا يزال رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، يحمل لقب "المنتصر" وحين يكون مهندس عدوان 1967، وقائد نصره غير المستحَق مؤرَّقاً إلى هذا الحد بالسابقة الصليبية، فإن هذا يبين مدى قلق الإسرائيليين على كيانهم، ومدى انزعاجهم من أن يلقوا المصيرالذي لقيه الصليبيون من قبل.



شيمون بيريز[22]: في 1998، وبمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء الكيان الصهيوني أصدر كتاب "الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل"[23] وهو عبارة عن حوار مع الوجوه والأجيال والأماكن في صحبة "تيودور هرتزل" ليرى الدولة التي دعا إلى إنشائها، وكيف أنها فاقت المثال الذي تصوره. وفي هذا الكتاب يتحدث بيريز إلى صاحبه عن تكوين الجيش الإسرائيلي ودوره في الحياة الإسرائيلية، حيث رفضت"إسرائيل" إقامة نظام عسكري. يقول بيريز مخاطباً هرتزل: "لم نكن حتماً، وكما بطريقة عجائبية، محصَّنين ضد هذا الخطر، ليس فقط لأن مجتمعنا يحتضن جماعات وأحزاباً تحبّذ ظهور أنظمة استبدادية وتؤثر العسكريين على المدنيين، لكن كأن التاريخ المضطرب للأراضي المقدسة ينشئ في هذا المجال سوابق خطرة". ويضيف بيريز أن هرتزل سوف يفهم هذا تماماً فيما لو أخذه مصادفة للنزهة قرب قيسارية أو عكا للتمتع برؤية آثار القلاع الضخمة التي بناها الصليبيون القادمون من أوربا، ويصف هذه القلاع بأنها المعالم الأخيرة على وجود أولئك "الفرسان" في هذه الأمكنة، وقد عاشوا على الدوام في إطار الدول الفرنجية في المشرق، وكان همهم الوحيد الاستمرار في محيط مناهض، بعيداً عن الأهواء الدينية وفكرة دوام ملك المسيح على الأرض لألف سنة حتى قيامة الموتى، وفقاً لما أوحت به الحروب الصليبية. خلال تجوالنا يمكنني أن أشرح له أن من غير باب الصدفة أن يكون أفضل إخصائيَين مشهورَين عالمياً في تاريخ دولة الفرنجة كانا العالمَين القروسطيين الإسرائيليين "آريي نمرا بويس" و"جوشوا بروسي" وكان لهدف دراستهما وسيلة لتأريخ المتناقضات القائمة في مجتمعهما. ولأننا كنا على اطّلاع على أخطار مثل هذا الانحراف، فقد تمكنا من تحاشي أن تشهد إسرائيل المصير المأساوي الذي عرفته الدول الفرنجية، إذ إن عسكرتها التدريجية لم تمنع من زوالها في النهاية. لقد اخترنا، بالعكس، الديمقراطية التي تشكل السلاح الأفعل والأمضى لضمان بقائنا." [24].



بنيامين نتنياهو[25]: تولى رئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني في 1996، وعندئذ ذاع وانتشر كتابه الذي تُرجم إلى العربية بعنوان "مكان تحت الشمس"[26] وهو كتاب نموذجي في قلب الحقائق، من رجل جمع التطرف من جميع أطرافه[27] وقد أشار نتنياهو إلى "الحروب الصليبية" عدة مرات في كتابه، من أهمها قوله (ص174): "إن الانتصارات التي حققتها المسيحية الغربية وقدرتها على الصمود في وجه أحلام التوسع العربي ـ الإسلامي، جعلتها العدو الرئيس للعرب، طيلة أجيال عديدة. كما تلقّى العرب إهانة أخرى في عام 1099، عندما سقطت القدس بأيدي الصليبيين الذين كانوا أقل منهم عدداً، لكنهم أكثر منهم تنظيماً. لكن صلاح الدين استطاع إلحاق الهزيمة بالصليبيين في معركة حطّين عام 1187، تلك الهزيمة التي أنهت الوجود الصليبي في "أرض إسرائيل" لكن هذا النصر لم يعمَّر طويلاً، إذ سرعان ما احتلت المنطقة كلها من ـ قبل المماليك، ثم خضعت بعد ذلك لحكم العثمانيين مدة 400 سنة.."



وبعد صفحات قليلة وفي الصفحتين "179 و180" يعود نتنياهو إلى حديث الحروب الصليبية وصلاح الدين ويقول: "لقد اعتبر الزعماء العرب ـ المعادون للغرب دائماً وأبداً ـ الصهيونية معبراً وممثلاً للثقافة الغربية، وغرسة غربية تعمل على تقسيم العالم العربي، وما الصهاينة سوى صليبيين جدد".



"وهناك نغمة سائدة في العالم العربي تقول: إن توحيد العرب تحت قيادة صلاح الدين جديد وقذف "دولة الصليبيين" الجديدة إلى البحر هي مسألة وقت فقط". "وحقيقة أن إسرائيل، ترى بعلاقتها الغربية هذه، يمكن أن نلمسها بوضوح بتكرار اسم صلاح الدين على ألسنة صدام حسين، والأسد، وعرفات فقد قال عرفات قبل فترة:"إن منظمة التحرير الفلسطينية لا تطرح سلام الضعفاء، بل سلام صلاح الدين". "إن ما لم يقله عرفات هنا بوضوح، ويعرفه الشعب العربي جيداً، هو أن "سلام صلاح الدين" (أي الاتفاق الذي وقّعه مع الصليبيين). لم يكن سوى خدعة، إذ بعد هذا الاتفاق استأنف المسلمون هجماتهم على الصليبيين، حتى طردوهم نهائياً من الأرض المقدسة. من المحتمل إذن، أن يكون هذا هو السبب الذي جعل الرئيس حافظ الأسد يعلّق في مكتبه صورة كبيرة لصلاح الدين، بطل الانتصارات، الذي طرد آخر الصليبيين". "إن الرغبة في تكرار إنجازات صلاح الدين في الوقت الحالي، كانت دائماً مصدر وحى للهجمات المتكررة على إسرائيل، والعمل المستمر ضد أنظمة الحكم الموالية للغرب، والمحاولات العديدة لإنهاء الوجود الغربي في الشرق الأوسط على غرار ما حاولت العراق عمله بالكويت عام 91. ومثلما نجحت سوريا في عمله بلبنان..".



إن هذه قراءة صهيونية نموذجية للأحداث في الماضي، وفي الحاضر، وهي قراءة لا تقدمها إلا عقلية متعجرفة وعنصرية وكارهة للحقيقة مثل عقلية نتنياهو الذي يتحدث عن فلسطين في زمن الحروب الصليبية على أنها "أرض إسرائيل"، ويفصح عن جهله بأبسط حقائق التاريخ في تلك الفترة فيجعل صلاح الدين هو الذي طرد آخر الصليبيين، ويرى أن العرب خرقوا الهدنة بعد اتفاق أبرمه صلاح الدين إلى أن تمكّنوا من طرد الصليبيين نهائياً.



يوري أفنيري[28]: يبدي اهتماماً كبيراً ومن وجهة نظر صهيونية، بقراءة الحروب الصليبية. وقد برز هذا بشكل خاص في كتابة "إسرائيل دون صهاينة" وكرّس فيه فصلاً خاصاً عنوانه"الصهيونية والصليبيون"[29] وهو يعالج هذا الموضوع بنظرة أقل التواء من نتنياهو، وأكثر استقامة من بيريز، ولكنها تظل معالجة صهيونية خالصة.



يستوقف التشابه بين الحركتين الصليبية والصهيونية أفنيري الذي يشير إلى أنه قرأ كتاب"ستيفان رنسيمان" عن"تاريخ الحملات الصليبية"، وكان ذلك بعد سنوات من"حرب تحرير إسرائيل"، كما يذكر أنه حين وصل إلى الفصل الذي يتحدث عن تحصينات الصليبيين لحماية مملكة بيت المقدس من المصريين، مقابل قطاع غزة، أصيب باضطراب لأنه احتل المواقع نفسها عندما كان جندياً صغيراً في الجيش الإسرائيلي[30].



إن أفنيري، مثل جميع الصهاينة الذين كتبوا عن الحروب الصليبية، تهزه أوجه التشابه بينها وبين الحملة الصهيونية: "خلال قراءتي، كانت تبرز في ذهني مئات التشابهات الصغيرة والكبيرة. قد يؤدي ذلك إلى محاصرة العقل. لم يكتف المرء بتقريب الأحداث الهامة والمؤسسات، إنما يرد الشخصيات المعاصرة إلى الملوك والدوقات والفرسان. فيتساءل المرء أي إسرائيلي يطابق أمير الجليل؟ ومن هو دوق شرق الأردن؟..."، ويعلو صوته إلى حد الصراخ، حين يصل إلىأن "التشابه مثير للغاية" خاصة وأن هذا التشابه يبدو واضحاً، إذ "كان الصليبيون يبرعون في لعبة الحرب، شأن الإسرائيليين، إذ كانوا يعون أن أمنهم يكمن في سرعتهم في مقاومة هجوم العدو. إن مملكة الصليب، كمملكة نجمة داوود، استمرت في التوسع بواسطة الحرب، ولفترة طويلة، بعد إقامتها. كان الصليبيون يسيطرون في أوج توسعهم على مساحة تفوق مساحة الأرض التي احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة". ويقود هذا التحليل أفنيري إلى طرح السؤال الذي يثيره هذا التشابه، وهو: "هل انقراض الدولة الصليبية سيتبعه انقراض الدولة الإسرائيلية؟". ويجيب على ذلك قائلاً: "إن المقارنة بين الحملة الصليبية والغزو الصهيوني، بحد ذاتها ليست مدهشة.. إذ إن الصليبيين فشلوا. فبعد أن حاربوا طيلة أجيال ثمانية، أُلقوا إلى البحر ـ بكل معنى الكلمة ـ من قبل العرب".. إننا نفهم إذاً لماذا يخشى الإسرائيليون أن يبدو التشابه المتتابع إلى أقصى حدوده كإنذار بمقدور حتمي يؤدي في النهاية إلى التأثير الحقيقي على مستقبلهم التاريخي"[31].



وحين يسأل أفنيري نفسه: لماذا انقرضت الدولة الصليبية؟، يعود إلى العلاّمة"رنسيمان" و"تاريخ الحروب الصليبية"، ويقتبس منه: "ما وراء البحار، هكذا كان الأوروبيون يدعون الدول الصليبية، كان دائماً مكبلاً بين احتمالين. لقد تأسس بفضل خليط من الحمية الدينية ومن العطش إلى الأرض والمغامرة. إنما إذا كان عليه أن يدوم بشكل سليم، ما كان بإمكانه أن يظل تابعاً للغرب من حيث المال والرجال كان يتوجب عليه أن يمكن وجوده الاقتصادي الخاص. وماكان بوسعه التوصل إلى هذه النتيجة إلا بشرط التفاهم مع جيرانه.. فإذا كانوا محبين وميمونين، هو أيضاً سيكون محباً وميموناً.



غير أن ابتغاء صداقة المسلمين كان يبدو للصليبيين خيانة كاملة لتصورهم المثالي: أما المسلمون، فما كان بمقدورهم قبول فكرة وجود دولة دخيلة وأجنبية، في ما كانوا يعتبرونه أرضهم. إن الصليبيين في الواقع كدسوا الأخطاء، كانت سياستهم متقلبة ومتورعة. ولكننا لا نستطيع إدانتهم لكونهم لم يجدوا حلاً لمشكلة لم يكن لها حل في الواقع"[32].



إن كتابات أفنيري عن الحركة الصليبية هدفها تنبيه الصهاينة إلى عدم ارتكاب الأخطاء التي ارتكبها الصليبيون وأدت إلى نهايتهم.

إن هذا يبدو واضحاً من مقال كتبه عند غزو إسرائيل للبنان في حزيران 82، واستيلائها على قلعة الشقيف. إن دعوة أفنيري إلى الإسرائيليين تتلخص في الإقلاع عن استمرار الحروب والمعارك التي تستنزفهم، وعليهم بدلاً من ذلك أن يهتموا بالبحث عن السلام "الذي هو وحده يمكن أن يحقق لهم عهداً نظير عهد سليمان.. عندها ستكون إسرائيل مندمجة في منطقتها وستتحالف مع جيرانها من أجل السلم، مثلما حصل أيام سليمان"، حسب قوله في "إسرائيل دون صهاينة"[33].



ميزان المناعة والأمن القومي:

بدءاً من كانون الأول 2000 وإلى الآن شهدت "إسرائيل" سلسلة مؤتمرات عقدت في"المركز المتعدد الاختصاصات "هرتزليا" وهي مؤتمرات تركز أساساً على "الأمن القومي الإسرائيلي" وتعطي اهتماما ًخاصاً للهاجس الديموجرافي[34].



ولدي انطباع بأن هذه المؤتمرات كأنما تبحث في كيفية اجتناب المصير الذي لقيه الصليبيون من قبل. لا أعرف بالضبط من أين جاءني هذا الانطباع، ربما لأن بعض الموضوعات التي تعرّضت لها هذه المؤتمرات تكاد تعكس، بدرجة أو أخرى، بعض ما اتجه إليه أفنيري، أو لأني قرأت دون أن أتذكر أين قرأت أن بعض المتحدثين في المؤتمر الأول أشاروا إلى الحروب الصليبية.



على أية حال، ماذكرناه عن جهود صهيونية في دراسة الحركة الصليبية يبين مدى اهتمام الصهاينة بهذه التجربة، وما وصلت إليه، وكيف يعملون ويحاولون جاهدين لتجنب هذا المصير. ويلوح لي أيضاً، في ضوء ما سبق، أن الصهاينة يعكفون جاهدين على تتبع التجربة الصليبية في أدق تفصيلاتها من أجل الحرص على الابتعاد عن كل نقطة ضعف أصابت الجسد الصليبي، وأسهمت بقدر أو آخر في إنهاء الكيانات الصليبية بعد أن استمرت حوالي قرنين. ولعل تقصي التفصيلات الدقيقة يتضح من كتاب "براور" عن "مملكة بيت المقدس" والاستيطان الصليبي فيها، إنه يغوص في أعماق التجربة، ويقلبها من جميع نواحيها وجوانبها، ويكاد يستنطقها: تحدثي، ماذا حدث؟".



ومن أسف، أن الترجمة التي بين أيدينا، والتي قام بها أستاذ جامعي هو الدكتور عبدالباسط البنا، بكلية الآداب بجامعة الزقازيق المصرية، قد خلت من الهوامش والمصادر، ولذلك جاءت ناقصة ومعيبة، لأنها افتقدت جانباً مهماً لمن يريد أن يقف على المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف، وكيف وظفها لهدف ارتآه، وإن لم يفصح عنه، وهو أن التجربة الصليبية غير قابلة للتكرار بالنسبة لإسرائيل.



العرب والحركة الصليبية:

من النادر أن يخلو كتاب عربي حديث عن الحروب الصليبية من الإشارة ولوفي في مقدمته، إلى الحركة الصهيونية، وربما يزيد على ذلك بأن يقارن بين التجربتين، ليصل إلى القول أن مصير الأولى سيكون مصير الثانية. ولن نحاول، لأننا أصلاً لن نستطيع، أن نتقصى كل هذا وأن نرصده، ولذلك سنأخذ أمثلة من كتابات وخطب سياسية اهتمت بأن تتناول الظاهرتين أو الحركتين الصليبية والصهيونية معاً.



جمال عبدالناصر: قد يكون الزعيم العربي جمال عبدالناصر أكثر السياسيين العرب الذين أشاروا في خطبهم وأحاديثهم إلى الحركة الصليبية، فقد اعتمد على التاريخ العربي كمصدر لفهم العملية السياسية[35]، وعبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية يربط هزيمة العرب فيها بالفرقة، وانتصاراتهم بالوحدة.



في خطاب إعلان الوحدة المصرية السورية في 5 شباط 1958: "واتحدت المنطقة تحت قوة السلامة المشتركة يوم واجهت استعمار أوروبا يتقدم منها محاولاً أن يرفع الصليب ليستر مطامعه وراء قناع من المسيحية، وكان معنى الوحدة قاطعاً في دلالته حين اشتركت المسيحية في المشرق العربي في مقاومة الصليبيين جنباً إلى جنب مع جحافل النصر"[36].



وفي خطاب إلى المؤتمر التعاوني في 26 تشرين الثاني 1958، يقول عبد الناصر: "هدف الاستعمار أن يقضي على القومية العربية ويفتتها ويقيم بينها قوميات أخرى.. هذا الهدف قديم ليس جديداً، من القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، منذ جاءت الحرب الصليبية تتنكر تحت اسم الدين ولم يكن هدفها إلا القضاء على القومية العربية وإقامة استعمار وتحكم في هذه المنطقة من العالم"[37].



وفي الاحتفال بقيام الوحدة المصرية السورية، بعد مرورعام عليها، في 21 شباط 1959، يقول عبدالناصر: "إذا كانت المنطقة التي نعيش فيها قد تعلمت خلال تاريخها الطويل أن الكفاح من أجل القوة والحياة، يلازم الكفاح من أجل الوحدة. كان الكفاح من أجل القوة إرادة الحياة، وكان الكفاح من أجل الوحدة إرادة النصر، ذلك هو درس التاريخ والكفاح المستمر. تاريخ هذه المنطقة التي نعيش فيها في مواجهة الامبراطوريات الغازية، الإغريق والرومان والحروب الصليبية والفتح العثماني، تاريخ هذه المنطقة في مواجهة الاستعمار".[38].



كان لدى عبدالناصر إحساس عميق بالتاريخ[39]، وطالما استخدم الوقائع التاريخية ليدلل ويثبت أن الوحدة مفتاح النصر، وأنها الباب لهزيمة الأعداء ولذلك فهي خطوة حتمية، وهو يلخص ذلك في خطاب في 21 آذار 1959، بقوله: "في القرن الثاني عشر، حينما احتل الاستعمار الصليبي فلسطين، وحينما تقدم الصليبيون من فلسطين حتى دخلت قواتهم إلى مشارف القاهرة، وحينما كانت قوات مصر تحارب وتتقهقر ثم تحارب وتصمد، قامت القوات السورية، وأرسل نور الدين في سوريا جيشاً قوياً لمساندة إخوته المصريين، ووصل الجيش القومي من سوريا إلى مصر، وهزم الصليبيين.. الجيش السوري حينما اتحد مع الجيش المصري استطاعا أن يخلصا الأمة العربية من الاحتلال والاستعمار الصليبي. واليوم يتحد الجيش السوري والجيش المصري تحت راية الجمهورية العربية المتحدة مرة أخرى بعد مئات السنين، وبإذن الله نستطيع أن نحرر الأمة العربية كما حررناها في القرن الثاني عشر، وكما حررناها من التتار حينما اتحد جيش مصر أيضاً مع الجيش السوري.. حدث هذا ضد الاستعمار الصليبي، وحدث هذا أيضاً منذ الغزو التتاري".[40]



إن عبدالناصر في أحاديثه عن الحروب الصليبية وآثارها ونتائجها لم يكن لينسى أستاذيته وخبرته كمدرس في الكلية الحربية، حيث يحرص العسكريون في أحاديثهم عن المعارك على البحث عن الدروس المستفادة، وإذا كانت لكل معركة خبرتها، فلكل معركة دروسها. ومن المؤكد أن عبدالناصر ليس السياسي والقائد العربي الوحيد الذي تحدث عن الحروب الصليبية وتجربتها، ودروسها. إن آخرين فعلوا مثله، منهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والرئيس العراقي السابق ــ أوالمخلوع ــ صدام حسين، ولكن المصادر المتاحة تحت يدي والتي تضمّنت أحاديث وخطباً لكل منهما، بالإضافة إلى مراجع تطرّقت إلى ذلك، كل هذا خلا من أية إشارة إلى كلام الأسد أو صدّام عن الحروب الصليبية.



الدكتور يوسف القرضاوي (رؤية إسلامية): تعددت في السنوات الأخيرة الكتابات الإسلامية حول الحروب الصليبية، وهي في غالبيتها العظمى تعبر عن رؤية أيديولوجية أكثر مما تتضمن تحليلاً موضوعياً عميقاً، ولعل هذا ما نلمسه من لغة خطابية في كتاب أنيس القاسم وعنوانه: "تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني". وعلى الرغم من أن الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعتبر من رجالات حركة "الإخوان المسلمين" كتب كتاباً عن "دروس النكبة الثانية: لماذا انهزمنا؟.. وكيف ننتصر؟" [41] وهو يعني بذلك هزيمة حزيران 1967 التي امتدت ما بين القنطرة والقنيطرة والتي يعتبرها "إحدى الكوارث الكبرى في تاريخ هذه الأمة، ولا يشبهها إلا نكبة التتار حين دخلوا بغداد، ودمروا الحضارة الإسلامية، وأسقطوا الخلافة العباسية، وخرّبوا من الدور، وألقوا من الكتب، وذبحوا من البشر، ما لم يكد يحدث مثله في التاريخ". والحل الذي يقدمه الدكتور القرضاوي هو "الحل الإسلامي" الذي يعبر عنه بقوله: "إذا كان أبناء فلسطين، وإذا كان العرب، وإذا كان المسلمون حريصين على تحرير فلسطين وطرد أعداء الله وأعدائهم من أرضها، فليحرروا أنفسهم أولاً من العبودية لغير الله، ومن اتباع غير هداه، وليصمموا صادقين على العودة إلى الإسلام. فهذا هو أضمن طريق، وإن كان أشق طريق، لاستنقاذ فلسطين". و"الحل الإسلامي" هو الحل الوحيد ولا بديل له عند القرضاوي: "وإذا كانت قضية الإسلام ذاته لا تستحق أن تحظى بتفكيرهم ولا اهتمامهم ولاجهادهم، وكانت العقيدة أهون عندهم من الأرض، والشريعة أرخص من التراب، فهيهات أن يتنزّل عليهم نصر الله الذي وعد به المؤمنين"(ص111). إنه"الحل الإسلامي" وكفى، ولا تسل عن الخطة والاستراتيجية والوسائل، فلن تجد إلا خطاباً عاماً، يصدق على كل حالة، وفي كل وقت، إنه خطبة منبرية تشّنف الآذان، ولا ترسخ في القلوب.. وأغلب الظن أنها لن تتحول إلى"عمل صالح".



الرؤية الإسلامية لفلسطين وقضيتها وتحريرها يحتاج إلى دراسة ليس هذا مجالها، ولكن الشيخ القرضاوي لا يقف، للحق، عند هذا الحد، إنه يدعو إلى تعبئة تقوم على ربط "قضية فلسطين بأصلها الأصيل وهو الإسلام" (108) وفي هذه التعبئة هناك أمران لا بد منهما الأول: هو المناخ السياسي "الذي يهيئ لجماهير الأمة أن تتنشق أنسام الحرية وأن تخط مصيرها بيدها، وأن تملك حق الولاية والعزل، وأن تقول للمحسن أحسنت وللمسيئ أسأت". "المناخ الذي نقصده هو الذي يجعل جيش الأمة لحرب أعدائها، لا لإرهاب أبنائها، ويجعل مخابراته للتجسس على عوارت العدو لا لتتبع أفراد الشعب وإرهابهم بالحرب النفسية وغسيل المخ.. ويجعل أكبر همه المحافظة على سيادة الشعب لا على سيادة شخص أو أسرة أو حزب". "هذا هو المناخ الذي نريده وهذا هو النظام الذي ننشده لا ذلك الذي يخنق أنفاس الشعب باسم الشعب.. ويزهق روح الحرية باسم الحرية"(ص112) وعلى استحياء يقول الشيخ إنه يدعو إلى "تغيير سياسي في المنطقة العربية"(113)، ويحدد الشيخ معالم هذا التغيير بصياغة أقرب إلى الشعار منها إلى برنامج العمل، الشعار مثل: "الجيش لا للسياسة، الجيش لقهر العدو لا لقهر الشعب" و"أن يحقق الحرية السياسية للشعب.. حرية الحقوق لا حرية الفسوق"(114) و"لا بد من تغيير سياسي ينتزع السلطة من أيدي الطغاة المستبدين ويردها إلى الأمة لتختار لنفسها القوى الأمين الذي يسخّر طاقته لإرادة الأمة لا الذي يسخّر طاقات الأمة لإرادته.."(115) والعنصر الثاني في التعبئة التي يدعوإليها الدكتور القرضاوي هو "لابد من صلاح الدين" أي القائد، فبدون هذا القائد سيظل هناك سؤال يدور على الشفاه، ويجول في الخواطر، ولا يجد الجواب.



يقول هذا السؤال: لقد دعوت إلى الجهاد وإلى التعبئة من أجله فمن الذي يستنفر الأمة لهذا الجهاد، ويجمعها عليه، ويعدّها للقيام بأعبائه، ويجند طاقاتها المادية والمعنوية لخدمته؟".(ص120)



ويتساءل: وما صلاح الدين؟. ويجيب: "إنه ليس البطل الأسطوري الذي يحمل في إصبعه خاتم سليمان. ولكن"صلاح الدين" "يعني الحاكم المسلم الذي يلتزم بمنهج الإسلام، وأحكام الإسلام، وأخلاق الإسلام". وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور القرضاوي دون أن أنسى الاعتراف بأنها رؤية مختصَرة من جانبي، وهناك من يرى أن كل اختصار خيانة، وأرجو ألا أكون قد تعمدت ذلك.



الحروب الصليبية مستمرة من مطلع الإسلام إلى اليوم:

هذا اتجاه سلفت الإشارة إليه باختصار، ولكنه يعبر عن وجهة نظر تستحق شيئاً من التفصيل، وهذا ما سنفعله استناداً إلى كتاب الدكتور أحمد شلبي أستاذ ورئيس قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، رحمه الله، وعنوان الكتاب هو: "الحروب الصليبية: بدؤها مع مطلع الإسلام واستمرارها حتى الآن: عرض للهجمات الصليبية الغربية على العالم الإسلامي عبر العصور".[42] ويقول الدكتور شلبي(ص18) إنه تتبع الحروب الصليبية كما يراها، لا كما تعود المؤرخون أن يدونوها "فتتبعت مواقف الصليب وهو يهاجم الإسلام والمسلمين على مر العصور، وفي أمكنة مختلفة ولم أُخدع بالاتجاه الذي حصر الحروب الصليبية في المدة من السنة 1069 إلى سنة 1292م، ولعلي بذلك أكون قد صححت خطأ طال السكوت عليه، وقد أكد "اللنبي" هذا المعنى عندما قال، عقب دخول الحلفاء فلسطين في الحرب العالمية الأولى، إذ قال: الآن تنتهي الحروب الصليبية".



ويعود الدكتور شلبي إلى تكرار هذا المعنى وتأكيده، فيقول (ص21) "إن الحروب الصليبية ـ أو الحركات الصليبية ـ قد بدأت قبل البابا "أوربان الثاني" بعدة قرون، وأنها امتدت بعد "الأشرف خليل" بعدة قرون كذلك، وأنها لا تزال دائرة بشكل أو بآخر، تتضح معالمها أحياناً حينما كان الغرب كله يستعمر دول العالم الإسلامي كلها، يسرق هذه الدول، وينزل بها الذل والهوان، وتختفي معالمها المسعورة أحياناً حين يتظاهر الغرب بإقامة صداقات بينه وبين بعض الدول الإسلامية أو كلها ليشغلها عن عمل صليبي محموم هو إقامة دولة الصهاينة بفلسطين لتكون على مر الزمن شوكة في ظهر العرب جميعاً والمسلمين جميعاً".



والأمر كذلك، فإن الدكتور شلبي يعتبر إنشاء الكيان الصهيوني حملة صليبية. وهذه رؤية فيها قدر كبير من التبسيط، لأنها تكاد تفسر التاريخ تفسيراً صليبياً، فالحركة الصليبية ضد الامبراطورية العثمانية، ووراء حملة نابليون على مصر، وهي التي حطمت خطوات الإصلاح في العالم الإسلامي، ووقفت خلف استعمار أوربا للدول الإسلامية، وخلف زرع إسرائيل في العالم الإسلامي، وهي تتعاون مع الصهاينة لخلق أندية تنفث السم بالعالم الإسلامي كالماسونية والروتاري والليونز، وخلف الحرب بين إيران والعراق، وخلف الحروب المدمرة في لبنان، وتجذب الصينيين في ماليزيا لتحارب بهم السكان المسلمين من أهل البلاد وتزرع التحلل الأخلاقي في البلاد الإسلامية، وتمد أخطارها إلى جيل المستقبل. والحركة الصليبية مؤيدة بالغرب تصارع المسلمين في القرن الأفريقي وأريتريا مع مطلع الإسلام إلى اليوم!! [43] وأكتفي بهذا القدر من رؤية الدكتور شلبي التي تكاد تكون صورة من فكرة"صراع الحضارات".



الوحدة وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي:

الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" اسم كبير بين المؤرخين المعاصرين للحروب الصليبية، وقد رحل عن دنيانا، بعد أن شغل منصب أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث تخرج على يديه جيل من الباحثين الذين أثروا المكتبة العربية برسائلهم للماجستير والدكتوراه عن بعض جوانب الحروب الصليبية. ومن مؤلفات الدكتور جوزيف مجموعة كتب أصدرها بعنوان:"مكتبة الحروب الصليبية"، من بينها كتاب صغير الحجم فائق الأهمية تناول فيه"الوحدة، وحركات اليقظة العربية إبان العدوان الصليبي"[44] وهو الكتاب الرابع في هذه المكتبة. ومن المعروف أن هذه القضية يتناولها مؤرخو الحروب الصليبية في ثنايا كتاباتهم، وقد تكون مبادرة الدكتور "جوزيف نسيم" الأولى من نوعها في تخصيص دراسة كاملة لحركات الوحدة واليقظة رداً على العدوان الصليبي.



ويبلور الدكتور جوزيف فكرته ــ بل قل فلسفته ــ في هذا الخصوص انطلاقاً من أن"العدوان الصليبي كان يبدأ عادة عندما يكون الشرق الأدنى العربي منقسماً على نفسه، وفي حالة ضعف وتفكك، بينما الغرب في مركز القوة، وينتهى غالباً بانتصارات سريعة خاطفة على حساب العرب. ثم يعقب ذلك استشعار العرب أنفسهم بالخطر وعواقبه، ومبادرتهم بالتكتل والتجمع "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" وغالباً ما تكون حركات التجمع العربي هذه محلية وفي مناطق الخطر نفسها، بقصد العمل على منع امتداده واستفحاله. وكانت تحرز نجاحاً جزئياً وليس نهائياً أو حاسماً، ولكنها كانت تعتبر البداية الطبيعية لحركة اليقظة والإفاقة الشاملة التي تؤدي إلى التئام شمل الشعوب العربية في المنطقة في وحدة واحدة متكاملة تحس بالخطر المشترك وبأبعاده، وتدرك عواقبه ومضاعفاته، وتستعد لدفعه والقضاء عليه "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل". "وكانت هذه المراحل المتتابعة تؤدي في نهاية الأمر إلى المرحلة الأخيرة الكبيرة، ونعني بها الجهاد المقدس""انفروا خفافاً وثقالاً، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون". والمقصود بذلك الجهاد العسكري المسلح في سبيل الله والعروبة والوطن العربي. ويكون لهذا الجهاد نتائجه الحاسمة، إذ يؤتي ثماره الطيبة بطرد الدخلاء من المنطقة العربية وإحراز نصر مبين عليهم: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم".[45] وبهذا وضع الدكتور "جوزيف نسيم يوسف" يده على قانونٍ حكم حركة المواجهة والإفاقة والتوحد العربي ضد الغزو الصليبي. وهو يرى فيما وضع يده عليه "ظواهر طبيعية منطقية تنير السبيل أمام الشعوب العربية في حاضرها، وهي تستجمع قواها وتكتل جهودها من أجل مستقبل أفضل. وهو يرى أيضاً أن ما توصل إليه[46] "أحكام وقواعد صحيحة أشبه ما تكون بالقوانين العلمية التي لا تخطئ. فضلاً عما فيها من عظات وعبر ودروس".



إن هذه كلمات تنقلنا مباشرة وإلى جوهر ما نتصدى له هنا، وقبل أن ندخل في ذلك نتوقف مع صاحب هذه الكلمات مرة أخرى وأخيرة لنقرأ قوله: "هذه الأفكار يمكن أن تنبثق عنها آراء ونظريات أخرى جديدة قد تغير الكثير من الشائع والمعروف عن الحركة الصليبية وبعضها لا يزال ينتظر دراسات دقيقة مستفيضة تسد نقصاً في زاوية من زوايا العدوان الصليبي لا يزال الغموض يكتنفها، أو تعدل وجهة نظر بحاجة للتصويب".



قوانين الحركة الصليبية ودروسها صهيونياًوعربياً

ونصل إلى بيت القصيد: الدروس المستفادة. فكل ما سبق كان مقدمة وتمهيداً وخلفية من أجل الاستنباط والاستخلاص عن بيّنة وبناء على أساس متين، كشف لنا أن الصهاينة لا يقلون اهتماماً عن العرب بالحروب الصليبية، بل ربما كان اهتمامهم أكبر، وربما كان أعمق. دلالة ذلك مثلاً أن دراسة "يوشع براور" عن "مملكة بيت المقدس" لا توجد دراسة عربية توازنها في عمقها وشمولها، بصرف النظر عن الهدف الذي يحركه إلى ذلك، وهو محاولة إثبات ـ بشكل غير مباشر ـ أن ما حدث في هذه المملكة غير قابل للتكرار، وعلى "إسرائيل" ألا تخشى ذلك. ولكن باحثين آخرين لا يقلون عمقاً عن "براور" في بحوثهم يخلصون إلى عكس ما خلص إليه، ومن هؤلاء العالم الفيزيائي، الرياضي، اليهودي "هيرمان كاهن" الذي يقرر في محاضرة بجامعة "بارايلان" في تل أبيب أن العرب لن يعدموا وسيلة لاستعادة "فلسطين" مثلما فعل اليهود حينما عادوا إليها بعد فاصل من ألوف السنين[47].



أكثر من هذا، كشف هيرمان النقاب عن أنه يرأس فريقاً من العلماء لدراسة المشكلة، والبحث في العوامل الاقتصادية والسياسية التي يمكن اللجوء إليها للتخفيف من ضغط العرب على إسرائيل، وإبقاء قوة إسرائيل متفوقة حتى يوجه العرب أنظارهم نحو شئون أخرى [بعيداً عن الحرب] ويتم بالتالي تخفيف حدة التوتر"[48] أليس هذا أبسط معاني التخطيط السياسي؟. ولعل هذا ـ بالإضافة إلى أسباب أخرى ـ ما جعلنا نرى في "مؤتمرات المناعة القومية" التي تُعقد في "إسرائيل" منذ العام 2000 محاولة للبحث، ولو بشكل غير مباشر، في كيفية اتقاء المصير الذي آلت إليه الحركة الصليبية.



ولا حاجة إلى القول إن للعرب دروسهم من الحروب الصليبية، وللصهاينة دروساً أخرى، ولكنهما يسيران في طريق واحد، ولكن من اتجاهين مختلفين، فما يريد العرب تحقيقه هو ما لا يريده الصهاينة وما يسعى الصهاينة إلى تجنبه هو ما يعمل العرب من أجل إنجازه. وفي سبيل ذلك عقدت هيئة إسرائيلية سلسلة حلقات دراسية حول أوجه التشابه بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بهدف الاستفادة من دروس الماضي للحيلولة دون أن يكون مصير الظاهرة الصهيونية مطابقاً لمصير الظاهرة الصليبية".[49]



الصهاينة والخبرة الصليبية:

الظاهرة الصهيونية لها جوانب انميازها عن الحركة الصليبية، والإسرائيليون منذ أن نجحوا في إقامة كيانهم حريصون ـ عن وعي أو لا وعي ـ على تعميق جوانب الانمياز هذه وتضخيمها، وتجنب نقيضها، ومن هذه الجوانب:



ـ الحركة الصهيونية حركة عالمية، بل ربما كانت أكبر وأكثر التنظيمات دقة وقوة طوال القرن العشرين، وقد أثبتت الأحداث أنها كانت أقوى من الحركة الشيوعية الدولية. و"إسرائيل" في حركتها على مسرح السياسة الدولية تخطط لأن تكون لها علاقات مع كافة القوى الدولية المؤثرة. صحيح أن رابطتها الوثقى هي مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها ذات علاقات قوية مع الاتحاد الأوربي، ومع اليابان، والصين، بل ومع الهند وروسيا الاتحادية اللتين كانتا إلى وقت قريب من أصدق أصدقاء العرب. وتخطّط إسرائيل لدورها الدولي على أساس أنها قوة مؤثرة عالمياً فإن لم تكن قوة كبرى عالمياً، فهي على الأقل قوة كبرى إقليمياً. وقد تحدث "آرييل شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ـ أي في 2004 ـ وعندما كان وزيراً للدفاع في 1981 عن مجال حيوي إسرائيلي يمتد من أفغانستان وباكستان إلى المغرب، ومن تركيا إلى جنوب إفريقيا. وجاء "فرايم سنيه" العمالي في كتاب له عن إسرائيل بعد سنة 2000 ليضع معالم سياسة لإسرائيل وكأنها قوة كبرى. [50]



ـ الحركة الصليبية ارتبطت بالحج إلى قبر السيد المسيح في القدس، ولم تعتبر الإقامة في فلسطين واجباً دينياً أو دنيوياً، ولذلك فإن الحجاج والفرسان والأمراء والمقاتلين الذين توافدوا على الشرق لم يكن في خاطر أغلبهم أن يبقى ويقيم. وكانت الغالبية تنظر إلى دورها على أنه أمر مؤقت تؤديه، وتعود مرة أخرى إلى أوروبا. أما الحركة الصهيونية فإنها تكاد تجعل من الهجرة والإقامة والاستيطان في فلسطين عملاً لا تكتمل يهودية اليهودي إلا به، وتشن منظمات صهيونية مختلفة حملات وبرامج منظمة من أجل دعوة يهود العالم إلى المجئ إلى فلسطين. وهي ـ على عكس الحركة الصليبية ـ اعتمدت في عملها هذا على مؤسسات منظمة وقوية، على رأسها المؤتمر اليهودي العالمي والحركة الصهيونية.



ـ ترتّب على العاملين السابقين أنه "لم يكن لدى الصليبيين شعور ارتباط بالأرض مساوٍ لشعور الارتباط لدى الصهاينة. وكان لدى الصليبيين شعور بأنهم جزء من شعب له أرض في مكان آخر، أما الصهاينة فقد تطورت أيديولوجيتهم على أساس مقاومة ذلك الشعب الآخر الذي كانوا جزءاً منه".[51] كان الصليبي يأتي إلى المشرق وفي نيته أنه سيلبث زمناً ثم يعود إلى وطنه في أوربا، أما الصهيوني فإنه ينظر إلى نفسه على أنه عائد إلى أرضه ووطنه، الذي لا يوجد له وطن سواه، والذي دون العيش فيه لا تكتمل شخصيته ولا تتوافر مقوماتها.



ـ "إسرائيل" كيان سياسي موحد، وله سلطة مركزية واحدة، ولكل هيئة اختصاصاتها المحددة التي تضمن استمرار هذه الوحدة، ولم تكن الكيانات الصليبية كذلك، بل كانت تنشب بينها صراعات وخلافات داخلية بين الأمراء في الرها وطرابلس وأنطاكيا وعكا (بعد تحرير العرب ــ المسلمين للقدس) مما أفقد هذه الإمارات عنصر الوحدة والتماسك الذي تتمتع به إسرائيل. لقد كانت "الإمارات الصليبية" عبارة عن "حلف مفكك مهدد بالانهيار" وشيئاً فشيئاً برز تمايز بين فريقين من الصليبيين: "البارونات المحليين" الذين يميلون إلى المسالمة والمحافظة على التقاليد التي استقرت بين اللاتين في الشرق، والقادمين الجدد من الغرب الذين اشتهروا بالمغامرة والحرص على أن تكون لهم إقطاعات خاصة، مع شدة كراهيتهم للمسلمين. [52]



ـ قامت الحركة الصليبية على أساس الحملات التي جاءت إلى الشرق على فترات متباعدة ولأسباب عدة دفعت كل واحدة منها إلى الخروج من أوربا وبعضها انحرف عن مساره، أما "الهجرة اليهودية" فهي عملية مستمرة، وتيار متدفق، قد يختلف عدد المهاجرين من سنة إلى سنة ولكن منذ أواخر القرن التاسع عشر لم يتوقف، وما من سنة إلا وهناك أعداد جديدة من المهاجرين. ويتم هذا بشكل مخطط ولا يُترك للعشوائية والارتجال[53]. وتبحث"إسرائيل" حالياً عن استجلاب وتهجير المليون السابع، لعله يسعفها في علاج عجز ديموجرافي يهددها تهديداً بنيوياً.



وإذا كانت هذه نقاط قوة أو تفوق في الكيان الصهيوني عند مقارنته بالكيانات الصليبية، فإن هناك نقاط ضعف هيكلية عانت منها الإمارات الصليبية، ويعاني منها الكيان الصهيوني. فعلى مدى قرنين من السنين نشأت بين الصليبيين والسكان العرب المسلمين علاقات معقدة ومتداخلة، وكان السكان المحليون يشكلون أكثرية في بعض المناطق التي استولى عليها الفرنجة وأخضعوها لحكمهم على الرغم من أنهم أقاموا فيها مستوطنات جذبت سكاناً من الغرب الأوربي ليفدوا إلى الشرق وعلى الرغم من أنهم قاموا بحركة تفريغ بعض القرى من سكانها المسلمين بعد الاستيلاء عليها".[54]



هل تعلّم الصهاينة هذا الدرس من الصليبيين؟. ولكن هذا الدرس له جانب آخر، تمثل في أن حكام المسلمين حرصوا على أن تتضمن المعاهدات التي عقدوها مع الفرنج نصاً على عودة الفلاحين إلى الأراضي التي هجروا منها. [55]



وهنا، وفي رصدنا للدروس المستفادة صهيونياً من الحركة الصليبية، لاحظنا أمراً جديراً بالوقوف أمامه، وهو أن العلامة "رنسيمان" يركز[56] في الحديث عن العلاقات بين المسلمين والفرنج على جانب الصداقة رغم من الصدام بينهم إلى حد أن لقى كل من السادة من الفرنج والمسلمين عادة الترحيب والتشريف في بلاط كليهما، على الرغم من الاختلاف في الدين، وقد يحدث في زمن السلام، أن يشترك سادة الأطراف من الجانبين معاً في حملات الصيد بينما نجد "يوشع براور" يركز على نقيض ذلك، ويقول: "نظراً لأن الصليبيين قد انتهجوا سياسة كانت ترمي إلى نبذ ورفض عملية التقارب بين السكان المحليين والصليبيين فإن هذه السياسة استطاعت أن تقوّض أساس النظام القائم، وأن تحبط محاولات الاندماج الاجتماعي بين الطرفين".[57]



كل يغني على ليلاه. ويبدو أن براور يريد أن ينبه الصهاينة إلى خطر الانفتاح على العرب، ظناً منه أنه ذلك سيطيل عمر كيانهم، ويحافظ على وحدتهم، وعلى أية حال، من المعروف أنه قامت علاقات اقتصادية بين الإمارات الصليبية والأراضي العربية المجاورة لها.



ولكن الصهاينة أذكى من أن يأخذوا بما ذهب إليه "براور" لأنهم يعرفون أن هذه العلاقات الاقتصادية بين الصليبيين والعرب ـ المسلمين لعبت دوراً في إطالة عمر الكيانات الصليبية، التي كان يمكن أن تتلاشى قبل التاريخ الذي اختفت فيه لوأنها انغلقت على ذاتها، بينما كان الزاد البشري والمادي الوارد لها من أوربا يتراجع ويتناقص. ولذلك، يصرّ الصهاينة على ما يسمونه "التطبيع" خاصة في ميداني السياسة والاقتصاد، ولكنه ليس تطبيعاً بين ندين، بل بين سيد ومسود، أو على الأقل، بين قوي وضعيف. والرد العربي الصحيح على ذلك معروف ومجرب وهو المقاطعة والمحاصرة، حتى يظل الكيان الصهيوني وسكانه في حالة عزلة، وفي "جيتو" يشعرون داخله أنهم غير طبيعيين أو إن شئت فقل "مقاطعين"[58].. وسنأتي لذلك بقدر من التفصيل. و"إسرائيل" في ضوء السابقة الصليبية يتنازعها اتجاهان: هل تكون جزءاً من "المنطقة" التي تعيش فيها، والتي لا تراها إلا "الشرق الأوسط" على ألا يخل هذا بطابعها الخاص؟ أو تظل قطعة من الغرب لا صلة لها بالشرق الذي تعيش فيه؟ والتردد بين هذين الاتجاهين يبدو عند السياسي، أو المفكر، الواحد، فهو مرة يبدو مع اتجاه الاندماج في المنطقة، ومرة أخرى يميل إلى الأخذ بالعزلة والحرص على البعد عن المنطقة، أو أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم. [59] وبعد مرور أكثر من خمسين سنة على إنشاء الكيان الصهيوني، يبدو سكانه موزعين على هذين الاتجاهين، فمشاعر واتجاهات "الصابرا" تختلف عن مشاعر واتجاهات المهاجرين الجدد، وهؤلاء يختلفون عن المهاجرين القدامى، وفي داخل كل فريق من هذه الفرق هناك شرائح تتأثر بانتماءاتها الدينية "أصولية أو غير أصولية" وبالبلاد التي وفدت منها، وباتجاهها السياسي، إلى جانب شريحة المثقفين وصناع الرأي العام وقادته.



وهناك جوانب عديدة، وجزئيات كثيرة في السابقة الصليبية يعكف الإسرائيليون على دراستها بعمق للاستفادةبها. ويذكر "أفنيري"[60] أن مؤرخاً مشهوراً قال له: "على الإسرائيليين أن يعتبروا كتاب "تاريخ الحملات الصليبية" دليلاً عملياً للأخطاء التي يجب تجنبها وعدم ارتكابها" وهو يعني بذلك كتاب "العلامة""رنسيمان" الذي يعتبر بحق من أفضل ما كتب عن الحركة الصليبية، أنه عند قراءته هذا الكتاب كانت تبرز في ذهنه مئات"التشابهات الصغيرة والكبيرة".[61]



إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن هل ينقاد الصهاينة للحرب الدائمة مع العرب؟. ألم تكن الحرب هي وسيلة العرب التي استنزفوا بها الكيانات الصليبية إلى أن قضوا عليها.



وبعد كلماته السابقة مباشرة يضيف "أفنيري" كلمات أخرى لا تقل أهمية: "إن الأعمال العسكرية المدهشة التي أوصلت الصليبيين إلى قلب مصر حجبت المشاكل الرئيسية، هذه المشاكل التي على المدى البعيد، قررت مصيرهم". فما هي هذه المشاكل؟



يكاد"أفنيري" بناء على قراءته الواعية لرنسيمان يضع يديه على القانون الذي حكم مصير الكيانات الصليبية.. لقد رأى "رنسيمان" منذ وقت مبكر من الوجود الصليبي في الشرق أن هذا الوجود محكوم بالفشل، وقرر في المجلد الثاني من موسوعته: [63] "لم يلبث أن صار واضحاً أنه كيما يبقى لسكان فلسطين من الفرنج من القوة ما يكفي للسيطرة على البلاد، لا بد أن يقدم من أوروبا باستمرار هجرات وفيرة العدد".



"ولا بد أيضاً من رد الحد المصري إلى الجنوب حتى يتوافر الأمن في الطريق من بيت المقدس إلى الساحل، وتحتم تشييد معاقل أمامية فيما ورا ء نهر الأردن، وإلى الجنوب من البحر الميت. وينبغي لـ"بلدوين" أن يحاول ربط مملكته بالإمارات المسيحية الواقعة إلى الشمال، حتى يتيسر بذلك فتح الطريق للحجاج، ولأعداد متزايدة من المهاجرين. وتحتم عليه أن يبذل كل جهد لبسط سلطانه على امتداد الساحل، وأن يشجع قيام إمارات مسيحية أخرى في سوريا. وينبغي أن يوفر لمملكته ميناء آخر، يفصل كلاً من حيفا ويافا. ذلك أن ميناء يافا لم يكن من العمق بما يكفل للسفن الضخمة الوصول إلى الشاطئ، ولذا لم يتم النزول إلى البر إلا باستخدام قوارب العبور، وتعرُّض الهابطين للخطر الشديد، عند هبوب الرياح، فإذا اشتدت الرياح، كان ذلك خطراً على السفن".



يبدو أن إسرائيل عبر ما يزيد عن خمسين عاماً لم تفعل ولا تفعل سوى ذلك، سواء من حيث امتداد حدودها والأراضي التي تستولي عليها، أو من حيث بناء البنية التحتية في النقل والمواصلات والمواني على طول الساحل الذي تحتله بالكامل، من حيفا إلى غزة!



ولكن هذا وحده لا يكفي، كان تأمين دولة "بلدوين" يحتاج أكثر، يحتاج إلى المال والرجال. ويقول رنسيمان[64]: "الواقع أن المال والرجال هما أهم ما احتاجه "بلدوين" لحكومته في الداخل. ولن يأمل في إقامة مملكته ما لم يتوافر له من الثروة والقوة ما يكفي لضبط أتباعه. فلن يستطيع الحصول على القوة البشرية إلا بالترحيب بالهجرة، وبتشجيع المسيحيين الوطنيين على التعاون معه، أما المال فيستطيع الحصول عليه، بتشجيع التجارة مع البلاد المجاورة، وبالإفادة من توافر الرغبة في عمل الخير عند المسيحيين في أوربا، بما يسهمون به من أموال، وما يجرونه من أحباس على المنشآت ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بأن"بلدوين" هو كونت "الرها" وملك بيت المقدس من(1100ـ1118) وهو الذي وضع الأسس التي استمرت عليها هذه المملكة، إنه "بن جوريون" المملكة الصليبية، وبالمثل يمكن اعتبار "بن جوريون" "بلدوين" الكيان الصهيوني. وإذا كان "بلدوين" قد رأى رد حدود دولته إلى الجنوب مع مصر، فإن بن جوريون استمسك باحتلال النقب، وتطلع إلى بقاء سيناء في 1956 بين يديه، وحذر الإسرائيليين من القيادة المصرية للعالم العربي[65]. فهل هذا ممكن؟ من ناحية، وهل لو لم تقم مصر بقيادة الوطن العربي سيظل هذا الوطن يعاني من فراغ قيادي، أم أن هناك قوى أخرى ما ستملأ هذا الفراغ؟



الجواب مفروغ منه، ولكن "رنسيمان" يأبى إلا أن يكرر الحديث عن استراتيجية بلدوين فيعود إلى القول[66] إنه كان يدرك دائماً أن فلسطين معرضة باستمرار "للغزو والتسلل من جهة الجنوب الشرقي عن طريق النقب، ولذا كان لا بد من السيطرة على الإقليم الواقع بين البحر الميت وخليج العقبة، لقطع طريق الاتصال بين مصر وسائر العالم الإسلامي".



يبدو أن"بن جوريون" استوعب جيداً تجربة بلدوين، على الرغم من أنه لم يفصح عن ذلك، على الأَقل فيما قرأته له وعنه: ألم يستوطن النقب في آخر أيام حياته، حين بعد عن المعترك السياسي في تل أبيب؟ ألم يكتب في مقدمة كتاب "أسياد الصحراء" في 1960 أن آمال إسرائيل معقودة على استصلاح النقب لاستيعاب المهاجرين الجدد، وفي 1967 وعلى الرغم من تهليله فرحاً بالانتصار، رأي أن القوة العسكرية وحدها لن تؤمن مستقبل إسرائيل، ويجب أن تكون المهمة الأساسية جذب عشرات الألوف من يهود الغرب للهجرة إلى إسرائيل وزيادة عدد سكانها. [67]



إذن نقطتا ضعف هيكليتان أدتا إلى ضعف وتلاشي الكيانات الصليبية إنهما النقص في المال، والنقص في الرجال. من ناحية المال، وعلى الرغم مما نشأ بين "مملكة بيت المقدس الصليبية" وجاراتها العربيات من علاقات اقتصادية، إلا أن هذه المملكة والكيانات الصليبية الأخرى اعتمدت بصورة أساسية على تلقي المساعدات ورؤوس الأموال بصورة مستمرة من الغرب وأخذت هذه المساعدات أشكالاً عديدة وظلت هذه الكيانات عالة على ما كانت تتلقاه.



"إسرائيل" تنظر إلى نفسها على أنها حالة مختلفة، وأنها استطاعت الاعتماد على نفسها اقتصادياً، وأنها تستطيع أن تستغني عن المعونات التي تتلقاها من الغرب سواء في شكل منح ومعونات من الولايات المتحدة، تصل في حدودها القصوى حالياً إلى حوالي عشرة مليارات دولار سنوياً، أو الهبات التي يرسلها اليهود في أوربا والولايات المتحدة. ولكن هذه الأموال تسهم بدور غير قليل في ضمان مستوى المعيشة المرتفع الذي يتمتع به الإسرائيليون، وفي توفير استثمارات كبيرة تساعد اقتصاد إسرائيل على المزيد من النمو والتقدم، هل تستطيع "إسرائيل" الاستغناء عن هذه المعونات؟.



يرى الدكتور عبدالوهاب المسيري أن هناك إجماعاً صهيونياً على أنه"دون الدعم الغربي، وبخاصة الأمريكي، للمستوطن الصهيوني لن يقدر له البقاء والاستمرار.. وأن الغرب قد تبنى المشروع الصهيوني وضمن له البقاء والاستمرار كي يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، ودون أداء هذه الوظيفة، لن يكون هناك دعم".[68]



إن الأموال الغربية ـ اليهودية والصهيونية ومساعدات الحكومات والدول ـ أحد العوامل الأساسية في بناء إسرائيل، واستمرارها وأحد ضمانات بقائها متقدمة ومتفوقة اقتصادياً. فهل يمكن أن تتوقف هذه المساعدات؟ وكيف؟ ومتى؟ دون أن نجيب على هذه الأسئلة، يمكن القول إنه حين تجدّ ظروف تؤدي إلى تجفيف منابع هذه المساعدات وإلى توقفها، فإن هذا سيؤثر كثيراً على الكيان الصهيوني، وسيهزه هزة عنيفة.



وهنا، فإن خبرة السابقة الصهيونية تشير إلى أن زعماء أوربا القرن الثالث عشر لم يعودوا متحمسين لشن حروب صليبية جديدة ضد المسلمين لسببين هما: الانغماس في المشاكل الداخلية من ناحية، ولإدراكهم من ناحية أخرى أنه من غير الممكن فرض الوجود الصليبي بالقوة إلى الأبد[69]. وارتبط هذا بنقص القوة البشرية، أو الرجال، حسب تعبير "رنسيمان" فقد كان هذا واحداً من الأسباب المباشرة لانهيار الإمارات الصليبية، وذهابها في ذمة التاريخ. و"إسرائيل" بدورها تعتبر توقف الهجرة بداية النهاية. وهي إذا كانت تتمنى لو تستطيع أن تجلب من المهاجرين ما يصل بعدد سكانها من اليهود إلى 10 ملايين أو حتى 12 مليون نسمة فإنها تعمل حالياً جاهدة لاستجلاب المليون السابع، بالتركيز على البلاد التي لا تزال بها أعداد كبيرة من السكان"اليهود".[70]. إن"إسرائيل" في حاجة إلى هؤلاء المهاجرين أو المهجرين من أجل الميزان الديموجرافي في الداخل، أي مع الفلسطينيين من أبناء 1948 ومع أبناء 1967 من جانب، وللتوازن مع الطوفان البشري العربي المحيط بها. وهنا، فإن وقفة قصيرة مع الأرقام قد تكون مفيدة:



[1] يذكر"ميخائيل زابوروف"[71] أنه في حوالي أواخر الثمانينيات من القرن الثاني عشر، كان عدد المستعمرين الإفرنج المقيمين في المدن والقلاع، كما حسب المؤرخون، يربو على 100ـ 120 ألفاً."وكانت قوى الأتباع وحدهم لا تكفي في آن واحد لإبقاء هؤلاء السكان في حالة الخضوع، ولصد هجمات الجيران المسلمين.



[2] في حال"التعبئة العامة" للاتين القادرين علىحمل السلاح، لم يكن بوسع مملكة بيت المقدس أن تجند أكثر من ألفي فارس ثقيلي السلاح و20 ألفاً من الرماة خفيفي السلاح.



[3] كانت الأوساط العليا المميزة في الشرق اللاتيني تعيش بين السكان المحليين المعادين، فضلاً عن أنهم أكثر تعداداً بكثير من الافرنج، وكانت أشبه بمعسكر يطوقه ويحاصره العدو على الدوام.



من المقرر أن الصليبيين قاموا بعمليات اضطهاد واستغلال منظمين للسكان العرب في المدن والقرى التي استولوا عليها كما قاموا بعمليات طرد وتهجير. ولكن لم تخل البلاد من أهلها الأصليين، خاصة من الفلاحين، الذين كانوا يقومون بزراعة أراضيهم.



ينظر الصهاينة إلى هذا الوضع ويرونه نقطة ضعف ولذلك فإن الترحيل أو "الترانسفير" عندهم سياسة ثابتة من قبل إنشاء كيانهم في 1948 وإلى اليوم. ويؤرقهم وجود الشعب الفلسطيني، الذي قالت عنه "جولدا مائير" يوماً: "لا أعرف شيئاً بهذا الاسم". لم يكن هذا جهلاً، بل كان محاولة تجاهل، لجأت إليها وهي تغلي من داخلها صارخة كلما سمعت عن ميلاد طفل فلسطيني.



ومن المفيد هنا أن نربط ما أورده "زابوروف" من أرقام بما سجله الدكتور قاسم عبده قاسم من أن سكان بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية كان حوالي مليونين وسبعمائة ألف نسمة، حسب تقديرات بعض الباحثين، وربما يكون من الصعب تقدير المساحة المأهولة من بلاد الشام في زمن الحروب الصليبية".[72]



ولا نملك أرقاماً دقيقة عن الصليبيين في مملكتهم وإماراتهم سنة بعد سنة، منذ دخولهم القدس إلى انسحابهم من الأرض العربية كلها، بحيث نقارن هذه الأعداد بسكان بلاد الشام، وسكان الوطن العربي بعامة، فيما بين القرنين العاشر والثاني عشر، لنتبين على ضوء ذلك الميزان الديموجرافي الحالي بين الصهاينة من جانب والسكان الفلسطينيين من جانب آخر، وكذا بين الصهاينة وسكان الوطن العربي.



لكن الواضح أن الصهاينة يحاولون ما استطاعوا أن يستجلبوا "يهوداً" من كل بقاع الأرض بدءاً من "الفلاشا" الأثيوبيين إلى يهود الاتحاد السوفيتي السابق، الذي يعرفون ويعترفون بأن جزءاً غير قليل منهم ليسوا يهوداً. وعملية التجميع هذه تخلق مشكلات وصراعات، على المدى البعيد، قد لا تقل حدة عن الصراعات بين اليهود الأصوليين واليهود العلمانيين. فضلاً عن توقعات إسرائيل بأن السنوات القريبة قد تشهد توازناً بين السكان اليهود والمواطنين الفلسطينيين في حدود أرض فلسطين التاريخية، ما بين البحر والنهر ثم تتلو ذلك مرحلة يتفوق فيها الفلسطينيون عدداً على "اليهود" وقد اجتاحت الكيان الصهيوني حالة من الهلع منذ أن وضع الدكتور "أرنون سوفير" الخبير الديموجرافي والأستاذ بجامعة حيفا ومستشار المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء دراسته عن النمو السكاني في فلسطين التاريخية، والتي توقع فيها أن يكون عدد اليهود 6,300,000 نسمة في 2020، بينما سيصل عدد الفلسطينيين إلى 7,900,000 نسمة. [73]



كيف ستواجه إسرائيل ذلك الوضع؟. إن الخبرة الصليبية لا تفيدها، ولا تسعفها، بل تزعجها؛ ذلك أن القوة وحدها ليست ضماناً كافياً لاستمرار وبقاء الكيانات الاستيطانية، كما أن التفوق في التسليح والتدريب لا يمكن أن يظل إلى الأبد من نصيب طرف واحد من الطرفين المتصارعين. إن هذا التفوق مؤقت وقصير المدى. أما التفوق البشري فمستمر، وطويل المدى. ومن وقائع الحروب الصليبية أن صلاح الدين حاقت به في 1177 هزيمة كبيرة قرب "قلعة تل الجزر" على مسافة بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من الرملة، حيث فاجأه فرسان الفرنجة، بينما كان جانب من عساكره يسعى للحصول على العلف للخيل ولم يتوافر لصلاح الدين ما يكفي من الوقت لإعادة حشد من بقى منهم. فلاذ عدد كبير منهم بالفرار عند أول صدام، بينما لم ينقذ حياة صلاح الدين إلا حرسه الخاص من غلمانه. أما القوات التي صمدت في القتال فقد جرت إبادتها".[74]



ويقدم العلامة تفصيلاً لبعض ما جرى فيه هذه المعركة يذكرنا بما حدث بالضبط في هزيمة حزيران 1967، فيقول: "ولى الجيش المصري الأدبار إلى بلاده في بضع ساعات، بعد أن خلف وراءه كل ما حاز من غنيمة وأسرى، بل إن العساكر المصرية قذفوا بأسلحتهم إلى الأرض، كيما تزداد سرعتهم في الفرار، وحاول صلاح الدين أن يعيد الأمن إلى نصابه، غير أن اجتياز صحراء سيناء كان شاقاً ومؤلماً فانقض البدو على هؤلاء الفارين الذين كادوا أن يكونوا عزلاً من كل سلاح".



وفي تعليقه على الهزيمة المرة التي لحقت بصلاح الدين وقواته، يقول "رنسيمان":[75] "كان ذلك انتصاراً باهراً، إذ أنقذ مملكة بيت المقدس في الوقت الراهن، غير أنه لم يغير الوضع على مر الزمن، فلا حد لموارد مصر، على حين أن الفرنج مازالوا يعانون نقصاً في الرجال". في معارك الشعوب، الهزيمة تؤذن بنصر، والضعف يدفع إلى خلق القوة. هذه الهزيمة المنكرة لم تبعد عن "حطين" ونصرها المؤزر سوى عشر سنين. وفي أيامنا، لم يبعد نصر أكتوبر المجيد سوى ست سنوات وأربعة أشهر عن الهزيمة المُرة في 1967.. ومما لا شك فيه أن نقص الرجال في جانب ووفرة الرجال في الجانب الآخر عامل مؤثر في ذلك، وقد يكون حاسماً.



العرب ودروس الحملات الصليبية:

الوطن العربي ـ بلغة عصرنا ـ والبلاد العربية الإسلامية بمفاهيم زمن الغزو الصليبي، يكاد يحكمه قانون أساسي: "إن اتحد انتصر، وإن تفرق انهزم"، وعشية مجيئ الصليبيين كانت المنطقة في حالة وهن سياسي بسبب الخلافات والصراعات بين الخلفاء والأمراء والملوك، وفي حالة ضعف اقتصادي نتيجة التجزئة والحروب بين الأشقاء، وقوم هذه حالهم واجهوا الفرنجة فرادى، وفرادى انهزموا ودخل الصليبيون القدس في 15 تموز 1099 في ظل خلافتين إسلاميتين؛ عباسية في بغداد وفاطمية في مصر. وبعد ذلك بخمسة وأربعين سنة فقط، بدأت مرحلة الإفاقة وبدايات التوحد التي أدت سريعاً إلى تحرير الرّها في 1144 وحين جاءت الحملة الصليبية الثانية لم تحرِّر أرضاً، ولم تحقق نصراً.



وهكذا تثبت بدايات الغزو الصليبي أن "جميع المصائب التي حلت بالأمة العربية قد ساهمت التجزئة والخلافات في تحقيقها"[76] والعكس صحيح، فالوحدة طريق النصر، ودربه الآمن، وطريقه السالك.



هل نقول إن هذا مفروغ منه، ومتفق عليه؟. لا أدل على ذلك من الحقيقة التي يبرزها د. أنيس القاسم[77] ويعبر عنها بقوله: ".. الاحتلال الصليبي كله أو معظمه قد قُضى عليه في فترة حكم رجل واحد فقط عندما حزم أمره، وشحذ عزيمته، ووهب نفسه للتحرير".



التحرير هدف، ورسالة، وقرار، من اتخذه لايقر له قرار إلا بعد أن ينفذه، ويحققه، باتخاذه العدة والأساليب التي تكفل له إنجاز ما قرره: "لقد دام حكم صلاح الدين من عام 1169 حتى عام 1193، أي حوالي ربع قرن واستطاع في هذه الفترة الوجيزة نسبياً أن يقوض دعائم الاحتلال الصليبي ويسترد القدس بعد مواجهة متواصلة استمرت علىالأقل من عام 1183 حتى عام 1193".



ويستوقفنا تعبير "المواجهة المتواصلة" ويجب أن نقف أمامه ونطيل التفكير وبعمق، خاصة لو اتفقنا على أن هذه "المواجهة" تعني "تعبئة عامة" شاملة، لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الانقطاع، سواء على المستوى "الرسمي" أو "الشعبي". ويكفي عند الحديث عن دور الشعب في المعركة ضد الغزو الصليبي أن نتذكر الكلمات التي قالها "عموري" ملك بيت المقدس عندما دعى من الحامية الصليبية في مصر إلى العودة للاستيلاء عليها، فقال إن "صاحب مصر وعساكره وعامة بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها".[78]



وفي مواجهة الغزو الصليبي استخلص العرب ـ المسلمون وبسرعة أن "الاحتلال مهما كان نوعه لا يقضي عليه سوى النضال المتواصل".[79] وغداة تحرير الرها، ومنذ سنة 1150 نادى الشيخ علي السلمي من مسجد في ضاحية دمشق "بجهاد هجومي" يكون هدفه تحرير القدس. [80]



وإذا كان القانون الذي حدد مصير الكيانات الصليبية هو نقص المال والرجال، فإن هذا القانون له وجه عربي، تمثل من جانب في التعبئة المستمرة، والحرب المستمرة، ومن جانب آخر في"عدم التفريط" وعدم التنازل عن حق، بل الاستمساك وبقوة بمبدإ وحق التحرير، وبرفض إقرار أن للعدو حقاً أي حق في أرض احتلها؟!



لقد قامت استراتيجية التحرير العربية ـ الإسلامية ضد الغزو والاحتلال الصليبيين على وضع العدو في حالة حرب دائمة، تتضمن الضغط بلا هوادة، والاستنزاف بلا توقف، وبحيث تكون اتفاقات الهدنة التي أبرمت ـ أياً كانت مدتها ـ فترة لالتقاط الأنفاس استعداداً للجولة القادمة، وليست "ستاراً للاسترخاء والتهاون مع العدو".



وفي الوقت نفسه كانت المعركة المستمرة وسيلة لرأب الصدع وسد الثغرة التي تسرب منها العدو، وهي ثغرة الخلافات والفرقة، بحيث تم "بناء دولة الطوق" التي وضعت الكيان الصليبي بين "فكي كماشة" كان يتم الضغط على جانبيها بشكل مستمر، وبناء. "دولة صلاح الدين" هي النموذج الذي حقق النصر وأنجز التحرير الذي احتشدت الأمة كلها وراءه ومن أجله.



ومرة أخرى، يضع العلامة "رنسيمان" يده على النقطة المركزية، أو الحلقة المركزية في الموقف العربي ـ الإسلامي بتركيزه على ما سماه "إمبراطورية صلاح الدين"[81] التي امتدت من برقة إلى نهر دجلة حيث "ارتكن إلى ثروة مصر، وخضعت لحكمه المباشر المدينتان الكبيرتان دمشق وحلب، وأحاط بهما وامتد صوب الشمال الشرقي حتى أسوار الموصل، الاقطاعات الحربية التي ارتكن صلاح الدين إلى مساندة أربابها. ولقى صلاح الدين التأييد من الخليفة العباسي ببغداد. وسعى سلطان السلاجقة ببلاد الأناضول "آسيا الصغرى" إلى كسب صداقته ولم يكن لأمراء السلاجقة بالشرق من القوة مايدفعهم إلى مقاومته ولم تعد الامبراطورية البيزنطية مصدر خطر له".



وعندئذ، لم يتبق لصلاح الدين إلا أن يضرب ضربته ليقهر الدخلاء "الذين صاروا وصمة عار في جبين الإسلام، بتملكهم فلسطين وساحل الشام".[82] وقد فعل. وكانت حطين منطلق الظفر، والبداية الحقيقة لإزالة الوجود الصليبي. ولكن، هل من الضروري أن تقوم دولة عربية في حدود دولة صلاح الدين كي يتم النصر على الكيان الصهيوني؟ ثم ألا يوجد فارق نوعي بين كيان أمس وكيان اليوم الذي يتدرع بسلاح نووي ويستند إلى مدد لا ينفد من جانب أمريكا التي تقدم له سنوياً حوالي 10 مليارات دولار؟.



عوامل لا تسقط من الاعتبار، ونحن نتذكر أننا كنا قريبين يوماً من حدود دولة صلاح الدين، وتمثل هذا في نطاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في أبريل 1963. ومن قبل كانت وحدة مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة، لماذا تساقط هذا؟



إننا نحتاج إلى القيادة التي تجعل التحرير هدفاً ورسالة، وتربط كل شئ بهذا الهدف/ الرسالة التي يحملها قائد، ربما يكون شخصاً أو حزباً أو اتجاهاً يشحذ الأمة كلها خلفه، بحيث تنتقل الرسالة من يد إلى يد، كما انتقلت من قبل من عماد الدين زنكي، إلى ابنه نور الدين محمود ثم إلى صلاح الدين، وخلف من ورثوها بعده. صحيح أن بعضهم فرط أو تنازل، كما فعل الكامل محمد، ولكن خط التحرير ظل خطاً مستمراً ومتصاعداً لدرجة أن المماليك واصلوا رسالة الأيوبيين وأكملوها، ومن أسف ومنذ 1948 إلى اليوم نكاد نفتقد مثل هذه القيادة، اللهم إلا عبدالناصر ما بعد هزيمة حزيران 1967 إلى أن توفي قبل ذلك وبعد ذلك، نجد قيادات وأحزاباً وتنظيمات تتنازل اليوم عما استمسكت به أمس، وتفرط هنا فيما رفضت التفريط فيه هناك، أي لا نعرف بقاءً على مبدأ، ولا قتالاً من أجل الحق، سواء في ميدان الحرب أو على مائدة المفاوضات.



يروي صاحب "النوادر السلطانية"[83] أنه في إحدى جولات المفاوضات بين العادل شقيق صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد الذي يسميه "الأنكتار" بعث هذا إلى السلطان رسالة قال فيها: "إن المسلمين والفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد، وخرجت من يد الفريقين بالكلية، وقد تلفت الأموال والأرواح من الطائفتين، وقد أخذ هذا الأمر حقه، وليس هناك سوى القدس والصليب، والبلاد، والقدس فمتعبدنا ما ننزل عنه، ولو لم يبق منا واحد، وأما البلاد فيعاد إلينا منها ما هو قاطع الأردن، وأما الصليب فهو خشبة لامقدار له عندكم، وهو عندنا عظيم، فيمن به السلطان علينا ونصطلح ونستريح من هذا العناء الدائم". فما كان من صلاح الدين إلا أن رد عليه بقوله: "القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين وأما البلاد فهي أيضاً لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئاً عليها، لضعف من كان بها من المسلمين في ذلك الوقت. وما أقدركم الله على عمارة حجر منها ما دام الحرب قائماً بيننا، وما بأيدينا نحن منها نأكل بحمد الله وننتفع، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، ولا يجوز لنا أن نفرط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها".



إن الصلابة ليست في ميدان القتال فقط، بل في كافة الميادين، فمن يفرط أو يتنازل مرة يفعل ذلك مرات ومرات. وهذا ما تحتاج إلى أن تتعلمه وتقتدي به كل الشخصيات التي تفاوض العدو الصهيوني في أي مجال من المجالات، دون أن ننسى أن التفاوض هو شكل من أشكال الصراع، وليس وسيلة لراحة أو استرخاء وحين نستذكر أحوال مفاوضينا، من كامب ديفيد إلى أوسلو على سبيل المثال، فإن الصورة لا تسر أحداً، لدرجة أن العادل وزير خارجية صلاح الدين كان أشد بأساً ومراساً وأكفأ وأقدر على المناورة والأخذ والعطاء من رجال الدبلوماسية العرب المعاصرين الذين أدمنوا التفاوض، كما أدمنوا التنازل. ومن أسف أنهم يكابرون ويتبجحون ويقولون: هل تريدوننا أن نقاتل إلى الأبد؟ ويهزأون من الشعارات التي التفت حولها الأمة متسائلين: ما معنى أن "ما ضاع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"؟ ويزعمون أن هذا قمة الضياع. ويسخرون من الاستمساك بحق العودة، ومن الدعوة إلى الحرب المستمرة، ويتمسحون في صلاح الدين بدعوة أنه فاوض، وهادن، وعقد صلحاً، دون أن يعرفوا أن هذا القائد ابن العصور الوسطى لم يبرم ما يسمى صلحاً نهائياً، وسار خلفاؤه من بعده على هذا النهج، بينما نجد أن الوزير الفاطمي "شاور" كان مستعداً وموافقاً على عقد "معاهدة سلام دائمة" مع ملك مملكة بيت المقدس يباركها الخليفة الفاطمي العاضد. [84]



وإذا كانت الحرب هي الدبلوماسية بوسائل أخرى، فإن صلاح الدين كان يقاتل ويفاوض هكذا فعل مع ريتشارد قلب الأسد أثناء القتال عند عكا، بعد تحرير القدس. وعندما حمى وطيس القتال، واشتدت المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين، طلب ريتشارد عقد "قمة" مع صلاح الدين "دون تحديد مسبق للأساس الذي تقوم عليه المفاوضات بينهما"، فما كان منه إلا أن رفض وقال كلمة صارت مثلاً وقاعدة وعرفاً: "الملوك لا يجتمعون إلا عن قاعدة".[85]



كان صلاح الدين يعرف أهدافه، وقد أجاد الإعداد والتخطيط لها، سياسة وقتالاً ضد العدو، وإعداداً لدولته من الداخل. وقد وضع نصب عينيه هدفين أساسييين ومتكاملين: توحيد مصر والشام والجزيرة، واتخاذ ذلك قاعدة انطلاق للجهاد ضد الفرنجة، وكان الهدفان يتكاملان معاً، ويسيران معاً. التوحيد والاندماج خطوة خطوة، والجهاد معركة بعد معركة، فالتوحيد زاد للجهاد، والجهاد يخلق الأرضية لتحقيق المزيد من الوحدة. [86]



ولكن التاريخ ليس خطاً بيانياً صاعداً باستمرار. وبعد رحيل صلاح الدين في 1193 تمزقت دولته بين أشقائه وأبنائه، وحدث نزاع بين البيت الأيوبي والبيت الزنكي.. ووصلت الأمور إلى حد أن الملك الكامل محمد ـ ابن أخي صلاح الدين ـ تنازل في اتفاقية يافا في 18 شباط 1229 عن بيت المقدس للامبراطور فردريك الثاني، بالإضافة إلى بيت لحم والناصرة وتبنين وصيدا. وبالفعل دخل الامبراطور المدينة المقدسة في 17آذار من السنة نفسها. وفي 1244 اقتحم الخوارزمية بيت المقدس واستولوا عليه من الفرنجة، وأدى هذا إلى خروج الحملة الصليبية السابعة، التي توجهت إلى دمياط واستولت عليها، ولكن لويس التاسع وقواته هزموا وأسر هو في المنصورة في 1250 وفي السنة نفسها انتهى حكم الأيوبيين في مصر، وبدأت دولة المماليك.



وبهذا نرى أن ما حققه صلاح الدين من إنجازات فيما بين 1182 و1193 بشكل خاص، كاد يتبدد على أيدي خلفائه، لولا أن شعلة الجهاد كانت قد اتقدت وبدأت تحرك "الشارع العربي ـ الإسلامي" إنكاراً واستنكاراً لكل تنازل للأعداء، وإدانة له وسخطاً عليه. فحينما تنازل الكامل محمد للامبراطور فردريك عن بيت المقدس: "قامت القيامة في جميع بلاد الإسلام، واشتدت العظايم بحيث أنه أقيمت المآتم"، ويقول المقريزي إنه حين سمع المسلمون بخبر تفريط الكامل في القدس: "اشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل، وحضر الأئمة والمؤذنون من القدس إلى مخيم الكامل وأذنوا على بابه في غير وقت الأذان.. فعظم على أهل الإسلام هذا البلاء، واشتد الإنكار على الملك الكامل وكثرت الشناعات عليه في سائر الأقطار".[87]



ورد الفعل الشعبي هذا أقوى بكثير من رد الفعل على سقوط القدس في أيدي الصليبيين في 1099، فقد شارك "الشعب" على مدى قرن ونصف في احتمال أعباء الجهاد، ولعب دوره في كثير من المعارك، ولذلك لم يعد يتقبل الهزيمة أو يقبل التفريط.. وقد لعب هذا التفريط من قبل الكامل محمد دوره في نهاية دولة الأيوبيين ومجيئ المماليك، الذين رأوا أن شرعيتهم لن تكتمل إلا بمواصلة الحرب والجهاد ضد الصليبيين، والقضاء على بقايا وجودهم في المنطقة.



وإذا كانت المعارك ضد الصليبيين قد استمرت حوالي قرنين، تخللتها تطورات عديدة فقد تقاعس بعض الحكام وسعى آخرون إلى خطب ود الصليبيين اتقاء لشرهم أو طمعاً في مغنم على حساب آخرين من الحكام والأمراء العرب ـ المسلمين في حين أن أهل الفكر لم يهادنوا يوماً، ولم يظهر بينهم من يدعو إلى قبول الصليبيين أو مصالحتهم بل كان العماد الفاضل، وابن شداد وغيرهما من رجال الفكر والأدب الذين أحاطوا بصلاح الدين أصحاب دور كبير في شحذ الهمم، وتوحيد الصفوف، ودعوة القوى العربية ـ الإسلامية إلى مساندة السلطان في جهاده.



ومع غزارة ما كتب في تلك الفترة من أدب وشعر وكتب، فإن المرء لم يقدر له أن يجد كلمة من كاتب تدعو إلى تثبيط الهمم، أوالتقاعس عن القتال، مثل تلك الدعاوى التي تتوالي في أيامنا هذه، بدعوى "السلام" تارة والحرص على التنمية تارة أخرى، ومراعاة الظروف الدولية مرة ثالثة!! بالعكس، كان صوت وسوط النقد يلهب ظهور من يتقاعسون عن الجهاد، أو يفرون من ميدان القتال ولا يأتون من البأس إلا قليلاً، ولم ينج حتى كبار القادة من النقد الذي لم يسلم منه صلاح الدين بعظمته وبطولاته وانتصاراته.



ويسجل التاريخ أن "أدب المقاومة العربي" بدأ مع بداية الاجتياح الصليبي للشام وأن المساهمين فيه، سواء كانوا عرباً أو غير عرب، كتبوا أدبهم بالعربية، لغة الثقافة والتراث"[88] وإدراكاً من العدو الصهيوني اليوم لدور الكلمة في المعركة فإنه يحاول بوسائل متعددة أن يؤثر على الكتاب والأدباء والمثقفين والصحفيين وقادة الرأي العام.



وعلى الرغم من أن محاولاته لم تحقق نجاحاً، إلا أنه لم يتوقف، وقد بدأ يحدث اختراق في هذه الجبهة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في 1993.. فالذين كانوا ضد التطبيع كادوا يصبحون سماسرة تطبيع، وما أسهل التبرير والتزييف، ورفع شعار حرية الرأي والاجتهاد، مادامت الخيانة قد أصبحت وجهة نظر.



وفي مواجهة هذا الإفك، فإن إحياء وتعميق الكتابة عن فترة الحملات الصليبية يعتبر مهمة نضالية، خاصة وأن كثيراً من أدب عصر الحروب الصليبية كما يقول الدكتور أحمد أحمد بدوي "لايزال خبيئاً في الخزائن، مخطوطاً أو مصوراً، لم يحقق تحقيقاً علمياً يظهره في أكمل صورة ممكنة، وأن من الواجب تضافر القوى على نشر هذا الأدب وإذاعته حتى يكون من الميسور دراسته في صورة أوسع.." [89] ولكل قاعدة شواذ والشاذ هو الذي يثبت القاعدة ويؤكدها. جميع الكتاب والشعراء المثقفين كانوا مع الجهاد ووراءه، ورفع رايته، والانخراط فيه.. باستثناء واحد، واحد فقط، في قرنين من الزمان وهذا الواحد يروي الدكتور أحمد أحمد بدوي قصته بقوله: [90] "مما ينبغي أن يسجل لندرته، حتى لا يروي تاريخ الأدب له نظيراً، هذا الشعر الخائن الذي يشمت بهزيمة المسلمين، ويشمت بما ينالهم من ضر، ولا يروي التاريخ من هذا النوع سوى بيتين، قالهما شاعر لم يشأ التاريخ أن يحتفظ باسمه بل ذكر فحسب أنه كان عند الفرنج، وأنه كان ينتجعهم ولست أدري السبب الذي دفعه إلى انتجاع أعداء البلاد، وفي أمراء البلاد الإسلامية ما كان يغنيه عن هذه الخيانة النكراء، فهل احتفظ به الفرنج وأغدقوا عليه ليكون داعيتهم وليتخذوا لسانه سلاحاً لهم، ينشر في صفوف المسلمين الرعب من الفرنج والرهبة لهم؟!. يقف التاريخ صامتاً عن السبب الذي دفع هذا الشاعر إلى هذا الاتجاه، الذي لم أر له مثيلاً: أما البيتان فقد قالهما الشاعر عقب غزوة غير ناجحة للأفضل الوزير المصري، ابن أمير الجيوش، فقد كوتب من عسقلان بأن الفرنج قد اجتمعوا للغزو، فعنى الأفضل بالأمر أيما عناية، ولم يبق في مكنته شئ من مال، وسلاح، وخيل، ورجال، وأناب أخاه مكانه بين يدي الخليفة، ومضى لا يريد أن يصد هجومهم المترقب فحسب، بل أن يستنقذ الساحل كله من أيديهم ولكنه لم يوفق في بلوغ هدفه. ويقال إن السبب في ذلك يعود إلى خيانة من الجند، فعاد الأفضل غاضباً على جنده وشيعه هذا الشاعر الخائن بقوله، يخاطب صنجل ملك الفرنج: نصرت بسيفك دين المسيح فلله درك من صنجـــل



وما سمع الناس فيــما رووه بأقبح من كسرة الأفضل

ولقد لقى هذا الشاعر جزاء خيانته، فقد توصل الأفضل إلى ذبحه ومما لا ريب فيه أن هذا الشاعر الخائن ندد بالمسلمين في غير هذا الشعر، وربما يكون الفرنج قد قصدوا بشعره هذا أن يشيع بين المسلمين الذين بقوا تحت سيطرة الفرنج إن كان قد بقى منهم أحد".



ولا شك أن بيننا اليوم أكثر من واحد من أمثال هذا الشاعر الذين يوهنون العزائم، ويثبطون الهمم، ويكادون يقولون إنه ليس بمقدورنا أن نهزم العدو. إنهم لا يقولونها صريحة واضحة، ولكنهم يلفلفونها ويلفون من حولها ويدورون، وإذا كان العصر غير العصر، حيث صار العالم "قرية واحدة" وخارج واحد على الصف يمكن أن يكون لصوته ناقل في الإذاعات، والفضائيات والصحف، خاصة وأن أدعياء "الحكمة" يتكاثرون، وساحة المواجهة لا تقف عند حدود دول الطوق: مصر والشام والجزيرة، بل إن كل قطر عربي يحاول أن تكون له كلمة ورأي حتىدون أن يقول كلمة حق من أجل فلسطين. وحين عجز العدو عن أن يفتح أبواباً للتطبيع مع مصر وسوريا ولبنان، وحين جوبه بحركة مضادة قوية في الأردن، ذهب يقرع أبواباً في عُمان وفي قطر.. وحتى في موريتانيا، وبذلك فإن العدو يعترف بفشله لا بنجاحه، ذلك أن مصائر فلسطين في عصر الصليبيين وفي عصرنا الراهن لم تقررها ولن تقررها إلا إرادة أبنائها، ودول الجوار اللصيقة.. التي تستطيع أن تكون قاطرة لدول عربية أو حتى إسلامية أخرى. وهنا، فنحن أمام "معادلة هامة في تاريخ المنطقة العربية" حسب تعبير الدكتور قاسم عبده قاسم[91]، معادلة مؤداها أن العمل المشترك والتنسيق والحد الأدنى من الوحدة كانت شروطاً لازمة للنجاح والنصر. هذا هو القانون الحاكم، وسنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.



وفي هذا الإطار ومن أجل معركة التحرير، فإن هناك إقليماً قاعدة، حسب التعبير العصري. وهذا الإقليم هو مصر، فيه "تقرر آخر الأمر مصير مملكة بيت المقدس"[92] وبعبارة أخرى: فإن دعاة الحركة الصليبية والمتحمسين لها وصلوا في نهاية القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر إلى نتيجة حاسمة لا شبهة فيها ولا جدال حولها، هي أن مفاتيح بيت المقدس توجد في القاهرة، وأن عليهم البدء بمصر أولاً بوصفها الطريق الطبيعي الذي ـ لا طريق غيره ـ للوصول بهم إلى بيت المقدس.



وقد ظهرت هذه العقيدة بوضوح في أقوال زعماء الحركة الصليبية ودعاتها، فهم حيناً يشبهون مصر بأنها رأس الأفعى وأحياناً يشبهونها بأنها مخزن الإمدادات في العالم الإسلامي، ومرة ثالثة يشبهونها بالقلب في الجسم"[93].. وتفكير الصليبيين في مصر، والنظر إليها على أن في عاصمتها مفتاح القدس تفكير برز منذ بدايات الحملة الصليبية، وغداة الاستيلاء على القدس في 1099 ولكن مع نهاية القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر أصبح راسخاً في أذهان الصليبيين أن "الاستيلاء على مصر ضروري لتأمين مشاريعهم وبقائهم في فلسطين، وأنه بدون سيطرتهم على مصر لن تستقر حياتهم في الشام" وعلى الجانب الآخر، الجانب العربي ـ الإسلامي، أنذرالكامل محمد من خلال سبعين رسولاً أهل الإسلام من غلبة الفرنج على مصر، وخوفهم من أنهم حتى ملكوها "لا يمتنع عليهم شئ من الممالك بعدها".[94]



هذا عن الصليبيين، فماذا عن الصهاينة؟. أليس هذا عينه ما تحدث به بن جوريون، النبي المسلح، حين حذر بني قومه من القيادة المصرية للعالم العربي؟!.



والصهاينة على خطى الصليبيين حاولوا غزو مصر، وغزوها فعلاً ولكنهم لم يدخلوا القاهرة أو دمياط.. بل وقفوا عند ضفة القناة، واجتازوها مرة واحدة في 1973، ووقفوا على مبعدة 101 كيلو متر من القاهرة.. ولكنهم من ناحية أخرى لا يألون جهداً من أجل نزع مصر من مقعد زعامة وقيادة الوطن العربي.



إذن درس مستفاد آخر، وليس أخيراً، هو الاستمساك بدور مصر العربي، ومقاومة أية محاولة لإضعافه أو التقليل منه.. من يفعل ذلك يجد نفسه، شاء أم أبى، يقف بجوار العدو، ويعمل ما يحقق مصلحته.



ماذا بعد؟.. ماذا عن المستقبل؟

المقارنة بين الحركة الصليبية والحركة الصهيونية تقود غالباً إلى الحديث عن المستقبل، أي مستقبل الكيان الصهيوني، لأن السؤال الذي يختفي وراء هذه المقارنة، والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف هو: هل سيلقى الكيان الصهيوني المصير نفسه الذي لقيته مملكة بيت المقدس الصليبية؟ إذن كيف ومتى؟؟



الدراسات ذات الطابع الإسلامي أوالدراسات الإسلامية تعتبر زوال إسرائيل مسألة مفروغاً منهاً، وحتمية قرآنية وهي في أغلبها تفسير تأويلي لبعض آيات القرآن الكريم.



هناك دراسات عربية أخرى، منها دراسة الدكتور أسامة الغزالي حرب عن مستقبل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحوار منير شفيق والسيد أباه عن "مستقبل إسرائيل"[95] وهناك دراسات أخرى، وربما حملت العنوان نفسه.. ولكن هناك كتابات من الجانب، كتابات مثيرة، إن لم تناقش علمياً، فإنها تستحق أن تؤخذ في الاعتبار.



منها، كتاب "أوري وزولي" وعنوانه: هل ستبقى إسرائيل حتى عام 2048؟ [96] من قبل وفي عدد 12ـ18 تشرين الأول 2000 من مجلة"الإكسبريس"الفرنسية خرج "جاك أتالي" مستشار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران وأحد القادة السابقين للطائفة اليهودية بمقال عنوانه: "إسرائيل إلى أين؟ الحلم الصهيوني محكوم بالموت".[97]



وفي سبتمبر من العام 2003، خرج "إبراهام بورج" الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي بعنوان: مجتمع إسرائيلي فاشل ينهار، فيما يلزم قادته الصمت وتتحكم فيه دولة المستوطنات".[98]



ووسط تلال الأوراق والقصاصات وجدت اقتباسة لم أسجل مصدرها الذي نقلت عنه، ولكنها تشير إلى مجلة "مومينت" الصهيونية الأمريكية عدد سبتمبر 1977، المجلد الثاني العدد الثاني، ص51.. والاقتباسة تشير إلى أن هذه المجلة نشرت مقابلة مع الزعيم الصهيوني المعروف "ناحوم جولدمان" يتحدث فيها عن "حديث على انفراد" بينه وبين "بن جوريون" أحد رؤساء الوزراء السابقين في "إسرائيل". ويقول جولدمان "إن الحديث كان من الخطورة لدرجة أنهما أبعدا زوجة بن جوريون عن سماعه".



في ذاك المساء قال بن جوريون حسب رواية جولدمان: "لماذا يجب على العرب أن يقيموا سلاماً معنا؟. هل هم مجانين؟. لوكنت عربياً هل كنت أقبل بإسرائيل؟ لقد جئنا وسلبناهم بلادهم، فلماذا يجب أن يقيموا سلاما؟" في بقية الحديث كما رواه جولدمان ألقى بن جوريون نظرة مستقبلية على صراع الكيان الصهيوني ضد العرب. سأل جولدمان زميله بن جوريون: إذا كان هذا هو الوضع في رأيك يا ديفيد فكيف ترى المستقبل؟ حسب رواية جولدمان فإن جواب "بن جوريون" كان: سأخبرك، في شهرين أو ثلاثة سأبلغ السبعين، فإذ سألتني ما إذا كنت سأموت وأدفن في دولة يهودية، أقول لك إذا عشت 10 أو 15 سنة، ربما، أعتقد نعم أموت وأدفن في دولة يهودية. ابني عاموس سيبلغ الخمسين في شهر أكتوبر، إذا سألتني ما إذاكان سيموت ويدفن في دولة يهودية، أقول لك إن حظه في ذلك 50% في أفضل الأحوال. يختتم "جولدمان" روايته بأنه سأل بن جوريون: كيف ينام الليل كرئيس للوزراء لديه مثل هذه التوقعات؟



أجاب بن جوريون: "من قال لك إني أنام الليل؟". ومنذ شهر بالتمام والكمال قبل كتابة هذه الكلمات أي في 27 تشرين الثاني 2003 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالاً للكاتب الإسرائيلي "يرون لندن" قال فيه: "في مؤتمر المناعة الاجتماعية" الذي عقد هذا الأسبوع، في سدروت علم أن نسبة كبيرة جداً من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة. هذه المعطيات تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة الثانية عشرة. وهذا هو السبب لكثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة".



في 18نوفمبر الماضي نفسه، كتب "يوئيل ماركوس" مقالاً بعنوان: "القبطان ملزم بالمغادرة" في هآرتس، أشار فيه أيضاً إلى حكاية الثلاثين سنة، وقال: "في بعض الحلقات البحثية والدراسية أصبحوا يتداولون في كون إقامة الدولة مسألة خاطئة من البداية، من انتفاضة الحجارة والزجاجات الحارقة الأولى، وصلنا إلى وضع تطرح فيه أسئلة حول تواصل بقاء إسرائيل كدولة يهودية بعد 30 سنة"..



شخصياً، أكاد لا أصدق هذه الأقوال"الإسرائيلية" أحسبها نوعاً من المبالغة في المعارضة لشارون وسياساته، كما أن المقاومة الفلسطينية، والرفض العربي لم يصلا إلى الحد الذي يسقط "إسرائيل"، بعد 30 سنة من الآن. ليس بعد...



هوامش:

(1) أنظر في معنى مغاير لما ذهبنا إليه الدكتور بشارة خضر، في كتابه: أوربا وفلسطين من الحروب الصليبية حتى اليوم"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ، 2003. ص60ــ61، حيث يقرر أن العرب والمسلمين يجدون في"حروب الإفرنج" نوعاً من الوعد بمستقبل أفضل، أو هي أسطورة تستخدم" كتعويض عن حاضر محبط نفسياً". ثم يضيف(60ــ61) "هكذا تصبح ملحمة الحروب الصليبية، كأسطورة سياسية،"خزان دروس" للأزمنة الحاضرة" وسيستخدم الصحافيون والمؤرخون والمناضلون القوميون أو المسلمون هذا الحدث الماضي للتشديد على أهمية وحدة الأمة العربية أو الأمة الإسلامية، لإبراز مركزية مصر أو سوريا في السلم والحرب، وأخيراً لطمأنة رأي عام محبَط بإعلان أن نصر العرب والمسلمين على أعدائهم مندرج في نوع من الضرورة التاريخية الموضوعية". ويكفي أن الدكتور بشارة يبدو كمن يرد على نفسه حين يذكر أن"هذا اللجوء إلى التاريخ ـ المرافعة ليس خاصاً بالعالم العربي. فلدى جميع الشعوب نزعة إلى تحويل الذكريات إلى إرث، وإلى أن تجعل الهزيمة الوطنية تسمو نحو فعل بطولة، وإلى أن تبتدع لنفسها أساطير سياسية".



ويبدو أن الدكتور بشارة ليس ملماً بما يكفي بالأدبيات العربية حول الحروب الصليبية.. ولو أن كلامه عن"أسطرة" هذه الحروب عند العرب صحيح، لما اهتم بها الصهاينة، ووضعوها موضع دراستهم، كما سنبين في المتن.. وحتى الكتابات الإسلامية الجادة والأصيلة لا تذهب إلى ما سماه الدكتور بشارة"إعلان أن النصر.. مندرج في نوع من الضرورة التاريخية والموضوعية" بل تتحدث عن التغيير والقوانين أو السنن التي توجهه، أنظر على سبيل المثال: د. ماجد عرسان الكيلاني: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس.المعهد العالمي للفكر الإسلامي هيرندن ــ فرجينيا ــ الولايات المتحدة الأمريكية، 1994. ومع ذلك، يجب أن نضع في الذهن ما يذكره الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. سلسلة عالم المعرفة، الكويت، مايو ــ آيار1990 ص7] من أن أدبيات الحروب الصليبية في التدوين التاريخي العربي"لاتزال تدور في الغالب الأعم حول أحداث المعارك ووقائع الحروب ولا يزال رصد الظاهرة من منظور يهتم بالسببية التاريخية ويحاول استقصاء نتائجها وحصادها محدوداً للغاية".



(2) هناك عدد من الدراسات العربية التي تناولت المشابهة بين الظاهرتين الصليبية والصهيونية بشكل مباشر من أبرزها:

أ ـ شارل عيسوي: الحروب الصليبية والأزمات الحالية في الشرق الأدنى مشابهة تاريخية. مجلة"الأبحاث"، بيروت، ديسمبر1957.

ب ــ الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني. الدار العربية للكتاب، ليبيا ــ تونس، 1975.

جـ ـ أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء. مجلة شؤون فلسطينية بيروت، ع 22، حزيران ــ يونيو 1973.

د ــ كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية. دار الموقف العربي للصحافة والنشر والتوزيع، القاهرة، دون تاريخ نشر"تاريخ الإيداع في دار الكتب المصرية هو 1980".

هـ ـ د. عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي: مستقبل الصراع على فلسطين في ضوء مقارنة بين الاستعمارين الصليبي والإسرائيلي. مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، القاهرة2002.

(3) د. قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره ، ص9.

(4) لا يوجد نص كامل لخطبة البابا أربان الثاني، أنظر ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، الجزء الأول، 1967. ص60 ــ 63.

(5) د. قاسم عبده قاسم، ماهية الحروب، مصدر سبق ذكره، ص12.

(6) المصدر نفسه، ص14. ومن أسف أن أ. د. زينب عبدالعزيز في كتابها "حرب صليبية بكل المقاييس" دار الكتاب العربي، دمشق ـ القاهرة، 2003. ص7" تعتبر استخدام تعبير حرب الفرنجة تلاعباً بالألفاظ من قبل أقلام كبار المسيحيين في مصر ليمحوا عنها ارتباطها بالدين المسيحي والصليب، مستخدمين عبارة "حرب الفرنجة" بدلاً عنها لأن الصليب منها برئ. وتسابقت بعدهم أقلام بعض الذين ألفوا التطوع والمواكبة من المسلمين لإثبات صحة هذا التحريف الجديد أو هذا التلاعب بالألفاظ، ترى هل كان مؤرخونا الكبار، الذين أشار إليهم د. قاسم، من أمثال ابن القلانسي وابن الأثير وابن العديم وابن واصل وغيرهم يتلاعبون بالألفاظ فلم يستخدموا تعبير"حرب صليبية" واستخدموا بدلاً منها"حرب الفرنجة"؟. وهل قرأت الأستاذة الدكتورة كتابات هؤلاء المؤرخين الكبار؟.

(7) الدكتور أنيس قاسم: تأملأت في الاحتلالين، مصدر سبق ذكره ، ص46.

(8) عبدالعال الباقوري: مشروع مكتبة عربية حول الحروب الصليبية. صامد الاقتصادي"مجلة فصلية تصدر من عمان" العدد 133ــ134، السنة 25، من حزيران إلى كانون الأول 2003، ص352.

(9) د. زينب عبدالعزيز: حرب صليبية...، مصدر سبق ذكره ص22 ــ 23.

(10) يشير الدكتور قاسم عبده قاسم"ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص14، إلى أن"ماركس وإنجلز ولينين يرون أن"الحملات الصليبية" كانت مشروعات استعمارية استيطانية تهدف إلى استعباد الشعوب تحت راية الصليب" ويضيف أن"لينين جسد هذه النظرية حين اعتبر الإجراءات التي اتخذت عشية الحرب العالمية في أيرلندا ضد العمال" حملة صليبية" ضد العمال وحقوقهم وقد درج الماركسيون على تضمين مصطلح"الصليبية" معنى مجازياً سلبياً في كل كتاباتهم".

(11) الكتابات حول الصهيونية عديدة، وتعريفاتها متعددة، ويكفي أن نشير هنا إلى مصدرين فقط هما:

أـ د. محمد عبدالرؤوف سليم: تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة 1897ـ1918، القسم الأول. معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974.

ب ــ روجيه جارودي: ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية. دار الشروق،القاهرة، 1984.

(12) د. السيد على السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996 .ص155 وانظر المرجع الذي يشير إليه في الهامش.

(13) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: مصدر سبق ذكره. ص14

(14) التعبير للدكتور قاسم عبده قاسم في "ماهية الحروب الصليبية"، مصدر سبق ذكره، ص15

(15) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل. مصدر سبق ذكره، ص6ــ7.

(16) يعقد كمال الأسطل مقارنات بشكل موسع تشغل الصفحات من الصفحة الحادية عشرة ، إلى الصفحة الواحدة والثلاثين.

(17) مقدمة الدكتور عبدالحافظ البنا لترجمة كتاب يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001.ص2

(18) أنطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مرجع سبق ذكره. ص20.

(19) الدراستان هما"الاستيطان الصليبي في فلسطين: مملكة بيت المقدس" الذي سبقت الإشارة إليه"أنظر الهامش رقم1" و"عالم الصليبيين" ترجمة: الدكتور قاسم عبده قاسم والدكتور محمد خليفة حسن، دار المعارف، القاهرة1981. وقد وعد الدكتور محمد خليفة في مقدمته للترجمة"ص26" بتقديم دراسة بيبلوجرافية وهستوريو جرافية عن الدراسات الصهيونية حول الحركة الصليبية، وأظن أنها لم تصدر إلى اليوم على الرغم من أن الرجل يرأس منذ سنوات مركز الدراسات الشرقية في جامعة القاهرة وهو مركز مهتم بالدراسات والأعمال الصهيونية والعبرية واليهودية.

(20) رئيس الأركان الإسرائيلي في عدوان 1967، وقد تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية ولقى حتفه اغتيالاً على يدي صهيوني أكثر منه تطرفاً في 4نوفمبر ــ تشرين الثاني 1995، لأنه وقع اتفاق أوسلو في 1993.

(21) كمال محمد محمد الأسطل، مستقبل إسرائيل، مصدر سبق ذكره، ص33، انطوان بطرس، مصدر سبق ذكره، ص20. والمصدر الأصلي الذي استقى منه الاثنان هو كتاب يوري أفنيري"إسرائيل دون صهيونية" الصادر في 1969، أنظر كميل منصور: أوري أفنيري أو الصهيونية المستحدثة، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، سلسلة دراسات فلسطينية، رقم 80، بيروت، 1971.

(22) يتولى شيمون بيريز رئاسة حزب العمل حالياً، وقد تولى من قبل عدة حقائب وزارية منها وزارة الخارجية، كما رأس الحكومة الإسرائيلية من 1984إلى 1986، ومن 1995 إلى 1996.

(23) ترجمه إلى العربية يوسف ضومط، وصدر عن الأهلية للنشر والتوزيع في عمان في 2001.

(24) المرجع السابق نفسه، ص115 ــ 116.

(25) ولد في عام49 في تل أبيب، عضو نشط في الليكود، واحد من أكبر المتطرفين في قيادته المتطرفة، وقد تولى رئاسة الحكومة في 96 حين هزم بيريز بفارق ضئيل، وقد نافس شارون على زعامة الليكود، ثم تولى وزارتي الخارجية والمالية في حكومة شارون منذ 2001.

(26) ترجمه إلى العربية محمد عودة الدويري، وصدر عن دار الجليل/ عمان 96، وتضمنت الترجمة مقدمة كتبها نتنياهو لهذه الترجمة!

(27) صدر عدد غير قليل من الكتب العربية رداً على هذا الكتاب، منها على سبيل المثال لا الحصر: حسين سراج: نتنياهو رجل حرب أم داعية سلام؟‍‍‍‍، دار ديوان، القاهرة، دون تاريخ، حمدان حمدان: اغتيال التاريخ، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1997، د. سليمان المدني: العرب على مذبح السلام. المنارة، دمشق، 97، مازن النقيب: بنيامين نتنياهو إرهابي تحت الأضواء. مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996.

(28) صحفي وسياسي إسرائيلي شغل عضوية الكنيست وأصدر صحيفة"هاعولام هازيه" أو"هذا العالم"، له عدد من الكتب أشهرها:"إسرائيل دون صهاينة" و"صديقي العدو".

(29) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص137. (30) المصدر نفسه، ص138. (31) المصدر نفسه، ص138ـ139. (32) المصدر نفسه، ص140. (33) المصدر نفسه، ص147.

(34) خالد عايد(إعداد): مؤتمر هيرتسليا للأمن القومي الإسرائيلي بين الهاجس الديموغرافي وتداعيات 11أيلول ــ سبتمبر. مجلة الدراسات الفلسطينية"فصلية تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية" ، بيروت، العدد 52، خريف 2002. ص88 ــ 96.

(35) الدكتور محمد سيد سليم: التحليل السياسي الناصري: دراسة في العقائد والسياسة الخارجية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1983. ص133.

(36) عن د. مارلين نصر: التصور القومي في فكر جمال عبدالناصر 52ــ1970. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1981 ص58.

(37) نقلاً عن المصدر نفسه، ص55.

(38) نقلاً عن الدكتور محمد سيد سليم، التحليل السياسي الناصري مصدر سبق ذكره، ص133.

(39) المصدر الأخير، ص139.

(40) المصدر الأخير نفسه ، ص183 ــ 184.

(41) الدكتور يوسف القرضاوي: درس النكبة الثانية: لماذات انهزمنا.. وكيف ننتصر؟ مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1987.

(42) الكتاب صادر عن مكتبة النهضة المصرية، دون تاريخ نشر، ويصدّره الكاتب بإشارة إلى أن"هذا الكتاب قائم بذاته وهو في الوقت نفسه يمثل الأجزاء 42و43و44 من المكتبة الإسلامية لكل الأعمار.

(43) الدكتور أحمد شلبي: الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص24ــ25.

(44) صدرت هذه الكتب عن دار النهضة العربية، بيروت، 1981.

(45) الدكتور جوزيف نسيم يوسف: الوحدة وحركات اليقظة، مصدر سبق ذكره في المتن، ص48.

(46) المصدر السابق نفسه، ص65.

(47) انطوان بطرس: مشكلة إسرائيل..، مصدر سبق ذكره ،ص22، ولم يذكر المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات.

(48) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

(49) جورج جبور:"دروس التجارب التاريخية" في"العرب ومواجهة إسرائيل: احتمالات المستقبل" الجزء الأول. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000. ص49.

(50) أنظر العرض الذي أعددناه بشكل مفصل لهذا الكتاب، والذي صدر عن دار ميريت، بالقاهرة، في 2001 بعنوان:"حدود التسوية واستراتيجية إسرائيل في القرن21".

(51) جورج جبور: دروس التجارب التاريخية، مصدر سبق ذكره، ص49.

(52) الدكتور الباز العريني في تقديمه للجزء الثاني من موسوعة رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، ص6.

(53) هناك خلافات كبيرة جداً بين المؤرخين حول أعداد الصليبيين، فهل كان المشاركون في الحملة الأولى 600ألف، أو 300ألف أو 100 ألف؟ هكذا يتساءل العلامة رنسيمان"الجزء الأول ص481 وأنظر ص 483" حيث يقول:"صار مستحيلاً علينا في الوقت الحاضر أن نتحقق من الحجم الحقيقي للجيوش الصليبية.. ليس للأرقام من معنى سوى أنها تدل على أن العدد بالغ الضخامة" بمقاييس الزمن الذي جرت فيه هذه الحملات. ويعود ليذكر أن مجموع الفرسان في الحملة الأولى كان يتراوح بين 4200 و4500 فارس و30ألفاً من الرجالة، وفي "ص487" يذكر أن الذين حاصروا بيت المقدس كانوا نحو 1200 أو 1300 فارس، وما يزيد قليلاً على 10آلاف من الرجالة، أما"براور" فقّدر عدد الذين سكنوا في الأرض المقدسة بحوالي 100 ــ 120 ألف رجل، وأن المدن الثلاث الكبرى وهي القدس وعكا وصور كان سكانها 20ألفاً و40 ألفاً و30ألفاً على التوالي.

(54) د. السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية بين المسلمين والصليبيين. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1996. ص21ــ22 وانظر ص156 ــ 157.

(55) المصدر السابق نفسه، ص51.

(56) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص511 ــ 514.

(57) يوشع براور: الاستيطان الصليبي في فلسطين، مصدر سبق ذكره، ص602 ــ 604.

(58) الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية، مصدر سبق ذكره، ص11، وانظر ص126.

(59) محمد حسن (اسم مستعار لكاتب مصري صرف جهده في السنوات الأخيرة للعمل في مجال حقوق الإنسان العربي): مصر في التصور الإسرائيلي. دار الكلمة، بيروت 1981.

(60) كميل منصور: أوري أفنيري..، مصدر سبق ذكره، ص145.

(61) المصدر السابق نفسه، ص138.

(62) المصدر السابق نفسه، ص145ــ146.

(63) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص20ــ21.

(64) المصدر السابق نفسه، ص21.

(65) كمال محمد محمد الأسطل: مستقبل إسرائيل.. مصدر سبق ذكره، 281.

(66) رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص158.

(67) تهاني هلسه: دافيد بن جوريون. مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1968. ص158و199.

(68) د. عبدالوهاب المسيري: مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، دار الفكر العربي المعاصر دمشق ـ بيروت 2002 ص 143.

(69) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص158 ــ 159.

(70) كارم يحيى: رهان المليون السابع: اليهود والهجرة الصهيونية حتى 2020. دون دار نشر، القاهرة، 2002.

(71) ميخائيل زابوروف: الصليبيون في الشرق. دار التقدم، موسكو، 1986. ص156.

(72) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، مصدر سبق ذكره، ص201 ــ 202.

(73) الدكتور محمود سعيد عبدالظاهر: الوضع الديموجرافي وتأثيره على مستقبل إسرائيل، بحث مقدم إلى مؤتمر"مستقبل فلسطين.. ماذا بعد زوال إسرائيل؟" الذي أقامته جمعية مصر للثقافة والحوار، في مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، 16يونيو 2002.

(74) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص672 ــ 673.

(75) المصدر السابق نفسه، ص673.

(76) أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين..، مصدر سبق ذكره، ص81.

(77) المصدر السابق نفسه، ص81.

(78) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1963. ص696. ويعلق الدكتور عاشور على كلمات"عموري" هذه فيقول:"ولعله مما يشرف مصر وتاريخها أن الملك عموري والصليبيين عملوا حساباً لعامة أهل مصر وفلاحيها في الوقت الذي كانوا يعلمون جيداً مدى انحلال حّكام مصر وضعفهم". وعن دور المقاومة الشعبية وأساليبها ضد الصليبيين، أنظر: الدكتور السيد علي السيد: العلاقات الاقتصادية..، مصدر سبق ذكره، ص182 ــ 197.

(79) الدكتور أنيس القاسم: تأملات في الاحتلالين...، مصدر سبق ذكره، ص59.

(80) نيكيتا إليسيف: المملكة اللاتينية في القدس والحكام المسلمون في القرن 12م خطوط كبرى للعلاقات السياسية. في "الصراع الإسلامي ـ الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى" تحرير: هادية دجاني ـ شكيل برهان دجاني . مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 94. ص229. ويذكر أنطوان بطرس"مشكلة إسرائيل بين أمثولة التاريخ وبرامج البقاء، مصدر سبق ذكره، ص24، أن"عمانوئيل سيفان"، في دراسته عن"الإسلام والصليبيين" تناول فكرة الجهاد عند المسلمين"كما دونها أبو طاهر السلمي في"كتاب الجهاد" ويضيف"ولهذا الكتاب ـ المخطوطة أهمية خاصة إذ إنه كتب بعد ثلاث سنوات فقط من دخول الصليبيين إلى المنطقة، وبالتالي فهو أول دراسة عن موقف العرب من الدولة الدخيلة" وأنقب في كتب"الجهاد" عن أية معلومات عن"السلمي" هذا فلا أجد!!

(81) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص704.

(82) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها.

(83) بهاء الدين بن شداد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق د. جمال الدين الشيال. الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964. ص 194.

(84) الدكتور عمر كمال توفيق: الدبلوماسية الإسلامية والعلاقات السلمية مع الصليبيين. مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1986. ص66ــ67.

(85) المصدر الأخير نفسه، ص172، ويشير الدكتور عمر كمال توفيق في هامش بالصفحة نفسها إلى أنه عندما طلب ريتشارد الاجتماع بالسلطان، رد الملك العادل والأفضل على رسول ملك انجلترا قائلين:"لا يمكن لقاء السلطان لكل من يرسل، وما كل مقصود عليه يعرض، ليعلم في الأول هل هو مما يقبل أو عنه يعرض". انظر المصدر الذي استند إليه.

(86) إن قائداً بلا أخطاء لم يولد بعد، ولم يعرف بعد. ولست مع الصورة الملائكية التي ترسمها كتابات كثيرة لصلاح الدين، فقد كان بشراً، أخطأ وأصاب، ولكن أخطاءه لم تكن في مستوى إنجازاته العظيمة وأعتقد أن المبالغة في تصويره كقائد ورع وبطل لا يهزم، ليست من التاريخ في شئ. وفي الوقت نفسه، فإن تقييمه بنظرة طائفية ليس من التاريخ أيضاً في شئ، كما فعل حسن الأمين في كتابه: صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين، دار الجديد، بيروت، 95. أما ابن الأثير في"الكامل" فيوجه سهام نقده بموضوعية إلى بعض أعمال صلاح الدين، مثل بطء حركته بعد تحرير القدس، وعدم اهتمامه بالإسراع في تحرير الثغور، وتركه الصليبيين يتجمعون في عكا، وبعض خصوماته مع عدد من الحكام المسلمين.

(87) نقلاً عن الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية، الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره،102.

(88) هادية دجاني ـ شكيل برهان الدجاني: الصراع الإسلامي ــ الفرنجي..، مصدر سبق ذكره، ص6 ويسجل الكاتبان أن التحرير لم يكن ليتم عسكرياً لولا حملة إعداد فكري قوية واكبته بمشاركة من العلماء والخطباء والأدباء والمتصوفة الذين كان لهم دور مرموق، غرسوا من خلاله قولاً وكتابة، مثل الجهاد والتحرير والارتباط بالأرض. وكتابات هؤلاء عديدة لم تسبر أغوارها حتى الآن.

(89) د. أحمد أحمد بدوي: الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، دار نهضة مصر، القاهرة ط2، دون تاريخ. ص566.

(90) المصدر السابق نفسه، ص543 ــ 544.

(91) الدكتور قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية. مصدر سبق ذكره، ص7.

(92) أرنست باركر: الحروب الصليبية، نقله إلى العربية الدكتور السيد البار: العريني. دار النهضة العربية، بيروت، دون تاريخ. ص78.

(93) الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: الحركة الصليبية. الجزء الثاني، مصدر سبق ذكره، ص961ــ963.

(94) المصدر السابق نفسه، ص974.

(95) الدكتور أسامة الغزالي حرب: مستقبل الصراع العربي ــ الإسرائيلي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987.

الدكتور السيد ولد أباه والأستاذ منير شفيق: مستقبل إسرائيل. دار الفكر ــ دار الفكر المعاصر، دمشق ــ بيروت، 2001.

(96) أوري وزولي: هل ستبقى إسرائيل حتى عام2048؟، ترجمة سميرة دميان. الهيئة العامة للاستعلامات بوزارة الإعلام المصرية، سلسلة: كتب مترجمة، رقم 845، القاهرة، 2002.

(97) النهار، بيروت، في 12 ــ 12 ــ 2000

(98) الحياة،(لندن)، 12 ــ 9 ــ 2003.





د.فالح العمره 16-09-2006 04:10 PM

الحـروب الصـليـبية(1) :أسباب قيام الحروب الصليبية


في هذه الحلقات سنتحدث بمشيئة الله تعالى عن الحروب الصليبية التي شنها الفرنج الأوروبيون على بلاد المسلمين في بلاد الشام ومصر تركيا .

ونبدأ الحديث بأسباب هذه الحروب الحاقدة والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

1- قوة دولة السلاجقة :
فإن الدولة السلجوقية قامت للدفاع عن المسلمين ضد أعدائهم ، لذلك بدأت أولاً بمحاربة البويهيين الشيعة الذين سيطروا على الخلافة في بغداد ، وبعد أن قضوا عليهم اتجهوا إلى العبيديين الإسماعيليين في مصر والشام ، فطهروا منهم الشام وألجاؤوهم إلى مصر ، وفي نيتهم القضاء على دولتهم كلها ، ثم التفت السلاجقة للبيزنطيين في القسطنطينية فحصنوا آسيا الصغرى [ تركيا ] ، واستولوا على مدينة نيقية التي تطل على الساحل الشرقي لبحر مرمرة وتقابل مدينة القسطنطينية ، وحصنوها وأعدوها لحروب طويلة .

هذا الجهاد السلجوقي أخاف كلاً من البيزنطيين والعبيديين فالتجاؤوا إلى بابا الكاثوليك لنجدتهم وأغروه بالمقدسات النصرانية التي ببلاد المسلمين وبالخيرات الكثيرة عندهم .

2- لما قامت الحروب في بلاد الشام بين السلاجقة والعبيديين تعرض كثير من النصارى الأوروبيين الحجاج للأماكن المقدسة عندهم ببلاد الشام ، لكثير من الخطـف والأسـر والقتل ، خاصة وقد كثر حجـهم في تلك الفترة ، وهذا ما جعل بطـرس الناسك أحد الرهبان الفرنسيين الذي حضر حجهم يحقد على المسلمين وسيطرتهم على بيت المقدس ، فعاد إلى أوروبا يحرض الناس على قتال المسلمين ، وذهب ملوك أوروبا ، وإلى البابا الكاثوليكي أوربان الثاني فحرضه أيضاً ، فسر به البابا وحثه على مواصلة التحريض .

3- الحقد المتأصل في نفوس كثير من النصارى على الإسلام وأهله ؛ لقوته وسرعة انتشاره ولوراثته الأديان السابقة .

4- الحالة الاقتصادية المتردية في أوروبا حيث المجاعات والفقر الذي كان يفتك بهم ، وحرص أمرائهم على زيادة ممتلكاتهم وثرواتهم ، وحـرص العامة على التخلص من النظام الإقطاعي الطبقي الذي يعيشون في قاعه .




أشرطة الحروب الصليبية ، للأستاذ أحمد الدعيج

د.فالح العمره 16-09-2006 04:12 PM

الحـروب الصـليبـية (2) : الحمـلة الصليبية الأولى


ومؤرثها هو البابا إيربان الثاني الذي اختير بابا لروما عام 481هـ وبعث رسائله إلى أساقفة فرنسا والبلاد المجاورة يطلب إليهم الاجتماع به في كليرمونت بفرنسا عام 489هـ ، وانعقد مجمع كليرمونت في نوفمبر 1095 م،وشهده نحو ثلاثمائة من رجال الدين، وأعـلن البابا أنه سيلقي بياناًَ هاماً بعد أيام .. ووصف البابا في خطابه ما يلقاه الحجاج المسيحيون أثناء سفرهم من العذاب والمتاعب،ودعا إلى الحروب الصليبية، ونادى الأمراء بترك الخـلافات القائمة، وقدم لهم الصليب، ثم قال: فلينطلق المسيحيون بالغرب لنجدة الشرق ... ومن يلق مصـرعه في المعركة تحلل من ذنوبه وغفر الله له أخطاءه ... فلا ينبغي التمهل والإرجاء، فليستعدوا للمسير عند حلول الصيف، وليكن الله هاديهم .

وكانت الاستجابة سريعة إذ تخلل الخطاب هتافات الحاضرين : هكذا أراد الله ، ولما انتـهى من خطابه نهض من مجلسه أسقف لي بويه فركع أمام عرش البابا والتمـس مـنه الأذن أن يلحق بالحملة المقدسة، ثم ركع الكاردينال جريجوري وأخذ يتلو بصوت جهـوري قــدّاس الاعتراف فيردده وراءه جموع الحاضرين ، فلما انتهت الصلاة نهض البابا وتلا التحلل وأمر سامعيه بالانصراف إلى بلادهم،وطلب إيربان الثاني من الأساقفة أن يباشروا قيادة الحـروب الصليبية بأنفسهم .

وانقسمت الجيوش في الحملة الصليبية الأولى إلى قسمين : قسـم على مستوى الشعـوب والفقراء وسـمي حمـلة الشعـوب، وقسـم عـلى مستوى الأمـراء والحـكام والقـواد والإمبراطورالبيزنطي .

أ- حملة الشعوب :

ويقودها بطرس الناسك، وكان مؤلفاً من الفلاحين وأهل المدن وصغار النبلاء وبعض قطاع الطرق والمجرمين،ولم تكن تنظمهم رابطة ما إلا أن تكون رابطة الحماس لغـزو الشـرق الإسلامي والاستيلاء على الأراضي التي تفيض عسلاً ولبناً والاستيلاء على قبر المسيح .

وتحرك بطرس ومعه هذه الجموع حتى وصلوا كولونيا في إبريل 489هـ، وتريث بطرس حتى انضم له بعض الألمان وحصل على المؤن لجيشه، ثم غادرها بعد أسبوع راكباً حماره متجهاً إلى المجر والألمان على خيولهم وبقية الجيش كانوا مترجلين ، وتبعه كذلك مجموعات ممن ألهبت كلمات الكنيسة حماسهم، وكان هذا الجيش يهاجم بعض القـرى الأوروبيـة في طريقه وينهبها وحاصر بعضهم مدينة سملن في المجر واستولوا على قلعتها وصرع هناك ما يقرب من أربعة آلاف مجري، ثم ولوا مسرعين باجتياز نهر الساف إلى الأراضي البيزنطية خوفاً من انتقام ملك المجر .

ووصل بطرس ومن معه إلى مدينة صوفية، ثم تحركوا حتى وصلوا القسطنطينية في أول أغسطس ، وهناك انحازت له جموع أخرى من الإيطاليين ، ثم عبروا البسفور إلى آسيا، وكانوا في طريقهم ينهبون ويسلبون، واقتـرح إمبراطور بيزنطة ألكسيوس على بطرس أن ينتظر حتى تصل القوات الصليبية المنظمة قبل أن يشن هجومه ولكن قواد بطرس أغراهم السلب والنهب وظلوا يواصلون زحفهم حتى أصبحوا على أبواب نيقية عاصـمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، وغنموا ما وقع بأيديهم وأتوا شنائع عظيمة منها: أنهم كانوا يشوون الأطفال على السفافيد، ثم خرجت جماعة منهم ينهبون متجاوزين نيقية حتى وصلوا إلى قلعة اكسير يجور دون واحتلوها غير أن الجنود المسلمين أرغموهم على الاستسلام .

وهاجمت فرقة أخرى من الصليبيين القرى والمدن الإسلامية، وانشـق القـواد بعضهم على بعض، وتحركت مجموعة فرنسية منهم إلى نيقية، وفي الطريق كمن لهم من الجنود المسلمين من أصلوهم ناراً وردوهم على أعقابهم إلى قلعتهم، بل اقتحموا عليهم القلعة وهزموهم هزيمة منكرة وأسروا منهم أعداداً كبيرة، فضلاً عمن قتلوهم، وطاردوهم إلى قلعة أخرى كان قد فر منهم إليها عدد منهم وهناك قضوا عليهم .

ب- حملة الأمراء والامبراطور البيزنطي :

وهي أكثر نظاماً وأدق إحكاماً فقد سبقها جمع الأموال وتجهيز الأدوات والآلات وإعـــداد الجيوش، وشارك فيها أبناء ملوك أوروبا والأمراء من فرنسا وإيطاليا وإنجـلترا واسكتلنده وغيرها، وقد أمرهم البابا أن يجتمعوا خارج أسوار القسطنطينية،ولما وصلت هذه الجيوش إلى القسطنطينية كان الإمبراطور البيزنطي يأخذ العهود والأيمان والمواثيق عـلى أمـراء الغرب الغازين على أن يمنعوا جنودهم من النهب في أراضيه، فرفضوا أولاً وبدأوا فمنع عنهم المؤن ثم أعطوه القسم على الاعتراف به سيداً على كل ما يفتحونه من بلاد المسـلمين وعلى أن لا يدخلوا القسطنطينية؛ وذلك أن الإمبراطور وإن كان قد استغاث بالغربيين إلا أنه خشي من هذه الجيوش الجرارة على نفسه وملكه بعدما رأى من كثرتها وقوتها .

وبعد أن عبرت هذه الجيوش البوسفور تنفس الإمبراطور الصعداء بعد أن تم التفاهم والتخطيط لمواجهة المسلمين بين الصليبيين الغربيين والصليبيين البيزنطيين .

وكان هدف الجيوش كلها هو الاستيلاء على نيقية عاصمة السلاجقة، واختـارت أن تهـاجم المدينة في غيبة سلطانها قلج أرسلان الأول، وحوصرت نيقية،وانضم مع الجيوش القادمة من بقي من حملة الشعوب ووصل السلطان السلجوقي للمدينة وحاول الدخول ودارت المعـركة يوماً بأكمله ولكنه لم يستطع الدخول وانسحب الصليبيون بعد أن خسروا أرواحاً كثيرة وطلبوا مدداً بحرياً من الإمبراطور فأعانهم ولكنهم لم يستطيعوا الدخول وإنما استسلم سكان المـدينة وكان معظمهم من المسيحيين ودخلها جيش الإمبراطور ليلاً بعد حصار دام حوالي شهر من الزمان .

ونقل السلطان مقره إلى قونية فأخذت الجيوش الصليبية أهبتها للزحف على قونية مستعينين بفرق من الجيش البيزنطي فضلاً عن الإمدادات والمؤن، وحينما كان الصليبيون ينصـرفون لمحـاربة المسلمين في داخل آسيا الصغرى كان البيزنطيون يتجهون لمحاربة المسلمين في الشواطئ الغربية لها .

ثم احتل الصليبيون نيقية بعد أن انسحب السلطان السلجوقي منها، وتوالت عليهم الإمدادات من أوروبا وهم في طريقهم إلى الشام ، ثم احتلوا فريجيا وضـورليوم وهرقـلة ، ثم انقسـمت الجيوش الصليبية قسمين : الأول اتجه صوب قيليقية والثاني صوب قيصرية، واستولوا عليها ثم بلاكنتيا ثم مرعش وأقاموا بها أياماً ، وأما الإمبراطور البيزنطي فاستغل الفرصة وهـاجم أزمير وإفسوس وليديا وغـرب فريجيا واستولى بذلك على الجـزء الغربي من الأناضـول ،بسبب انقطاع هذه المدن عن دولة السلاجقة، وكان استيـلاء البيزنطيين على الأناضول من أبرز نتائج الحملة الصليبية الأولى ... يتبع



الغزو الصليبي والعالم الإسلامي للدكتور علي عبدالحليم محمود ،ص69، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/252

د.فالح العمره 16-09-2006 04:13 PM

الحــروب الصليبـية (3) : الحملة الصـليبية الأولى


اختلف القادة الصليبيون بعضهم مع بعض ، فاتجه بعضهم ( بلدوين البولوني ) إلى الرهـا تلبية لدعوة أميرها المسن الضعيف الذي لاعقب له ، فدخلها وفاوض حـاكم الرها على أن يتبناه ويجعله وريثه في الملك في مقابل حمايته له من أعدائه ، وقامت بعد ذلك بقليل ثـورة أهـلية في الرها قتلت حاكمها فانتقلت مقاليدها إلى بلدوين الذي أسس بها إمارة نصـرانية لاتينيـة ، وكان يطمح بتأسيس دولة صليبية في أرمينيا ، وقد دعمه في الأمر الأرمن .

وسار باقي القادة إلى أنطاكية، فألقوا الحصار عليها ودخلوها عنوة عام 491 ، بعد حصـار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف ، ومثلوا بالقتلى وبالناس وفعلوا أبشع الجرائم، وولوا عليها أحدهم ( بوهيمند الإيطالي ) ، وقد استقبل النصارى من أهلها والأرمن الصليبيين بكل ترحاب .

ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصـاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة، غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معـرة النعـمان، ووصلوا إلى بيت المقدس ودخلوها عام 492، بعد حصار دام واحداً وأربعين يوما ، ًولمالم يصل حامية القدس المدد من مصر حيث الدولة العبيدية استطاع الصليبيون اقتحـام المدينة ، ولم يكن أمام الجنود إلا الاحتماء بالمسجـد ، بعد أن قاوموهم ما استطاعوا ، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ،ونهبوا قبـة الصـخرة ، وقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفاً ، وخاضت ببحر من الدماء ، وانتخب جودفري الفرنسي ملكاً على بيت المقدس ، وأخذ لقب حامي قبر المسيح .

وكان العبيديون ( الملقبين زوراً وبهتاناً بالفاطـميين ) قد استغـلوا تقـدم الصلبييـن من الشمال،فتقدموا هم من الجنوب ودخلوا بيت المقدس وطردوا السلاجـقة منها قبل وصول الصليبيين إليها ، وجرت مفاوضات بين الأفضل الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمال بلاد الشام للصليبيين وجنوبيها للعبيديين ، ثم نقض الصليبيون العهد عندما شعروا بالنصر .
لقد فقدت هذه الحملة أكثر مقاتليها فقد جاءت بثلاثمائة ألف مقاتل، ودخلت إلى القدس بأربعين ألف مقاتل فقط، ومهما بالغنا بعدد المقاتلين الصليبيين الذين ساروا إلى الرها فإن عـددهم لا يزيد على أربعين ألفا، وبذا يكون عدد من بقي من الصليبيين الذين جاؤوا في الحملة ما يقرب من ثمانين ألفاً، ويكونوا فقدوا مائتين وعشرين ألفاً، قتلوا في المعارك وقتلوا على أيدي الناس الذين كانوا يثورون على تصرف هؤلاء القادمين، يثورون على كره، ورغم خوفهم الشديد ورغم معرفتهم بمصيرهم يثورون لأن تصرف الصليبيين كان على درجة من السوء والوقاحة والقباحة مايثير أية نفس مهما بلغ بها الذل والخوف .

وبسيطرة الصليبيين على بيت المقدس ارتفعت معنويات سكان الإمارات الإيطالية فبدأت سفنهم تجوب أطراف البحر المتوسط وتقدم المساعدات والدعم للصليبيين، فاستطاعوا أن يأخذوا حيفا وقيسارية عام 494 ، وأخذوا عكا عام 497، وأخذوا طرابلس عام ، 503 بعد حصار سنتين، كما أخذوا جبلة في العام نفسه، ثم أخذوا صيدا عام 504، وطلب المسلمون هدنة فرفض ذلك الصليبيون ثم وافقوا مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها لهم المسلمون، وبعد أن استلموا الأموال غدروا بالمسلمين وذلك عام 504 ، وحاصر الصليبيون مدينة صور 505 وكانت بيد العبيديين فأمدهم بالمؤن والمساعدات طغتكين صاحب دمشق فامتنعت صور عن الصليبيين .

أما من جهة الداخل فقد جاء الصليبيون من جهة الجنوب فالتقى بهم صاحب دمشق أمين الدولة وهزمهم ولاحق فلولهم الذين وصل بعضهم إلى ملاطية، وقد استطاع أن يدخلها وأن يتملكها وذلك عام 493 .

وهاجم الصليبيون دمشق من جهة الشمال عام 497 ولكنهم هزموا، وأسر أمير الرها الصليبي غير أنهم استطاعوا في العام نفسه أن يدخلوا حصن أفاميا .

لقد دعم العبيديون الصليبيين في أول الأمر ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين ضد السلاجقة خصومهم ، واتفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام ويحكم العبيديون جنوبها، وقد دخلوا بيت المقدس غير أن الصليبيين عندما أحسوا بشيء من النصر تابعوا تقدمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما، فالعبيديون قد قاتلوا الصليبيين دفاعاً عن مناطقهم وخوفاً على أنفسهم ولم يقاتلوهم دفاعاً عن الإسلام وحماية لأبنائه، ولو استمر الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام .

لقد استقبل سكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالاً حاراً ورحبوا بهم ترحيباً كبيراً،وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم أنطاكية وبيت المقدس ،كما قد دعموهم في أثناء وجودهم في البلاد وقدموا لهم كل المساعدات، وقاتلوا المسلمين، وكانوا عيوناً عليهم للصليبيين .

وتشكلت أربع إمارات صليبية في بلاد الشام وهي : إمارة في الرها ، إمارة في طرابلس ، إمارة بيت المقدس ، إمارة أنطاكية .ولم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها وشكلوا فيها إمارات رغم انتصارهم إذ كان السكان المسلمون ينالون منهم كلما سنحت لهم الفرصة،كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد ودفاعاً عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون ينتهكونها .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/255، والغزو الصليبي لعلي عبد الحليم محمود ، ص 80

د.فالح العمره 16-09-2006 04:14 PM

الحـروب الصـليبـية (4) : الحملة الصليبـية الثانية


لم يصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للغارات باستمرار ولهجوم المسلمين بشكل دائم ، وعندما نقضوا عهدهم مع العبيديين أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال .

وجه العبيديون حملة كبيرة بقيادة حاكم بيروت السابق عام 494 انطلاقاً من عسقلان نحو بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت .

وجهز العبيديون حملة أخرى عام 495 واتجهت إلى اللد والرملة فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي ( بلدوين ) فانهزم وفر إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففر من الرملة واستعادها المسلمون ، ثم حاصروه في يافا فجاءته نجدات بحرية فهاجم المسلمين فانتصر عليهم .

ثم أرسل العبيديون حملتين : إحداهما برية والأخـرى بحرية واستنجـد ( بلدوين ) بأمير الرها وأمير أنطاكية فأنجداه وانتصر .

وجهز العبيديون جيشاً كبيراً ودعموه بأسطول بحري ، وطلبوا دعم السلاجقة فأجابوهم ، وجرت أول معركة عام 498 ظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين ، ولم تكن نتائجها واضحة .

واستمرت غارات العبيديين على البلدان التي سيطر عليها الصليبيون ، فقد أغاروا على يافا عام 499، وفي العام التالي على الخليل ، وفي العام الذي يليه وصلوا إلى أسوار بيت المقدس ، وفي عام 518 أغاروا على يافا ، وأغاروا على بيت المقدس .

وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة عام 494 على حملة صليبية جاءت من غربي أوروبا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس .

ونصب الأمير كمشتكين كميناً لأمير أنطاكية الصليبي وأخذه أسيراً عام 494 ، واستطاع في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً .

وفي عام 497 سار أتابك الموصل جكرمش والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها ، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي ، ووقع ( بلدوين ) و ( جوسلين ) في الأسر .

وفي عام 499 أغار أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل ، وأغار أمير الموصل مودود عام 505 على الصليبيين ، وفي العام التالي سار إلى جهات طبريا ومدينتها .

وفي عام 514 هاجم النصارى الكرج ومن معهم من القفجاق – وهم من الكفار – ديار المسلمين وأحرزوا نصراً على المسلمين .

وفي عام 518 هاجم الصليبيون مدينة صور وكانت للعبيديين ، وسـار ( بلدوين الثاني ) أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسـر ( بلدوين ) و( جوسلين ) فأسرع إليه (بلك الأرتقي) ، فهزم جيشه وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده .

وفي عام 523 حاصر الصليبيون دمشق ولكن فشلوا في اقتحامها .

وفي عام 527 جاءت أعداد كبيرة من التركمان من الجزيرة ، واتجهوا نحو طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها ... إلخ .

وبدأ عماد الدين زنكي في عام 529 يوجه هجماته على مراكز الصليبيين الواقعة شرق نهر العاصي ليكون الفتح تدريجياً فاستولى على الأثارب و زردنا وتل أغدى ومعرة النعمان وكفر طاب وأغار على قنسرين وشيزر وحمص .

وأغار نائب زنكي على الصليبيين عام 530 فوصل إلى اللاذقية ، وفي سنة 531 أغار المسلمون على إمارة طرابلس فقتلوا أميرها وأسروا عدداً كبيراً من أتباعه .

واستطاع عماد الدين زنكي أن يفشل خطة ( حنا كوين ) إمبراطور البيزنطيين في الاستيلاء على حلب ، وامتاز زنكي عن غيره من أمراء المسلمين أنه جعل المعركة جهاداً في سبيل الله قبل كل شيء ، وجعل توحيد المسلمين وصفوفهم خطوة ضرورية قبل خوض أي معركة ضد الصليبيين .

واستطاع زنكي عام 539 أن يحاصر الرها وأن يستعيدها من الصليبيين ، واستولى على سروج عام 539 .

أما الحملة الصليبية الثانية فقد شجعها على الانطلاق فتح عماد الدين لإمارة الرها عام 539 ، وعندما انطلقت هذه الحملة عام 542 كان عماد الدين قد توفي ، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين إمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين ، وكان على رأس الحملة ملك ألمانيا ( كونراد الثالث ) و ملك فرنسا (لويس السابع ) ، واتجهت الحملة نحو دمشق ، وكان أميرها مجير الدين يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه ، واتجاه الحملة الصليبية نحو دمشق جعل أمير دمشق يستنجد بنور الدين زنكي ضدهم ، وهذا ما هيأ لنور الدين احتلال دمشق عام 549 ، واضطر ملك ألمانيا بعدها العودة إلى بلاده ، كما تبعه ملك فرنسا بعد مدة وجيزة .

ولما قتل زنكي حمل الراية الجهادية ابنه نور الدين محمود الذي حاصر الصليبيين في الرها – استطاعوا الاستيلاء عليها بعد موت عماد الدين – وهزمهم هزيمة منكرة ، وقتل (بلدوين) وأصيب ( جوسلين ) إصابة بليغة ، واستعاد منهم الرها .

وواصل نور الدين جهاده فاستطاع في عام 542 أن يستولي على عدد من القلاع مثل : بسرفوت وأرتاح والأثارب وكفر لاتا وغيرها .

وهكذا كان الهجوم على الصليبيين من الجنوب والشمال ، ثم امتد على أمارة طرابلس في الغرب ، فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتقلقهم باستمرار ، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي وتتوسع على امتداد إمارات الصليبية ،ويخطط عماد الدين وابنه من بعده محمود للسير بصورة تدريجية ومركزة .

وفي عام 544 دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية وحاصر في طريقه مدينة حارم ، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم ، غير أنه هزم عام 546 عندما سار لقتال ( جوسلين ) أمير الرها ، ثم تمكن من أسره فيما بعد ، وظل في أسره تسع سنوات ، واستطاع أن يأخذ عزاز وعينتاب ومرعش .

وباختصار فإن إمارتي الرها وأنطاكية الصليبيتين أصبح معظمهما في أيدي المسلمين .

وفي عام 546 استطاع مسعود الاستيلاء على عينتاب ودلوك ، واستولى نور الدين على الراوندان ثم على تل باشر .

واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام549 ، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام 550 ، ويعتبر عام الوحدة وتجمع القوى الإسلامية ، كما أخذ شيزر عام 552 ...



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/269 ، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبدالحليم محمود 89

د.فالح العمره 16-09-2006 04:16 PM

الحـروب الصـليبـية (5) : الحـملة الصليبية الثالثة


هلك ( بلدوين الثاني ) ملك بيت المقدس الصليبي سنة 559هـ ، وتولى من بعده أخوه عموري الأول فامتد بصره إلى مصر غير أن نور الدين أجبره على الانصراف إذ هاجم حارم ، وهاجم إمارة طرابلس عام 558هـ ، وأرسل أسد الدين شيركوه الذي اصطحب معه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ، واستطاع شيركوه أن يفوت على الصليبيين أطماعهم في مصر ، واستقر الأمر لشاور الوزير ، وترك شيركوه مصر تحت قيادته في ظل ضعف سيطرة الخليفة العباسي ، ثم ساءت سيرة شاور واستنجد الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين فأرسل له شيركوه وصلاح الدين مرة ثانية ، واشتبك مع الصليبيين قرب المنيا وانتصر عليهم ، ثم حاصر الصليبيون صلاح الدين في الإسكندرية ، ووقع الاتفاق مرة ثانية على أن يترك الطرفان مصر لشاور .

وفي المرة الثالثة اتجه عموري نحو مصر وهاجم ( بلبيس ) واحتلها ، ثم اتجه إلى القاهرة ، ووجه نور الدين جيشاً إلى مصر بقيادة شيركوه وصلاح الدين الأيوبي ، ففر عموري ودخل القائدان مصر ، وأصبح شيركوه وزير مصر ثم توفي من قريب فخلفه في الوزارة صلاح الدين ، الذي حقق انتصارات كبيرة على الصليبيين في معارك كثيرة .

وانتصـر في عام 575 هـ في ( مرجعيون ) ، وقام أسطـول المسلمين بمهاجمة مدينة عكا اضطـر ( بالدوين الرابع ) إلى عقد صـلح مع المسـلمين ، كما قام صـلاح الدين بالهـجـوم على ( انطرطوس ) الأمر الذي أرعب ( ريموند الثالث ) واضطر إلى عقد هدنة مع صلاح الدين.

انصرف صلاح الدين بعد هذه الهدنة إلى تعزيز أوضاعه الداخلية وتقوية جيوشه غير أن أرناط أمير حصن الكرك الصليبي استغل فرصة انشغال صلاح الدين لأمور بلاده فاتجه إلى تيماء راغباً في الوصول إلى المدينة المنورة ، واستولى في طريقه على قافلة للحجاج المسلمين ، وسلب الأموال وأسر الرجال ووصل إلى ساحل البحر الأحمر ، فأغضب بذلك صلاح الدين فذكر الصليبيين بالهدنة ، وطلب من ملك القدس الصليبي أن يأمر أرناط بالكف عن تعدياته فلم يستمع أرناط ، ولا حزم الأمر (بالدوين الرابع ) ، وهذا ما حدا صلاح الدين أن يسير من مصر للهجوم على حصن (الكرك) في الأردن ، وأن يسير نائبه على دمشق ابن أخيه ( فرخشاه ) للهجوم على طبريا وعكا ، وقد استولى على الشقيف ، والتقى الجيشان المسلمان مع الصليبيين في معركة كان النصر فيها حليف المسلمين .

وصل صلاح الدين إلى دمشق ثم خرج منها عام 578 ، وأرسل ابن أخيه للهجوم على ( بيسان ) ، وسار هو بعده وهزما الصليبيين هزيمة منكرةً .

رأى صلاح الدين أن أهم أمر لديه هو أن يفصل الإمارات الصليبية بعضها عن بعض ، وحشد جنده من دمشق ومصر وحلب والجزيرة ، وسـار عام 579 إلى ( بيسان ) فاستولى عليها ، وحاصر ( الكرك) و( الشوبك ) ، وانتصر على الصليبيين قرب ( صفورية ) ، وتجمع الصليبيون هناك فسار هو إلى (طبريا ) واحتلها ، ثم عسكر قرب ( حطين ) ، وتقدم إليه النصارى وهم متعبون عطشى، فاستقبلهم المسلمون فعملوا فيها قتلاً وأسراً ، فكان ممن أسر الملك وأخوه وأرناط وأمير جبيل ، وقتل صلاح الدين أمير( الكرك ) بيده نتيجة ما اقترف ، وكانت معركة حطين العظيمة في 25 ربيع الآخر عام 583 ، وهي من أعظم الانتصارات ، ثم تقدمت الجيوش الاسلامية على (الناصرة ) و(قيسارية )و(حيفا) و(صفورية) و(يافا) و( الرملة ) و(غزة ) و(بيت جبرين ) ، وعرض على الصليبيين تسليم القدس فدخلها عنوة في 27 رجب سنة 583 ، ثم استولى على (عسقلان )و(عكا) ، واستسلمت (صرفند ) و(صيدا) و(بيروت ) و(جبيل ).

ولم يبق للصليبيين بعد هذه الانتصارات التي حققها صلاح الدين من إمارة بيت المقدس سوى (صور) فكانت مركزاً لتجمعهم ، ومن إمارة طرابلس سوى المدينة نفسها و(حصن الأكراد) و(انطرطوس) ، ومن إمارة إنطاكية سوى المدينة نفسها و(السويدية ) و(حصن المرقب) .

وكان لفتح صلاح الدين للقدس وللانتصارات الواسعة التي حققها أثر كبير في أوربا إذ أخذت الصيحات الصليبية تتعالى ، والنصارى يتنادون للسير إلى بيت المقدس لدعم إخوانهم ومهاجمة المسلمين ، ووجه البابا (غريغوري الثامن ) كتباً إلى ملوك فرنسا وألمانيا وإنكلترا يحثهم على حرب المسلمين ، واستجاب هؤلاء لهذا النداء وحشدوا جموعهم وتحركوا نحو ديار الإسلام فكانت الحملة الصليبية الثالثة عام 585 هـ .

سارت الحملة الصليبية الثالثة بإمرة ملك إنكلترا ( ريتشارد قلب الأسد )، وملك فرنسا (فيليب أغسطس) ، وإمبراطور ألمانيا (فريدريك بربروسا) . وقد انطلق ملكا إنكلترا وفرنسا إلى جزيرة صقلية عن طريق البحر وقضيا فصل الشتاء ، وأما إمبراطور ألمانيا فسار وانطلق براً ماراً على القسطنطينية رغم خلافه مع الإمبراطور البيزنطي ( إسحاق الثاني ) كذلك عبر أراضي سلاجقة الروم في قونية ، ولقي ترحيباً من الأرمن في( كيليكيا ) غير أنه غرق وهو يعبر نهر سيحان في ( كيليكيا ) فتفرق جنده ، وأصاب المرض بعضهم ، وتابع ابنه الطريق بعد أن عوفي واتجه نحو عكا فألقى الحصار عليها عام 586هـ ، ثم وصل إلى عكا ملكا إنكلترا وفرنسا مع جندهما وقاومت مدينة عكا ، والتقى صلاح الدين الأيوبي مع الصليبين في عدة معارك غير أنه اضطر أن يغادر المنطقة بسبب الأوبئة التي انتشرت ، وضيق الصليبيون الحصار على عكا فاضطرت إلى الاستسلام بعد حصار دام عامين ، وبرز ريتشارد قلب الأسد بين الصليبيين لما عرف عنه من قسوة وسوء فقد قتل أسرى عكا جميعاً ، وعاد ملك فرنسا إلى بلاده ، وطمع ريتشارد في دخول القدس فاستولى على (حيفا) و(أرسوف) بعد أن انتصر في الثانية منهما على صلاح الدين بعد معركة حامية ، ثم اتجه نحو (اللد) و(الرملة) فوقف صلاح الدين في وجهه وأحكم الدفاع عن القدس حتى يئس ريتشارد من الوصول إلى هدفه ، وانتشرت الأمراض بين الصليبيين ، واضطربت الأمور في إنكلترا فاضطر ريتشارد إلى عقد صلح مع صلاح الدين عام 588هـ عرف باسم صلح الرملة ، وبذا تكون الحملة الصليبية الثالثة قد فشلت ولم تصل إلى هدفها .


التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/331، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي 97

د.فالح العمره 16-09-2006 04:17 PM

الحـروب الصـليبيـة (6) : الحملة الصـليبية الرابعة


تعد هذه الحملة نتيجة مباشرة لوفاة صلاح الدين الأيوبي في شهر صفر سنة 589هـ ، فمنذ وفاته دعا البابا ( أنوسنت الثالث ) إلى حرب صليبية ضمن خطة وضعها للكنيسة على رأسها مشروع محو آثار حروب صلاح الدين في الشرق واغتصاب بيت المقدس من المسلمين .

فدعا في منتصف سنة 594هـ إلى حملة صليبية رابعة ، واستجاب له فيها عدد من الأمراء وتولى قيادتها عدد من البارونات الفرنسيين وغيرهم .

وبعد مداولات بين أمراء الحملة وقوادها رأوا أن يتجهوا بها إلى مهاجمة مصر أولاً ، ثم بيت المقدس بعد ذلك .

وبدأت الاستعدادات بالتعاون مع البندقية لتمدهم بالسفن ، واحتشد الصليبيون في البندقية في صيف 598هـ ،غير أن البنادقة اشترطوا على الصليبيين ثمناً لهذا التعاون أن يهاجموا مدينة( زارا ) ويستردوها من ملك هنغاريا ، واستجاب الصليبيون لذلك من غير موافق البابا وعلى الرغم من غضبه وإصداره قرار الحرمان ضد الحملة كلها ثم قصره على البنادقة أخيراً .

وبينما يستعد الصليبيون للاتجاه نحو مصر إذا بثورة تنشب في القسطنطينية تطيح بالإمبراطور إسحاق الثاني ، فيفر ابنه الكسيوس قائد الثورة إلى الغرب بعد فشل ثورته طالباً المساعدة من البابا ومن الصليبيين عارضاً في مقابل ذلك إخضاع الكنيسة الشرقية للبابوية ومساعدة الصليبيين في حملتهم ضد مصر .

وصادف ذلك هوى في نفس البابا ومصلحة لدى البنادقة ، وتشفياً من الصليبيين في الدولة البيزنطية ، فاتجهت جموع الصليبيين إلى القسطنطينية واستولت عليها عام 600 هـ ، وقاموا بتخريبها والعدوان على أهلها حتى تمنى بعض البيزنطيين أن لو كانت القسطنطينية قد وقعت في أيدي المسلمين ، وقد أحرق الصليبيون بعض الكنائس والجامع القديم الذي بني في عهد بني أمية وقاموا بسلب المدينة .

واستولت الكنيسة الكاثوليكية على الكنيسة الأرثوذكسية ورأسها أول كاثوليكي منذ إ نشائها .

ولقد كان من نتائج هذه الحمل أن فترت همة المحاربين في الحروب الصليبية الآتية لاستيقان الناس بأنها غارات بربرية وليست حروباً دينية .

كما عمقت هذه الحمل الخلاف بين مسيحيي الشرق ومسيحيي الغرب ، وجعلت الطريق البري إلى الشام أشد وعورة وأعظم خطراً .

كما أغرت كثيرين من فرسان الصليبيين في الشام إلى أن يتركوا الشام ومتاعبه ويتجهوا إلى قبرص أو البلقان ليهنئوا بحياة مستقرة .

وبالجملة فقد أضعفت الحملة الصليبية الرابعة مركز الصليبيين في الشرق الإسلامي وزعزعت مكانتهم .

لذلك قرر أحد مؤرخي الحروب الصليبية ( أن الحمل الصليبية الرابعة جاءت نذيراً بفشل الحركة الصليبية بأكملها .




التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/333، والغزوالصليبي لعلي عبدالحليم 109

د.فالح العمره 16-09-2006 04:19 PM

الحـروب الصـلـيبية (7) : الحملة الصـليبية الخامـسة


حاول الصليبيون في حصن الأكراد الاستيلاء على حمص عام 604 فاستنجد صاحبها أسد الدين شيركوه الثاني بصاحب حلب الملك الظاهر وقاوموا الصليبيين .

وفي عام 604 هاجم القراصنة الصليبيون في قبرص بعض السفن المصرية وأخذوا من فيها أسرى ، فسار الملك العادل الأيوبي نحو عكا ، وأجبر الصليبيين أن يردوا الأسرى المسلمين ، ثم سار الملك العادل إلى حمص لدعمها ، وأغار على حصن الأكراد وعلى طرابلس فاضطر صاحب طرابلس الصليبي بوهيمند الرابع إلى عقد صلح مع العادل .

كما عقد الملك حنا برين صلحاً مع الملك العادل لمدة ست سنوات ولكنه في الوقت نفسه كان يراسل البابا ويطلب منه الدعم والعمل لإرسال حملة صليبية جديدة تصل إلى بلاد الشام مع انتهاء الصلح الذي يمتد من 608-614 .

دعا البابا أنوسنت الثالث إلى تعبئة جيش صليبي جديد يتجه إلى بلاد الشام مباشرة ، وسارت الحملة بقيادة دوق النمسا ليوبولد ، وملك هنغاريا أندريه الثاني ، ثم لحق بهما ملك قبرص بهمايو ، ووصلت هذه الحملة الصليبية الخامسة إلى بلاد الشام عام 615 ، واجتمعت جموعها في عكا، وساروا فاستولوا على بيسان في الغور ، ووصلوا إلى بلدة نوى ، ولم يتفق ملك هنغاريا مع دوق النمسا لذا قرر العودة إلى بلاده .

وخرج حنا برين للهجوم على دمياط وجاءته جموع صليبية بإمرة مندوب البابا الكاردينال بلاغيوس وجموع من قبرص .

وتوفي الملك العادل وخلفه ابنه الكامل الذي جاءه دعم من أخيه المعظم صاحب دمشق ، ولكن بدأ في هذا الوقت الهجوم المغولي ، فعرض الكامل الصلح فلم يقبله الصليبيون الذي استولوا على دمياط ، وشعروا بنشوة الظفر فقرروا الهجوم على القاهرة ، لكنهم فشلوا بسبب الفيضانات التي حدثت بقطع المسلمين السدود فطلبوا الصلح وسلموا رهائن وهم صاغرون حتى يجلوا عن دمياط ، وتم الجلاء عام 618 ، وهكذا فشلت الحملة الصليبية الخامسة ولم تحقق شيئاً .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/334، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي 110

د.فالح العمره 16-09-2006 04:20 PM

الحـروب الصـليبيـة (8) : الحمـلة الصليبية السادسة


بعد فشل الحملة الصليبية الخامسة اضطربت أحوال الصليبيين في الشام ووقع بينهم من الخلاف ما زعزع مكانتهم وما جعل بعضهم يتجه إلى أوروبا والبابا من جديد طالبين حملة صليبية تعزز وجودهم في الشام .

وقد كان نزاع حاد قد نشأ بين البابوية والإمبراطورية في غرب أوروبا ، وقد استمر هذا النزاع قرنين من الزمان على وجه التقريب ، وكان سببه التنافس بين السلطتين الدينية والعلمانية في أوروبا .

ومن أجل هذا الصراع بين الكنيسة والسلطة العلمانية لم تحدث استجابة لطلب الصليبيين في الشام بعد فشل الحملة الخامسة على مصر .

فإذا أضفنا إلى تلك الأحداث أحداثاُ أخرى جرت للمسلمين وبالتحديد لأبناء العادل : الكامل والمعظم والأشرف أبناء أخي صلاح الدين وما وقع بينهم من خلاف حاد أوشك على التحارب والتقاتل ، بل دخلت فيه فعلاً حرب مرئية وأخرى غير مرئية .

بالإضافة إلى خطر خارجي أخذ يهدد الدولة الأيوبية من الخوارزميين الذين شتتهم جنكيز خان ، فتجمعوا في أصفهان وأخذوا يهددون الشام والعراق ، كل ذلك جعل الملك الكامل يستعين بالإمبراطور فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا للتغلب على متاعبه الداخلية مع أخويه ، والخارجية مع الخوارزميين في مقابل أن يتنازل له عن بيت المقدس وكل ما حققه صلاح الدين من انتصار في حطين .

وقبل فردريك الثاني هذا العرض وتجهز وأعد جيشاً لمساندة الملك الكامل ضد الخطرين اللذين يهددانه .

وفي ذات الوقت أخذ البابا هنريوس الثالث يلح على الإمبراطور فردريك الثاني ليعد حملة صليبية للشرق تستعيد هيبة الصليبيين والكنيسة هناك .

ولما مات البابا هنريوس الثالث خلفه جريجوري التاسع وأخذ يلح كذلك من أجل أن يقوم الإمبراطور بهذه الحملة ، فأبحر الإمبراطور من برنديزي جنوب إيطاليا قاصداً بلاد الشام ، ولكنه عاد مدعياً المرض ، فاعتبر البابا هذه العودة نكوصاً فأصدر ضده قرار الحرمان فخشي الإمبراطور غضبة البابا فخرج قاصداً عكا ، وكان جزء كبير من جيشه قد سبقه إلى بلاد الشام .

وكان فردريك لا يحب أن يدخل في حرب مع المسلمين لأسباب كثيرة ربما كان منها عناده للبابا وكراهيته للكنيسة ، وربما كان منها حبه للمسلمين والإسلام بحكم نشأته في صقلية المسلمة .

وكانت حملة فردريك هي الحملة الصليبية الملعونة من الكنيسة ، وأخيراً وصل رجال الإمبراطور إلى عكا في 625هـ بينما تخلف الإمبراطور في قبرص ، فخابت آمال الكنيسة والصليبيين والملك الكامل في حملة فردريك ، وعندما وصل فردريك إلى عكا في أخريات عام 625هـ بهدف الحصول على بيت المقدس من الملك الكامل مقابل حمايته من أخيه المعظم وجد المعظم قد مات والكامل قد أمن من الشر ، وأصبح فردريك في حرج من أمره ، وكذلك الملك الكامل ، فالكامل لا يود أن يحارب الصليبيين في هذه الظروف القلقة داخلياً وفردريك ما خرج ولا استعد لحرب المسلمين وإنما لحماية الكامل في مقابل بيت المقدس دون حرب ، ولو فكر في الحرب فلن يستجيب الصليبيون له وهو محروم من الكنيسة ، فلم يجد أمامه إلا أن يفاوض ويستعطف ليأخذ بيت المقدس فيعزز مكانته في أوروبا كلها ، وبلغ من استعطافه أن كتب للسلطان الكامل : ( أنا مملوكك وعتيقك ، وليس لي عما تأمره خروج ، وأنت تعلم أني أكبر ملوك البحر ، وقد علم البابا والملوك باهتمامي وطلوعي ، فإن رجعت خايباً انكسرت حرمتي بينهم ، وهذا القدس فهي أهل اعتقادهم وضجرهم ، والمسلمون قد أخربوها فليس لها دخل طائل ، فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه ، ويرتفع رأسي بين ملوك البحر ) .

ومن عجب أن وافق الكامل وأجاب فردريك إلى ما طلب وعقد معه اتفاق يافا سنة 626هـ وفيها هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنين ، ويأخذ فردريك بيت المقدس ، ولكن لا يجدد سور القدس ، وتكون قرى القدس للمسلمين لاحكم فيها للفرنج ، وأن يكون الحرم كله بأيدي المسلمين وليس للفرنج إلا الزيارة .
وبدموع فردريك واستعطافه حقق ما عجز عنه ملوك الفرنج وأمراء الصليبيين منذ انتزع صلاح الدين القدس منهم .

وقد كان لذلك أسوأ الأثر في نفوس المسلمين حتى إنهم أقاموا المآتم وقالوا المراثي في القدس ، وذهب فردريك إلى بيت المقدس وتوج نفسه لأن الكنيسة رفضت أن تتوجه ، وعندما زار فردريك المسجد الأقصى علم أن السلطان الكامل أمر المؤذنين بعدم إقامة الأذان طيلة وجود الإمبراطور في المدينة فاستاء فردريك لذلك وقال للقاضي شمس الدين : ( أخطأت فيما فعلت ، والله إن أكبر غرضي في البيت المقدس أن أسمع أذان المسلمين وتسبيحهم في الليل ) .

ثم إن فردريك رأى قسيسا ًبيده الإنجيل يهم بدخول المسجد الأقصى من الفرنج فزجره الإمبراطور وطرده ، وهدد كل من يدخل المسجد الأقصى من الفرنج بغير إذن وقال : ( إنما نحن مماليك هذا السلطان الملك الكامل وعبيده ، وقد تصدق علينا وعليكم بهذه الكنائس على سبيل الإنعام منه ، فلا يتعدى أحد منكم طوره ) .

ثم ذهب فردريك إلى يافا ثم غادرها إلى عكا تاركاً بيت المقدس ، وكانت عكا تعيش صراعاً بين الصليبيين الذين فيها ، وحاول فردريك أن يبرر أعماله أمام رجال الدين ولكنه عورض .

وكان البابا قد أمر جيوشه بالاعتداء على أراضي فردريك وممتلكاته في إيطاليا وساعده في ذلك حموه حنا برين ، فوجد أن مصالحه تقتضي أن يغادر عكا ويتجه إلى مملكته ، فرجع إلى لإيطاليا .

وهكذا انتهت الحملة الصليبية السادسة وقد أخذت بيت المقدس هدية من الملك الكامل الذي ضيع جهد عمه صلاح الدين في الاستيلاء عليه .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر6/335 ، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم محمود 114

د.فالح العمره 16-09-2006 04:22 PM

الحـروب الصـليبـية (9) : الحمـلة الصليبية السابعة (1)


منذ عقد الملك الكامل صلح يافا مع فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا ، وشؤون البيت الأيوبي في اضطراب .

وقد أحس الصليبيون بذلك ، بخاصة الاسبتارية فأغاروا على منطقة بعرين سنة 627هـ ونهبوا البلاد وقتلوا وأسروا وسبوا .

وكان الملك المظفر صاحب حماة غير مستعد للدخول معهم في حرب فقبل أن يدفع لهم مبلغاً من المال ، ولما لم يستطع الوفاء بما وعد تجمع الاسبتارية والداوية في قوة كبيرة ، وهاجموا الملك المظفر ، فاشتبك مهم في معركة عند أفيون بين بعرين وحماة وأنزل بهم هزيمة منكرة سنة 628هـ وساق أمامه الأسرى .

وفي سنة 630هـ رغب الاسبتارية في الحصول على أموال فرضوها على المظفر فاستعانوا بجميع قوى الفرنجة مثل الداوية وإمارة أنطاكية وطرابلس ومملكة بيت المقدس وصليبي قبرص ، ثم زحفوا على حصن بعرين ليلاً ، فاحتلوا البلد واستعصت عليهم القلعة وعادوا بأسلاب وأموال كثيرة دون أن يصطدموا في حرب مع المسلمين .

وقد كان الأيوبيون في ذلك الوقت مشغولين بمناوأة علاء الدين كيقباد سلطان سلاجقة الروم الذي استولى عل خلاط .

وفي هذه الفترة كان الداوية يحتلون حصن بغراس بينما كان الأيوبيون يسيطرون على حصن ردبساك وبين الحصن مسافة قصيرة ، مما كان يجدد الاشتباكات بين الطرفين ، ويولد الرغبة عند كل طرف في الاستيلاء على حصن الطرف الآخر .

فأغار الداوية على حصن دربساك سنة 634هـ ولكن المسلمين قاوموهم ووصلت للمسلمين قوة من حلب فاستطاعوا التغـلب عل الداوية وقتلوا معظمهم وأسروا عدداً منهم .

ودارت بين الأيوبيين أنفسهم معارك عديدة تغلبوا بعدها - إلى حد ما - على انقساماتهم الداخلية ، وحاربوا علاء الدين ثم حالفوه ، وحاربوا الخوارزمية ومعهم حليفهم علاء الدين حتى قضوا عليهم وأجلوهم عن خلاط ، ثم حاربوا علاء الدين ثانياً .

ثم توفي الملك الكامل سنة 635 هـ بعد قضائه على مؤامرة من إخوته تستهدف القضاء عليه وخلفه في حكم مصر ابنه الصالح أيوب ، وطمع الصليبيون في خلافات الأيوبيين فدعت البابوية إلى حرب صليبية فاستجاب لها عدد من أمراء فرنسا وأعدت حملة بقيادة ( ثيبوب الرابع ) وصلت إلى عكا ، وكان الناصر داود صاحب الأردن قد استطاع أن يستولي على بيت المقدس من الصليبيين لأنهم نقضوا الهدنة وحصنوها ، وعندئذ فكر قواد الحملة الصليبية الفرنسية في مهاجمة بيت المقدس أو دمشق أو مصر أو عسقلان ، واختلفوا ثم هاجموا عسقلان ، واستولوا في طريقهم إليها على قافلة من المسلمين ، واتجهوا صوب غزة لملاقاة جيوش سيرها ضدهم العادل الثاني ، فلقوا هناك هزيمة منكرة وعادت فلولهم خائبة إلى عكا .

ولكن الصالح إسماعيل تصاحب دمشق تحالف مع الصليبيين ضد بقية أمراء بني أيوب ، وفي مقابل ذلك سلمهم القدس وعسقلان وطبرية ، وذلك في إثر عزل العادل الثاني وتولية الصالح أيوب أمور مصر في 637 هـ ، وثار الناس بقيادة العز بن عبد السلام على الصالح إسماعيل وانحازوا مع المصريين ضد الصليبيين وهزموهم هزيمة منكرة .

وعادت الحملة الفرنسية إلى بلادها بعد أن عقدت هدنة مع الصالح أيوب ، وما إن عادت حتى جاءت حملة إنجليزية إلى عكا بقيادة ( ريتشارد كورنوول ) أخو ملك إنجلترا ، واتجه إلى تحصين عسقلان ، وكان هدفها تثبيت عمل ( ثيبوب ) وإتمامه ، ثم قفل راجعاً إلى بلاده .

وفي سنة 642هـ استعان الصالح أيوب بالخوارزمية ضد أقربائه الذي تحالفوا مع الصليبيين لغزو مصر ، فاندفع الخوارزمية نحو الشام واستولوا على قرى كثيرة ، واتجهوا نحو الجليل واستولوا على طبرية ونابلس ، ثم استولوا على بيت المقدس في صفر سنة 642هـ ، وقضوا على كل معالم النصرانية فيها وطردوا منها الصليبيين إلى غير رجعة .

واستطاع الخوارزمية مشتركين مع المصريين بقيادة ركن الدين بيبرس أن يهاجموا الصليبيين ومن حالفهم من منافقي المسلمين في غزة سنة 642هـ ، وأن يوقعوا بهم هزيمة نكراء كانت أعظم كارثة حلت بالصليبيين بعد حطين حتى سماها بعض المؤرخين ( حطين الثانية ) .

وفي سنة 645هـ استطاعت جيوش الصالح أيوب أن تستولي على قلعة طبرية من الصليبيين ، وفي نفس العام على عسقلان ، وأصبح الصالح أيوب يسيطر على مصر والشام وبيت المقدس ، وفيه جاء ملوك البيت الأموي لتقديم الولاء والطاعة .

وحاول بطريق القدس أن يستقدم حملة صليبية بإلحاحه المستمر غير أنه لم يوفق بسبب الخلافات التي بين الأوروبيين أنفسهم .




التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6 /336، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي118







الحـروب الصـليبـية (10 ) : الحملة الصليبية السابعة (2)


كان لويس التاسع ملك فرنسا مريضا ًآنذاك ، فنذر إن شفي أن يشن حملة على المسلمين ، فلما شفي أخذ يستعد طيلة ثلاث سنوات ، ثم أبحر قاصداً الشرق ومعه زوجه وأخواه : روبرت وشارل عام 646هـ، وكن هدف هذه الحملة توسيع النفوذ الفرنسي ، واتجهت نحو مصر ، وتوقفت في قبرص لتجمع الجنود والإمدادات والسفارات مع المغول ونصارى المنطقة .

ثم تحركت الجيوش إلى دمياط ، وكتب لويس إلى الصالح أيوب : ( إن مسلمي الأندلس يحملون إلينا الهدايا ، ونحن نسوقهم سوق البقر ، ونقتل الرجال ، ونرمل النساء ، ونستأسر البنات والصبيان ، فلو حلفت لي بكل الأيمان ودخلت على القسوس والرهبان ، وحملت قدامي الشمع طاعة للصلبان ما ردني ذلك عن الوصول إليك ) ، فرد عليه : ( فلو رأت عيناك أيها المغرور حد سيوفنا ، وعظم حروبنا ، وفتحنا منكم الحصون والسواحل ، وإخراجنا منكم الديار الأواخر والأوائل ، لكان منك أن تعض على أناملك للندم ) .

ووصل لويس إلى دمياط ، ودارت معركة رهيبة ، وكانت الغلبة للصليبيين لكثرة عددهم ، واتجه الجيش الأيوبي إلى أشموم طناح ، تاركاً دمياط لهم ، وخرج من دمياط أهلها وحاميتها ، بعد أن أشعلوا النار في سوقها ، وتملكها الصليبيون .

ثم بقي الصليبيون في دمياط خمسة أشهر في انتظار مدد من أوروبا ، وكان الصالح أيوب ينظم الدفاع من فراش الموت .

ووصل ألفونس أخو لويس ومعه المدد ، وقرر الصليبيون الزحف على القاهرة ، وفي اليوم التالي من زحفهم توفي الصالح أيوب ، فأخفت زوجه شجرة الدر نبأ موته من أجل المعركة ، وجمعت الأمراء والقواد وأخذت منهم البيعة لتوران شاه ابن الصالح أيوب ، وأرسلت في إحضاره من حصن كيفا ، وكانت المراسيم تصدر باسم السلطان الميت .

وعرف الصليبيون خبر الوفاة ، فأسرع لويس في الهجوم على القاهرة عن طريق الدلتا ، ولكن المياه حاصرتهم ، وهاجمهم الأمير فخر الدين ، فتعرقل سيرهم ، ووقع عدد منهم في الأسر .

وأدرك لويس أنه عاجز عن العبور إلى المنصورة ، والمسلمون أمامه على الضفة الأخرى للنهر ، واستطاعوا مع ذلك العبور عن طريق سلمون بمعاونة نصارى مصر ، فتصدى لهم الأمير فخر الدين ثانية .

وعبر روبرت مع مقدمة الجيش الصليبي ، وبادر باقتحام المنصورة ومعه الملك لويس ، غير أن جيوش المسلمين بقيادة بيبرس البندقداري انقضوا على الصليبيين فزعزعوهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وقتل روبرت نفسه ، وقتل من الداوية أكثرهم ، وهزت الصدمة لويس فأقام على النيل جسراً ليعبر عليه النيل تداركاً للموقف إلا أن الجيوش المسلمة هاجمت معسكره ، وقاوم لويس طوال اليوم ، وعادت جيوش المسلمين إلى المنصورة .

ثم حضر توران شاه إلى مصر ففرح به المسلمون ، وفكر لويس في التراجع عن القاهرة إلى دمياط غير أن المسلمين كانوا قد قطعوا على الصليبيين بسفن أعدها توران شاه ، واستولت تلك السفن على سفن الإمدادات الصليبية ومن كان فيها ، وانتصرت السفن الإسلامية عليها في ثلاث معارك .

وقرر لويس التراجع إلى دمياط وما إن وصلوا إل فارسكور حتى هاجمهم المسلمون ، ودارت معركة رهيبة وقع فيها الجيش الصليبي ما بين قتيل وأسير، حتى لويس نفسه سيق مكبلاً بالأغلال إلى المنصورة حيث سجن في دار ابن لقمان ، ووضع توران شاه من الشروط ما شاء لتسليم لويس وأسراه ، واتفق على أن تسلم له دمياط ، وأن تعقد هدنة مدتها عشر سنوات ، ووافق لويس التاسع .

وقبل أن تتم المعاهدة دبر المماليك البحرية وشجرة الدر لقتل توران شاه لسوء سيرته وظلمه فقتلوه ، واستولت شجرة الدر على الحكم ، ثم تزوجت عز الدين أيبك وصار هو السلطان على مصر ، وأخذ يحكم مصر والشام منذ ذلك الحين نظام حكم جديد يتولاه المماليك .

ونفذوا المعاهدة مع لويس التاسع بعد أن أضافوا ما يرون ، وتسلموا دمياط في 6 مايو سنة 1250م ، وغادرها لويس منسحباً عام 652هـ فوصل إلى عكا ، وحاول أن يصنع شيئاً للصليبيين في الشام فلم يستطع ؛ إذ حاول أن يتفق مع الأيوبيين في الشام ضد المماليك في مصر فلم يوفق .

وهكذا انتهت الحملة الصليبية السابعة دون أن تحقق شيئاً مما كانت تطمع فيه .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/337، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي 121

د.فالح العمره 16-09-2006 04:23 PM

الحـروب الصليبـيـة (11 ) : الحـمـلة الصليبـية الثامنة


دولة المماليك هي التي قضت على الوجود الصليبي في العالم الإسلامي القضاء الأخير بعد أن قضت على الوجود الأيوبي في مصر .

ثم لما جاءت جموع التتار الهادرة وأسقطت دول الإسـلام في المشـرق واستولوا على بلاد الشام لم يعد أمامهم سوى مصر واليمن ، وأرسل قطز سلطان مصر من المماليك جيشاً إلى غزة احتلها من المغول ، ثم التحم الجيشان في عين جالوت وانتصر المماليك ، وبهذا الانتصار استطاع المماليك بسهولة القضاء على الأيوبيين في الشام .

وبعد مقتل قطز وتولي الظاهر بيبرس مكانه كان من أبرز أعماله القضاء على الصليبيين في الشام ، فأعد لهم حملة كبيرة تحركت من غزة سنة 663هـ أخذت تستولي على حصون الصليبيين حصناً بعد حصن حتى وصل إلى أرسوف ، ثم جاء دور عكا فاستعصت عليه ولكنه فتح صفد وهونين وتبنين والرملة .

وفي سنة 665هـ اتجه بيبرس إلى أرمينية الصغرى وإمارة أنطاكية وطرابلس لعقابهم على تحالفهم مع المغول ضد المسلمين ، وكانت جيوشه تلك تحت قيادة قلاوون .

فاستطاعت جيوش بيبرس أن تستولي على حصون ( القليعات وحلباء وعرقه ) ، وهي أهم مراكز تحمي طرابلس .

كذلك استولت هذه الجيوش على المصيصة وأذنة وطرسوس وميناء إياس ، وهي أهم مراكز تحمي أرمينية . وقتلت أحد أبناء هيثوم ملك أرمينية وأسر ابنه الثاني ، أما الملك المنصور الأيوبي فقد اتجه إلى سيس عاصمة أرمينية واستولى عليها وأشعل فيها النار ، وعادت الجيوش إلى الشام وفي صحبتها أربعون ألف أسير وغنائم لا تحصى .

وحاول هيثوم أن يفتدي ابنه ولكن بيبرس أصر على أن يكون فداؤه دربساك التي تتحكم في طريق المواصلات بين أرمينية وأنطاكية ومرزبان ورعبان وشيح الحديد ، وكلها كانت في إقليم مرعش ، وتتحكم في الطريق بين الجزيرة حيث المغول حلفاء هيثوم وأرمينية الصغرى .

ثم اتجهت جيوش بيبرس إلى يافا فاستولت عليها ، وفي نفس العام 666هـ الذي استولت فيها على يافا استطاعت أن تستولي على أنطاكية بعد حرب خطط لها بيبرس وأدارها بمهارة تلفت الأنظار ، وبذلك سقطت ثاني إمارة أسسها الصليبيون في الشرق الإسلامي في أيدي المسلمين ، وكان نصراً عظيماً مؤزراً ، أبرز ما فيه من مكاسب للمسلمين أنه قطع الصلة بين الصليبيين في طرابلس وعكا بأرمينية من جانب ، وقضى على فكرة التحالف بين أرمينية وأنطاكية والمغول من جانب آخر .

وهكذا استطاع المماليك وقد جمعوا في أيديهم من جديد بين مصر والشام أن يجعلوا الوجود الصليبي في الشرق الإسلامي يعيش أيامه الأخيرة .

غير أن حملة صليبية جاءت بقيادة الملك لويس التاسع ملك فرنسا فأنقذت طرابلس من الوقوع بيد بيبرس الذي ترك طرابلس وأسرع إلى مصر خوفا ًمن أن تسير الحملة الصليبية إلى مصر ، غير أن الحملة الصليبية الثامنة قد اتجهت إلى تونس بناء على طلب أخي لويس التاسع الذي كان ملكاً لصقلية إذ كان يريد أن يغزو تونس ويقاتل حكامها من الحفصيين ، ولم يكن لويس التاسع ببعيد عن هذه الرغبة ، إلا أن الحملة ما كادت تصل إلى تونس حتى أصيب لويس التاسع بمرض الحمى ومات ، وانتهت الحملة .




التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/48 ، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم محمود 124

د.فالح العمره 16-09-2006 04:24 PM

الحـروب الصـليبـية (12 ) : الحـــمـلـة الصليبـية التاسعـة وما بعدها


بانتهاء الحملة الصليبية الثامنة بهلاك لويس التاسع اطمأن بيبرس ، وبعد أن كان يستعد لمواجهة الحملة ترك استعداده ، وانطلق ثانية إلى طرابلس عام 670هـ غير أن أميرها بوهمند قد طلب المسالمة والصلح فأجابه السلطان بيبرس إلى ذلك لأن حملة صليبية جديدة قد جاءت بقيادة الأمير إدوارد ونزلت في عكا ، وكان الصلح بين الظاهر بيبرس وأمير طرابلس الصليبي بوهمند لمدة عشر سنوات .

وغزا السلطان بيبرس قبرص التي كان ملكها هيو الثالث من ألد أعداء الإسلام وله أطماع صليبية ، واتخذ الصليبيون من بلاده قاعدة ينطلقون منها وإليها للوصول إلى بلاد الشام أثناء الإبحار ، لكن الأسطول الإسلامي قد تحطم عند شواطئ الجزيرة عام 669هـ بسبب عاصفة بحرية .

وحارب أرمينيا الصغرى وهي بأرض كيليكيا انتقل إليها الأرمن بعد انسياح السلاجقة في آسيا الصغرى إثر معركة ملاذكرت ، وأسسوا فيها دولة كانت دعامة للصليبيين طيلة أيامها ، وقفت تعادي الظاهر بيبرس وتدعم الصليبيين ، وتمنع تصدير الخشب والحديد إلى مصر ، واستطاع الانتصار عليها وأسر عدداً من قادتها منهم ابن أميرها هيثوم الأول ، وغدت هذه الدولة ضعيفة بعد ذلك .

ويلاحظ أن الدول التي تحالف معها بيبرس لم تدعم الصليبيين فأفاد هذا التحالف فعلاً ، إذ رأينا أن الدولة الرومانية الغربية هي عادة التي تدعم الصليبيين وتحرضهم قد وقفت على الحياد تقريباً على حين قاد الحملتين الصليبيتين الثامنة والتاسعة الفرنسيون والإنكليز ، إذ كانت الأولى منهما بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ، على حين كانت الثانية بقيادة الأمير الإنكليزي إدوارد .

ولما حكم السلطان المنصور قلاوون فتح المرقب وماحو لها عام 684هـ وخافه أمير طرابلس الصليبي فهدم الحصون تقرباً بناء على رغبة السلطان .

وفي عام 688هـ سار السلطان المنصور قلاوون إلى دمشق ومنها إلى طرابلس فحاصرها وفتحها ، وكانت قد بقيت بأيدي الصليبيين منذ عام 503هـ .

وكان قلاوون قد عزم على فتح عكا ولكنه مات قبل ذلك ، فلما تولى ابنه الأشرف صلاح الدين خليل سار إليها من مصر ، ودعا الجند من دمشق وطرابلس وحماه ، فجاء المجاهدون وحاصروا عكا ، وتم فتحها يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى من عام 690هـ ، وفر الصليبيون عن طريق البحر ممن لم يقتل ، كما تسلم الأشرف صيدا وصور ، ثم أخذ نائبه على دمشق بيروت ، كما سلمت له جبيل وطرسوس ، ولم يبق للصليبيين في السواحل وبلاد الشام أي أثر .

وهاجم بلاد الروم بعدها ، وأرسل قوة إلىكسروان في جبيل لبنان لأن النصارى في هذه المنطقة كانوا دعماً للنصارى .




التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/49-50، 53 .

د.فالح العمره 16-09-2006 04:26 PM

الحـروب الصـليبـية ( 13 ) : الحــمـلات الصليبية الجديدة من قبرص


في عام 767 استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية ، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنته بطرد الصليبيين من عكا عام 690 والانتهاء منهم من كل بلاد الشام أيام الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور ، ثم طردهم من جزيرة أرواد عام 702 أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وإنما استمرت الحروب الصليبية لأن كثيراً من الصليبيين قد لجؤوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام ، واتخذوا هذه الجزيرة مستقراً لهم ، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم .

وكانت أسرة ( لوزجنان ) التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة ، وقد تولى أمر هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760 بطرس الأول ، وقد زار غربي أوروبا ، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين ، فحصل على بعض التأييد ، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767 في يوم جمعة والمسلمون في المساجد ، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فساداً ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه ، وقد أخذ معه قرابة خمسة آلاف أسير ، وفرحت بذلك أوروبا وهنأ ملوكها بعضهم بعضاً ، كما هنأهم البابا.

وفي عام 827 أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص ، وقد اتجهت إلى ميناء ( ليماسول ) كرد فعل على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات تيمورلنك على بلاد الشام ، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته ، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد .

وفي العام التالي 828 أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة ( فاما غوستا ) ، وقد أحرزت النصر ، ومكثت أربعة أيام ، ثم اتجهت إلى مدينة ( ليماسول ) ، وتمكنت من فتحها بعد جهد ، ثم رجعت الحملة إلى مصر .

وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو ( ليماسول ) ففتحها ، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص ( جانوس ) بنفسه فجرت معركة طاحنة بين الفريقين انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً ، وأسروا الملك ، وحملوه معهم ، وساروا نحو( نيقوسيا ) فصلوا الجمعة في كنيستها ، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير ، وفي القاهرة فدى الملك نفسه ، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك ، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية ، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائياً إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/66،77- 80، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم ، ص 214

د.فالح العمره 16-09-2006 04:27 PM

الحـروب الصليـبـية ( 14) : نهاية الحـروب الصليبية


أما فرسان الاسبتارية الذي لعبوا دوراً مهماً في الحروب الصليبية ، فقد انتقلوا من جزيرة قبرص لما دخلت تحت حكم المماليك إلى جزيرة رودوس ، وأرسل أميرهم ( فلوفيان ) الهدايا للسلطان برسباي الذي كان في نيته غزو رودوس لكن عهده لم يطل فتوفي عام 841.

وفي عام 843 أغارت أربع سفن لقراصنة النصارى على مدينة رشيد على الساحل المصري ، فاتجهت الشبهة نحو أمراء الاسبتاريين في رودوس ، فجهز الظاهر جقمق عام 844 حملة وغزا رودوس ، فأسرع أمراء الاسبتاريين إلى أوروبا يطلبون النجدات الصليبية منها .

ثم غزاها مرتين أيضاً مرة سنة 847 ومرة في العام الذي تلا ، ولكنه لم يوفق في فتحها ، وذلك بسبب الدعم الصليبي لهذه الجزيرة بعد استنجاد أمرائها بالبابا وملوك أوروبا .

واستمرت إغارات الاسبتاريين على مصر عام 914 ولكنهم ردوا ، وكذلك عام 915 وهزموا ، وأعادوا الغارة عام 916 ، وفي عام 917 أغاروا على سواحل البرلس فهزموا ، وأسر منهم مائتان . ثم شاء الله أن يجعل نهاية الاسبتارية على يد العثمانيين .

وبهذا لم تنته الحروب الصليبية وإنما كانت نهاية لمرحلة من مراحلها ، حيث انتقلت بعد ذلك إلى شمال إفريقية ، ثم عادت من جديد في شكل دول أوروبا المتحالفة ضد الدولة العثمانية ، و لاتزال مستمرة إلى يومنا هذا وإن غيرت في شكلها وأساليبها .



التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/66،77- 80، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم ، ص 214

د.فالح العمره 16-09-2006 04:29 PM

الحـروب الصليبـيـة (15 ) : نتائج الحـروب الصليبـية في العـالـم الإسلامي


أولاً : في الجانب الاجتماعي والاقتصادي :

- شيوع روح العجز والفشل :

وذلك بسبب الهزائم التي حصلت للمسلمين في بدايات هذه الحروب ، حتى اقتنع بعض المسلمين بعدم إمكانية الانتصار ، واتجه بعضهم إلى اعتبار جهاد الصليبيين بالقلم واللسان قد يغني عن جهادهم بالسيف والسنان .

- ترك الجهاد كلية :

فشغل كثير من المسلمين أنفسهم بالعبادة من صلاة وصيام واعتكاف وذكر وتسبيح ، واتخذ ذلك صوراً عدة ، فمنهم من يهاجر إلى مكة والمدينة ليجاور أحد الحرمين .

ومن ذلك الدعوة إلى الزهد في الدنيا واحتقار ما فيها ، والعيش منها على الكفاف ، فمدحوا الجوع والعري والفقر، مما أصاب الناس بالكسل والتراخي ، فكان ذلك من أسباب تفوق أعدائهم عليهم .

ومنهم من اشتغل عن الجهاد بتأليف الكتب والرسائل والمقالات في يوم القيامة والدجال وظهور عيسى عليه السلام والجنة و ما فيها من النعيم والحور العين .

كما لجأ عدد من الشعراء إلى القصائد النبوية يمدحون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يستشفعون به ، أو يطلبون منه النصر على الأعداء ، وبعض هذا غير جائز شرعاً .

- استحداث مدن لم يكن لها وجود ملحوظ :

مثل مدينة قوص وثغر عيذاب على البحر الأحمر ، وذلك أن الصليبيين قد استولوا على فلسطين وثغورها فأصبح الطريق للحج لأهل الأندلس وشمال أفريقية غير مأمون ، فاتجه الحجاج إلى مصر ، ثم يسلكون طريق النيل إلى جنوبي القاهرة حيث مدينة قوص ، ومنها إلى ثغر عيذاب ، ثم يركبون البحر إلى البلاد المقدسة .

وترتب على ذلك أن عظم شان قوص وكثرت بها المدارس والمعاهد والمساجد ، وقصدها العلماء ، وبزغ منها علماء في الحديث والفقه والنحو ، وكثر بها الأدباء والشعراء ، و كذلك عيذاب .

ثانياً : في الجانب الاقتصادي :

- في الجانب الإيجابي : ترويج التجارة :

ونقل حاصلات الشرق ومنتجاته إلى أوروبا ، عن طريق جنوا والبندقية وبيزا ، وغيرها من الموانئ الأوروبية التي اشترطت للدخول في الحرب حصولها على امتيازات تجارية في ممالك الصليب بالشام .

وأصبحت مثل عكا وصيدا وصور واللاذقية مراكز تجارية هامة حملت حاصلات الشرق لأوروبا من مثل المنسوجات القطنية والحريرية والأواني الزجاجية واللآلئ والأحجار الكريمة والعاج والأخشاب والعقاقير والتوابل التي كانت ترد للشرق الإسلامي من الشرق الأقصى .

كل ذلك كان يأخذه الغربيون عن طريق العراق حيناً والشام حيناً لتستقر في الثغور التي احتلها الصليبيون في الشام ، ومنها تعبر البحر إلى أوروبا . كما استفادوا كذلك من بعض الثغور المصرية التي احتلوها كدمياط والإسكندرية .

ولا شك أن هذه الاستفادة التجارية لم تكن موضع رضا المخلصين ، بسبب أنها تجارة بين صاحب الأرض والمحتل الغاصب ، كما أن استمرار الجهاد ضد المحتلين لم يعط الفرص الكافية لاستقرار التجارة .

- الجانب السلبي : الخسائر في الأرواح والممتلكات والأموال :

وربما أدت الحروب الصليبية إلى دمار كامل لبعض المدن والثغور ، وهذا يحدث كساداً تجارياً وخللاً اقتصادياً .

وصاحب الحروب تعطيل لكثير من الصناعـات ، وتضييع لكثير من الحاصلات الزراعية ، واختلال الأمن ، وإشاعة للسلب والنهب ، أدى ولا شك إلى ارتفاع الأسعار لدرجة أعجزت الناس عن الحصول على ضرورياتهم .




الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ، لعلي عبدالحليم ، ص 223

د.فالح العمره 16-09-2006 04:30 PM

الحـروب الصليبـيـة (16 ) : نتائج الحـروب الصليـبـية في العـالم الإسلامي ( تتمة )


تحدثنا في المقال السابق عن هذه النتائج في الجانب الاقتصادي والاجتماعي ، وهنا نكمل الجوانب الأخرى في هذا الموضوع .

ثانياً : في الجانب السياسي :

وتجلى هذا الأثر في مجالين هما :

- اتحاد المسلمين وجمع كلمتهم تحت قيادات مخلصة .

- إضعاف الدولة الرومانية الشرقية – بيزنطة – مما أدى إلى الاستيلاء عليها نهائياً ، بعد انتهاء الحروب الصليبية بزمن غير بعيد .

أما وحدة المسلمين في مواجهة الصليبيين فقد كانت الدولة العباسية عند بدء الحروب الصليبية ضعيفة مفككة الأوصال على شكل ولايات متعادية يطمع رئيس كل ولاية أن يوسع ولايته على حساب ولاية جيرانه . وكانت الدولة الفاطمية في أضعف قواها وظروفها ، وهذا قد أدى لظهور شخصيات لمعت في جمع شمل المسلمين وتوحيد صفوفهم ضد الصليبيين ، وأشهرهم عماد الدين زنكي ، وابنه نور الدين محمود ، وصلاح الدين الأيوبي الذي دانت له مصر والشام واليمن واسترجع المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين .

أما إضعاف الدولة البيزنطية فقد كانت هذه الدولة سداً منيعاً في وجه الفتوح الإسلامية والتي منعت امتداد الإسلام إلى أوروبا ، فلما استغاثت الدولة البيزنطية بأوروبا ضد السلاجقة المسلمين قامت الحملات الصليبية بتقوية الدولة البيزنطية في البداية ولكن أطماع الأوروبيين امتدت نحو هذه الدولة فحرصوا على الاستيلاء على البلدان التي تقع تحت أيديهم من المسلمين وإن كانت في الأصل للدولة البيزنطية ، مما تحول إلى صراع بين قادة الصليبيين في الشرق الإسلامي وأباطرة الدولة البيزنطية ، حتى حول الصليبيون الأوروبيون الدولة البيزنطية إلى دولة لاتينية إقطاعية ، ثم استعادت بعض نفوذها من الأوروبيين لكن العثمانيين جاؤوها وقد ضعفت وتضعضعت فأزالوها .

ثالثاً : إذكاء العواطف الدينية :

إذ ثاب المسلمون إلى رشدهم ، وعادوا إلى مصدر عزهم وانتصارهم ، واستيقظت في نفوسهم حمية الإسلام ، وعاشت في قلوبهم آيات الجهاد وأحاديثه ، ورفعوا علم الجهاد في سبيل الله تعالى ، وظهر القادة المجاهدون المخلصون وتبعتهم الأمة ونصرتهم .

وكره المسلمون النصارى الذين كانوا يقيمون معهم في البلدان الإسلامية ، وكذلك اليهود الذين وقفوا إلى جوار الصليبيين ضد المسلمين ، فعاملهم المسلمون بالتضييق والشجب وعدم الثقة وسحبت منهم بعض الأعمال والمناصب التي كانوا يتولونها من قبل ، وظهرت كتب ومؤلفات في الرد على أهل الكتاب وتبيين التحريف في أديانهم مثل كتاب : هداية الحيارى من اليهود والنصارى لابن القيم ، وكتاب : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ، وكتب في ذكر مثالب الصليبيين ومفاسدهم ، وكتب في الثناء على الحكام المسلمين الذين قاتلوهم .


رابعاً : في التأثر ببعض العادات :
وهي مبدأ توريث الإقطاع بأن يقطع كل أمير وقائد جند في جيشه قطعة كبيرة من الأرض بحيث يتكفل بإدارة الإقطاع والإشراف عليه مالياً وإدارياً وعسكرياً ، ويؤدي من دخله ما عليه من مال للسلطان ، وأعظم سيئات هذا العمل ظهور نظام الطبقية في المجتمع وما يتبعه من مشاعر سيئة لدى الفقراء ، وظهور منافقي السلاطين ليعيشوا من أموالهم .

وكذلك رباطات الصوفيين و تكاياهم ، التي تشبه أديرة النصارى في بلدانهم ، فقد احترف بعض المسلمين الانقطاع للعبادة والقعود في رباطات بناها لهم السلاطين ، إيثاراً للعافية والدعة على حرب الصليبيين ، وأشاع الصوفيون بهذا روح التواكل حتى ترك كثير من الناس الجهاد مما جعل بعض الحكام يأتي بالجنود من أماكن بعيدة .

وأخيراً انتشار الرقيق والاتجار فيه ، فقد توسع أثرياء المسلمين في اقتناء العبيد والجواري والغلمان لتمام الزينة والرونق ، وجر هذا على المسلمين فساداً أخلاقياً عظيماً وتسربت معه عادات لا يقرها الإسلام في التحية والملابس ، وظهرت أماكن أعدت للهو والغناء وشرب الخمر وغير ذلك .




الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ، لعلي عبدالحليم ، ص 234

د.فالح العمره 16-09-2006 04:31 PM

الحـروب الصـليبيـة ( 17) : نتائج الحـروب الصليبـية عـلى الدول الأوروبية (1)


أولاً : في الاجتماع والسياسة :

1- إضعاف نظام الإقطاع :

وهو يعتمد على قاعدة عريضة من العبيد الذين كانوا يقومون بفلاحة الأرض وخدمتها لصالح سادتهم من الأمراء والفرسان والنبلاء ، وكانوا يعاملون معاملة آلات الحرث والسقي التي تلزم الأرض ولا تقوم حياتها إلا بها ، وليست لهم حقوق على أسيادهم إلا الطعام الضروري واللباس والمأوى على أحط المستويات وأدناها ، ويكون أبناؤهم كذلك عبيداً لأسياد آبائهم ، وليس لأحد منهم الحق في الخروج عن إرادة سيده قط .

وقد كان هذا النظام يفتت المجتمع الأوروبي من داخله ويولد العداوة والبغضاء في نفوس العبيد تجاه السادة ، كما كان يولد تنافساً بغيضاً بين أصحاب الإقطاع يؤدي للتنازع والتعادي .

وكانت الحروب الصليبية فرصة للعبيد للهروب من عناء الإقطاع ، ولم يكن السادة قادرين على منعهم من المشاركة في تلك الحروب لأن الكنيسة باركتها ومن يشارك فيها ، ولقد أدى ذلك إلى أن يبحث أصحاب الإقطاع عن عمال من الأحرار الذين يأخذون على عملهم أجراً ويشترطون حقوقاً ولا يعملون مسخرين مقهورين ، وأدى ذلك إلى تصدع نظام الإقطاع وانقراضه فيما بعد .

2- تقوية السلطة المركزية لملوك أوروبا :

فقد كان الإقطاع في أوروبا من أهم أسباب إضعاف السلطة المركزية لملوك أوروبا ، حيث كان يستعصي عليهم إخضاع كبار الإقطاعيين أو السيطرة عليهم ؛ لأن هؤلاء الإقطاعيين يعتدون بقوتهم وثروتهم وعبيدهم ولا يرون للملوك سلطاناً عليهم ، فكانت بعض ممالك أوروبا من داخلها ممالك متعددة بتعدد أصحاب الإقطاع .

فلما جاءت الحروب الصليبية وضعف نظام الإقطاع وشارك بعض كبار الإقطاعيين فيها وهلك بعضهم في تلك الحروب _ عادت السلطة المركزية في بعض ممالك أوروبا وأصبح بعض ملوكها في مكانة قوية .

3- إحداث تغييرات اجتماعية وسياسية في أوروبا :

وذلك بسبب ضعف نظام الإقطاع ، ومن تلك التغيرات تقارب الفوارق بين طبقات المجتمع ، وظهور الطبقة الوسطى من العمال الأحرار غير العبيد ، وظهور القوميات المتعددة في أوروبا بعد أن كان الإقطاع هو الذي يوحد بين الناس في ظل السيد فلما ضعف الإقطاع آوى الناس إلى ظل قومياتهم .

4- ظهور جماعات دينية تحترف الحرب :

كفرسان المعبد ( الداوية ) هي هيئة عسكرية دينية تابعة للكنيسة . والاسبتارية وهي هيئة عسكرية دينية تابعة لمستشفى القديس يوحنا المقدسي . وفرسان تيوتون وهي هيئة عسكرية ألمانية دينية .

وجميع هذه الجماعات تأسست بسبب الحروب الصليبية ، وجميعها كذلك شارك في هذه الحروب ضد المسلمين في أماكن متعددة وعلى مدى زمن غير قصير .

5- دعم مركز البابا وتقوية نفوذه :

وأصبح ملوك أوروبا الذين كانوا كثيرا ًما يتمردون على سلطان البابا خاضعين لنفوذه ، إذ يقود حرباً مقدسة يمنح المشترك فيها حق غفران الذنوب بينما يصدر قرار الحرمان ضد كل من يتقاعس عن الاشتراك فيها ، كما قويت تبعاً لذلك مراكز بعض ملوك أوروبا الذين أسرعوا بالاستجابة لدعوة البابا بالمشاركة في هذه الحروب .

ثانياً : في الاقتصاد :

1- انخفاض أثمان الأراضي والعقارات :

إذ لما اشتد الإقبال على النقود لإعداد المقاتلين والمؤونة والأسلحة فضلاً عن الإعداد للمعركة ، رغب حينئذ كثير من الناس في بيع ممتلكاتهم ومزارعهم للحصول على المال فأدى ذلك لانخفاض أثمانها .

وهنا برز اليهود فقدموا قروضاً بربا فاحش فعاش الأوروبيون في القلق والاضطراب والضيق ، فاستاؤوا من مسلك اليهود ، فحقدوا عليهم ، وعندما حانت لهم الفرصة اضطهدوا الكثيرين منهم .

2- فرض ضرائب جديدة من أجل الحروب الصليبية :
من قبل بعض الملوك كما فعل لويس التاسع لتجهيز الحملة الصليبية ، وكذلك فعل فيليب أوغسطس وريتشارد قلب الأسد .

3- انتعاش بعض المدن الأوروبية اقتصادياً :

حيث أصبح النشاط التجاري يحتل مكان النشاط الزراعي ، وأصبحت بعض المدن مراكز اقتصادية مثل : جنوا والبندقية وبيزا ومرسيليا وبرشلونة .

وأدى ذلك إلى اتساع المصارف واتساع نطاق عملها ، كما أدى إلى تحسين طرق التجارة وإنشاء بعضها ، وإنشاء طرق ملاحية ذات خطوط منتظمة .




الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ، لعلي عبدالحليم ، ص 265

د.فالح العمره 16-09-2006 04:32 PM

الحـروب الصـليـبية ( 18) : نتائج الحروب الصـليبـية على الـدول الأوروبية (2)


ثالثاً : في النهضة العلمية والحضارية :

إن الحروب الصليبية عرّفت دول غرب أوروبا على الحضارة الإسلامية بشكل أعمق وأعرض ، وتركت في حضارة أوروبا في عصر النهضة سمات ودلائل تشير إلى التأثر بالحضارة الإسلامية والنقل عنها .

ففي الوقت الذي كانت الكنيسة تحرم صناعة الطب لاعتقادها أن المرض عقاب إلهي لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن يستحقه ، في هذا الوقت كان المسلمون يمارسون الطب منذ زمن مبكر عن ذلك ، فقد توسع المسلمون فيه وترجموا موسوعات فارسية ويونانية وهندية في الطب إلى اللغة العربية ، وألفوا موسوعات لم يوضع لها نظير في الضخامة والتمحيص ، وكانت بعض أمهات هذه الكتب تدرس في جامعات أوروبا لمدى زمني طويل .

أما سائر العلوم كالرياضيات والفلك وعلوم الطبيعة كالكيمياء والنبات والحيوان والمعادن والصيدلة ، فقد تفوق فيها المسلمون قبل عصر النهضة بوقت كبير ، فأخذوا يترجمون الذخائر العلمية وينقلون إلى العربية علوم الإغريق والرومان والفرس والهنود ، وأقيمت دور الكتب والمكتبات ، وفتح الخلفاء والأمراء قصورهم للعلم والعلماء وتنافسوا في رعاية العلم وأهله ، وأضاف العلماء كثيرا ًمن الآراء والنظريات التي نسبت لغيرهم .

وبرزت أسماء كبيرة مثل : ابن مسكويه ، والخازن ، وابن خلدون ، وابن النفيس ، وابن الهيثم ، والبتاني ، والفرغاني ، والكندي ، والخوارزمي ، والبيروني ، والغافقي ، والقزويني ، وجابر بن حيان ، وابن البيطار ، وداود الأنطاكي ... وظلت مؤلفات هؤلاء العلماء المراجع المعتمدة في جامعات أوروبا حتى القرن التاسع عشر ، واعترف عدد كبير من مؤرخي العالم بفضلهم على العالم والإنسانية حتى قال قائلهم : إنه لولا أعمال العرب لاضطر علماء النهضة الأوروبية أن يبدءوا من حيث بدأ هؤلاء ، ولتأخر سير المدنية عدة قرون . وحتى قال آخر : إن كثيراً من الآراء والنظريات العلمية حسبناها من صنعنا ،فإذا العرب سبقونا إليها .

وكانت جهود المسلمين في الجغرافية ذات أثر واضح في النهضة الأوروبية ، وبخاصة الجغرافية الوصفية والفلكية ، وكانت كتابات المسلمين وأبحاثهم وآراؤهم نبراساً اهتدى به علماء الغرب ، فلقد ظهر بين المسلمين علماء أفذاذ أضافوا إلى العلم أحسن التحقيقات عن طريق الأرصاد الفلكية ، ومشاهد الرحلات وتمحيص الروايات والمقارنة بينها لتبين السليم من الزائف .

وقد استمر الرحالة الأوربيون يعتمدون إلى حد كبيرعلى المصادر الإسلامية في ارتياد ما كان مجهولا ًلديهم من أرجاء الأرض ، يقول جوستاف لوبون : فالعرب هم الذين انتهوا إلى معارف فلكية مضبوطة من الناحية العلمية عدت أول أساس للخرائط ، فصححوا أغاليط اليونان العظيمة في المواضع ، والعرب من ناحية الريادة هم الذين نشروا رحلات عن بقاع العالم التي كان يشك الأوربيون في وجودها فضلاً عن عدم وصولهم إليها.

ومن أبرز آثار الحروب الصليبية في أوروبا أن أخذت بعض مدن أوروبا تنشئ مدارس لتعليم اللغة العربية ، إذ أدركوا أن تعلم اللغة العربية أمر ضروري للوصول لأهدافهم الدينية والاقتصادية ، وكان هذا سبباً في إهمال اللغة اللاتينية والإغريقية إلى حد كبير وإحياء اللغات الشعبية ، وصنفت كذلك المعاجم العربية الأوروبية لمعاونة المترجمين والمتعلمين .




الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ، لعلي عبدالحليم ، ص 271

د.فالح العمره 16-09-2006 04:33 PM

الحـروب الصـليبيـة ( 19 ) : نتائج الحروب الصـليبية على الـدول الأوروبية (3)


رابعاً : في إثارة المطامع في العالم الإسلامي :

لقد كان الهدف في الحروب الأولى دينياً في الغالب ، أما محاولة العودة للعالم الإسلامي مرة ثانية فقد سيطر عليها طمع مادي في بلدان العالم الإسلامي.

ولقد شجع الأوروبيين على العودة لاحتلال الشرق الإسلامي بعد انتهاء الحروب الصليبية جهات متعددة :

أولها : الكنيسة التي كانت تحلم أن تكون من أجل ذلك جيشاً أوروبياً ضخماً يعيد للكنيسة هيبتها،ويعطيها السلطة التي كانت لها على ملوك أوروبا أثناء الحملات الصليبية،ثم أضافت هدفاً آخر وهو العمل على دعوة المسلمين للدخول في النصرانية .

ثانيها: رجال المال والاقتصاد الذين بهرهم الشرق بمصنوعاته وخاماته .

ثالثها :ملوك أوروبا الراغبين في أن يحصلوا لتجارة ممالكهم وتجارها على أسواق رائجة وموانئ إسلامية حافلة ، عن طريق سيطرة السادة الغزاة لا المتحالفين المتعاهدين .

وقامت هذه الجهات بالتخطيط للعودة للشرق الإسلامي ، فكان من أبرز أعمالهم في هذا السبيل :
· الاهتمام باللغة العربية : ليسهل أمامهم التفاهم والتعرف الدقيق على هذا العالم الإسلامي تاريخه وعاداته وتراثه .

أما الكنيسة فليسهل على رجالها نشر النصرانية بين المسلمين ، والتجار ليسهل عليهم التعامل ، والملوك ليقوم بينهم وبين بلدان العالم الإسلامي سفراء يعرفون العربية .

فتم تصنيف معاجم عربية أوروبية تعين المتعلمين للعربية ، فصنف المعجم العربي القشتالي سنة 1505 م ، وكتاب ( وصف أفريقية ) للحسن بن الوزان المشهور بليون الأفريقي ، ونشر جيوم بوستل المستعرب الفرنسي كتاب ( جمهورية الترك ) الذي يعد نواة صالحة اعتمدت عليها أغلب الدراسات العربية واتخذها المستشرقون مصادر أساسية لما قاموا به من دراسات عن الإسلام والعرب .

· ترجمة القرآن الكريم إلى عدد من اللغات الأوروبية : لتيسير عمل من يقومون بهذه الدعوة أو الدعاية .

· ترجمة الإنجيل إلى اللغة العربية ، ليستعين به الداعون إلى النصرانية من جانب ، وليكون في متناول المسلمين لقراءته والاطلاع عليه من جانب آخر .

· الاستشراق : وهو دراسة تراث الشرق وتاريخه وعاداته وتقاليده ، وقد بدأت طلائع المستشرقين تعنى بهذه الدراسات منذ القرن العاشر الميلادي إلى يومنا هذا ، وكان هدفه التمهيد لغزو أرض المسلمين .

· إنشاء مكتبات شرقية في أوروبا : مثل مكتبة باريس الوطنية سنة 1654 م ، وفيها حوالي سبعة آلاف مخطوط عربي ، ومكتبة جامعة ستراسبورج ، ومكتبة المدرسة الوطنية للغات الشرقي الحية ..

· إنشاء المطابع الشرقية : كمطبعة إيطاليا ، ومطبعة فرنسا .

· إنشاء المجلات الشرقية : التي كان للمستشرقين الفرنسيين فيها جهود معروفة ، مثل صحيفة العلماء ، ومجلة الجمعية الملكية الآسيوية ، والمجلة الإفريقية ، والمجلة التاريخية ، ومجلة تاريخ الأديان وغيرها ، وبعض هذه المجلات ما زال يصدر إلى هذا اليوم .

ولقد تولد عن هذه الأعمال احتلال ثان لكثير من بلدان المسلمين غداة تحالفت دول أوروبا الغربية والشرقية على دولة الخلافة العثمانية حتى قضت عليها وورثت أملاكها وراثة غير شرعية .



الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ، لعلي عبدالحليم ، ص 286

فهد بن محسن 17-09-2006 12:26 AM

لاهنت يابو بدر

وجزاك الله خير الجزاء على هذا التوضيح

وعلى كتابة هذه المواضيع التي تبين حقيقة هؤلاء وخبثهم



تحياتي لك

ضيدان بن مترك 17-09-2006 01:56 AM

ألأخ العزيز.فالح العمره
بصراحه كتبت وابدعت وشرحت واوجزت.الله يعينك ويوفقك أمييييييين.....

د.فالح العمره 18-09-2006 02:09 PM

ابو فيصل وغالب مرحبا بكم

ولا هان الجميع

أغراب 18-09-2006 02:27 PM

درست الحروب الصليبيه أثناء المرحله الثانويه..
لكن لم أتعمق فيها والسبب في ذلك معلمتي للماده ..
ولعل موضوعك هذا قد يعطيني خلفيه جيده جدا عن الحروب الصليبيه..
ولي عوده عليه ان شاء الله ..
يعطيك العافيه أخي فالح..

د.فالح العمره 18-09-2006 04:32 PM

يا مرحبا بك يا اغراب والله ينفع بها الجميع

فزاع 22-09-2006 06:36 PM

لا هنت يا الدكتور
على هذه البحوث الرائعة الله يجزاك الف خير.

د.فالح العمره 26-09-2006 10:14 PM

يا مرحبا بك يا فزاع ولا هنت على حضورك

د.فالح العمره 26-09-2006 10:14 PM

طرد المسلمين من إسبانيا
بقلم: روجر بواس[1]

Roger Boase

يلقي روجر بوس في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني.


--------------------------------------------------------------------------------

لكل شيء إذا ما تم نقصان * فلا يغر بطيب العيش إنسان

وهذه الدار لا تبقي على أحد * ولا يدوم على حال لها شانُ

تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ * كما بكى لفراق الإلف هيمانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ * حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ

حتى المساجدُ قد اضحتْ كنائسَ ما * فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ

يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهُمُ * أحال حالهمْ جورُ وطغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم *واليومَ هم في بلاد الضدِّ عبدانُ

ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ * لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ

يا ربَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما * كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ

وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ * إذ طلعت كأنما ياقوتٌ ومرجانُ

يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً * والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ

لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ * إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ


--------------------------------------------------------------------------------

هذه كانت الكلمات التي كتبها الشاعر " أبو البقاء الرندي" بعد وقوع إشبيلية في يد ملك كاستيل "فردناند الثالث"، وذلك في ديسمبر عام 1248.

فقد تم في ذلك الوقت الاستيلاء على العديد من المدن الأخرى ومن ضمنها بلنسية، مرسية،جيان، وقرطبة.وقد بدا أن نهاية إسبانيا المسلمة على وشك الحدوث.

ومع ذلك، فلم تقع مملكة غرناطة التي كان يحكمها المغاربة في يد "فردناند" و "إيزابيلا" إلا في عام 1492، ولم يتم طرد المسلمين الأخير إلا في القرن التالي ما بين عامي 1609 و 1610 .وهذا يعني أنه كان هناك عدد كبير من المغاربة المسلمين يقطنون في إسبانيا بعد بلوغ الثقافة الأندلسية أوجها والتي استمرت خمسمائة عام وذلك في القرن الحادي عشر.

وقد يكون الشاعر أبو البقاء قد تأثر كثيراً لمعاناة إخوانه في الدين، وذلك بعد سقوط غرناطة ، أو خلال فترة طرد المسلمين حيث ارتكب بحقهم كثير من الأعمال الوحشية: دمرت المنازل وهُجرت، وتحولت المساجد إلى كنائس، وأبعدت الأمهات عن أطفالهن، وسلبت ثروات الناس وتم إذلالهم، وتحول الثائرون المسلحون إلى عبيد.

وبحلول القرن السادس عشر أصبح المغاربة مواطنين إسبانيين، وكان بعضهم مسيحيين بالأصل، وكان العديد منهم مثل شخصية "ريكوت" وهو جار "سانشو بازا" في رواية "الدونكيشوت" (1605-1615) وطنيون لدرجة كبيرة، وكانوا يعتبرون أنفسهم مثل ذلك المغربي في تلك الرواية. إلا أنهم كانوا جميعاً ضحايا سياسة الدولة التي كانت مبنية على النزاعات العنصرية الدينية، والتي كانت يدعمها المجلس الملكي، والكنيسة، حيث كان طرد اليهود عام 1492 يمثل حادثة مماثلة شرعية في ذلك الوقت.

وحسب بنود المعاهدة التي أبرمت عام 1492، والتي نصت على السماح لرعايا الملك على الاحتفاظ بمساجدهم ومعاهدهم الدينية، ولهم حق استخدام لغتهم والاستمرار بالالتزام بقوانينهم وعاداتهم، إلا أن بنود تلك المعاهدة قد نقضت خلال السنوات السبع التالية. وقد حدث ذلك عندما جرى استبدال النهج التبشيري المعتدل لرئيس أساقفة غرناطة "هيرناندو دو تالفيرا" (1428-1507)، بالنهج التعصبي للكاردينال "سيزيزوس" (1518-1436) الذي قام بتنظيم اعتناقات جماعية للدين المسيحي، وقام بحرق جميع الكتب الدينية باللغة العربية، وجرى ذلك أثناء التمرد الأول للبوجراسيين[2] (1500-1499) وعقب اغتيال أحد نواب الكاردينال.

وهذا بالتالي منح العذر للملوك الكاثوليك لأن ينكثوا بوعودهم. وفي عام 1499 أجبر قادة الدين الإسلاميين في غرناطة على تسليم أكثر من 5000 كتاب تتميز بتجليدات زخرفية لا تقدر بثمن، فقد تمّ حرقها وبقي منها بعض الكتب الطبية فقط.

وبعد عام 1502 تم تخيير المغاربة في جنوب الأندلس، وبلنسية، وكاتالونيا، وأراغون بعد عام 1526 بين التعميد أو النفي. فكان التعميد بالنسبة للأغلبية هو الخيار الشكلي. وأصبح المسلمون الإسبان فيما بعد المسيحيين الجدد (نظريا) وهم بذلك أضحوا خاضعين للسلطة القضائية للمحكمة الكاثوليكية التي يترأسها البابا "سكستوس" السادس في عام 1478.

إلا أن معظم هذا الاعتناق الديني كان بالاسم فقط: إذ كان المسلمون يمارسون الطقوس الدينية المسيحية التي لا وزن لها، إلا أنهم استمروا في تطبيق الدين الإسلامي سراً. فمثلاً، بعد أن يتم تعميد الطفل، كان يؤخذ إلى البيت ويتم تغسيله بالماء الحار لإبطال قدسية التعميد.

كان المسلمون الأوائل قادرين على أن يحيوا حياة مزدوجة بضمير حي، نظرا لوجود بعض الأحكام الدينية الإسلامية التي تجيز للمسلمين الرازخين تحت وطأة الإكراه أو من كانت حياتهم في خطر، التظاهر بالتقية حفاظاً على حياتهم.

واستجابة لطلب من المسلمين الإسبان، أصدر المفتي الأكبر لمدينة وهران[3] أحمد بن أبو جمعة حكما بجواز احتساء المسلمين الخمر، وتناول لحم الخنزير، أو القيام بأي فعل محرم إذا أجبروا على القيام بذلك ولم يكن في نيتهم فعل هذا العمل الآثم. كما أفتى أيضا بجواز إنكار الرسول محمد بألسنتهم شريطة أن يكنوا له في الوقت نفسه المحبة في قلوبهم، إلا أنه لم يوافق جميع العلماء المسلمين على هذا الإفتاء.

وبذلك، فإن سقوط غرناطة كان بمثابة المرحلة الجديدة في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين .

لقد كان حال المسلمين تحت الحكم المسيحي وخلال فترة القرون الوسطى، يشابه حال المسيحيين الذين كانوا تحت حكم المسلمين[4]: حيث كانوا ينتمون إلى أغلبية محمية تحافظ على قوانينها، وعاداتها مقابل دفع الجزية. وبالنسبة للوضع القانوني لليهود والمسلمين تحت الحكم المسيحي، فلم يكن على أساس كتبهم المقدسة بل كانوا يخضعون إلى نزوات الحكام، وإلى تحيزات عامة الناس ومعارضة الرهبان.

وقبل اكتمال فترة إعادة الاستيلاء، كان من مصلحة ملكي "أراغون" و "كاستيل" احترام تلك القوانين والاتفاقيات.

ومع ذلك ، نرى الآن أن إسبانيا لم تصبح نظريا على الأقل أمة مسيحية بصورة كاملة، وإنما هناك تماثل أيضا من حيث نقاء الإيمان مع صفاء الدماء ، بحيث صنف جميع المسيحيين الجدد أو المتحولين عن دينهم ، سواء أكانوا من أصل إسلامي أم يهودي، صنف هؤلاء بالمارقين المتسترين.

وبما أن المغربي عضو في الأقلية المقهورة ذات البيئة الثقافية الأجنبية، فقد أصبح هذا المغربي "مغربيا ضعيفا"، وأضحى كل مظهر من مظاهر حياته : لغته، ملبسه، وعاداته الاجتماعية يحكم عليها بأنها غير حضارية و وثنية. فالفرد الذي يرفض احتساء الخمر ، أو تناول لحم الخنزير قد تتهمه المحكمة الكاثوليكية بأنه مسلم، وتعتبر المحكمة الكاثوليكية والرأي العام أن تصرفات مثل تناول "الكوسكس"، واستخدام الحناء ، و رمي الحلوى خلال حفلات الزفاف، والرقص على إبقاع الموسيقى البربرية، كل ذلك يعتبر حسب نظرهم عادات غير مسيحية، وعلى الفرد أن يعاقب نفسه تكفيراً عن خطيئته.

وبالنسبة للمغاربة الذين كانوا مسيحيين أصليين، فقد كانوا يعتبرون كمواطنين من الدرجة الثانية، وكانوا يتعرضون للنقد من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وعلى الرغم من أن إطلاق اسم Morisco على المغربي يعتبر لفظا ينتقص من قدره، إلا أن المؤرخين يرون أن هذا الاسم مناسباً لتمييز العرب أو المغاربة الذين بقوا في إسبانيا بعد سقوط غرناطة.

قام "فيليب الثاني" في عام 1567 بتجديد مرسوم لم يتم تنفيذه بإحكام من قبل. وهو ينص على عدم شرعية استخدام اللغة العربية، وحظر الدين الإسلامي واللباس والعادات الإسلامية. وقد صدر هذا المرسوم في فترة التمرد الثانية للبوجراسيين (1568-1570) والذي بدا أنه قام بمؤامرة سرية مع الأتراك. وتم القضاء على الانتفاضة بوحشية من قبل نبيل النمسا "الدون جوان".

وكان من أكثر الأعمال الوحشية التي ارتكبها هو تدمير مدينة "غاليرا" وحتى شرق غرناطة ومحوها تماماً، حيث قام بمذبحة راح ضحيتها 2500 امرأة وطفل، وإلى تشتيت شمل حوالي 80000 مغربي متواجدين في غرناطة والذين ذهبوا فيما بعد إلى المناطق الأخرى من إسبانيا، واستقر المسيحيون القدامى، وهم من شمال إسبانيا، في مدنهم.

وبحلول عام 1582، اقترح مجلس دولة الملك فيليب الثاني فكرة طرد المسلمين، ورأى المجلس أن ذلك هو الحل الوحيد للصراع القائم بين الجاليات، على الرغم من وجود بعض المخاوف من حدوث حالة تردي اقتصادي مؤذ حيث سيفتقَد إلى المهارة الحرفية، وسيكون هناك نقص في الخبرة والقوة البشرية العاملة في الزراعة.

وبما أن هناك معارضة من قبل بعض النبلاء، ونظرا لأن الملك كان مشغولاً بالأحداث العالمية، فإنه لم يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن حتى عام (1609-1610) حيث أصدر فيليب الثالث (1626-1598) مرسوم الطرد.

وقد قامت الكنيسة بسنّ القوانين الملكية الخاصة بالمسلمين بكل مراحلها. فقد أصبح "جوان دوربيرا" (1611-1542) وهو كبير رئيس الأساقفة والذي كان في البداية يؤمن إيماناً راسخاً في فعالية العمل التبشيري، أصبح في أيامه الأخيرة المؤيد الرئيسي للطرد. وقد قال في خطبة دينية في 27 سبتمبر عام 1609 أن "الأرض لن تزدهر ثانية مالم يتم طرد هؤلاء الزنادقة".

وتغير أيضا موقف دوق "ليرما"، وهو الوزير الأول للملك فيليب الثالث (1618-1598)، عندما تمت الموافقة بمنح لوردات بلنسية أراضي المسلمين المطرودين، وذلك تعويضاً عن خسارتهم لسفنهم.

وتم بالإجماع المباشرة بتطبيق قرار الطرد من قبل مجلس الدولة، وذلك في 30 يناير عام 1608، على الرغم من أنه لم يتم التوقيع الفعلي على المرسوم من قبل الملك إلا في الرابع من إبريل عام 1609. وتم إعداد أسطول السفن الشراعية الإسبانية سراً، وانضم إليه فيما بعد العديد من السفن التجارية الأجنبية وقد جاء البعض منها من إنجلترا.

وفي الحادي عشر من سبتمبر، أعلِن في بلدة بلنسية عن قرار الطرد، و غادرت أول قافلة من دانية عند حلول الظلام ، وذلك في الثاني من أكتوبر ووصلت إلى وهران في أقل من 3 أيام.

وتسلم مسلموا أراغون وقشتالة وجنوب الأندلس، و "اكستير مادورا" أوامر الطرد خلال فترة السنة التالية. واستقرت أغلبية المهاجرين المطرودين في المغرب، أو على الساحل البربري وخاصة في وهران، تونس، تلمسان، تطوان، الرباط، وسَلا.

وقد سافر العديد منهم براً إلى فرنسا، إلا أنهم أجبروا على الهجرة إلى إيطاليا، وصقلية، أو اسطنبول إثر اغتيال "هنري" ملك "نافار" على يد "رافيلاك" وذلك في مايو عام 1610.

هناك تضارب شديد حول عدد سكان المغاربة. فقد قدر عالم الديموغرافيا الفرنسي "هنري لابيري"، وذلك من خلال تقارير الإحصاء الرسمية للسكان، ومن خلال قوائم المسافرين على متن السفن، أن هناك حوالي 275000 مسلم إسباني قد هاجروا خلال السنوات 1614-1609 من مجموع 300000 مسلم إسباني.

ولا يتساوى هذا التقدير المعتدل مع الروايات المعاصرة العديدة التي تقدر عدد المسلمين بحوالي 600000 مسلم، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن العدد الكامل لسكان إسبانيا في ذلك الوقت كان بحدود سبعة ملايين ونصف المليون نسمة فقط، فهذا يشكل بحد ذاته نقصاً حاداً في القوة البشرية المنتجة، وفي ريع الضرائب.

وفي مملكة بلنسية التي فقدت حوالي الثلث من سكانها ، فقد هُجرت نصف قراها في عام 1638.

وهناك تضارب مماثل حول عدد المسلمين الذين قتلوا خلال التمرد المسلح، أو أثناء رحلتهم إلى المنفى. وأفاد السيد "بيدرو أزنار كاردونا" الذي برّر في بحثه مسألة الطرد والذي نشر في عام 1612، أنه توفي أكثر من 50000 مسلم، وذلك بين شهري تشرين الأول/أكتوبر 1609 وتموز/يوليو 1611 أثناء محاولتهم مقاومة طردهم، في حين أنه توفي أكثر من 60000 مسلم أثناء رحيلهم خارج البلاد سواء براً، أم بحراً ، أو على أيدي إخوانهم في الدين بعد أن تم إنزالهم على الساحل الشمالي الإفريقي

وإذا ما كانت هذه الأرقام صحيحة، نجد أن أكثر من سدس المسلمين قد أبيدوا خلال فترة السنتين. وقد أشار "هنري تشارلز لي" بعد دراسة المصادر المعاصرة أن نسبة وفاة المسلمين تقع ما بين ثلثي و ثلاثة أرباع مجموع عددهم.

استغل "جوان دو ريبيرا" العامل الديموغرافي كأحد الحجج المؤكدة في تأييد مسألة الطرد. و حذر "فيليب الثالث" أنه مالم يتخِذ إجراءً سريعاً، فقد يجد المسيحيون الإسبان أنفسهم عاجلاً أنهم أقل عدداً من المسلمين، حيث أن المغاربة يتزوجون ولديهم أسر كبيرة، في حين أن ثلث أو ربع المسيحيين غير متزوجين، وذلك بعد دخولهم في خدمة الكنيسة الكاثوليكية، أو بسبب انخراطهم في الخدمة العسكرية.

وأفاد "ريبيرا" أن كل ما يفكر به المسلمون هو الزيادة والحفاظ على نسلهم، في حين أن اعتدالهم في المأكل والمشرب يطيل من أعمارهم. ومما زاد من مخاوف "ريبيرا" هو الإحصاء السكاني الذي أجري لسكان بلنسية والذي أشرف عليه هو شخصياً في العام نفسه، والذي أظهر أن عدد المغاربة قد ازداد بنسبة الثلث.

وخلال اجتماع عقد لمجلس الدولة في كانون الأول/يناير 1608، عزا الكوماندور "دوليون" انخفاض عدد السكان المسيحيين الأصليين إلى كرههم لتحمل الأعباء الاقتصادية للزواج في وقت ترتفع فيه تكاليف الحياة. كما حذر أيضا من أن المسلمين سيتمكنون عاجلاً من تحقيق أهدافهم بكل سهولة بسبب ازدياد عددهم وذلك دون اللجوء إلى استخدام السلاح أو تلقي مساعدة من الخارج.

وحانت اللحظة المناسبة لاتخاذ عمل صارم إزاء هذا الموضوع، بسبب انشغال تركيا بالحرب، وضعف كل من فارس ( إيران أو شمال إفريقيا) من جراء تفشي مرض الطاعون والجفاف والحرب الأهلية.

ففي ذلك الحين أفاد كونت "ألبا دوليستَ"، من خلال مزيد من التحريف لمسألة الديموغرافية، لو يرسل الملك، برحمته، المسملين إلى شمال إفريقيا فإن ذلك يكون بمثابة ضرب من أنواع الحكم عليهم بالموت، لأنهم إنْ لم يموتوا بسبب الجفاف أو الجوع فإنهم سيصبحون عقماء.

نجد في مخيلة العديد من الناس أن مسألة خصوبة المسلمين لها علاقة بالتعاليم الدينية الإسلامية بالنسبة للانغماس في الشهوات واستباحة المحرمات. و يعزى فشل الكنيسة في جهودها التبشيرية – كما يقولون- إلى موقف الإسلام من المتعة الدنيوية، والحساب في دار الآخرة. وجسّد المسلمون إثم الطبيعة البشرية فيما بعد بطريقة رومانسية في تخيلاتهم للمرأة الشرقية. إلا أنهم كانوا عرضة لخطيئة "الأنا العليا" مثل الغرور، النفاق، المكر، الجشع، و اغتنام الفرص، وتعزى كل هذه الصفات إلى اليهود.

إن المتعصبين لن يترددوا في استخدام الأنماط المماثلة لتبرير كرههم للمسلمين، وهذا أمر لا ريب فيه بالنسبة للعديد من الكتّاب الإسبان في القرن السابع عشر الذين يصفون المغاربة بأنهم كسولين، إلا أنهم كادحون، وغير مسرفين ولكنهم فاسقون ، وبخلاء وفي الوقت نفسه مبذرون، وخونة ، إلا أنهم محاربون أشداء، وجاهلون وحريصون على التعلم كي يتفوقوا.

وكما رأينا أن هناك أسبابا حقيقية للخوف والغيرة من المغاربة: فعدد سكانهم يتزايد بسرعة، فأصبح البعض منهم تجاراً وأصحاب محال ناجحين، على الرغم من محاولات إقصائهم عن هذه المهن، وهم يضربون مثلاً رائعاً في سلوكهم في التجارة والاقتصاد في الإنفاق والعمل المضنين، وتعمل الأغلبية منهم ظاهرياً وفقاً للمتطلبات الدينية المفروضة عليهم، إلا أنهم استمروا –عن طرق الحيلة- بالاحتفال بأعيادهم وبتطبيق الشعائر الدينية الأساسية الإسلام.

وقد أدى رفضهم للتعاليم الداعية للتخلي عن طابعهم الديني والثقافي إلى أن يكرههم العديد من المسيحيين القدامى. فلم تكن هناك محاولة جادة لفهم ثقافة و دين المسلمين.

إن أية روايات يشوبها تشويه سمعة الإسلام، وأي تلميحات بإهانته، و أي تحريف لإحدى حقائقه، كان يعتبر مقبولاً، إذ كان يخدم ما يعتبره هؤلاء المسيحيون هدفاً جديراً بالثناء عليه لتشويه صورة الإسلام. كان مفهوم التنوع الثقافي يعتبر غريباً، واستيعاب هذا التنوع غير مقبول على نحو متساو.

تتباين معاناة المغاربة بشكل كبير من منطقة إلى أخرى. فقد سادت في بعض أرجاء إسبانيا علاقات مميزة بين المسيحيين القدامى والجدد. وقد أظهرت دراسة مفصلة أجراها "فيلاروبيا" في "لامانشا" –والتي يشكل فيها المسلمون نسبة 20% من السكان، ويمتلكون أفضل المزارع وقد اندمجوا ضمن المجتمع هناك- أظهرت أن جيران المسلمين من المسيحيين القدامى كانوا يقومون بحمايتهم من الزيارات غير المرغوب بها من قبل مفتشي الحكومة. و قد استطاع العديد من أؤلئك الذين تم طردهم من العودة ثانية إلى إسبانيا وقطع مئات الأميال للوصول إلى وطنهم.

ولم يتم سرد القصة الكاملة للمعاناة التي تحمّلها المغاربة: كيف وصل أولئك الذين نجوا بحياتهم إلى بلادهم، وهم يعانون من الجوع والحرمان لأن اللصوص والمحتالين سلبوا منهم المال وضرورات الحياة التي سمح لهم بأخذها معهم، وكيف أن الذين سافروا براً إلى فرنسا قد أرغموا من قبل المزارعين أن يدفعوا مالاً إذا شربوا من نهر، أو جلسوا تحت ظل شجرة، وكيف حاول الآلاف منهم المقاومة، وأن الذين نجوا بحياتهم كانت خاتمتهم أنهم أصبحوا عبيداً في السفن، وكيف كان أؤلئك الذين ينتظرون الصعود إلى السفينة جوعى بحيث أنهم وافقوا على بيع أطفالهم مقابل الحصول على الخبز، وكيف كانت السياسة الرسمية للكنيسة هي فصل الأطفال المسلمين عن والديهم.

وكان هدف "جوان دو ريبيرا" منذ البداية والذي صادق عليه مجلس الدولة في الأول من كانون الثاني/ديسمبر عام 1609، أن يبقى الأطفال الذين كانت أعمارهم بين العاشرة أو أقل في إسبانيا ليقوم الرهبان أو أي أشخاص آخرين موثوق بهم بتعليمهم، حيث يقومون بالإشراف عليهم حتى بلوغهم سن الخامسة والعشرين، أو الثلاثين مقابل تأمين المسكن والطعام والملبس لهم، وأن يسلم الأطفال الرضع إلى المرضعات المسيحيات القدامى حسب الشروط السابقة الذكر.

وفي الشهر التالي تم تخفيض سن الأطفال من عشر سنوات إلى خمس سنوات أو أقل من ذلك. وجرى تنفيذ هذه السياسة بشكل جزئي، إلا أنه ثبت أنه من المستحيل تنفيذها بشكل كامل. وبدا أنه فقِد حوالي 14000 طفل مسلم - إذا افترض أنه كان لكل أسرة طفلان – من مجموع المسلمين الذين ركبوا سفينة "اليكانت" في الأندلس وذلك في فترة ما بين السادس من تشرين الأول/أكتوبر ، والسابع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1609.

وحسبما جاء في الويثقة المؤرخة في 17 إبريل عام 1610، فقد أرسل من مملكة بلنسية حوالي 1832 من الصبية والفتيات المسلمين وأعمارهم ما بين السابعة أو أدنى- وكان ذلك ضد رغبة أوصيائهم- إلى قشتالة لخدمة الأساقفة و كبار قوم المملكة.

وفي تموز/يوليو عام 1610، أوصت الكنيسة بأن يتم بيع جميع الأطفال المسلمين من هم فوق سن السابعة الموجودين في مملكة بلنسية إلى المسيحيين القدامى بشكل دائم، وهم: أيتام المتمردين، والأطفال الذين استحوذ عليهم الجنود وآخرين لم يفصح عن هويتهم، كانوا يظنون أنهم بذلك يفعلون الخير.

وأقر العلماء اللاهوتيون الذين وقعّوا على هذه الوثيقة بأن الرق لم يبرر أخلاقياً فحسب، بل هو مجدٍ من الناحية الروحية، أي أن هؤلاء الأطفال من غير المحتمل أن يصبحوا مرتدين عن دينهم، بما أن أسيادهم ضمنوا بقاءهم كرومان كاثوليك، وأن العبيد نادراً ما يتزوجون، فهذا منهج آخر للتخلص من "العرق الشرير" في إسبانيا.

فما هي أهمية تحديد مسألة السن؟ كان يعتقد أن الطفل إذا تجاوز سن السادسة أو السابعة فإنه يبدأ في فَقْد براءته، ويصبح من الصعوبة تلقينه تعاليم مذهب ما، في حين أن الطفل الأصغر سناً لا يدري شيئاً عن أصوله. و جرى تبرير هذه السياسة بأن الأطفال الأبرياء الذين تم تعميدهم كمسيحيين ينبغي عدم معاقبتهم بسبب آثام آبائهم، مع أنه ذلك يعتبر تناقضاً، لأن مبدأ توارث الخطيئة مقبول كمبرر لطرد جميع البالغين سواء أكانوا مسيحيين أم لا.

بالإضافة إلى ذلك، قيل أن طرد الأطفال مع والديهم غير النصرانيين هو بمثابة التأكيد على أنهم مسلمون، وكان لزاماً على الأطفال المسلمين ألا يتلقوا تعليماً يفوق طبقتهم الاعتيادية، وبذلك يتم عزلهم عن الطلاب الذين يتهيئون لمنصب الكهانة، ونجد أن هؤلاء الأطفال المسلمين تتم تربيتهم من قبل الحرفيين، وعمال المزارع، وبالتأكيد كان لا يسمح لهم بدراسة الأدب. وبهذه الطريقة كان يؤمل أن تمحى ذكريات الإسلام في إسبانيا للأبد. وقد أعجب "فيليب الثالث" إعجابا شديداً بهذه النقطة.

لقد كتِب الكثير عن هجرة اليهود الإسبان الجماعية في عام 1492، أو عن المعاناة التي لاقاها العديد من اليهود المتحولين الذين لاقوا معاناة من قبل المحكمة الكاثوليكية، إلا أنه لم يلق المسلمون الإسبان المعاملة نفسها.

ترتبط في أذهان معظم الناس أن المحكمة الكاثوليكية الإسبانية تقوم باضطهاد اليهود، فلم يعرف كثير عن تعذيب المسلمين من قبل المحكمة، وأنهم كانوا ضحية للمفهوم المعادي للسامية.

واتهمت المحكمة الكاثوليكية حوالي 12000 مسلم بتهمة الارتداد عن المسيحية أي بنسبة قدرها 50%، قبل أن يتم طردهم بحوالي 30 سنة.

ولم يتجل التعصب الديني والعنصري في أي مكان كما تجلى في تقارير اجتماعات مجلس دولة الملك "فيليب"، وكذلك في الكتب التي ألفت وذلك من أجل تبرير الحاجة إلى سياسة الطرد. و يلمس المرء في تلك المؤلفات التي كتب معظمها رهبان محبطون تبشيريون من الدومنيك، تعصباً لاهوتياً غير أصلي مدعوماً بحوادث سابقة من الإنجيل وهي محاولة "تهويد" الإسلام، ووصف المسيحيين الإسبان القدامى أنهم "العرق المختار" المنشغلون في حرب صليبية لاستعادة "الأرض الموعودة" من محمد.

فقد ادعى أحد المؤلفين بأن النبي ما هو إلا ثمرة علاقة زنى بين والدته وعمه، وكلاهما –كما ادعى- يهوديان، وذلك تحقيقاً للنبوءة القائلة بأن المسيح الدجال سوف يولد لأم غير طاهرة.[5]

من السخرية أنه لم يستشهد فقط المدافعون عن سياسة الطرد الجماعي للمغاربة بنصوص العهد القديم التي استخدمت لدعم نظرية أن فلسطين هي الأرض اليهودية الموعودة، وإنما أيضا استشهد بتلك النصوص اللاهوتيون المعادون لليهودية وذلك تأييداً للحاجة إلى قوانين لتنقية الدماء.

وقد اعتبر هؤلاء المؤلفون الإسبان المسيحيين القدامى كوريث روحي لأطفال إسرائيل، وشبهوا الملك فيليب الثالث بإبراهيم، و موسى و الملك داود، وأطلقوا عليه اسم "إبراهيم الثاني" وأفادوا أنه [يعني النبي إبراهيم][6] كان ملزماً بطرد ابنه غير الشرعي، أي العرب المسلمين، أحفاد "هاجر" الأمَة المصرية.

وكانت أفضل النصوص الواردة من الإنجيل التي يفضلونها هي رسالة الله إلى موسى التي سلمها للإسرائيليين، عندما كانوا على وشك الدخول إلى الأرض الموعودة والتي كانت كما يلي: "إنكم لن تدعوا أحداً على قيد الحياة في مدن تلك الأمم التي منحها الله هذه الأرض، إنكم سوف تبيدون الحثيين، والعموريين، والكنعانيين، وأهالي بير زيت، وحيفا و... كما أمركم الله ، بحيث لا يعلمونكم أن تقلدوا الأفعال البغيضة التي قاموا بها إزاء آلهتكم وبذلك يجعلونكم ترتكبون الآثام ضد إلهكم .."

وقد استشهد اليهود بهذا النص الذين كانوا يقودون حملة لتوسع إسرائيل الكبرى الممتدة من الفرات وحتى البحر الأحمر، وقد استخدم هذا النص أيضا من قبل المتطهرون The Puritans في شمال أمريكا في القرن السابع عشر، وذلك لتبرير المجزرة التي جرت ضد سكان أمريكا الأصليين.

وعقب هذا التشابه اليهودي-المغربي، أوضح أحد الشعراء المعاصرين حول مسألة الطرد الجماعي للمغاربة فأفاد بما يلي: سوف يغادر المغاربة أرض إسبانيا المقدسة مغادرة لا عودة بعدها، وسيعودون إلى مصر أرض جهنم.

وقد اقترح الراهب البرتغالي الدومنيكي "داميان فونسيكا" بأن الله كان يتوقع من جلالة الملك الكاثوليكي أن يبذل سعيا حثيثاً في تهدئة العقاب الإلهي. وقد استخدمت هذه الجملة في عام 1611 وهي ( المحرقة المقبولة).

ويعتبر هؤلاء المعاديون للسامية أن اليهود ينحدرون من يهوذا الذي خان المسيح وليس من يهوذا ابن يعقوب. ولم يعترفوا بأن عيسى يهودي أرسله الله ليعظ نعاج بيت إسرائيل التائهة. ونتيجة للقدر الذي كتبه الله لهم، لم يعد اليهود شعب الله المختار، وورثوا خطيئة قتل الإله فحكم عليهم أن يتيهوا في الأرض.

إن أبسط طريقة للحط من قدر ما تبقى من أثر للعرب الإسبان هو تصوير الإسلام على شكل بدعة يهودية مزيفة. فاقترح القسيس الملكي" جيم بليدا" ، وهو من المجادلين المعاديين للمسلمين ـ اقترح أن الغزو الإسلامي لإسبانيا ما كان إلا بمثابة العقاب الإلهي لسياسة الملك" ويتزا" (698-710) المؤيدة لليهود، حيث أنه أبطل المراسيم التي أصدرها والده عن طريق إعتاق اليهود من الرق، و رد أراضيهم وامتيازا تهم إليهم.

وقد استشهد بذلك كحادثة سابقة شرعية جرى تطبيقها على المسلمين، وذلك في الاجتماع الذي عقده مجلس الدولة في 30 كانون الأول/يناير 1608. وعلى أية حال، كان الحدث التاريخي المباشر هو طرد اليهود في عام 1492.

وفي شهر إبريل من عام 1605، حث "بليدا" فيليب الثالث إلى أن يحذو حذو سلفه الملك "فرديناند"، والملكة " إيزابيلا" الذين أقنعهما "فيراي دو تركومات" بطرد اليهود من مملكتهما، وأن يقوما بالفعل نفسه إزاء المغاربة إذا رفضوا عملية التعميد، وأضاف بأن الله قد كافأ أسلافهم الكاثوليك نظراً لحماسهم للدين المسيحي فمنحهم العالم الجديد.

إن الكثير من التوبيخات القاسية التي وجهها "بيلدا" و مجادلون آخرون إلى المسلمين قد وجهت سابقاً إلى اليهود. وقيل عن المسلمين واليهود أنهم يتوارثون ارتكاب الآثام، وأنهم دخلاء على المجتمع، ولا يمكن إصلاح إلحادهم المتأصل، وأن فسقهم الراديكالي هو بمثابة العدوى السريعة الانتشار، والتي يجب القضاء عليها.

لقد وُصِفَ "فيليب" الثالث بأنه "جالينوس"[7] كاثوليكي، وعهد إليه مهمة تطهير إسبانيا من الداخل من السموم والفساد.

وقد دفعت إسبانيا الثمن غاليا لحرمان المسلمين واليهود ولفترة طويلة من هويتهم الثقافية، إلا أنه منذ وفاة "فرانكو" عام 1975 تم إرساء حرية العبادة بالتدريج.

وهناك اليوم حاجة لكتابة نسخة جديدة من التاريخ الأوروبي، حيث هناك تعدد عرقي و ديني في أوروبا (هناك حوالي 30 مليون مسلم، ومليون و نصف مليون يهودي في أوروبا) كما أن هناك حاجة لبيان إنجازات ومحن المسلمين واليهود الأوروبيين.

وبإمكان الفاتيكان أن يفعل الكثير وهو الاعتراف بالوحشية المرتكبة باسم الكنيسة. ومن الصعب أن نصدق أنه تقرر في نهاية عام 1960 وجوب إضافة اسم "جوان دو ريبيرا" إلى قائمة القديسيين. فقد تم على الأقل مؤخراً إسقاط تقديس الملكة "إيزابيلا". فالقديسيون الحقيقيون هم أؤلئك الذين عرّضوا حياتهم للخطر من أجل حماية أناس اضطهدوا من أجل معتقداتهم، أو بسبب معتقدات أسلافهم، أو ماتوا لأنهم رفضوا خيانة آخرين من أجل المحكمة الكاثوليكية، والذين لم يرتدوا عن إيمانهم وماتوا أثناء المقاومة المسلحة.

فقد كان هؤلاء القديسيون منشغلين بما يطلق عليه المسلمون "الجهاد"، والذي يعني النضال الداخلي، والواجب في مقاومة الشر، والمضي قدماً في النضال في الطريق الديني، كما يقصد به النضال الخارجي أي أن هناك واجب نصرة المظلومين والذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، لأنهم رفضوا الارتداد عن دينهم، والدفاع سواء عن النفس أو عن الآخرين.

ويمكن التعبير عن ذلك من القرآن بقوله تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ..". [الحج:40][8]



إحراق الكتب العربية العلمية: من هواة الدومينيكان النصارى في الأندلس



دخول إيزابيلا وفرديناند إلى غرناطة عشية سقوطها



المرسوم الذي أصدره فرديناند وإيزابيلا عام 1497 والذي يقضي بطرد المسلمين من البرتغال ونقلهم إلى إسبانيا



تعميد نساء المسلمين جبراً بعد سقوط غرناطة


--------------------------------------------------------------------------------

Baose, Roger, “The Muslim Expulsion from Spain,” History Today, Vol.52, no.4

خدمة الفسطاط للترجمة


--------------------------------------------------------------------------------

[1] روجر بوس حاصل على الزمالة الفخرية في البحوث في كلية الملكة "ماري" في جامعة لندن، وهو مؤلف كتاب" معنى وأصل الهوى في البلاط الملكي" (مانشستر 1977).



[2] البوجراسيون alpujrras هم المقاتلون المسلمون الذي حاربوا الإسبان وكانت جبال البوجراس في جنوب الأندلس معقلهم فنسبوا إليها، وتدعى بجبال البشرات بالعربية.

[3] وهي في الجزائر.

[4] لا يوافَق الكاتب على رأيه هذا، فليس هناك وجه للمقارنة بين وضع أهل الكتاب تحت حكم المسلمين، وبين وضع المسلمين تحت حكم الكاثوليك الذين تفننوا في تعذيب المسلمين وإجبارهم إما على اعتناق النصرانية أو الهجرة أو القتل. فأي تشابه هناك بين الوضعين؟ [ف]

[5] خسئوا والله، فهو النبي محمد الذي حفظ الله نسبه، فكان من أشرف بيوت قريش، وأفضلهم نسباً، صلى الله عليه وسلم. رفع الله ذكره في الأرض، وجعل أمته خير الأمم، وجعله خاتم النبيين، لا يقبل الله من أحد أتى بعده ديناً إلا دينه الذي ارتضاه للناس، فكل يهودي ونصراني سمع به ولم يؤمن به إلا أدخله الله النار، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. [ف]

[6] هكذا يحترم أهل الكتاب أنبياء الله عز وجل. قاتلهم الله أنى يؤفكون! [ف]

[7] جالينوس: حكيم وطبيب ومشرح يوناني قديم، بقيت كتبه أساساً للطب الأوروبي حتى عصور التنوير. [ف]

[8] والآية بتمامها: )الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(.
__________________

د.فالح العمره 26-09-2006 10:21 PM

الجدول الزمني للحروب الصليبية في المشرق

الجزء الأول

الحدث السنة

o مدة الدولة العباسية في بغداد 132-656 هـ

مدة دولة الأدراسة في المغرب
172-364 هـ

مدة الدولة الطولونية في مصر
254-293 هـ

توسع الطولونيين في بلاد الشام
264 هـ

قيام الدولة العبيدية في شمال إفريقية[1]
297-358 هـ

الدولة الإخشيدية في مصر
323-358 هـ

سيطرة البويهيين على الدولة العباسية
334-447 هـ

اندفاع السلاجقة من سهول تركستان
345 هـ

الدولة العبيدية في مصر
362-567 هـ

عهد ملوك الطوائف في الأندلس
422-484 هـ

دخول السلاجقة مرو ونيسابور
429 هـ

دخول طغرلبك السلجوقي بغداد ونهاية حكم البويهيين
447 هـ

مدة الدولة السلجوقية
447-656 هـ

احتلال الوزير البساسيري لبغداد بدعم من المستنصر بالله العبيدي أثناء غياب طغرلبك في إحدى حملاته الجهادية
450 هـ

مقتل البساسيري على يد السلاجقة
451 هـ

وفاة طغرلبك وتولية ابنه ألب أرسلان
455 هـ

دخول السلاجقة مدينة حلب
463 هـ

هزيمة الروم أمام السلاجقة قرب مدينة سيواس (في الأناضول) وأسر قائدهم مانويل كومنين
463 هـ

قتل رومانوس بعد إطلاق سراحه على يد ميخائيل السابع (463-471 هـ) الذي وثب على العرش عندما أسر رومانوس
463 هـ

بداية النزاع بين السلاجقة والعبيديين على بلاد الشام
463 هـ

تأسيس جماعة الاسبتارية Hospitallers في أوروبا للإشراف على المرضى، ثم تحولت إلى منظمة عسكرية حربية
463 هـ

معركة »ملاذكرت« بين السلاجقة والروم البيزنطيين، حيث أسِر رومانوس إمبراطور بيزنطة، ثم أطلق سراحه. كان عدد المسلمين لا يتجاوز 20 ألف جندي، بينما كان الروم زهاء 200 ألف.
464 هـ

فلسطين تدخل تحت حكم السلاجقة بما في ذلك بيت المقدس
464-472 هـ

وفاة ألب أرسلان وتولية ابنه ملكشاه. خلال فترة حكمه ضم الأراضي العربية الواقعة تحت العبيديين في المشرق (الشام والحجاز)، وبلغت دولة السلاجقة أوجها حيث امتدت من حدود الصين شرقاً إلى جورجيا والأراضي المجاورة للقسطنطينية غرباً.
465 هـ

انقطاع الخطبة للعباسيين في مكة
467 هـ

استرداد المسلمين لـ »منبج«
468 هـ

دخول السلاجقة دمشق وعودة الخطبة للعباسيين فيها بعد أن كانت للعبيديين
468 هـ

أرتق بن أكسب (مؤسس بيت الأراتقة) يصبح حاكماً على بيت المقدس

دخول تتش بن ملكشاه دمشق، ومقتل حاكمها أقسيس
472

ألكسيوس كومنين يصبح إمبراطوراً للدولة البيزنطية

عودة الخطبة للعباسيين في مكة
474 هـ

استراجاع السلاجقة لأنطاكية من الروم، وللقدس من العبيديين
477 هـ

سقوط مدينة طليلطة في الأندلس بيد النصارى الصليبيين
478 هـ

معركة الزلاقة في الأندلس بين المرابطين والصليبيين الإسبان وغلبة المسلمين فيها[2]
479 هـ

ضعف الدولة السلجوقية في بلاد الأناضول وتفرق أمرائها
479-485 هـ

مقتل نظام الملك أبي علي الحسن بن إسحاق الطوسي وزير ملكشاه على يد أحد الباطنيين الحشاشين

وفاة ملكشاه
485 هـ

وفاة الخليفة المقتدي
487 هـ

بابا روما أوربان الثاني يبدأ رحلته في فرنسا داعياً إلى الحروب الصليبية

إعلان الحرب على المشرق الإسلامي في كليرمونت

بداية قتل اليهود في أوروبا
488-489 هـ

دولة السلاجقة تنقسم إلى خمس ممالك متنافسة.

تعبئة الغرب لشن الحملات الصليبية على المشرق الإسلامي

بداية الحروب الصليبية وانهزام الموجات الثلاثة الأولى منها في هنغاريا

وصول الصليبيين إلى الشرق واستيلاؤهم على مدينة نيقية عاصمة سلاجقة الروم، وسقوط ضورليوم، وقونية وقيصرية ومرعش وغيرها من مدن الأناضول، مع ترحيب من الأقليات النصرانية (الأرمن وغيرهم) لهم وتقديم المعونات والدلاّل. ودخل الصليبيون مدينة أنطاكية في نفس السنة وقتلوا وسبوا ما لا يحصى عدده، وتسلم الأرمن أمورها. (اضغط هنا لتقرأ عن الحملة الصليبية الأولى.)

مهادنة حكام بعض المدن للصليبيين ودفعهم الجزية وتقديم العون لهم شريطة ألا يغيروا عليهم، مثل: حاكم شيزر سلطان بن منقذ؛ وكذلك مصياف
490 هـ

البندقية تعدّ 300 سفينة لمساندة الصليبين في حربهم ضد المسلمين
490-499 هـ

زحف العبيديين على مدينة صور
491 هـ

استيلاء الصليبيين على المعرة والبارة بمشاركة النصارى من الأرمن والسريان وقتلوا من أهلها أكثر من مائة ألف وسبوا وجعلوا جامع البارة كنيسة لهم. وقد استنجد أهلها برضوان أمير حلب وجناح الدولة أمير حمص ولكن لم يفعلا شيئاً
491-492 هـ

سقوط حصن الأكراد وطرطوس بيد الصليبيين؛ رفعهم الحصار عن عرقة؛ استسلام جبلة وطرابلس وإعطاء الجزية للصليبيين

أخذ العبيديين بيت المقدس من السلاجقة
492 هـ

احتلال الصليبيين لبيت المقدس وقتلهم مائة ألف من سكانها، وسبي مثلهم؛ ووقوف النصارى العرب إلى جانب الصليبيين. اختيار »جودفري دي بوايون« حاكماً للمدينة المنكوبة و»أرنولف مالكورن« بطريقاً عليها
492 هـ/

1099 م

دخول أهل أرسوف تحت حكم الصليبيين بعد عجز العبيديين عن الدفاع عنها ودفعهم الجزية لهم.

تحصين الصليبيين ليافا

وفاة جودفري ورفع الحصار عن عكا

سقوط حيفا بيد الصليبيين

بلدوين الأول يصبح ملكاً على مملكة القدس
493 هـ

هجوم الصليبيين على أرسوف براً وبحراً بمساعدة الأسطول البندقي وأخذها بالقوة.

احتلال الصليبيين لقيسارية وذبح أهلها من المسلمين
494 هـ

هزيمة العبيديين أمام الصليبيين في الرملة

هزيمة الصليبيين أمام العبيديين قرب الرملة واسترجاع المدينة من الصليبيين

حصار العبيديين للصليبيين في يافا، ومجيء المدد للصلبيبيين من البحر وانهزام العبيديين عن المدينة

سقوط أنطرطوس (طرطوس) بيد الصليبيين بعد أن استردها بنو عمار منهم

مقتل صاحب حمص جناح الدولة على يد الباطنيين وحصار ريموند لحمص ثم ارتداده عنها بعد أخذ الجزية من أهلها
495 هـ

حصار الصليبيين لمدينة عكا وصمودها ثم انهزامهم عنها
496 هـ

أتابك الموصل »جكرمش« والأمير »سقمان بن أرتق« صاحب ماردين، يسيران لقتال الصليبيين في الرها ويتمكنا في إبادة الجيش الصليبي ويأسران »بلدوين« و»جوسلين«

مهاجمة الصليبيين عكا وأخْذ أهلها بالسيف بعد علمهم أن العبيديين لن يأتوا لنجدة أهلها
497 هـ

مهاجمة الصليبيين لطرابلس دون أخذها، واعتداؤهم على أهل جبيل

الصليبيون يهاجمون جبيل بمعاونة الجنوية مستخدمين أبشع الأساليب في قتل المسلمين وإهانتهم وأخذ أموالهم

هلاك ريموند الصنجيلي
498 هـ

القتال بين الصليبيين وجيش العبيديين بين عسقلان ويافا دون انتصار طرف على طرف، ولم يكن للأسطول العبيدي أي دور في المعركة، ثم أنه تعرض لعاصفة قذفت بنحو عشرين سفينة إلى الصليبيين فأخذوها غنيمة باردة
499 هـ

مهاجمة العبيديين لقافلة حجاج صليبيين بين يافا وأرسوف
500 هـ

مهاجمة العبيديين لمدينة الخليل
501 هـ

مهاجمة الصليبيين لمدينة صيدا بمعونة الأساطيل الإيطالية، ولكن وصول الأسطول العبيدي من مصر غير الموقف وكذلك نجدة طغتكين صاحب دمشق
502 هـ

انسحاب الصليبيين من صيدا وأخذهم لطرابلس بمساعدة الأساطيل الإيطالية وتكوين إمارة طرابلس الصليبية وحكمها »برترام بن ريموند الصنجيلي«

حصار بلدوين لبيروت براً وبحراً، وهروب حاكمها ليلاً إلى قبرص فسلم أهلها المدينة بالأمان، ولكن الصيليبيون خانوا العهد كعادتهم وذبحوا أهلها ببشاعة

مساعدة أسطول الجنويين والبيازنة للصليبيين في احتلال طرابلس ومدن أخرى
503 هـ

وصول العبيديين إلى أسوار القدس في إحدى غاراتهم

عودة الصليبيين لمحاصرة صيدا وتسليم المدينة لهم بالأمان
504 هـ

مقتل والي عسقلان للعبيديين »شمس الخلافة« الذي تقرب من الصليبيين واتهِمه المسلمون بالخيانة

مهاجمة الصليبيين لمدينة صور وارتدادهم عنها بعد قتال ضار ودعم »طغتكين« حاكم دمشق لأهلها بالسلاح والرجال

اجتماع مودود حاكم الموصل مع أتراك وأكراد ووفتحوا حصوناً عدة للفرنجة في سنجار، وحاصروا الرها ثم رحلوا عنها
505 هـ

مودود يعبر الفرات من الموصل إلى الشام بطلب من طغتكين حاكم دمشق لدعمه ضد الصليبيين وقد كثرت غاراتهم على دمشق

اجتماع القوات الإسلامية من الموصل ودمشق وغيرها عند السلمية

التقاء المسلمين مع الصليبيين عند طبرية وانهزام الصليبيين وأسر ملكهم بلدوين

مقتل الأمير مودود على يد أحد الباطنيين في مسجد دمشق بعد صلاة الجمعة وكان صائماً رحمه الله
507 هـ

الممتلكات الصليبية في الرها وأنطاكية إلى المصيصة تتعرض لزلازل مدمّرة

»آقسنقر البرسقي« (أبو عماد الدين زنكي) يصبح والياً على الموصل من قبل السلاجقة بعد مقتل الأمير مودود

أقسنقر ينازل الصليبيين في الرها

وفاة رضوان ملك حلب
508 هـ

»بدر الدين لؤلؤ« يحكم حلب بعد قتله لألب أرسلان بن رضوان
508-511 هـ

هزيمة الصليبيين للمسلمين في دانيث
510 هـ

مقتل بدر الدين لؤلؤ على يد أحد أعوانه

حاكم حلب يستنجد بالصليبيين ضد طغتكين (أمير دمشق) وإيلغازي بن أرتق (أمير ماردين) عندما تقدموا تجاه حلب

إيلغازي بن أرتق يتسلم حلب بدعوة من أهلها
511 هـ

تأسيس جماعة فرسان المعبد (الداوية) في بيت المقدس على يد »هيودي باينز« الفرنسي واتخاذهم جزءاً من الأقصى مقراً لهم

هلاك بلدوين (بغدوين) الأول، واستخلاف بلدوين الثاني بعده

اتحاد طغتكين والعبيديين على محاربة الصليبيين لكن هزموا أمامهم

سقوط »حصن الأتارب« و»زردنا« بأيدي المسلمين بعد أن اتحد طغتكين وإيلغازي لمقاتلة الصليبيين

حصول القتال بين إيلغازي والصليبيين في »ذات البقل« من أعمال حلب، وكان الظفر فيها للمسلمين
512 هـ

معركة »البلاط« بين المسلمين والصليبيين بموضع يدعى »تل عفرين« فحصدهم المسلمون فلم يسلم منهم إلا القليل وقتل أمير أنطاكية »روجر الأنطاكي«، وفتحت حصون
513 هـ

مقتل الأفضل وزير العبيديين

استمرار إيلغازي في جهاد الصليبيين
514 هـ

جوسلين دي كورتناي صاحب الرها يقع أسيراً بيد غازي بن بهرام الأرتقي صاحب »خربوط«، وبلدوين الثاني يصبح وصياً على الرها
515 هـ

وفاة إيلغازي بن أرتق، وامتلاك ابنه حسام الدين تمرتاش قلعة ماردين

بلدوين الثاني يهاجم مناطق شمال الشام ويضيق الحصار على حلب مستفيداً من تفكك دولة الأراتقة بعد وفاة الأمير إيلغازي
516 هـ

بلدوين الثاني حاكم القدس يقع أسيراً في أيدي المسلمين ثم يَسلم

أمير حلب سليمان بن عبد الجبار بن أرتق يهادن بلدوين الثاني مقابل ردّ حصن »الأتارب« إلى الصليبيين

المسلمون يأسرون بلدوين الثاني ملك القدس عندما حاول فك أسر جوسلين وسجن معه

تعاوُن الأرمن والمسحيين في تهريب جوسلين من أسره دون غيره، وبداية انتقام جوسلين من المسلمين
517 هـ

الصليبيون يحاصرون صور ويتسلمون المدينة بعد خروج أهلها منها

تحالف أمير حلب »بلك الأرتقي« مع طغتكين لقتال الصليبيين

مقتل بلك الأرتقي بسهم طائش في حصاره لـ»منبج«، وخلفه على حلب ابن عمه حسام الدين تمرتاش وانتقاله إلى ماردين

إطلاق سراح بلدوين لقاء فدية يدفعها وقلاع يسلمها للمسلمين
518 هـ

البرسقي صاحب الموصل يستلم حلب ويوحد القوى الإسلامية بين المدينتين ويهدد القوى الصليبية في شمال بلاد الشام

الصليبيون يتحالفون مع دبيس بن صدقة (أمير شيعي) وبني مزيد وسلطان شاه بن الملك رضوان السلجوقي، وحصارهم حلب ثم انهزامهم عنها لما علموا بقدوم البرسقي إليها

البرسقي يأخذ »كفر طاب«

وقوع القتال بين البرسقي والصليبيين وانهزام المسلمين، وتسليم رهائن الصليبين إلى ذويهم (كان منهم ولد لبلدوين الثاني وجوسلين الصغير وغيرهما..) وإقرار الهدنة بين الطرفين

المسلمون يستردون حصن »رفينة« من الصليبيين وهو واقع على أطراف العاصي بين حمص وحماة
519 هـ

الصليبيون يملكون مدينة صور
519 هـ

بلدوين الثاني يهاجم إمارة دمشق بجمع من الصليبيين عند مرج الصفّر (شقحب) ولكن ينهزمون أمام المسلمين

حصار الصليبيين لـ»رفينة« واستسلامها قبل مجيء نجدة المسلمين إليها

مهاجمة أسطول العبيديين موانئ الصليبيين في فلسطين وإتمام الصلح بين بلدوين والبرسقي

اغتيال البرسقي على يد الباطنية في الموصل بعد إتمام الهدنة بينه وبين الصليبيين

طمع الصليبيين وبعض أمراء المسلمين في أخذ حلب بعض اغتيال البرسقي
520 هـ

عماد الدين زنكي يصبح حاكماً على الموصل
521 هـ

عماد الدين زنكي يبدأ في توحيد الجبهة الإسلامية تحت راية واحدة

مدينة أربيل تدخل تحت حكم عماد زنكي
522 هـ

قوات عماد الدين تأخذ مدينة الرحبة ونصيبين

حلب تنضم إلى الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين تحت راية زنكي

تآمر الباطنية [إسماعيلية، ودرزية، ونصيرية] على المسلمين في دمشق، وقتل رئيسهم »المزدقاني«

المسلمون في دمشق يقتلون 6 آلاف باطني متآمر

تأسّف الصليبيين على قتل الباطنية في دمشق

والي قلعة بانياس (في الجولان) يسلم البلد للصليبيين وينتقل هو وأصحابه إلى بلادهم

الصليبيون يسيرون نحو دمشق ويحاصرونها

المسلمون يهزمون الصليبيين حول دمشق ويظفرون بهم ويقلتون منهم مقتلة عظيمة ويغنمون، ولم يفلت من الصليبيين غير مقدم الجيش وأربعون نفر

استيلاء جيش زنكي على مدينة حماة

عماد الدين يحصل على »التواقيع السلطانية« من محمود سلطان السلاجقة في بغداد بامتلاك الجزيرة والشام وما اتصل بهما

عماد الدين يقتل الصليبيين مقتلة عظيمة عند حصن »الأتارب«، ثم يمتلك الحصن ويدكه بالأرض، ويهادن من بقي من الصليبيين بعد أن سألوه الصلح

محاربة بعض أمراء المسلمين لزنكي خوفاً على ممتلكاتهم من أن تدخل تحت حكم زنكي، وانتصار زنكي عليهم
523 هـ

إيلغازي بن الدانشمند (التركماني) صاحب ملطية يواجه بوهيمند الثاني صاحب أنطاكية ويهزمه في سهل »عين زربه« ويقتل بوهيمند ويرسل رأسه إلى الخليفة في بغداد

أنطاكية تدخل تحت وصاية بلدوين الثاني ملك القدس بعد قتل بوهيمند
524 هـ

وفاة السلطان محمود السلجوقي وصراع البيت السلجوقي على السلطنة وانشغال عماد الدين زنكي به عن الصليبيين لفترة من الزمن
525 هـ

استياء الأحوال على عماد الدين في العراق والشام من قبل أمراء المسلمين
526-527 هـ

مسير عماد الدين إلى دمشق ومحاصرتها لأخْذها، ثم رجوعها عنها بعد مصالحة ملكها
529 هـ

مهاجمة جيش عماد الدين زنكي لمدينة اللاذقية بقيادة »أسوار« أمير حلب، وأسرهم سبعة آلاف من الصليبيين وقتل كثير منهم واستيلاؤه على كثير من الغنائم، وعجز الصليبيين عن الرد
530 هـ

قتل الخليفة الراشد على يد الباطنية ومبايعة المقتفي من بعده

تحسين العلاقات بين الخلافة العباسية وعماد الدين

حصار جيش زنكي لمدينة حمص ثم انصرافه عنها

مسير زنكي إلى حصن »بعرين« (بارين) وقتاله للصليبيين وانهزامهم هزيمة منكرة

تسليم الصليبيين حصن »بعرين« لزنكي بعد حصارهم فيه حصاراً شديداً منع عنهم كل شيء حتى الأخبار أن تصلهم

ولادة صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بقلعة تكريت
531 هـ

اغتيال الخليفة المقتفي على يد الباطنية وهو متوجه إلى همذان

الإمبراطور البيزنطي حنا كومين يهاجم بلاد المسلمين ويتحالف مع الصليبيين ضدهم

تسلّم حنا كومنين مدينة »بزاعة« بالأمان وغدره بأهلها، وقتله لأهلها وتعذيبهم حتى الشيوخ والأطفال والنساء

توجه حنا كومنين إلى حلب وحصارها وتركهم المدينة بعد أن قاتلهم المسلمون قتالاً شديداً وقتلوا منهم خلقاً كثيراً

انصراف الصليبيين عن حلب وحصارهم لحصن »الأتارب« في حين أخلاه المسلمون وأخذه الصليبيون حيث جعلوا فيه سبي »بزاعة« والأسرى المسلمين ثم رحلوا عنه

ابن سوار، نائب حلب، يتوجه إلى الأتارب ويوقع بالروم ويخلص الأسرى والسبي ويعود إلى حلب منتصراً

توجه التحالف البيزنطي-الصليبي إلى »شيزر« ومحاصرتها بالمنجنيقات واستنجاد صاحبها بعماد الدين زنكي

مسير عماد الدين إلى شيزر وتوقيعه بين حنا كومنين والصليبيين بالخديعة حتى رحل عنها كومنين وترك المناجيق وآلات الحصار على حالها، ومهاجمة عساكر زنكي لمؤخرة الجيش البيزنطي وأخذه ما تركه البيزنطيون خلفهم
532 هـ

وصول عماد الدين زنكي إلى حلب راجعاً من شيزر، ثم فتحه لحصن »بزاعة« بالسيف وقتل كل من فيه من الروم
533 هـ

استيلاء عماد الدين على بعلبك وشهرزور ومحاولته دخول دمشق

استمرار القتال بين زنكي والدمشقيين على دمشق وطلب حاكم دمشق العون من الصليبيين ضد عماد الدين

توجه عماد الدين لملاقاة الصليبيين في حوران قبل وصولهم إلى دمشق، وتخلف الصليبيين عن الخروج إليه لما سمعوا بمسيره خوفاً منه

اتفاق معين الدين أنر (مدبر أمور مجير الدين ملك دمشق) مع الصليبيين بتسليمهم قلعة بانياس (وكانت من أملاك زنكي) ويتفق معهم على حرب زنكي

حصار عماد الدين لدمشق مرة أخرى ثم رجوعه عنها دون قتال
534 هـ

عماد الدين زنكي يملك »الحديثة« ويخطب له في آمد

قوات زنكي تهاجم الصليبيين وتقتل منهم
536 هـ

عماد الدين يفتح مدينة »الرها« وانهيار أول إمارة صليبية في الشرق وهي إمارة الرها، وارتفاع معنويات المسلمين

عفو عماد الدين عن أهل الرها من النصارى السريان والأرمن لمواقفهم المخزية ضد المسلمين

حصار زنكي لمدينة »البيرة« ورجوعه عنها

تسليم الصليبيين قلعة »البيرة« لأمير ماردين خوفاً من استيلاء زنكي عليها ليتقوى بها عليهم

عماد الدين يعدم المتآمرين عليه من الأرمن ويطرد جزءاً منهم من الرها بعد مراسلتهم لجوسلين الثاني ليأتي ويوقع بالحامية المسلمة التي تركها زنكي في المدينة بعد فتحها
540 هـ

مقتل عماد الدين زنكي، رحمه الله، وهو محاصر لقلعة جعبر على الفرات. دخل عليه صبي إفرنجي من غلمانه مع جماعة وهو نائم فقتلوه وهربوا إلى القلعة وأخبروا أهلها ففرحوا بقتله

نور الدين محمود يخلف أباه عماد الدين

استغلال الصليبيين وبعض أمراء المسلمين موت عماد الدين ومهاجمتهم لبعض المدن

خروج أسد الدين شيركوه (عم صلاح الدين الأيوبي) لتأديب الصليبيين واستنقاذه لأسرى المسلمين

عصيان أهل الرها على المسلمين ودعوتهم للصليبيين لأخذ البلد

جوسلين الثاني وبلدوين (حاكم مرعش) يهاجمون الرها على غفلة من أهلها ويقتلون من فيها من المسلمين عدا من كان في قلعتها

محاصرة نور الدين للرها وهرب جوسلين بمن معه، لكن يلحقه المسلمون ويقتلون ثلاثة أرباعهم بما فيهم بلدوين، ومعاقبة المتآمرين وأخذ أسرى من أهلها

نور الدين يصالح حاكم دمشق الفعلي »معين الدين أنر« ويتزوج بابنته

نقض الصليبيين الصلح مع »معين الدين أنر« بعد أن وعدوا »التونتاش« حاكم بصرى وصرخد بمساعدته للاستقلال عن دمشق

توجه معين الدين ونور الدين إلى بصرى وصرخد واستيلاؤهم على المنطقة قبل وصول الصليبيين إليها

رجوع معين الدين ونور الدين إلى دمشق ومحاكمة الخائن »التونتاش« وعقابه
541 هـ

وصول الحملة الصليبية الثانية أراضي السلاجقة في آسيا الصغرى واصطدامهم بهم، وكانت مؤلفة من جيش الإمبراطور الألماني كونراد وجيش الملك الفرنسي لويس السابع (كل جيش مؤلف من سبعين ألف)

مسير الجيش الألماني من جهة البر ومهاجمة السلاجقة له وقتلهم كثيراً من رجاله

مسير الجيش الفرنسي جانب البحر لتجنّب غارات السلاجقة في الداخل
542 هـ

استيلاء نور الدين محمود على كثير من قلاع الصليبيين، وخيبة أمل الصليبيين وتجهيز الغرب للحملة الصليبية الثانية
542-543 هـ

مؤتمر كبير للصليبيين في القدس يقرر الهجوم على دمشق

محاصرة الصليبيين لدمشق وفشلهم في أخذها وانهزامهم عنها
543 هـ

نور الدين يتسلم حمص ويزداد نفوذه في الشام

نور الدين يهاجم إمارة أنطاكية ويصطدم مع الصليبيين، ويقتل صاحب أنطاكية ريموند دي بواتيه، و»رينو« صاحب مرعش وكيسوم و »علي بن وفا« زعيم الباطنية الذي كان مرافقاً للصليبيين

نور الدين يتجه بجيشه إلى أنطاكية ويهادن أهلها ويملك كل ما حولها من القلاع والحصون وغيرها من الأماكن المهمة

حضور بلدوين الثالث ملك بيت المقدس إلى أنطاكية وتهدئته لروع أهلها مما أصابهم من الفزع بسبب نور الدين
544 هـ

نور الدين يستولي على حصن أفامية القريب من شيزر وحماة وهادنه الصليبيون مما رأوا من قوته
545 هـ

هزيمة نور الدين أمام جوسلين الثاني وأخذ جوسلين سلاح نور الدين

أسر نور الدين لجوسلين الثاني، واستيلاؤه على أملاكه: تل باشر، عين تاب، عزاز، ومرعش وغيرها وحصون كثيرة
546 هـ

عسقلان تسقط في يد الصليبيين بعد اختلاف أهلها فيما بينهم، وكانت آخر معاقل العبيديين المصريين في فلسطين وتقوى الصليبيون بفتحها وفتح لهم باب مصر

ضعف مملكة دمشق أمام الصليبيين حتى دفعوا لهم الجزية، وثورة أهل دمشق على حاكمهم »مجير الدين!« لتخاذله عن الجهاد وموالاته للصليبيين

نور الدين يهمه أمر دمشق، ويأخذ »مجير الدين« بالحيلة حتى جاء دمشق وفتح له بعض الأحداث باباً من أبوابها فدخلها وحاصر »مجير الدين« في قلعتها إلى أن استسلم قبل أن ينجده أحد من الصليبيين
547 هـ

نور الدين يحاصر حارم التابعة لإمارة أنطاكية، ثم ينصرف عنها بعد أن صالح الصليبيين على أن يعطوه نصف أعمال حارم

نور الدين يتسلم بعلبك
551 هـ

انهزام قوات نور الدين في البقيعة قرب حصن الأكراد بين حمص وطرابلس، وكان عازماً على دخول إمارة طرابلس الصليبية

»شاور« يصبح وزيراً للخليفة العبيدي العاضد وصراعه مع »ضرغام« على الوزارة
558 هـ

مسير »شاور« إلى نور الدين مستغيثاً به على »ضرغام« الذي انتزع الوزارة منه

القوات النورية تتجه إلى مصر لمواجهة »ضرغام« بقيادة أسد الدين شيركوه ومعه صلاح الدين[3]

نور الدين وقواته تلتقي بالصليبيين ويأسرون ملوكهم: بوهيمند أمير أنطاكية، وريموند الثالث أمير طرابلس، وجوسلين الثالث دي كورتناي، وهيو الثامن لوزجنان، وحاكم قيلقيه البيزنطي. وقتلوا ما يزيد على عشرة آلاف صليبي

نور الدين يأخذ حارم ويزحف إلى أنطاكية

الاتفاق على إطلاق سراح بوهيمند الثالث بعد دفع فدية كبيرة وإطلاق الأسرى المسلمين عنده

نور الدين يفتح بانياس (وفي في الجولان)
559 هـ

المسلمون (قوات نور الدين) يفتحون حصن المنيطرة (بين جبيل وبعلبك)
561 هـ

مسير قوات نور الدين ثانية إلى مصر

المسلمون (قوات نور الدين وقطب الدين مودود) يغزون بلاد الصليبيين ويفتحون العزيمة وصافيتا ثم يعودون سالمين
562 هـ

مسير قوات نور الدين إلى مصر للمرة الثالثة

وفاة أسد الدين شيركوه في مصر
564 هـ


1 2 3 4


--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظر »لمحة تاريخية عن الدولة العبيدية« في الفسطاط.

[2] انظر » الزلاقة: معركة كسبها الإيمان وضيع ثمارها الخلاف« في الفسطاط

[3] ستأتي تفاصيل الوقائع بين أسد الدين شيركوه وشاور والصليبيين في الجزء الثاني من الجداول الزمنية للحروب الصليبية.
__________________

د.فالح العمره 26-09-2006 10:22 PM

الجدول الزمني للحروب الصليبية في المشرق

2

صلاح الدين الأيوبي

الحدث
السنة

مولد صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب في قلعة تكريت

نجم الدين أيوب وأخوه أسد الدين شيركوه وأهلهم ينتقلون إلى قلعة بعلبك بعد أن استولى عليها عماد الدين زنكي
532 هجرية

صلاح الدين يرافق عمه شيركوه في حملة إلى مصر لأول مرة لإغاثة شاور وزير الفاطميين (العبيديين) ضد ضرغام الذي غلب على الوزارة

شاور يخاف من شيركوه من الإستيلاء على مصر ويهدده باستقدام الصليبيين إن لم يرحل

شيركوه يرحل عن مصر وبرحيله منع دخول الصليبيين مصر

تزايد خوف شاور من استيلاء نور الدين على مصر ومراسلته الصليبيين للقدوم لأخذ مصر

مسير أسد الدين شيركوه ومعه صلاح الدين بقواته إلى مصر وقتاله لشاور والصليبيين في معركة (البابين) وانتصاره عليهم

اتفاق الطرفين برجوع شيركوه إلى الشام والصليبيين إلى بلادهم، وموافقة شيركوه على مضض وذلك لضعف عسكره
558

الصليبيون ينكثون عهدهم مع شيركوه بشأن مصر ويسيرون لأخذها من شاور

الخليفة العبيدي العاضد وشاور يستغيثان بنور الدين

مسير شيركوه بالقوات النورية إلى مصر وأخذها، ورحيل الصليبيين عنها عندما علموا بمسير شيركوه إليها

مقتل شاور بطلب من العاضد والانتهاء من شره وسوء فعله

شيركوه يصبح وزيراً للعاضد

وفاة الوزير شيركوه –رحمه الله- بعد شهرين من ولايته، وتولي صلاح الدين للوزراة بعهد من العاضد

انزعاج الصليبيين من تولي صلاح الدين الوزارة في مصر وتحضيرهم لغزو مصر

الصليبيون ينزلون دمياط ورجوع صلاح الدين من محاصرة الكرك لجهادهم

اشتداد القتال بين المسلمين والصليبيين وانتصار المسلمين عليهم، وانهزام الصليبيين عن دمياط بعد أن قتل منهم الكثير وحرقت مناجيقهم

صلاح الدين يبدأ خطة التغيير في مصر: بالجهاد ضد الصليبيين في شرق الأردن، تقويته لمذهب أهل السنة، تشجيعه على العلم والفقه والدين..

تآمر (مؤتمن الخلافة) المتحكم في قصر العاضد مع الصليبيين للتخلص من صلاح الدين لشعورهم أن دولة بني العبيديين الباطنية آيلة إلى الزوال

اكتشاف صلاح الدين التآمر ضده، ومقتل الخصي (مؤتمن الخلافة)

ثورة السودان في القاهرة لمقتل (مؤتمن الخلافة) وقتال أبي الهيجاء –من قواد صلاح الدين- لهم وتغلبهم عليه

ضعف أمر العاضد ونية صلاح في قطع دابر الخلافة العبيدية
564

إعادة الخطبة للعباسيين في مصر وعودة مصر إلى حظيرة أهل السنة

وفاة العاضد آخر حكام بني عبيد ونهاية الدولة العبيدية الباطنية الإسماعيلية

توزيع الزكوات على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين من بيت المال، وأخذها من الأغنياء، ونشر العدل بين الناس الذي هو أساس إقامة الدول ومصدر قوتها


567

خروج صلاح الدين في أول غزوة من مصر بعد تسلمها إلى الكرك وعودته إليها

ابتداء الوحشة بين صلاح الدين ونور الدين..

وفاة نجم الدين أيوب أبي صلاح الدين في مصر

قتال صلاح الدين للصليبيين في الكرك والشوبك
568

وفاة نور الدين محمود بن زنكي بدمشق رحمه الله تعالى، وكان مولده سنة 511 هـ، وظهور ضعف ورثته وتعدي ابن أخيه سيف الدين على أملاكه التي تركتها وظلمه للرعية

صلاح الدين يرسل أخاه تورانشاه إلى اليمن وعدن فيفتحها ويخطب فيها للعباسيين بعد انقطاع

مؤامرة كبرى ضد صلاح الدين والإسلام يحيكها بقايا الباطنيين من العبيديين ويراسلون الصليبيين في الشام وصقلية للتوجه إلى مصر لأخذها من صلاح الدين

صلاح الدين يكتشف المؤامرة ويتخلص من رؤسائها ويرد الله كيد الخائنين

انتهاز الصليبيين موت نور الدين وحصارهم لقلعة بانياس وإقرار الصلح بينهم وبين دمشق، واستعظام صلاح الدين لما حدث
569

الصليبيون من صقلية يهجمون على الإسكندرية على حين غفلة من أهلها بقيادة ابن عم ملك صقلية وليم الثاني

أهل الإسكندرية يقاتلون الصليبيين ويرسلون إلى صلاح الدين للدعم والامدادات

مجيء عساكر المسلمين قريباً من الإسكندرية وعساكر صلاح الدين واستمرار القتال بين الطريفين حتى أنزل الله نصره على المؤمنين

اندحار الصليبيين عن الإسكندرية بعد تحري القتل فيهم وأخذ الأسرى منهم وغنيمة المسلمين لأسلتحتهم وما تركوه ورائهم

صلاح الدين يخمد ثورة أحد قادة الفاطميين، ويدعى كنز الدولة، في صعيد مصر

ملك الصليبيين في القدس (عموري الأول) يتحالف مع الباطنية (الحشاشية والإسماعيلية) في الشام للانتقام من المسلمين مقابل تنازل الصليبيين عن الضرائب التي تؤديها الباطنية لهم

صلاح الدين يدخل دمشق ويتسلم قلعتها ويبطل المكوس والمظالم التي أحدثت بعد وفاة نور الدين محمود

صلاح الدين يسير إلى حمص ويترك فيها حامية لمحاصرة قلعتها

صلاح الدين يملك حماة

مسير صلاح الدين نحو حلب وامتناع أهلها لتسليمها تعصباً لابن نور الدين، الملك الصالح، الذي كان عمره 12 سنة

تحالف أهل حلب مع الملاحدة الحشاشين لقتل صلاح الدين حيث بذل سعد الدين كمشتكين الأموال للتخلص منه، وقد حاول الحشاشون الملاحدة قتل صلاح الدين ولكن سلمه الله منهم، ولكن قتلوا أميراً له يدعى ناصح الدين خمارتكين وجرحوا غيره

أهل حلب يطلبون العون من صاحب طرابلس الصليبي للتخلص من صلاح الدين

صاحب طرابلس يسير نحو حمص، وصلاح الدين يترك حصار حلب ويعود إلى حماة

رحيل الصليبيين عن حمص ودخول صلاح الدين إليها وتملكه لقلعتها

صلاح الدين يطلب تفويضاً بالحكم من الخليفة العباسي ببغداد

صلاح الدين يحاصر بعلبك وأهلها يطلبون الأمان فيجيبهم صلاح الدين

تآمر أهل الموصل مع الحلبيين ضد صلاح الدين

اشتباك قوات صلاح الدين مع عسكر الموصل وانهزامهم أمامه

مسير صلاح الدين إلى حلب مباشرة بعد هزيمة عسكر الموصل

أهل حلب يطلبون الصلح مع صلاح الدين ويعترفون به سلطاناً على الشام

وصول رسل الخليفة العباسي المستضيء بنور الله إلى صلاح الدين بالتشريفات السلطانية، وتقليده بما أراد صلاح الدين من سلطات شرعية في كل الولايات التي كانت تابعة لنور الدين

صلاح الدين يستولي على قلعة بقرين قرب حماة من الأمير فخر الدين مسعود بن علي الزعفراني
570

خروج صلاح الدين إلى (مرج الصفّر) وإرسال الصليبيين إليه بطلب الهدنة فيهادنهم بشروط

حلب والموصل تتحالفان ضد صلاح الدين ونقض أهل حلب للمواثيق بتشجيع من أمير الموصل غازي بن مودود بن زنكي

أمير الموصل غازي بن مودود يتجه بقواته إلى حلب ويعسكر خارجها ويستنجد ببعض الأمراء المسلمين، ويحالف الصليبيين ضد صلاح الدين

صلاح الدين يطلب من عسكر مصر التوجه إلى الشام، وعند وصولهم إليه يتجه بهم صلاح الدين إلى حلب

تنفيذ المؤامرة على صلاح الدين بين الزنكيين والصليبيين وانتهاز الصليبيين الفرصة ومهاجمة المناطق التابعة لدمشق

صلاح الدين يجدد الهدنة مع مملكة القدس لئلا يضطر إلى القتال على جبهتين

قوات صلاح الدين تشتبك مع عساكر الموصل وحلب في تل السلطان وانكسار عساكر التحالف وانهزامهم شر هزيمة

انتزاع صلاح الدين لبعض القلاع الهامة بعد ذلك مثل بزاغة؛ وملك مدينة منبج

محاولة الباطنية الإسماعيليين اغتيال صلاح الدين وهو يحاصر قلعة »إعزاز« المنيعة، لكن نجاه الله منهم، واستمر حصار القلعة حتى استسلمت في 11 من ذي الحجة

إتمام الصلح بين صلاح الدين والملك الصالح صاحب حلب حيث دخل في الصلح أيضاً المواصلة وأهل ديار بكر


571

مسير صلاح الدين (في المحرم) إلى مصياف، مقر الباطنية، وقتاله لهم، فقتل وأسر منهم وخرب ديارهم حتى شفع فيهم خالُه صاحب حماة

إغارة الصليبيين على إقليم البقاع لصرف صلاح الدين عن أخذ حلب ومساعدة منهم لأعدائه، لكن الله هزمهم على يد ابن المقدم أمير بعلبك

عودة صلاح الدين إلى مصر لتفقد أحوالها وذلك بعد زواجه من أرملة نور الدين محمود

مهاجمة الصليبيين لأعمال دمشق في غياب صلاح الدين وهزيمة تورانشاه الذي خرج للقائهم

بناء سور القاهرة بأمر صلاح الدين لحمايتها من أي هجوم صليبي، وتعمير أسطول في الإسكندرية، وتحصين ثغرها وثغر دمياط
572

وصول حملة صليبية إلى الشام بقيادة فيليب الإلزاسي دعماً للقوات الصليبية ضد صلاح الدين

مهاجمة الصليبيين لإقليم حمص ومحاصرتهم لمدينة حماة ثم انسحابهم عنها

فشل محاولة إمبراطور بيزنطة التحالف مع الصليبيين لغزو مصر

محاصرة الصليبيين لـقلعة حارم مدة 4 شهور دون جدوى -مع هجوم أهل حلب عليهم- فتركوها بعد أن سمعوا أن صلاح الدين يريد مهاجمة بيت المقدس، فلما تركوها هاجمها جيش الملك الصالح (صاحب حلب) وضمها إليه.

موقعة الرملة بين قوات صلاح الدين والصليبيين (في جمادى الأولى) وانتصار المسلمين فيها، ثم انهزامهم أثناء عودتهم إلى مصر، حيث فاجأهم الصليبيون

مهاجمة الصليبيين لحماة وحصارهم لها، واستبسال أهلها في الدفاع عنها وانتصارهم على الصليبيين الذين ارتدوا عن البلد وحاصروا حارم
573

مسير صلاح الدين إلى الديار الشامية بعد وصول الأخبار إليه أن الصليبيين يحاصرون حارم

بناء الصليبيين لحصن بيت الأحزان (حصن جسر بنات يعقوب) قرب بانياس بين طبرية وصفد

انهزام الصليبيين بقيادة بلدوين في قتالهم مع قوات فرخ شاه ابن أخ صلاح الدين قريباً من بانياس وانضمام صلاح الدين إليهم بعد وصول أخبار القتال إليه

هجوم الصليبيين على حماة واندحارهم أمام القوات الإسلامية
574

الصليبيون يقيمون حصناً آخر إلى الشمال الغربي من بحيرة الحولة على جبل هونين في مواجهة بانياس.

موقعة مرج العيون وفتح حصن بيت الأحزان: حيث انتصر فيها المسلمون انتصاراً عظيماً وأسِروا من الصليبيين أكابرهم، مثل: ابن بيرزان صاحب الرملة ونابلس، وأخ لصاحب جبيل، وصاحب طبرية ومقدم الداوية، ومقدم الاسبتارية، وصاحب جينين وغيرهم. وفي نفس اليوم ظفر الأسطول المصري بسفينة صليبية كبيرة

مسير صلاح الدين مباشرة إلى حصن بيت الأحزان لتدميره، وقد استولى عليه وأسر من فيه ثم دمره وعفى أثره وغنم كثيراً من المال والسلاح والأقوات. وكان لتدمير هذا الحصن الأثر السيء على الصليبيين وفت في عضدهم

متابعة صلاح الدين الجهاد وإغارته على طبرية وصور وبيروت وعلى عكا نفسها

إتمام الهدنة بين صلاح الدين وبلدوين ملك القدس بطلب من الأخير
575

وفاة سيف الدين غازي بن مودود زنكي أتابك الموصل وديار الجزيرة، واختياره أخيه عز الدين مسعود بن مودود خلفاً له، وتفريقه لبعض ملكه في أبنائه سنجر وناصر الدين

صلاح الدين يغزو بلاد الأمرن بسبب اعتدائهم على المسلمين
576

مهاجمة الأسطول المصري مدينة أنطرطوس وإنزال الخسائر بالصليبيين واضطرارهم لطلب الهدنة من صلاح الدين. وبذلك أمن صلاح الدين جانب ريموند الثالث أمير طرابلس وبلدوين الرابع صاحب القدس ليتفرغ للقتال على جبهات أخرى ولتحقيق سياسته في توحيد بلاد الشام تحت قيادته، وخصوصاً حلب والموصل

وفاة الملك الصالح صاحب حلب، واستحلافه للأمراء قبل وفاته لابن عمه عز الدين مسعود بن مودود الزنكي
577

د.فالح العمره 27-09-2006 06:01 AM

التاريخ الإسـلامي
ملحق الحروب الصليبية
القدس الإسلامية:
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، تم فتح الشام وفلسطين، وجاء الخليفة بنفسه لتسلم القدس سنة 16هـ/ 637م.والقدس مدينة هامة من الوجهة الدينية لدى الأديان الثلاثة. لقد فتحت هذه المدينة، وأصبح المسلمون سادتها، ولأنهم قد تعلموا من دينهم التسامح فقد فتحوا أبواب المدينة للحجاج المسيحيين يأتون ويعودون في سلام وأمان.
وبقيت هذه السّنة الجميلة تقليدًا تبعه الخلفاء من بعده، فقد امتاز عهد الرشيد بمستوى رفيع من التسامح الديني، فقد أهدى "شارلمان" وهو إمبراطور المسيحيين في ذلك الوقت مفاتيح "كنيسة القيامة"، كما سمح له ببناء مستشفى فيها، ومكتبة جمعت كثيرًا من الدراسات المسيحية، وقد كان هذا التسامح سمة كل العصور الإسلامية قاطبة.
بداية الحروب الصليبية:
كان البويهيون يقفون موقفًا سلبيّا من أعداء الإسلام بعد استيلائهم على الخلافة العباسية ببغداد؛ مما شجع ملك الروم سنة 462هـ/ 1070م على غزو الشام، فقد خرج ملك الروم في ثلاث مائة ألف مقاتل، ونزل على "مَنْبح" وأحرق القرى بينها وبين أرض الروم، وقتل رجالهم، وسَبَى نساءهم وأولادهم.
وفزع المسلمون في حلب فزعًا عظيمًا، ولم يكد العام ينتهي حتى عاود ملك الروم هجماته بجيش كثير العدد والعدة يريد القضاء على الإسلام والمسلمين، حتى وصل إلى "ملاذكرد" من أرمينيا، ولكن "ألب أرسلان السلجوقي" سار إليه في خمسة عشر ألفًا، وكله إيمان بالله، ويقين بأن الله ناصر دينه، قائلا : "إنني أقاتل محتسبًا صابرًا، فإن سلمت فبنعمة من الله تعالي، وإن كانت الشهادة (الموت في سبيل الله) فإن ابني "ملكشاه" ولي عهدي!
وأشار الفقيه "أبو نصر البخاري" أن يكون يوم الجمعة بعد الصلاة هو موعد اللقاء مع الأعداء، بعد أن يدعو جميع الخطباء للمجاهدين في سبيل الله على المنابر، وصلى بهم الفقيه البخاري، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، ثم قال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههنا سلطان يأمر وينهي. ثم أخرج السلطان كفنه ليراه جنوده -ليحفزهم على الاستشهاد- ففعلوا مثله.
وبدأ الزحف إلى الروم، فلما اقترب السلطان منهم نزل عن فرسه، وسجد لله-عز وجل-ومَرَّغَ وجهَه في التراب، ودعا الله، وطلب منه النصر على أعدائه، وأخذ في التضرع والبكاء، ثم ركب فرسه، وهجم على العدو فحملت العساكر معه، وكان نصر الله على الرغم من قلة عدد المسلمين وكثرة أعدائهم، لكن النصر من عند الله ينصر من يشاء، وهو القوي العزيز.
كان أرسلان، رحمه الله، عادلاً رحيمًا مقرّا بأنعم الله عليه، يتصدق على الفقراء، ولا سيما في رمضان.
وشاء الله أن يقتل المسلمون من الروم عددًا كبيرًا حتى امتلأت الساحة بجثث القتلى منهم، وأُسر ملك الروم، وافتدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار، كما افتدى قواده، وكان موقف أرسلان قويّا، يستمد قوته من عزة المسلم الذى يستمد عزته من عزة الله سبحانه، فقد فرض أرسلان على ملك الروم أن يرد كل أسير مسلم في أيدي الروم، وشرط عليه أن يرسل إليه عساكر الروم عند طلبها في أي وقت.
وكانت موقعة "ملاذكرد" هذه بين السلاجقة والروم سنة 463هـ/ 1071م، من المعارك الحاسمة التي أدت إلى هزيمة ساحقة مروعة للروم، وذلك رغم التفاوت الكبير بين القوتين، إذ لم تزد قوات أرسلان على عشر من قوات الصليبيين.
اجتماع كليرمونت:
وقد أدى ذلك إلى أن يستنجد أحد أباطرتهم (ملكوهم) بأوربا ويستغيث بها، فراح البابا يدعو إلى اجتماع عام في "كلير مونت" بفرنسا ويدعو المجتمعين إلى غزو الشرق الإسلامي، وتخليص الأراضي المقدسة من الترك، وتخليص أراضي الإمبراطورية البيزنطية من الأعداء الغاصبين، وراح يحث الأمراء على توسيع أملاكهم وغزو الشرق الغني، فماذا كانت النتيجة؟ وكيف كانت هزيمة "ملاذ كرد" سببًا في قيام الحروب الصليبية؟ وفي أثناء هذه الحروب ظهر خطر المغول، فكيف واجهت البلاد إعصار المغول، والحروب الصليبية؟
استيلاء الصليبيين على القدس:
وفي عام 491هـ/ 1097م؛ تجمعت قوات الصليبيين في القسطنطينية، وبعد أن تم إعدادها عبرت البسفور إلى الشام، ودارت بينهم وبين السلاجقة معركة عام 1097م، عند "ضورليوم"، ولكن هزم فيها السلاجقة، ثم استولى الصليبيون على أنطاكية في شمالي الشام، وأسسوا بها أول إمارة لهم، ثم استولوا على الرها في إقليم الجزيرة الشمالي، وأسسوا إمارتهم الثانية واتجهوا إلى مدينة القدس وبها بيت المقدس.
وأمام أربعين ألف مقاتل، لم يستطع جيش الفاطميين فك حصارهم للمدينة الذي استمر شهرًا كاملا، ودخلوها في النهاية في 15 يوليو سنة 1099م، وأقاموا فيها مذبحة قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا، واستباحوا مدينة القدس أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين .
ويذكر أن ريموند القائد الصليبي احتل "مَعَرَّة النعمان"، وقتل بها مائة ألف،ٍ وأشعل النار فيها، ثم أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس. وفي هذه الحملة، ظلت بعض مدن الشام الهامة مثل حلب ودمشق في أيدي المسلمين .
لقد تم الاستيلاء على القدس، وشعر الصليبيون أنهم حققوا واجبهم الديني باستعادة المدينة المقدسة.
وقد قسم الصليبيون هذا الإقليم إلى أربع إمارات:
إمارة الرُّها 492هـ/ 1098م، وتشمل أعالي نهري دجلة والفرات، وتقرب حدودها الجنوبية الغربية من حلب، وكانت عاصمتها الرها التي توجد في بعض الخرائط باسم إدريسّا .
أما الثانية فهي إمارة أنطاكية، وتقع في الإقليم الشمالي جنوب غرب إمارة الرها .
ثم تليها جنوبًا إمارة طرابلس وهي تقع في شريط ضيق على الساحل وهي أصغر هذه الإمارات .
أما الرابعة فهي مملكة القدس، وتمتد حدودها الشرقية من قرب بيروت الحالية، ثم تتبع نهر الأردن حيث تتسع قليلا، وتتجه جنوبًا إلى خليج العقبة، وكانت عاصمتها القدس نفسها .
وكان لكل إمارة من هذه الإمارات أمير أو حاكم يحكمها، لقد استولوا على القدس، وها هو ذا نصرهم قد تم، وها هي ذي أوربا كلها في فرح متزايد، ولكن الخلافات بينهم قد عادت كأشد ما تكون بعد أن تم لهم النصر .
انتصار نور الدين على الصليبيين:
وبرغم الآلام التي عانى منها المسلمون تحت مطارق الصليب، وبحار الدماء والحقد، عاد الإسلام-ولم يكن قد مات يومًا- يشعل صدور المسلمين، فهبوا جنودًا لله كما كانوا، وقيض الله لهذه الأمة رجلا تركيّا هو "عماد الدين زنكي" الذي عرف أن طريق النصر يبدأ دائمًا بالعودة إلى الله. كيف كان ذلك؟
عندما انقسمت دولة السلاجقة بعد "ملكشاه" استطاع أحد مماليكه الأتراك وهو عماد الدين زنكي أن يستقل بإقليم الموصل .
وما لبثت قوة هذا الرجل أن تضاعفت فقام بهجوم على "الرها"، وتمكن من الاستيلاء على عاصمتها رغم مناعة أسوارها سنة 539هـ/1144م. وكان لسقوط "الرها" في أوربا هِزة عنيفة أدت إلى الدعوة إلى حملة صليبية أخري.
ويحمل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي عبء الجهاد والدفاع عن أرض الإسلام بعد استشهاد أبيه عماد الدين عام 1146م، على يد أحد أتباع المذهب الإسماعيلي (المعروفون باسم الحشاشين الباطنية)، ويعيد نور الدين فتح الرها التي سارع الصليبيون إلى احتلالها بعد استشهاد أبيه، ويعود مظفرًا إلى حلب، ومن هناك يستعد للقاء الصليبيين، ويهزمهم بالقرب من دمشق، بل ويهاجم بعد ذلك إمارة إنطاكية ويستولي على أجزاء منها، ويقبض على أميرها بوهيموند وجماعة من أكابر أمراء الصليبيين، واستطاع أن يخضع باقي مدن الرها التي لم تكن قد خضعت من قبل.
ثم توج جهوده لما دعاه أهل دمشق لحكمهم بعدما رأوا عدله وشجاعته، فتكونت جبهة إسلامية واحدة تمتد من حلب إلى دمشق ويدعمها ملك أخيه في الموصل.
كم أنت عظيم يا نور الدين، لقد أضأت للمسلمين طريقهم؛ فعرفوا كيف يكون الجهاد والتضحية.
موقف مصر من الصليبيين:
كانت مصر في ذلك الوقت تحت سلطان الفاطميين الذين كانوا وقتذاك في أقصى حالات الضعف، فقد كانت السلطة الفعلية في أيدي الوزراء الذين كانوا يعملون على اختيار الخليفة من ضعفاء الفاطميين حتى يضمنوا سيطرتهم الدائمة على مصر! وكانت مصر شديدة الأهمية للصليبيين ولدولة نور الدين. إن وقوعها في أيدي الصليبيين يقويهم، ويمدهم بموارد لا حصر لها. ووقوعها في يد نور الدين يضع الصليبيين في موقف حرج حيث تهاجمهم قوات المسلمين من ثلاث جهات : الشرق، والجنوب، والجنوب الغربي، كما أن موارد نور الدين وجيوشه سوف تعظم وتتضخم إن هو استولى على مصر، فكيف السبيل إليها؟
لقد هيأت الأقدار لنور الدين أجمل الفرص. فقد عرف أن قيادة مصر في ذلك الوقت كانت في أيدي الوزراء، وكان أكبر المتنافسين الوزيران: "شاور" و"ضرغام"، وقد اضطر "شاور" إلى الهروب إلى نور الدين والاستنجاد به حين هزمه "ضرغام" وأوشك أن يفتك به. وبلغ "نور الدين" أن جيشًا من الصليبيين كان يتجه نحو مصر ليسبقه إليها. فتحرك نور الدين على عجل، وجهز جيشًا بقيادة "أسد الدين شيركوه" يصحبه ابن أخيه صلاح الدين، ودخل جيش نور الدين مصر عام 560هـ/1164م، وسرعان ما انتصر على قوات "ضرغام" وأعاد "شاور" إلى السلطة، ترى هل يقدِّر "شاور" ما قام به تجاهه نور الدين وقائد جيشه أسد الدين شيركوه ؟ لا، بل أراد أن يتخلص من أسد الدين وجيشه عندما أحس أنهما يقاسمانه النفوذ.
الوزير الفاطمي يستنجد بالصليبيين:
هناك تكون كارثة بكل ما في الكلمة من معني! لقد استعان شاور بجيش الصليبيين الذي كان يرابط على الحدود، وسرعان ما استجاب جيش الصليبيين لشاور فدخل مصر، واشتبك مع جيوش نور الدين!
واشتد القتال، ولكن لما لم ترجح كفة أحد الفريقين اتفقا على أن يرحلا معًا عن مصر، وسرعان ما جلا جيش نور الدين وجيش الصليبيين . ولكن جيش نور الدين عاد إلى مصر ثانية في عام 563هـ/ 1167م .
وعند ذلك أرسل "شاور" يستنجد بملك القدس المسيحي الذي أرسل جيوشه لمحاربة أسد الدين شيركوه، ولكن شيركوه هزم الصليبيين، واستولى على الإسكندرية التي نصَّب عليها ابن أخيه صلاح الدين الذي أظهر مواهبه الحربية في الدفاع عن الإسكندرية. وعلى الرغم من انتصارات شيركوه المؤقتة فإنه شعر ألا سبيل أمامه للاحتفاظ بمصر، فاتفق مع الصليبيين للمرة الثانية على جلاء الفريقين عنها. ولكن الصليبيين نقضوا العهد حين أعدوا حملة دخلت مصر بغرض الاستيلاء عليها، وقد استولوا على "بلبيس" وأعملوا في سكانها القتل والنهب.
انتصار شيركوه وصلاح الدين على الصليبيين:
وهنا أرسل الخليفة الفاطمي مستنجدًا بنور الدين الذي أرسل جيشه للمرة الثالثة سنة 564هـ/1169م، يقوده شيركوه، وصلاح الدين، وسرعان ما تم النصر على حملة الصليبيين في مصر، وانسحبت تاركة النفوذ والسيطرة لجيش شيركوه .
وقد حاول شاور العودة إلى سياسته القديمة، والتخلص من شيركوه؛ ولكنه فشل وقُبض عليه وأُعدم.
وعُيّن "شيركوه" وزيرًا للخليفة الفاطمي بدلا من شاور. وعندما مات شيركوه خلفه في الوزارة وقيادة الجيوش ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 564هـ/1169م، وقد تركزت في يد صلاح الدين جميع السلطات، وتمر الأيام وصلاح الدين يتألق نجمه، وتظهر مع الأيام عبقريته، ويموت الخليفة الفاطمي العاضد سنة 567هـ/1171م بعد أن ألغي صلاح الدين الخلافة الفاطمية، وتصبح السلطة الفعلية والنفوذ الحقيقي في يده، يقبض عليهما بيد من حديد.
وراح الصليبيون يفكرون، لقد خلصت مصر لقوات المسلمين، وأصبحت في يد هذا الرجل الحديدي الذي سيوحد قوي المسلمين ويحطم قوي الصليبيين، وإن غدًا لناظره قريب.
ظل صلاح الدين حاكمًا على مصر زمنًا طويلا يدعو للخليفة العباسي ولنور الدين من بعده. وتأسست الدولة الأيوبية بمصر بعد وفاة نور الدين محمود 569هـ/1174م على يد صلاح الدين الأيوبي.
لقد كان الفاطميون من الشيعة، أما الأيوبيون فهم من أهل السنة، ومن أجل هذا راح صلاح الدين يلغي مظاهر الخلافة الفاطمية ورسومها، ويُعطل معاهد الدعوة الشيعية وطقوسها. وعادت السنة إلى مصر.. السُّنِّية التي رفضت كل مُعْتَقَد دخيل على ما جاءها به نبيها (، وتمر الأيام فيرث صلاح الدين دولة نور الدين، ويخضع له أمير الموصل سنة 583هـ/1168م.
لقد كانت دولة نور الدين تضم ما بين المسلمين من الشام والحجاز واليمن، كما ضمت أجزاء من شمال إفريقية. فأصبحت دولة صلاح الدين تضم شمالي العراق، وشرقي الشام، ثم الحجاز واليمن ومصر وبعض شمالي إفريقية. لقد كان هذا أكبر اتحاد للقوي الإسلامية في ذلك الوقت الذي كانت فيه الدولة العباسية مفككة ضعيفة لا سلطان لها. وإن بينها وبين الدويلات الصليبية غدًا قريبًا تسترد فيه الأرض وتحمي العرض.
وفي بعض الفترات كان صلاح الدين يعقد معاهدات مع الصليبيين ليتفرغ لتوحيد الجهة الإسلامية، ولكنهم نقضوا العهد، ذلك أن رجنلد (أنارط) أمير الكرك الصليبي نقض هذه المعاهدة، وقام الصليبيون ببعض الاستفزازات للمسلمين منها أن رجنلد هذا أعد أسطولا يعبث بشواطئ الحجاز ويهاجم الحجاج المسلمين، ودأب على مهاجمة القوافل الإسلامية.
لا مفر إذن من وقوع الحرب بين الفريقين، وتقدمت قوات صلاح الدين من دمشق، ووجهتها القدس.
موقعة حطين:
كان نصر الله المبين حيث التقت جيوش المسلمين بجيوش الصليبيين في "حطين" وكان ذلك في عام 583هـ/1187م.
لقد جمع الصليبيون عشرين ألف مقاتل جمعوهم من كل دويلات الصليبيين .
واشتبك الجيشان، وانجلت المعركة عن نصر ساحق لصلاح الدين مع تدمير تام لجيش أعدائه .لم يكن أمام جيش صلاح الدين بعد معركة حطين إلا أن يتقدم نحو القدس، وقبل أن يتقدم نحوها استسلم له حصن "طبرية"، وفتح "عكا" واستولى على "الناصرية" و"قيسارية" و"حيفا" و"صيدا" و"بيروت"، وبعدها اتجه صلاح الدين إلى القدس.
استرداد القدس:
ولكن الصليبيين تحصنوا بداخلها، فاتخذ صلاح الدين جبل الزيتون مركزًا لجيوشه، ورمى أسوار المدينة بالحجارة عن طريق المجانيق التي أمامها، ففر المدافعون، وتقدم المسلمون ينقبون الأسوار، فاستسلم الفرنجة، وطلبوا الصلح، فقبل صلاح الدين، واتفق الطرفان على أن يخرج الفرنجة سالمين من المدينة على أن يدفع الرجل عشرة دنانير، والمرأة خمسة، والصبي دينارين، ووفى المسلمون لهم بهذا الوعد، وكان ضمن من خرجوا البطريرك الأكبر يحمل أموال البِيَع(الكنائس) وذخائر المساجد التي كان الصليبيون قد غنموها في فتوحاتهم.
رحمة صلاح الدين:
وفي هذه الأثناء، قال بعض المسلمين لصلاح الدين : إن هذا البطريرك يقوى بهذا المال على حرب المسلمين! فأجاب صلاح الدين: الإسلام لا يعرف الغدر، وقد أمّنا وعلينا الوفاء. وخرج الرجل بهذه الأموال.
ويروى أن مجموعة من النبيلات والأميرات قلن لصلاح الدين وهن يغادرن بيت المقدس: "أيها السلطان! لقد مننت علينا بالحياة، ولكن كيف نعيش وأزواجنا وأولادنا في أسرك؟! وإذا كنا ندع هذه البلاد إلى الأبد فمن سيكون معنا من الرجال للحماية والسعي والمعاش؟! أيها السلطان! هَبْ لنا أزواجنا وأولادنا، فإنك إن لم تفعل أسلمتنا للعار والجوع".فتأثر صلاح الدين بذلك، فوهب لهن رجالهن، رحمك الله يا صلاح الدين، فقد كنت مثالا للرحمة والعفو وحسن الخلق، وكنت مثالا حسنًا لمبادئ الحضارة الإسلامية وعظمة الإسلام.
فليتقدم البطل الفاتح ليطهر البلاد والعباد من شراذم الصليبيين الذين دنسوا الأرض، واعتدوا على العرض.
وتقدم جيش البطل صلاح الدين بل جيش الإسلام والمسلمين؛ ليستولي على معظم مستعمرات الصليبيين ومناطقهم الهامة .
وقد ساعد على نجاح هذه الحملات أن معظم حاميات الصليبيين لقيت حتفها في حطين .
ويجيء عام 586هـ/1189م، ولم يَبْقَ في أيدي الصليبيين من كل أرض سوريا وفلسطين سوى صور وأنطاكية وطرابلس وبعض مدن وقلاع صغيرة مبعثرة هنا وهناك.
والحق أن هذه الأماكن الساحلية التي استهان المسلمون بها وتركوها في أيدي الصليبيين كانت سببًا في كثير من المتاعب للدولة الإسلامية بعد ذلك، فقد تجمع فيها الصليبيون الفارون من الأماكن الأخرى، وقاموا بمهاجمة البلاد الإسلامية المجاورة، واستولوا على بعضها وساعدوا الحملات الصليبية الثالثة التي جاءت من الغرب وكبدت المسلمين خسائر فادحة.
ملوك أوربا يقودون الحرب الصليبية:
فقد كان لهذه الانتصارات وعلى رأسها سقوط القدس صدى مؤلم في أوربا أدى إلى إثارة الحماس مرة أخري، وتصاعدت صيحات إنقاذ الأراضي المقدسة تتردد في أرجاء أوربا. واتجهت الكنيسة إلى جمع الضرائب للحروب الصليبية، وشجعت الناس على الخروج لقتال المسلمين، وأعلن البابا أن من لم يستطع أن يخرج بنفسه وتبرع بالمال غُفرت له ذنوبه، ثم تطور هذا الأمر إلى إصدار صكوك الغفران لكل من يتبرع لهذه الحرب، أو يخرج فيها. وتم تعبئة عدد من الحملات يقودها ملك إنجلترا "ريتشارد" الملقب بقلب الأسد، و"فيليب أوغسطس" ملك فرنسا، و"فريدريك بربوسا" ملك الألمان.
لقد كانت الحملة التى قادها فردريك فاشلة، وذلك لأن قائدها نفسه قد غرق في نهر بأرمينية، فعاد معظم جيشه من حيث أتي، ولم يصل منه إلى الأراضي المقدسة سوى عدد قليل. وهكذا وقع عبء الحرب على ريتشارد وفيليب.
وقبل وصول هذين الأخيرين، أخذ الصليبيون يجمعون قواتهم، ويحاولون القيام بعمل مضاد لحركات صلاح الدين.. فوجهوا قواتهم لتحاصر عكا من البر، وأساطيلهم لتحاصرها من البحر، وكان في استطاعة صلاح الدين أن يقضي على الجيش الصليبي لولا وصول ريتشارد وجيوشه في ذلك الوقت.
وقد طال الحصار البحري البري مدة عامين كاملين من سنة (586-588هـ/ 1189-1191م) ضرب فيها الفريقان أسمى أمثلة الشجاعة، وأخيرًا سقطت عكا في أيدي الصليبيين.
الصليبيون يقتلون الأسري:
وتوصل الجانبان إلى اتفاق يطلق بمقتضاه الصليبيون سراح حامية عكا، شريطة أن يدفع صلاح الدين 200 ألف قطعة ذهبية.
وقد حدث أن تأخر دفع المبلغ المتفق عليه، فأمر ريتشارد بإعدام كل أسراه، وعددهم 2700 أسير، وهذه نقطة سوداء في تاريخه، يقابلها من جانب صلاح الدين نبل عظيم في معاملة أسراه؛ حيث كان يتعامل معهم بالرحمة والتسامح.
صلح الرملة:
استمرت المناوشات البسيطة بين الفريقين، ولكن ريتشارد مَلَّ الحرب، وخاف على ملكه في أوربا، فجرت بينه وبين صلاح الدين مشاورات ومراسلات، ومن أهم ما جاء في هذه المراسلات ماكتبه ريتشارد إلى صلاح الدين يقول: إن المسلمين والفرنج قد هلكوا وخربت ديارهم، وتلفت الأموال والأرواح، وليس هناك حديث سوى القدس والصليب، والقدس مُتَعَبَّدُنا ما ننزل عنه، والصليب خشبة عندكم لا مقدار له، وهو عندنا عظيم؛ فيَمُنّ به السلطان علينا ونستريح من هذا العناء.
فأجاب صلاح الدين: القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا ومجتمع الملائكة، فلا تتصور أن ننزل عنه، وأما البلاد فهي لنا واستيلاؤكم كان طارئًا عليها لضعف المسلمين، وأما الصليب فهلاكه عندنا قُربة عظيمة فلا يجوز أن نفرط فيه إلا لمصلحة أوفي منه.
وقد أدت هذه المفاوضات إلى عقد اتفاق بين الجانبين وهو صلح الرملة سنة 589هـ/1192م، وشروطه: ترك أراضي الساحل للصليبيين، ومنها صور وعكا ويافا وعسقلان، في حين أصبح داخل البلاد لصلاح الدين على أن يسمح للمسيحيين بالحج إلى بيت المقدس، وأن يتعهد بحمايتهم.
موقف أبناء صلاح الدين من الصليبيين:
ولما مات صلاح الدين سنة 589هـ/1192م، حكمت أسرته من بعده، فحكم أخوه العادل مصر ومعظم أجزاء الشام، وخلفه ابنه الكامل الذي سقطت دمياط في عهده في يد الصليبيين لما هاجموا مصر سنة 615هـ، ثم انسحبوا منها مدحورين.. بعد هزيمة فادحة أدت بهم إلى الجلاء عن مصر سنة 618هـ، بعد الصلح مع الملك الكامل، فقد قطع المصريون جسر النيل فغرقت الأرض بالمياه وأوشك الصليبيون علي الهلاك، فطلبوا الصلح.
أسر ملك فرنسا:
كما تعرضت مصر أيضا لحملة صليبية جديدة قادها ملك فرنسا لويس التاسع الذي استولى على دمياط سنة 647هـ، ولكنه وقع أسيرًا فحمل مكبلا بالسلاسل إلى المنصورة حيث سجن في دار قاضيها ابن لقمان، وكان ذلك بفضل حكمة وقيادة ركن الدين بيبرس للقوات المصرية، وافتدى نفسه بتسليم دمياط للمسلمين ودفع فدية مالية، وعادت دمياط إلى الأيوبيين سنة 648هـ .
وأمام التهديد الدائم من قبل الصليبيين للإسكندرية وغيرها من مدن الشام، لم يقف المماليك البرجية مكتوفي الأيدي؛ بل راحوا يفكرون في قطع دابر الصليبيين "بقبرص" وكان لهم ما أرادوا، حتى تمكنوا في عهد الأشرف بَرْسِباي سنة 829هـ/ 1426م، من هذا الأمل، وأسروا ملك الصليبيين الذي ظل أسيرًا بمصر حتى سنة 830هـ/1427م، ولم يفك أسره إلا بعد دفع جزية كبيرة على أن يعترف بسيادة المماليك علي قبرص!
وتظل لمصر السيادة على قبرص في عهد المماليك البرجية حتى سنة 923هـ/ 1517م، وهي السنة التي آل فيها حكم البلاد إلى العثمانيين، وسقطت دولة المماليك البرجية.

نتائج الحروب الصليبية:
وبهذا فشلت الحروب الصليبية، ولكن برغم الفشل السياسي والحربي للحملات الصليبية فإن هذه الحروب كان لها نتائج بالغة الأثر؛ منها اتساع تجارة أوربا وبخاصة "جنوا" و"البندقية" و"بيزا" مع موانئ الشام. ولم يقتصر هذا الاتساع على الفترة التي سيطر فيها الصليبيون على الأراضي المقدسة، بل استمر حتى بعد أن أجلوا عن الإقليم كله. كما ساعدت علىانتقال الحضارة الإسلامية إلىأوربا.

د.فالح العمره 28-09-2006 12:52 AM

صفحات مجهولة

من تاريخ الحروب الصليبية

مجاهدون على الطريق

د. عماد الدين خليل

--------------------------------------------------------------------------------

منذ الأيام الأولى لوصول طلائع القوات الصليبية إلى مشارف الجزيرة الفراتية والشام، بدا أن ولاة الموصل السلاجقة سيلعبون دوراً حاسماً إزاء الخطر الجديد، نظراً لطبيعة موقعهم الحصين بعيداً عن الأخطار المباشرة للهجوم الصليبي، ولكونهم يمثلون حلقة الوصل المباشر بين القواعد السلجوقية التي يتلقون أوامر عنها، وبين الإمارات الإسلامية المنتشرة في الجزيرة والشام، والتي وقع على عاتقها عبء التصدي للهجوم الجديد. وكان من أبرز هؤلاء الولاة: آق سنقر البرسقي الذي حكم الموصل في الفترة بين 515 هـ (1121م) و 520 هـ (1126م)

شيء عن الرجل
في عام 515 هـ أصدر السلطان السجلوقي محمود أمره بتولية قائده الشهير آق سنقر البرسقي على الموصل وأعمالها، وكان الرجل قد عمل إلى جانب السلطان في معظم حروبه، وكان مخلصاً له، وقد لعب دوراً كبيراً في المعركة الفاصلة التي وقعت بين السلطان وأخيه مسعود، وقام بدور الوساطة بينهما بعد انتهاء المعركة.

وقد اتبع السلطان محمود التقليد المعروف لدى إعلان تولية أمير على الموصل، إذ أمره بجهاد الصليبيين واسترداد البلاد منهم، كما أوصى سائر الأمراء بطاعته، فسار البرسقي إلى الموصل على رأس جيش كبير، وأقام فيها بعض الوقت ريثما يدبر أمورها ويصلح أحوالها.

امتاز الرجل –أكثر من غيره- بالنشاط الدائب والحركة السريعة، فهو تارة في الشام يجاهد الغزاة، وتارة أخرى في بغداد وجنوبي العراق يقاتل الخارجين عن طاعة السلطان والخليفة العباسي، وتارة ثالثة على مشارف حلب مستجيباً لنداء أهلها بإنقاذهم من الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة التي تردّوا فيها خلال تعرضهم للهجمات الصليبية، وقد استطاع البرسقي أن يكسب ودَّ الأمراء المحليين وعلى رأسهم طغتكين حاكم دمشق، كما اكتسب عطف الخليفة العباسي باشتراكه إلى جانبه في حروبه ضد الخارجين عليه، فضلاً عن أنه اكتسب محبة الأهالي سواء في الموصل حيث مقر ولايته، أم في المنطقة –بصورة عامة- حيث اشتهر كأحد قادة الجهاد ضد الغزاة.

كان البرسقي –كما يصفه المؤرخون- عادلاً، حميد الأخلاق، شديد التدين، محباً للخير وأهله، مكرماً للفقهاء والصالحين، وكان شجاعاً نال احترام وتقدير الخلفاء والملوك، ليِّناً، حسن المعاشرة، كثير الصلاة، عالى الهمة؛ وبذا أجمع معظم المؤرخين على أنه كان من خيار الولاة.

الصليبيون.. وإهانة كتاب الله

والحق أن أهم ما أنجزه البرسقي خلال فترة ولايته على الموصل هو استلامه شؤون الحكم في حلب وحله لمشاكلها وضمها إلى الموصل، الأمر الذي أتاح قيام وحدة بين البلدين كان لها أبعد الأثر في الصراع الإسلامي الصليبي.

كان الصليبيون قد شددوا هجماتهم على حلب والمناطق الزراعية المحيطة بها، وأنزلوا بها خسائر فادحة، وتولى الهجوم أميرُ أنطاكية والرها، ثم ما لبثوا أن فرضوا الحصار عليها من شتى جهاتها »ووطنوا أنفسهم –كما يقول ابن الأثير- على المقام الطويل، وأنهم لا يغادرونها حتى يملكوها، وبنوا البيوت لأجل البرد والحر«.

وتعدى الأمر ذلك إلى نبش قبور المسلمين وتخريب مشاهدهم.. ويحدثنا المؤرخ الحلبي ابن العديم أنهم أخرجوا جثث الموتى، وعمدوا إلى من لم تتقطع أوصاله منهم فربطوا الحبال بأرجلهم وسحبوهم أمام أنظار المسلمين المحاصرين في حلب، وراحوا يقولون: هذا نبيكم محمد! وأخذوا مصحفاً من أحد مشاهد حلب المجاورة ونادوا: يا مسلمون أبصروا كتابكم، ثم ثقبه أحد الفرنجة بيده وشدّه بخيطين وربطه بأسفل برذونه، فراح هذا يروّث عليه، وكلما أبصر الفرنجي الروث على المصحف صفق بيديه وضحك عجباً وزهواً!

لم يكتفِ الصليبيون بهذا بل راحوا يمثلون بكل من يقع بأيديهم من المسلمين، فاضطروا هؤلاء إلى مجاراتهم بالمثل، وأخذت جماعات من مقاتلي حلب تخرج سراً لتغير على معسكرات الأعداد، وترددت الرسل بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق ولكن دون جدوى حتى ضاق الأمر بالحلبيين حيث قلّت الأقوات وانتشر المرض، واتبع أمراؤهم المتسلطون عليهم أشد الأساليب ظلماً وعسفاً، وحينذاك قرروا تشكيل وفدٍ يغادر حلب سراً إلى الموصل للاستنجاد بالبرسقي.

النجدة

كان البرسقي حينذاك (518 هـ) مريضاً، وكان الضعف قد بلغ منه مبلغاً عظيماً، فمنع الناس من الدخول عليه، وعندما استؤذن للوفد الحلبي بالدخول، أذن لهم، فدخلوا عليه واستغاثوا به وشرحوا له الأخطار التي تحيق بحلب ومدى الصعوبات التي يعانيها أهل المدينة، فأجابهم البرسقي: »إنكم ترون ما أنا الآن فيه من المرض، ولكني قد جعلت لله علي نذراً لئن عافاني من مرضي هذا لأبذلن جهدي في أمركم والذب عن بلدكم وقتال أعدائكم«.

ولم تمضِ ثلاثة أيام على مقابلته للوفد حتى فارقته الحمى وتماثل للشفاء، وسرعان ما ضرب خيمته بظاهر الموصل ونادى قواته أن تتأهب لقتال الصليبيين واستنقاذ حلب، وفي غضون أيام معدودات غدا جيشه على أهبة الاستعداد، فغادر الموصل متجهاً إلى الرحبة، وأرسل من هناك إلى طغتكين أمير دمشق وخير خان أمير حمص يطلب منهما مساعدته في إنجاز مهمته، فلبى هذان الأميران دعوته، وبعثا بعساكرهما للانضمام إلى جيش البرسقي الذي كان قد تحرك آنذاك صوب بالسس القريبة من حلب..

ومن بالسس أرسل البرسقي إلى مسؤولي حلب، وشرط عليهم –مسبقاً- تسليم قلعة حلب لنوابه كي يحتمي بها في حالة انهزامه أمام الصليبيين، فأجابوه إلى طلبه، وما أن استتب الأمر لنواب البرسقي، واطمأن الرجل إلى وجود حماية أمينة في حالة تراجعه، حتى بدأ زحفه صوب قوات الصليبيين التي تطوق حلب.

وصلت طلائع قوات البرسقي حلب يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 518 هـ، وما أن اقترب البرسقي بقواته المنظمة حتى أسرع الصليبيون في التحول إلى منطقة أفضل من الناحية الدفاعية، فعسكروا في جبل جوش على الطريق إلى أنطاكية، وهكذا غدوا مدافعين بعد أن كانوا مهاجمين، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنالوا منها ما أرادوا، بينما اتجه قسم آخر منهم لاستقبال البرسقي لدى وصوله.

إصلاحات داخلية
وقد أدرك البرسقي ما يرمي إليه الصليبيون بانسحابهم واتخاذهم موقفاً دفاعياً، فلم يتسرع بمهاجمتهم قبل أن يعيد تنظيم قواته من جديد خوفاً من نزول هزيمة فادحة بعسكره قد تعرّض حلب للسقوط، وأرسل طلائعه الكشفية لرد الجيوش المتقدمة إلى معسكراتها في حلب، وقال موضحاً خطته هذه: »ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويهلك المسلمون؟ ولكن قد كفى الله شرهم، فلندخل إلى البلد ونقويه وننظر إلى مصالحه، ونجمع لهم إن شاء الله، ثم نخرج بعد ذلك إليهم«. ومن ثَم دخل البرسقي حلب وبدأ بحل مشاكلها ورفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، فنشر العدل وأصدر مرسوماً برفع المكوس والمظالم المالية وإلغاء المصادرات، وعمت عدالته الحلبيين جميعاً بعدما منوا به من الظلم والمصادرات وتحكم المتسلطين طيلة فترة الحصار الصليبي.

ولم يكتف البرسقي بذلك بل قام بنشاط واسع لجلب المؤن والغلال إلى المدينة كي يخفف من حدة الغلاء، ويقضي على الضائقة التي يعانيها الحلبيون. وما لبث النشاط الزراعي في منطقة حلب أن عاد إلى حالته الطبيعية، حيث استأنف المزارعون العمل في أراضيهم التي شردوا عنها، وساعدتهم الظروف المناخية في أراضيهم التي شردوا عنها، وساعدتهم الظروف المناخية، حيث هطلت مقادير كبيرة من الأمطار فأخصبت الأرض، كما عاد النشاط التجاري إلى عهده السابق اعتماداً على ما تمتعت به المنطقة من أمن واستقرار.

قيمة الانجاز
وهكذا استطاع البرسقي أن يحطم الطوق الذي أحاط به الصليبيون حلب، وأن يخلص هذا الموقع الهام من أخطر محنة جابهته طيلة الحروب الصليبية، ويوحده مع الموصل لأول مرة منذ بدء هذه الحروب، الأمر الذي أتاح لهذا القائد، ولعماد الدين زنكي من بعده، أن يفيد من هذه الوحدة لتحقيق انتصارات عديدة ضد الغزاة، ذلك أن حلب هي القاعدة الثانية في الشمال بعد الموصل، وهي الحصن الأخير الذي وقف بوجه الزحف الصليبي في المنطقة باتجاه الشرق، إذ كانت تتمتع بمركز استراتيجي حيوي من النواحي البشرية والعسكرية والاقتصادية وخطوط المواصلات، وبالرغم من وقوعها بين إمارتين صليبيتين هما الرها وأنطاكية، إلا أنه كان بإمكانها الاتصال بالقوى الإسلامية المنتشرة في الجزيرة والفرات والأناضول وشمالي الشام، مما يعد أساساً حيوياً لاستمرار حركة الجهاد وتحقيق أهداف حاسمة ضد العدو، هذا فضلاً عن عمق وتوثق الصلات الاقتصادية والجغرافية بين حلب والموصل منذ أيام الحمدانيين، ومن ثم تعتبر المدينتان مكملتين إحداهما للأخرى.

وكان مما يزيد في قيمة الاستيلاء على حلب، أنها بفضل موقعها على ثغر المسلمين ومعقلهم تجاه الغزاة، أضْفَتْ على أمير الموصل صفة المدافع عن الإيمان ضد الكفار، كما أن قوة الشعور الإسلامي يجعل من العسير على السطان السلجوقي أن يتخذ ضد أميراها إجراءً صارماً، يضاف إلى ذلك أن البرسقي، باعتباره ممثلاً للسلطان السلجوقي، صار له السلطة الشرعية الوحيدة بين الإمارات التي شكلها البرسقي والممتدة من نهر قويق إلى نهر دجلة نواة لما قام بعدئذ بالشام من دولة إسلامية متحدة زمن الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ولم يكن الغزاة الذين وحّد بينهم نظام الملكية في بيت المقدس، يواجهون قبل ذلك سوى بلاد تنازعتها في الشام قوى عديدة وإقطاعات متفرقة زادت من ضعفها. وما حدث –إذاً- من توحيد حلب مع الموصل يعتبر بدء توحيد الجبهة الإسلامية التي قدر لها أن تقضي في يوم من الأيام على قوة الصليبيين في الشام.

بدء العمليات
لم يكن بوسع الميك بلدوين –بعد أن رأي ما حدث- سوى العودة إلى أنطاكية ومنها إلى بيت المقدس الذي غاب عنه مدة سنتين، إلا أنه لم يمكث هناك زمناً طويلاً، فقد كان البرسقي في نظره شديد الخطورة، إذ كان بوسعه أن يوحد المسلمين بشمال الشام تحت سلطانه، كما خضع لقيادته أميرا دمشق وحلب، وكان البرسقي –بعد أن أقرَّ الأوضاع في حلب- قد غادرها في مطلع عام 519 هـ صوبَ تل السلطان ومنها إلى حصن شيزر، وإذ حرص أميرها سلطان بن منقذ على أن يكون صديقاً لكل رجل عظيم الأهمية فقد سلمه رهائن الصليبيين الذي كانوا قد أودعوا لدى بني منقذ ريثما يتم تنفيذ بنود المعاهدة التي كانت قد عقدت بين الغزاة وأمراء ديار بكر، وقد أقام البرسقي في أرض حماة أياماً لحين وصول طغتكين على رأس قواته، وحين ذلك رحل البرسقي على رأس جيش مؤلف من القوات الإسلامية المتحالفة وهاجم حصن كفر طاب الذي كان بحوزة الغزاة وتمكن من الاستيلاء عليه في مطلع ربيع الآخر حيث وهبه لحليفه أمير حمص الذي كان قد التحق به، ثم حاصر »زردنا« فعجل الملك بلدوين في المسير نحو الشمال وقاد جيوش طرابلس وأنطاكية والرها لإنقاذها، فتحول المسلمون إلى عزاز التابعة لجوسلين وشددوا هجومهم عليها، وتمكنوا من إحداث ثغرات في قلعتها، إلا أن قوات بلدوين ما لبثت أن أدركتهم هناك حيث دارت في السادس من ربيع الآخر معركة عنيفة، وإذا استند المسلمون إلى تفوقهم العددي حاولوا الاشتباك مع خصومهم وجهاً لوجه، غير أنه كان لهؤلاء من التفوق في السلاح والقوة الضاربة ما لم يطق المسلمون مقاومته فحلّت بهم الهزيمة، وقتل منهم عدد كبير. واستطاع بلدوين أن يجمع من الغنائم الوفيرة التي حصل عليها مبلغ ثمانين ألف دينار الذي كان يدين به لافتداء الرهائن، فاستلمه البرسقي، وأعاد الرهائن، كي يتقوى به على عدوِّه ويعيد حشد قواته من جديد، وما لبثت الهدنة أن عقدت بين البرسقي والصليبيين، وقفل عائداً إلى الموصل بعد أن أبقى في حلب حامية عسكرية.

استئناف الصراع
لم يكن الاتفاق بين البرسقي وخصومه نهائياً، نظراً لأن الغزاة لم يحترموا ما اتفقوا عليه من قبل من الشروط، ويذكر المؤرخ الحلبي ابن العديم أن الصليبيين أخذوا يمنعون فلاحي المسلمين من جني ثمارهم ومحاصيلهم وفق ما نصّت عليه شروط الهدنة.

وفي مطلع ربيع عام 520 هـ (1126م) قام بونز أمير طرابلس بمهاجمة حص رفينة الذي كان هدفاً للصليبيين منذ أن استرده منهم أمير دمشق عام 499 هـ، والذي كان يتحكم في المنفذ المؤدي إلى البقيعة من جهة وادي نهر العاصي، ونهض بلدوين ملك بيت المقدس لمساندته، وخرج صاحبه »شمس الخواص« طالباً البرسقي مستصرخاً به، لكن ولده ما لبث أن قام بتسليم الحصن للغزاة بعد حصار دام ثمانية عشر يوماً، وكان الاستيلاء على هذا الحصن ذا أهمية بالغة عند الصليبيين لا لأنه كفل الأمان والسلامة لطرابلس فحسب، بل لأنه أمّن أيضاً طرق الاتصال بين بيت المقدس وأنطاكية، ومن ثم توجه الغزاة إلى حمص وهاجموا المناطق المحيطة بها وخربوا مزارعها، ولم يغادروا المنطقة إلا بعد أن أدركتهم القوة التي بعث بها البرسقي بقيادة ابنه مسعود لنجدة صاحب حمص، وخلال ذلك أعاد المصريون بناء أسطولهم الذي أقلع سنة 520 هـ من الاسكندرية وأغار على الساحل الشامي، ولما سمع البرسقي بذلك أعد خطته على أن يقوم أثناء إغارة الأسطول المصري بهجوم من الشمال، فحشد جيشاً كبيراً وتوجه إلى أنطاكية بقصد نجدة صاحب »رفينة« والواقع أن المصريين أدركوا بعد أن حاولوا القيام بغارة على أرباض بيروت، كلَّفتهم خسائر جسيمة، أن المدن الساحلية مشحونة بحاميات قوية، فلم يسعهم إلا العودة، أما البرسقي فقد سلك طريق »منبج« التي كانت مزارعها وقراها قد تعرضت دوماً لغارات جوسلين أمير الرها، فدارت المفاوضات بين البرسقي وجوسلين لعقد هدنة أخرى على أن تكون الضياع ما بين عزاز وحلب مناصفة بين الطرفين وأن يكون القتال بينهما على غير ذلك.

اتجه البرسقي –بعد أن أمن جانب جوسلين- صوب »الأثارب« وحاصرها في جمادى الآخرة 520 هـ وأرسل فرقة من قواته إلى حصن الدير فأذعن لها، وقامت جيوشه بجمع غلال العديد من مزارع العدو وإرسالها إلى حلب، وعلى الرغم من أن قوات البرسقي استولت على السورين الخارجيين للأثارب، إلا أنها لم يتيسر لها الاستيلاء على المدينة لمبادرة ملك بيت المقدس لإنجادها حيث انحاز إليه الأمير جوسلين، ورغبة منهما في تجنّب الاشتباك مع البرسقي أرسلا إليه قائلين: »ترحل عن هذا الموضع ونتفق على ما كنا عليه في العام الخالي ونعيد (رفينة) عليك«.

ولم يشأ البرسقي –من جهته- أن يمضي في الحرب كيلا يتعرض المسلمون لما تعرضوا له من قبل في عزاز، فقرر عقد الصلح مع الصليبيين، غير أن بلدوين لم يلبث –بعد أن جلا البرسقي بقواته عن الأثارب- أن أنكر ما سبق أن عرضه على البرسقي من شروط الصلح وأهمها إعادة (رفينة) إلى المسلمين، بل إنه طالب ببلاد جديدة فلم يقبل البرسقي ذلك وأقام فترة في حلب ترددت الرسل أثناءها بين الطرفين دون أن تسفر عن نتيجة، كما أن الغارات التي نشبت بينهما عقب ذلك لم تأت بطائل، فرجع بلدوين إلى القدس في رجب، وتوجه البرسقي إلى حلب يصحبه طغتكين حاكم دمشق الذي كان قد التحق به قبيل ذلك عند قنسرين، إلا أنه ما لبث أن مرض وأوصى إلى البرسقي قبل أن يغادر حلب متوجهاً إلى دمشق، الأمر الذي يشير إلى مدى ثقته وتقديره للبرسقي الذي لم يأل جهداً في مقاومة الغزاة، وبعد أن أناب البرسقي ابنه عز الدين مسعود في حلب، قفل راجعاً إلى الموصل.

تعبيد الطرق
ما من شك في أن هزيمة البرسقي غير المتوقعة في عزاز، هي التي قلبت ميزان القوى في المنطقة ووضعت جداراً صلباً أمام مطامح البرسقي الذي كان يأمل –بعد ضم حلب إلى إمارته- أن يحقق للمسلمين انتصارات حاسمة ضد أعدائهم، وأن يسعى لتهديد إماراتهم في الشمال بعد أن يوجه ضربات قوية لجيوشهم هناك، وهكذا جاءت كارثة عزاز لتنحرف بحركة البرسقي عن هدفها المرسوم، إلا أن قادة الصليبيين لم ينسوا –رغم ذلك- أن البرسقي سيظل يشكل خطراً على وجودهم، إذ أدركوا ما تمنحه إياه سيطرته على حلب وقيادته لقوى المسلمين في الشام، من إمكانية متجددة لإعادة الكرة عليهم، ومن ثم اقتنع كل من الطرفين بمنطق التهادن والمحالفات والسعي لتجنب أي اشتباك قد يجر وراءه صراعاً طويلاً لم تكن للطرفين رغبة جادة في خوضه نظراً لاعتقادهما بعدم جدواه، ولئن كان البرسقي قد أضاع الفرصة إثر هزيمة عزاز، فإنه فتح الطريق ولا ريب –بضمه حلب إلى الموصل- أمام عماد الدين زنكي الذي جاء بعد سنتين لكي يصفي الحساب مع الغزاة.

نهاية الرجل
لم يلبث البرسقي، بعد أيام قلائل من دخوله الموصل، أن اغتيل على أيدي الباطنية الذي كانوا قد تولوا حملة اغتيالات واسعة النطاق لكبار الشخصيات الإسلامية، بسبب الخلافات المذهبية، وقد بلغت هذه الحملة أوجها في القرن السادس الهجري، وكانت الباطنية تشكل –إذاً- مصدر الخطر الوحيد ضد البرسقي، وقد عرف هو ذلك منذ البداية، فكان على غاية من التيقظ لهم والتحفظ منهم، وكان يحيط بنفسه بعدد كبير من الحرس المسلمين الذين كانوا دائماً على أهبة الاستعداد، كما كان يلبس درعاً من حديد، وقد جهد في الحد من خطر الباطنية عن طريق التصدي لهم واستئصال شأفتهم وتتبعهم في كل مكان، وقد تمكن من قتل عدد منهم.

ورغم كل هذه الاحتياطات والاجراءات تمكن الباطنية الذين تمرسوا على الاغتيالات من بغيتهم. ففي التاسع من ذي القعدة سنة 520 هـ توجه البرسقي إلى الجامع العتيق في الموصل لأداء صلاة الجمعة، وقصد المنبر، فما دنا منه وثب عليه ثمانية أشخاص متزيين بزي الزهاد وأثخنوه ضرباً وطعناً، بعد أن تمكن وحراسه من قتل بعضهم، ثم حمل جريحاً ومات في نفس اليوم، وتم قتل جميع من اشترك في الاغتيال فيما عدا واحداً منهم تمكن من الهرب إلى الشام.

وكان البرسقي قد رأى في منامه –في الليلة الفائتة- بأن مجموعة من الكلاب السوداء هاجمته، وقصّ رؤياه على أصحابه فأشاروا عليه بعدم الخروج من داره أياماً، ولكنه رفض اقتراحهم وقال: لا أترك صلاة الجمعة لشيء أبداً.. وكان من عادته أن يحضر صلاة الجمعة مع سائر الناس.

ويُلقي العماد الأصفهاني ضوءاً على الدوافع المباشرة لاغتيال البرسقي، إذ يشير إلى العداء المستحكم بينه وبين (الدركزيني) الباطني وزير السلطان السلجوقي محمد، الذي عمل جاهداً ليقنع السلطان بعزل خصمه فلم ينجح في مسعاه، فاتفق مع الباطنية على اغتياله. وموقف الدركزيني يقودنا إلى موقف الباطنية العام من زعماء المقاومة الإسلامية، هذا الموقف الذي تميّز بالعداء الجارف والرغبة في الانتقام، الأمر الذي كان له أسوأ الأثر على مجرى الصراع بين المسلمين والغزاة.[1]

ومن عجب –يقول المؤرخ ابن الأثير-: أن أمير أنطاكية الصليبي أرسل إلى عز الدين مسعود يخبره بقتل والده قبل أن يصل الخبر إليه شخصياً! وكان قد سمعه الفرنج قبله لشدة عنايته –أي أمير أنطاكية- بمعرفة الأحوال الإسلامية!

لكن ألا يلقي هذا النبأ ظلاً من شك حول إمكانية حدوث اتفاق مسبق بين الباطنية والصليبيين لاغتيال المجاهد المسلم، لا سيما وأن قتلته ربما كانوا –كما يذكر المؤرخ الحلبي ابن العديم- قوماً من أهل حماة القريبة من معاقل الصليبيين؟ كيفما كان الأمر، فإن مقتل البرسقي أصاب المسلمين عامة والموصل خاصة بخسارة فادحة حيث فقدوا باغتياله والياً من نوع ممتاز، فلا غرو أن يحزنوا عليه ويأسفوا لفقده ويستدعوا ابنه عز الدين مسعود ليحل محله.

وأغلب الظن أن البرسقي كان الوالي الوحيد للموصل، منذ بدء عهد الولاة عام 489 هـ وحتى تولي عماد الدين زنكي عام 521 هـ، الذي لم يطمح إلى مخالفة السلطان السلجوقي والاستقلال عن سلطته بحكم حبه له وإخلاصه لوحدة الدولة السلجوقية إزاء التفتّت والانقسام.

مجلة الأمة – العدد 16- ربيع الآخر 1402 هـ


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 06:40 AM .

مجالس العجمان الرسمي