المكارم منوطه بالمكاره
يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كَدَر . أو لا يُصادِفه مُنغِّصَات أو لا تُصيبه مُصيبة أو لا يتعرّض لِفتنَة وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام ! ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ
جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها = صفواً من الأقذار والأكـدارِ ومكلِّف الأيام ضِدّ طِباعِهـا = مَتَطَلِّبٌ في الماء جذوة نـارِ وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنمـا = تَبْنِي الرّجاء على شفيرٍ هارِ فهي لا تصفو لأحد ، ولا تدوم لِمخلوق . سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر : لا أراك الله مكروهاً أبداً . فقال له : دَعَوتَ الله له بالموت ! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه ! وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فهو في مَشَقّـةٍ ومُكابَدةٍ في دنياه ، كما قال بعض المفسِّرين . إذاً .. ما هي الحياة الطيبة ؟ وكيف تُوجد السَّعـادة ؟ اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة . قال ابن عباس : هي الرزق الحلال . وقال الحسن : هي القناعة . وقال مُقاتل بن حيان : يعني العيش في الطاعة . وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة . وقال القاضي البيضاوي : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيباً ، فإنه إن كان مُوسِراً فظاهر ، وإن كان مُعْسِراً يَطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية . وعلى كلٍّ هي : حياةُ قلبٍ مؤمن بالله ، راضٍ بقضائه ، مُسْتَسْلِم لِحُكْمِه ، واثق بِوَعْدِه . والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لا يشعر بها ، وربما لا يَجِد لذّتها . كيف ؟ ربما عاش المؤمن راحة البال ، ووجَد الأمن النّفسي ، لا يُزعجه المستقبل ، ولا يُقلقه ما في غـدٍ . الأمن النفسي من أعظم ما يَمنّ الله به على عبده المؤمن . ولذا قال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ليس فقط الأمن الاجتماعي في الأوطان ، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين . وهذا يُفسِّر لنا سِـرّ سعادة الكافر إذا أسلم ، إذ وَجَـد ما كان يفتقده ، وعاش لـذّة الطاعة ، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان . ويُظهر لنا بِجلاء كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقْتلِه ! قال حرام بن مِلحان رضي الله عنه لما طَعَنَه الكافر الغادر : فُـزْتُ وربِّ الكعبة فكان الكافر الغادر يتساءل : أي فوز فازه وأنا قتلته ؟! فالسعادة ليست في كأس وغانية ! وليست في مالٍ وجارية ! ولا في المراكب الفارِهة ! ولا في القصور العامِرة ! وإنما هي بطاعة الله جل جلاله . ويُبين لنا هذا أن من العلماء من وُضِع في السّجن والقيد ، فما يزيد على أن يبتسم ! لقد كان يتذوّق طعم السعادة ! ويعتبر السجن خلوة ! والقيد وسام فخـر ! يَرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله يجِد حلاوة الإيمان في قلبه .. ولا سبيل للوصل إلى قلبه ! يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن ، فما يَردّه ذلك عن مبادئه ولا يُزحزحه عن مواقفـه يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ يَغتسل السّوط في جُرحه فيصدع بما يَكرهون . لقد مَزَج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطَغَتْ حلاوة الإيمان .. إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة ، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة ، وأمن ورخاء . وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العَمَل ، ولا تُوجد حقيقة العمل . والفَرْق بينهما كما بين الثرى والثريّا إن الرجلين ربما صَلَّيَا إلى جوار بعض ، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب ! فَرَجُل قلبه يحوم حول العَرش يُسبِّح بِحَمْدِ ربِّـه وآخر يحوم حول القاذورات ! قال بعض السلف : إن هذه القلوب جَوّالة ؛ فمنها ما يَجُول حول العَرْش ، ومنها ما يَجُول حَول الْحُشّ " بيت الخلاء " . فيا بُعد ما بينهما ! والله لا يستويان لا في الصلاة والأجر ، ولا في أثَرِهَا . فَمَن صلّى بقلبه نَهَتْه صلاته ، ورَفَعتْ درجاته ، وكفّرت سيئاته . ومن صلّى بِبَدَنِه أجزأته ! فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة . ومن تعلّق بغيره وُكِل إليه " تَعِسَ عَبْدُ الدينار و عَبْدُ الدرهم و عَبْدُ الخميصة " . قال ابن القيم رحمه الله :
نزه سماعك إن أردت سماع = ذيّــاك الغنا عـن هـذه الألحـانِ لا تؤثر الأدنى على الأعلى = فتحــرم ذا وذا يـا ذلـة الحرمـان إن اختيارك للسماع النـازل = الـأدنى على الأعلى من النقصـان والله إن سماعهم في القلـب = والـإيمان مثل السـمّ فـي الأبـدان والله ما انفكّ الـذي هـو دأبـه =أبداً مـن الإشـراك بالرحمـن فالقلب بيت الرب جـل جلالـه = حُبا وإخلاصـا مـع الإحسـان فـإذا تعلّـق بالسَّمـاع أصـاره = عبـداً لكـل فُـلانـة وفــلان حُبّ الكتاب وحب ألحـان الغنـافي = قلب عبـد ليـس يجتمعـان ثَقُل الكتـاب عليهـم لمـا رأوا = تقيـيـده بشـرائـع الايـمـان واللهو خـفّ عليهـم لمـا رأوا = ما فيه من طرب ومـن ألحـان قوت النفوس وإنما القـرآن قـوت = القلب أنى يستوي القوتـان ؟ وألَذّهُـم فيـه أقلّهـم مــن الــعقل = الصحيح فَسَلْ أخَا العرفان يا لذّة الفسـاق لسـتِ كَلَـذَّةِ = الـأبـرار فـي عَقْـلٍ ولا قـرآنِ فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه . وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية . الشيخ عبد الرحمن السحيم |
لا هنت يا ابو عبدالله وبيض الله وجهك يا السنافي على الموضوع القيم جعله الله في ميزان اعمالك
|
الله يعطيك العافيه يابن وعيل :)
|
ابوحمد الشامري
مونامورا بارك الله فيكم على حضوركم الطيب ولاهنتوا على تواصلكم المميز |
لاهنت يا ابوعبدالله على الموضوع
|
بارك الله في اخوي عبدالهادي على مروك الطيب
|
الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 07:19 AM . |
مجالس العجمان الرسمي