مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   المجلس الطلابي (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=78)
-   -   لكل معلم .. لكل طالب "متجدد" (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=59101)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 08:26 PM

لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
المعلم أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية
المعلم أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية
يعتبر المعلم " القاسم المشترك الأعظم في جميع الأنظمة التربوية , ويتفق قادة الفكر والمربون على أن المعلم هو العنصر الفعال في تحقيق الأهداف التربوية , والركيزة الرئيسية في العملية التعليمية التي لا تعلوها أداة , ولا تعوضها وسيلة " , فمهما اُستحدث في التعليم من طرق ووسائل , أو أضيف إليه من موضوعات جديدة , أو تطوير في مناهجه , ومهما رصد له من أموال , أو أقيمت له أفخم المباني , وزود بأحدث الأجهزة والأثاث , فإن ذلك كله لا يمكن أن يترجم إلى مواقف موضوعية , وتفاعلات اجتماعية , وخصائص سلوكية , إلا عن طريق المعلم , فهو " المحرك القوي لكل تلك الجوانب , والقائد الفكري والعملي لعملية التعليم " , وهو الذي يبعث فيها النشاط ويكمل ما فيها من نقص , ويستطيع الرقي بها إلى المستوى المأمول .
والمعلم وارثا من ورثة الأنبياء , ففي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله تعالى يقول (........ وإن العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر ).
وكفى بهذا شرفاً وفخراً للمعلم , فإن الأنبياء عليهم السلام قد وصلوا إلى أعلى درجات الكمال البشري , وهم قادة الأمة , و معلموا الأجيال , ودعاة العدل والإصلاح .
ولمعلمي هذه الأمة من هذا الشرف أعظمه وأوفره ؛ لأنهم ورثة أفضل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام , وهو خاتمهم , و أكملهم نشأة وتربية , ولم يزل معروفاً بكل خصال الخير حتى توفاه الله تعالى, فقد بين أن التعليم مهنته ووظيفته , بقوله عليه الصلاة السلام : ( إن الله لم يبعثني معنتاً و لا متعنتاً, و لكن بعثني معلماً ميسراً) , كما شهد له بذلك صحابته الكرام رضي الله عنهم , فهذا معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول :" ........... فبأبي هو و أمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ".
فكان من آثار حسن تعليمه وتربيته, أن تخرج على يديه ثلة من العلماء الجهابذة في شتى الميادين, حتى قال بعضهم:" لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه لإثبات نبوته ".
وبالتالي يوجب هذا على المعلمين العناية الخاصة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم , لأنها " مصدر هداية , وسبيل رشاد للمعلمين في أداء مهامهم التعليمية , و فيها فيض من المعرفة والهداية , والخلق الإسلامي الذي ينبغي أن يتزود به المعلمون , ويساعدوا تلاميذهم على اكتسابه ".


د. حسين نفاع الجابري

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 08:32 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
التربية على الإعتدال


فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة العقبة، وهو على ناقته: (( القط لي حصى )) . قال ابن عباس : (( فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول : أمثال هؤلاء فارموا ثم قال : يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه ابن ماجه برقم (3029) .

في هذا الموقف التربوي العظيم ظهر جلياً تربية الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتدال في العبادات، والنهي عن الغلو في الدين.

والقصد في العبادات معناه: أن لا يقصّر المسلم في عبادته مع مراعاة تجنب حمل النفس ما لا تطيقه .

وَلْيُعلم أن التربية على الاعتدال سبب قوي على الاستمرار والدوام على الأعمال والطاعات؛ لأن النفس مجبولة على الراحة ومطبوعة على الدعة؛ فإذا أرهقت نفسها بالأعمال الكثيرة والشاقة فإنها سرعان ما تتخلى عنها؛ بخلاف الأعمال المبنية على الاعتدال فإنها ميسرة على النفس، ومقبولة لديها.





الباحث: أبو الحسن الفطاني علي مهاما (تايلند)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 09:16 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم

لقد أمر الله جل وعلا المؤمنين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب مانهى عنه وزجـر وألا يُعبد الله إلا بما شرع , قال الله تعالى (واتبعوه لعلكم تهتدون ). (الأعراف, آيه 158 ) . وقــال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذرو فإن توليتم فاعلمو أنما على رسولنا البلاغ المبين ) . (المائدة , 92 ) وقال سبحانه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) . (الأحزاب , 36 ) .

وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي أحــد شرطــي قبول العمل . قال الفضل بن عياض ـ رحمــه الله ـ في قــوله تعــالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . (الملك , آية رقم 2)قال :أخلصه وأصوبه . قالوا : ياأبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباًولم يكن خالص لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً, والخالص أن يكون لله,والصواب أن يكون على سنة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ على وجوب اتباعه وطاعته . عن جـابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول :( أما بعد , فإن خير حديث كتاب الله , وخير الهدى هـدى محمد وشر الأمور محدثاتها , وكــل بدعة ضلالة ) . (أخرجه الإمام مسلم )

وعن ابي هريرة ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلى من أبى . فقالو يارسـول الله ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) . ( أخرجه البخاري ) .

امتثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر نبيهم فكانو الأسوة الحسنة والقدوة المثلى وضربو أروع الامثلة لشدة إتباعهم لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم فها هو عمـر بن الخطــاب ـ رضي الله عنه ـ يقول عندما أستلم الحجر في بداية الطواف: والله إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك .

وعن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فلما كنت عند الركن الذي يلي البــاب مـن ما يلي الحجر أخذت بيــده ليستلم فقال: أما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت , بلى . قال: فهـل رأيته يستلمه . قلت. لا قال : فابعد عنه فإن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . ( رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح) .

عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا ً بعيداً فـإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضللاً بعيداً .

وقالت : أم المؤمنين عائشة , ـ رضـي الله عنـها ـ يـرحـم الله نساء المهـاجرات الأول , لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . ( النور، آية31 ) . شققن مروطهن فاختمرن بها . ( أخرجه البخاري ) .

وعلى ضوء ما تقدم فما هو واجب المسلم تجاه إتباع النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره ؟

أن يحرص حرصاً شديداً على إتباعه و إمتثال أمره فإنها هي السعادة الحقيقية الـتي تسير بالنفس إلى جنة عرضها السماوات والأرض . وماهو واجب طلاب العلم والدعاة والمربين نحو إتباعه صلي الله عليه وسلم ؟

أن يتقوا الله جل وعلا في أنفسهم ويكونوا القدوة الحسنة والمثال الحي الواقعي لمدى التزامهم بإتباع النبي صلـى الله عليه وسلم ثم نقل سنته وطريقته صلى الله عليه وسلم للنــاس بالحكمة والموعضة الحسنة .

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يحرص على إتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به . إنه سميع مجيب وأخر دعـوانا أن الحمد لله رب العالمين .

إعداد : حامد بن معاوض الحجيلي

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 09:33 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نموذج فريد في حسن الخلق
لقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الخلق الرفيع وهو يعلم صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وإليك هذا الحديث ليكون لك أسوة وقدوة عند ممارستك لمهنة التربية والتعليم .

فمن النماذج الرائعة التي تأثرت بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وحَفَزَهُم حسن معاملته، معاوية ابن الحكم السلمي رضي الله عنه حيث قال: ((بينما أن أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلتُ: واثكل أُميِّاه،! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني))، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم .

إن المسلم بحاجة ماسة إلى التمثل بهذه الأخلاق النبيلة المؤثرة في النفوس في تعامله مع أبنائه وتلاميذه ومن حوله، فالرفق وبشاشة الوجه وحسن الخلق، واحتمال الأذى، ومعاملة كل شخص بما يناسبه وغيرها من ضروب المعاملة الحسنة مما يدعوا إلى قبول ما يأمر به ويدعوا إليه بل محبته والإحسان إليه .

وهنا يحسن التنبيه على ضرورة التحلي بالأخلاق الحسنة والتأكيد على فضلها، وبيان أثرها في النفوس.

وقال صلى الله عليه وسلم في الترغيب بحسن الخلق في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقاً» رواه البخاري .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» رواه مسلم .

فبالخلق الحسن يستطيع المسلم أن يكسب احترام الآخرين ومحبتهم وبالتالي يسهل عليه تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم .



الباحث:عبدالرحمن بن علي الجهني (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:05 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نعمة الأمن
إن الأمن والاستقرار نعمة عظيمة، ومِنَّةٌ كريمة، يستطل بها الجميع من حَرِّ الفتن المظلمة، نعمة يتمتع بها الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والرجال والنساء، وتستقر بها النفوس ويهنأ العيش، بل البهائم تطمئن مع الأمن، وتذعر مع الخوف واضطراب الأوضاع.

و (نعمة الأمن) امتَنَّ الله بها على قريش وما كان الله لِيَمْتَنَّ ـ وهو الجواد الكريم ـ بما ليس منة ولا نعمة، فقد قال سبحانه (لإيلاف قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

و (نعمة الأمن) أشد حاجة من الطعام والشراب، ولذا قدمها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق قال تعالى (وإذ قال إبراهيم ربي اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومَن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) سورة البقرة، آية رقم (126).

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على عظم منزلة (نعمة الأمن) وأن من حصل عليها فكأنما حيزت له الدنيا بكاملها كما جاء عند الترمذي من حديث عبدالله بن محصن ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

ولك ـ أخي الكريم ـ أن تتصور أنك أعطيت الدنيا بحذافيرها فما هي الحال التي تكون عليها؟

ولك ـ أخي الكريم ـ أن تتصور ما الذي يترتب على فقدان الأمن؟

أنها تحل البدعة بدل السنة!

ولا تعمر المساجد ويُصْدَع فيها بالأذان!

ولا يُحَج للبيت العتيق ولا يطاف!

ولا يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم!

ولا يهنئون على طعام ولا شراب! ولا تأمن السبل والطرقات!

ولا تُرَدْ المظالم إلى أهلها فينتصر للمظلوم ويُرْدَع الظالم!

ولا تقام الشعائر ويرتفع التوحيد من فوق المنابر!

ولا يجلس العلماء للإفادة ولا يرحل الطلاب للاستفادة!

ولا يُزار المرضى، ويُحترم الموتى!

ولا توصل الأرحام وتُعْرَف الأحكام!

وفي هذه المنزلة العظيمة للأمن ما يؤكد عناية المنهج الإسلامي بالأمن من خلال توضيح كنهه، ومن خلال توضيح المسالك التي تحققه، والأساليب التربوية التي تغرس احترام الآخرين في أموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم وعقولهم وقبل ذلك في دينهم الذي ارتضاه رب العالمين، فجاءت السنة زاخرة بكل ما يربي النفوس على تحقيق الأمن الاجتماعي. ولم يبقَ إلا أن نغرسه في نفوسنا وفي عقول مَن لنا حق الولاية التربوية عليهم.

أسأل الله عَزَّ وجَلّ أن يدي علينا وعلى المسلمين نعمة الأمن والأمان إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



الباحث: حامد بن معاوض الحجيلي (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:16 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الحث على كفالة اليتيم والإحسان إليه
لقد أمرنا الله جلّ وعلا في محكم كتابه بالإحسان والعطف على اليتامى في كل زمان ومكان بل إنه سبحانه قد أخذ العهد والميثاق على الأمم قبلنا أن يحسنوا إلى اليتامى قال تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا). (سورة البقرة، آية رقم (83).

ولقد جعل سبحانه قهر اليتيم وزجره بأي صورة من صور الإيذاء من صفات مَن يكذب بالدين، قال تعالى(أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم ولا يَحُضُّ على طعام المسكين) سورة الماعون.

وإطعام اليتامى من أعظم صفات أهل الجنة، قال تعالى( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)سورة الإنسان، آية رقم(8).

وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإحسان إلى اليتامى بأفصح عبارة، وابلغ أسلوب، فقال صلى الله عليه وسلم(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بالسبابة والوسطى، قال ابن بطال "حق على مَن سمع هذا أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك في الآخرة".

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)أخرجه البخاري.

أخي الكريم: إن كان لديك شوق أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، وقائد الغُرِّ المُحَجَّلين، فأدخل السرور على قلب يتيم..جفف دمعه..امسح رأسه..أكس بدنه..تبسَّم إليه أطعمه.

وإن أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، فاكفل اليتيم، واعطف عليه، واجبر كسره فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له صلى الله عليه وسلم:(أتحب أن يلين وتدرك حاجتك، ارحم اليتيم ، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك).وفي رواية (أدن اليتيم منك، وألطفه، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك) صحيح الجامع.

وإن تنشئة اليتيم التنشئة الصالحة من خلال المجتمع يغرس فيه حب المجتمع، والتفاني له، ويتعلم أفراده من بعضهم البعض كيف يتم التعامل مع اليتيم وكيف تكون رعايته وتوجيهه واحترامه وتقديره والأخذ بيده نحو الخير والفلاح.





الباحث: حامد بن معاوض الحجيلي (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:21 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الأخلاق في نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فإن معرفة ما كـان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلق جم ، وأدب رفيع ، من أهم ما تنبغي العناية به ، إذ وصفه ربه جل وعلا بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) ، فهو القدوة الأولى للمسلمين ، كما قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، ولذا كانت وصاية سلفنا الصالح للجميع الالتزام بالآداب التي وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال إبراهيم الحربي ( ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به) ، وقد كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآداب الفاضلة تظهر في صور مختلفة منها :

1 ـ. بيانه صلى الله عليه وسلم للأمة أن من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال r ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم عد حسن الخلق من أعظم مواهب الله تعالى للإنسان ، حيث قال r لما سئل عن خير ما أعطي الناس ؟ ( خلقٌ حسن ).

3 ـ دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى تحسين أخلاقهم ، وبيانه للأجر العظيم الذي يترتب على ذلك ، بقوله صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ).

4 ـ كثرة دعائه صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه محاسن الأخلاق ، وأن يصرف عنه سيئها ، هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الفاضلة ، والشيم الرفيعة ، التي لا يدانيه فيها أحد ، ولا يلحقه فيها بشر ، فقد ورد عنـه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ربه فيقول : ( . . . واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت . . . ) ، كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أسألك صحـة في إيمـان ، وإيمانًا في خلق حسن . . . ) .

5 ـ تطبيقه صلى الله عليه وسلم للأخلاق الفاضلة ، والتزامه بها عمليًا مع سائر أفراد المجتمع من حوله ، مما كان له أكبر الأثر في نفوسهم ، فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : (كان رسول الله r أحسن الناس خلقًا ) ، ويقول : ( خدمت رسـول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي : أفاً قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟ ) فإذا كان هذا حاله مع الخادم فكيف بغيره !! ، وهذا جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه يقول : (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم ).

الباحث : حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:28 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
العدل في التربية والتعليم (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

أقام الإسلام المجتمع على دعائم قوية ثابتة، ومنها: العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم.

وقد تعددت مفاهيم العدل بتعدد صوره وأنواعه، ولكن ما يهم الباحث هو مفهوم العدل الاجتماعي الذي عرفه بعضهم بأنّه: "أن يصرف الإنسان أمور نفسه وأمور النّاس على قانون لا عوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة، وأن يسيّر أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل".

ويقوم العدل الاجتماعي على أساس تعاون أفراد المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص أمام الجميع، بغض النظر عما بينهم من فروق في الجنس، أو العرق، أو المستوى الاقتصادي، أو المستوى الاجتماعي...بحيث يتاح لكل عضو الفرص المناسبة تبعا لاستعداداته وقدراته، ثم عطائه بعد ذلك.

ومن أهم مجالات العدل الاجتماعي العدل في التربية والتعليم، والتربية الإسلامية تتميز باهتمامها المتفرد بالعلم والمتعلمين، ومن خلال اهتمامها بالعلم والتعليم أكدت على أهمية الوسائل المعينة على إيجاد بيئة تربوية مناسبة لتحصيل العلم، والمبادئ التي تنظم العمليات التربوية، ومن أهم تلك المبادئ مبدأ العدل، فالتربية الإسلامية تستمدّ جذورها من تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو إلى نبذ النظم الطبقية التي تفرق بين البشر دون مسوغ شرعي، والتربية الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام لم تعرف نظام الطبقات في التعليم، "ولقد ساوى الإسلام بين أبناء الأغنياء والفقراء في التعليم، ومنحهم جميعا الفرص في أن يتعلموا من غير تفرقة بينهم".

ولقد دعا الإسلام إلى تحقيق هذا المبدأ في التربية والتعليم؛ لما يترتب على تطبيقه من آثار تربوية إيجابية كثيرة، تعود بالنفع للفرد والمجتمع بأكمله، وتتنوع ملامح وصور هذا المبدأ في التربية الإسلامية، ومن أبرز هذه الملامح والصور ما يلي:

أولا - العدل بين المتعلمين في المعاملة:

ويقصد بالعدل في المعاملة: أن تعامل المؤسسة التربوية جميع المتعلمين معاملة قائمة على الحق والعدل لا على المكانة الاجتماعية أو الحالة المادية، بمعنى أن يعامل الأغنياء والفقراء وذوو النفوذ والمكانة معاملة أفراد المجتمع من حيث إتاحة الفرص للتعلم، وتوزيع النظر والاهتمام بهم، والشفقة عليهم والجلوس في مكان بارز ليروا المعلم جميعا، وأن يكون التفاضل بينهم قائما على أساس مستوى المتعلم وما يحققه من تقدم في تحصيله دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

فالتربية الإسلامية تنظر إلى البشر كلهم على اختلاف شعوبهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وعلى اختلاف منازلهم الاجتماعية، والأعمال التي يقومون بها، والمال الذي يملكونه، على أنّهم كلهم عباد لله، أصلهم واحد، وخالقهم واحد، فلا تفاوت بينهم في الكرامة الإنسانية، وفيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

وبناء على هذه النظرة سوَّت التربية الإسلامية في الحقوق بين الناس جميعا، بين الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، وأصحاب المراتب وعامة الناس، فكلهم أمام الحق والحقوق والكرامة الإنسانية سواء، أما التفاضل بينهم عند الله فهو بالتقوى والعمل الصالح: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأما تفاضلهم في الحياة الاجتماعية فيكون بقدر تفاوتهم في العمل والجهد والخبرة والمواهب والعلم والإنتاج النافع، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس، ويكون سببا في التفاضل وتقدير الجهد المبذول لمنفعة الناس.

عن رفاعة بن رافع t؛ أن النبي r قال لعمر رضي الله عنه: ((اجمع لي قومك))، فجمعهم، فلما حضروا باب النبي r دخل عليه عمر فقال: قد جمعتُ لك قومي، فسمع ذلك الأنصار، فقالوا: قد نزل في قريش الوحي، فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي r، فقام بين أظهرهم. فقال: ((هل فيكم من غيركم؟)) قالوا: نعم؛ فينا حليفنا وابن اختنا وموالينا. قال النبي r: (((حليفنا منا، وابن اختنا منا، وموالينا منا، وأنتم تسمعون: إن أوليائي منكم المتقون؛ فإن كنتم أولئك فذاك، وإلا فانظروا، لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم))...الحديث.

وعن ابن عباس قال: ((لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} حتى بلغ: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك! فليس أحدٌ أكرمَ من أحد إلا بتقوى الله)).

وعن يزيد بن الأصم t قال: قال ابن عباس: ((ما تعدُّون الكَرَم؟ وقد بَيَّن الله الكَرَم، فأكرمُكم عند الله أتقاكم، ما تعدون الحَسَب؟ أفضلكم حَسَباً أحسنكم خُلُقا)).

وبناء على هذه النصوص وغيرها التي تدعو إلى المساواة الإنسانية وعدم التفاضل بين البشر إلا بالتقوى، نادى عدد من المربين المسلمين بإنصاف المتعلمين والعدل بينهم في المعاملة كحق من حقوقهم في التعلم، فهذا الآجري يقول: "ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن، فلا ينبغي أن يقرب الغني ويبعد الفقير، ولا ينبغي له أن يرفق بالغني، ويخرق بالفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله فحكمه أن يعدل بينهما".

كما نادى ابن جماعة بهذا المبدأ مطالبا المعلم "ألا يظهر للطلبة تفضيلَ بعضهم على بعض عنده في مودّة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة، فإنّ ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر منه القلب". وهذا إشارة منه إلى الآثار التربوية والنفسية السلبية المترتبة على عدم المساواة بين المتعلمين، وتفضيل بعضهم على بعض دون مبرر مقبول.

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:36 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
العدل في التربية والتعليم (2)
ثانيا - العدل في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص:

ومن مجالات العدل في التربية والتعليم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وهو"يعني: حق كل فرد في النمو في مجالاته المتعددة الأوجه، وحسب ما تسمح به قدراته وإمكاناته واستعداداته، مع توفير مستقبل آمن له". ويعني في مجال التربية والتعليم: "توفر جميع الأطفال المتعلمين والتلاميذ على نفس الإمكانيات والمؤهلات المادية والاجتماعية والثقافية وغيرها بدون تفاوت بينهم، ولا تمييز لا في اللون، ولا في الجنس، ولا في الدين".

وأشار بعض الباحثين إلى أن مصطلح تكافؤ الفرص يعني: أن "يتاح لكل فرد فرصة التعليم على أساس متكافئ، دون قيد أو تمييز بسبب الوضع الاجتماعي أو الغنى والفقر أو الدين أو العرق والسلالة، وهذا يعني أن يكون التعليم متاحا للجميع".

وفي منهج التربية الإسلامية نجد أن تكافؤ الفرص ركيزة من ركائز الفكر التربوي الإسلامي، وهو نتيجة حتمية لمبدأ العدل والمساواة في الإسلام وثمرة من ثمراته، فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض ولا أسود، بل كل بمقدار عمله، وما يميز المسلم عن غيره هو ما يتحلى به من تقوى الله جل وجلاله، وما يبذله من جهد، وما ينتجه من أعمال.

فتهيئة الفرص التعليمية في الإسلام تتناول كل الطبقات والأفراد حتى ذوي العاهات، فالكل له الحق في التعلم على الدولة وعلى المجتمع.

ومن حق كل طفل في المجتمع المسلم الراشد العادل أن يجد العلم والصحة ويجد بعد ذلك الفرصة للعمل، بحسب طاقته وموهبته وإمكاناته، ولا ضير بعد ذلك إن حصل التفاوت؛ لأنه تفاوت طبيعي لا بد منه؛ لأن الله تعالى لم يخلق الناس نسخا مكررة. وهذا يعني أن تكافؤ الفرص في منهج التربية الإسلامية لا يعني التساوي في كل الأمور؛ فالإسلام يقر التفاوت والاختلاف في المواهب والاستعدادات، فلا بد من التنوع والاختلاف الذي يسمح بالتكامل والتعاون.

عن أبى هريرة قال : سئل رسول الله r أيّ النّاس أكرم؟ قال: ((أكرمُهم عند الله أتقاهم)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فأكرم الناس يوسف نبيّ الله بن نبيّ الله ابنُ خليلِ الله)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فعَنْ معادن العَرَب تسألوني؟)). قالوا: نعم. قال: ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهوا)).

وكان مبدأ تكافؤ الفرص أمراً مقرّراً في المجتمع الإسلامي، وقد اتسعت دائرته "في حياة الأمة الإسلامية، فشملت كل مواطن يعيش في الدولة الإسلامية، ومن هنا تضافر على إنشاء الحضارة الإسلامية كنوز الفكر الإنساني من جميع الأجناس والألوان واللغات وانصبت في حياضها ثمرات قرائحه على مدى العصور والأزمان، فكانت حضارة إنسانية عامة، لا تختصّ بجنس دون جنس، ولا بلغة دون لغة، ولولا هذه النظرة الإنسانية الشاملة للمواهب البشرية لما وصلت الحضارة الإسلامية إلى الشأو الرفيع الذي وصلت إليه".

العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل في التربية والتعليم:

من العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل ما يلي:

1. الإيمان بالله تعالى وتقواه، ومراقبته في السر والعلن في كل قول أو عمل، وهذا ما يدفع المرء إلى مقابلة السيئة بالحسنة، والعدل مع القريب والبعيد، والصديق والعدو في حالتي الرضا والغضب.

2. تحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة من أمور الحياة.

3. ترغيب النفس بما أعدّ الله لعباده العادلين من خير عظيم في الدنيا والآخرة.

4. التأمّل في عواقب الظلم وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع، واستشعار أحوال الظلمة يوم القيامة، وندمهم على ظلمهم الخلائق.

5. مجاهدة النفس لتطهيرها وتزكيتها من الرذائل والتخلص من الحسد الذي يعدّ من أعظم أسباب الظلم والعدوان.

6. التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تعين على معاملة الناس بالعدل.

7. الابتعاد عن العصبية والهوى وعدم التحيز.

ويجب أن يعلم أنّ في توطيد العدل ومحاربة الظلم والحيلولة دون وقوعه إقراراً للأمن وتحقيقاً للمساواة بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يُمَكِّن كُلَّ فردٍ من الوصول إلى حقه دون مشقة وعناء، وإذا فقد العدل أكل الناس بعضهم حق بعض، وسادت الفتن، وكثرت الجرائم والمنكرات، وأصبح كل فرد من أفراد المجتمع عرضة لاعتداء الأشرار، وضعاف النفوس، فتفقد الحياة بهجتها وجمالها.







الباحث: علي غي (السنغال)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:38 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
كيف أتعامل مع جاري
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد

فقد لقيت الروابط الاجتماعية في الإسلام عنايةً كبرى ، وحظيت ببيان واف من النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن المجتمع إذا تلاحم وتكاتف ، كان مجتمعاً راقياً ، يعيش بفكر الجماعة ، ويبتعد عن الأثرة والأنانية ، ومن أعظم تلك الروابط التي عني بها الإسلام رابطة الجوار ، فالجار هو من سكن بجوارك مسلماً كان أوكافراً ، وقد يكون الجار في المسكن أو في العمل أو في السوق أوعلى مقاعد الدراسة أوغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) متفق عليه ، ويقول ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) وفي رواية ( فلا يؤذ جاره ) متفق عليه . ومن حقوق الجار على جاره ما يلي :

1ـ الإحسان إليه : ويشمل أموراً كثيرة كالإهداء إليه ، وذكره بالجميل ، وزيارته وإجابة دعوته ، وغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( خير الجيران عند الله خيرهم لجاره ) رواه أحمد والترمذي ، وقد كانت الهدية تأتي إلى أحد الصحابة فيبعث بها إلى جاره ، ويبعث بها هذا الجار إلى جار آخر ، وهكذا حتى تدور على نحو من عشرة بيوت ، ثم ترجع إلى صاحبها الأول .

2ـ تفقده وقضاء حوائجه : وذلك بالسؤال عنه ، وافتقاده إذا غاب عن المسجد أو عن مناسبة ، وتقديم يد العون والمساعدة له ، سواء كان ذلك بالشفاعة له ، أو التعاون معه على قضاء دينه ، والتخفيف من معاناته ، وغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما آمن بي من بات شبعاناً و جاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) رواه الطبراني .

3ـ ستره وصيانة عرضه : فإن الجار بحكم مجاورته لجاره وقربه منه قد يطلع على بعض أموره الخاصة التي لا يعلم بها أحد ، فالمنبغي على الجار أن يستر جاره ، وأن يجتهد في ذلك ، إذ اعتبر الإسلام خيانة الجار أعظم من خيانة غيره ، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ فقال :( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قيل : ثم أي ؟ قال : وأن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قيل : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ) متفق عليه .

4ـ كف الأذى عنه : فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذى الجار غاية التحذير فقال :( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) رواه مسلم . والبوائق هي الشر والمصائب .

5ـ تحمل أذى الجار : قد يحصل من بعض الجيران هداهم الله أذيةً لجيرانهم ، سواء كان عن طريقهم مباشرةً أو عن طريق أبنائهم ، أو غير ذلك ، فهنا ينبغي للجار تحمل جاره والصبر على أذاه ، ومناصحته بالتي هي أحسن ، وعدم مقابلة أذاه بالمثل ، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له ( اذهب فاصبر ... ) رواه أبو داود .





الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:42 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
آداب المشاورة في السنة النبوية
من الأمور المهمة التي لا غنى للناس عنها في حياتهم الاجتماعية التشاور بينهم فيما يمس حياتهم الخاصة والعامة، فالإنسان - مهما كان مركزه الاجتماعي - بحاجة إلى المشاورة، فالحاكم الذي يدير شؤون الدولة بحاجة إليها، وكذلك مدير المدرسة، وربّ الأسرة ونحوهم من الأفراد والجماعات.

والشورى مما جبل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة، أي فطره على محبة الصلاح وتطلب النجاح في المساعي؛ ولذلك قرن الله تعالى خلق أصل البشر بالتشاور في شأنه إذ قال للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة}، إذ إن الله غني عن معونة المخلوقات في الرأي، ولكنه عرض على الملائكة مراده؛ ليكون التشاور سنة في البشر وضرورة، وأنه مقترن بتكوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التكوين يوجب إلفه وتعارفه.

ولما كانت الشورى معنى من المعاني لا ذات لها جعل الله إلفها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التكوين.

ولم تزل الشورى في أطوار التاريخ رائجة بين البشر فقد استشار فرعون في شأن موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه بقوله: {فماذا تأمرون}. واستشارت بلقيس في شأن سليمان عليه السلام فيما حكى الله عنها بقوله: {قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون}، وإنما يلهي الناسَ عنها حبُّ الاستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، ولذلك يهرع المستبد إلى الشورى عند المضائق.

وللمشاورة فوائد عدّة منها: أن المشاوِر إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه. ومنها أنه قد يعزم على أمر فيتبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي بن أبي طالب y (الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه). والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة؛ ولا حصنت النعم بمثل المواساة’ ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.

ومن الأدلة الدالة على أهمية المشاورة ما رواه المصنف عن عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: (وشاورهم في بعض الأمر) فقوله تعالى لنبيه r (وشاورهم في الأمر) تُغني عن كلّ شيء، فإنه إذا أمرَ اللّه سبحانه وتعالى في كتابه نصّاً جليّاً نبيّه r بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق فما الظن بغيره؟ وعن الحسن y قال: (والله! ما استشار قومٌ قطّ إلاّ هُدُوا لأفضل ما بحضرَتهم، ثم تلا: (وأمرهم شورى بينهم).

ويتأكّدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما والآثار الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أصحابَه ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة.

قال ابن خوير منداد:(واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها).

ومن آداب المشاورة في السنة النبوية ما يلي:

1 ــ التحري والدقة في اختيار المستشار:

على طالب المشورة أن يبذل ما بوسعه لاختيار المستشار المناسب الذي يثق بدينه وخبرته وحذقه في المجال الذي يريد أن يشاوره فيه، قال النووي:(واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمر أن يُشاور فيه مَن يَثقُ بدينه، وخبرته، وحذقه، ونصيحته، ووَرَعه، وشفقته).

ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفة المذكورة، ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك.

ويجب التحري والدقة في اختيار المستشار؛ لأنّه مؤتمن (أي أمين على ما استشير فيه)، فمن أفضى إلى أخيه بسره، وأمَّنَه على نفسه، فقد جعله بمحلها، فيجب عليه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صوابا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة، والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس أولى بأن لا يجعل إلا عند موثوق به.

عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r لأبي الهيثم: (هل لك خادِمٌ؟). قال: لا. قال: (فإذا أتانا سَبْيٌ، فَأْتِنا). فأُتِيَ النَّبيُّ برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم. قال النَّبِيُّ r (اخْتَر مِنْهما). قال: يا رسول الله! اخْتَرْ لي. فقال النَّبيُّ r (إنَّ المستشارَ مُؤتَمَن، خُذ هذا؛ فإنِّي رأيتُه يُصلِّي، واستَوْص به خيراً). فقالتِ امرأتُه: ما أنتَ ببالغ ما قال فيه النَّبيُّ r إلا أن تُعْتِقَه. قال: فهُو عتيق. فقال النَّبيُّ r (إنّ لله لم يبعث نَبِيّاً ولا خليفة، إلا وله بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتَنْهاه عن المُنْكر، وبطانةٌ لا تَألُوه خَبَالاً، ومَنْ يوقَ بطانة السُّوء فقَدْ وُقِيَ).

وقولهr (إنّ المستشار مؤتمن) معناه: أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته وذكر بعض العلماء أنه يحتاج الناصح والمشير إلى علوم كثيرة؛ فإنه يحتاج أولا إلى علم الشريعة، وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس، وعلم الزمان، وعلم المكان، وعلم الترجيح، إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وهكذا فينظر في الترجيح فيفعل بحسب الأرجح عنده، مثاله: أن يضيق الزمن عن فعل أمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما، وإذا عرف من حال إنسان بالمخالفة، وأنه إذا أرشده لشيء فعل ضده، يشير عليه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، وهذا يسمى علم السياسة، فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا يحتاج المشير والناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأن، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته فلا يشير ولا ينصح، قالوا : وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة.

2 ــ قبول المشورة:

ومن آداب المشاورة؛ إذا بذل المستشير الوسع في اختيار المستشار المناسب عليه أن يتقبل منه المشورة؛ لأن فائدة المشاورة القَبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك وإذا لم يؤدّ المستشار الأمانة الملقاة على عاتقه من إعمال الفكر وإسداء النصح للمستشير، فقد خانه، وارتكب إثما، فعن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r (مَنْ تقوّل عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعَدَه مِنَ النَّار. ومَن استشارَه أخوه المسلمُ، فأشارَ عليه بغير رُشد فقد خانه. ومَن أُفتي فُتيا بغير ثَبْت، فإثمه على مَنْ أفتاه).

3 ــ تقديم المشورة من غير طلب:

إذا رأى المسلم أن أخاه بحاجة إلى منَ يشيره برأي سديد في أمر فيه مصلحته، فعليه أن يبادر بتقديم المشورة وإن لم تبدر من أخيه الاستشارة؛ لما رواه المصنِّف، عن وهب بن كَيسان أن عبد الله بن عمر رأى راعياً وغَنَماً في مكانٍ قبيح، ورأى مكاناً أمثل منه فقال له: ويحك! يا راعي! حَوِّلْها، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله r يقول: (كُلُّ رَاعٍ مسؤولٌ عن رعيَّتِه).

هذه طائفة من آداب المشاورة في السنة النبوية، فعلى الآباء والتربويين، تنمية روح التشاور والمناصحة في نفوس الأولاد والمتربِّين، وأن يربّوهم على كره نزعة الاستبداد والقهر والاستئثار بالرأي.









الباحث: علي غي (السنغال)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 10:52 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
مسئولية المعلم في التربية الاجتماعية


التربية الاجتماعية للمعلم يراد بها باختصار : قدرة المعلم على أن يألف ويؤلف ، بمعنى قدرته على تقبل الناس والانسجام معهم ، وقدرته على كسب احترام الناس له ، وتقبلهم لما يطرحه ، بناءً على ما يقدمه لهم من نفع وخدمة .

ومن خلال هذا الانسجام والتواصل المتبادل ، يستطيع المعلم التأثير على طلابه ، في إكسابهم كثيراً من العادات والسلوكيات ، لاسيما الآداب الاجتماعية ، التي تحدد علاقاتهم بالآخرين من أبناء مجتمعهم ، بل وأمتهم الإسلامية جمعاء ، فيؤثر ذلك في تماسك المجتمع ، وخلوه من القطيعة والفرقة والنزاعات ، كما أشار إلى ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس) رواه الطبراني وصححه السيوطي ، ويمكن بيان مسئولية المعلم في تنمية التربية الاجتماعية في نفوس طلابه من خلال ما يلي :

1ـ التوجيه التربوي المبني على القدوة الحسنة ، فتجد المعلم المسلم يسعى جاداً إلى غرس الاتجاهات والقيم الإسلامية النبيلة في نفوس طلابه ، وإكسابهم العادات الاجتماعية السامية ، التي تحدد علاقة كل واحد منهم بربه ، وبوالديه وببقية أفراد أسرته ، وبرفاقه وجيرانه ، وبمدرسته ، وسائر أفراد مجتمعه وأمته ، ويستشعر المعلم في جميع تصرفاته أن طلابه ينظرون إليه نظرة احترام وتقدير واقتداء ، فيلتزم تقوى الله ـ عز وجل ـ توجهاً وسلوكاً ، ويحرص في جميع تعاملاته أن يظهر أمام طلابه على أكمل الأحوال في أقواله وأفعاله وتصرفاته ، فلا يأمر بشيء ويأتي بسلوك يخالفه ، حتى لا يتعرض لمقت الله القائل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كَـبُـرَ مقتاً عند الله أن تقولون ما لا تفعلون) وهذا ما بينه الأنبياء عليهم السلام ، الذين هم قدوة المعلمين ، يقول الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه السلام (قال يا قومِ أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

2ـ إدراك المعلم التام للأسس الاجتماعية التي ترتكز عليها العملية التربوية، وهذا يعني معرفته الواسعة بثقافة مجتمعه ، والآداب المتبعة فيه، والعمل على نشر الفاضل منها، وتعزيزه في نفوس أبنائه الطلاب، ومحاولة إصلاح ما كان منها مخالفاً للقيم الإسلامية، والآداب الرفيعة .

3ـ أن يعمل المعلم على تقوية الصلات الاجتماعية بين المدرسة والمنـزل، وسائر مؤسسات المجتمع الأخرى ، فالمجتمع بكامله إنما هو وحدة كلية متضامنة ، لا يمكن فصل بعضها عن بعض ، فلو حدث خلل في إحدى المؤسسات فإن آثاره تمتد إلى المؤسسات الأخرى ، وبالتالي يتضرر بها سائر أفراد المجتمع، وذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم ، فالتواد والتعاطف والتواصل بين مؤسسات المجتمع الواحد ، يسهم بفاعلية كبيرة في تحقيق التربية الاجتماعية السليمة لأبناء المجتمع ، وبالمقابل فإن التنافر والتعارض في المواقف التربوية والاجتماعية بين هذه المؤسسات قد يعرض الطلاب لصور شتى من سوء التكيف الاجتماعي ، مما يعوق قدرتهم على النمو الاجتماعي السليم .

4ـ مساعدة المتعلم على تقوية علاقاته الاجتماعية بالآخرين ، من خلال تشجيعه على الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المختلفة ـ داخل المدرسة وخارجها ـ كالاشتراك في جماعة الكشافة ، والرحلات والمعسكرات التدريبية ، لأنها تسهم في توسيع خبراته الاجتماعية ، وتساعده في اختيار أصدقاء يشاطرونه ميوله واهتماماته ، وقد شبه المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم الأثر الاجتماعي والأخلاقي للصديق بقوله (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) رواه مسلم، ومن هذا المنطلق يلزم المعلم أن يساعد طلابه على اختيار أصدقائهم ، وذلك ببيان أوصاف الصديق الصالح ، وأثر ذلك على المرء في الدنيا والآخرة .

5ـ التعاون المشترك بينه وبين طلابه ، والمبني على قيم البر والتقوى ، والمحبة والإخاء ، امتثالاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم العلاقات الاجتماعية الناجحة القائمة على التعاون المشترك بالبنيان الواحد ، حيث قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه مسلم .

هذا ومن أبرز المظاهر الإيجابية الدالة على علاقة المحبة بين المعلم وطلابه المحافظة على آداب التحية، والسلام عليهم أثناء دخول قاعـة الدرس، ولقد ربطت التربية الإسلامية بين هذا السلوك الاجتماعي المهم وبين دخول الجنة، وهو ما يستنبط من حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، ومن مظاهره كذلك مقابلة الطلاب بالبشر والابتسامة، حيث تعمل الابتسامة على التقريب بين المسافات، وتزيل الحواجز النفسية التي قد تقع بين الأفراد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم .

6ـ المشاركة الفاعلة في اللقاءات الدورية لمجالس الآباء ، حيث يتم فيها الترابط الوثيق بين المعلمين والآباء ، مما يجعل كلاً منهم يشد أزر الآخر ، في الرقي بمستوى المتعلمين إلى المستوى المأمول ، هذا وقد ثبت تربوياً فوائد هذه اللقاءات ، وأثرها الملموس على المتعلمين ، فهي تساعد على تبادل الأفكار حول تقدم المتعلم في سيره الدراسي ، وتعين على اكتشاف قدراتهم ومواهبهم بشكل أكبر .

7ـ العمل على تنقية الثقافة من الشوائب التي قد تعيق النمو الاجتماعي السليم لأفراد المجتمع ، فمهمة المعلم لا تقتصر على مجرد نقل الثقافة ، بل هي قائمة على مهمة أخرى وهي تنقية هذه الثقافة من كل الشوائب والترسبات الجاهلية الضارة ، كالسحر والبدع والخرافات والأفكار الإلحادية الهدامة ، وكل ما يتعارض مع التصور الإسلامي الصحيح ، أو يؤدي إلى تشويه الحقائق ، وهذا بطبيعة الحال لا يعني الانغلاق على الذات ، والاستنكاف عن الاستفادة من الآخرين ، لاسيما ما هو نافع ومفيد ، بل المطلوب هو المحافظة على هوية المسلم من الذوبان ، ولا مانع من إضافة ما هو مفيد ، بعد تمحيصه وتنقيحه .

8ـ تدريب المتعلم على الإيثار ، والبعد عن الأنانية ، التي تركز على تحقيق القيمة الذاتية للفرد ، وتجعله يتمحور حول ذاته ، دون النظر إلى بقية أفراد المجتمع ، ولذا حرصت التربية الإسلامية على تحقيق التوازن بين حقوق الفرد وواجباته ، بحيث لا يطغى جانب على جانب ، مع مراعاة استخدام الأساليب التربوية المناسبة في ذلك ، والبعد عن الأساليب الخاطئة ، كالمبالغة في النقد ، وتصيد الأخطاء ، أو تهديده الشديد لمجرد خطأ بسيط ، أو الإسراف في تحذيره من مواقف الحياة الجديدة ، أو التلفظ عليه بألفاظ لا تليق ، كإشعاره بأنه غير مرغوب فيه ، أو نداؤه بأسماء الحيوانات ، أو غير ذلك ، مما يولد في نفس الطالب إحباطاً كبيراً ربما استمر أثره معه فترةً طويلة، وقد ثبت أن لهذه الممارسات الخاطئة نتائج سلبية على الطالب ، تجعله هياباً يخاف من كل شيء، وقد تنتابه حالات نفسية اجتماعية غير سوية ، مثل الخجل والتردد والارتباك والانطوائية والحرص الشديد والذعر من شبح الفشل .

9ـ تنمية روح الولاء للأمة الإسلامية في نفوس الطلاب ، والبراءة من أمم الشرك والإلحاد ، وذلك من خلال تبصير المتعلم بالمحنة الحقيقية التي تمر بها الأمة الإسلامية اليوم ، وهي تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب ، بغية نهب خيراتها واستغلال ثرواتها ، وإضعافها من كل وجه ، واستثارة مشاعرهم حيال ذلك للدفاع عن أمتهم وحمايتها من كل من يريدها بسوء ، والعمل على إزالة أسباب الضعف التي لحقت بالأمة الإسلامية ، وحثهم على الالتحاق بالجمعيات الخيرية ، والهيئات الإغاثية ، لمساعدة المحتاجين والمتضررين ، لتكون الأمة الإسلامية كما وصفها الله عز وجل بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون).

وأخيراً ينبغي على المعلم تبصير المتعلم بحقيقة العالم الإنساني المعاصر ، وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تربط بين شعوبه ، وتزويده بالحصانة الإيمانية المناسبة ، والتي تعمل على وقايته ـ بإذن الله ـ من الوقوع في التبعية الفكرية المقيتة ، أو الانجراف وراء الاتجاهات العالمية الهدامة ، بالإضافة إلى تزويده بالوسائل المناسبة التي تساعده على نشر رسالة الإسلام والسلام في ربوع العالم بأسره .

فإذا راعى المعلم هذه الأمور ، وعمل بموجبها ، يكون قد حقق جزءاً كبيراً من الأمانة الملقاة على عاتقه ، وكان له أكبر الأثر في النهوض بمستوى الطلاب ، والرقي بهم إلى مصاف الكمال ، فينشئون ـ بإذن الله ـ أسوياء قادرين على تحمل المسئولية ، والقيام بدورهم في الحياة، على أكمل الوجوه .

والله تعالى المسئول أن يصلح شبابنا وفتياتنا ، وأن يهديهم سبل السلام ، وأن يجنبهم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وأن يقيهم شر أنفسهم ، وشر الشيطان ، وشر كل من فيه شر ، والله أعلم وأحكم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .



الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 11:37 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الأخلاق في التربية النبوية
إن التربية النبوية عنيت بالأخلاق الإنسانية على نحو يختلف عن عناية الفلاسفة الغربيين في العصور القديمة والحديثة ، وعن الفلاسفة والحكماء الشرقيين على السواء ، فقد تحدث كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو عن الأخلاق ، كل من منظوره الفلسفي والاجتماعي والسياسي ، ولكنهم لم يقدموا معايير أو مَحَكّات عملية للعمل الأخلاقي . وخلّفوا (علم الأخلاق) ، ولكن لم يقدموا معايير العمل الأخلاقي أو منظومة عملية للقيم ، تطبق في المجتمع والواقع العملي ، ولم تساعد الفلسفة الأخلاقية في حل مشكلات الإنسانية في مسارها التاريخي نحو المستقبل . وبقيت الإنسانية تعاني أزمة أخلاق ، في حين أن الإسلام قّدم إطاراً فكرياً وعملياً للأخلاق هدى ورحمة ، لكي تسعد الإنسانية وتحقق الغاية من وجودها - طاعة الله ، وإعمار الأرض - وبهذا ارتقت التربية الإسلامية إلى تربية عالمية ترتبط بحقـيقة الإنسان أينما كان وفي أي عصر ، فالإسلام دين خير وسلام . فالإنسان المسلم لديه رادع يردعه عن الإساءة للآخرين ، أو ارتكاب ما حرم الله ، والوقوع فيما نهى عنه ؛ لأنه يؤمن باليوم الآخر والثواب والعقاب الذي سيناله في الآخرة جزاءً لأفعاله. من هذه التربية يأتي الإعداد الصحيح للإنسان الصالح الذي يتبع هدى الله ، فهدى الله لا يترك الناس حيارى يتخبطون في التيه ، كل منهم يرسم الصورة على هواه ، وإنما يحدد لهم مواصفات هذا الإنسان في دقة ووضوح ، ويرسم لهم المنهج الذي يصلون به إلى تحقيق تلك الغاية.

وقال ابن الرومي :

كن مثل نفسك في السمو إلى العُلى لا مثل طينة جسمك الغدار

فالنفس تسمو نحـو عُـلو مَلِيكها والجسم نحو السِفل هاوٍ هار

وقال الشاعر :

والنفس راغبة إذا رغبتهـا وإذا تـردُ إلى قليـلٍ تقـنعُ

بهذه الأخلاق يسمو المؤمن ويرتقي بتربيته النبوية التي سبقه أجداده عليها ، فطريقه واضح ومنهجه مشرق ، يختلف عن منهج أولئك الضالِّين الذين يريدون أن يتبعوا آباءهم على الضلالة ، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير)، (لقمان آيه 21) ، فأولى بالمسلم أن يتبع منهج سيد البشرية ، في تعامله وسائر أمور حياته حتى يُطهر نفسه ، ويزكيها من أدران الواقع الذي أصبح يغشى المؤمن ليخرجه إلى حياة اللهو والضلال . وبالتالي يخرج عن نطاق التربية النبوية ، التي تربي المؤمن تربية شاملة متوازنة ومتميزة كونها ربانية " تقرر وجود حقيقة مادية وأخرى روحية في كيان الوجود ، وفي كيان الإنسان ، ومن ثم تنظم حياة الإنسان على أساس واقعه المادي وواقعه الروحي ؛ لأنها لا تريد أن يعيش في السماء وهو في الأرض ، ولا أن يعيش منغمساً في الحياة الأرضية المادية وحدها ، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية- لأن في كيانه وجوداً روحياً- لهذا فهي تريد أن تجمع له حياة العالمين معا : عالم المادة ، وعالم الروح "، قال تعالى : (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) ، (السجدة آية 7-9) ، الآية الكريمة فيها استدلال على أن الله U أحسن خلق الإنسان في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلقه بالذكر لما فيه من أطوار عجيبة تتكرر كل يوم أمامه ، بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ، فأصله من تراب ، ثم كُوَّن فيه نظام النسل من ماء ، وفي خلقه دقائق ظاهرة و باطنة وأعظمها العقل ، فهو معجزة عظيمة في الإنسان . وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة للتنويه بذلك السر العجيب الذي لا يعلم أدق تكوينه إلا هو U ، فالإضافة تفيد أنه من أشد المخلوقات اختصاصاً بالله تعالى ، والنفخ يبين الروحانية في الكثيفة الجسدية مع الإبداع في خلقه ، وجعل I الخطاب موجهاً للناس بأن خصهم بسمع وبصر ، وكلمة أفئدة أجمع من كلمة عاقلين ؛ لأن الفؤاد يشمل الحواس الباطنة كلها والعقل بعض منها ، وآثر بالامتنان الإنسان لأنه قليل ما يشكر نعم الحواس وقوى العقل ، التي هي أقوى من الامتنان بالخلق وتسويته ؛ لأن الانتفاع بالحواس والإدراك متكرر متجدد ، فهو محسوس بخلاف التكوين والتقويم فهو محتاج إلى النظر في الكون الذي سخره الله له ، وجعله يتناسب معه ، فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ، ورِقّة الهواء ليسهل استنشاقه للتنفس . والحيوانات لينتفع بها . وكل ما حوله مسخر له . وسوف يتم تناول الأحاديث النبوية التي توضح حدود وكيفية العلاقة بين الإنسان والحيوان ، كما تبين صلة الإنسان بما حوله - من أرض وجبال ورياح ومطر - والمنافع التي يحصل عليها وتعينه على مطالب الحياة الضرورية .







د. فاطة باجابر (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 11:54 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
مشكلة الأمية
لم يأت في شريعة من الشرائع، ولا في ملة من الملل العناية بالعلم، والإشادة بأهله وذويه، كما جاء في الإسلام ، والنصوص في هذا لا تحصى كثرةً، وكل ذلك يعد تحذيراً في نفس الوقت من الأمية التي بمعنى الجهل، والذي يعد أكبر مشكلة تواجه التنمية، ولذا ينظر العالم بصفة عامة إلى هذه المشكلة من جميع جوانبها، ويبذل الأموال الطائلة في سبيل علاجها، بل كونت بعض البلدان وزارةً كاملةً لدراسة هذه المشكلة والخروج بحلول مناسبة لها، ومما يبين عناية التربية الإسلامية بأمر العلم والتعليم ما يلي :

1 ـ قوله تعالى (( اقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم )) وهذه أول الآيات نزولاً على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها الأمر بالقراءة، والإشادة بالقلم ، وهما من أعظم وسائل التعلم .

2 ـ قوله تعالى (( وقل رب زدني علما )) فلم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلبه الزيادة من شيء إلا من العلم .

3 ـ قوله تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) قال الألوسي ( فيها دلالة على فضل العلم ، ورفعة قدره ، وكون الجهل بالعكس، واستدل به بعضهم على أن الجاهل لا يكافئ بنت العالم ) .

4 ـ وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ... ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقد أفرد ابن رجب لشرح هذا الحديث العظيم كتاباً سماه ورثة الأنبياء .

5 ـ الأمر لأهل العلم بأن يقوموا بنشر العلم بين أفراد المجتمع ، والوعيد الشديد لمن كتمه ، حيث يقول تعالى (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )) وبهذه الآية استدل أهل العلم على وجوب تبليغ الحق ، وتبيان العلم على الجملة ، ولذا قال علي رضي الله عنه ( ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ).

6 ـ الأمر بسؤال أهل العلم ، كما قال تعالى (( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ففيه الأمر بالتعلم وسؤال أهل العلم ، ونهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم ، وفي هذا حماية لمصدر التعلم ، وبيان لأهميته الكبرى ، حيث يعد المعلم العالم أهم ركائز العملية التعليمية ، ومن تحت يده يتخرج القضاة والمصلحون والأطباء والمهندسون ، وسائر المبدعين في جميع التخصصات العلمية والمهنية التي يحتاجها المجتمع ، ويتطلب إيجاد الأكفاء من أبناء البلد للعمل على توفيرها ، ومن المؤسف له أن العالم الإسلامي يعاني من ارتفاع نسبة الأمية ، حيث تبلغ نسبتها في النساء 80% ، بينما تبلغ نسبتها في الرجال 35% ، وهي بهذا حقيقة بإيجاد التخلف ، والاحتفاظ بالمستوى المتدني للعالم الإسلامي ، كما أنها تمثل عائقاً كبيراً للتنمية البشرية .



الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 27-08-2010 11:59 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
أهمية التآلف الاجتماعي


للتآلف الاجتماعي أهمية بالغة وعظيمة في حياة البشرية عموما, والمؤمنين علىِ الوجه الخصوص، حيث إن الوحدة الإسلامية لا تتحقق بين أبناء المجتمع إلاّ بتمام الألفة والتضامن بينهم.

ويُعتبر الاهتمام بأمر الوحدة والتآلف بين المسلمين من أعظم الجهاد في سبيل الله, قال السعدي: "فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية في جميع أفرادهم وشعوبهم, وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم بكل وسيلة, ومن أنفع الأمور أن يتصدى لهذا الأمر جميع طبقات المسلمين من العلماء والأمراء والخبراء وسائر الأفراد منهم؛كل أحد يُجدّ بحسب إمكانه ,فمتى كانت غاية المسلمين واحدة ـ وهي الوحدة الإسلامية ـ وسلكوا السبل الموصلة إليها, ودافعوا جميع الموانع المعوقة والحائلة دونها, فلا بدّ أن يصلوا إلى النجاح والفلاح"



فالتربية الاجتماعية تهدف إلى ربط الفرد بالمجتمع, وأن يغرس فيه الشعور بالولاء والانتماء إليه وأن يكون الفرد مشاركا في شؤون المجتمع, ومسئولا فيه في ذات الوقت, وتتجلى مسؤولية المجتمع عن الفرد في مبدأ التكافل والتآلف الاجتماعي, وحفظ الحقوق والأموال والأنفس بالعدل.



فمتى تربى أفراد المجتمع وتآلفوا صلحت عقولهم وصفت نفوسهم, وتهذبت أرواحهم, وقويت أجسادهم فيكون المجتمع بذلك صالحا وقويا ومهذبا.



والألفة والتضامن ينبغي أن تقوم على شروط,من أهمها ما يلي:



أ ـ كمال الإيمان بالله تعالى رباً, وبالإسلام دينا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياًّ.

ب ـ النهي والتحذير من البغض وأسبابه المثيرة له.

ج ـ البعد عن الحسد ومقتضياته.

د ـ التحذير الشديد من التقاطع بين الناس المؤدي للتدابر والتنافر بينهم.

هـ ـ استشعار الفرد المسلم بواجب الوحدة الإسلامية مع إخوانه المسلمين.

و ـ بذل الجهد على المستويين الفردي والجماعي لتحقيق هذه الوحدة.



الباحث : أبوبكر أمادو علي (النيجر)

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:02 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
أسس الاستماع التربوي


الاستماع للآخرين له أصول وآداب، وكذلك الاستماع للقرآن له آداب ينبغي أن يتحلى بها المربون، فإذا أحسن المتربي الاستماع، وتحلى بهذه الآداب أعانه ذلك على التدبر، يقول أبو بكر الآجري: "فكان حسن استماعهم يبعثهم على التذكر فيما لهم وعليهم".



وللتربية على الاستماع، على المربي أن يطلب منهم صراحةً، وليس بالإشارة والتلميح، أن يستمعوا وينصتوا للآيات التي سوف تُقرأ عليهم، وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أصحابه أن يستنصت الصحابة ليستمعوا إلى توجيهاته صلى الله عليه وسلم، فعن جرير رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (استنصت الناس) ثم قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).





ومن أهم ما ينبغي أن يتربى عليه المستمع لكتاب الله ما يلي:

1ـ التهيؤ الذهني والنفسي قبل الاستماع: ويتطلب التهيؤ تجاوباً جسدياً من المستمع، وذلك بأن يثبت أعضاءه ولا يحركها، والتجاوب الجسدي نتيجة نتيجة حتمية لتوجيهات القلب الذي يأمر الأعضاء فتطيع، قال وهب بن منبه: "من أدب الاستماع سكون الجوارح، والعزم على العمل...يعزم على أن يفهم، فيعمل بما فهم". وهذا هو الاستماع التربوي المحمود، وذلك بأن يروض المتربي أعضاءه وجوارحه، فلا يشتغل قلبه عما يسمع من آيات، ويغض طرفه فلا ينصرف فؤاده بما يرى، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، والأهم من ذلك أن ينوي بقلبه على أن يبذل جهده لكي يفهم ما يستمع إليه، ثم يبادر مباشرةً للعمل بما فهم.



2ـ عدم الانشغال عن الاستماع أثناء القراءة، كأن ينظر إلى ما حوله من موجودات، أو يمسك بكتاب أو مسبحة أو غيرها من المباحات، فضلاً عن التلهي بالمحرمات، ومن صفات أعداء الله أنهم يبذلون جهدهم بشتى الوسائل لصرف أبناء الأمة عن استماع القرآن، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).



3ـ التفكير أثناء الاستماع في الآيات المتلوة، حيث يتدبر ما يسمع، ويستعرض أحوال النفس معها، وهذه صفة ممدوحةٌ من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً). يقول القرطبي: "فكان حالهم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ـ عند المواعظ ـ الفهم عن الله، والبكاء خوفاً من الله، ولذلك وصف الله أحوال المعرفة عند سماع ذكر الله وتلاوة كتابه، فقال: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحِقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ). فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، فمن كان مستناً فليستن".



4ـ الخشوع والبكاء أثناء الاستماع، وبذلك يحدث حسن التفاعل القلبي والجسمي مع الآيات المسموعة، فلا يكون التفاعل بالآهات المنكرة أو الأصوات المزعجة، ولا يكون البكاء بالصراخ والعويل، كما يفعله بعض المستمعين للقرآن، وإنما يكون الخشوع والبكاء منضبطاً ومتأسياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يصفه ابن القيم رحمه الله بالأوصاف التالية: "لم يكن بكاؤه صلى الله عليه وسلم بشهيق ورفع صوت، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويُسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه عند سماعه القرآن بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحب للخوف والخشية".

وبهذا التفاعل يكون للاستماع أثره التربوي، وفعله التدبري، وقد وصف القرآن أهل العلم الذين يسمعون كلام الله بأنهم يبادرون إلى الطاعات، ويتأثرون، ويبكون ويخشعون، قال تعالى: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلَى عَلَيهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأذْقَانِ سُجَّداً، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا، وَ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً). يقول الشوكاني: "يبكون بتأثير القرآن في قلوبهم، ومزيد خشوعهم حيث (يزيدهم) سماع القرآن (خشوعاً) أي لين قلوب، ورطوبة عين".

كما أن صفة البكاء عند سماع القرآن من صفات المصطفين الأخيار من عباد الله الصالحين، الذين قال الله عنهم: (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِم آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيَّأً).



وذكر أبو نعيم في الحلية أنه: "لما قدم أهل اليمن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وسمعوا القرآن، جعلوا يبكون، قال أبو بكر: (هكذا كنا)".



5ـ التفاعل الحسي والمادي: أي الاستجابة المطلقة بعمل الجوارح، وبذل غاية الجهد لتنفيذ ما تدعو إليه تلك الآيات أو تحذر منه، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ واسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ)، وقال أيضاً: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَأَنْفَقُوا خَيْراً لأنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولائِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).

وقد أخبر الله عن أمة اليهود أنهم يسمعون ولا يستجيبون، قال تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلاً).

بينما من صفات المؤمنين أنهم يبادرون للاستجابة، فعلاً وتركاً، إذا سمعوا أوامر ربهم ونواهيه، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ).



د. هاشم بن علي الأهدل (السعودية)

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:05 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
التعاون على البر والمواساة


إنّ من أبرز مظاهر التّآلف الاجتماعيّ في العهد النبوي,التّعاون على البرِّ والمواساة بين المؤمنين, وقد كان بين الصحابة رضي الله عنهم نوع من التكافل والتناصر والمواساة ما يُضرب به المثل امتثالا لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوى الله إن الله شديد العقاب)

وقد مدح الله عزّ وجلّ الأنصار رضي الله عنهم بقوله( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع, فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله, فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك.

وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع, فقال سعد بن الربيع, لعبد الرحمن بن عوف: إنّي أكثر الأنصار مالاً, فأقسم مالي نصفين, ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها, فإذا انقضت عدّتها فتزوجها, قال بارك الله لك في أهلك ومالك, أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلاّ ومعه فضل من أقط وسمن, ثمّ تابع الغدو يوما وبه أثر الصفرة فقال النبّيّ صلى الله عليه وسلم : (مَهْيَمْ) قال تزوجت. قال كم سقت إليها. قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب.. شكّ إبراهيم.

فهذا الحديث يدلّ على قدر وعظم البرّ والمواساة والإيثار بين المهاجرين والأنصار.

ومن مظاهر البرّ والمواساة بينهم كذلك, موقف الصحابي الجليل الذي آثر ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعامه وطعام أولاده؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من يضم أو يضيف هذا), فقال رجل من الأنصار: أنا, فانطلق به إلى امرأته, فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيّئي طعامك, وأصبحي سراجك ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيّأت طعامها, وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثمّ قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته, فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين, فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما) فأنزل الله تعالى: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) يستفاد من هذا الحديث, بيان أهمية تربية النشء على الزهد في الدنيا, وأن الغاية والهدف هو الآخرة؛ وبيان ما هو عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش, وقلّة ذات اليد, مع أنّه عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق على الله, فلو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئا؛ لكان أبرّ الناس بها وأحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويستفاد من الحديث كذلك حث المُرَبُّين والأئمة والدعاة على تربية الأجيال على الإقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرّ والمواساة لإخوانهم المسلمين.

الباحث: أبو بكر علي أمادو (النيجر)

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:09 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
حقوق الوالدين (الجزء الأول)
لا تنتهي مهمَّة الوالدين بالإنجاب ، بل يتبع ذلك مشاقّ عديدة، ومسؤوليَّات متلاحقة ؛
فالأولاد في المهد محتاجون إلى عنايةٍ خاصَّةٍ وملاحظةٍ دائمةٍ .
ثمّ إذا ما تُرِكُوا إلى عرصة الدار احتاجوا إلى رعايةٍ من نوعٍ جديدٍ، ومتابعة دؤوب؛ لكونهم يُقابلون الحياة –لأول مرة-دون درعٍ أو سلاح.
ثمّ تأتي مرحلة التعليم والتربية وما أشقّها من مرحلة ، وما أكثر مسؤوليَّة الآباء فيها .
وهكذا يمضي الأبناء في طريقهم حتى يصلوا إلى مرحلة تحمُّل المسؤوليَّة .
ولكن ! مخطئٌ من ظنّ أنّ اهتمام الآباء يقف عند هذا الحدّ ؛ إنَّهم يُلاحقون أبناءهم حيث كانوا ؛ في سفرهم وإقامتهم ؛ في قربهم وبُعدهم ؛ في غناهم وفقرهم ، ولا يتردّدون في مشاركة أبنائهم ولو بشيءٍ يسير دون أن ينتظروا جزاءً أو شكوراً .
فكان من الطبيعي أن يُوصي الإسلام بالآباء، ويُحذِّر من عقوقهم؛ حتى إنَّ الله عز وجل قرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) [الإسراء: 23]، وقال : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) [النساء: 36] ، ووصّى بهما فقال : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير [لقمان: 14] .
وكذا وصَّى بهما رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر، فقد روى البخاري في صحيحه ، وغيرُه ، من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ » . ثَلاَثًا . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ». وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ » . قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . الحديث.
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم برَّ الوالدين من أحبِّ الأعمال إلى الله . روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه ، قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا » . قلت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قلت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » .
ولِعِظَمِ المهمَّة الملقاة على عاتق الأمّ ، كرَّر الإسلام الوصيةَ بالإحسان إليها ؛ فهي التي حملت ولدَها وهناً على وهن، وغذّته بلبانها، وتعهّدته برعايتها حتى بلغ أشدّه ؛ سهرت لينام، وتعبت ليستريح، وتحمّلت من ألوان الشقاء الكثير كي يحيا ويسـعد .
من أجل هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببرِّها، حين أوصى بها أحدَ أصحابه قائلاً: "اِلْزَمْهَا، فإنَّ الجنَّةَ تَحْتَ أَقْدَامِهَا"، "اِلْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الجنَّة" .
فلزومُ طاعة الأمَّهات–في غير معصية الله- سببٌ لدخول الجنَّة، ونيلِ المغفرة والثواب من الله عز وجل .
وقد جعل الإسلام حقَّ الأم على الأبناء ثلاثة أضعاف حقِّ أبيهم ؛ لأنّ الأمّ تُعاني بحمل الولد وولادته وإرضاعه، والقيام على أمره وتربيته أكثر ممَّا يُعانيه الأب.
روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : « أُمُّكَ ». قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « ثُمَّ أَبُوكَ » .
وتكرار هذه الوصية بالأم لعظم مسؤوليتها –كما أسلفت-، ولكونها ضعيفة ؛ قد يتجرّأ عليها أبناؤها لما يرون من ظواهر عطفها ورحمتها وحنانها، أو يتهاونون في أداء حقِّهـا الذي أوجبه الله عليهم . من أجل ذا خصَّها الإسلام بمزيدٍ من التذكير والتحذير .
ومهما قدَّم الإنسان لوالديه –ولا ســيّما أمّه- ، فإنَّه لا يُوَفِّيهم إلا شيئاً يسيراً ممَّا قدَّما .
رُويَ أنَّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنِّي حملتُ أمي على عنقي فرسخين في رَمْضاء شديدة ، لو أُلقيَت فيها بضعة لحمٍ لنضَجَت . فهل أدَّيتُ شُكرَها ؟ فقال : "لعلّه أن يكون لطلقةٍ واحدةٍ".
ورُوي –أيضاً- أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله : إنَّ أمي كَبُرَت حتى صِرْتُ أغسِلُ ذلك منها ، فهل جَزَيْتُهَا ؟ قال : "لا ، ولا بزَفْرَةٍ واحدةٍ" .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان أنّ عليًّا وعمر رضي الله عنهما خرجا من الطواف ، فإذا هما بأعرابيّ معه أمّ له يحملها على ظهره ، وهو يرتجز ويقول :
أنا مطيتهـا لا أنفر وإذا الركــاب ذعرت لا أذعــر
لبيك اللهم لبيـك بما حملتني ورضّعـتني أكـثــــر
فقال علي رضي الله عنه : مُرَّ يا أبا حفص ، ادخل بنا الطواف ، لعلَّ الرحمة تنزل فتعمَّنا . قال : فدخل يطوف بها وهو يقول :
أنا مطيتهـا لا أنفر وإذا الركاب ذعرت لا أذعـــر
لبيـك اللهم لبيـك وما حملتني وأرضعتني أكـثـــر
وعليّ رضي الله عنه يجيبه :
إن تبرها فالله أشــكر يجزيك بالقليل الأكـثـــر
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان –أيضًا- عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أنَّ رجلا من أهل اليمن حمل أمه على عنقه فجعل يطوف بها حول البيت وهو يقول :

إني لها بعيرها المدلل :::: إذا ذعرت ركابها لم أذعر

وما حملتني أكثر
ثم قال : أتراني جزيتها ؟ قال ابن عمر : لا ، ولا بزفرة .
انتهى الجزء الأول

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:17 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
أثر البيئة في الحياة الاجتماعية و التربوية


استوقفني نص تراثي كنت استشهدت به أثناء إعدادي لرسالة الماجستير عن الوصايا التربوية في الأندلس و المغرب ، جاء فيه أن ابن أبي أصيبعة روى عن القاضي أبي مروان الباجي ،قال: سألت القاضي أبا بكر بن أبي الحسن الزهري عن سبب تعلمه صناعة الطب فقال لي : إني كنت كثير اللعب بالشطرنج، ولم يوجد من يلعب مثلي به في إشبيلية إلا القليل، فكانوا يقولون: أبوبكر الزهري الشطرنجي، فكان إذا بلغني ذلك أغتاظ منه، فقلت في نفسي لابد أن أشتغل عن هذا بشيءٍ غيرِه من العلم لأُنْعت به، ويزول عني وصف الشطرنج ... فعدلت إلى أبي مروان عبد الملك بن زهر، و اشتغلت بصناعة الطب، وكنت أجلس عنده وأكتب لمن جاء مستوصفا من المرض الرقاعَ، واشتهرت بعد ذلك بالطب، وزال عني ما كنت أكره الوصف به.

و الذي يثير في هذا النص هو مدى تأثير البيئة الاجتماعية على شخصية الرجل ، و كذلك إرادته في الانسجام معها و التكيف وفقها ، فالأندلس في ذلك الوقت كانت أرض عِلم و جِدّ حتى قال المقري عنها و عن أهلها : (( وأما حال أهل الأندلس في فنون العلم، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التمييز، فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجتهد في أن يتميز بصنعة ويربأ بنفسه أن يرى فارغا عالة على الناس لأن هذا عندهم في نهاية القبح، والعالم عندهم معظّم من الخاصة و العامة يشار إليه، ويحال عليه، وينبه إلى قدره وذكره عند الناس ، ويكرم في جوار أو ابتياع، أو ما أشبه ذلك )).



وهذا يؤكد حقيقة اجتماعية و تربوية : أن للبيئة تأثيرا كبيرا على اتجاهات الأفراد و ميولهم ، وبقدر ما يتوفر لدى الأمة من بيئة ثقافية و اجتماعية وعلمية فإنه يتحقق لها مجتمع راق يسمو بأفراده عن السفاسف و الكسل والدعة و الخمول ، وهذا ما نشاهده - مع الأسف -في بلد صناعي متقدم كاليابان حيث يعظم فيه العلم و يعطى للتعليم الأولوية في سلّم الاهتمام ، بل يُعد مقياسا و معيارا للفرد الناجح و الأسرة الناجحة ، ولقد ساعد على ذلك تضافر الجهود التربوية و الثقافية و الإعلامية و السياسية و الاقتصادية مما أنتج جيلا يتحدى دولا سبقته في مجال الصناعة و التقنية. و كان الأولى أن يحدث هذا في البلدان الإسلامية التي يعظم فيها دينها العلم و يرفع من شأن صاحبه فهو عامل قوي في إيجاد البيئة العلمية و التربوية السليمة . لكن تباين الاتجاهات الإعلامية و التربوية و الاجتماعية و تناقضها أضعف البيئة السليمة التي ترفع من فاعلية الفرد و جديته .



ولذلك هَوتْ بيئة الأندلس حين أصبحت تهتم بغير العلم من اللهو و غيره فسقطت ضعيفة في يد العدو ، و أصبحت لقمة سائغة له ، فهل يا ترى نعي الدرس؟







( نشر في مجلة الشمال التربوي منطقة عرعر - العدد الثالث )





فريد بن عمر عزوق ( باحث جزائري )

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:25 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
حقوق الوالدين (الجزء الثاني)
والإسلام قد أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف ؛ إذ الاختلاف في وجهات النظر أمرٌ قد يحدث بين الآباء والأبناء. والآباء عندما يأمرون، وينهون، ويُعاتبون ، فإنَّما يدفعهم إلى ذلك رغبتهم في الوصول بأبنائهم إلى أعلى مراتب الحياة .

فعلى الأبناء أن يُحسنوا مصاحبة آبائهم، ولتكن مجالستهم إيَّاهم بأدبٍ وتوقير، وعليهم أن لا يرفعوا أصواتهم في وجوههم، وأن لا تكون مناقشتهم بعنف وشدّة ، بل بتلطُّفٍ واسترضاء . وعلى الآباء أن يسمحوا لأبنائهم بالكلام في حدود الأخلاق والوقار ، على أن لا يتجاوزوا هذه الحدود .

وما الذي يُضير الأبناء لو نزلوا عند رغبة آبائهم، وحسموا الخلاف لصالحهم؛ لكثرة خبرتهم، وعِظم حكمتهم، وشدّة فهمهم للحياة ؟

هذا إذا لم يكن الخلافُ في العقيدة . أمَّا إن كان فيها فلا يُطاع الآباء في معصية الخالق سبحانه وتعالى ؛ فلو أُمر الولد بالسرقة ، أو حُرِّضت الفتاة على سلوك سبيلٍ مخالفٍ لسبيل الحشمة والعفاف ، أو نُهِيَ الابن عن أداء فرضٍ ، وَجَبَ على الأبناء أن يقفوا في وجه المعصية، مع الدفع بالحسنى ، والمصاحبة بالمعروف ، امتثالاً لقول ربِّنا عزوجل (وان جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان : 15] .

سُئل الإمام الأوزاعيّ رحمه الله عن الرجل تمنعه أمُّه عن الخروج إلى الجماعة والجمعة ، فقال : "ليطعْ ربَّه ، وليَعْصِ أُمَّه في ذلك".

وروى الإمام البخاري عن الحسن البصري رحمه الله أنَّه قال : "إن مَنَعَتْهُ أمُّه عن العِشاء في الجماعة شفقةً عليه ، فلا يُطعْهَا".

ولا يمنع كفر الآباء من حُسن مصاحبتهم ؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أنَّ أسماء بنت أبي بكر أتَتْها أُمُّها المشركة ، فسألت النبيَّ r : أَصِلُهَا ؟ فقال: "نعم"، فأنزل الله تعالى فيها:( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله لايحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهرو على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظلمون) [الممتحنة: 8-9] .

فالله تعالى أوصى الإنسان بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، والإحسان إليهما وألزمه طاعتهما لما تحمَّلا في سبيله من المتاعب والمصاعب . ومع كلّ هذا حذَّره من طاعتهما في الشرك والعصيان ؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

وليس الأمر قاصراً على الإحسان ، والمصاحبة بالمعروف ، وعدم العقوق،بل يجب على الأبناء أن يكونوا على مستوى لائق من الأدب مع النَّاس؛ فالمجتمع يرى فيهم امتدادًا لوالديهم، ونبتة تولّوْا غرسها، وفسيلةً زرعوها وتعاهدوها. فكان من الواجب أن يُعطوا صورة كريمةً عن أولئك الغارسين ؛ فلا يتطاولوا على الغير ؛ إذ التطاول يجرّ إلى الانتقام، ويُسبِّب العدوان الذي قد يطال نفوسهم ووالديهم بالشتم والسبّ .

وهذا ما حذَّر منه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ » . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : « يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ » .

وعلى الأبناء أن يتعهَّدوا آباءهم بالرعاية عند الكبر ؛ لأنّ ذلك من أسباب دخول الجنَّة ؛ كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقــولـه : « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ » .

وبرُّهما عند الكبر، أو أحدِهما سببٌ لنيل الثواب والأجر الكثير؛ فقد أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أشتهي الجهاد، ولا أقـدِر عليه ؟ قال : "هل بقيَ من والدَيك أحدٌ ؟ " . قال : أمِّي. قال : "قابل اللهَ في برِّها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ، ومعتمرٌ، ومجاهدٌ".

ولا يتوقَّف البرّ برحيل الأبوين ، بل يُطالَب الأبناء عندها بمسؤوليَّة جديدة، تتضمَّن الدعاء لهما، وطلب الرحمة والمغفرة لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وأداء ديونهما ، وإكرام صديقهما ، وقضاء كافَّة الحقوق التي عليهما للنَّاس ، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلاَّ بهما .

روى مسلم في صحيحه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنَّ أبرّ البِرِّ صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه".

وروى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ف ، إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : « نَعَمِ الصَّـلاَةُ عَلَيْهِمَا ، وَالاِسْـتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْـدِهِـمَـــا مِـنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِـلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَـلُ إِلاَّ بِهِمَا ، وَإِكْــرَامُ صَـدِيقِهِمَا ».

وهذا الصنيع يُعدّ صلةً للوالد في قبره. فعن بُردة قال : قدمتُ المدينةَ، فأتاني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: أتدري لم أتيتُك ؟ قلت : لا . قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"من أحبَّ أن يصلَ أباه في قبره، فليصِلْ إخوانَ أبيهِ مِنْ بَعْدِهِ"، وإنَّه كان بين عمرَ أبي، وبين أبيك إخاءٌ وودٌّ، فأحببتُ أن أصلَ ذلك".

وليس هذا فحسب ، فهناك الكثير من الحقوق التي لم أُوردها .

وما أوردته قليلٌ من كثيرٍ منها .



الدكتور/ عبدالقادر بن محمد عطا صوفي

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 12:47 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الإيثار على النفس
يُعتبر الإيثار -الذي هو أن يقدم الإنسان غيره على نفسه- من أعلى مراتب الكرم, "ولا يقوى عليه إلاّ أهل العزائم من الناس الذين صقلتهم العقيدة, وربّتهم تعاليم الإسلام، وقد ظهرت هذه الخلال الكريمة, والصفات النّجيبة في أقوى صورها وأعمق معانيها في جيل الصحابة الكرام".

رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها كانت صائمة, ولم يكن عندها سوى قرص من شعير, فجاءها سائل, فقالت لبريرة: ادفعي إليه ما عندك. فقالت: ليس إلاّ ما ستفطرين عليه, فقالت لها ادفعيه إليه ولعله أحوج إليه الآن, ولمّا جاء المغرب, أهدى إليهم رجل شاة بقرامها, وهو ما كانت العرب تفعله إذا أرادوا شواء شاة طولها من الخارج بالعجين حفظا لها من رماد الجمر. فقالت لبريرة كلي هذا خير من قرصك.

وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصار المدينة نخلا, وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, فلما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وأحبّ أموالي إليّ بيرحاء, وإنّها صدقة لله أرجوا برّها وذخرها عند الله, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت, وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين, قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله, فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه).

وقد آثر الأنصار المهاجرين بأموالهم حتى أرادوا أن يقسموا بساتينهم معهم لولا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يقاسموهم الثمر فقط, لأنّ المهاجرين يعملون في التجارة ولا يعرفون الزراعة واستصلاح الأرض.

فالأنصار عُرفوا بهذه الخصلة الجليلة, فهم قدوة لكلّ من يؤثر الآخرين على نفسه.

هذه القصص وغيرها من النصوص تدل على ما تركتها التربية النبوية من أثر محمود في نفوس المؤمنين من الإيثار على النفس وتحمل مسؤولية الحياة الاجتماعية بصدق وتضحية.

الباحث: علي ابو بكر أمادو (النيجر)

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 10:33 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
العلم عز لا ذُلَّ فيه، ولا يُدرَكُ إلا بِذُلٍ لا عِزَّ فيه
تبين هذه القاعدة حقيقة العلم أنه عِِزٌ، يرفع من مكانة صاحبه بين العالمين، كما قال تعالى( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).
ومن شروط حصول هذا العز العلمي، التذلل للعلماء، وَخَفْضِ الجناح لهم، حتى يُدْرِكَ المُتَعَلِّمُ ما لديهم من علم.
وأما التَّعَزُّز والكِبْر في طلب العلم فإنه يمنع صاحبه من الحصول عليه.
إذِ العلـمُ أعلى رتبة في المراتب...ومن دونه عـز العلا في الكواكب
فذو العلم يبقى عزه متضاعفا...وذو الجهل بعد الموت تحت التَّيَارِب
فمَـنْ رَامـَهُ رَامَ المراتب كلها...ومَـنْ حازَهُ قد حازَ كُلَّ المـطالب
أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 28-08-2010 10:51 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
من استطال الطريق ضعف مشيه
تفيد هذه القاعدة أنه يلزم الراغب في تحقيق الأهداف النبيلة أن لا يستبعد نهاية الطريق وبُعْد المسافة وطول الزمن فإن ذلك أول معوقات تحقيق الأهداف.
فمن أسباب استطالة الطريق التعجل في تحقيق الهدف، ومحبة الاستحواذ على الثمرة. ولذلك عندما نشرع في الهدف علينا أن نترك مجالا واسعاُ لمن سيقطف الثمرة أنا أو غيري.
فالعظماء الذين حققوا الأهداف العظيمة كانت من سماتهم المجال الواسع لقاطفي ثمارهم. وللإسلام وقفات عظيمة ومنهجا سامقا في ذلك.
وبالتالي يلزم المرء أن يربي نفسه على ذلك
أ.د. خالد بن حامد الحازمي

أميـرة 28-08-2010 11:08 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الله يعافيك

بنت خالتها 28-08-2010 11:09 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
مشكككوره

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 12:18 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الإبداع العلمي
لقد جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء، في عباداتهم واعتقاداتهم وأخلاقهم، وفي علومهم ومعارفهم، حتى أن عدد الذين يقرؤون ويكتبون في قريش هم سبعة عشر رجلا، منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ .

وجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدد يكتبون، منهم: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فكان يكتب العربـية والعبريـة ـ رضي الله عنهم ـ.

وقد وجه الإسلام إلى الإبداع العلمي عن طريق مفاتحه، التي منها:

1ـ الدعوة إلى التعلم ، قال تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)

2ـ رفع مكانة العلم والعلماء، قال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير)

ونتج عن هذا التشجيع وهذه العناية الإسلامية بالعلم أن اشتغل كثير من المسلمين بالعلم والتصنيف في سائر العلوم النافعة، وقاموا بتشييد المكتبات العلمية والمدارس، وإنشاء الوقف لها بما يمكنها من الاستمرارية دون تأثر بالتقلبات الاقتصادية أو التغيرات السياسية.

وبعد ما جاء الإسلام تفتقت تلك العقول وأبدعت في تفوقها، وتواصل هذا الإبداع في الأمة، فتولدت علوم ومعارف، ما كان لأحد قبلهم بها معرفة، ومن ذلك: علم أصول الفقه، الذي أول من صنف فيه الإمام الشافعي، وأول من صنف في الفقه الإمام مالك بن أنس، وأول من صنف في غريب القرآن الكريم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأول من عمل العَرُض هو الخليل بن أحمد، وأول من وضع الإعراب أبو الأسود الدؤلي، وأول من صنف في صنعة الشعر عبد الله بن المعتز .

ولقد برع المسلمون في العلوم التجريبية، وأسسوا قواعدها ونواتها، ففي مجال الصيدلة: هم أول من اخترع الكحول، والمستحلبات، والخلاصات العطرية، واستخدم الرازي لأول مرة الزئبق في تركيب المراهم، وهم أول من غلف حبات الأدوية المرة بغلاف من السكر، ليتمكن المريض من استساغة الدواء، وهم أول من غلف الأدوية المعمولة على شكل حبوب، كما برعوا وابتكروا تحضير وضع وتركيب الضمادات والمساحيق واللزوق، وقد وقفوا على صنع مراهم تجف مع الوقت، كشماعات أو غطاء للجروح الحديثة، ومن أشهر من برع في علم الأدوية عبدالرحمن بن محمد بن عبد الكريم بن واقد، المتوفى سنة 467هـ 1074م.

وفي علم التشريح تم اكتشاف الدورة الدموية الصغرى (الدورة الدموية الرئوية) وكذلك الدورة الشريانية من قبل ابن النفيس، واكتشفوا عدد الأغشية القلبية، ووضيفتها، واتجاه فتحاتها لمرور الدم، وبرعوا في تشريح العيون وجراحتها، واكتشفوا أن العضلات المحركة للمقل ست عضلات، وبينوا أن العين آلة للبصر وليست باصرة .

وفي علم الرياضيات هم أول من أسس (اللوغارتمات) فلقد ولد ونشأ وترعرع علم اللوغارتمات في البلاد الإسلامية، الذي يرجع في تكوينه لجهود سلسلة من الابتكارات على يد عدد من علماء الرياضيات، مثل: سنان بن الفتح الحراني، وابن يونس الصدفي المصري، وأبو الحسن على النسوي، وابن حمزة المغربي.

فهذه الشواهد تعطي دلالات عميقة بأن الإسلام فتق عن تلك العقول الصامته لتبدع في جميع المجالات العلمية، بعد أن كانت لا تحسن القراءة والكتابة، مما يؤكد عمق التربية الإسلامية واستيعابها لكل ما يخدم الإنسان والبشرية جمعا، وأنها نور يحرك الأفئدة نحو العطاء، مما يؤكد أن الدور التربوي يقع اليوم على المؤسسات التربوية لتغرس ذلك في الأجيال، بما يشعرها بماضيها المضيء، وعلى أكتافهم يرتقي البحث العلمي في ميادينه المختلفة.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 01:36 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
التشجيع والإبداعللتشجيع دور كبير وفاعل في إبراز أصحاب المواهب، كما أن في عدم التشجيع تثبيط للهمم، خاصة إذا صاحب ذلك التهوين من قدر الإنسان "والإسلام شجع الأفراد للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم العملية في بناء الحضارة وعمارة الأرض على أساس من التعاون على البر والتقوى، ونبذ الحسد والتباغض" الذي قد يكون أحد أسباب عدم التشجيع .
وقد يرجع أسباب عدم التشجيع إلى يأس المعلم والأسرة من أن يلحقوا بركاب التقدم التقني أو الزراعي أو التجاري أو الصحي أو التعليمي أو غير ذلك من الجوانب التي تأخرت فيها الأمة، وقد يكون سبب عدم التشجيع الجهل بأهميته في كشف المواهب .
والدراسات التربوية تثبت أهمية التشجيع في صقل المواهب، وخطورة قهر الأفراد على اختيارات لا يرضونها "لأن الإنسان لا يركز انتباهه أو يعمل فكره، ويضاعف جهده إلا فيما يميل إليه، ويشعر بانجذاب شديد إلى ممارسته.
ومنهج التربية الإسلامية يقوم على التشجيع للخير، والتحذير من الشر والباطل، وآيات الترغيب والترهيب كثيرة في القرآن الكريم، وفي نصوص السنة النبوية، التي ترغب في الخير وتحذر من الشر والفساد وإضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه، قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه).
ولما أن الإنسان مفطور على حب الخير لنفسه، وكره الشر والشقاء، فإنه يندفع في استجابة للمؤثرات الترغيبية والترهيبية؛ بشكل قوي، حيث أن الترغيب والترهيب أمران يقومان على الخوف والرجاء .
وقد كان عليه الصلاة والسلام يشجع أصحابه على الخير والاستزادة منه بكلمات الإشادة التي تشحذ الهمم، وتحمس على الخير، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً ثم أجاب عليه صحابي جليل، فيقول عليه الصلاة والسلام مشجعاً له : (ليهنك العلم أبا المنذر) فعن أُبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله (أيُّ آية في كتاب الله أعظم ؟ قال: الله ورسوله أعلم، فردَّدها مِرارا، ثم قال أُبيُّ: آية الكرسي، قال: لِيَهْنَكَ العلمُ أبا المنذر)
وفي هذا الحديث العظيم من الفوائد التربوية: طرحه صلى الله عليه وسلم السؤال العلمي على أصحابه ليزدادوا علماً وفهماً، ثم تشجيعه صلى الله عليه وسلم لأصحابه، بالكلمة الطيبة المشجعة التي تشحذ الهمة نحو المزيد من الخير في العلم والفهم والتأمل قبل الإجابة. وفيه تأدب الصحابي الجليل مع نبي الرحمة والهدى؛ إذ لم يبادر بالإجابة فوراً تقديراً وإجلالاً لعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخشية أن يقول شيئاً على غير مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله ورسوله أعلم. ومن الفوائد التربوية: ترديد الرسول عليه الصلاة وأفضل التسليم السؤال، ليؤكد رغبته في الإجابة، حتى يؤكد الصحيح، ويصحح الخطأ. ثم يقول صلى الله عليه وسلم جملة تشجيعية في غاية الروعة والجمال : (لِيَهْنَكَ العلمُ أبا المنذر) ، فلو أنها خرجت من أحد المعلمين لكانت جميلة، فكيف وقد خرجت من لسان نبي الهدى والرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وفي صحيح البخاري (مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا.)
وكم في هذا الحديث من فوائد يجهل تطبيقها كثير من المدرسين، فالتشجيع أولها، ونوعية عبارة التشجيع ثانيها، وربط جملة التشجيع بنوع الفعل والممارسة ثالثها، وتذكيرهم بأمجاد أسلافهم رابعها. ولو ازددنا تأملاً فيها لازددنا علماً وفقهاً تربوياً.
أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 02:14 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الإبداع المهني
الإبداع المهني :
إن الإبداع المهني لا يعتمد على الخبرة والمهارة اليدوية فقط، بل لا بد من وجود عامل الذكاء، والتفكير والتطلع إلى التحسين والإصلاح والتطوير.
والتربية الإسلامية لا تعارض ذلك بل تحفز العقول على الابتكار والإبداع في المجال العملي والمهني، ومن الشواهد على ذلك :
قول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره؛ فيتصدق به ويستغني به من الناس، خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول) وفي هذا الحديث بيان لأهمية المهنة التي تكف الإنسان عن المسألة، كما أن في الحث على التكسب والنهي عن المسألة أول مفاتح الإبداع المهني، لأن المرء لا يبدع مهنياً ما لم تكن له صنعة يتخذها.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إنَّ القيام قـد شـق عليّ، فقال لـه تميم الداري: ألا أعمل لك منـبرا، كـما رأيت يُصنع بالشام؟ فشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إنَّ لي غلاما يقال له كلاب، أعملُ الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره أن يعمله، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها، ثم عمل منها درجتين ومقعد . فظهر الإبداع المشوري من تميم الداري بصنع منبرا، ثم ظهر الإبداع المهني من غلام العباس بن عبد المطلب، حيث كان أعملُ الناس، فأخذ صلى الله عليه وسلم من كل شخص ما يُحسن ويُجيد فيه: من مشورة وصنعة، وفي هذا تشجيع منه صلى الله عليه وسلم، وتأييد للأعمال الإبداعية المفيدة .
وهذا يرسم للمؤسسات التعليمية قواعد تربوية في المجال المهني، ويؤكد لها أهمية العناية بالدروس المهنية النافعة التي تستثمر العقول ، وتزيل حواجز الخجل من الأعمال والصنائع التي يعرض ويعزف عنها كثير ممن لم يرتق في السلم التعليمي .
فبعض ممن لم يستطع مواصلة دراسته يأنف من العمل في الصنائع المهنية التي ربما لو عمل فيها لكان مبدعاً ، يشار إليه بالتفوق الذي ربما لا يحققه في السلم التعليمي . وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى أهمية مراعاة استعدادات الصبي لما هو مهيأ له، فيذكر أنه مما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبول العلم، وإن رآه بخلاف ذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه.
ومن هنا لابد للمنهج التعليمي أن يراعي ويحقق الميول لدى الدارسين بأهمية الأعمال المهنية، من خلال دراسة السيرة النبوية، وسير الأنبياء عليهم السلام، وكذلك الصحابة، وعلماء الأمة، فقد "كان داود زرادا، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعيا" . وكان الإمام أبي حنيفة يتجر في الخز، وكان ماهراً فيه. وكان الإمام أحمد بن حنبل يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها .
فمهمة المؤسسات التعليمية أن تغرس ذلك في أفراد الأمة ليبدع الإنسان فيما هيأ له.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 02:32 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الإبداع في التخطيط الحربيإن الإبداع التخطيطي الحربي لا يقل أهمية عن قوة العتاد، بل ربما يفوق قوة الترسانة الحربية من حيث التأثير في مسار المعركة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهمل هذا الجانب، بل كان يأخذ بما تتفتق عنه عقول المبدعين من الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك أنه في معركة بدر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى ماء من بدر، فقال الحُبَاب بن المنذر بن الجموح: يارسول الله، أرأيت هذا المنـزل؟ أمنـزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يارسول الله، فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فنـزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَغُوِّرت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
ويلاحظ في هذه المشورة الإبداعية، عناية الصحابة بالحكم الشرعي وتقديمه على العقل، حيث قال الحُباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنـزل أمنـزلا أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فَيُفْهَم من ذلك، إن كان الأمر وحياً فالعقل تابع له، وليس للرأي مكان ، وأما إن كان الأمر جهداً عقلياً تخطيطياً فعندي في الأمر رأي.
ومن اللطائف التي يمكن استنتاجها، أنه لم يبين رأيه إلا بعد أن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم القول الفصل، بأن الأمر ليس وحياً، بل رأياً، وهكذا نريد أن تكون التربية العقلية الإبداعية تهتم بالجانب التفكيري العقلي، ولكن تجعله يستظل ويسير تحت مظلة الشرع الحنيف، لا في مقدمته.
وأيضاً يتجلى الإبداع التخطيطي الحربي في مشورة سلمان الفارسي بحفر الخندف في غزوة الأحزاب (الخندق) فكان حفر الخندق عملاً إبداعياً لم تعرفه العرب من قبل، فكان ذلك أحد الأسباب في صد عساكر المشركين، بتوفيق الله تعالى ونصره.
فهذه الشواهد تؤكد حقيقة مؤداها أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطي لذوي العقول المبدعه حقها من النظر والتشجيع البناء، ومن ثم الاستفادة مما يتولد عن أولئك من أفكار تخطيطية تسهم في أسباب النصر، بما يؤكد أن التربية الإسلامية تعطي في مضامينها التربوية معطيات تحقق للبيئات التربوية قواعد وأسس منهجية عملية للمناهج الدراسية.

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 10:46 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الوفاء والتفاني
في هذه الإطلالة المفعمة بالمواقف التربوية، يتبين نهج النبي العملي التربوي العظيم، وعمق التربية التي بلغت ذروتها في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعندما عرف النبي صلى الله عليه وسلم قدوم عير قريش من الشام إلى مكة، والتي انطلقت منها معركة بدر العظيمة، حصل هذا الموقف. فعن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة؛ فقال: إيانا تُريد ؟ يا رسول الله ! والذي نفسي بيده ! لو أمرتنا أن نُخِيضها البحرَ لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَادِ لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً. ووردت عليهم روايا قريش.)

قال العلماء: إنما قصد صلى الله عليه وسلم بذلك أخذ موافقة الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال؛ وطَلَب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عَرَضَ الخروج لعِير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم موافقون على ذلك، فأجابوه أحسن جواب؛ بالموافقة التامة.

و يتبين في هذا الحديث احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم للمواثيق وعنايته بها، بالرغم من تَعَمُّق العلاقة مع الأنصار، وكذا بينهم وبين المهاجرين، ولم يدفعه ذلك عليه الصلاة والسلام إلى تجاهل بنود المعاهدة، وبالتالي يعطي هذا الحدث للأمة درساً في أهمية حفظ ما يتفقون عليه، وأن لا يجعلوا لقوة العلاقة وتَوَطّدِهَا مجالاً ومسلكاً لإذابة ما يتفقون عليه. وهذا يكون في دائرة الأسرة، ودائرة الصداقات، وفي محيط العمل والمهنة. كمن يستسهل الشروط المبرمة في عقد الزواج نتيجة ما حصل من قوة في العلاقة بين الأصهار، فيدفع ذلك أحدهم أو بعضهم على التفريط باعتبار ما حصل من تطور ونمو في العلاقة، وكذلك ما قد يحصل بين شركاء العمل والمهنة من تساهل البعض في الاتفاقيات المبرمة بينهم، نتيجة تطور ونمو تلك العلاقة؛ مما قد يترتب على ذلك من الضرر أو الشعور بأن لا قيمة لتلك المواثيق والعهود، ثم ما يعقب ذلك من مشاعر قد تضر بالأطراف.

ألا يربي هذا النهج العملي الأخلاقي في الأمة احترام المواثيق، وعدم إذابتها وإضاعتها أو إضعاف قوتها بما يحصل من التواد الذي ربما كان نتيجة تلك المواثيق وثمرتها.

إن الكريم من يحفظ العهود، ولا يستغل الظروف لإضاعتها أو إذابتها أو وأدها. بل يحفظها كاملة، ليكون وفيا كريما مخلصا. إلا إذا كان تنازلا من أهل الحق فيها.

وأما في إعراضه صلى الله عليه وسلم عندما أعرض عن الصحابيين الجليلين، ففيه إيماء لمقصده صلى الله عليه وسلم. وهذا الإيماء دون تحديد يدلل على كريم خُلُقه صلى الله عليه وسلم، مما يشير إلى أهمية هذا الأسلوب التربوي الراقي جداً، ولا سيما مع النبهاء وأولي الألباب، لما فيه من الآداب والتقدير،حيث فَطِن الأنصار إلى مقصده صلى الله عليه وسلم، وإلى ما يرمي إليه، فقام سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه؛ الفهيم اللبيب، مبيناً أن الذي فَهِمَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم بيت القصيد، ثم باشر بالجواب، ولم يترك مجالاً لأن يَرُد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعم، أو نحو ذلك. وهذا من غاية الكرم والحب لمن يخاطبه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتُعطي هذه المحادثة الحوارية التي تمتلئ بآداب الحوار والمناقشة، الأسلوب الرائع الذي ينبغي أن يُؤخذ به في مثل ذلك. وما يجب أن يتعلمه المسلم من منهجه صلى الله عليه وسلم، الذي تربى عليه أصحابه فكانوا خير مجتمع بشري وقف على هذه الأرض.

وفي متابعة حديثه رضي الله تعالى عنه؛ يبين مقدار تفانيهم لرسولهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم، بعبارة راقية في مبناها ومعناها، فيقول: والذي نفسي بيده ! لو أمرتنا أن نُخِيضها البحرَ لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَادِ لفعلنا.

قسمٌ بالله، ثم يتلوه بيان لغاية ما يمكن أن يخوضوه معه صلى الله عليه وسلم، وهي عبارات يدل مبناها على معناها الذي لا يمكن أن تُوصف بأكثر من وصف سعد رضي الله تعالى عنه؛ وإن هذا التفاني بالنفس لَيُعَلِّمَ الأمة ما يجب أن يكونوا عليه مع منهج ودين الله تعالى حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، بأن يبذل المسلم غاية وسعه، في نشره والذب عنه والعمل به، ولكن كم من يُفرّط في التطبيق لما هو مطلوب منه، فضلاً عن النشر والذب، ولكنك أنت يا الله أرحم الراحمين يا رب العالمين.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 29-08-2010 10:56 PM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
رحمة للعالمين
قال الله تبارك وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

فتؤكد هذه الآية الكريمة أن هذا الدين رحمة من الله تعالى، وأن مضامينه رحمة، وأن العقوبات التي جاء بها رحمة، وأن العبادات والعقيدة الإسلامية رحمة، وأن أساليبه رحمة، وأن هذا النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين؛ للإنس والجن، وللحيوان والنبات.

حتى سلَّمَ عليه الحجر، وحنًّ إليه الجذع، ونبع الماء بين أصابعه، صلى الله عليه وسلم، وبكاه أصحابه عند موته، وبكاه المسلمون على مَرِّ التاريخ، وسيبكونه كلما تذكروه.

وهذه بعض مسالكه صلى الله عليه وسلم التي تتضح رحمته فيها، بالرغم من أنها في أشد المواقف ومع تمام القدرة على تنفيذ أشد العقوبة وأقساها. ومع ذلك كان العفو رحمة منه صلى الله عليه وسلم.

فلقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الأذى من قومه في مكة، باللفظ والنعوت المشينة، فقالوا: ساحر ومجنون، وكاهن وكذاب، ووضعوا بين كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي لله تعالى فرثا ودما وسلا جزور، وضحكوا حتى مال بعضهم من الضحك.

ويوم فتح مكة المكرمة لم يقتص منهم ولم يثأر لنفسه، بل قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، فكان حقا كما قال تعالى(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

ولما ذهب إلى الطائف راجياً أن يجد من يتجاوب معه ويقبل دعوته، أجابوه بأقبح الأجوبة وكذبوه، وسَلَّطُوا عليه صبيانهم يرمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم(هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لَقِت: وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عَرَضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم؛ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك؛ وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَكُ الجبال، فَسَلَّمَ عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجوا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً).

فأي رحمة بشرية أبلغ من هذه الرحمة، وهو في لحظة توجعه صلى الله عليه وسلم مما أصابه منهم فيقول: (أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.)

إن رحمته صلى الله عليه وسلم ومحبته لربه تبارك وتعالى بأن يُعْبَد في الأرض جعلته يتنازل عند فرصة الإتنقام.

مما يؤكد ويوضح للأمة أن الرحمة عندما تخالط المشاعر ويتفاعل معها التفكير تحدث الوضوح في الرؤية للهدف وللوسيلة التي تحقق الهدف. فهل الجبروت وحب الانتصار للذات من خلال التربية والدعوة في ميدان المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء والأعداء يحقق الأهداف التي نرجوها في أهلينا وأصدقائنا.

فكيف لو تأملنا رحمته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع زوجاته لرأينا أمراً عجباً.

ولكن كيف أكون رحمة في منزلي ومع أبنائي وفي مهنتي وفي دعوتي ومع أعدائي، ففي الجواب عليها طريق الرحمة التربوية.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 30-08-2010 12:54 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
صورة للتعليم والتعلم في العهد النبوي:
يوضح هذا الأنموذج من جيل الصحابة صورة من المناخ العلمي الذي تزخر به المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه ( كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً؛ يُسَمَّون القراء، قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمْسُوُا انتحوا ناحية من المدينة، فيتدارسون ويُصَلّون، يحسبُ أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسبُ أهل المسجد أنهم عند أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب، فجاؤا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً فأُصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة)

ويوضح هذا النموذج حرص الشباب من الصحابة على تطويع وإعمال عقولهم في كسب العلم النافع. كما يوضح هذا الحديث حرص شباب الصحابة على التعلم، وعلى حفظ هذا الدين، وبذل الجهد في ذلك، واستغلال مرحلة القوة والجلادة، والإخلاص لله تعالى بذهابهم إلى طرف المدينة للمدارسة، بحيث يعتقد أهل المسجد أنهم في بيوتهم، ويحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ومن الفوائد التربوية استخدام ذلك الجيل أسلوب المدارسة التي تُرسخ العلم، مما يؤكد سبقهم إلى هذا المفهوم وتطبيقهم له، وكذلك يوضح هذا السلوك التربوي التعاون والتآلف بين طلاب العلم في المذاكرة والمدارسة. كما يؤكد أهمية صنيعهم العلمي أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة؛ وهذا دليل على مكانتهم ومنـزلة العلم الذي كانوا يحملونه رضي الله تعالى عنهم. كما أن في هذا الحديث خدمتهم لنبيهم ومعلمهم، وحرصهم وتفانيهم في ذلك، بجلب الماء والحطب إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإنها حياة علمية نشطة؛ قد ازدهرت في المدينة، وبزغ فجرها ببعثته صلى الله عليه وسلم وسطع نورها في أرجاء المعمورة. فها هو المناخ العلمي الجاد والنشط الذي كان سائداً في المدينة النبوية بعد أن هاجر إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت الحركة العلمية في ازدهار منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا وستظل بإذن الله تعالى في كل أنحاء المعمورة، تزدهر بعلم الشريعة الغراء التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

فلقد كان عهده صلى الله عليه وسلم علم وتعليم وتعلُّم وإقامة شعائر وعبادات، وفتوحات، قد ازدانت بها الدنيا.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 04:43 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
من صور الإعجاز التربوي النبوي 1/2
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛

فمما لا شك فيه أن الإسلام دينٌ معجزٌ كله ، فكتاب الله العظيم معجزٌ في سوره وآياته ، و رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم معجزٌ في قوله وعمله ، و سُنته الطاهرة معجزةٌ في لفظها ومعناها . وفي هذه العُجالة طوافٌ سريعٌ ببعض الجوانب الإعجازية - التي أشار إليها الهدي النبوي المبارك - ذات العلاقة بموضوع الغضب كخُلقٍ سلوكي مذموم جاء النهي عنه في أكثر من موضع من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ؛ نظراً لما يترتب عليه من عظيم الخطر ، وكبير الضرر . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : " لا تغضب " ، فردَّد مراراً ، قال : " لا تغضب " ( البخاري ، الحديث رقم 6116 ، ص 1066 ) . وهنا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول والمربي العظيم للأمة قد أوصى من طلب منه الوصية بعدم الغضب ، ثم كرر النهي مراراً .

فما هو الغضب ؟ وما هي مضاره ؟ وما علاجه وفق منهج التربية النبوية التي جاء بها معلم الناس الخير ليكون لنا في ذلك منهج نهتدي به ، وسبيل نتبعه ؟

تعريف الغضب :

يُعرَّف الغضب بأنه " ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش و الانتقام " ( 1 ) .

وقد يُعرَّف بأنه " حالةٌ نفسيةٌ انفعالية تُصيب الإنسان " ( 2 ) .

وقيل فيه : " إن الغضب غريزي في الإنسان فلا يُذم و لا يمدح إلا من جهة آثاره ؛ فمن غضب وكظم غضبه وغيظه مُدح ، ومن غضب فثار وتصرف تصرفاً شائناً نتيجة الغضب كان مذموماً بقدر ما وقع منه من تصرف " ( 3 ) .

والمعنى أن الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ يؤدي بصاحبه إلى الثوران والانفعال ، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله غالباً .

مضار الغضب :

للغضب كثيرٌ من المضار العظيمة التي تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الفردية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفكرية والتي تؤكد جميعها أن الغضب مفتاح الشرور لأنه يجمع الشر كله كما أشار إلى ذلك أحد عُلماء السلف بقوله : " إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز ( التوقي ) منه جماع الخير " ( 4 ) .

فمن مضاره الفردية أنه يُفقد الإنسان صوابه ، ويسلبه عقله ، ويدفعه إلى السب ، والشتم ، والسخرية ، والتلفظ بالألفاظ البذيئة وغير المؤدبة التي قد تُسبب له الحسرة والندامة فيما بعد ، وقد تُسقطه من أعين الناس ؛ إضافةً إلى ما قد يقوم به الإنسان حين غضبه من التصرفات الطائشة البعيدة عن الحكمة ، والمُجانبة للصواب . وهو ما يُشير إليه أحد كبار الكُتاب بقوله :

" الإنسان مخلوقٌ متميز ، فيه شيء من الملائكة ، و شيءٌ من الشياطين ، و شيءٌ من البهائم والوحوش ؛ فإذا عصف به الغضب ، أوتر أعصابه ، وألهب دمه ، وشد عضلاته ، فلم يعد له أُمنيةً إلا أن يتمكن من خصمه فيعضه بأسنانه ، و يُنشب فيه أظفاره ، ويُطبق على عنقه بأصابعه ، فيخنقه خنقاً ، ثم يدعسه دعساً ، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية ، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق " ( 5 ) .

ومن مضاره الاجتماعية أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " ( 6 ) .

أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " ( 7 ) .

كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه " ( 8 ) .

وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلـب "(9) .

وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ أن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي " ( 10 ) .

وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال

علاج الغضب :

انطلاقاً من كون الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ لا يُمكن دفعه ، فإن من عظمة الإسلام وكماله أن اعترفت التربية الإسلامية بذلك وبيَّنت طرق الوقاية منه ، وكيفية علاجه ، بطرقٍ مختلفة ، ووسائل متنوعة نُجملها في ما يلي :

أولاً / محاولة البُعد عن دواعي الغضب وتجنب أسبابه ، وعدم التعرض لما يؤدي إليه من الأقوال والأفعال التي منها : " الكِبـْرُ و التعالي والتفاخر على الناس ، والهزء و السُخرية بالآخرين ، وكثرة المزاح ولا سيما في غير حق ، والجدل و التدخل فيما لا يعني ، والحرص على فضول المال أو الجاه"(11).

ثانياً / الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم عملاً بقوله تعالى :

} وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ( الأعراف :200 ) . فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من الشيطان إنما يعتصم بعظمة الله تعالى ويلوذ بها ، ويستحضرها في نفسه لما في ذلك من طردٍ للشيطان ودحره وإبطال مكره ، ومن ثم يسكن الغضب وتهدأ ثورته – بإذن الله تعالى - . فعن سليمان بن صُرَد أنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمَّر عيناه ، وتنتفخ أوداجه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إني لأعرف كلمةً لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4781 ، ص 249 ) .

ثالثاً / التزام الصمت وعدم الكلام لما في ذلك من الحيلولة – بإذن الله – دون وقوع الغاضب في ما لا تُحمد عُقباه من بذيء اللفظ وسيئ الكلام ( سباً ، أو شتماً ، أو سخريةً ، أو نحو ذلك ) . ولأن " من الناس من لا يسكت عند الغضب ، فهو ثورةٌ دائمة ، وتغيظٌ يطبع على وجهه العُبوس . إذا مسَّه أحدٌ ارتعش كالمحموم ، وأنشأ يُرغي و يُزبد ، و يلعن ويطعن "(12). ولهذا كان سكوت الغاضب و تركه للكلام علاجاً مناسباً للغضب لما روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً . ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 2136 ، ص 239 ) .

وهنا يلاحظ الإعجاز التربوي النبوي المتمثل في توجيهه صلى الله عليه وسلم للغاضب بالتزام الصمت وعدم الكلام " وهذا دواءٌ عظيمٌ للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره ، مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه " ( 13 ) .

رابعاً / التصاق الإنسان الغاضب بالأرض لما روي عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض " ( الترمذي ، ج4 ، الحديث رقم 2191 ، ص 483 ) .

ولعل المقصود بالالتصاق هنا بقاء الغاضب في مكانه وعدم الحركة كما يُشير إلى ذلك أحد الباحثين بقوله : " نُلاحظ في هذا الحديث لوناً من ألوان العلاج لثورة الغضب ، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو اللصوق بالأرض ، والغرض منه تجميد كُلَّ حركةٍ يمكن أن ينجم عنها آثارٌ غضبية مادية " ( 14 ).

خامساً / الانشغال بذكر الله تعالى لما في ذلك من حصول الطمأنينة والسكينة مصداقاً لقوله تعالى : } أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : من الآية 28 ) . كما أن في ذلك تذكيرٌ للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في عُلاه وقدرته ، وحثٌ على الخوف منه سبحانه لا سيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادرٌ على عقابه والانتقام منه . وقد ورد أنه " وجد في التوراة مكتوباً : ي ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكُرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق " ( 15 ) .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 04:51 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الأطفال في بيت النبوة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

وبعد : فإن تربية الطفل على الاستقامة ، وتعليمه طرق الفلاح والصلاح ، وفتح باب الخير له ، والاكتشاف والمعرفة مهمّةٌ أوكلها الله تعالى إلى الآباء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (

ولما كان التعاون على الخير أصلا معتبرا في شرعنا ، فقد أجاز الشرع الحنيف أن يوكل الآباء غيرهم ليقوموا بجزء من وظيفتهم في التربية و التعليم ، فكان المعلمون بهذا الأصل وكلاء شرعيين لأداء مهمتهم مع الأبناء ، ومن هنا جاءت القاعدة التربوية لتنصّ على أن المعلم ينزّل منزلة الأب في التأديب و التعليم .

وعليه فإن مسؤولية المعلم في منهج التربية الإسلامية لا تقتصر على مجرد التلقين ونقل المعلومة ، بل تتعدى ذلك إلى الرعاية والاهتمام والتهذيب .

ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا نزّل المعلم نفسه منزلة الأب في الحرص على خير الأبناء ، فغمرهم بالرحمة وشملهم بعطفه وحبه وعنايته.

ولقد منّ الله تعالى على هذه الأمة بأن بعث فيهم رسولا منهم ، وكان بهم رؤوفا رحيما ، فدلّهم على الخير و النجاة ، وحذرهم من كل الشرور و المهلكات ، فكان صلى الله عليه وسلم بأمته أحرص من الأب على ابنه ، والأم على ولدها ، ولذا وجب على المعلمين أن ينهلوا من هديه صلى الله عيه وسلم في التربية و التعليم ليسلكوا بتلامذتهم المسلك الصحيح ، ويقوموا بمسؤولياتهم أحسن قيام

وفي هذه الصفحة نحاول أن نستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع الأطفال سواء أكانوا من البنات أم الأحفاد أو ربائب أو غيرهم ، لنرتشف من عبيق سيرته ما يضفي على العملية التربوية الفعالية و النجاح .



الحلقة الأولى : مع ربيبه عمر بن أبي سلمة

روى البخاري في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة قال : ((كنت غلاما في حجر[1] رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش[2] في الصحفة[3] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) . فما زالت تلك طعمتي بعد))[4] وفي رواية أبي داود[5] : (( ادن بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) وفي رواية الترمذي[6] : (( ادن يا بني : و سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )).

ففي هذا الحديث مواقف تربوية عظيمة منها :

أولا : فيه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بسلوك ربيبه عمر بن أبي سلمة أثناء الأكل ، والحرص على معالجة خطئه ، حتى لا يصير ذلك عادة سلوكية يصعب مع مرور الأيام تركها ، وهذا يدل على أن العملية التعليمية لا تقتصر على تزويد الطالب بالمعارف والعلوم بل تقتضي كذلك حل المشكلات ومعالجة الأخطاء السلوكية.

ثانيا : طريقة معالجة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخطأ عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه بأسلوب الأب المشفق والمعلّم الرحيم ، حيث ناداه بعبارة فيها تحننّ وتلطّف وعطف ، فقال له : " ياغلام " وفي رواية أبي داود " ادن بنيّ" وفي رواية الترمذي : " ادن يا بنيّ" ، ولاشك أن هذا النداء يشيع في النفس الطمأنينة ، ويثير فيها حب الاستجابة وحب التطلع إلى ما يقوله المربّي ، وفيه دعوة للمعلمين إلى ضرورة الاعتناء بمخاطبة تلامذتهم بما لا يدعوهم إلى النفور والقلق والخوف أو التذمّر ، فليس من اللائق مناداة التلميذ –إذا ما أخطأ- بأسماء الحيوان ، أو بألفاظ نابية تجعله محلّ هزء بين أصحابه ، وربما أدّى ذلك إلى ردّ فعل سلبي تحوّل مع مرور الزمن إلى كره المدرسة أصلا ، فإقرار مبدأ الرفق و الملاطفة في التعامل مع الأطفال مسلك نبوي مرعي قال صلى الله عليه وسلم : "((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا))[7].

الثالث : أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بادر الطفل بالحلّ مباشرة قائلا له : " سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك " ليفهمه بطريق غير مباشرة أنّ ما كان يفعله خطأ يجب تركه ، وفي هذا تنبيه للمعلمين إلى ضرورة مراعاة نفوس التلاميذ ، فلا يُعيٍّرونهم بأخطائهم ، أو يتوسعون في ذكرها أمام التلاميذ ، بل يجعلون همّهم إصلاح الخطأ بأيسر طريق وأنجح سبيل ، وإذا رأى الأستاذ أن هذا الخطأ قد يتكرر عند التلاميذ ، فلا بأس من استعمال أسلوب التعريض ليعمّ التعرّف على المشكلة وأسبابها وسبل علاجها .

الرابع : أن تعليمه صلى الله عليه وسلم الطفل آداب الأكل والاهتمام به [8] يدلّ من باب أولى على ضرورة الاعتناء ببعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يحتاج إليها الصبي كالوضوء وأحكام الصلاة .

الخامس : أن تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم الصغير البداءة ببسم الله في الأكل فيه ربط للصبي بالله تعالى ، وأن يعتقد الفضل من الله تعالى لا شريك له ، لذلك يستحق أن يطاع ويشكر ، وفي ذلك تنبيه للمعلمين على ضرورة الاعتناء بالأصل العقدي والبداءة به ، ليشبّ الأطفال وقد تعلقت نفوسهم بالله تعالى.

السادس : أن هذا المسلك التعليمي دلّ على فعاليته ونجاحه وأثره الطيّب على الأطفال ، بدليل أن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال بعدها : " فمازالت تلك طعمتي بعد ."

الباحث : فريد بن عمر عزوق







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - في حجر رسول الله : أي في رعايته وتربيته .

[2] - تطيش : تتحرك في كل النواحي و لا تلزم موضعا واحدا .

[3] - الصحفة : القصعة التي يوضع فيها الأكل .

[4] - أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5/2056) حديث رقم 5061 ، ومسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ( 3/1599) حديث رقم 2022

[5] - أبو داود : السنن ، كتاب الأطعمة ، باب الأكل باليمين ، (2/376) حديث رقم 3777

[6] - الترمذي : الجامع ، كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام (4/288) حديث رقم 1857

[7] - مسلم في صحيحه برقم 1478

[8] - ويدخل في ذلك آداب النوم والشرب وقضاء الحاجة وغيرها .



الباحث فريد عزوق

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 04:54 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نموذج حضاري (1)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الأول)

يعتبر الرسل والأنبياء بحق هم رواد الحضارات وصفوة الخلق لأنهم جاءوا بالمنهج الذي يكفل السعادة في الحياة الأولى والآخرة ، وكانوا تطبيقاً عملياً وقدوةً فذةً لذلك المنهج . ومن المقتضيات العقدية والتربوية للإيمان بالله ، الإيمان برسله جميعهم بدون استثناء . قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} النساء (150-151) .

فالجماعة صغيرةً كانت أو كبيرةً إذا لم تهتد بمنهج الهداية المنزل من الله على رسوله فقد كفرت، والكفر يعني الجحود ويأتي بمعنى الإخفاء والتغطية وهؤلاء الكافرون غطوا منهج الهداية والسعادة عن أنفسهم وعن غيرهم ، وجعلوا بينهم وبينه حاجزاً وحجراً محجوراً ، واستحقوا بالتالي حجب السعادة الأخروية عنهم ولم يحصلوا السعادة الدنيوية أيضاً.

ومن تتبع التاريخ وسبر أحوال الأمم والحضارات يرى أن إمكانية التقدم بمفهومه الشامل وليس الجزئي هو الذي يتحقق ، ويستمر إذا كان موجوداً من قبل عند توفر شرط واحد و هذا الشرط هو الالتزام بالمبادىء الروحية و الأخلاقية التي جاء بها أولئك الأنبياء .وهذه الحضارات وتلك الأمم سيبقى كيانها الحضاري ثابتاً ما دامت ملتزمةً بمنهج الأنبياء والرسل ، وإذا انحرفت وحادت فقد حكمت على نفسها بالفناء والدمار.قال تعالى : {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (الكهف:59) .

وعن طريق هؤلاء الأنبياء يستمر الوحي الإلهي يمد تلك البشرية الضعيفة بما يرفعها إلى مستويات سامقة ويجلب لها النماء والخير والفلاح والتفوق الحضاري . يقول توفيق الواعي (1408) :

" لقد كان الوحي الإلهي في كل حضارة نورها الهادي الذي تنبعث منه ملامح المجتمع الجديد بعد صراع مرير مع قوى الطغيان حتى إذا اكتملت مقومات هذا المجتمع الوليد بتمام الرسالة واكتمال البلاغة ، جد هذا المجتمع في البناء والتقدم ثم لا يلبث أن يكون بعد ذلك ازدهاراً ليغري الإنسانية بالجنوح إلى نسيان ذاتها والنكوص عن حمل أمانة الخلافة المنوطة بها ، ثم يتطور النسيان إلى جحود ونكران ثم إلى انحراف يؤدي إلى انحلال حضاري لا مفر منه . ومن هنا تنشأ حاجة المجتمع إلى رسالة جديدة و مبلغ آخر يحمل وحي السماء ليحي بها الأرض بعد موتها " (ص334) .

لا يوجد ثمة انفصال في حياة البشر الأسوياء بين الواقع المادي والوقع الروحي ، فكلاهما متحدان. وباستقراء سيرة أنبياء الله ورسله،وهم المبلغون عن الله والأكثر اتصالاً به ،لا نجد ما يوحي بالسلبية و الغياب عن الواقع المعيشي أو انعزالهم في أبراج عاجية . وكانوا من أول المبادرين إلى العمل بالقيم والمبادىء الحضارية التي ينادون بها وتدعو إليها الفطر السليمة . ومما يدل على تفاعلهم مع بيئاتهم أنهم ساهموا في المجالات المدنية القائمة آنذاك. يقول أكرم العُمري (1407) : " وأصدق الشهود هم أنبياء الله لاتصالهم بالوحي وتلقيهم عنه ، وهم المثل العليا في نظر الإسلام ، وهم قادة روحيون ودنيويون ، لم تؤد يقظة أرواحهم إلى غيابهم عن العالم المادي" ، (ص100) .

والقرآن الكريم والسنة النبوية يحويان العديد من المواقف والقصص التي تكشف عن الشهود المدني والحضاري للأنبياء والمرسلين . وقد مارسوا عليهم السلام بأنفسهم وبمن معهم ألواناً من النشاط الاقتصادي والاجتماعي إضافةً إلى جهودهم الدعوية والتربوية ، ولابد إذن للتربية أن تُدرس المتعلمين سيرتهم لاستخلاص سنن التغيير ، ومنها يستنبط المنظرون معالم.

د. هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 04:57 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نموذج حضاري(2)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الثاني)

ومنها يستنبط المنظرون معالم التربية الحضارية وأساليبها.

أهم أساليب التربية على تحقيق هذا الهدف:

1 – فهم سنن التغيير اللازمة لبناء الحضارة واستمرارها :

ففي قصة آدم عليه السلام وصراع ابنيه قابيل وهابيل ما يبين سنة الصراع الحضاري بين الخير والشر الذي لم تسلم منه المجتمعات الغابرة والمعاصرة . قال تعالى :{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:30) .وقال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال:53).

2 – تكوين روح مقاومة اغراءات الحياة الدنيا والزخارف المادية التي تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة :

وذلك لأن هذه المغريات بزخرفها ومباهجها تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة . وقد ذكر لنا القرآن سورة كاملة تحكي قصة نموذج حضاري فريد عاشه نبي من الأنبياء هو يوسف عليه السلام . حيث أُخذ قسراً من بين أحضان والديه وبيع كالرقيق ثم عاش فترةً من عمره في قصر أحد الفراعنة ، فانتقل من دياره إلى بلاد ذات حضارة مغايرة وجاور قوماً ذوي قيم مختلفة لم يعرفها في منشئه ولم يترب عليها في بيت النبوة الذي خرج منه . وتعرض لإغراءت مادية وجنسية، ومع ذلك حافظ على دينه وعقيدته وأخلاقه وقيمه ولم يتخل لحظةً واحدةً عن سلوكه الديني . وحين تعرضت له امرأة ذلك الملك وقف أمام هذه المحنة كالطود الأشم .قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف:23-24) . يقول ابن القيم رحمه الله (ت751) مصوراً الحالة النفسية التي عاشها يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز : " ولهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجب وبيعه بيع العبيد والتفريق بينه وبين أبيه ، وابتلائه بمراودة المرأة وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهي الداعية إلى ذلك ، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء فإن الشباب داع إلى الشهوة . والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام . وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته ، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد،وإذا كانت جميلة كان أعظم،فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة ، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ ، فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب ، فإن كان الرجل كمملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية كان أبلغ في الداعي ، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين " ، (ص227) .



3 – الاستفادة من سير الأنبياء في تكوين البصيرة الإدارية:

وقد تجلت أهمية البصيرة الإدارية الواعية والسياسة الحكيمة المحنكة لقيام الحضارة وتسيير أمورها ودفعها للتفوق بين الأمم في موقف حضاري آخر ليوسف عليه السلام .وبرزت مواهبه الإدارية وقدراته التخطيطية والتي تؤسس الكيان الحضاري حين أشار بمشورة ثمينة وقدم نصيحة غالية أنقذت بلاد مصر من كارثة اقتصادية فادحة . قال تعالى :{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ .ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ}(يوسف:47-48) .

4 – تبصير المتربين بهدي الأنبياء في تسخير المعطيات الطبيعية والموارد المتاحة :

ويعتبر كل من داود وسليمان عليهما السلام من أنبياء الله الذين أتقنوا فنون الصناعات والابتكارات وسخروا القدرات المادية والعينية كالريح والجن من أجل عمارة الأرض واختراق المسافات ونقل الأغراض بسرعة فائقة تزيد عن قدرة الإنسان الحديث.قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الانبياء:78) ، وقال تعالى :{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل:16) .

فكان داود عليه السلام قاضياً بين الخلائق ، قال تعالى :{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (صّ:26) . وسخر له الله عز وجل الجبال والطير تتجاوب مع تسبيحه وعبادته ، قال تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء: من الآية79) .

واستفاد داود عليه السلام من المعادن المتوفرة في بيئته فاستخدمها لصنع الدروع ، وقيل أنه أول من صنعها وسردها وحلقها وكانت من قبل صفائح ، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الانبياء:80) .وقال أيضاً :{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( سبأ 10-11) .

ولا شك أن ممارسة الوظائف الدنيوية والصنائع المهنية هي من صميم العبادة التي يؤجر عليها المؤمن إذا قام بها لوجه الله ، ولذا امتدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخاه داود عليه السلام فقال عنه : (كان داود أعبد البشر ) ، صححه الألباني في الصحيحة برقم 707 .

5 – تكوين الرغبة في الاقتداء بالأنبياء في الوظائف المهنية :

فلا بد من الاهتمام بالوظائف المهنية وتشجيع الأجيال للانخراط فيها وذلك لأهميتها في صنع الحضارة . وقد ضرب الأنبياء عليهم السلام أروع الأمثال في ذلك . فكان نبي الله نوح عليه السلام رائداً في صناعة السفن وبنائها وله خبرة في تقطيع الخشب والضرب بالحديد واستخدام القار وغيره لإحكام صنعته . قال تعالى :{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ . وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (هود: 37-38) . وقال تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر:13).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا ماهرين في فن التشييد والعمران عندما استجابا لأمر الله عز وجل ببناء البيت الحرام ، فوضعا أسسه وقواعده وبنيا جدرانه . قال تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127)



د. هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 04:59 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
من صور الإعجاز التربوي النبوي 2/2
الوصية النبويّة (لا تغضب)

سادساً / تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب إلى حالةٍ أُخرى لأن في ذلك شغلٌ له وانصرافٌ – ولو يسير – عن ما هو فيه من غضب ؛ فعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " ( أبو داود ، ج4 ، الحديث رقم 4782 ، ص 249 ) .

وهنا نلاحظ إعجازاً نبوياً تربوياً آخر فالغاضب القائم يكون في حالة تهيئٍ واستعدادٍ لسرعة الانتقام أكثر مما لو كان جالساً أو مُضطجعاً ؛ فجاء التوجيه النبوي الكريم داعياً إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب منعاً لما قد يتوقع من ردة الفعل المباشرة ، وعلاجاً لها حيث " إن الجلوس أو الاضطجاع في حالة الغضب يؤديان إلى استرخاء البدن ، مما يُساعد على مقاومة التوتر الذي أحدثه الغضب ؛ ويؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيف حدة انفعال الغاضب تدريجياً ، ثم التخلص منه نهائياً . كما أن الجلوس و الاضطجاع يقاومان ميل الإنسان إلى العدوان " ( 16 ) .

سابعاً / المسارعة إلى الوضوء الذي له أثرٌ فاعلٌ في تهدئة ثورة الغضب التي تتسبب في فوران دم الإنسان الغاضب وارتفاع حرارة جسمه ، وبذلك يعود الإنسان إلى وضعه الطبيعي – بإذن الله - . فعن عطية بن عروة السعدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4784 ، ص 249 ) .

وقد عَلَّق أحد المختصين على هذا الحديث بقوله : " ويُشير هذا الحديث إلى حقيقةٍ طبيةٍ معروفة ؛ فالماء البارد يُهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يُساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي و العصبي " ( 17 ) .

ثامناً / كظم الغيظ بعدم إنفاذ الغضب ، ومحاولة إخماد جذوته لما في ذلك من الفضل العظيم الذي قال فيه سبحانه وتعالى : } وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ( آل عمران : من الآية 134 ) . وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " .. وما من جرعةٍ أحبُ إليَّ من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ ؛ ما كظمها عبدٌ لله إلاَّ ملأَ جوفه إيماناً " ( أحمد ، ج1 ، الحديث رقم 3017 ، ص 327 ) .

وعن معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يُنفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيَّره في أي الحور شاء " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2493 ، ص 656 ) . وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالات النفس ، وعدم الاستجابة لها ، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب ، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب .

تاسعاً / العمل على ترويض النفس وتربيتها بين الحين والآخر على التحلي بفضائل الأخلاق وكريم السجايا وحميد الصفات حتى تعتاد الحلم والصفح ، وتألف الصبر والتروي ، وتتربى على عدم الاندفاع والتسرع في الرد والانتقام عند الغضب سواءً بالقول أو الفعل .

وهكذا مرةً بعد مرة يُصبح ذلك طبعاً عند الإنسان المسلم مقتدياً فيه برسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسبق حلمه غضبه ، وعفوه عقوبته " فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله ، ويُلاحظ الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للحُلماء ، لا بُد أن يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم ، ولو على سبيل التكلف ومُغالبة النفس ، وبعد التدرب خلال مدةٍ من الزمن قد تطول أو لا تطول فقد يُصبح الحلم سجيةً خُلقية مكتسبة ، ولو لم يكن في الأصل طبعاً فطرياً " ( 18 ) .

عاشراً / العمل على التحكم في الانفعالات وامتلاك النفس عند الغضب كنوعٍ من قوة الشخصية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الشديدُ بالصُّرَعَة ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغَضَب " ( البخاري ، ص 1066 ، الحديث رقم 6114 ) . والمعنى المُراد يتمثل في كون " القوة الحقيقية تكمن في امتلاك النفس والسيطرة عليها عند فوران الغضب " ( 19 ) .

وهذا فيه تربيةٌ للإنسان المسلم على مُجاهدة النفس ومُغالبتها على عدم الغضب " لأن تعلم التحكم في انفعال الغضب إنما يُقوي إرادة الإنسان على التحكم في جميع أهواء النفس وشهواتها ، ويُمكِّن الإنسان في النهاية من أن يكون مالك نفسه وسيدها وليس عبداً لانفعالاته ، وأهوائه وشهواته " ( 20 ) .

حادي عشر / صرف انتباه الإنسان الغاضب إلى ما يُبعده عن الغضب بوسيلةٍ أو بأخرى حتى يحول ذلك دون استمرار ثورة الغضب . يقول أحد الباحثين : " ومما يُساعد على التخلص من انفعال الغضب أيضاً تغيير حالة الإنسان النفسية ، وتوجيه الانتباه إلى أمور أُخرى بعيداً عن الأمر الذي أثار الغضب ، فيشتغل الإنسان بالتفكير فيه ، وينصرف عن التفكير في الأمر الذي أثار الغضب . وكذلك فإن مما يُساعد على التخلص من الانفعال القيام بمجهودٍ بدنيٍ عنيف لتبديد الطاقة البدنية والتوتر العضلي اللذين أثارهما الانفعال " ( 21 ) .

ثاني عشر / التفكر في ما ينتج عن الغضب من النتائج المؤسفة والعواقب الوخيمة التي تؤدي في الغالب إلى الندم والحسرة على ما كان من قولٍ جارحٍ ، أو عملٍ أهوجٍ ، لا يتفق مع ما تمتاز به شخصية الإنسان المسلم من جميل الصفات وكريم الخصال . يقول أحد العلماء : " والغضبان أول ما يجني على نفسه فتقبُح صورته ، و تتشنج أعصابه ، و يفحُش كلامه ، ويزيد على من ظلمه انتقامه ، و قل أن تراه إلا وهو شعلةٌ من نارٍ يأكل بعضها بعضاً " ( 22 ) .

وبعد ؛ فهذا هو الغضب ، وتلك بعض آثاره ومضاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ، وهذه طرق علاجه ووسائل الوقاية منه وفق ما بيَّنه معلم البشرية وأُستاذ الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في تربيته النبوية التي اختصرت ذلك كله في وصيةٍ تربويةٍ واحدةٍ معجزةٍ ، نطق بها الفم الشريف قائلاً لمن طلبها : " لا تغضب " ؛ فكانت بحق وصيةً تربويةً موجزةً في مبناها ، معجزةً في معناها لأنها جمعت في كلمةٍ واحدةٍ بين خيري الدنيا والآخرة .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 05:02 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نموذج حضاري (3)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r

(الجزء الثالث)

أما موسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل فقد احترف رعي الغنم لمدة عشر سنوات وكان ذلك صداقاً لزواجه من إحدى بنات الأنبياء وهو شعيب عليه السلام ، قال تعالى :{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}(القصص: 27-28) . ورعي الغنم يعتبر اليوم عند البعض من الوظائف المهنية الوضيعة التي يترفع عنها الكثير من المتربين ، ولكن الحضارة لا تستغني عن أي وظيفة مهنية صغيرةً كانت أو كبيرة . وفي هذه القصة يظهر معرفة شعيب عليه السلام بالقدرات وحسن اختياره وتوظيفه للطاقات مما يبين أهمية اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب في مشروع البناء الحضاري.ومن مواصفات الرجل المهني كما تبين من القصة أن يكون قوياً أميناً لمواصلة العمل والحفاظ على الأمانة .

ومن الجوانب المهمة في الاقتداء بالأنبياء في ما يلي :

أ – الاقتداء بالأنبياء في التركيز على الصناعات الخفيفة والثقيلة .

وذلك لحاجة الأمة إليها في عملية النهوض الحضاري . فنبي الله سليمان عليه السلام أُوتي قدرة التحكم في الهواء ، وكان سباقاً في اكتشاف واستغلال نعمة الريح لخدمة أغراضه واستفاد منها هو ومجتمعه .قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}(الانبياء:81) . وكان للشياطين دور بارز في تنشيط الحركة الاقتصادية و زيادة الموارد المالية لدولة سليمان عليه السلام ، فكانوا نعم الموظفين الجادين في أعمالهم والمطيعين لرئيسهم . قال تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (الأنبياء:82) . وقال تعالى : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ.يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ 12-13) .

وقد فسر ابن الجوزي رحمه الله(ت597، 1404) الآيات السابقة ، وفيما يلي بعض الشواهد الحضارية منها :

- أجرى الله لسليمان عليه السلام عين القِطر وهو النحاس المذاب حتى صنع منها ما أراد من غير نار كما ألين لداود عليه السلام الحديد بغير نار . فبقيت تجري ثلاثة أيام و لياليهن كجري الماء ، وإن ما يعمل الناس اليوم مما أُعطي سليمان .

- أن الجن كانت تبني له المساجد والقصور ، وقيل كانت تصنع له صور الطواويس والعقبان والنسور وتضعها على كرسيه ودرجات سريره مبالغةً في الأُبهة والعظمة ، وهذا التصوير لم يكن محرماً يومئذ .

- كانت الجن تصنع له قدوراً ضخمةً لا يُستطاع تحريكها لثباتها حتى إنه ليأكل من القدر الواحد ألف رجل ( ج6 ص438).

ومن استقرأ التاريخ القديم والحديث يتيقن أن مظاهر الأبهة والعظمة والتحكم في الجن وركوب البساط الرياحي لم تتيسر لأي من الملوك والعظماء في الحضارات المختلفة ولم تتهيأ لأرباب الحضارة المعاصرة الممتلئة غروراً وعنجهيةً . قال تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (ص:35) . قال البخاري عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال r : ( إن عفريتاً من الجن تفلت علي البارحة –أو كلمة نحوها – ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (صّ: من الآية35) رواه البخاري في كتاب الصلاة (ج1 ص82) .

ب – الاقتداء بالأنبياء في ممارسة المهن التي تحتاج إلى مهارات عقلية عالية

فهناك من المهن التي تحتاج إعداداً خاصاً ونبوغاً متميزاً كالطب والهندسة وهي من أعمال الأنبياء التي قاموا بها .وقد علم الله نوحاً عليه السلام صناعة السفن ، وكان عيسى عليه السلام طبيباً بشرياً يشفي المرضى ذوي العاهات بإذن الله تعالى ، وبلغ من معجزاته التي آتاه الله إياها أن أحيا الأموات من قبورهم . قال تعالى :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (المائدة:110) .

أما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد عمل فترة طفولته في رعي الغنم ، ولما شب عن الطوق وأصبح رجلاً توظف في عمل تجاري في مؤسسة خديحة رضي الله عنها . ولما آتاه الله النبوة كان مصدره المعيشي من الجهاد في سبيل الله



د.هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 05:12 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
الصلاة وتربية الأمة على الوحدة



الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ) إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ( ( سورة النساء : من الآية 103 ) .

والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي صحَّ عنه أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 1079 ) . وبعد :

فما من إنسانٍ مُسلمٍ بالغٍ راشدٍ عاقلٍ ؛ إلا و يعلم ما للصلاة من أهمية عظمى ، ومنزلة كبرى في حياة الإنسان المسلم ، فهي عمود الإسلام ، وأحد أركانه العظمى ، وهي الفريضة التي متى صلُحت صلُح سائر عمل العبد وقُبل - بإذن الله تعالى - ، وإن فسدت فسد سائر العمل والعياذ بالله .

وقد جاءت التربية النبوية العظيمة لتؤكد أهمية وعظم شأن هذه العبادة التي توصف بأنها صلةٌ بين العبد وربه سبحانه . ومع أن مساجدنا ولله الحمد والمنة ، تزدحم بالمصلين الذين يسعون إلى المساجد طامعين في الأجر والثواب من الكريم الوهاب ؛ إلا أن هناك بعضاً من الناس الذين لا يحرصون على ذلك ، فنراهم يتخلفون عن حضور بعض الصلوات في المساجد ، دونما عذرٍ يُبيح لهم هذا التخلف عن صلاة الجماعة ، وإنما هو التساهل والتهاون في شأن هذه العبادة العظيمة ، والخمول والكسل ، والانشغال بالشهوات والملذات التي ينسى أو يتناسى أصحابها أن في ذلك تركاً لسنة المصطفى r ، ومدعاةً للضياع والضلال والعياذ بالله .

كما أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من عظيم الأجر وجزيل الثواب الذي جاءت به التربية النبوية ؛ فعن عبد الله بن مسعود t أنه قال : " من سرَّه أن يلقى الله غداً – أي يوم القيامة – مسلماً ؛ فليُحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادى بهنَّ ، فإنهن من سُنن الهدى ، وإن الله شرع لنبيكم r سُنن الهدى ، ولعمري ، لو أن كلَّكم صلى في بيته ، لتركتم سُنَّة نبيكم ، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتُنا وما يتخلفُ عنها – أي صلاة الجماعة – إلاَّ منافقٌ معلومُ النفاق ، ولقد رأيتُ الرجل يُهادى بين الرجلين حتى يدخل في الصف ، وما من رجلٍ يتطهَّرُ فيُحسنُ الطهور ، فيعمد إلى المسجدٍ فيُصلي فيه ، فما يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة ، وحطَّ عنه بها خطيئة " ( رواه ابن ماجه ، الحديث رقم 777 ، ص 147 ) .

فيا من غركم حلم الله تعالى عليكم ، ويا من تخلفتم عن صلاة الجماعة ، الله الله في صلاة الجماعة ، وإياكم والتخلف عن أدائها في المساجد ، وعليكم بالحرص على أن تكونوا ممن قال فيهم الشاعر :

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا

" الله أكبر" في شـوق و في جـــذل

أرواحهم خشعت لله فـي دأبٍ

قلوبهم من جـلال الـله في وجـل

هـم الرجال فلا يُلهـيهمُ لعبٌ

عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل

وفقنا الله وإياكم للمحافظة على الصلوات في الجُمع والجماعات ، ورزقنا بفضله وكرمه أجزل الأجر والثواب ، وجعلنا جميعاً من أهل الصفوف الأولى في بيوت الله في الأرض ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً.





د . صالح بن علي أبو عرَّاد

أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في أب

فاستبقوا الخيرات 01-09-2010 05:20 AM

رد: لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"
 
نموذج حضاري (4)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r (الجزء الرابع)

المعالم التربوية في رسالة خاتم الأنبياء محمد r :

ولنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مزية خاصة فهو أفضل الرسل وخاتم النبيين ، ونستنبط من رسالته الحضارية بعض المعالم التربوية وهي :



1 – اتصافه بالأخلاق اللازمة لأجيال الحضارة

فمحمد r رسول الحضارة وحضارة الإسلام من أهم مميزاتها أنها حضارة أخلاقية ،وهذا خلاف ما اكتنف الحضارات الغابرة والمعاصرة من سلوكيات لا أخلاقية . وخير شاهد على ذلك رسول الحضارة نفسه r ، فالمنهج الأخلاقي في حياته r لم يبلغه بشر ولم يحصل عليه مخلوق ، ويكفي شهادة خير الشاهدين سبحانه وتعالى حين يقول : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4). فقد كان منهجه r المنهج الأسنى الذي بنى خير حضارة وأخرج أفضل أمة، فلا بد من دراسته وتأمله وفهم دقائقه.يقول برغوث مبارك(1415) : " وذلك لما للوعي بهذا المنهج من فقه بصير وإدراك عميق وفهم سديد لسنن الدعوات وقوانين النهضات ومناهج البلاغات ومقاصد الديانات وأخلاق السياسات وحاجات النفسيات ومتطلبات العقليات واستعدادات الشخصيات وثقافات الجماعات وسلوكات الأمم الناجيات وشرائع الرحمة الميسرات . ففي المنهج النبوي سبيل لهداية الناس إلى الأعمال الصالحات والأقوال الصائبات والعبادات الصحيحات والمعاملات النافقات والمواقف المرضيات ...والمنهج النبوي له قدرته على تركيب حضارة عالمية نموذجية تستجيب لقانون الفطرة العالمي" (ص38) . فكان الرسول r هو رائد الأخلاق في هذه الحضارة ، وعلى نهجه وأسلوبه تربى أصحابه رضوان الله عليهم ، وبهذه الأخلاق أثروا في الأمم والشعوب التي التقوا بها في السلم والحرب ، في السلم من خلال التبادل التجاري والاقتصادي والمناكحة ، وفي الحرب أثناء المعارك والحروب .


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:18 AM .

مجالس العجمان الرسمي