مجالس العجمان الرسمي - حكاية: الطالب عرفان::::

تقول المعلمة :::::::::

تعرفت إلى عرفان منذ خمسة أشهر تقريبا، كان طالبا مميزا يختلف عن أترابه في الصف الثالث الابتدائي، فكان طويل الأظافر، أشعث، متسخ الثياب والأحذية، لا يستطيع القراءة، لا يعرف من القصص التي يعرفها الأطفال إلا القليل. ماكان لافتا للنظر كثرة شكواه من الجوع. كان من الصعب علي وعليه أن أعامله كبقية الطلاب في الفصل الذين يحرصون على أداء واجباتهم أولا بأول. وعليه قررت تخصيص له وقتا معينا لدوس مصغرة نحاول فيها سد الثغرات الدراسية التي يعاني منها في القواعد والقراءة. كنت أستغل أوقات الاختبارات والقراءات الحرة والتعبير الإنشائي وبعض الفسح لجبر ما نقص عنده ولتعويضه ما فات.

عرفان كان طالبا خجولا لا يتكلم إلا قليلا، لم تكن له الكثير من التجارب التي نجدها عند أقرانه من طلاب الصف الثالث الابتدائي. أخبرني بعد ذلك أنه رسب في الصف الأول الابتدائي وهذا سبب تاخره في الدراسة. في قرارة نفسي كنت أعطف عليه كثيرا، كنت لا أستطيع تحمل مشهد الطلاب يهزءون من رائحته أو ملابسه المتسخة كل يوم. كنت أشتري له بعض الطعام في الفسحة قبل أن أبدأ له الشرح. ولكن كان هناك سؤالا ملحا بداخلي عن أهله وعن أمه وأين هي عن إطعام وغسل ملابس وتنظيف وتدريس ابنها الصغير. إلى أن أتتني الصاعقة.

أتاني عرفان يوما يحمل في يديه ظرفا قال إنه من جدته لي، ابتسمت في داخلي فلم أكن أتوقع أن جدته تعرف القراءة والكتابة، شكرته وهرعت إلى الرسالة. كانت رسالة شكر من الجدة وتقدير لي على مجهودي الإضافي لتحسين مستوى عرفان الدراسي وتذكر في الرسالة أنها لاحظت تغير شخصية عرفان إلى الأفضل فأصبح يقرأ بثقة ولا يسألها كثيرا أن تراجع أو تختار له موضوعات الكتابة، وتنهي الرسالة بطلب أن أساعده في حل بقية الواجبات المدرسية المرتبطة بالمواد الأخرى وليس فقط اللغة العربية. عندها استشطت غضبا، إذا كنت سأطعم الولد وأدرسه فما وظيفة أسرته إذن؟ قررت أن ألتقي بتلك الأسرة وأن نتفاهم على قضية توزيع الأدوار في حياة عرفان، فأنا مدرسة ومهمتى إنسانية بحتة ولكنها لن تحل محل الأسرة بأي حال من الأحوال، كنت غاضبة جدا لدرجة أني قررت إذا رأيت جدته ان أصرخ واتهمها بالإهمال هي وابنتها التي حتما تنام النهار بأكمله ثم تكمل اليوم في السوق. كتبت ردا على الرسالة ،لم أذكر فيها وجهة نظري ، شكرتهم فيها على رسالتهم الرقيقة ودعوتهم فيها لحفلة صغيرة أقيمها في الفصل دوريا احتفالا بقرائي الصغار.

يومها كنت قد أعددت نشاطا في الحصة واستخدمت فكرة مسرح القراءة التي قرأت عنها في شبكة حروف، جزاكم الله خيرا، كان عرفان متميزا يضحك ويقرأ ويشارك ويأكل الكعك مع بقية الطلاب. كان عرفان نظيفا يومها فقد أتي بملابس جديدة وأظافر مقلمة وشعر مهذب. طرق الباب وإذا بجدة عرفان وأمه تستئذنان بالدخول، عندما رأيتها بدأ البركان يغلي في داخلي وقلت إذن لأبدأ المعركة. دخلت الأم تدفع ابنتها والدة عرفان على كرسي متحرك، هدأ البركان تماما بداخلي ، أزحت الأدراج لها ومهدت الطريق، أجلستهما في نهاية الفصل على مائدتي المستديرة وأخذتا تنظران إلى عرفان يقرأ ويلعب ويمثل في مسرح القراءة. التفت لأسأل الأم عن رأيها في قراءة عرفان فوجدتها نائمة!!

قالت الجدة أنا المسئولة عن عرفان وإخوته الثمانية بعد وفاة أبيهم يرحمه الله، أمهم تعاني من حالة متقدمة من مرض السكر لا تستطيع معه النهوض من السرير، الجدة تعمل فراشة في مدرسة البنات القريبة لتعيل الأحفاد كما أنها القائمة على تدريسهم وتولي أمورهم. قالت الجدة أنا لا أعرف الكثير عن التدريس إلا ما تساعدها به المدرسات في المدرسة و لا تملك ثروة لجلب مدرسين خصوصيين للأحفاد. ثم أتي عرفان إلينا وقال لجدته أنه يريد أن يقرأ لها قصة جديدة فرحبت وقرأ لها وشجعناه ثم ذهب ليكمل اللعب مع أصدقائه. قالت أنها ممتنة لي ولا تستطيع رد الجميل فشخصية عرفان تغيرت كثيرا هذه السنة حتى مع إخوته. واخذت تعتذر عن لبس عرفان المستخ وقالت أنها لا تستطيع تحمل مصاريف خادمة لذا تقوم هي بجميع الشئون المنزلية بالإضافة لتطبيب الأم. لم أستطع تحمل الموقف فانهالت دموعي بغزارة، لم

أستطع التبرير فقلت للطلاب ولها بأني سعيدة جدا هذا اليوم بمستواهم الدرسي ووعدتهم بكعكة كبيرة إذا حاولوا جهدهم في الفصل القادم، ودعت الجدة ووعدتها خيرا فدفعت كرسي الأم وخرجتا من الفصل.

بعد انتهاء الحصة بكيت كثيرا، كيف لم أضع عذرا للأهل وكنت سأتهمهم بالإهمال، حمدت الله إني لم أرسل رسالة قاسية ولم أتسرع في الحكم. تعلمت من أسرة عرفان درسا

كبيرا وهي أن لا أتسرع في الحكم على ما أجهل، وأن ألتمس العذر قبل الحكم، وأن عرفان وغيره كثير ليس وراءهم أسرة مهملة بل أسرة مكافحة تكدح من أجل إطعام أفواه الصغار حتى لو كان ذلك على حساب وقت تدريسهم.

انتبهوا قبل القاء الاحكام القاسية على الآخرين .... فنحن لا نعرف الظروف التي يعيشها غيرنا ........