لعل القارئ عندما يرى عنوان موضوعي هذا يتبادر الى ذهنه سؤالا ما علاقة القلوب بالديار ؟
إن لديار علاقة وطيدة بالانسان فهي سبب حزنه وفرحه همهِ وسعادتهِ فالانسان دائماً يألف المكان الرَّحب الذي يشعره بالطمأنينة فيه لان في هذا المكان سيجد من يحبه والا لما كان هذا المكان مصدر راحته.
فالقلوب المحبة مصدرا لحنين الانسان لهذه الديار وكأنها في عيون الانسان صورتها وكأنها جنة الخلد منقوشة في عرض الارض، ديارٌ كأن محاسن الدنيا مجموعة فيها ومحصورةٌ في نواحيها ديارٌ كأن ترابها عنبرٌ وحصباءُها عقيق وهواءُها نسيم وماءُها رحيق ديارٌ معشوقةُ السُّكنى رحبة المثوى كوكبُها يقظان وجَوّها عُريان وحصاها جوهر ونسيمها مُعَطّر وترابها مِسكٌ أذفر ويومها غداةٌ وليلها سَحر وطعامها هَنيٌّ وشرابها مَرِيٌّ ديارٌ واسعة الرقعة طيبة البقعة كأن محاسن الدنيا عليها مفروشة وصورة الجنة فيها منقوشة واسطة الديار وسرّتها ووجهها وغُرتها إنها ديار من تحب والقلوب التي أحبتك.
وإذا جفاك الحبيب وتجهم في وجهك الصديق وخانتك الايام أصبحت الديارُ متضايقة الحدود والافنية متراكمة المنازل والابنية ديارٌ حرُّها مؤذٍ وماؤها غير مُغذٍ ديارٌ وسخة السماء رَمدةُ الهواء جوها غبار وأرضها ليست بقرار ماؤها طين وترابها من غسلين وحيطانها نَزور وتشرينها تموز فكم في شمسها من محترق وفي ظلها من غَرق بلدةٌ ضيقةُ الديار سيئة الجوار إنها ديارُ ملاّ تُحب والقلوب التي لا تُحبك.
وإذا خلت ديار من تحب أصبحت دارٌ قد صارت من اهلها خالية بعدما كانت بهم حَالية دارٌ قد أنفذ البينُ سٌكانُها واقعد حيطانها، شاهد اليأس منها ينطقُ وحبل الرجاءِ فيها يقصر كأن عُمرانها يطوى وخرابها يُنشر، أركانها قيامٌ وقعود، وحيطانها رُكَّعٌ وهجود.


يقول المتنبي في هذين البيتن السالفة الذكر : إن القلوب هي منازل لديار الاحبة تعلم ان الاحبة قد رحلوا وتركوها خالية ولكن الديار لا تعلم بذلك فالذي يعلم هو الاولى بالبكاء عليه لعلمهِ بما أصابه.
وإذا خلت الديار من الاحبة تبقى الذكرى الجميلة ناصعةٌ في ذهن كل إنسان فإذا مرَّ عليها ولو بعد حولٍ من الزمن ينظر إليها بلهفةٍ وشوق لا يعلمه الا الله وقبل ان يتجاوز هذه الديار تصدرُ عنه حركةٌ لا إرادية بيده، إشارةٌ فيها سلامه عليها وفي نفس الوقت تكون لحظة الوداع!!


هذا ما جاشت به نفسي
وسَطَّره قلمي

ابوحمد الشامري