مجالس العجمان الرسمي

مجالس العجمان الرسمي (http://www.alajman.ws/vb/index.php)
-   مجلس الدراسات والبحوث العلمية (http://www.alajman.ws/vb/forumdisplay.php?f=41)
-   -   بحوث ودراسات حول المرأة المسلمه (http://www.alajman.ws/vb/showthread.php?t=2253)

د.فالح العمره 03-04-2005 01:08 PM

بحوث ودراسات حول المرأة المسلمه
 





بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :

الحمد لله الخالق وحده المبدع لما خلق الذي أعطى كل شيء خلقه تم هدى حمدا يليق بجلالته وعظمته والأنة فهو المنعم وحده والشافي وحده والعالم وحده وصل اللهم على الهادي البشير سيدنا وقدوتنا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد فإن هذا البحث المتواضع عن بعض قضايا المرأة في الإسلام والذي يتحدث عن مكانه المرأة في الإسلام وكيف كانت قبل ذلك وعن سفر المرأة بدون محرم وعن الحجاب الشرعي واللباس الذي أحله الإسلام للمرأة وعن نكاح المشركات والتي التقطناها لكم من أمهات الكتب لتسهيل الدراسة والبحث والإطلاع.

وهذا البحث هو تكملة لمنهج التربية الإسلامية لصف أول ثانوي لبعض الدروس التي تتعلق بالمرأة ونحن أجدر بهذه القضايا لدارستها وفيها ونرجوا أن ينال على إعجابكم وتقديركم
ونرجوا من الله العلي القدير أن يتمم عملنا هذا برضاه ومغفرته عن كل زلة أو غلطه وقعت منا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


يراد بما قبل الإسلام عصر الجاهلية التي كان يعيشها العرب بصفة خاصة ويعيشها أهل الأرض بصفة عامة حيث كان الناس في فترة الرسل ودروس من السبل ونظر الله إليهم – كما جاء في الحديث – فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وكانت المرأة في هذا الوقت في الأغلب الأعم تعيش فترة عصيبة – خصوصا في المجتمع العربي – حيث كانوا يكرهون ولادتها فمنهم من كان يدفنها وهي حية حتى تموت تحت التراب ومنهم من يتركها تبقى في حياة الذل والمهانة كما قال تعالى : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه ومسوداً وهو كظيم ( 58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " ( )
وقال تعالى : " وإذا المؤودة سئلت {8} بأي ذنب قتلت {9} ( )
والمؤودة : هي البنت تدفن حية لتموت تحت التراب وإذا سلمت من الوأد وعاشت فأنها تعيش عيشة المهانة فليس لها حظ من ميراث قريبها مهما كثرة أمواله ومهما عانت من الفقر والحاجة لأنهم يخصون الميراث بالرجال دون النساء بل أنها كانت تورث عن زوجها ما يورث ماله وكان الجمع الكثير من النساء يعيشن تحت زوج واحد حيث كانوا لا يتقيدون بعدد محدد من الزوجات غير عابئين بما ينالهن من جراء ذلك من المضايقات والظلم .

فلما جاء الإسلام رفع هذا المظالم عن المرأة وأعاد لها أعتبارها في الإنسانية قال تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" ( ) فذكر سبحانه أنها شريكة الرجل في الثواب والعقاب على العمل رد من عمل صالحا من ذكر أو أنثى هو مؤمن " لنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ( ) وحرم سبحانه أعتبار المرأة من جملة موروثات الزوج الميت فقال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء " ( ) فضمن لها استقلال شخصيتها وجعلها وارثة لا موروثة وجعل للمرأة حقا في الميراث من مال قريبها فقال تعالى : " للرجل نصيب مما ترك الوالدان الأقربوا له للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" ( )

وقال تعالى" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق أثنتين ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"( )
....... إلى آخر ما جاء في توريث المرأة : أما وبنتاً وأختاً وزوجة.
وفي مجال الزوجة حصر الله الزواج على أربع حداً أعلى بشرط القيام بالعدل المستطاع بين الزوجات وأوجب معاشرتهن بالمعروف فقال سبحانه " وعاشروهن بالمعروف " ( ) وجعل الصداق حقا لها أمر بإعطائها إياه كاملاً إلا ما سمحت به عن طيب نفس فقال : " وآتوا النساء صدقاتهن كله فإن طلبن لثم عن سمئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مرياً " ( ) وجعلها الله راعية في بيت زوجها ومسئولة عنه وراعية أمره ناهية في بيت زوجها أميره على أولادها قال (صلى الله علية وسلم ) : " المرأة راعية في بيت زوجها مسئولة عن رعيتها" وأوجب على الزوج نفقتها وكسوتها بالمعروف، ما يدعيه أعداء الإسلام وأقرانهم اليوم من سلب المرأة كرامتها وانتزاع حقوقها.

أن أعداء الإسلام أعداء الإنسانية اليوم من الكفار والمنافقين والذي في قلوبهم مرض غاظهم ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزة وصيانة في الإسلام لأن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يريدون أن تكون المرأة أداة تدمير وحباله يصطاد بها ضعاف الأيمان وأصحاب الغرائز الجانحة بعد أن يشبعوا منها شهواتهم المسعورة كما قال تعالى : " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما" ( )
والذين في قلوبهم مرض من المسلمين يريدون من المرأة أن تكون سلعه رخيصة في معرض أصحاب الشهوات والنزعات الشيطانية سلعه مكشوفة أمام أعينهم . يتمتعون بجمال منظرها أو يتوصلون منها إلى ما هو يتيح من ذلك ولذلك حرصوا على أن تخرج من بيتها لتشارك الرجل في أعماله جنباً إلى جنب أو لتخدم الرجال ممرضة في المستشفى أو مظيفة في الطائرة أو دارسة أو مدرسة في فصول الدارسة المختلطة أو ممثلة في المسرح أو مغنية أو مذيعة في وسائل الإعلام المختلفة سافرة فاتنة بصوتها وصورتها واتخذت المجلات الخليعة من صور الفتيات الفاتنات العاريات وسيله لترويج مجلاتهم وتسويقها واتخذ بعض التجار وبعض المصالح من هذه الصور أيضاَ وسيله لترويج لبضاعتهم حيث وضعوا هذه الصور على معروضاتهم ومنتجاتهم وبسبب هذه الإجراءات الخاطئة تخلت المرأة عن وظيفتها الحقيقية في البيت مما أضطر أزواجهن إلى جلب الخادمات الأجنبيات لتربية أولادهم وتنظيم شؤون بيوتهم مما سبب كثيراً من الفتن وجلب عظيما من الشرور.

أننا لا نمانع من عمل المرأة خارج بيتها إذا كلفت بالضوابط التالية:
1- أن تحتاج إلى هذا العمل أو يحتاج المجتمع إليه بحيث لا يوجد من يقوم به من الرجال.
2- أن يكون ذلك بعد قيامها بعمل البيت الذي هو عملها الأساسي.
3- أن يكون هذا العمل في محيط النساء كتعليم النساء وتطبيب وتمريض النساء ويكون منعزلاً عن الرجال.
4- كذلك لا مانع بل يجب على المرأة أن تتعلم أمور دينها ولا مانع أن تعلم من أمور دينها ما تحتاج إليه ويكون التعليم في محيط النساء ولا باس أن تحضر الدروس في المسجد ونحوه وتكون متسترة ومنعزله عن الرجال على ضوء ما كانت النساء في صدر الإسلام يعملن ويتعلمن ويحضرن إلى المساجد.




والقدر المشترك هو ما يطلب من الجنس كإنسان و يطلب من الجنس كانسان بالنسبة إلى دين الأديان هو الاعتقاد فالمرأة مطلوبة أن تعتقد العقيدة التي تقتنع بها والرجل كذلك يعتقد العقيدة التي يقتنع بها فلا يمكن للرجل إن يفرض عقيدته على أمراه والقرآن يعرض لنا هذه المسألة ويعرضها في أقوى صورها ، مثلاً الرسل الذين جاءوا ليحملوا الناس على منهج الله أولى بهم أن يعلموا زوجاتهم على منهج الله ومع ذلك قام لنا القرآن الكريم هذا العرض ، فيقول : " ضرب الله مثلاً للذين كفروا أمراة نوح ، وامرأة لوط ، كانتا تحت عبدين من عبادنا الصالحين ، فخانتهما ، فلم يغنيها عنها من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين" ( ) أذن الرسول المفروض فيه أن يأتي لكي يهدي الناس ويعلمهم منهج الله ولكن لم يستطع أن يقنع أمراة – زوجه – منهجه ، وطلت مخالفة لذلك المنهج ، إذن فللمرأة أن تعتقد ما ترى كإنسان له حرية الاعتقاد ، وبعد ذلك يعرض القضية المقابلة " ضرب الله مثلاً للذين أمنوا ، أمراة فرعون" .. فرعو الذي ادعى الألوهية ما استطاع أن يدخل هذه العقيدة في ردع زوجته .." قالت رب أبن لي عندك بيتاً في الجنه ، ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " ( ) إذا فالخاصية الأولى هي خاصية حرية الاعتقاد ، وأن لها أن تعتقد ما تشاء وأن تعتني به ، لماذا لأن هذا الاعتقاد سيلزمها بمنهج فلو لم تكن مرتبطة بالقعيدة باختيارها وبطواعيتها فيكون إقبالها على المنهج غير مأمون ، إن أقبلت إكرامها ، تقبل على المنهج ما راميتها ، أو ما رآها القانون أو ما رآها المكره ، لكن إذا ما خلت بنفسها يمكنها أن تتحلل من ذلك المنهج.

في قصة أدم نجد حينما نصح الله آدم وزوجة وحذرهما من الشيطان قال: " إن هذا عدوك ولزوجك " والعداوة مسبقة لأنه أمتنع عن السجود ، " عدو لك ولزوجك ، فلنخرجنكم من الجنة "..... أي إياكما أن يغويكم ، ويدلوكم بغرور فيكون أن يخرجكما من جنه الأمثال عند الله " فتشقى" ( )
فبجعل الترتيب في الشقاء لآدم فقط ، فكأن آدم مخلوق للكفاح ، ولجهاد الحياة والمقابلة صعابها والمرأة فقط مخلوقة سكناً له ، يتحرك حركته في الرياح ويأتي ليهدأ عندها ، ويأتي ليستقر هي مصدر الحنان وهي مصدر العطف الذي يمسح بيده كل متاعبه فتزول حين تمسح بيدها على كل متاعبة فتزول ، يستطيع أن يستأنف الحياه بعد ذلك بشيء من النشاط . الحق حينما قال : " لتسكونا إليها " إذا فالمهمة الأساسية للمرأة أن يسكن إليها الرجل . " والله جعل لكم من أنفسكم ازواجا وجعل من أزواجكم بنيين وحفده " ( ) إذا فالمهمة الأساسية للمرأة .أن يسكن إليها الرجل ، ومعنى يسكن إليها الرجل ، لو قدرت المرأة هذه المهمة لوجدتها تستوعب كل وقتها ، بمعنى أنه ساعة أن يعمل هو تعمل هي وتعدله ما يأتي ليرتاح به ، فيأتي ويجد بيتاً ساكنا مستقرا ، بيتا كل أموره مرتبه .كل أموره فيه منظمة ، فبعد أن كان متعبا يرتاح. أذن فعملية الرجل ..تعامل مع أجناس من الحياه أي مع " أشياء" ، كل هذه الأشياء لخدمة الإنسان والإنسان أرفع هذه الأجناس كلها .أما مهمة المرأة فهي التعامل مع ذلك الجنس الراقي : وهو الإنسان ، تتعامل مع الإنسان ، تتعامل مع الإنسان كزوج فيسكن إليها وتريحه ثم تتعامل معه جنينا فيكون في بطنها وبعد ذلك وليداً تحضنه وليدا ترضعه ، وليدا تعطي له المثل تربية وتخرجه للحياه مزوداً بمبادئ القيم التي تصوغها في نفسه إذا فالرجل يتعامل مع الأشياء التي دون الإنسان والمرأة تعاملها الأساسي مع الإنسان كزوج أو كابنه حين تنظر إلى طفولات الحيوانات نجد أن طفولات الحيوانات كلها قليله وأطول الطفولات عمراً ..طفولة الإنسان . هذه الطفوله هي ميدان المرأة ميدان عمل المرأة ، وما دامت الطفولة زادت لأنها تزاد بقدر المهمة التي يقوم بها ، أما الحيوانات الأخرى فمهمتها غير مهمة الإنسان مهمة كبيرة سامية وعالية : فطفولته تناسب مع هذه المهمة ليستطيع أن يعمل بكل المبادي وبكل القيم وبكل الأشياء التي تعينه على هذه المهمة ، من الذي يتعامل ؟ الرجل يخرج لعملة والطفل مع أمه يظل إلى سن السادسة مثلاً ، إلى أن يكبر ، ويوجد له مجال آخر يؤثر فيه وهو المدرسة إلى سن السادسة : هذه السن نجد أن العقل فيها فارغ ، بالمثل تبدأ تملأه ، من إذن يستطيع أن يملا المثل .الأم فإذا كانت الأم مثلا مشغولة عن ذلك الوليد بأي عمل من الأعمال فليس من المعقول أن تتركه بلا راع : فهي تلجأ إلى راع ..وهو الخادم يأتي الخادم وقد تكون أمينه ، وقد تكون نظيفة ، إنما لا يمكن أبداً أن يكون لها قلب أم و لذلك قرأت أنا كتاباً عن " أطفال بلا أم" وجاءوا أن جيلهم متخلف ، لماذا لأن عشرين طفلا مثلاً يعاملون مع مربية واحدة ويتعامل مع أطفال في سنه لكن حين يكون الولد في مجتمع بين أمه وبين أبيه وبين جده وجدته وبين أخوانه المتفاوتين في الأعمار ، يبدأ الولد الصغير يلتقط من كل جيل ولذلك هذا هو السر في أن القرآن قال : " بنين وحفده "......وأنت تتصور الوليد الناشئ في بيت فيه جد وجده وأب وأم ، الجد والجده ، الذين فرغوا من شؤون الحياة المادية ، ومن التهافت عليها أصبحوا يقبلون على المثل وعلى القيم وعلى الوضوء والصلاه وسائل الفضائل فيبدأ يأخذ شيئاً من نشاطه إلى آخره وأخوه الصغير يأخذ من مستواه أيضاً . فإذ كان في الجامعة يأخذ شيئاً منه والذي في الثانوية يأخذ شيئاً منه . إذا الوليد الصغير حينما يكون في الأسرة يستطيع أن يتقبل من كل قطاعات الإنسان يجيء متعباً ويعد ذلك يكون له وليده فيصرخ بالليل فنجد الرجل يضيق بهذا ويطلب من أمه أن تقوم وتسكت هذا الوليد الصغير وما معنى ذلك ؟ معنى إنه ليس مخلوقا كل يتحمل هذه المسألة ولكنه هو مخلوق لميدان العمل خارج البيت وأنما المسؤول عن تحمل هذه المسألة هي الأم فحينما يصرخ الوليد تقوم هي تهبه الحنان وتهبه العطف وقد تجده في أقذر حالاته ومع ذلك نفسها لا تتقزز تنظيفه ولا شيء وربما ذهبت لتكمل أكلها ، لكن الرجل لا يقدر هذه المهمة فهو أولاً لا يقدر على مهمة الضجيج فهو يريد أن يسكت الوليد لأنه هوجاء ليهدأ في البيت إذا فالمرأة مهمتها وتعاونها مع أشرف أجناس الكون ، وهو ذلك الإنسان مهمة الإنسان ننظر إليه بعد أن ينضج لأنه بعد أن ينضج مطلوب منه عطاء ، أنما مطلوب له أخذ قبل أن ينضج من الذي يعطي له ؟ لا بد أن تكون طاقة حنان تحبه ، المربية مهما كانت فليس عندها طاقة الحب أو طاقة العاطفة كي تعطي حنانا ، فحينما يأتي الإسلام ليقول أن المرأة مجعولة لهذه المهمة ، سكن للزوج وبعد ذلك حضانة للبنين ، يعطيها أشرف مهمة في ذلك الوجود وهذه المهمة يجب أن تأخذها المرأة بشي من الفخر وبشيء من الاعتزاز بعد ذلك تأتي إلى المسألة ل الأقوى وهي أن الإسلام مثلاً يحدها ببعض الأشياء والإسلام لا يمنع عمل المرأة ولكن الإسلام واقعي ، بحيث أن الذي خلق الإنسان وخلق الظروف يعرف أن هناك ظروفا قد تضطر المرأة إلى أن تعمل لكن الإسلام يعرضها في حدود الضرورة وفي إطارها . هذا الإطار وضحته لنا قصة سيدنا موسى ، لما ورد ماء مدين " ولما ورد ماء مدين وجد عليه الناس يسقون ، ووجد من دونهم امرأتين تذودان " تذودان أي تمنعان ما ترعيان عن الماء إذا لأي شيء خرجتا؟ " قال ما خطبكما ....قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء" لا نسقي ما شيهم ، وبعد ذلك يخلوا البئر والعين فيصلان إلى هناك إذا الفتاتان أخذتا الضرورة بالقدر وليس معنى أن ضرورة أخر جتهما ، إنها يتناسيان نوعهما ، فلا بد أن يفهما أنهما لا يصح أن يحتكا بالنوع الأخر فظلتا في مكانهما إلى أن يتنهي ، الرجال ثم عللتا سبب الخروج بأن هناك حاجه دفعت إلى ذلك " لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير"( ) فكأن " أبونا شيخ كبير " تبرير لخروجهما لهذا العمل ، فكأن أحد قال لهما ما دمتما خائفتين من الزحام أو التزاحم مع الرجال فما الذي أخرجكما من بيتكما ؟ فقالتا " أبونا شيخ كبير " إذ فألآية تحدد أن ضرورة قد تلجئ المرأة إلى الخارج ولكن حين تخرج لا تنسى نوعيتها لا تنسى أنها أمرأة ولا يصح أن تدخل في زحام الرجال وبعد ذلك جاءت لقطة أخرى وهي مهمة الرجال حينما يترك ذلك على مهمة المجتمع ممثلاً في الرجل ....." فسقى لهما " ومعنى سقى لهما إنه أعانهما على أداء مهمتهما حتى يسرعا بالرجوع إلى البيت ، تلك مهمة المجتمع حتى أو كان فردا شهما يرى المرأة مثلا وقد اضطرتها ظروفها أن تخرج لعمل من الأعمال فشهامة الرجل تقتضيه أن يؤدي عنها هذه المهمة وقد لتنتهي ولا يجعلها تضطر إلى أن تزحم مع الناس في الحياة " فسقى لهما ثم تولى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير " ( ) هذه القصة من قصص تدلنا على أن القرآن عرض هذه العرضه ، ليدلنا على أن المرأة قد تضطرها ظروفها إلى أن تخرج ولكن ظروفها التي اضطرتها أن تخرج يجب ألا تخرجها عنوهيتها بحيث تحسب نفسها رجلاً بل تأخذها بقدرها ما أمكن إلى أن ينتهي الرجال من السقي كما في القصة وتؤدي مهمتها وبعد ذلك جاءت بالعلة " وأبونا شيخ كبير" وبعد ذلك جاءت بالمجتمع سواء كان مجتمعا قريبا أو بعيدا مجتمع أسره أو فرد فأنا مثلا حين أكون في أسره وأجد أن المرأة خرجت لتعمل فإن لدي الشهامة وأنا أتبر أن هذه من لحمي ون دمي فأنا أغار على هذا وأدي أي مصلحة لها تمنعها من الخروج ، فإذا لم تجد فلا مانع من أن تذهب.ولكن علي أن تأخذ الضرورة بقدرها والأ تزيد فيها ، وهنا فأنها ساعة أن تخرج ، فصحيح منعتني من الازدحام ، ولكن في خروجها يلزمنا الشارع بشيء آخر ، هذا الشيء الأخر هو أنها تكون علي هيه مثيرة

والقيود التي على حرية المرآة نقول فيها إن التشريعات دائماً حين ينظر إليها لا تعترض العملية الإدراك ولا تعترض لعملية الوجدان وإنما تعترض لعملة واحده هي عملية النزوع بمعنى أن علماء النفس حينما قسموا مثلا مظاهر الشعور قسموها إلى ثلاثه أقسام قالوا إن الإنسان يرى ورد جميلة في البستان فإن رويته لها تعتبر إدراكاً أدرك منها الجميل فأعجبه ذلك وأحبه فيكون هذا وجدانا وجد في نفسه شيئاً أثر في ذلك الإدراك فنجدهم يهم ويذهب ليقطف تلك الورده ، فهذا نزوع – عملية نزوعه إذا فكان التشريع يأتي ويقول له أنت قد رأيت الورد ولم نمنعك من رؤيتها ، أعجبتك ووجدت في وجدانك شيئاً من السرور فلم نمنعك من ذلك إنما ساعه أكن تأتي كي تقطفها سيدخل التشريع إنما يتعرض لحالات النزوع ولا يتعرض لحالات الإدراك وحاله الوجدان لماذا ؟ قالوا إنه ليس من الممكن أن أفضل عمليه الوجدان عن النزوع ، إنسان أي أمرأة جميله وتقاسمها بديعه وشكلها مثير ومغر، هو رأي : إذا أدرك واستقر في نفسه إعجاب هذا الأعجاب كأنه معرك داخلي عمل في نفسه عمليه نزوع ولا يمكن أن نفضل العمليه الوجانيه عن النزوعيه كما نفصلها عن الورده ، فنجد الإسلام يقول أنا أريد أن أمنع عمليه الإدراك هذه من أساهها لأني سأتعبك قلو أبحث لك الإدراك ثم حرمت عليك النزوع فستعيش في قلق وتعب فلأن الله هو المشروع رحيم وعارف بالنفوس ، قال : .....أنا أريد أن أمنع هذا الإدارك فلا تتعب نفسك ، لماذا لأنها لو أثارتك واعجبتك ماذا يكون الموقف ؟ الموقف يعلمه الله ونعمه جميعاً من واقع الحياة ، وأظن شوقي رحمة الله عليه قال : " نظره فابتسامه فسلام فكلام فموعد فلقاء " إلى أخره لكن التشريع قال أن لن أبيح لك إلا راك حتى لا يكون عندك وجدان مثار لأنك لا تستطيع أن تفصل بين الوجدان والنزوع ، فقال التشريع : " يدنين عليهن من جلابيبهن " ( ) وقال له غض طرفك لأنك ستتعب نفسك وتتعبها / أما أن تؤدي العملية النزوع ، فتريح فتنتهك وأما ألا تؤديها فتقلق وتعيش في اضطراب ، وأيضاً أنت يا امرأة أريد أن أؤمن حياتك ، بهذا التشريع الإسلامي تؤمنين من حياه المرأة ، لماذا ؟ لأن الإنسان المتزوج من زوجته مكثا معاً مده طويلة وهما الآن في سن الأربعين والخمسين فإن المرأة تعرضت لعمليات الخدمه وعمليات الولادة ولعمليات الرضاعة ولعمليات التربية ولعامل الزمن في شكلها وفي نظارتها وكل هذا أثر في تكوينها فإذا كان الرجل الذي في سن الأربعين والخمسين يذهب إلى الشارع فيجد في مقتبل عمرها على أحسن ما تكون من الزينه وأنضر ما تكون من الثياب ، فماذا يكون موقفه بالنسبه لها حينما يراها ؟ ستجلب غرائزه فبعد أن كانت غرائزه غرائز طبيعية وهو مع أهله تثور كل فتره وتهد بانتظام فإنه حين يرى منظراً كذلك الذي نذكره ومن شأنه أن يجلب غرائزه ويلهيها ، فماذا ستكون النتيجة المعتمدة ؟ أن يذهب إلى البيت ويجد زوجته مجعده الشعر مثلا ومتعبه فإن قد يبدأ مقارنه وفساء أغلب البيوت من هذه المسأله ، قيبدأ ينظر لا يحب أن يراه لأنه رأي منظراً أخره الفتاه الجميله التي في الحاله الأولى متصل إلى مثل هذه السنه يوماً ما فهو يقول لها لا تتبرجي حتى تأتي فتاه أخرى ينتظر خلقها لتفسد رجلك وبيتك عليك لأن هذه الفتاه ستتعرض أما لشاب مازال في مقتبل العمر وهو لا يزال يتعلم ولم يستقر بعد ولا يزال يتعلم ولم يستقر بعد ولا يزال عاله على أهله وهو لا تنقصه يقظه غرائزه زياده عما هي فيه وأما لإنسان له حياه رتيبه وله أهل فتأتي هذه الفتاه له فكان الإسلام أمنه حياتها أيضا لأن عمر زمانها هذا عشرا أو خمس عشر سنه وبعد ذلك تعير أمرأة عاديه تفسد بتك وتفسد ولدك وتفسد زوجتك عليك فتها لا تزال في مقتبل العمر فالإسلام كي يحرم المرأة ويؤمن حياتها ويجعلها وقره ومتحرمه منعها من أن تفعل في الناس هذا حتى لا يفعل أحد لا يفعل أحد معها ذلك إذا فالإسلام حينما جاء ليحدد الإدراك فالمسأله الوحيده التي حدد فيها الإدراك في مجال الشعور هي مسأله النظر إلى المرأة لأن العمليه الوجدانيه التي سينشأ منها النزةع لا يمكن فصلها ولا يمكن فصل ذلك إلاصل موجود في مثل هذه الأشياء فحين يجرو الإسلام على المرأة إنها لا تبذل أو لا تبرج أو أنها ل تبدي زينتها إلا لكذا وكذا فلإسلام يريد أن يكرم المرأة وهو لا يرد ان يجعلها في مكانها الطبيعي من المجتمع وزجا تمثل السكين وأنما تمثل الحضانه لأشرف جنس في الوجود ( )بمقدار ما توحي على أن يأمر الرجال بغض البصر حفظ الفرج.

ونصيحة امرأة لأمرأة تعطي لها مقوماتها كزوجه هذه أمره ولو جمعت كل المستغلين لهذه المسائل من الرجال كي يضعوا أدله هذه البنود التي وضعتها أم أياس لوجدتها تعطي لك فكره على أنها امرأة عاشت في منهجها الحقيقي أدارتها أن تنقل المنهج الحقيقي الذي عاشته إلى أبتها لتسعدها فماذا قالت لها أمها ؟ أولا كانت الفتاه جميلة جدا وبلغ الحارث بن عمرو ملك كنده جمالها فأراد أن يتزوجها فلما تزوجها وجاءت لتحمل إليه قالت لها أمها " أي بنيه أن النصيحه لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك " أي انك مؤدبه ولست في حاجه إلى نصيحه ، " ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أهلها لكنت أغنى الناس ولكن النساء للرجال خلقنه ولهن خلق الرجال يا أبنتي احفظي عني عشره خصال تكون لك ذخراً
أما الأولى والثانية فالمعاشرة له بالرضى والقناعة وحسن السمع والطاعة .
أما الثالثة والرابعة فالتفقد لموضوع أنفه وموقع عينيه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يتم منك إلا أطيب ربح.
أما الخامسة والسادسة فالهدوء عند منامه والتفقد لوقت طعامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغصنه من النوم مغضب.
أما السابعة والثامنة فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمته وعياله.
وأما التاسعة والعاشره فإياك أن تعصي له أمرا أو تفشي له سرا فإنك أن عصيت أمره أو عرت صدره وإن أفشيتي سره لم تأمني غده وأعدك بعد ذلك من الفرح أن كان ترحا ومن الترح أن كان فرحاً "

فصل في سفر المرأة وحدها
سفر المرأة وحدها :
عن أبي عبيده عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسير مسيرة يوم ولليلة إلا مع ذي محرم ))( ).

(1) قوله عن أبي هريرة : الحديث أيضاء رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وأبو داود وأبن ماجه وغيرهم .
(2) قولة : (لا يحل لامرأة ) : ـ أخرج الرجل لأنه لا يشاركها في الحرمة وان كره له الوحدة للإشفاق علية من المهالك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه عنه أحمد وأبي داود والترمذي : ( الراكب شيطان ويستثني البريد لضرورة التعجيل ) .
(3) قولة : ( تؤمن بالله واليوم الآخر ) ويقصد به يوم القيامة وقيل بذلك لأن الأيمان هو الذي يستمر للمنصف به خطاب الشرع أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم لأنها إذا سافرت بدون محرم خالفت شرك اليمان بالله واليوم الآخر ولكن هذا ليعتبر أنها كافرة كتابية , كما اعتقد بعض العلماء تمسكا بالمفهوم ولفظ المرأة عامة في جميع النساء ولكن استثنيت المرأة الكبيرة في السن التي لا تشتهي فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم واستبعد أن الخلوة بها حرام وما لا يطلع من جسدها غالب عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه , وقال النووي : المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس و سقطهم من لا يرتفع من الفاحشة العجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينة ومروءته وحياءه نحو ذلك .
(4) قوله : (مسيرة يوم وليلة ) : ـ المسير مصدر يسمى بمعنى السير وليست التاء فيه للمرة ولا اليوم ولا الليلة للتمديد ففي حديث أبي سعيد عن شخصيتين , (( عن أبي سعيد أن نبي الله نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم )) وفي لفظ (( لا يحل لمرآة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسافر سفرا أن يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو ابنها أو أخوها أو ذو محرم منها ))( ), وفي حديث أبن عمر في الصحيحين , عن أبن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( لا تسافر المرأة ثلاثة إلا ومعها ذو محرم ))( ) وفي رواية الليث لحديث أبي هريرة تسافر مسيرة ليلة وفي رواية أحمد يوما وفي رواية أبي داود أبدل يوم وفي رواية يومين وفي أخرى إطلاق السفر من غير تقييد , فقد قال العلماء هذا خلاف يسبب اختلاف السائلين فقد سئل مره عن سفرها ليلة فقال لا وأخرى عن سفرها يوما فقال لا وهكذا في جميعها ويعني هذا سفرها ليست فيه تحديد قال لآبي : والمراد أنها إذا كانت جوابا للسائلين فلا مفهوم لأحدها وبالجملة فالفقه جمع أحاديث الباب فحق الناظر أن يستحضر جميعها وينظر أخصها فيستنبط الحكم به وأخصها باعتبار ترتيب الحكم عليه يوم لأنه إذا امتنع فيه امتنع فيها شوقه ثم أخص من اليوم وصف السفر المذكور في غالبها فيمنع أقل ما يصدق علية اسم سفر ثم أخص من أسم السفر الخلوة بها فيجب عليها أن لا تعرض نفسها بالخلوة مع واحد حتى لو قل زمن الخلوة وذلك لعدم الأمن لا سيما من انتشار الأمن فقد قال الأمام الصالح الشارح وهو في عمان ولما ينتشر فيها الفساد ما انتشر في غيرها من البلاد التي تفرنج أهلها وابتعدوا عن سبيل الرشاد يصدق علينا , قول الشاعر : ذهب الدين يعاش في أكنافهم وتعبت في خلق كجلد الأجرب
فالمرأة فتنة إلا ما فيها من جلبت عليه النفوس من نفره المحارم .

(5) قوله : ( إلا مع ذي محرم منها ) : ـ المحرم منها وهو ذو الرحم منها إذا لم يحل له نكاحها وذو المحرم : من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والعم والابن ومن يجري مجراهم(ويقال رحم محرم : محرم تزويجها والمروءة العربية تدخل في المحارم )( )

قال الشاعر : وجارة البيت أراها *** مكارة السعي لمن تكرما

والمحرم حرام التزويج منها بنسب أو المصاهرة أو الرضاع زاد الشخصيتين من حديث أبي سعيد ( أو الزوج ) وفي معناه السيد والأمة وهو لم يرد ذكر الزوج ليقيس على المحرم قياسا جليا وكره مالك كراهة تنويه سفرها مع ابن زوجها واختلف أصحابه في وجه ذلك فقيل لفساد الزمان وحداثة الحرمة ولأن الدواعي على الحرمة إلى النفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إلى نفرة عن سائر المحارم فقيل لعداوة المرأة لربيتها وعدم شغفه عليها ,واستدل الحديث لأبي حنيفة وأحمد ومن رافقها على أن المحرم أو الزوج شرط في استقامة فريضة الحج فإنه حرم عليها السفر إلا مع أحدهما والحج مع الجملة الأسفار حرام عليها وقال أصحاب أبي حنيفة وأحمد و الشافعي في المشهور عنها لا يشترط المحرم لأب الوجود بتوجيه إليها بنفس الخطاب وعليها إن تتقى في سفرها ما نهيت عنه حتى لا تغضب الله عليها ويزيد من أعمالها السيئة , وذكر أبو عبيده عن جابر أنه قال : (( إذا كانت المرأة صرورة (التي لم تحج ) فالحج أوجب عليها وان كانت أصابت ذا محرم فلتحج معه فأن لم تصب ذا محرم فلتحج مع ثناه من المسلمين وعليهم أن يمنعوها عما يمنعون أنفسهم منه الفرض فأما التطوع فلا تحج مع غير المحرم أو زوج وقالوا فريضة الحج على فريضة العمرة قيل نسخها فأن الكافرة إذا أسلمت بدار الحرب تجب عليها الهجرة منها وإن بلا محرم إجماعا والجامع بينهما نفس الوجوب , والله اعلم.


يقيم الإسلام مجتمعة على أساس تحقق الانسجام والتوازن بين أفراده من حيث الحقوق والواجبات فكل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤول , ومسؤولية متعلقة بعمل يجب أن يؤديه كما أمر به الإسلام , من غير إرهاق بل في حدود الطاقة , لقد بين الإسلام في نصوصه الكثيرة أن مجال عمل المرأة هو تربية ألا سره الصالحة , وهي رسالة مهمة , لان صلاح المجتمع إنما يكون بصلاح أولى لبنائه وهي الأسرة , وقد يقلل البعض عن ما هوى في نفوسهم من هذا الدور الخطير الذي هبا الله تعالى المرأة له, مما يوجب توضيح الأمور في هذا الباب .

إن رسالة المرأة الحقيقية هي الأمومة وتربية الأسر , ولكن لا يمنع المرأة من ممارسة نشاطات أخرى هي في مجملها عوامل مساعدة تمكنها من القيام بمهمتها على أكمل وجه , فتعليمها وتثقيفها وتزويدها بكثير من المهارات التي تلزمها في الحياة إنما يفيد في أداء عملها وواجبها ودورها الأساسي وهو صيانة الأسرة , ومن هذا المنطق فغن غي عمل أخر للمرأة إنما هو استثناء من القاعدة الأساسية ويبيحه الإسلام بشروط هي في مجملها في صالح المرأة , أي لصالح الأسرة والمجتمع ومن ذلك السفر , فقد أباحه لها للقيام بأداء فريضة كالحج أو اكتساب العلم أو للتنزه والزيارة أو غير ذلك إلا إن الإسلام قيده بشروط اصطحاب المحرم أي أنه لا يجوز لها إن تسافر ما مقدار مسيرة يوم وليلة وحدها وبدون محرم معها , أو زوج لها , والحديث العام يحق للمرأة سواء أكانت شابه أم كبيرة في السن ولهذا فإنه لا يجوز للمرأة السفر وحدها مهما كانت سنها , والإسلام لم يقرر ذلك من باب سوء الظن بالمرأة , كما انه لم يقصد القصر عليها وإنقاص حريتها , وإنما أمر بذلك حفاظا عليها وعلى سمعتها وصيانة لشرفها وهذا ما يفسره بوضوح تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهم محرم )) .

ومن أسباب حفظ الفروج منع المرأة أن تسافر إلا من ذي محرم يصونها ويعينها من أطماع العابثين والفاسقين .
فقد جاءت الأحاديث الصحيحة تمنع سفر المرأة بدون محرم منها : ما رواة أبن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم (0 لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا من ذي محرم )) متفق عليه .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم (( نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ) متفق عليه , وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر تسافر مسرة يوم و ليلة إلا مع ذي محرم منها )) متفق عليه , والتقدير في الأحاديث بثلاثة الأيام واليومين واليوم والليلة المراد به ما كان على وسائل النقل مما هو معروف آنذاك من سير على الأقدام والرواحل واختلاف الأحاديث في هذا التقدير بثلاثة أيام أو يومين وليلة وما هو أقل من ذلك أجاب عنه العلماء بأنه ليس المراد ظاهرة وإنما المراد كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهيه عنه قال في [ شرح صحيح مسلم ] (9/103) , فالحاصل كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو يزيد أو غير ذلك , لرواية أبن عباس المطلقة وهي أخر روايات مسلم السابقة : (( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )) , وهذا يتناول كل ما يسمى سفرا قاصدا والله أعلم .
وأما من أفتى بجواز سفرها مع جماعة من النساء للحج الواجب فهذا خلاف السنة قال الإمام الخطابي في [ معالم السنن ] (2/277,276) [ مع تهذيب ] أبن القيم : وقد حظر النبي صلى الله عليه وسلم عليها أن تسافر إلا ومعها رجل ذو محرم منها فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم شريطة التي أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف السنة فإذا كان خروجها مع غير ذي محرم معصية لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة بأمره يؤدي إلى معصية .

أقول : وهم لا يبيحوا للمرأة أن تسافر من دون محرم مطلقا وإنما أباحوا لها ذلك في سفر الحج الواجب فقط , يقول الإمام النووي في [ المجموع ] (8/249) ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم , فالذين يتساهلون في هذا الزمان في سفر المرأة بدون محرم في كل سفر لا يوافقهم عليه أحد العلماء الذين يعتقدون بقولهم : إن محرمها يركبها في الطائرة ثم يستقبلها محرمها الأخر عند وصولها إلى البلد الذي تريده لن الطائرة ما مونه بزعمهم لها فيها من كثرة الركاب من الرجال والنساء , نقول لهم : كلا فإن الطائرة أشد خطرا من غيرها فإن الركاب يختلطون فيها وربما تجلس بجانب رجل وربما يعترض الطائرة ما يصدها عن اتجاهها إلى المطار آخر تجد فيه من يستقبلها فتكون معرضه للخطر وماذا تكون المرأة في بلد لا تعرفه ولا محرم لها فيه .
ومن أسباب حفظ الفروج منع الخلوة بين المرأة والرجل الذي ليس محرما لها : قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان )) , وعن عامر بن ريبعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا يخلوان رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم)) قال المجد في [ المنتقى ] : رواها أحمد وقد سبق معنا لأبن عباس في حديث متفق عليه .


فصل اللباس الشرعي :
اللباس :
اللباس من النعم الذي أنعم الله بها على عباده بقوله تعالى : (( يا بني أدم قد أنزلنا عليكم اللباس يواري سوءاتكم وريشا لباس التقوى ذلك خيرا ذلك من آيات الله لعلهم يتذكرون )) , وينبغي أن يكون حسنة جميلة نظيفة والله تعالى قال : (( يا بني أدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين )) , وقال أيضاء (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هو الذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفضل الآيات لقوم يعلمون )) وعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر , فقال رجل إن الرجل يحب إن يكون ثوبه حسن ونعله حسنه , قال : إن الله جميل يحب الجمال . الكبر بطر الحق و غمط الناس )) رأي الإنكار الحق واحتقار الناس .
روىالترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرام جواد يحب الجود , فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود )) .

حكمة :
واللباس منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب ومنه ما هو حرام .

اللباس الواجب :
فالواجب منم اللباس ما يستر العورة وما يقي الحر والبرد وما يستنفع به في الضرر , فعن حكيم بن خزام عن أبية قال : قلت يا رسول الله عورتنا : ما نأتي منها وما ندر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك , قلت : يا رسول الله فإن كاب القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أتن لا يراها أحد فلا يزينها , فقلت : فإن كان أحدنا حالما ؟ قال : فالله تبارك و تعالى أحق أنة يستحي منه )) . رواة أحمد وأبو داود وأبن ماجه و الترمذي .


اللباس المندوب :
والمندوب من اللباس ما فيه جمال الزينة فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنكم قادموا على إخوانكم فاصلحوا رحالكم واصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فغن الله لا يحب الفحش ولا التفحش )) , رواة أبو داود .
وعن أبي الأموص عن أبيه قال : أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب رث فقال : آلك مال ؟ قال نعم , قال : من أين المال ؟ قال : قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق , قال : فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمته عليك و كرامته )) أي إذا وسعة . ويتأكد ذلك عند العباد وفي الجمعة والعبد بين وفي المجتمعات العامة . فعن محمد بن يحيى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ((ما على أحد أن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى نوى مهنئه )) رواة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبن ماجه .

اللباس الحرام :
أما اللباس الحرام فهو لباس الحرير والذهب للرجال ولبس الرجل بما يختص بالنساء من الملابس ولبس النساء ما يختص بالرجال من ملابس ولبس الشهر والاحتيال وكل ما فيه إسراف .

لبس الحرير والجلوس عليه :
جاءت الأحاديث بتحريم لباس الحرير والجلوس عليه بالنسبة للرجال نتذكرها فيما يلي:
(1) فعن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تلبسوا الحرير فإن من لبس في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة )) رواة البخاري
(2) وعن عبدالله بن عمر أن عمر رأى حله من إستبرق تباع فأتى بها إلى الرسول الكريم فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها في العيد وللوفود فقال: الرسول غنما هذا لباس من لا خلاق له , ثم لبت عمر ما شاء الله فأرسل الرسول بجبة ديباج , أتى عمر للرسول فقال : يا رسول الله قلت : إنما هذا اللباس من لا خلاق له ثم أرسلت لي بهذه فقال النبي إني لم أرسلها لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك )) رواة البخاري .
(3) عن حذيفة قال : نهانا النبي الكريم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس علية وقال : (0 هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )) بمقتضى هذه الأحاديث ذهب الجمهور من العلماء إلى تحريم لبس الحرير وافتراشه بل ذكر المهدي في البحر أنه مجمع علية , فعن أنس قال : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكمة كانت بهما)) قال في الحجة البالغة : لأنه لم يقصد به حينئذ الارتقاء وإنما قصد به الاستشفاء. رواة مسلم والبخاري , فعن علي قال : (( هديت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فبعث بها إلى فلبستها فعرفت الغضب في وجهه فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمارا بين النساء )) رواة البخاري ومسلم , سيراء : التي فيها خطوط كالسبور وهي البردة من الحرير أو الغالب فيها حرير وفسرت بغير ذلك . وعن عمر : (( إن النبي صلى الله علية وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة )) قال في الحجة البالغة :لأنه باب اللباس وربما تقع الحاجة إلا ذلك .


لبس الحرير المخلوط بغيره :
كما تقدم خاص بالحرير الخالص أما الحرير المخلوط بغيره فعند الشافعية أنه الثوب إذا كان أكثر من الحرير فهو حرام وإن كان نصفه فما دونه من الحرير فليس بحرام . قال النووي : أمنا المخلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون أكثر وزنا .

حكمة الإباحة للنساء :
وإنما استثنى النساء من هذا الحكم مراعاة لجانب المرأة ومقتضى أنوثتها وما فطرت علية من حب الزينة على إن يكون هما من زينتها إغراء الرجال وإثارة الشهوات وفي الحديث (( أيها امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية )) .


لباس المرأة المسلمة :
وقد حرم الإسلام على المرآة أن تلبس من الثياب ما يصف وما يشق عما تحته من الجسد ومثله ما يحدد أجزاء البدن وبخاصة مواضع الفتن ومنه الثديين والخصر والآلية ونحوها , وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : (( صنفان من أهل النار أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ( إشارة , وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : (( صنفان من أهل النار أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ( إشارة إلى الحكام الظلمة أعداء الشعوب ) ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الحنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) و إنما جهلن ((كاسيات )) لان الثياب عليهن ومع هذا فهن (( عاريات )) لان ثيابهن لا تودي وضيفة الستر لرقتها وشفتها فنصف ما تحته كا كثر ملابس النساء في هذا العصر , والبخت نوع من أنواع الإبل عظام الأسنمة شبة رؤوسهن بها لما وقعت شعورهن على أوساط رؤوسهن وكأنه صلى الله عليه وسلم بنظر من وراء الغيب إلى هذا الزمان الذي أصبح فيه لتصفيف شعور النساء وتجميلها وتنويع أشكالها محلات خاصة (( كوافير )) يشرف على غالبا الرجال يتقاضون على عملهم أبهظ الأجور وليس ذلك وحسب فكثير من النساء لا يكتفين بما وهبهن الله من شعر طبيعي فليجالا إلى شراء الشعر الصناعي المستعار تصله المرأة بشعرها وليبدو أكثر نعومة ولمعانا ومجالا ولتكون هي أكثر جاذبية وإغراء , والعجب في أمر هذا الحديث أتى ربط بين الاستبداد السياسي والانحلال الخلقي هذا و ما يصدقه الواقع فإن المستبدين يشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة .


تشبه المرأة بالرجال :
وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن من المحظور على المرأة أن تلبس لبست الرجل ومن المحظور على الرجل أن يلبس لبسه المرأة ولعن المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ويدخل في ذلك المتشبهة في الكلام والحركة والمشية واللبس وغيرها , إن شر ما تصاب به الحياة وتبتلي به الجماعة هو الخروج على الفطرة والفسوق عن أمر الطبيعة والطبيعة فيها الرجل وفيها المرأة ولكل منهما خصائص فإذا تجنبت الرجل واسترجعت المرأة فذلك هو الاضطراب والانحلال , وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ممن لعنهم في الله في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة على لعنتهم رجلا جعلهم الله ذكرا فأنت نفسه وتشبهت بالنساء وامرأة جعلها الله أنثي فتذكرت وتشبهت بالرجال .

اختلاف الأحكام الناتج من اختلاف الخصائص :
فللمرأة أحكام كما أن لها خصائص وللرجل أحكام كما أن له خصائص والقران الكريم والسنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة و السلام عندما يشرعان للنساء أحكاما في كثير من الأشياء تختلف من أحكام الرجل إنما يلبيان بذلك نداء الفطرة ويلبيان حاجات هذه الحياة فالمرأة يجب أن تراعي أنوثتها والرجل يجب إن يراعي رجولته وموقف الإسلام من ذلك موقف صارم ولذلك نجد في هذا الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ,

الحجاب صوان لحياة المجتمع :
فمن هذه الأحكام التي شرعها الإسلام للمرأة الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى عليها في كتابه وعلى لسان رسوله الكريم ولم يشرع الله تعالى الحجاب للمرأة إلا لأجل صون كرامتها والحفاظ على عفتها وبالتالي إنما شرع الله الحجاب للمرأة لأجل صون حياة الرجل والمرأة جميعا فالله سبحانه لم يؤدب المرأة بالحجاب إلا بعد ما أدب الرجل بالواجبات الاجتماعية التي فرضها عليه فقد وجه الله الخطاب أولا إلى الرجل حيث قال عز من قائل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يعلمون )) من سورة النور الآية (30) , والدين الإسلامي بعيد كل البعد عن المفارقات والتناقضات وليس من الأمر الطبيعي إن يفرض غض البصر وحسن الفرج على الرجال ومع ذلك لا يخرج الرجل من بيته إلا على طوفان من التعري الفاضح والتبرج الشائن لذلك كان إتباع هذا الأمر بالأمر التأديبي للنساء ضرورة لابد منها فنجد بعد ذلك قول الحق سبحانه : (( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويخفضن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو إباءهن أو إباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو أخونهن أو بني أخونهن أو بني أخوتهن أو نساءهن أو ما ملكت أيمنهن أو التبعين غير أولى آلا ربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورت النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا آيه المؤمنون لعلكم تفلحون )) من سورة النور الآية (31) .إن الدين الإسلامي ليهدف إلى تنقية الشعور وإلى تطهير السلوك لذلك فرض هذه الآداب التي فرضها على الرجال والنساء .
غض البصر وحفظ الفرج :
فمن هذه الآداب غض البصر وحفظ الفرج فغض البصر أمر لابد منه إذا لا يمكن أن يحفظ الفرج إلا بغض البصر فحظ الفرج نتيجة حتمية لغض البصر ,ولذلك فرض الله على الرجال أن يغضوا من أبصارهم وفرض على النساء أيضاء أن يغضضن من أبصارهن فكما إن الرجال منتهون عن التطلع على النساء أو محاولة الإطلاع على ما يسترنه من محاسنهن ومفاتنهن تؤمر النساء كذلك بغض البصر لئلا يتطلعن إلى الرجال الأجانب , ويؤمرن كذلك ألا يبين زينتهن إلا ما ظهر منها , واختلف العلماء فيما ظهر من الزينة فقيل الوجه والكفان أي لا يباح للمرأة أن تبدي غير وجهها وكفيها وقيل ما ظهر من الزينة ظاهر الثياب ويجب عليها ستر وجهها وكفيها والقولان موجودان منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم جميعا , وإن كان فريق من العلماء يبيح للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها فغنما يبيح ذلك مع أمن الفتنه أما مع فوق الفتنه فالمرأة مطالبة بأن تستر جميع جسمها سترا كاملا حتى وجهها وكفيها وكيف تأمن المرأة الفتنة وهي تخرج في وسط جمع غفير من الرجال فيهم كثير من الذين لا يخشون الله ولا يتقونه ؟؟؟

الإسلام ينظم الفطرة ولا يعاكسها :
وللمرأة بفطرتها تحب أن تبدو جميلة وتحب أن تظهر زينتها وهذا الجمال للرجل وتحب أن تغريه به فدين الإسلام لا يعاكس هذه الفطرة ولكنه ينظم هذه الفطرة, ولقد أباح للمرأة أن تتزين وأن تبين زينتها ولكن إبداء هذه الزينة مطلقا لشخص واحد وهو زوجها الذي هو شريك حياتها و الذي أباح أن يستمتع بكل محاسنها والذي أباح له منها ما لا يباح لآي شخص أخر حتى اقرب قريب إليها ويباح لها أن تبدي شئ من زينتها لذوى المحارم الذي لا يتأثرون بما تبديه لهم من زينتها , لذلك نجد في هذه الآية الكريمة ما يسمح للمرأة أن تبدي زينتها لوالدها ولوالد بعلها ولابنها ولابن بعلها ولا أخيها ولابن أخيها إلى أخر ما بينته الآية الكريمة من الرجال الذين يباح للمرأة أن تبدي لهم زينتها . وبجانب ذلك فإسلام يحرص كل الحرص على تطهير المشاعر وتنقية النفوس كما يحرس على تطهير السلوك زاجرا للمرأة على أن تثير خيال الرجل فخيال الرجل اتجاه المرأة يثير أي شي منها نبرة الصوت و جرسه الحلي ونفحة الطيب كل من ذلك يثير ويصيب خيال الرجل وقد يفعل فعلا يؤدي به إما إلى بلبلة فطرة وإما محاولة ارتكاب الفاحشة مع المرأة ولذلك قطع الإسلام على المرأة والرجل هذا الطريق بما فرضه من هذه الآداب .

وفي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و أزواج أصحابه أسوة :
يؤكد ذلك أيضاء قوله تعالى في خطابه للأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ((فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )) من سورة النور الآية (32) وإذا كان هذا الخطاب يوجه إلى نساء النبي مع علو قدرهن وعظم شانهن ومع احترام المؤمنين لهن واحترامهم للرسول صلى الله عليه وسلم و إكبارهم لهن لأنهن أمهاتهم فكيف سائر النساء ؟؟؟؟؟والخطاب موجة من الله إلى أمهات المؤمنين إنما يدل على أن الحجاب لم يقصد به إلا الطهارة والصون والعنة فتلك النساء الفاضلات اللواتي رفع الله من شأنهن وأعلى من قدرهن يفرض الله تعالى عليهن هذا الحجاب وينؤ من أنه أراد بذلك تطهيرهن فكيف يمكن الطهارة لغيرهن إلا بالتزام ذلك الحجاب الشرعي ؟؟؟ فالله تعالى يقول لهن ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة واطعن الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) من سورة الأحزاب الآية ((32ـ33) , فيجب على النساء المؤمنات الصالحات القانتات أن يتأسين بأزواج الرسول الكريم وان يلزمن هذا الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى عليهن وأن يتأسين بنساء المهاجرين والأنصار , فقد تحدثت عنهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما كان منهن من استجابة لنداء الله تعالى والتزام لأمره مع أن فطرة المرأة تدعوها إلى أن تظهر زينتها وجمالها , فقد روي الأمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله تعالى : (( وليضربن بخمورهن على جيوبهن )) من سورة النور الآية (31) . وروى أبو داود عن صفية بنت شيبة أنها قالت : بينما نحن جلوس عند عائشة إذ ذكرن نساء قريش فقالت عائشة إن نساء قريش لفاضلات ولكم ما رأيت أفضل من نساء الأنصار إيمانا بكتاب الله تعالى وتصديقا بما أنزل لما أنز الله تعالى قوله (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) وأنقلب رجالهن إليهن يكون عليهن ما نزل من كتاب الله فكان الرجل يتلو على امرأته وعلى أخته وعلى ابنته وعلى كل ذي قرابة ما منهن امرأة إلا وقامت إلى مد طها الموجل فشقته فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤسهن الغربان , وهذا المشهد الذي وصفته عائشة رضي الله عنها يتجلى واضحا في هذا العصر الحديث في تلك النساء اللواتي تطهرن من ادرأن الجاهلية الحديثة كما تطهرن نساء المهاجرين والأنصار من أحوال الجاهلية الأولى فكثير من النساء اللواتي وقر الأيمان في قلوبهن انقلبن في هذا الوقت خلاف ما كانت عليهن أمهاتهن وقر بناتهن من التبرج وقد ظهر ذلك في كثير من النساء المثقفات والفتيات العارفات والطالبات في الجامعات في البلاد الإسلامية , حتى في غير البلاد الإسلامية كثير من الفتيات المسلمات يلزمن الحجاب الشرعي ويخالفن هذه الجاهلية الحديثة كما خالفت نساء المهاجرين والأنصار من قبل تلك الجاهلية القديمة و آنا لنرجوا من الله تعالى أن يوفق جميع النساء المسلمات لسلوك هذا المسلك واتباع أمر الله والابتعاد عن طريق الشيطان الذي يحاول إضلالهن ويحاول أن يغويهن ويرميهن في المهلكة , ونجد في كتاب الله سبحانه ما يدل أيضاء على حكمة الحجاب فيما أنزل الله في سورة الأحزاب فاله تعالى قال : ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما )) الآية (59) , فالمرأة أن التزمت الحجاب الشرعي كان أدنى أن تعرف بأنها مؤمنة فلا تؤذى أي إيذاء , وقد ظهرت لك بارزة حتى في الواقع هذا ففي العام الماضي في مصر شكت فتاة إلى صديقتها أو زميلتها بأنها كلما مرت في طريق عاكسها الشباب فنصحتها صديقتها المتحجبة بأن تتحجب فتحجبت ولم يعاكسها الشباب بعد ذلك وهكذا فإن الذباب لا يقع إلا على النتن .

التلاعب بكرامة المرأة يولد الدمار :
والمتدبر لتاريخ المدنيات الزائلة والحضارات البائدة يجد أن سبب فناء تلك الحضارات هو التلاعب بكرامة المرأة وتسن لها بأن تخلع العذراء وأن تهتك الستر وأن تخرج عارية وكان ذلك في سبب أنها حضارة اليونان وبلاد فارس والرومان ,


أحكام تختص باللباس والحجاب :

أولا :صفة اللباس الشرعي للمسلمة :
(1) يجب أن يكون لباس المرأة المسلمة ساتر لجميع جسمها عن الرجال الذي ليسوا من محارمها ولا تكشف لمحارمها إلا ما جرت العادة بكشفه من وجهها وكفيها وقدميها .
(2) أن يكون ساترا لما وراءه فلا يكون شفافا يرى من وراءه لون بشرتها .
(3) ألا يكون ضيقا يبين حجم أعضائها ففي [ صحيح مسلم ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( صنفان من أهل النار ولم أرهم : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) , قال شيخ الإسلام أبن تيميه رحمة الله في [ مجموع الفتاوى ] وقد فسر قول الرسول الكريم : (كاسيات عاريات ) بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية مثل من تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل أردافها وساعدها وغير ذلك , و إنما كسوة المرأة ما يسترها قلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه واسعا نفيسا .
(4) ألا تتشبه بالرجال في لباسها فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المترجلات من النساء وتشبهها بالرجل في لباسه : أن تلبس ما يختص بالرجال نوعا وصفة فيما عرف كل المجتمع بحسبه , وقال الشيخ أيضا فالفراق بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما يناسب ما يؤمر به الرجال وما تؤمر به النساء فالنساء مأمورات بالاستتار والتحجب دون التبرج والظهور ولهذا لم يشرح لها رفع الصوت الأذان ولا التلبية ولا الصعود إلى الصفاء والمروءة ولا التجرد من الاحترام إنما بتحرر الرجل فإن الرجل مأمور إن يكشف رآسة وألا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تضع على قدر أعضاءه فلا يلبس القميص ولا السروال ولا البرنس ولا الخف ..........إلى أن قال : وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس , لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب فلا يشرع لها ضد ذلك لكن منعت أمن تتنقب وأن تلبس القفازين لأن ذلك لباس مصنوع من القدر العضو ولا حاجه بها إليه....... ثم ذكر أنها تغطي وجهها بغيرهما عن الرجال ..... إلى أن قال في النهاية : وإذا تبين أنه لا بد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يتميز به الرجال عن النساء وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتشام والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبة لبس الرجال نهيت المرأة عنه إلى أن قال : فإذا أجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة نهي عنه من الوجهين والله اعلم .
(5) ألا يكون فيه زينة تلفت الأنظار عند خروجها من النزل لئلا تكون من المتبرجات بالزينة .

ثانيا : الحجاب معناه وأدلته وفوائده :
الحجاب : معناه : إن تستر المرأة بدنها عن الرجال الذي ليسوا من محارمها كما قال الله تعالى : (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبا بعولتهن أو إخوانهن )) من سورة النور الآية (31) وقال تعالى : (( وإذا سألتموهن متاعا فسلوهن من وراء حجاب )) من سورة الأحزاب الآية(53) والمراد بالحجاب ما يستر المرأة من جدار أو باب أو لباس ولفظ الآية وإن كان واردا في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن حكم عامه لجميع المؤمنات ، لأن علمه عموم علته دليل على عموم حكمه وقال تعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن )) من سورة الأحزاب الآية (59) , وقال الشيخ أيضا في الجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه أبن مسعود وغيره : الرداء وتسميه العامة : الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها وقد حكى أبو عبيده وغيرة : أنها تدنيه من مستوى رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن الجنة النقاب .
ومن أدلة السنة النبوية على وجوب تغطية المرأة وجهها عن غير محارمها : حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع الرسول الكريم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه ) رواة احمد و أبو داود وأبن ماجه .
وأدلة وجوب ستر وجهها عن غير محارمها من الكتاب والسنة كثيرة وأعلمي أيتها الأخت المسلمة إن الذين أباحوا لك كشف الوجه من العلماء مع كون قولهم مرجوحا قيدوه بالأمس من الفتنه غير ما مؤنه خصوصا في هذا الزمان الذي قل فيه الحياء وكثر فيه رعاة الفتنه فأحذري من ذلك أيتها الأخت المسلمة والزمي الحجاب الواقي من الفتنه بإذن الله ولا أحد من العلماء المسلمين المفسرين قديما وحديثا يبيح لهؤلاء المفتونات ما وقعن فيه ومن النساء المسلمات قد يستعملن النفاق في الحجاب فإذا كن في مجتمع يلزم الحجاب احتجبن وإذا كن في مكان عام وإذا دخلن محلا تجاريا أو مستشفى أو كانت تكلم أحد صاغه الحلي أو أحد خياطي الملابس النسائية كشفت وجهها وذراعيها كأنها مع زوجها أو أحد محارمها فأتقن الله يا من تفعل ذلك ولقد شاهدنا بعض النساء القادمات في الطائرات من الخارج لا يتحجبن غلا عند هبوط الطائرة في احد المطارات لا من المشروعات الدينية .
أيتها المسلمة : إن الحجاب يصونك من النظرة المسمومة الصادرة من مرضى القلوب وكلاب البشر ولا يقع عنك الأطماع المشهورة التي تحارب الحجاب أو تقلل من شانه فإنها تريد لك الشر كما قال تعالى : ((ويريد الذين يبتغون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )) من سورة النساء الآية (27) .




فصل نكاح المشركات :

النكاح :
* تعريفة : ـ (1) لغة : النكاح لغة الضم والتداخل .
(2) اصطلاحا :
النكاح شرعا : العقد حقيقة والوطء مجازا .
وقيل : النكاح حقيقة في الوطء ومجاز في العقد
وقيل : النكاح حقيقة فيها الاشتراك ويتعين المقصود بالقرينة

عرفه بعض العلماء بقولة :
النكاح عقد يفيد حل استمتاع كل العاقدين بالآخر على الوجه المشروع.


 أنواع لأنكحه قبل الإسلام :
أن لأهل الجاهلية عدة أنواع من الأنكحه فلما جاء الإسلام رحمه للعالمين هدم ما يتنافى مع كرامة الإنسان وأمر النكاح الصحيح وقد بينت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنواع النكاح ما أنكح أهل الجاهلية فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله علية وسلم أخبرته (( أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء )) (1).
(1) فنكاح منها نكاح ناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل ولبنته أو لبنته فيصدقها فينكحها .
(2) نكاح أخر كان الرجل يقول لآمراته إذا اطهرت من طمثها أي حيضها : أرسلي إلى فلان فاستيضعى منه و ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا و إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكل هذا النكاح نكاح الأستبضاع .
(3) نكاح أخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرآة كلهم فإذا حملت ووضعت تمر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع الرجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهوا أبنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل .
(4) النكاح الرابع : يجتمعن الناس كثر فيدخلون على المرآة ولا تمنع من جاءها وهن البقايا كان ينصبن على أبوابهن الرايات لتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووصلت حملها جمعوا له ودعوا لهم القافه ـ وهم يعرفون شبة الولد بالوالد بالآثار الحقيقية ـ ثم الحق ولدها بالذي يرونه فالتا منه حب ـ الصفة ـ ودعي ابنه يمنع من ذلك فلما بعث محمد صلى اله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري والفظ له أبو داود وغيرهما .
مشروعية النكاح في الإسلام وحكمته وحكمه :

النكاح مشروع في الكتاب وفي السنة والإجماع أما في كتاب الله فقوله عز وجل ((فأنكحوا من طاب لكم من النساء مثنى وثلث وربع )) ( ) وقوله (( و أنكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم )) ( ) وأما في السنة فقولة صلى الله عليه وسلم (( يا معشر الشباب من تطاع من كم الباء فليتزوج فأنة أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية الصوم فإنه له )) ( ). إي حصاء والباءة هي ( مؤن الزواج وتكاليفه وواجباته ومن الباءة النكاح نفسه إلى القدرة علية . واجمع المسلمون مشروع ورغبة الإسلام فيه أيما ترغيب وحض علية من وجد الاستطاعة إلية وقد تنوعت أساليب والبحث علية في الكتاب والسنة فتارة يخبر عنه عز وجل إنه من سنن الأنبياء والمرسلين وهم القدوة الحسنة لامتهم , فيقول سبحانه وتعالى (( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية )) ( ) , وعن أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه إن الرسول صلى الله عليه وسلم قــال : أربع مـن سنن المرسلين (( الحياء والتعطر والسلوك والنكاح))( ) وتارة يتحدث عنه المولى عز وجل انه آيه من آيات الله فيقول سبحانه (( ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لأيت لقوم يتفكرون )) ( ), و أحيانا يذكره الله عز وجل في معرض الامتنان به علينا حسب قوله تعالى (( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبت )) ( ) وقد يحج الإنسان عن الزواج تخوفا من تحمل أعبائه والقيام بمسؤولياته ومما يترتب على ذلك من نفقات وقد يتردد وفقد يمتنع ولي المراه أيضا إذا تقدم إليه رجل فقير ليتزوج ولو كان صالحا خوفا عليها من بؤس الفقر وشطف العيش فيخبرنا عز وجل أن الزواج يسبب الرزق ليستأصل مثل هذه الأفكار الخاطئة التي تدل على عدم اليقين الراسخ بتكلفة الله عز وجل أرزاق العباد فيقول سبحانه (( و أنكحوا الايمى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله واله واسع عليم )) ( ) , وعن أبى هريرة رضي اله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف وفي بعض الروايات هذا الحديث (( ثلاثة حق على الله أن يغنيهم واخبر عليه السلام (( أن الدنيا متاع وخير متاعها المرآة الصالحة فعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أن الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرآة الصالحة )) ( ) وأمر عليه السلام أمته بالزواج من الودود الولود ليكاثر بأمته الأمم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) ( , والإنسان تعتريه عوامل نفسية شتى فيخيل إلية في بعض الأوقات حينما تغمره المشاعر الروحية والسمو النفسي وجب الانقطاع لله سبحانه وتعالى في كل شأن من شؤون الحياة أن الزواج من القواطع الشاغلة للإنسان عن التفاني في العبادة فيقرر الابتعاد عنه كما حصل ذلك مع بغض أصحاب الرسول صلى الله علية وسلم حين قرر أحدهم أن يصلي الليل فلا يرقد وقرر الأخر أن يصوم الدهر فلا يفطر وقرر الثالث أن يعتزل النساء فلا يتزوج فيبن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الصنيع خلاف لسنه صلى الله عليه وسلم ثم قال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أني أخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد و أتتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) (11) , وعظم الإسلام شأن الزواج فجعله شطر الدين لأنه يعين على الطهر والتقاء والعفاف فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من رزقه الله أمراه صالحة فقد أعانه على شطر الدينة فليتق الله في الشطر الباقي )) (12).

 من المحرمات :
المشركة وهي التي تعبد الأوثان كمشركات الغرب ومن شابههن .
قال تعالى : (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة المؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدون إلى النار والله يدعو على الجنة والمغفرة بإذنه )) (1) .
بينت الآية لا يجوز للمسلم أن يتزوج من مشركة , كما لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من مشرك للاختلاف الشاسع بين الدينين فهؤلاء يدعون إلى الجنة , و أولئك يدعون إلى النار هؤلاء مؤمنون بالله وبالنبوة وبالآخرة وأولئك مشركون بالله منكرون النبوة جاحدون بالآخرة والزواج سكينة ومودة ورحمة فكيف يلتقيان هذان الطريقان المتباعدان ؟
اتفق العلماء على أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية ولا الزندقية ولا المرتدة عن الإسلام , ولا المعتقدة لمذاهب الإباحية كالوجودية ونحوها من المذاهب الملحدة .
سورة البقرة الآية 221وسببب نزولها [1] قال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي مرثد الفنوي , وقيل في مرثد بن أبي مرثد : واسمه كناز بن حصين الفنوي . بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة سرا ليخرج رجلا من أصحابه وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية يقال لها ((عناق)) فجاءته فقال لها : عن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية قالت : فتزوجني قال : حتى استأذن رسول الله فأتى إلى الرسول فأستأذنه , فنهاه عن التزوج بها لأنه مسلم وهي مشركة وروى السدي عن أبن عباس رضي الله عنهما قال أمن هذه الآية نزلت في عبد الله بن رواحه وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم أنه فزع فأتى إلى الرسول فأخبره خبرها : فقال له الرسول : (( ما هي يا عبد الله )) ؟ قال : هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا اله إلا الله وانك رسول الله فقال : (( يا عبد الله هي مؤمنه )) قال عبد الله : فو الذي بعث بالحق لأعتقها ولأتزوجها ففعل , فطعن عليه الناس من المسلمين ؛ فقالوا أنكح أمة ؛ وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فأنزل الله (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )) قال في الهفني, وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما أستحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم . قال : و المرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت .
لم يقف الإسلام عند إعلان مبادئ العدل والمساواة بين الناس بل أبقاها بالتطبيق العملي وتربيه الأمة عليها وفيها يظهر لون من ألوان هذه التربية الكريمة التي يحطم فيها الإسلام قيم الجاهلية في النفوس علميا ويغرس فيها القيم الإسلامية من خلال تزهيد المسلمين بنكاح المشركة ولو كانت ذات حسب ونسب وترغيبهم في الزواج من المؤمنة واو كانت أمة . كذلك تحريم المؤمنة للمشرك مهما كان حسبة ونسبة والترغيب في التزويج المؤمن ولو كان عبدا وذلك ليغرس في النفوس أن قيمة العقيدة والدين أعظم من قيمة المال و الكسب وشرح أية البقرة 221 إي (( لا تتزوجها أيها المؤمنون المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الأخر ولأمة مملوكة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من مشركة وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ومالها وحسبها ونسبها ولا تزوجوا المشركين من بناتكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله ولأن تزوجوهن بعبد مؤمن خير لكم من أن تزوجوهن من مشرك مهما أعجبكم حسبة ونسبة وماله فأن هؤلاء المشركون والمشركات يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار والله يدعوا إلى العمل الذي يدخلكم إلى الجنة .جاء تفسير أية ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من أمة مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آيته للناس لعلهم يتذكرون )) وقد جاء في تفسير أبي السعود على النحو التالي :
(( انتفاء مقدمها ( ولا تنكحوا المشركات ) إي لا تتزوجوهن و قرء يضم النساء من الانكاح أي تزوجوهن من المسلمين ( حتى يؤمن) والمراد بهن أما ما يعم الكتابيات أيضا حسب ما يقتضيه العموم لقولة تعالى : (( وقالت اليهود عزيز أبن الله وقالت النصارى المسيح أبن الله ... إلى قوله تعالى عما يشركون )) فأية منسوخة بقولة تعالى (( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وأما غير الكتابيات فهي ثابتة)) , وروى أن رسول الله بعث مرثد بن أبي مرثد الفنوي إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين وكان يهوى امرأة في الجاهلية أسمها عناق فأتته فقالت ألا تخلو فقال وعيك إن الإسلام حال بيننا فقالت هل لك أن تتزوج بي قال نعم ولكن أرجع إلى رسول الله فستأمره فأمره فنزلت ( ولأمه مؤمنه ) تعليل لنهي عن مواصلتهن والترغيب بمواصلة المؤمنات صدر بلام الابتداء السببية بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الازدجار وأصل أمه ( آمو ) حذفت لامها واو أرجو عنها في الجمع قال الكلابي (( أما الإماء يدعو ولدا إذا تدعى بنو الأموات بالعار وظهورها في المصدر يقال هي أمه بينة الأمومة وأقرت له بالأموه وقد وقعت مبتداء لما فيها من لام الأبتداء والوصف إي (( ولامه مؤمنه )) مع مآبها من خساسه الرق وقلة الخطر (خبر ) يمس بالدين والدنيا ( ومن مشركة ) إي آمراه مشركة مع مسلما من شرف الحرية ورفعة الشأن ( ولو أعجبتكم ) قد مر أن لكلمه في أمثال هذه المواقع ليست لبيان انتقاء الشي في الماضي لانتقاء غيرة فيه فلا يلاحظ لما جواب قد حذف بدلالة ما قبلها عليه من انصباب المعنى على بقديرة بل هي لبيان تحقق ما يفيد للكلام السابق من الحكم على كلا الحال مفروض من الأحوال المقارنة له على الأجمال بإدخالها على أبعادها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشي منى تحقيق مع المنافي في القوى فلأن يتحقق مع غيره أولى و لذلك لا يذكر معه شيء من سائر الأحوال ويكتفي عنه بذكر الواو العاطفة للجملة . ( ولا تنكحوا المشركين ) من الانكاح والمراد بهم الإنكار على الإطلاق لما مرآي , لا تتزوجوا منهم المؤمنات سواء كن (حرائر أو إماء ) ( حتى يؤمنوا ) ويتركوا ما هم فيه من كفر ( ولعبد مؤمن ) مع مآبه من ذلك المملوك ( خير من مشرك ) مع ماله من غز المالكية ( ولو أعجبكم ) بما فيه من دواعي الرغبة فيه الراجعة إلى ذاته وصفاته ( أولئك ) استئناف مقرر لمضمون المتعاليين المارين أي أولئك المذكورون من المشركات والمشركين ( يدعون ) من بقائهم ( إلى النار ) أي إلى ما يودي إلى الكفر والفسوق فلابد من الاجتناب عن مقاربتهم ( والله يدعوا ) بواسطة عبادة المؤمنين يقارنهم (إلى الجنة والمغفرة ) إي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح المواصلين إليهما وتقديم الجنة على المغفرة مع إن حق التحلية أن تقدم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداء ( بإذنه ) متعلق إي يدعو ملتبسا بتوفيقه الذي جملة بإرشاد المؤمنين لمقارنيهم إلى الخير وتضحيتهم فهم أحقا بالمواصلة ( ويبين آياته ) المتمثلة على الأحكام الفائقة والحكم الرائق (( للناس لعلهم يتذكرون ) أي لكي يتذكروا ويعملوا بما فيها فيقرنونها بما دعوا إلية من الجنة والغفران )) (2) ,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) من سورة البقرة الآية (221)
المصادر : كتاب الحلال والحرام في الإسلام ـ تأليف الدكتور شيخ يوسف القرضاوي ـ ص 178 . كتاب فقه السنة .
2- نقل هذا النص من كتاب تفسير أبي السعود ( المجلد الأول الصفحة رقم : 220ـ 221ـ222.



ومن حكم التشريع :
لقد حرم الإسلام زواج المسلم بالمشركة وتزويج المسلمة بالمشرك وذلك راجع إلى حكم عظيمة منها :
(1) أ يتم التعاون بين الرجل والمرآة على إنشاء الأسرة مسلمة وتربية الأولاد تربية إسلامية .
(2) مقاطعة المشركين حتى لا يكون بينهم وبين المسلمين مصاهره ولا تعاون.
(3) تقوية الروابط الإيمانية وإشاعتها في المجتمع .




الأستفاده
- التعاون والتساوي بين الجماعة الإسلامية وهذا ما نتحقق في عمل بحثنا هذا .
- الإسلام يبين اليسر وليس عسر
- كرامة المرأة المسلمة في أعظم منحه وحققها لها الإسلام
- السعادة الدنيوية لدى المسلمين تكون بالتزام كل من الطرفين الوحل والمرأة بحقوقهم وواجباتهم .
- المرأة لؤلؤه مصانة في الدين الحنيف.
- سلامة المجتمع تكون سلامه المرأة ضمان عدم خروجها عن قاعدة هذا الدين الحنيف.
- تقوم المرأة مصانة في ظل النظم الإسلامية
- الحجاب الشرعي هو عنوان المرأة المسلمة في المحافل الدولية .
- ليس المرأة هو كشف عن شخصيتها أو النيل على كرامتها أو حقارتها .
- نكاح المشركات فساد للمجتمع الإسلامي وضياع الأبناء وسط سحابة الفجور الغربي.
- المرأة لا تسافر إلا لعذر شرعي.
- الإسلام حافظ على المرأة في حلها وترحالها.
- الزواج رابط مقدس يربط الرجل والمرأة.
- تحريم زواج الرجل بالمشركة.
- أساس الأسرة المسلمة التقوى والأيمان.
- نور الإسلام حطم قيم الجاهلية وتبين قيمة الإنسان .
- لا يجوز للمرأة المسلمة ولا للمسلم أن يتزوجوا كافر أو كافرة .
- تكريم الإسلام للمسلمين وذلك لأنه فضل على المرأة المسلمة أن تتزوج عبد مملوك وهو مسلم عن ملك كافر .
- اشتراط الله من المسلم أن لا يتزوج كافرة إلا بعد تؤمن ذلك فيه محافظة على الإسلام من الضعف والانقسام : فإذا تزوج المسلم من كافره فإنه سيتأثر بعاداتها وتقاليدها ودينها أيضا أطفاله الذين سيتأثرون بشكل كبير جدا بعادات أمهم الكافرة التي تنافي مع عادات الإسلام وربما النقير حجه السلبية من زواج المسلم من كافره هو أن يترك إسلامه ويلتحق بدين زوجته.
- الله تعالي يخبر المسلم بين الجنه في طاعته وأتباع أوامره سبحانه وتعالي ، أو النار إذا عصى الله تعالي.
- تكريم الله تعالى للمرأة المسلمة فلإسلام بفضل على المسلم أن يتزوج من مملوكة مسلمة خير من ملكة وهي كافره.
- رسالة المرأة الحقيقة في المجتمع في المجتمع تربية الأسرة وتنشئها وفق أحكام الإسلام ومبادئه.
- سفر أعداد وحدها مخالف للإسلام ويترتب عليه أثم يلحق بها .
- الخفوه بالمرأة الأمنية حرام في الإسلام
- النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء لا أساس لها من الصحة .
- تحطيم الإسلام الأفكار الجاهلية الهدامة.
- الزوجية في الإسلام لت مسؤوليات من حيث النفقة وتحمل أعبائه.
- تعظيم الإسلام لشأن الزواج وجعله شطر الدين.
- الزواج السبب في الطهر والنقاء والعفاف.



الختام :
فمع الأسف الشديد فإن الكثير من الذين يسوئون إلى الأدب في المجتمعات الإسلامية يحاولوا أن يسخروا مواهبهم في تضليل المرأة وفي إخراجها من بيتها و أزالتها من مكانتها التي قواها الإسلام أيضاء وذلك لان هذا النوع من الرجال لا هم لهم إلا إرضاء شهواتهم وإشباع غريزتهم وهم يحاولون لأن يضلوا المرأة ليكون هذا التضليل وسيلة من وسائل استقلال المرأة لإشباع شهوة الرجل المنهزم , فما اجدر بنا جميعا أن نقف مواقف الحذر من هولا وما أجدر الفتيات المؤمنات أن يدرسن لينتهن وأن يتمسكن بكتاب ربهن وسنه نبيهن ولهن في نساء المهاجرين و الأنصار أسوة حسنه , وما أجدر الأباء والأمهات أن يراعوا حقوق بناتهن وأن يحفظن لهن شرفهن وكرامتهن وأن يحذرا كل الحذر أن يرزأن في عفافهن وفي شرفهن فذلك الذي ندعو به الأباء والأمهات والمدرسين والمدرسات .

وأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحبه و يرضاه وأن يجعل الغيرة في قلوب رجال المسلمين والحياء في نفوسهم وفي وجوه نساءهم وأن يأخذ بأيدينا إلى كل تيسير من أمور الدنيا والآخرة وأن يصرف عنا كل شر من شرورهما وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين .





الخاتمة :
الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الصحة والعافية والعلوم الكافية " أليس الله بكاف عبده"
بلى يا رب فأنت المنعم ومنك النعم لك الفضل والمنه ومنك الخير كله والنعمة وأعظمها من نعمة نعمة الإسلام تليها نعم الصحة والأمان ولكل نعمة ما يحفظها التوحيد واجتناب المعاصي ونعمة الصحة يحفظها الاقتصادي في المأكل والمشرب والحميه عن المعاصي ودوام الرياضة والسعي والحركه فإن فيها الرزق والبركة .

وإن ثمة أمر هام في حياتنا أنه مهما وصلنا إلى أو حتى العلوم فأننا لا نصل إلى القدر ألازم ويبقى الطموح والجد والاجتهاد وهو سبيل الإنسان وغايته في هذه الحياة.
ونحن كذاك مهما عملنا ومهما تعلمنا فأننا بعيدين عن القدر وهو سبيل اللأزم ولن نعطيه حقه وأننا لن نصل إلى ذلك المنصب الذي تعنينا به أنفسنا إلا إذا اجتهدنا وعملنا بجد ومثابرة في كل عمل من أعمال حياتنا وفي كل هدف وطريق تطمح إليه نفوسنا .
وهذا البحث الذي عملنا هو ثمرة من ثمار علمنا واطلاعنا .
أرجو أن ينال على إعجاب كل من قراءه وتصفح صفحاته
وفي الختام لا يسرنا إلا أن نهديكم أصدق تحياتنا وأمنينا لكم بالأستفاده ولأفاده .

هذا ولكم جزيل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابومحمد الشامري 03-04-2005 01:20 PM

جزاك الله خير يا ابو بدر على هذه الدراسة الرائعة ما قصرت يا السنافي

د.فالح العمره 03-04-2005 01:39 PM

المرأة والسياسة وصناعة الحياة
محمد العلي






أهدي هذا الموضوع إلى المرأة التي لم تجد من ينصفها في كل الجاهليات، أهديه إلى الإنسان الذي يبحث عمن يعيد له الحياة، حياة العدل والمساواة والحرية.. حياة الحب والتسامح والتكافل.. حياة التعاون والألفة والمحبة.. حياة السكينة والأمن والاطمئنان والاستقرار، أهديه إلى أحبتي أهل البيت العراقي الذي بات أهله يبحثون عما يعينهم على ترتيب بيتهم على أسس سليمة وصحيحة، أهديه إلى كل من أراد إعادة ترتيب بيته على أساس سليم وصحيح، أهديه إلى أهل الهمة من الناس والأمة، قال تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة: التوبة ]

المرأة والسياسة وصناعة الحياة..

إن كل جاهليات العصور الغابرة كانت تظلم المرأة وتستغلها استغلالاً بشعاً، وتسلب أمنها، وتتكئ على شقائها وتعاستها، وتعمل على تشتيت أمرها وهدر طاقتها، واستغلال جهدها واستغفالها، وعلى رأس ما يسلب منها من أمن، هو (الأمن الفكري)، بل هو على رأس ما يسلب من أكثر الناس في زمن كل جاهلية، فحتى جاهلية هذا العصر تمارس على المرأة تلك الممارسات بصور وأشكال وآليات مختلفة، على الرغم من التطور العلمي والتقني، وهو أوضح دليل على جاهلية هذا العصر، فوضع المرأة في المجتمع هو المؤشر على رقي ووعي المجتمع وتحضره.

والمرأة في دولنا العربية والإسلامية أصبحت بين نارين، نار العادات والتقاليد القبلية التي تحد من نشاطها الاجتماعي والسياسي وتكبل حركتها وتمنعها من أداء دورها وواجبها تجاه المجتمع باسم الدين، وبين نار "العلمانيين" الذين وجهوا المرأة الجهة الخاطئة وظلموها واستغلوها أبشع استغلال، وشغلوها عن نفسها وبيتها وخالقها وعن مصيرها الموعود بعدما حرموها من (الأمن الفكري).

فباسم الحقوق السياسية يراد حرمان المرأة من حقوقها الشرعية وضرورات حياتها الإنسانية، بل وحرمان المجتمع ككل من إمكاناتها وقدراتها وطاقاتها وجهودها وتأثيرها الفعلي ودورها في صناعة الحياة، فأقصى ما يقدمه الساسة للمرأة هي دعوى باطلة خادعة يتم بها استمرار تحييدها عن ممارسة دورها الحقيقي باسم "الديمقراطية" والمشاركة السياسية المزعومة، رغبة في تقليد الدول الغربية المتقدمة تقنياً ومادياً -والذي جعلها البعض مثله الأعلى- توهماً منهم بأن ذلك من أسباب التقدم والرقي ومظهراً من مظاهره ووجهاً من أوجه الحضارة، فالمرأة بالنسبة لسدنة الحضارة الجديدة -وكما يقال- هي (نصف المجتمع!)، إنها مقولة من ينظر إلى أفراد المجتمع كمجموعة من العمال والموظفين، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء!، فتلك نظرة "الرأسماليين" والماديين الذين يصب اهتمامهم على مضاعفة الإنتاج وجني الأرباح والمكاسب المادية حتى لو كان على حساب ارتقاء وبقاء النوع البشري وعلى حساب وعي المرأة وصلاح حالها وأحوالها واستقرارها وأمنها، فالمرأة بالنسبة لهم نصف قوة العمل، وفي الحقيقة..

إن المرأة هي من (يصنع المجتمع)، المجتمع الإنساني، وهي من يصنع الحياة. قال تعالى: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (85)}(هود)..

نعم.. إن المرأة هي من يصنع المجتمع والحياة، فلذلك يجب أن تمكن من أداء دورها الاجتماعي والسياسي وبصورة صحيحة وبما يحقق الهدف الصحيح وهو إيجاد أسرة مترابطة مستقرة وإيجاد أبناء لهم بناء فكري وروحي ونفسي وبدني سليم ومجتمع آمن ودولة تسير باتجاه صحيح، فالمرأة إذا ما مكنت من أداء دورها الطبيعي ستساهم بقدر كبير في صناعة وصياغة الإنسان صياغة تجعله أهلاً لأداء الأمانة التي حملها ودور الاستخلاف في الأرض، بل في صناعة وصياغة الحياة، ولا يجب أن تنهك وتشتت جهودها وتهمش وتستغفل وتستغل، فالمرأة في الوقت الحاضر تعيش وهي محرومة من أداء دورها الأساسي الفعال في المجتمع، فلابد من إعادة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية الإسلامية ترتيباً صحيحاً يحفظ للمرأة خصوصيتها ويضع كل جنس في مكانه المناسب والصحيح، ومثلما يجب أن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كذلك يجب أن توضع المرأة المناسبة في المكان المناسب، وهكذا سيصلح المجتمع وستعدل الموازين المقلوبة وأولها ميزان العقل الذي اختل بسبب ذهاب الدين مروراً بالموازين الأخرى وانتهاءَّ بميزان القوة العالمي ليكون من صالح المسلمين والمستضعفين والإنسانية بشكل عام.. قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً(1)} (النساء).. فساسة هذا الزمن إذا ما أرادوا الارتقاء بالمجتمع الإنساني وبعث الروح فيه لا مفر من تقديم الاعتذار الواضح والصريح للمرأة بعد الاعتراف بسوء تقديرهم وفهمهم لمكانتها ولقيمتها ولقدراتها وإمكاناتها وخواصها وحاجاتها وضرورات حياتها الإنسانية ولدورها في الحياة، فيجب رفع الظلم عنها وإعلان التوبة النصوح (عملياً) من خلال تمكين المرأة من أداء دورها الطبيعي تجاه المجتمع دون حيل فكرية وسياسية ودون استغفال واستغلال، فوضع المرأة في مكانها المناسب والصحيح والاعتراف بدورها المهم والأساسي في صناعة المجتمع وصناعة الحياة هو أحد أهم مفاتيح الإصلاح، فضياع الأمم من ضياع المرأة وتهميشها، ولا إصلاح إلا بصلاح حال وأحوال المرأة "الفكرية والروحية والنفسية والمادية" ولا إصلاح إلا بتمكين المرأة من أداء دورها الطبيعي.

لقد تعرضت المرأة في الجاهلية الحديثة لوجهين رئيسيين من الخداع، [الوجه الأول]: هو صرفها عن العلم الذي سينفعها وسيفيدها في ممارسة دورها الطبيعي وتحقيق ذاتها، وهو الأمومة ورعاية الأسرة وتربية وصياغة الأبناء وصناعة الحياة، فبدلاً من تعليمها من أجل إخراجها من حصنها ومملكتها لجعلها عاملة في آلية وماكينة الإنتاج المادية العالمية وجعل مهمتها الأولى تحصيل المال والشراء والإنفاق والاستهلاك كان من الأجدر تعليمها العلم الذي يعينها على صناعة الحياة من خلال إدارة الأسرة ورسم وتنفيذ سياستها الاقتصادية والغذائية والصحية والفكرية والنفسية والروحية والاجتماعية، فصناعة الحياة وصناعة الإنسان وصياغته بصورة صحيحة بحاجة لأم متعلمة وواعية ومتمكنة من إدارة أسرتها لبناء أبنائها بناءً -فكرياً ونفسياً وروحياً وبدنياً- سليماً، وهو بحاجة لأم متفرغة لتلك المهمة الإنسانية الراقية، و[الوجه الثاني]: هو خداعها بما يسمى المشاركة السياسية باسم "الديمقراطية"، فعند التطبيق الفعلي لن نجد لتلك المشاركة المزعومة أي أثر يذكر على تحسين أحوال المرأة بشكل خاص وأحوال المجتمع بشكل عام، فها هي المرأة في الدول "الديمقراطية" ما زالت تعاني من الاستغلال وسوء الرعاية والاهتمام، وها هي مجتمعات "الديمقراطية" المزعومة تعيش بحالة تفسخ وانحلال. قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71)}(التوبة).. فحاجة المجتمع لجهود المرأة الفعلية تلزمنا استحداث دائرة سياسية نسائية خاصة لإدارة شؤون الفتيات والمرأة والأسرة، بإدارة نسائية صرفة دون وصاية من الرجال وبميزانية مستقلة، وهذا وجه من أحد أوجه تطبيقات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكامل والتعاون على البر والتقوى، وتلك الدائرة السياسية النسائية تكون مهمتها الآتي:

أولاً: إيجاد فتيات متعلمات واعيات متمكنات من رسم سياسة الأسرة وإدارة شؤونها "الاقتصادية والغذائية والصحية والفكرية والنفسية والروحية والاجتماعية" وقادرات على صناعة الحياة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(21)} (الروم)، فمهمة صناعة الحياة وإدارة شؤون الأسرة ورسم سياستها لضبطها ليست مهمة وضيعة وهامشية، كما يصورها من لا يعيش تفاصيل الحياة بوعيه الكامل، أو من يريد للمجتمع أن يعيش في ظل الفوضى بعد تحييد (الأم المتعلمة الواعية المتمكنة المتفرغة) حتى يتسنى له تصريف بضائعه الفاسدة التي تفسد الحياة، من قيم وأفكار ومفاهيم وغذاء أو سموم ومصنوعات وسلع مختلفة دون رقيب وحسيب، بل إن مهمة إدارة الأسرة ورسم سياستها وصناعة الحياة من أصعب المهمات وأهمها وأشرفها في الدولة الإسلامية، فضبط الأسرة هو ضبط للمجتمع والدولة، فمن الأسرة التي تديرها الأم المتعلمة الواعية المتمكنة المتفرغة يخرج أفراد المجتمع الصالحون المصلحون، يخرج صناع الخير وصناع الحياة، فتلك هي حقيقة دور ومهمة المرأة في المجتمع المسلم المثالي، فإذا صلحت الأسرة والخلية الأولى للدولة صلح النسيج الاجتماعي وصلحت الدولة وصلحت الدنيا والحياة.

{عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأة رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} (صحيح البخاري)

ثانيـاً: تهيئة الكوادر الفنية والإدارية من أجل إدارة شؤون النساء بشكل عام "الفكرية والروحية والنفسية والمادية والصحية والاجتماعية...الخ" وخدمة المجتمع وتوفير فرص عمل مناسبة لمن اضطرتها الظروف للعمل، بما يحفظ كرامتها من الامتهان.

ثالثاً: التنسيق مع مجالس الرجال للاتفاق على آلية التشاور وحدود ومجالات المشاركة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وأمام هذا الوضع المأساوي للمرأة، وأمام هذا الخلل والاضطراب الذي أصاب المجتمعات بسبب تحييد وتهميش المرأة ومنعها من أداء دورها ومهمتها في صناعة المجتمع وصناعة الحياة، تُـقََََدَمُ حلول تزيد الواقع سوءًا، فالمشاركة السياسية للمرأة لا تكون بدخولها في حلبة الصراع السياسي باسم "الديمقراطية" والتعددية، فهذا الأمر لا يصلح من حال وأحوال المجتمع، ومن المحال ذلك، فالمجتمع الإسلامي الإنساني لا يصلح حاله ولا تصلح أحواله إلا بإعادة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية على أساس صحيح، من أجل إيجاد بيئة اجتماعية وسياسية صالحة مربية ومزكية.. واستحداث دائرة سياسية خاصة بالنساء هو جانب من الأسس السليمة والصحيحة التي ستعمل على عودة الروح والحياة للمجتمع.

لقد أصبحنا مخدرين ومسلوبي الإرادة ليس لنا إلا السير على خطى الآخرين في النظرة إلى الحياة والبقاء في أفقهم وجحورهم الضيقة، { قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟}.. ألا يجب أن ننتبه إلى أنفسنا ونتأمل ونتفكر في حالنا وأحوالنا ونتدارس أمرنا ونراجع أفكارنا ومفاهيمنا وتصوراتنا ورؤيتنا للحياة؟.. هل هي رؤية عميقة وصحيحة؟ أم هي رؤية سطحية أثرت بها أعمال المكر والدجل والحيل الشيطانية، إضافةَّ إلى الإلف والعادة وبسبب تسلط "العلمانيين" وقوى التخلف والانحطاط على الأمة بعد تحييد العلماء الربانيين؟..

لنبحث عن الأفق الفكرية والحياتية الرحبة الفسيحة بعيداً عن هذا الجو من الضنك والعنت والمعاناة، لكي نعيد ترتيب شبكة علاقتنا الاجتماعية السياسية الإسلامية وفق المنهج الصحيح ووفق سنن ونظم وقوانين الكون حتى تعود للدنيا الحيـاة.

وبالله التوفيق،،،






د.فالح العمره 03-04-2005 01:41 PM

المرأة وملامح الحرب الصليبية الجديدة على عالم الإسلام
كمال السعيد حبيب

الحرب على الحجاب مدخل للتغريب




يمثل القرن الجديد قرناً فاصلاً في التاريخ الإنساني، وفي التاريخ العربي والإسلامي خاصة، فهو أشبه بمذراة كبيرة هائلة قلبت الأمور رأساً على عقب، وأثارت زوابع وعواصف وضباباً محيراً، وكيف يكون هذا القرن فاصلاً، والعالم العربي والإسلامي يواجه وحده دون بقية حضارات العالم وأممه هجمة لا ترحم هي في الحقيقة التي لا مراء فيها هجمة صليبية عاتية وعنيفة يوجهها من يمكن أن نصنفهم بأعلى طبقات الأصوليين الإنجيليين (الصليبيون الجدد المتحالفون مع اليهود) الأمريكيين والبريطانيين؛ متسلحين بقوة عسكرية وتقدم تقني لا مثيل له في التاريخ.

في الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، والتي قادتها بشكل أساسي الكنيسة الكاثوليكية فيما عُرف باسم «حملات الاسترداد»، والمقصود بها استرداد العالم العربي والإسلامي إلى حظيرة الصليبية، هذه الحملات استمرت مائتي عام كاملة في موجات لم تهمد أو تهدأ إلا على يد صمود إسلامي، عبّرت عنه الأمة بكامل قوتها وطاقتها شعوباً وقادة.

وبالمناسبة فهذه الحملات الصليبية كانت موضع دراسة وافرة من قِبَل اليهود لمعرفة الأسباب التي أدت إلى إخفاقها رغم نجاحها في بعض الأحيان في إقامة مواطئ أقدام لها على سواحل البحر المتوسط في فلسطين مركز الصراع بين عالمنا العربي والإسلامي منذ الحملات الصليبية. وانتهى اليهود إلى فهم أسباب إخفاق الحملات الصليبية في أن تكوّن وجوداً استعمارياً استيطانياً ثابتاً لا يتزعزع في هذه المنطقة المقدسة، وإبّان الموجات اليهودية الاستعمارية الجديدة للسيطرة على فلسطين كان المشروع الصهيوني يحاول استكمال المشروع الصليبي؛ أي أن التكامل بين المشروع الصليبي القديم والمشروع الصليبي الجديد هو في جوهره تعبير عن موقف الحضارة الغربية في مواجهة الحضارة الإسلامية، فالمشروع الصهيوني هو بالأساس مشروع غربي في مواجهة العالم الإسلامي، يحاول استكمال المشروع الصليبي القديم[i].

واليوم تأتي الحملة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي تمثل إعادة التكامل والتلاحم بين المشروع الصليبي واليهودي معاً في مواجهة العالم الإسلامي المعاصر[ii]، وهنا نجد المحافظين الجدد المتربعين على سدة الحكم في البيت الأبيض يمارسون الدور القديم نفسه لرجال الكنيسة الكاثوليكية الذين قادوا الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وروجوا لها ولكن بثياب مدنية؛ أي أن الروح الصليبية القديمة لا تزال في حكام العالم الغربي وإن اختلفت الثياب والبزات والموضات والأشكال، إنها الروح القديمة في ثياب جديدة [iii].

ومع انتهاء الحروب الصليبية على عالمنا العربي والإسلامي بالإخفاق الذريع، وقدرة الأمة المسلمة على أن تستعيد زمام المبادرة، وتصمد للتحدي الصليبي؛ بدأنا نسمع عما يمكن أن نطلق عليه بذور الحرب الجديدة على العالم الإسلامي، هذه البذور هي ما أطلق عليه في الأدبيات الإسلامية «الغزو الفكري»، و«الغزو الثقافي»، و«الغزو الحضاري»، بدأ الغرب يكوّن طبقات جديدة، هذه الطبقات لم تنتجها الكنيسة ولا روح التعصب الديني الغربي في العصور الوسطى، أنتج هذه الطبقات عصر التنوير الأوروبي، وعصر النهضة والتقدم والعقل والإنسانية؛ ذلك لأن مرجعية العقل والتنوير والتحديث والتقدم والتطور وكل ما آثاره الفكر الغربي؛ لم ينفصل عن روح الحضارة الغربية التي ورثتها عن اليونان الوثنية، وعن روما الصليبية، وعن أفكار الفترة الكنيسية نفسها، الروح العنصرية البراجماتية التي تنظر للآخر باعتباره موضوعاً وليس ذاتاً. ومن هنا قادت هذه الأفكار الإنسانية إلى الاستعمار وإلى ابتلاء العالم العربي والإسلامي بل والعالم القديم كله ببلاء الحضارة الغربية[iv]، هذه الطبقة الجديدة المستلهمة للأفكار العلمانية؛ أسست قواعد جديدة لإدارة العالم واستعماره، كان على رأسها «تحقيق ما نريد بوسائل جديدة»، هذه الوسائل هي فهم خصائص العالم الإسلامي، واختراقه عبر الجواسيس والسفراء والدراويش والدراسات الاستشراقية، ومن هنا كان فهم روح الشرق أداة لاستلابه واستعماره، وسمعنا عن التبشير والاستشراق ثم الاستعمار[v].

اليوم تمثل الحملة الأمريكية البريطانية على العالم الإسلامي «أعلى» مراحل الموجات الاستعمارية ضد أمة من الأمم، وهي «أعلى» موجات المد الغربي في مواجهة العالم الإسلامي، نقول «أعلى» بمعنى أنها تمتلك خبرة الغزو الفكري الحضاري الثقافي والغزو العسكري الاستعماري الاستئصالي معاً؛ أي أن بذور الغزو الفكري المتخلف القديم بلغت ذروتها اليوم، فالمؤسسات التي تدير معركة الأفكار والعقول والثقافة والحضارة اليوم؛ لا تقارن بالأساليب المتخلفة القديمة ذات الطابع الفردي، لكن القضايا هي نفسها، والاستراتيجية هي نفسها، إستراتيجية عدم الاقتصار على الغزو العسكري كأداة للتطويع والامتلاك والسيطرة والهيمنة، وإنما يسبق ويرافق الغزو العسكري غزو ثقافي وحضاري وعسكري.

بل إن الغزو الحضاري الثقافي هو الأسبق والأهم، وإذا قامت المعارك العسكرية لن تستمر، فإن معركة الأفكار يجب أن لا تهدأ ولا تنام[vi].

السؤال الأساسي في معركة الحضارة الممتدة بيننا وبين الغرب هو: كيف استطاع العالم الإسلامي الصمود في مواجهة الحملات الصليبية القديمة والجديدة دون أن تموت روح المقاومة فيه؟ ما الذي يجعل الناس في هذا العالم وحده يقفون مناوئين للأفكار القديمة التبشيرية الأمريكية ؟

إننا بإزاء أمة لا تموت وحضارة كتب لها البقاء، لماذا؟ إن الإسلام هو الدين الحق، وكلمة الله الخاتمة للبشر، ولذا لا بد من الهجمة عليه، وإعادة تعريفه من جديد بحيث يتسق مع النصرانية، وبحيث لا يكون عاملاً مميزاً للأمة الإسلامية في مواجهة الاكتساح الغربي، لا بد من تفكيك عناصر التمسك في العالم الإسلامي وعلى رأسها الإسلام نفسه، بحيث حين يعرّف المسلم نفسه كمسلم لا يجد فرقاً بينه وبين النصراني أو البوذي أو الهندوسي... لم نسمع مثلاً عن حملة صليبية على اليهود لإعادة هندسة أفكارهم وعقائدهم لتتكيف مع الصليبية الجديدة؛ على الرغم من أن الأفكار اليهودية كلها قائمة على أسس أسطورية عنصرية، وهي ضاربة في أطناب التخلف والرجعية والوثنية.

دعك من الحديث المزيف لبوش أو غيره من العصابة التي تحكم البيت الأبيض عن الإسلام واحترامه، وانظر إلى حقيقة ما يحدث على الأرض... إن السياسة العملية هي تعبير كامل عن فكر طبقة الإستراتيجيين الجدد في دوائر البيت الأبيض، مثل «هنتنجتون، فوكوياما، نيكسون، وولفويتز، كارل روف، كوندوليزا.. وغيرهم كثيرون»، وهذا الفكر في جوهره يقوم على صِدَام ماحق مع الحضارة الإسلامية للإجهاز عليها. والمراقب للعلاقة بين الحضارة الغربية وعالم الإسلام حتى قبل أحداث سبتمبر؛ سوف يلاحظ نمو موجة عدوان وتصعيد على العالم الإسلامي لإخضاعه وتركيعه، وسوف يلاحظ المراقب أيضاً أن الغرب في علاقته بمناطق الدنيا قاطبة يرتب إستراتيجية وفق مصالحه ورؤى أهل هذه المناطق؛ فيما عدا عالمنا العربي والإسلامي، حيث يرتب أوراقه من منظور صهيوني صليبي، يأخذ العمق الحضاري في الصراع مع العالم الإسلامي في اعتباره. وفلسطين وكشمير والشيشان والهجرة والأقليات المسلمة والعلاقة بين الجنوب والشمال؛ كلها شاهدة على أنها حرب صليبية حقيقية.

وتمثل المنظومة العقيدية للإسلام موضوعاً للحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي، فهي منظومة من وجهة النظر الغربية تولد العداء للآخر غير المسلم خاصة، وهم يقصدون بذلك إلغاء صفة الكافر عن غير المسلم، وهم يقصدون إلغاء كل ما يتصل بمفهوم الولاء الإسلامي الذي يجعل من الأمة بنياناً مرصوصاً، وهم يريدون إلغاء كل ما يتصل بمفهومات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبراءة من الكفر وأهله؛ أي أن مفهوم الكوكبة والعولمة (globalization) هو بالأساس مفهوم ثقافي يريد أن يفرض على العالم المفهوم الديني الغربي الأمريكي فقط. وليس شرطاً أن يفرض عليك مفهومات صليبية كما يفعل المنصرون، وإنما يفكك (Dissolution) ما تتمسك أنت به، وهذه معركته الكبرى وأرض المواجهة الحقيقية والمدافعة بين الحق والباطل. وفي متابعة لعلاقة الدين بالدولة في أمريكا وجدت تعبيراً أعتقد أنه صحيح، وهو ما يسمونه الدين المدني الأمريكي؛ أي أن أمريكا ليس لديها دين حقيقي منزل فيه شرائع ونظم كما هو في الإسلام، وإنما هو إطار تملؤه الأفكار والعادات والتقاليد التي لها طابع مدني ثابت.

ومن ثم فالأفكار الأمريكية عن الإصلاح الديمقراطي، وعن حرية المرأة، وعن تغيير مناهج التعليم، وعن الخطاب الديني الجديد، وعن الحجاب والاختلاط ونظم الأسرة والأحوال الشخصية؛ جميعها ذات طابع مدني تحمل روح الأفكار الأمريكية إلى العالم، أو رسالة أمريكا إلى العالم، وبناءً على ذلك؛ فإن أمريكا تريد تفكيك ما لديك لتتبع أنت ما عندها.

والسؤال هو: وما الذي يفيد أمريكا في أن تبقى المرأة محجبة أو أن تمارس تقدمها وتطورها وهي غير مختلطة بالرجال؟ وما الذي يجعل أمريكا تصر على إعادة بناء قوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي؟ لماذا تتدخل السياسة الأمريكية في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لدى المسلمين فقط؟ لماذا تمثل المرأة المسلمة محوراً للاهتمام الأمريكي؟

كل هذه الأسئلة تكشف عن حقيقة يتبناها الفكر الغربي، وهي أنه لكي تغير أمة أو شعباً فإن مفتاح تغييره هو المرأة [vii]، من هنا لاحظنا مؤتمراً عالمياً عن المرأة في المغرب، وقانوناً جديداً للأسرة هناك، وفي مصر مجلس قومي للمرأة، وفي السعودية وهي المنطقة الأساسية الآن، المقصودة بالحملة الغربية على المستوى الفكري والحضاري يراد للمرأة أن تخرج وتختلط وتتبرج كما فعلت في منتدى جدة الاقتصادي الأخير [viii]، ونحن بالطبع لسنا ضد المرأة، فهي أم وأخت وزوجة وبنت، ولكن أن تكون أداة العدو لتحطيم ثوابتنا وهز مجتمعاتنا، وهزيمة قيمنا وثوابتنا؛ فهذا ما نرفضه بقوة. لماذا يفرح الأمريكيون حين تعمل امرأة أفغانية مصففة للشعر، ولماذا يفرحون حين تشارك في فريق كرة القدم؛ هل المرأة العراقية أو الأفغانية تحررت بمجيء الاحتلال الأمريكي لبلادها؟ ولماذا يؤرخ العلمانيون لتحرير المرأة بنزع حجابها في مصر؟ هنا بعد رمزي، فحيث تتخلى المرأة المسلمة عما يربطها بدينها وإسلامها؛ فهذا معناه من المنظور الغربي الدخول إلى عالمي الحداثة والتحديث الغربيين. ألا يمكن للمرأة المسلمة أن تجمع بين الحداثة وبين الإسلام؟ أن تكون مسلمة وقادرة على التعامل مع أدوات العصر وتقنياته؟

لم تعد الحداثة عنواناً لنبذ الدين، وإنما الحداثة في مفهومها التقدمي الغربي هي التي تجمع بين أصول الدين وبين حقائق العصر، ولمن لا يصدق؛ عليه أن يراجع كتاب المفكر الفرنسي الكبير «آلان تورين» (نقد الحداثة)[ix].

إننا في عالمنا العربي والإسلامي نشاهد عن كثب نكسة الغرب وحيرته بسبب فصامه الفكري مع دينه، وهو يريد أن يحقق عندنا هذا الفصام، فليحذر العقلاء وأولو الأمر، خاصة في السعودية، من وسوسة الغرب ونفثه ونفخه الماكر لفرض صيغة حداثية علينا ثبت إخفاقها عنده.

ثم تأتي معركة الحجاب في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهي معركة تكشف عن البعد الحضاري الصليبي العميق في العلمانية الفرنسية، فالعلمانية وفق التعريف العلمي لها هي فصل السياسة عن الدين بحيث لا يكون للدولة أي دور في الموقف الديني أو العقيدي لأفرادها، فالدولة العلمانية هي دولة محايدة تجاه الدين لا يهمها أن يكون لمواطنيها دين معين، كما لا يهمها أن يكونوا بلا دين أصلاً، كما لا يهمها أن يكونوا متدينين، فحرية العقيدة هي من الحريات المكفولة في كل الدساتير الغربية، وهي مأخوذة من أفكار الحق الطبيعي للبشر وهي أفكار ذات طابع مسيحي، وترفع فرنسا شعار الحرية والإخاء والمساواة، وترى أنها مدينة النور والعقل والحرية، لكن ما الذي حدث لها اليوم حتى تضيق بالنساء المسلمات المحجبات في المدارس والمؤسسات العامة وفي الشوارع؟ ما الذي جعل فرنسا التي اتسعت شوارعها وآفاقها لكل شارد مطرود ومتسكع ومتحرر وملحد وهيبز أن تضيق على الحجاب الإسلامي؟

إن المتابع لخطب شيراك الذي أعلن فيه تأييده لمشروع القانون الذي يقضي بمنع الحجاب الإسلامي في المدارس والمؤسسات العامة بدعوى حماية العلمانية؛ يكتشف الوجه الاستبدادي للعلمانية، إن العلمانية هي أيديولوجية الدولة القومية التي تعطي الحرية للبروتستانت لكنها لا تمنحها للمسلمين، فالعلمانية هي التي أعطت البروتستانت الحق في التعبير عن عقائدهم في مواجهة الشمولية الكاثوليكية.

والعلمانية هي التي أعطت اليهود الحق في التعبير عن عقائدهم وأفكارهم ووجودهم، لكنها اليوم تنتفض لمنع المسلمين حقهم في إقامة فرائض دينهم؛ ذلك لأن العلمانية تستبطن التقاليد الكاثوليكية في فرض صيغة كلية ذات طابع شمولي على مواطنيها؛ هي أيديولوجية الدولة القومية الفرنسية. لكن هذه الدولة الفرنسية العلمانية ذات طابع كاثوليكي، فهي تحتفل بأعياد الميلاد وتمول المدارس الكنيسية وتدعم الكنيسة وتستخدمها كأداة أيضاً في السياسة الدولية.

إن بعض المحللين الفرنسيين تحدث عن أن العلمانية لم تكن سوى قلب للكاثوليكية لكنها استلهمت روحها، فهي استبدلت الحرية والإخاء والمساواة بـ(الأب والابن والروح القدس). واستبدلت الطابع الشمولي للكنيسة بالطابع الشمولي للدولة القومية -التي يعبر بعضهم عنها بالدولة الإله- ، واستبدلت طابع الإيمان بالله بالإيمان بالعقل والإنسان، وبقيت الروح العنصرية التي ترفض التسامح كامنة في جذورها، لكن التساؤل هو: لماذا ظلت العلمانية عاملاً محايداً حتى إذا بلغ المسلمون في فرنسا ستة ملايين نسمة، فإذا بها تنصب لتفرض عليهم سلوكاً يتنافى مع حريتهم العقيدية؟ العلمانية الفرنسية اليوم هي تقليد لما يطلق عليه العلمانية النضاليةsecularism Militant [10]، وهي في ذلك مثل العلمانية الكمالية في تركيا وعلمانية بورقيبة في تونس؛ أي هي علمانية استبعادية في مواجهة الإسلام، وعلمانية متحررة مع المذاهب الأخرى.

وأخيراً فإن ملامح الحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي تهدف بشكل وافر إلى تفكيك المحاضن الاجتماعية والعقيدية والحضارية التي حمت الإسلام منذ ظهوره، فلم يعد الأمر متصلاً بما تسميه السياسة «احتلال الدول»، وإنما تغيير التركيبة الحضارية الشاملة لأمة الإسلام بدءًا من الإسلام نفسه وحتى اللحى[x] وأنماط اللبس والأكل.

ومجيء أمريكا إلى المنطقة هو بقصد الإشراف على تنفيذ ما يطلقون عليه «حرب الأفكار ومعارك العقول والعقائد»، وهم في ذلك يريدون البدء بالدول التي تعتبر معاقل للإسلام، وبالمناطق التي حافظت على التقاليد الإسلامية الاجتماعية خاصة الحجاب.

وهذا واضح في منطقة الخليج والسعودية تحديداً، فرغم اقتحام الحداثة الغربية فقد ظلت التقاليد الإسلامية حية فيما يتصل بنمط الملبس سواء بالنسبة للرجل والمرأة، والعلاقات الاجتماعية، وعدم الاختلاط، وهنا فإن أحد أهداف هذه الحرب تفكيك التواصل الاجتماعي مع نمط الحياة الإسلامية في هذه، وعلينا أن نأخذ العبرة من الدولة العثمانية التي أذعنت للضغوط الغربية في فرض أنماط جديدة للعلاقات داخلها وفق النمط الغربي، وهو ما أدى إلى تفكيك الدولة العثمانية فيما بعد، وأيضاً « البروسترويكا» و«الجلاسنوست» اللتان أطلقهما جورباتشوف قبل تفكك الاتحاد السوفييتي؛ هما اللتان أدتا إلى انهياره، ونحن فقط نأخذ العبرة، نحافظ على خصوصياتنا وننفتح للغة العصر وقواعده، دون إهدار لهذه الخصوصية إزاء خصائص العصر، في وسطية عاقلة ورزينة.

المعركة اليوم حول إعادة رسم وبناء أسس الحضارة الإسلامية وفق الرؤية الغربية التي لا تمتلك في الواقع رؤية، لكنها فقط تريد التفكيك لما نملكه نحن؛ لذا فالحرب شرسة وتحتاج إلى يقظة ووعي، الإصلاح والتجديد مطلوبان لكن وفق قواعدنا وليس وفق إملاءات الخارج وشروطه.. بالطبع الحرب لها رجال وأموال، وهذا ما تفعله أمريكا، فهي تنشئ شبكة من المثقفين الموالين لأفكارها، وهو ما يعرف باسم حزب أمريكا في العالم العربي والإسلامي، «وهي تنفق المال لإعادة تغيير المناهج ونظم التعليم وحرية الصحافة والنقابات والمرأة. وبعض هذه القضايا قد يكون مطلوباً وحقيقياً، ولكن بأيدينا نحن ووفق مقتضيات ومطالب مجتمعاتنا لا وفق إرادة الغرب، ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: 217)، ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) (البقرة: 120)، والملة هنا معنى أوسع من مجرد الدين، فهي تعني نمط حياتهم، ورضا الأمريكان والغرب هو بداية الانهيار والسقوط، من هنا كان قولنا بأن العالم الإسلامي يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه؛ فإما أن يصمد وإما أن يستبدله الله استبدالاً: ((وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) (محمد: 38).

إن بعض الناس يتحدث عن القتال هل هو فرض عين أو كفاية في حال دهم العدو ليلاً لبلاد المسلمين؟ لكن الدهم الثقافي لعقولنا ولأفكارنا ولضمائرنا ولإسلامنا هو الذي عناه الحديث: «وليس وراء ذلك أدنى حبة خردل من إيمان»؛ أي أنه فرض لا يجوز الترخص فيه أو المهادنة أو السكوت؛ لأنه يقصد الإسلام نفسه، ويقصد الأمة نفسها، ويقصد الذكر نفسه.

وعلينا - نحن المسلمين - أن نتمسك بحبل الله ونستعين به، ونرابط على الأمانة التي كلفنا الله بها، ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)) (آل عمران: 103)، والدفع والدفاع والمرابطة هو سبيل هذه الأمة للبقاء. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ)) (البقرة: 251).





--------------------------------------------------------------------------------

* المصدر: مجلة البيان، العدد 197.

[i] توافرت النخب اليهودية على دراسة الحضارة الإسلامية بشكل معمق، واستلهمت أدواتها في تسويغ الأسطورة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، كما توافرت هذه النخب على دراسة خبرة الحروب الصليبية ، ووظفت هذه الخبرة لصالح المشروع الصهيوني في فلسطين ؛ بحيث تجنب أسباب إخفاق الصليبيين في إقامة وجود دائم بفلسطين، وعلى سبيل المثال؛ فإن الهجرات اليهودية المتتالية على فلسطين منذ بداية القرن العشرين ؛ كان القصد منها أن تكون نواة إقامة المشروع الصهيوني حين يحين وقت الإعلان عنه سياسياً.

[ii] منذ بدايات عصور التنوير في أوروبا وظهور المذهب البروتستانتي؛ فإن الوجود اليهودي داخل المؤسسات الدينية المسيحية قد تعاظم بشكل مرعب، واستطاع هذا الوجود أن يحول في بنية الأسس الفكرية والدينية للمذاهب المسيحية؛ بحيث لم تعد هذه المذاهب سوى رؤى يهودية عبر مذاهبها هذه، والمدهش أن اختراق المؤسسة الدينية الإسلامية لا يزال هدفاً يهودياً.

[iii] لم تتغير الروح الغربية التي استلهمت التقاليد اليونانية والرومانية والكنيسية من حيث علاقتها بالآخر، فهي تتكلم عن الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية والمدنية لأهل حضارتهم، كما كان يفعل الرومان أي مواطنو الحضارة الغربية، أما الآخرون الذين لا ينتمون إلى هذه الحضارة فهم الـ Hostes؛ أي الأعداء الذين يجب الحمل عليهم وإخضاعهم للدخول في السياق الحضاري الغربي، وأمريكا تستلهم ما كانت روما تسميه (السلام الروماني) لتفرض على العالم (السلام الأمريكي)؛ أي القيم الأمريكية المنتصرة التي لا يجوز لأحد أن يقف خارج مربعها American-box.

[iv] نعم أطلق عليه (بلاء الحضارة الغربية) فالعالم الإسلامي بدون ابتلائه بهذه الحضارة كان أمره سيكون أفضل، لكن التدافع بين حضارتنا والحضارة الغربية هو الذي جلب علينا كل المشكلات التي نعيشها؛ بدءًا بالتخلف ونهب الثورة، وحتى وجود المشروع الصهيوني في فلسطين، وفرض التجزئة والقطرية، وبالطبع نحن لا نعفي أنفسنا نحن المسلمين من (قابليتنا للغزو وللاستعمار) كما عبر مالك بن نبي، لكن هذه سنة الله في خلقه، وهي ما أطلق عليه (ابتلاء الأمم)، فكل مفكري الحضارة الغربية سوَّغوا الاستعمار بمسؤولية الرجل الأبيض تجاه هذه الشعوب لإدخالها في عالم الحداثة الغربية، ولا يمكن فهم نظرية عبء الرجل الأبيض التي سوَّغت الاستعمار إلا من منظور صليبي، أي فرض رؤية كونية واحدة على العالم بحيث يكون الرجل الأبيض هو مركزها، والمسيحية هي عصبها، والغرب قلبها.

[v] هناك كتب كثيرة عن هذه الموضوعات مثل (التبشير والاستعمار) لفروخ والخالدي، لكن أفضل ما كتب في هذا الموضوع على الإطلاق في تقديري رسالة (في الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر.

[vi] معركة الأفكار وتغيير المفهومات والعادات والنظم أي المعركة الحضارية الدينية الثقافية هي الأخطر، وكان العلمانيون الوطنيون في بلدان العالم الإسلامي ركزوا على تفسير الاستعمار كظاهرة سياسية دون تقدير الآثار كظاهرة حضارية، لكن الإسلاميين كانوا هم أول من انتبه إلى خطر المعركة الثقافية والحضارية والدينية، والمعركة الثقافية والدينية هي الأخطر والأهم، والصمود فيها معناه إما أن نكون مسلمين أو لا نكون.

[vii] يعرف المخططون الغربيون أن المرأة هي مفتاح التغيير في أي مجتمع من المجتمعات، ولذا فإنها تمثل قاعدة إعادة هيكلة المجتمعات التي يراد لها أن تتغير، لذا ففي خطابات وتصريحات المراجع السياسية الأمريكية والغربية تجد موضوع المرأة وما يتصل بها هو الموضوع الأول على أجندة أي إصلاح يتم طرحه من المنظور الغربي والأمريكي، ويشق على الغربيين أن تظل المرأة المسلمة في الخليج، خاصة السعودية، محتفظة بلباسها الإسلامي وبقواعد الاجتماع الإسلامي.

[viii] المقصود هو تحويل المرأة في السعودية إلى نمط المرأة الغربية؛ بحيث لا تتميز المرأة المسلمة بشيء عن المرأة الغربية.

[ix] آلان تورين (نقد الحداثة) ، ترجمة أنور مغيب، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1997م - القاهرة.

[x] إن العلمانية الاستئصالية هي العلمانية الأيديولوجية التي تتشابه مع الفاشية والنازية، وحين تتماهي العلمانية مع الروح القومية ؛ فإنها تصبح وجهاً لأيديولوجية ذات طابع قمعي استبعادي، وتوصف علمانية كمال أتاتورك في تركيا بأنها علمانية استئصالية؛ أي Mihtant seclorism، وراجع خطاب شيراك بشأن تأييده لمشروع منع الحجاب، وبيان الخارجية الفرنسية لتجد الوجه الاستئصالي القمعي للعلمانية.


د.فالح العمره 03-04-2005 01:45 PM

صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي
نوره بنت عبد الله بن عدوان






تبرز المرأة المسلمة في الإعلام الغربي كأداة توظف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد ساعد في ذلك اجتماع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة التي يسيرها النفوذ الصهيوني مع أهداف المنتميات للحركة الأنثوية الغربية في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة.

وفي مناقشتنا لملامح الصورة النمطية للمرأة المسلمة في الإعلام الغربي بهدف التعرف على منطلقاتها ودلالتها الثقافية، وأسباب تعميمها فإننا نريد أن نتعرف:

ما مدى مصداقية هذه الصورة وتمثيلها للواقع؟
ما هي المعايير التي ينطلق منها الإعلام الغربي في تقديم هذه الصورة؟
وفي هذا السياق حول مصداقية الصورة والمعايير التي تسـتند إليــها، أرى أن أستعرض معكم مقالاً للباحثة أرزو ميرالي رئيسة هيئة الأبحـاث لحقوق المرأة المسلمة المنشور في صحيفة GUARDIN حيث تقول: "أصبحت المرأة المسلمة بالنسبة للصحافيات الغربيات نموذج التخـلف ونموذج الاضطهاد" واستشهدت ببعض الكـاتبات الغربيات وهجومهن المكثف على المرأة المسلمة، وتؤكد أن هذه الهجمة تتسم بالمبالغة والطـرح المـتشدد الذي يفـتقد الموضوعية بتصويره تلك المـرأة ضحية لما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وتستطرد بقولها: "إن المرأة المسلمة في نظر هؤلاء الصحـفيين يجب أن تخلّص من هذا الـدين وعندما تتخلص منه فسوف تتخلص من الحجاب الذي يغطيها من رأسها إلى قدميها"، وتختتم الباحثة مقالها بتقرير أن هذا الهجــوم من قبل الغرب في الإعلام على المرأة المسلمة غير مبرر، وذلك كون المرأة الغربية تعاني الكثير من المشكلات، وتتساءل لماذا لا توجه الأقلام الغربية لحل مشاكل المرأة الغربية بدلاً من توجيه النقد والهجوم إلى المرأة المسلمة؟ (1)

ومن خلال المعطيات السابقة التي أوردتها هذه الباحثة، حيث تجسد بكل وضوح عدم المصداقية والنمطية، سوف أســتمد بعضاً من المعايير التي ينطلق منها هذا الإعلام في تناوله لقضـايا المـرأة المسلمة، وأرى أن تكون الأساس الذي أستند إليه في تحليلي لهذه الصورة النمطية.

المعيار الأول: الدعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة:
إن من يطلع على معظم ما يحرر في هذا الجانب يلمس التعدي التام على الإسلام بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع، واعتبار الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وتزامن ذلك مع الحملة التي تنامت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وضد شعائر الإسلام.

والشواهد على ذلك كثيرة في ذلك الإعلام ومنها انتقاد إدوارد بكنغتون في صحيفة GUARDIN أحكام الشريعة ووصفها بالمتشددة، حيث تتيح للرجل الزواج من أربع في حين لا يُتاح ذلك للمرأة، وانتقـد حد الزنا، وأشار إلى أن منع الاختلاط وارتداء الحجاب يعبر عن الممارسات الخاطئة للعقيدة وذلك ليس من الإسلام وإنما تسلط من الرجال، وعبر عن استيائه من رجـال الحسبة في منعهم الشباب من الاختلاط بالفتيات في الأسواق والأماكن العامة. (2)

كما أعربت باربرا سلافن في صحيـفة يو إس إيه نيوز عن أملها في أن تكون أحداث سبتمبر سبباً في إحـداث تغييرات ثقافية واضحة في المملكة، وأن يعيد السـعوديون النظر في مسألة الفــصل بين الجنسين والقيود المفروضة على المرأة كالحجاب والسفر بدون محرم (3).

ويصف نيكولز كريستوف في صحيفة NEW YORK TIMES تطبيق المرأة للقيم الإسلامية في المملكة بالمعاملة غير الإنسانية(4 ).

كما انتقدت قناة CNN حكومة كشمير في تطبيقها لأحكــام الشريعة وذلك بإغلاق محلات بيع الكحول ودور السينما ومطالبة النســاء بالالـتزام بالـحجاب الشرعي.

والأمثلة السابقة وغيرها العديد، تكشف الدعوة الصريحة لهذا الإعلام في معظم أدبياته إلى إلغاء الدين من حياة المرأة المسلمة (5).

المعيارالثاني: عدم الموضوعية في عرض قضايا المرأة المسلمة:
ولابد من التأكيد على أن معظم ما يقدم من تحقيقات ومقالات حول المرأة المسلمة لا يتجاوز التركيز فيها التبعية الثقافية ومحاربة القيم الإسلامية.

ولعلنا جميعاً لاحظـنا قنوات CNN، وBBC NEWS عندما سلطت الأضواء حول معاملة طالبان للمرأة في أفغانستان حيث كان محور اهتمامها الوضعية الثقافية والاجتماعية للمرأة المرتبطة بدينها وقيمها وتقاليدها حين احتفلت بالمرأة المحررة من الحجاب بعد ذهــاب الطالبان أما ما أفرزته الحرب الأمريكية في أفغانستان من معاناة مريرة لملايين النساء الأفغـانيات والحياة القاسية المثقلة بالخوف والمرض والجوع، وقضــاء فصل الشتاء بأكمله في مخيمات أشبه ما تكون بمخيمات الموت، كل ذلك لم يشكـل محور اهتمام لوسائل الإعلام الغربية، ومن ثم تناوله الأخبار بصورة سريعة وعابرة.

ونضيف شاهداً آخر في هذا السياق، خطاب الســيدة بوش الإذاعي، الـذي أوردته قناة CNN حيث وصفت حياة المرأة في أفـغانسـتان" بالقاسية والمهينة، حتى أن إظهار القليل من المتعة غير مسموح به، فالأطــفال لا ُيسمح لهم باللعب بالطائرات الورقية، والنساء يواجهن بالعقــاب عندما يضحـكن بصوت مرتفع، ولا يستطعن العمل خارج المنزل ولا حتى ترك البيـت بمـفردهن"(6).

ونعلم أن خطاب السيدة الأولى حول المرأة الأفغانية تزامن مع تقرير الحكومة الأمريكية المسمى (حرب طالبان ضد المرأة) المكون من تسع صفحات هو جزء من المعركة السياسة ضد طالبان.

ولنا أن نتساءل أين حقوق الإنسان التي يوظفها الإعـلام الغربي متى شاء ومع من يشاء؟ أين حقوق الإنسان عند تناول قضايا المرأة الأفغانية؟ أين حقوق المرأة الفلسطينية؟ لماذا لا تسلط الأضواء على حقـها في الأرض وحقها في الأمن، وحقها في العيش بكرامة تحت سطوة القهر والظلم الإسرائيلي؟ لمـاذا تستـخدم المرأة المســلمة كمدخـل للاحتلال، وعندما تكون تحت الاحتلال تتجاهل هذه الوسائل أبسط حقوقها المادية في عيش حياة آمنة كريمة.

وتشهد الوقائع المتتابعة أن مسألة الحقوق في المنظور الغربي لا تتجاوز تحقيـق التبعية الثقافية والقضاء على القيم الإسلامية، فهل نجد لدى الإعلام الغربي إجابة على هذه التساؤلات؟

ومن دلالات عدم الموضوعية استخدام المنـهج الانتقـائي في تحرير المقـالات والتحقيقات فهؤلاء الإعلاميون في الغالب يعتمدون المنهـج الانتقائي في اختــيار وتوثيق ما يتفق مع أطروحاتهم الشخصية، وفي حالة إثبات الآراء المخالفة تختتم المقالة أو التحقيق برأي من هو مؤيد للنموذج الغربي.

ويظهر المنهج الغربي الانتقائي غير الموضوعي بكل وضوح في الحالة السعودية عندما تهمل نتائج التنمية التي تحققت للمرأة في المملكة، ويكون التركيز بالدرجة الأولى عـــند الحديث عن الـمرأة على عباءتها دون الإشارة إلى أن هذه العبـاءة لم تمنعها من العمل في التدريس والطب وإدارة البنوك، والتســويق وتقنية المعلومات والتجارة وغيرها مما يشهد به واقع التنمية في بلادنا.

المعيار الثالث: أسلوب الاحتقار والنظرة الدونية:
تنعكس مظاهر الاحتقار والنظرة الدونية للقيم الإسلامية المحافظة في بعض ما يُحرر، وفي هذا السياق تأملوا معي ما سطره نيكولز كريستوف في صحيفةNEW YORK TIMES حيث افتتح تحقيقه بإطلاق لقب (BLACK GHOSTS) الأشباح السوداء على نساء المملكة، وأن المرأة السعودية مصنفة في الغرب بـ(ممســحة الأرجل الأثرية المغطاة بالسواد) وفي ختام تحقيقه يقول: "استمررت في سؤال النساء السعوديات كيف شعورهن وهن ممتهنات، واستمررن في إجابتي باعتزاز وكرامة أنهن غير ممتهنات"، ثم يستطرد بعد ذلك بقوله: "ماذا عسانا أن نفعل في هذا الشأن، نحن في الغرب نريد أن نحرر هؤلاء النسوة، وهن يصررن على أنهن سعيدات بوضعهن، فإذا كانت معظم السعوديات يرغبن في لبس الخيمة، وإذا اخترن أن يقتلن تطورهن الاقتصادي ويضحين بالاحترام الدولي عن طريق تعلقهن بالقـرن الخامـس عشر، وإذا فضلت النساء أن يبقين مواطنات من الدرجة الثانية، إذن أعتقد أن هذا هو اختيارهن، ولكن إذا اخترن أن يتصرفن بغباء إذن لا يتفاجأن عندما يشير إليهن الناس من الخارج ويتحدثون بصوت مرتفع"(4).

وفي سياق تحليلنا لعدد من الأمثلة ذات الصورة الساخرة المغلفة بالاحتقار، نستنتج أن الإعلام الغربي لا يريد أن يعرف عن المرأة المسلمة سوى عباءتها السوداء فمن وصف بالأشباح السوداء، إلى إطلاق لقب النينجا وغيرها من الأوصاف والمشاعر المملوءة بالاستخفاف بثقافة الآخر واحتقار قيمه واتهامه بالانغلاق والتحجر والجمود.

المعيار الرابع: تكريس النموذج الغربي للمرأة وأنه النموذج الذي يحتكم إليه:
وُيعد من أهم المعايير وأبرزها، وأكاد أجزم أنه الهدف الأساس لهذه الوسائل التي تسوق لذات الفكر الواحد، وتشترك جميعها في عرض صورةٍ نمطيةٍ مكررةٍ للمرأة المسلمة. وأساس طرحهم الذي تكاد لا تخلو منه مقالة أو تحقيق أن المرأة في عالمنا الإسلامي ممتهنة ومهضومة الحقوق ومسلوبة الحرية، ومن ثمة فلا عجب أن معظم ما يطرح يأخذ في ظاهره خدمة قضاياها هذا من جانب، وفي المقابل فثمة شبه إجماع من النساء المسلمات على رفض النموذج الغربي والتحذير من النتائج الوخيمة حين تدفع الأمور باتجاهه.

ولنا أن نستعرض في هذه السياق تحقيق مطول في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور The Christian Science Monitor أجرته نيكول جاوتي مع عدد من المسلمات في كل من.. أفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية، أكدن جميعاً أن الدين والثقافة والتراث شكلت حياتهن، وإن كان لديهن أي مشاكل فبالتأكيد الحجاب ليس واحداً منها.

ولا عجب أن تؤكد المحررة أن هؤلاء النسوة يفخـرن بطبيعة الإسلام ومكانة المرأة فيه لاسيما وأن مجموعة من الطبيبات والمعلمات الأفغانيات أكدن أنهن وبعد ذهاب الطـالبان لم يتخلين عن حجابهن، وما تناقلته وسائل الإعـلام الغربية وينضوي تحت تخليهن عن الحجاب غير صحيح، وأن أحكـام الإسلام يتبعها المسلمون في أفغانستان طوعاً رجالاً ونساءً، ولم تفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي (7).

ويعزز ذلك مقابلة نيكول كريستوف في صحيفة نيويورك تايمز NEW YORK TIMES لعدد من الأكاديميات السعوديات عبرن عن رفضهن للصورة النمطية التي تعرض بها المرأة المسلمة، ورفضن وصفهن بالممتهنات من قبل ذلك الإعلام حيث يقول:

"ولكن النساء السعوديات يرفضن وبشدة الصورة النمطية التي تعرض بها المرأة السعودية في الإعلام الغربي" تبين له إحدى الأكاديميات تمسكها بالحجاب بقولها: " نعم إنني لست ممتهنة، أنا أغطي جسدي ووجهي وأنا سعيدة بكوني فتاة تطيع أوامر ربها"، وتؤكد له أخرى أنه يعبر عن ثقافتها: "إنك لا تستطيع الذهاب إلى الهندية وتسألها لماذا تلبس الساري، ولا تستطيع أن تسأل الغربية لماذا تلبس الفستان القصير، إذن هذه هي عـباءتنا وهي جزء من ثقافتنا، ولم تكن مصدر إزعاج لي على الإطلاق" وتتساءل أخرى: "أنا ألبس ما أريد ولكن ليس أمام الرجال غير المحارم، لماذا يفرض عليّ أن أكشف ساقي وصدري؟ هل هذه هي الحرية؟

ويذكر المحرر أن العديد من النساء السعوديات يؤيدن هذا التوجه ويؤكدن أنهن من ينعم بالحرية، فهن المتحررات من التحرش الجنسي، والمتحررات من الاغتصاب والمتحررات من مشاهدة أجسادهن تستخدم في تسويق الكوكاكولا، وأن المرأة الغربية هي التي استغلت لتصبح دمية للرجل (4).

وفي هذا الإطار يؤكد إدوارد بكنغتون المحرر في صحيفة الجارديان Guardin أن معظم النساء في المملكة يفضلن البقاء والاستمرار على هذه العادات الاجتماعية التي يصفها بالمتشددة ويستشهد بمقولة إحداهن: "إن النساء السعوديات سوف يحافظن على العباءة وأنك لو أتيت بعد مليون سنة من الآن ستجد المرأة السعودية محافظة على عباءتها "(2).

وتتوصل نيكولي جاوتي المحررة في صحيفة كريستيان سينس مونيتور TheChristian Scince Monitor إلى حقيقة تؤكدها استشارية سعودية من مدينة جده بقولها: "عليكم أن تعوا أن معظم النساء المسلمات يرغبن في الحجاب، ليس هناك شيء سوى الدين، الحجاب رمز للعقيدة، وهو شكل من أشكال الحماية، إنه لن يتغير إنه مثل الجلد الثاني" (7).

وفي مقابلة مع رائدة من قيادات العمل الخيري في المملكة في موقع GUIDEDONE.com تستنكر فرض النموذج الغربي على المرأة المسلمة: "المشكلة مع الناس الآخرين أنه لديهم نمط معين في الحياة؛ ويعتقدون أنك إذا لم تعش مثلهم فإن هناك خطأ ما لديك، لماذا تطالب المرأة المسلمة في المملكة أن تلبس بالطريقة الأمريكية أو الأوروبية" وترفض المصطلح الشائع في الإعلام الغربي بقولها: "إن ما يسميه الغرب بالمعاناة عند الحديث عن المرأة المسلمة نحن لا نجده كذلك. إن المعاناة الحقيقية تتضح عندما نقارن بين المرأة عندنا والمرأة عندهم". واستشهدت بنسب إحصائية حول المشاكل الصحية والأخـلاقية التي تعاني منها المرأة الغربية. وتساءلت هل نموذج المرأة الغربية هو الجدير بالاحتذاء حقاً؟

واستشهدت بنسب إحصائية حول المشاكل الصحية والأخـلاقية التي تعاني منها المرأة الغربية، وتساءلت هل نموذج المرأة الغربية هو الجدير بالاحتذاء حقاً؟ (8).

وفي هذا السياق تستنكر ناشرة إيرانية في صحيفة كريستيان سينس مونيتورThe Christian Science Monitor الاهتمام الغربي الشديد بالحجاب وأن هذا الأمر يحير العديد من المسلمات. وتضيف "أن الناس من الخارج عندما ينظرون إلينا هم ينظرون فقط إلى جزئية صغيرة منا وهي كوننا محجبات، إنهم لا ينظرون إلى الجزء الأكبر من المرأة والذي يتمثل في كونها متعلمة"، وتؤكد إيرانية متخصصة في تقنية الحاسب "أن المرأة في إيران لديها قضايا أكثر أهمية من العباءة" (7).

تقول رئيسة جمعية خيرية سعودية في صحيفة يو إس أيUSA TODAY: "يقولون إننا متخلفون، ولكنهم لا يرون ما هو موجود تحت العباءة، إننا لا نريد أمريكا أن تأتي وتضع مطالب نيابة عنا، اتركونا وشأننا"(9).

ولا عجب أن نرصد في أدبيات الإعلام الغربي رفض المسلمات للتدخل في شئونهن حيث تذكر نيكولي جاوتي في صحيفة كريستيان سينس مونيتورThe Christian Science Monitor "أنهن يرغبن في التطور ولكن بالشروط والمعايير التي تناسب مجتمعاتهن، ويطالبن أن يكف الغربيون عن التحرش ونسج التخيلات حول من يكنّ؟" وتستشهد برأي إحدى الاستشاريات المسلمات التي تعلق على التدخل الغربي المكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي شؤون المرأة الأفغانية بقولها: "إذا كانت المرأة في أفغانستان متضايقة من وضعها فهي التي لها الحق في تغيير هذا الوضع وليس أنتم، نحن كمسلمات نريد أن يكون التغير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا ولا يكون التغيير ضدها" (7).

وتؤكد ذلك المفهوم إحدى السعوديات للمحرر إدوارد بكنغتون في صحيفة الجارديان Guardin:

"نعم إننا نريد أن نتطور وأن نتغير للأفضل ولكن لا نريد أن نخسر ديننا" ويعلق المحرر أن السعوديات يرغبن في حل مشاكلهن داخلياً ومن خلال أنفسهن ولا يرغبن في التدخل الغربي في شؤونهن" (2).

وتعلق على ذلك إحدى قيادات العمل النسائي في العالم العربي لقناةBBC NEWS " أنه وعلى الرغم من التعطش للتغيير إلا أن معظم النساء العربيات متمسكات بالنواحي المحافظة في مجتمعاتهن"(10).

وتفسر نيكول جاوتي محررة صحيفة الكريستيان سينس مونيتورScince Monitor Christian رفض المسلمات للتدخل الغربي في شئونهن في سياق أكثر تاريخية بتأكيدها: "إن التاريخ يعطي المرأة المسلمة مبرراً قوياً للشك في نوايا الدول الغربية، فالدول الأوروبية استخدمت دوماً المرأة المسلمة كذريعة للتدخل في شئون الدول الإسلامية بغرض احتلالها، وتمثل على ذلك بطلب المندوبة الإنجليزية إيفلين بارنق عام 1800م من رؤسائها احتلال مصر تحت غطاء تغيير أوضاع المرأة فيها"، وتضيف "أن الهبات الفرنسية للجزائر في أواخر القرن التاسع عشر اشترطت تقديم الزيت والدقيق للفقراء بتخلص نسائهم من الحجاب " (7).

وفي هذا الإطار تؤكد السيدة "باربرا بتزن" منسقة الاتصال الخارجي بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفرد "أن الخطاب الإذاعي الذي ألقته السيدة باربرا بوش حول امتهان المرأة في أفغانستان يعلل بدرجة كبيرة الاستخدام الغربي للمرأة المسلمة كمبرر وسبب للتدخل في الشأن الداخلي للدول الإسلامية، حيث إنه وقبل الحادي عشر من سبتمبر لم يكن هناك اهتمام من الغرب بالمرأة الأفغانية (7). وتضيــف المحررة: "أن الإيرانيات أيضاً لديهن أسبابهن الخاصة بعدم الثقة في التدخل الغربي، فالولايات المتحدة أسقطت الحكومة المنتخبة من الشعب في عام 1950م لتنصب الشاه في السلطة، وفي حين حاول الشاه تحقيق مصالح الغــرب في أن يؤسس لتغيير المرأة، فإن محاولته في نقل النموذج الغربي فشلت" (7).

ومن خلال المعطيات السابقة وبالقدر الذي ندرك معه فشل نقل النموذج الغربي لعالمنا الإسلامي نقرر أن ذلك الفشل يعود إلى منهجيته المرتبطة بمنهج مغاير لمنهجنا فهو دخيل، ومنطلقاته وهمية ومستوردة، ويراد لها أن تُنقل كما هي دون النظر في صلاحيتها ومشروعيتها.

وبالقدر الذي تدرك معه المرأة المسلمة أن التغيير والتطور لا يمكن أن يكون بنقل النموذج الغربي للمرأة، كون هذا النموذج غريباً عن ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولا يمكن أن يكتب له النجاح والاستمرار، هي تدرك أيضاً أن المحاولات المستمرة لنقل هذا النموذج هي في واقع الأمر عملية تغريب لا ينتج عنها سوى المزيد من التبعية والعجز والشلل.

وإن مما يؤسف له أن يوظف الإعلام الغربي أقلام مسلمات توهمن أن ثقافة الغرب هي معيار عام للتقدم والنمو الحضاري للأمم، مهما اختلفت عقيدتها ومرجعيتها، ونظمها الاجتماعية.

المعيار الخامس: المرجعية المستمدة من منهجية وفكر الحركة النسوية الغربية Feminizem)) حركة التمحور حول الأنثى:
ففلسفة هذه الحركة ومنهجيتها وتشريعاتها تتعارض مع الإسلام وشرائعه وقيمه المنظمة لحياة المسلمين.

ونستطيع أن نرصد الحضور الفاعل المنظّم لأقلام المنتميات للحركة النسـوية الغربية في العالم الإسلامي في تبني الأجندة النسوية للقضاء على حجاب المرأة المسلمة وتغيير قوانين الأحوال الشخصية للأسرة المسلمة، وتجسيد مسألة الحقوق بالمعركة والصراع بين الرجل والمرأة.

والحقيقة إننا عندما نتناول بالتحليل على سبيل المثال ما يصدر عن قناة BBC NEWS، فإننا نلاحظ الحضور القوي لهذه الحركة من خلال محررات أخذن على عاتقهن التخصص في قضايا نساء العالم الإسلامي، فمن إشادة بولادة مجلس وطني للمرأة في مصر يملك القوة بإدخال تشريعات جديدة تلغي قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، إلى إشادة بكون عدد الخريجات من النساء في بعض الدول الإسلامية أكثر من الرجال، إلى التنديد بالحجاب الإسلامي والهجوم على الدول الإسلامية التي تفصــل بين الجنسين في التعليم والعمل، إلى تمجيدٍ للناشطات العربيات ومباركة جهودهن وتغطية مناشطهن في مجـال تحرير المرأة العربية وفرض القوانين التشريعية الوضعية.

وناهيك عن الأوصاف التي يطلقها الفكر النسوي في الإعلام الغربي على المرأة المسلمة، من ممتهنة، إلى مواطنة من الدرجة الثانية إلى غير ذلك من الأوصاف الدونية، وكذلك نقل صورة غير صادقة في أن ما تحقق للمرأة في المملكة العربية السعودية في مجالي التعليم والعمل إنما هو نتيجة للضغوط التي وضعتها المرأة السعودية في سبيل الحصول على حقوقها.

ولاشك أن النساء المسلمات عامة، والمرأة في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص اتجهن لرفض المسار التغريبي، فلم تعد إشكالية المرأة بالزي، فحجابها أصبح عنواناً لكرامتها، وتعليمها أصبح طريقاً لرفض مناهج التغريب.

وفي هذا السياق تؤكد رئيسة لجنة الثقافة والتراث في جمعية رائدة في المملكة في مقابلة لها في موقع GUIDED ONES.COM "أن هؤلاء النساء المتحررات لديهن شعوراً بالغرور، ويتحركن من منطلق وهمي، هو أقرب ما يكون إلى الخيال، حيث يقررن ما يجب أن يكون عليه وضع المرأة في المملكة وبقية الدول الإسلامية، عن طريق التركيز على هذه الدول ووضع ضغوط عليها" وتؤكد أن مشاكل المرأة في المملكة أقل مقارنة بالمرأة الغربية، وتستشهد بإحصائيات حول نسب الإصابة بالإيدز والأمراض الجنسية في المجتمعات الغربية بين النساء(11).

المعيار السادس: ازدواجية المعايير (DUBELL STANDAREDS) في التعامل مع القضية الواحدة:
فازدواجية المعايير من الأمور المعروفة على نطاق واسع عند الإعلام الغربي في تعامله مع قضايا المسلمين بصفة عامة، وفي شأن المرأة المسلمة علي وجه الخصوص، ولعلنا نتأمل المفارقات العجيبة في ازدواجية المعايير والتي ُتظـهر تحيز الإعلام الغربي في تعامله مع القضايا عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين فيما وردني من صديقة أمريكية مسلمة تعلق على ذلك بقولها:

لماذا تستطيع الراهبة أن ُتغطي من رأسها إلى قدميها، وتكون في نظرهم محترمة فهي تمتثل لأوامر ربها، ولكن عندما تفعل ذلك المسلمة تعتبر ممتهنة.

عندما تجلس المرأة الغربية في بيتها للعناية بالبيت والأطفال، فهي في نظرهم تقدم تضحية جميلة في سبيل محافظتها علي شئون منزلها، ولكن عندما تفعل المرأة المسلمة ذلك فهي في حاجة إلى أن ُتحرر.

لماذا يستطيع اليهودي أن يطلق لحيته، ويُنظر إلي ذلك ضمن حقه في ممارسة دينه، وعندما يفعل ذلك المسلم يُعد متطرفاً.

عندما يقتل المسيحي شخصاً ما، الدين لا يذكر، ولكن عندما ُيقاضى المسلم بجريمة ما، فإن الإسلام هو الذي يحاكم.

ولماذا وبعد كل ذلك يبقى الإسلام هو الدين الأسرع نمواً وانتشاراً في العالم.

وختاماً: ينبغي أن نعي الأبعاد الحقيقة لاستهداف المرأة المسلمة، لاسيما وقد أصبحت في يومنا هذا تمثل جزءًا رئيساً من مشروع الدول العظمى والهيئات الدولية للتغيير الثقافي والاجتماعي في المنطقة.

ونحن ندرك اليوم أن الهدف مما يقدم في الإعلام الغربي هو توهين قيم الحضارة الإسلامية، وتمكين القيم الغربية باسم الانفتاح والحداثة وتحقيق المشترك الإنساني وغيرها من المصطلحات، كما وأننا ندرك أن الغرب بكافة مؤسساته لن يهدأ إلا بتصدير قيمه وثقافته، وهو ما أشار إليه الله تعالى في قوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

ونحن ندرك اليوم أن ما يحيط بنا من مستجدات يتطلب منا.. أولاً: استيعاب الهجمة وإدراك أبعادها، وثانياً: التبصر بآليات التعامل معها، وثالثاً: التحول من أن نكون موطناً لقيم الحضارة الغربية وترجمتها إلى حياتنا إلى موقف تصدير القـيم والأخلاق للغرب وما تمثله هذه القيم من صلاح واستقامة للإنسانية استجابة لقوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).



Unlimited Guardin june21,2002. They hate women , don,they ) ) (1) Arzu Merali

(2) Edward Pilington(The women that time forgot)july6,2002.Guardin Unlimited

(3) Barbara Slavin(Saudi Arabia ),april 25 USA Today

(4) Nicholas D. Kristof (Saudi Women Argue Merits Behind The Veil) october27,2002 . New York Times.

(5) cover up or else , Kashmir women told . august 29, 2001.CNN.com

(6)First lady blasts Taliban treatment of women. November 17 ,CNN.com

(7)Nicole Gaouette ( Voices From Behind The Veil) october, 2002 .The Chistian Science Monitor.

(8)Oppressed in Islam ..Status of Women Unveiled .www.guidedones.com

(9) Saudi Arabian Women Receive Identity Cards.May 12, 2001.USA Today

(10)Emma Clark ( Arab Women Lift The Veil On Business. October 31, 2002 BBc News

(11) Caroline Hawley ( Egyptian Womens Rights: Century On) october 23, 1999 BBC News.

د.فالح العمره 03-04-2005 01:49 PM

إشكالية المرأة الخليجية بين مطالب الداخل وضغوط الخارج
التقرير الاستراتيجي الخليجي






لم يحظ موضوع في غضون الأعوام الماضية، بمثل هذا الكم الهائل من الاهتمام مثلما حظي موضوع المرأة، فبعد مؤتمر بكين 1995م تعددت صور الاهتمام محلياً وإقليمياً ودولياً ما بين جمعيات نسوية ومجالس للمرأة تنشأ، ودراسات تنشر، وندوات تعقد، ومؤتمرات تصدر توصيات متعددة، إن لم تكن متباينة بحسب المواقع الأيديولوجية لمنظمي تلك المؤتمرات والمشاركين فيها، وهو الأمر الذي أحدث وفرة تجاوزت الكم إلى النوع على صعيد الدراسات الخاصة بالمرأة.

وإذا كان جلّ الاهتمام العالمي بالمرأة المسلمة في السابق منصباً على المرأة المصرية والتونسية باعتبارهما النموذجان البارزان عربياً، وعلى المرأة التركية والإيرانية إقليمياً، فإن التركيز قد انصب بشكل ملحوظ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على المرأة الخليجية، إذ أن الولايات المتحدة صارة تنظر إلى المنطقة ككل والسعودية على وجه الخصوص؛ باعتبارها راعية الأصولية مفرخ الإرهاب، وذلك بفضل بيتها الاجتماعية التقليدية المحافظة، ومن هنا فإنَّ قوائم الطلبات الأمريكية، الخفية والمعلنة، قد تخطت للمرة الأولى النظم السياسية الحاكمة واتجهت مباشرة صوب المجتمعات العربية في مسعى منها لتعديل وتحوير هوية الشعوب العربية ومحو خصوصيتها الثقافية، وصار التركيز على العامل الثقافي بغرض إيجاد شرق أوسط مختلف يتبنى قيماً بديلة وأفكاراً جديدة هي في مجملها إفرازات الحضارة الغربية، وفي القلب من هذه القيم يأتي الحديث عن حقوق الأقليات، والديمقراطية، والتعليم الديني، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وإدماج النساء في عملية التنمية، وهي ما صارت تؤلف ما يعرف باسم قضايا الإصلاح.

ولا يفوتنا التنويه أنَّ هذه القضايا هي مطلب داخلي ملح، وكان يجب معالجتها داخلياً وفق أطروحات تراعي الخصوصية الثقافية، وتأخذ بعين الاعتبار النسق المجتمعي القائم حالياً، إلا أنها صارت قضية ذات حساسية خاصة؛ لأنَّ طرحها أتى من الخارج، وبالتالي ارتفعت نبرة الكبرياء القومي في مواجهتها.

ملاحظات أولية:
وقبل أن نخوض في الحديث عن أهم القضايا المتعلقة بالمرأة الخليجية، والمعالجات المختلفة لها، وآخر المستجدات التي طرأت على هذه القضايا؛ سنحاول تقديم بعض الملاحظات تلقي الضوء على أوضاع المرأة الخليجية بصفة عامة:

1ـ الحديث عن إشكالية المرأة الخليجية لا يعدّ استثناء عن إشكالية المرأة العربية، فهي تقاسمها معظم الهموم باستثناءات أقرب إلى الكم منها إلى الكيف. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أننا حينما نشير إلى "المرأة الخليجية" لا يعني أننا نغفل التباينات النوعية بين امرأة وأخرى، والراجعة إلى الانتماء إلى مجتمعات تختلف من حيث درجة التحضر أو البداوة، ومن حيث معدلات التحديث. إلا أن هذه التباينات لا تنفي وجود خصائص عامة مشتركة تبرر إطلاق مصطلح "المرأة الخليجية" كمصطلح قادر على توصيف نساء هذه المنطقة بشكل عام.

2ـ التحولات الاقتصادية السياسية التي خضعت لها منطقة الخليج منذ اكتشاف النفط قد تركت بصماتها على المرأة التي كسرت عنها طوق العزلة، ومكنتها الوفرة الاقتصادية من الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة ودخول سوق العمل.

3ـ لم تشهد القاعدة البنيوية الاجتماعية القبلية حراكاً نتيجة ازدياد أعداد المتعلمات والعاملات لأسباب سوف نتعرض إليها لاحقاً.

4ـ ترتب على جمود التركيبة المجتمعية تأخر ظهور وعي نسائي بقضايا المرأة، حيث تأخر تكوين الجمعيات والهيئات النسوية المختلفة إلى حقبتي الستينات والسبعينات، وذلك على الرغم من تشابه أوضاع المرأة في البلدان العربية المختلفة، إلا أنَّ المرأة الخليجية لم تواجه وتقابل حركات التغيير التي عاشتها المرأة المصرية على سبيل المثال.

5ـ تعد المرأة البحرينية والكويتية استثناء من هذا التعميم، فقد شاركت الأولى بقوة منذ منتصف الخمسينات في الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وكان لها دور فعال في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البحرين عام 1994م. أما المرأة الكويتية فقد طالبت منذ مطلع السبعينات بحقوقها السياسية والاجتماعية، وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية اندلعت تظاهرات نسائية تطالب بمنح المرأة حق المشاركة في انتخابات مجلس الأمة.

6ـ استهدفت برامج عمل الجمعيات النسوية ـ في مستهل عهدها ـ دعم قضايا المرأة الخليجية المختلفة من تعليم وتنمية من خلال المواقع التقليدية للمرأة "عن طريق تحمل المرأة لمسؤولياتها وأداء المهام التي تلائمها باعتبارها أختاً وزوجة وعضواً فعالاً ومؤثراً في المجتمع"، كما اقتصرت اهتماماتها على النشاط الاجتماعي والخيري، وبمرور الوقت وبفضل سيطرة نخبة سياسية اقتصادية متغربة واحتكارها عمل النسوة ثم تغييب قضايا الفئات الدنيا من النساء من برامج هذه الجمعيات، واستعارة قضايا المرأة الغربية وتعميمها باعتبارها قضايا النساء في كل زمان ومكان، الأمر الذي أدى إلى وجود حاجز كبير بين الواقع الذي ترزح تحته غالبية النساء وبين ما تنادي به هذه الجمعيات.

ماهية الإشكالية:
ثمة أفكار وقضايا تنشر لا لأصالتها أو صوابها، وإنما للإلحاح في إعادة طرحها في كل مناسبة وبكل الوسائل، ومن هذه القضايا ما يتعلق بإشكالية المرأة الخليجية والتي لا تنفك الصحافة العالمية والعربية الآن في الحديث عنها، وتطرح من خلالها رؤى متباينة وهي إشكالية ليست يسيرة كما يتوهم البعض، فالقضايا التي تؤسس عليها الإشكالية تأخذ أحد بعدين أحدهما ـ يروج له دعاة التيار النسوة ـ ويتعلق بقضايا إلحاق المرأة بجميع مراحل التعليم دون استثناء، وولوجها مجالات العمل المختلفة جنباً إلى جنب مع الرجل، وأخيراً مشاركتها في الحياة السياسية وإلغاء كافة القوانين والنصوص التي قد تتعارض مع ذلك. أما البعد الآخر المسكت عنه، فلا يتعلق فقط بتلك الصعوبات الخارجية التي تقابلها المرأة، وإنما يتعلق بقضية وعي المرأة الخليجية بذاتها وبإنسانيتها وفاعليتها في الحياة العامة، ووعي المجتمع بهذه الفاعلية.

المنظور الأمريكي لحقوق المرأة الخليجية:
حين تطرح إشكالية حقوق المرأة فإنها تطرح على اعتبار أنها جزء من إشكالية أكبر هي إشكالية حقوق الإنسان ككل، ومن المفهوم أنَّ دعاة النسوية حينما يشيرون إلى مسألة حقوق الإنسان فإنهم يعدون النسق الغربي هو الإطار المرجعي لقضايا حقوق الإنسان في العالم أجمع، وهو اتجاه يزكيه اتجاه الإدارة الأمريكية لاتخاذ مسألة حقوق الإنسان كعصا للضغط على بعض الدول لتغيير مواقفها بشأن قضايا سياسية واستراتيجية.

وموقف الولايات المتحدة الرسمي من حقوق الإنسان في العالم يتحدد من خلال تقارير سنوية تصدرها واشنطن كل عام، وهذه التقارير تعدت كونها مجرد أداة إعلامية ذات فائدة، إلى كونها "أداة سياسية حيوية"، وقد احتلت مسألة حقوق المرأة الخليجية جزءاً كبيراً من عام 2003 وذلك مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام الذي احتلته على سلم أولويات الإدارة الأمريكية. وقد أشاد التقرير بالخطوة القطرية في انتخابات المجلس البلدي وتعيين أول امرأة كوزيرة، كما أشاد أيضاً بالانتخابات الأردنية. أما التقرير الخاص بحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، فقد ركزت أجزاء مطولة من التقرير على إدانة قوانين الشريعة الإسلامية المعمول بها وخاصة باعتبار شهادة المرأة أمام المحاكم الشرعية لا تحمل نفس شهادة الرجل. أما بخصوص الميراث فقد نص على أنَّه "أخضعت النساء أيضاً إلى التمييز بموجب أحكام الشريعة الإسلامية كما تفسرها الحكومة، التي تنص على أنَّ الابنة تحصل على نص مبلغ الإرث الممنوح إلى شقيقها". أما بالنسبة للحجاب فقد عدَّه التقرير أحد أدوات القمع لأنَّه "يفرض على المرأة أن ترتدي في الأماكن العامة عباءة سوداء تغطي كامل جسمها ورأسها وشعرها". وأنَّ هذا يتم فرضه أيضاً على نساء الجنسيات الأخرى حتى إن كن غير مسلمات. وأخيراً تناول التقرير مسألة تعدد الزوجات في فقرة مطولة وأدان تمتع الرجال بهذا الحق، وبأنَّ القانون السعودي لا يشترط أن يبلغ الرجل زوجته بأمر زواجه من أخرى.

أما بخصوص التعليم فقد أوضح التقرير أنَّ المرأة استطاعت الحصول على تعليم مجاني، لكن مفصول عن الرجال حتى المستوى الجامعي، وأنَّ الجامعيات السعوديات استثنين من دراسة مواضيع كالهندسة، والصحافة، وفن العمارة، وأضاف أنَّ القانون ينص على أنَّ بإمكان النساء أن يدرسن في الخارج شرط أن يرافقهن زوج أن قريب ذكر، ومع ذلك لم يطبق هذا التقييد قسرياً في الممارسة الفعلية. أما بالنسبة للعمل فقد أدان التقرير تركز معظم العاملات في قطاعات معينة أهمها التعليم والصحة.

يتضح من استعراضها لأهم ما جاء به التقرير الأمريكي أنَّ جل انتقادات الإدارة الأمريكية كانت موجهة إلى قوانين الشريعة الإسلامية، التي لم تعد متوافقة مع المنظور الأمريكي لحقوق الإنسان، وهو ما يحمل على الاعتقاد أنه لم يعد هناك مجال مطلقاً للتوفيق بين قوانين الشريعة الإسلامية والرؤية الأمريكية لحقوق الإنسان، وأنَّ أي محاولة للإدعاء بإمكانية التقريب بينهما سيكون مآلها الفشل.

أما على صعيد التحرك الفعلي فقد قررت الولايات المتحدة التعامل مع بعض جمعيات حقوق الإنسان والمرأة مباشرة دون الحكومات، حيث يقوم صندوق حقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكي بتمويل عدة منظمات محلية غير حكومية وتقديم تدريب لها حول المشاركة السياسية، وتطوير الأحزاب السياسية، وقضايا المرأة.

وفي خطوة عملية ذات أهمية بالغة رعت الولايات المتحدة وقطر ندوة لتدريب المرأة الخليجية في المجال السياسي عرفت باسم مبادرة "حملات النساء الانتخابية" عقدت في الدوحة في الفترة من 14 إلى 18 شباط/ فبراير وهي ما أطلق عليه بشكل غير رسمي اسم "مدرسة الحملات الانتخابية". وقد رعت النشاط مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية التي أطلقها الرئيس بوش لدعم الفرص الجديدة في الشرق الأوسط، ومجلس قطر الأعلى للشؤون العائلية، وشاركت فيها مشاركات من البلاد الخليجية التي لم تتمتع النساء فيها بحقوقهن السياسية، وقد وجهت السيدة لوري بوش خطاباً إلى المشاركات في الندوة، وكذلك السيدة هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخي الأمريكي التي حيت في كلمتها المشاركات بقولها: "نشعر، نحن شريكاتكن في المجتمع الدولي بالإعجاب بقوتكن ومثابرتكن ونقف إلى جانبكن في محاولاتكن تحقيق مساواة أكبر للنساء".

إشكاليات الممارسة السياسية:
هذا التأييد الأمريكي الجارف قد شجع بعض الأصوات النسائية أن ترفع صوتها عبر وسائل الإعلام مطالبة بمنح المرأة الخليجية حقوقها السياسية، فقد دعا مؤتمر "مستقبل المرأة السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي" إلى تعديل القوانين السارية في بعض بلدان المنطقة للنص صراحة على أن حق المرأة في الترشيح والانتخاب في كافة المجالس التشريعية وغيرها. وأكد المؤتمر في بيانه الختامي ضرورة تعديل نصوص القوانين المتعلقة بالمرأة وفقاً للمواثيق الدولية وتم التصديق عليها مع إلغاء التحفظات التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وفي البحرين ذات النشاط النسوي العريق أعدت لجنة نسائية عريضة رفعت لملك البحرين ركزت في معظم مطالبها على تعديل قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية. والواقع أنَّ ربط مطالب منح المرأة حقوقها السياسية بتعديل قوانين الأحوال الشخصية المستمد من الأفعال يبعث الشك في أن جهات خارجية هي التي تقف وراء هذه المطالب.

وبفعل الضغوط الداخلية والإلحاح الأمريكي على ضرورة توسيع قاعدة مشاركة النساء في العملية السياسية دفعت بعض الدول الخليجية في الإسراع باتخاذ خطوات من شأنها الادعاء بأنها تسير في هذا السبيل من ذلك الإعلان عن تشكيل مجالس للمرأة في معظم البلاد الخليجية. أما السعودية التي تبدو أكثر روية في الإقدام على مثل هذه الخطوات، فقد تمَّ الإعلان فيها عن قيام مجلس حقوق الإنسان والذي ضمَّ في عضويته ثلاث نساء، كما شاركت 10 سيدات من أصل 60 مشاركاً في جلسات الحوار الوطني الثاني الذي عقد في أواخر العام الماضي، كما شاركت المرأة بنصيب أوفى في جلسات الحوار الوطني الثالث الذي عقد بالمدينة المنورة قبل عدة أشهر وكان بعنوان" المرأة: حقوقها وواجباتها"!

وفي بادرة جديدة من نوعها أعلنت قطر في شهر مايو 2003 عن تعيين السيدة شيخة المحمود كأول وزيرة قطرية، وتعد بذلك أول وزيرة خليجية على الإطلاق، تبعتها عمان بتعيين السيدة راوية البورسعيدي كأول وزيرة عمانية، وجاء ذلك أثناء الاحتفال بيوم المرأة العالمي لعام 2004م، وتتوقع التكهنات أن تصدر الكويت والإمارات قراراً مماثلاً قريباً. هناك إذن اتجاه رسمي لمنح المرأة حقها السياسي عن طريق سن تشريعات جديدة، إلا أنه يؤخذ على هذه التشريعات أنها "محاولات فوقية" لن تؤتي ثمارها في تفعيل مشاركة المرأة، ولن يتعدى تأثيرها القشرة الخارجية للمجتمع، وسيظل الأمر رهناً بحدوث تغييرات بنيوية في القاعدة الاقتصادية والاجتماعية، وبتغيير أشكال الوعي المجتمعي من عادات وتقاليد وأعراف، إذ ليست العبرة بقوانين تسن، وإنما العبرة بتطبيق هذه القوانين.

ليس أدل على ذلك من أن النظام الأساسي الصادر في قطر عام 1998 قد منح المرأة حق الترشح لعضوية المجلس البلدي، وبلغ عدد المرشحات للانتخاب 6 مرشحات، لم تفز أي منهن في الانتخابات ـ ذكوراً وإناثاً ـ عن التصويت لهن، وتعد الإمارات مثالاً آخر، فقد حاولت القيادة السياسية الضغط في مطلع عام 2003 باتجاه منح المرأة حقها في الممارسة السياسية، فصرح الشيخ زايد أنه "لا توجد أي موانع لمشاركة المرأة في العمل السياسي، باعتباره حقاً كفله الدستور ولم يحرمه عليها الدين" وترددت تكهنات بأن المرأة ستدخل لأول مرة المجلس الوطني الاتحاد (البرلمان)، غير أن حكام الإمارات السبعة كان لهم رأي آخر، فاتفقوا على تأجيل تلك الخطوة، إلى أجل غير مسمى، استناداً إلى معايير قبلية ترفض فكرة ممارسة المرأة لأي دور سياسي. ومن قبل أصدر أمير الكويت مرسوماً أميرياً في مايو1999 يعطي المرأة الكويتية هذا الحق وأقرته الحكومة، لكن مجلس الأمة ردّه في نوفمبر من العام نفسه تحت ضغط نواب العشائر والنواب الإسلاميين.

هناك ملاحظة أخرى بالنسبة لمسألة القوانين والتشريعات، وهي أنها من المفترض أن تكون محصلة واقع اجتماعي وما يسوده من علاقات مجتمعية وإنتاجية، لذا يظل حدوث تطور اجتماعي شرطاً لا بدّ منه لسنّ التشريعات والقوانين، ومن المفارقات أنَّ هناك مجتمعات خليجية قد حققت تطوراً نسبياً على هذا الصعيد كالكويت والبحرين، ورغم ذلك ظلَّت القوانين المعمول بها لا ترقى لمستوى التطور المجتمعي، في حين أن مجتمعات أخرى ليست على ذات الدرجة من التطور الاجتماعي ـ وتعدّ قطر مثال بارز على ذلك ـ ورغم ذلك فإنَّ القوانين المعمول بها تسابق الواقع الاجتماعي. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنَّ القوانين التي تمَّ الإعلان عنها مؤخراً في بعض الدول الخليجية ليست وليدة حاجة مجتمعية، وأنَّ هناك عوامل أخرى، تتعلق بوجود ضغوط خارجية هي التي أملتها.

كل هذه المستجدات الجديدة فرضت نفسها على الساحة السياسية حتمت ضرورة إجراء مراجعة سياسية من جانب القوى السياسية المختلفة لمواكبة هذه التطورات، فقد أعلنت الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، أحد أبرز المعارضين لمنح المرأة حق الانتخاب أنها بصدد تقييم ودراسة موقفها من الحقوق السياسية للمرأة. وأوضحت أنَّ ذلك يأتي في إطار طرح مبادرات إصلاحية ومشاريع تنموية داخلية تساهم في مواجهة المشاريع التغريبية، ومن الواضح أنَّ الحركة قد اضطرت لاتخاذ هذا الموقف في أعقاب زيارة مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية "جوانا ليفنسون" للكويت لبحث حقوق المرأة، وتصريح رئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد بالتزام حكومته بحقوق المرأة السياسية وتعديل قانون الانتخاب.

إشكالية التعليم والتنمية:
تأتي على رأس أولويات الأجندة النسوية بالنسبة لحقوق المرأة الخليجية مسألة التوسع في إدماج المرأة في التنمية، ويمكن إرجاع ذلك إلى كون معظم فلسفات وأفكار التيار النسوي مستمدة من النظام الرأسمالي وعلاقاته، ولذلك فمنظوره يخضع لمفاهيم اقتصاد السوق كالعرض والطلب، والربحية، والعمل في مقابل أجر، وهي مفاهيم لا تتحقق إلا بخروج المرأة للعمل خارج منزلها، وفي هذا الاتجاه تحتل الجداول الإحصائية مكان الصدارة في التباهي بالتقدم والازدهار الذي لحق بأوضاع المرأة الخليجية من خلال مقارنة أعداد المتعلمات والعاملات حالياً بأعدادهن في فترات سابقة، لإعطاء استنتاجات معينة تؤكد على أنَّ ازدياد نسبة المتعلمات والعاملات، وارتياد المرأة مجالات جديدة لم تكن متاحة لها من قبل يعد دلالة قاطعة على الإنجازات التي حققتها المرأة الخليجية. على جانب آخر فقد لوحظ أنه حتى الآن لا تزال بعض الدول "قطر والسعودية" لا تسمح للفتيات بالتعليم الفني، كما أن بعض التخصصات العلمية في الجامعات لا يزال دخولها قاصراً على الذكور، وهو الأمر الذي يحول دون شك في دخول النساء بعض مجالات العمل، التي تظل قاصرة على الرجال.

ورغم النسب المرتفعة التي تشير إلى ازدياد نسبة النساء العاملات، فالملاحظ أنَّ التغيير الذي طرأ على حياة المرأة الخليجية ورصدته الدراسات هو تطور كمي وليس تطور نوعي، إذ ليس صحيحاً على الإطلاق أنَّ الأعداد الكبيرة للمتعلمات والعاملات يعني تلقائياً وضعاً أفضل للمرأة الخليجية دون النظر إلى الأوضاع الاقتصادية/ الاجتماعية/ السياسية المحيطة، أو أنه يعكس ارتقاء في وعي الخليجية بذاتها ووعي مجتمعها بها. أما من ناحية النوع فغالباً ما ينظر لعمل المرأة لا من زاوية الإنتاج، بل من زاوية شد الشاغر والحديث عن فتح آفاق جديدة أمام المرأة، بغض النظر عن الأعداد الضئيلة التي تلحق بها، والتي لن تكون مؤثرة مطلقاً على عجلة التنمية، وهو ما يرجح أنَّ السماح بارتياد المرأة لمجالات عمل جديدة هو من قبيل التمثيل الرمزي وبغرض تجميل صورة المجتمعات الخليجية أمام المجتمع العالمي والتشدق بما تحققه المرأة من إنجازات، وليس له أية أبعاد معيارية.

تعدُّ السعودية هي الأسبق على صعيد فتح مجالات عمل جديدة أمام المرأة، وليس هذا راجع بالضرورة حسبما هو شائع إلى ضغوط خارجية فقط؛ بقدر ما هو راجع إلى وجود حالة من القلق المجتمعي ناجمة عن تصاعد معدلات العمليات الإرهابية، ووجود ضغوط قوية في الداخل تطالب القيادة السياسية بالإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة وفتح آفاق عمل جديدة أمام المرأة.

وفي إطار هذا التوجه الجديد سمحت السلطات السعودية بمشاركة المرأة إلى جوار الرجل لأول مرة من خلال مؤتمر جدة الاقتصادي والذي افتتحته، للمرة الأولى أيضاً سيدة أعمال سعودية، وقد دعت في كلمتها الافتتاحية إلى توفير فرص عمل للرجال والنساء على حدّ سواء وإدماج المرأة السعودية بشكل علني ومباشر في عملية التنمية. وقد قوبلت تلك الخطوة بمعارضة شديدة من العناصر الدينية، فقد ندد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية بالمشاركات في المنتدى واصفاً اختلاطهن بالرجال دون حجاب ـ يقصد العزل المكاني "بأنه أمر يستوجب الإنكار".

أما على صعيد المجالات الجديدة التي أعلن عن السماح للمرأة بالعمل، فقد تم الإعلان عن تعيين ثلاث مذيعات سعوديات في القناة الإخبارية الجديدة في خطوة وصفت بأنها "ذات حساسية بالغة" خاصة أن السعودية كانت قد أقدمت على مثل هذه الخطوة عام 1999م، ولكنها تراجعت عنها بفعل معارضة عناصر من داخل المؤسسة الدينية. وفي خطوة إصلاحية مهمة تمَّ تعيين أول امرأة للعمل كمطوفة. كما تم الإعلان عن أنَّ وزارة الخارجية سوف تقبل نساء للعمل بها كدبلوماسيات وموظفات. ومن المفارقات التي تستحق التأمل أنه تم الإعلان عن "أول قائدة طائرة سعودية"، في حين أنَّ السعودية لم تمنح حق قيادة السيارات للسعوديات رغم وجود ضغوط خارجية طالبت بمنحهن هذا الحق.

نحن إذن أمام معالجة تحاول الإفلات ـ بخطة حثيثة ـ من ضغوط خارجية متزايدة لم تعد خفية، تساندها مطالب داخلية بالمسارعة في الإصلاح دون إبطاء، لتلبية الأجندة العالمية، الأمر الذي صار يخشى معه حدوث هزة يمكن أن يتعرض لها مجتمع قبلي عاش في شبه عزلة عما حوله من تيارات وثقافات، وهو ما أدى إلى احتفاظه إلى وقت قريب للغاية ببنية اجتماعية وأعراف وتقاليد كانت مثار تغيير في المجتمعات العربية المجاورة.

الإشكالية الاجتماعية:
نظراً لكون الأسرة هي أولى الوحدات الاجتماعية تأثراً بالتغييرات الاجتماعية الاقتصادية التي أصابت المجتمع الخليجي مؤخراً؛ فقد امتدت إليها ظلال هذه التغييرات فصار التوجه لبناء الأسرة النووية ـ المستقلة من حيث الدخل الاقتصادي والمسكن ـ بديلاً عن الأسرة الممتدة هو الاتجاه السائد حالياً، وهو اتجاه آخذ في الانتشار في معظم البلدان الخليجية وخصوصاً بين فئات الحضر، الشباب المتعلمين والطبقة المتوسطة من السكان. وبعض الباحثين يرى أنَّ سيادة الأسرة النووية "توفر الخلفية الضرورية لتحرير المرأة" أما الشرط الأساسي لتحريرها فهو انفتاحها على التعليم وولوجها سوق العمل.

تفشي نمط الأسرة النووية ليس هو المتغير الوحيد الذي لحق بالنظام المجتمعي، فظواهر مثل الطلاق وتأخر سن الزواج، بل والعنوسة غدت ظواهر شائعة، وتشير الإحصاءات ـ رغم تحفظنا السابق بشأنها ـ أنها في تصاعد مستمر، ففي السعودية وحدها سجلت خلال عام 2003 ما يقرب من 16 ألف حالة طلاق، وهو ما يعكس مدى الاضطراب القائم في العلاقات الاجتماعية المتغيرة في ظل الظروف الجديدة.

وفي دراسة تناولت الطلاق وعوامل تزايده في المجتمع الكويتي، تم التوصل إلى أنَّ دخول المرأة دوائر العمل المختلفة خارج المنزل واستقلالها مادياً ومعنوياً هو أحد الأسباب الرئيسية للطلاق، وهذا الاستنتاج يدعمه أن عدد كبير من المطلقات من العاملات، ولفتت الدراسة الانتباه إلى أنَّ الطلاق في الكويت أصبح من السهولة بدرجة فاقت ما هو عليه في بعض المجتمعات الخليجية بسبب الوفرة الاقتصادية، وتذهب دراسات أخرى إلى أنَّ مؤسسة الزواج كمؤسسة اجتماعية ما زالت تسيطر عليها مفاهيم ما قبل الحقبة النفطية، مثل سيادة زواج الأقارب "زواج التحيير" وعدم مراعاة التوافق الاجتماعي بين الطرفين، والاكتفاء بالتوافق القبلي، وعدم أخذ موافقة الفتاة على الزواج، إلى غير ذلك من المفاهيم التي هي في حاجة إلى تطوير في مضمونها لتتلاءم مع القيم الإنسانية والظروف المجتمعية الجديدة.

ظاهرة أخرى وهي ظاهرة العنوسة أخذت تطل برأسها مع التغيرات الاقتصادية منذ اكتشاف النفط، وازدادت حدتها مؤخراً في ظل الانتعاش وتبني القيم الاستهلاكية، وواجه الشباب صعوبات متعلقة بتوفير السكن ومتطلبات الزواج الأخرى، وهو ما دفع بالكثيرين إلى العزوف عن الزواج تماماً أو الزواج بأجنبيات، وهو اتجاه لم يعد قاصراً على الرجل؛ فهناك إقبال متزايد من المرأة الخليجية على الزواج من شباب الدول العربية المجاورة، في محاولة للفرار من شبح العنوسة. وفي محاولة للحد من التأثيرات القيمية والاجتماعية الناتجة عن تأخر سن الزواج، ولمواجهة خطر العنوسة؛ حاولت الحكومات إيجاد آليات لتسهيل الزواج بإنشاء جمعيات للزواج تساعد الشباب مادياً، وتقديم قروض تعرف باسم قروض الزواج، وتنظيم حفلات الزواج الجماعية، ومحاولة التدخل للحد من ارتفاع المهور، ووصل الأمر إلى حد تدخل الحكومة الكويتية لوضع حد قانوني للمهور. أما في الإمارات فهي في طريقها الآن لإصدار قانون لحصار ظاهرة الزواج من أجنبيات، بحيث يتحتم حصول موافقة وزير الداخلية لإتمام الزواج. أما المخالفين للقانون فسيتعرضون لعقوبات تصل إلى حد الفصل من الوظيفة الحكومية، وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات فإنَّ الظاهرة في تصاعد مستمر، ولا يتوقع انحسارها قريباً، بل ربما سوف تتفاقم حدتها إذا أفلحت الجمعيات النسوية والضغوط الأجنبية في تعديل قوانين الأحوال الشخصية وفرض قيود على تعدد الزوجات.

نظرة عامة:
تبين من العرض السابق أنَّ المرأة الخليجية في العام الماضي كانت محل اهتمام في الداخل والخارج وأنَّ إشكالياتها قد نوقشت بشكل واسع، وقد جرى التعامل بسخاء معها، إذ منحت الكثير من الحقوق الشكلية وبخاصة تلك المتعلقة بالمساواة القانونية في ممارسة الحقوق السياسية، والتنمية، والتعليم، إلا أنَّ إشكالياتها الحقيقية والأكثر عمقاً والمتعلقة بوعيها بذاتها وإنسانيتها وبهويتها الدينية والثقافية لم تشغل حيزاً من النقاش، وهو ما نرغب أن تتم مناقشته وفي أقرب وقت خشية أن ننجرف جميعاً لمواجهة تيار الأطروحات الغربية ونغفل أن وعي المرأة الخليجية بذاتها هو الكفيل وحده بدحض كل هذه الأطروحات.








د.فالح العمره 03-04-2005 01:54 PM

المرأة والحقوق المهضومة (1-2)
يحيى بن موسى الزهراني






لقد أتى على المرأة حين من الدهر، لم تقم لها قائمة، فكانت تائهة عائمة، كانت مسلوبة الإرادة، محطمة العواطف، مهضومة الحقوق، مغلوبة على أمرها، متدنية في مكانتها، مُتَصَرَّفاً بشؤونها، فكانت عند الرومان تعد من سقط المتاع، وعند اليهود تعتبر نجسة قذرة، واحتار فيها النصارى أهي إنسان له روح ؟ أم إنسان بلا روح ؟ ثم انتهى بها الأمر إلى دفنها حية عند العرب الجاهليين.

وبعد تلك الويلات، وإثر تلك النقمات التي كانت تعيشها المرأة، جاء الإسلام وأشرق نوره في جميع أصقاع المعمورة، فأعلن مكانة المرأة، ورفع قدرها، وأعظم من شأنها، فأخذت كامل حقوقها، ومن أعظم ذلك الصداق وهو المهر، فالمهر ملك لها وحدها تقديراً لها، ورمزاً لتكريمها، ووسيلة لإسعادها، لها في مهرها حرية التصرف بضوابطه الشرعية، فهو ملك لها، وليس لأحد من أوليائها أن يشاركها فيه، ومن فعل غير ذلك، فأخذ من مهرها ولو شيئاً يسيراً بغير إذنها ورضاها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف، وأكل الأموال بالباطل، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ رواه البخاري ]. وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام. فاتقوا الله أيها الأولياء في بناتكم ومن ولاكم الله أمرهن، أحسنوا إليهن، وأكرموهن، وأعطوهن مهورهن، فهذا هو الشرع المطهر، والبنت على كل حال لن تنسى تربية والديها، ولن تهمل تعبهما ونصبهما، ولن تغفل تعليمها والإنفاق عليها، فقد أوصى الله بالوالدين أيما وصية، فقال تعالى : " وبالوالدين إحساناً " .

المرأة ليست سلعة تباع وتشترى، وليست دجاجة تبيض كل يوم بيضة من ذهب، وليست عنزاً حلوباً يحلبها صاحبها متى شاء، المرأة إنسانة مكرمة، ذات مشاعر وأحاسيس مرهفة، تحمل بين جنباتها قلباً عظيماً، ونفساً طيبة، ولقد أوصى الإسلام بها وصية عظيمة، ورغب في ذلك، وجعل جزاء ذلك دخول الجنة دار الأبرار، والبعد عن النار، قال صلى الله عليه وسلم : " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه [ رواه مسلم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " [ متفق عليه ]، وحذر الشارع الكريم من إهمال حق البنات، أو عدم العناية بهن ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة " [ رواه النسائي وغيره بإسناد حسن ]، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً. فالمرأة هي الأم والأخت، والزوجة والبنت، وهي الخالة والعمة، هي صانعة الرجال، ومعدة الأبطال .

لما ضعف الإيمان، وقل اليقين، ولما طغت على الناس الماديات، ولما انجرف الناس وراء المغريات والملهيات، ولما طغى على الناس حب الدنيا، هبت عاصفة المدنية الحديثة، والتحضر الزائف، فأحدث الناس أموراً عجيبة، وعادات غريبة، بعيدة كل البعد عن الدين، ومن هذه العادات الباطلة، التغالي في مهور البنات، حتى وصلت إلى مئات الآلاف من الريالات، والبنت لا حول لها ولا قوة، لقد أعادوا عادات الجاهلية السحيقة، وأحيوا جذوة نار الظلم والجور التي كانت تعاني منه المرأة في الأزمنة الغابرة، سبحان الله العظيم، أنرضى بعادات الجاهلية لنا ديناً وقد أبطلها محمداً صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في مهر بناته وزوجاته أمهات المؤمنين، كلا والله، لسنا بأفضل منه، فهو القدوة والأسوة التي يتحذى به، فقال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق أيسره " [ رواه الحاكم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها " [ رواه الإمام أحمد ]، قال ابن القيم رحمه الله : " المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " .

أيها الأب الكريم إن من تساوم عليها، ومن تتغالى في مهرها ما هي إلا قطعة من جسدك، ونطفة منك، إنها ابنتك، فكيف تهضم حقها، وتمنع زواجها من أجل التغالي في مهرها، فليس من الإسلام تلك النظرة المادية التي تسيطر على أفكار طائفة من الناس، فيغالون في المهور، حتى وكأنهم في حلبة سباق وسوق مزايدة، فالمرأة ليست سلعة في سوق الزواج تعطى لمن يدفع فيها أكثر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " [ رواه الترمذي وحسنه الألباني ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ]، فهذا سعيد بن المسيب رحمه الله التابعي المعروف، كان لديه تلميذاً من تلاميذه ممن يحضرون درسه، ويحرص عليه أشد الحرص، ففقده عدة أيام فلما جاء التلميذ سأله عن سبب غيابه ؟ فأخبره أن زوجته قد ماتت فانشغل بها، فسأله سعيد : هل استحدثت امرأة ؟ أي هل تزوجت بعدها فقال : لا، ومن يزوجني وما عندي إلا درهمان أو ثلاثة ؟ قال له سعيد : أنا، قال : أو تفعل ؟ قال : نعم، فزوجه ابنته لأنه عرف أنه صاحب خلق ودين، ولم ينظر إلى كم يملك من العقارات والأموال، بل المهم أن يطمئن على ابنته وسعادتها .

وعلى النقيض من تلك القصة فهذه قصة حقيقية ذهبت ضحيتها الفتاة، وقاست آلامها بسبب المغالاة، تقدم رجل ثري لخطبة الفتاة، وساوم عليها ودفع فيها مبلغاً مالياً خيالياً من أجل أن يحصل على هذه المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا رأي لها عند جهلة الناس وعوامهم، فقدم ذلك الخاطب مبلغاً يقدر بأربعمائة ألف ريال، فسال لعاب الأب، وتحركت لديه شهوة المال، فأجبرت الفتاة على الزواج الحتمي المغصوبة عليه، وتم الزواج وما هي إلا أيام وليالي ثم يحصل الفراق، ويقع الطلاق، فكانت النتيجة دمار لهذه المسكينة، وتحطيم لباقي حياتها، فهي مطلقة ومن يرغب بالزواج من المطلقة اليوم ؟

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأة من بناته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول كُلفت لكم علق القربة " [ رواه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح ]، ومعنى كلفت لكم علق القربة : يعني يقول لزوجته : تكلفت وتحملت لأجلك كل شيء حتى حبل القربة أحضرته لك، فكلما أخطأت المرأة كالها المكاييل، وأذاقها ألوان العذاب، عندما يتذكر ما سببته له من ديون، وإنفاق أموال. وزواج يكثر مهره، فاشل أوله، ومؤلم آخره، والواقع خير شاهد على ذلك. إن المغالاة في المهور والإسراف والبذخ و التقليد الأعمى والسطو على مهر المرأة، وصرفه في المظاهر البراقة الخداعة الفارغة، كل ذلك وراء عزوف الشباب عن الزواج، ووراء عنوسة البنات، مما ينذر بوقوع شر عظيم في الأمة والمجتمع، من فعل للفاحشة، وانتشار للجريمة، وتعقد بناء الأسرة المسلمة .

نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة، وتدنى فيه مستوى المعيشة، وزاد فيه مستوى البطالة، فقليل من الشباب الجامعي من يجد وظيفة، فضلاً عمن لا يملك الشهادة الجامعية، وإن وجدت الوظيفة، فالراتب لا يفي بالغرض منه، فأجار مرتفع، ومعيشة غالية، ومهر باهض، وأنى للشباب الإتيان بكل تلك التكاليف، فهنا يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا من تسهيل للمهور، وتيسير للزواج، وصيانة لأعراض البنين والبنات، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بأن يطبق الرجال قول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء "، وبتطبيق قوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ رواه البخاري ]، فالقوامة بيد الرجل، والحل والربط بيد الرجل، أما المرأة فهي تابعة لزوجها، لا تخرج عن رأيه ومشورته قيد أنملة، ولا بأس بمشاورة المرأة في أمر زواج ابنتها من الخاطب حتى تبدي رأيها في ذلك، لكن أن يترك لها زمام التصرف، والتفاوض، فهذا غير مشروع وخصوصاً في وقتنا هذا، الذي طغت فيه الفضائيات وحب تقليد الموضات وآخر الصيحات، وتقمص الأفلام والمسلسلات، حتى تغالت في المهور الأمهات، وأرهق كاهل الشباب بطلبات تنوء بحملها الجبال الراسيات، فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات في أبنائكم وبناتكم، سهلوا المهور، يسروا الزواج، ارضوا بالخاطب الكفء، اخطبوا لبناتكم قبل أولادكم، كونوا قدوة صالحة، ومثالاً يحتذى به، وأنموذجاً طيباً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " من دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق "

مع قلة الفرص الوظيفية، وكثرة متطلبات الحياة المادية، وضعف ذات اليد عند كثير من الشباب، وحتى لا تقع المفاسد، لا بد من الوقوف مع تحديد المهور وقفة دينية، شرعية صادقة، تنم عن مشاعر المحبة والألفة بين أفراد القبيلة، فأقول : خمسون ألفاً تكون مهراً، وعشرة آلاف للأم، وقصر للأفراح بعشرة أخرى، ووليمة وما يتبعها بعشرين ألفاً أو أكثر، هذا منع للزواج، وكسر للأزواج، وإحجام للشباب، وعنوسة للبنات، فلماذا لا ينقص المهر عن الخمسين، ولماذا لا يقل ما يقدم للأم، ولماذا لا يكون الزواج مختصراً بسيطاً، حتى لا يكلف الزوج إلا أقل القليل.

إن تيسير المهور، وتسهيل أمر الزواج، هو ما يتطلع إليه الشرع، وهو ما يرقبه الدين الحنيف، وتدعو إليه الفطرة السليمة .

وإليكم بعض الصور التي تبين مقدار الصداق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف أثر صفرة فقال : " ما هذا ؟ قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال : " بارك الله لك، أولم ولو بشاة " [ رواه البخاري ومسلم ]، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عندك شيء تُصْدِقُها إياه ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً، فقال : ما أجد شيئاً، فقال : " التمس ولو خاتماً من حديد " [ رواه البخاري ومسلم ]. وعند النسائي وأصله في الصحيحين، أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت : والله يا أبا طلحة ما مثلك يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تُسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها. ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن، فيعلمها ويكون ذلك مهرها. تلكم كانت أمثلة لمهور نساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل لأمته في شأن المهر والصداق، ولتيسيره لصداق بناته دليل ناصع على رغبته في تقرير هذا المعنى بين الناس، إن الصداق مجرد رمز لا ثمن سلعة، قال العلامة الألباني رحمه الله : " إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني " .

دين الإسلام دين التكافل الإجتماعي ودين الرأفة والشفقة ودين المحبة والإخاء ودين الإيثار والوفاء، جاء الإسلام مرسياً قواعده المحكمة من لدن حكيم خبير، محطماً أسس الشرك والكفر، ومحرماً قواعد الجاهلية الجهلاء والظلمة الدهماء.

دين الإسلام هو الدين المهيمن على جميع الأديان ولن يقبل له من أحد من الناس دينا غيره ولهذا جاء ذلك صريحا في الكتاب العزيز بقول الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين } ( آل عمران 85 )، وقال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } ( آل عمران 19) .

المرأة بين الإسلام والجاهلية :

لم يترك الدين الإسلامي الحنيف أمرا يخص الرجال والنساء إلا وبينه ،ولم يدع النبي صلى الله

عليه وسلم شاردة ولا واردة إلا وبين للمسلمين منها حكما وعلما ،فلم يدع حكما يهم الأمة إلا وبينه حتى يكون الناس على بصيرة من دينهم .وإن مما اهتم به الإسلام ودعا إلى تكريمه واحترامه ومعرفة قدرة المرأة، لأنها الأم والبنت والأخت والعمة والخالة والجدة والزوجة، فهي التي تعد بإذن الله تعالى الشعوب، وتنجب الرجال الأبطال الذين يتمسكون بدينهم الإسلامي الحنيف ويذودون عن حماه بالغالي والنفيس، فجاء دين الرأفة والرحمة، ودين الألفة ودين التعاون دين الإسلام جاء معرفا للبشرية جمعاء مكانة المرأة في الإسلام بعد أن كانت توأد في الجاهلية وتدفن حية وتمنع من الميراث إلى غير ذلك من الإجحاف فعرف الناس ما للمرأة من حق في الإسلام وخط لها خطوطا تسير وفق منهجها القويم حتى لا تزل بها الأقدام ،فتنزلق في مزالق الشرك والشيطان ـ والطغيان ـ والعصيان .

ومنذ بزوغ فجر الإسلام عادت للمرأة مكانتها التي سلبت إياها في عصور الشرك والوثنية، فرفعت رأسها شامخة معززة بعزة الإسلام ،مكرمة بكرامة الإسلام لها فأعطيت جميع الحقوق وأوجب عليها جميع الواجبات التي هي من اختصاصها حتى تربعت على مكانة عظيمة في القلوب فكان من النساء العالمة والمجاهدة والمعلمة والمربية والموجهة والمرشدة والداعية إلى الله تعالى إلى غير ذلك من الأمور التي حظيت بها المرأة في الإسلام.

أمور مهمة :

ولكن الإسلام حفظ للمرأة مكانتها وصان عرضها ،فحرم عليها الاختلاط بالرجال ومنعها من التبرج والسفور ،وحذرها من السفر بلا محرم وحرم عليها تقليد الكافرات،والتشبه بالرجال لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها ،ولاترجى أخراها ،وغير ذلك من الأمور والضوابط والحدود التي حدها الاسلام للمراة ومنعها من تخطيها أو انتهاكها حتى لاتقع في الحرام والعصيان لله الواحد الديان .ولكن وللأسف الشديد مع أن الإسلام حث على احترام المرأة وتقديرها، نجد أن أناساً يدعون الإسلام وهم يغالطون أنفسهم بهضمهم لحقوق المرأة ولعلنا نتحدث عن نقاط جوهرية يجب على المسلم المنصف المتبع للحق أن يعيها ويعمل بها وإلا فإنه سيقع في الظلم لامحالة ،ومن هذه النقاط ما يلي :

1ـ معرفة قدر المرأة ومكانتها في الإسلام وقد تم الحديث عنها فيما سبق فيكتفي به.

2ـ حرية المرأة في اختيار الزوج بضوابطه الشرعية فالمرأة لها الحرية في اختيار الزوج المناسب لها ممن ترضاه ،ويرضاه أهلها ممن تميز بصفات الدين والأخلاق وحسن السيرة والبعد عن المعاصي والذنوب والفسق والإجرام .

فتمنع المرأة من الزواج بتارك الصلاة لكفره وتمنع من المصر على بعض المحرمات كشارب المسكرات والمخدرات والدخان ،والمعروف بالإنحراف الخلقي والجنسي، كسيء الأخلاق والمعروف عنه شدة في طبعه من ضرب وسوء كلام ،وصاحب الزنا واللواط وغير ذلك من الأمور المحرمة شرعا .ففي مثل ذلك لايترك لها الخيار والحرية ،بل تمنع منه منعا حتى لا تورد نفسها المهالك بعد ذلك فتتحطم حياتها الزوجية والعائلية بسبب الاختيار السيئ للزوج.

3ـ راتب الموظفة :

وهذه النقطة هي الركيزة الأساسية التي من أجلها كتبت هذا الموضوع .ففضل الله تعالى واسع، وعطاؤه لا ممسك له وقد منُ الله سبحانه علينا بحكومة رشيدة ألزمت على الجميع ذكورا وإناثا مجانية التعليم فأشرقت القلوب وأنارت العقول ،وظهر العلم واندرس الجهل ،فعلم للأمة قدرها ومكانتها بين سائر الدول بعد أن كانت تغط في نوم عميق ،وبعد أن كانت منزلقة في دياجير الظلمات فلله الحمد من قبل ومن بعد .

فحرص الأباء والأمهات على تعليم الأولاد والبنات ففتحت المدارس والمعاهد والكليات والجامعات هنا وهناك ،وتعلم الناس صغارا وكبارا فكل يكافح ويجد ويجتهد من أجل الحصول على العلم ،فحصل التنافس بين الجميع في هذا المجال ،واقتحمت البنات مجال العلم بقوة واندفاع ،فتخرج منهن الطبيبات والمعلمات وغير ذلك من المهن الشريفة الرفيعة القدر والمكانة ،فأصبحت الموظفة تكد وتتعب من أجل مساعدة الأهل والخلان والوقوف جنبا إلى جنب مع الزوج والأولاد فتساعد الوالدين والزوج في نفقات الأسرة ومتطلباتها وليس ذلك إلزاما عليها فالقوامة للرجل دون المرأة ،والإنفاق واجب الرجل دون المرأة .

لكن تعال بنا ننظر كيف استبد بعض الآباء براتب الموظفة ومنعها من أهم حقوقها من أجل أن يأكل تعبها ونصبها ،والله إن هذا لمن أشد الظلم والجور أن يأكل الأب راتب ابنته ظلما وعدوانا من غير حاجة ماسة إليه إلا بدافع الأشر والبطر .نسأل الله العافية .فقد وجد في مجتمعات المسلمين من يحرم ابنته من الزواج خوفا على راتبها من زوجها أن يقاسمه إياه، فأي تربية هذه ؟ وأي حياة هذه ؟ وأي خوف من الله هذا ؟ وأي أداء للأمانة هذه ؟

قد يقول الأب : وأين الحرام في ذلك وهي ابنتي ؟ ولي الحق في أخذ ما أحتاج إليه من مالها، كما جاءت بذلك السنة النبوية أن الولد والمال للأب، وأن خير ما أكل الإنسان من كسبه وولده من كسبه .

والجواب على ذلك : نعم لك الحق أن تأخذ من ما لها ما يكفيك إن كنت محتاجاً إليه، وثق تماماً أنها لن ترد عنك شيئاً فالبنت تحمل بين جنباتها قلباً جياشاً، وعواطف وأحاسيس كلها رحمة وعطفاً وشفقة ورقة، وحباً لوالديها خاصة، فلا تكاد تسمع لها صوتاً ولا همساً، كل ذلك خجلاً وأدباً، وحياءً وحباً، فانتبه أيها الوالد ! فهناك أمر مهم قد تغفل عنه ألا وهو أنك حرمتها الزواج من أجل أن تأكل مالها وتجتاحه، وهذا هو الحرام، فإن كنت من هذا الصنف من الآباء، الذين لا هم لهم في الدنيا إلا جمع المال، فاعلم أنه لن يملأ فاك إلا التراب، فلو كان لك واد من ذهب لتمنيت واد آخر، ولن يرضيك إلا التراب، فأنت أخذت مالها بطريقة غير شرعية، بل بطريقة أقرب إلى اللصوصية والغصب والإكراه، وكل ذلك حرام، وقد تستخدم معها الكلام الطيب فترات حتى تملك ما تريد من مالها بالحياء، وهذا حرام أيضاً، فما أخذ بسيف الحياء فهو حرام .

خيانة الأمانة :

أيها الأب ! أنت منعتها من أهم حقوقها عليك، وهو أن ترعاها حتى تكبر ثم تزوجها من الخاطب الكفء، وقد منعتها من ذلك بحجج واهية كاذبة، من أجل غاية دنيئة حقيرة، ومن أجل متاع زائل من أمتعة الدنيا الفانية، وقد تدعو ليل نهار وتراه لا يستجاب لك، أتدري لماذا ؟

لأن من موانع إجابة الدعاء أكل المال الحرام، وأنت فعلت ذلك، بأكلك لمال ابنتك المسكينة بغير وجه حق، فالنبي صلى الله عليه وسلم، [ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يارب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ] ( رواه مسلم ) .

وياليتك مادمت جموعاً منوعاً لحب المال، أن أحسنت إليها وزوجتها وشرطت مبلغاً شهرياً في عقد نكاحها لكان ذلك مقبولاً، مع العلم أن راتبها حق لها وحدها، فلا دخل لأحد فيه، لا أب ولا زوج ولا أخ ولا أخت، ولكنها لن تنسى تربيتك لها وعطف والدتها عليها، فكل ذلك عندها مرصود، ولكنك جعلت الباب في وجهها موصود، فاتق الله تعالى، واحذر من يوم يشيب فيه المولود .

فهذه المسكينة المحرومة تريد أن يكون لها زوجا وأبناء وأسرة ومنزلا تعيش فيه كيف شاءت وتلبس ما تشاء مما أباح الله لها من اللباس وتتصرف في بيتها كيف شاءت فلا تمنع عنها ما أباح الله لها من زواج وذرية فتكون بذلك مصادما لله ورسوله الذي دعا للزواج بالودود الولود والله تعالى يقول : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون } ( النحل 72 ) .

وقال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } (الروم 21 ) .

فهذه الآيات وغيرها تحث على الزواج لأنه سكن لكلا الزوجين فكيف تأتي أيها الولي وتقول لله لايمكن أن أقبل بهذه الآية ؟فردك للخاطب الكفء الذي ترضاه موليتك مصادم لأمر الله بالزواج وهذا اعتراض منك للآيات القرآنية وهذا ظلم منك لمن ولاك الله أمرها، فالظلم ظلمات يوم القيامة فالله يمهل للظالم كي يرجع عن ظلمه وغيه ولكنه لايهمله، فإذا أخذه فإن أخذه أليم شديد .

قصة وعبرة :

وإليك هذه القصة التي تشيب لها الرؤوس وتندى لها الأفئدة :

كان والد الفتاه الموظفة يمنع كل من يأتي لخطبتها لسبب أو لأخر ،حتى مضى قطار العمر ودخلت في سن قد لايرغب بالزواج منها الشباب فمرضت من جراء ظلم والدها ورفضه المستمر بسبب أو بدون سبب فأدخلت المستشفى وبقيت فتره من الزمن حتى حضرتها الوفاة فاستدعت والدها ،وقالت :ياأبي قل آمين فقال :آمين ،قالت :قل :آمين ،فقال :آمين فكررتها ثلاث مرات ،ثم قالت :

أسأل الله أن يحرمك الجنة ،كما أحرمتني الزواج .ثم فارقت الحياة .إنا لله وإنا إليه راجعون .

فما الفائدة التي جناها ذلك الأب القاسي ؟وهل ستعيد له الأموال تلك البريئة الجريحة ؟

يقول الله تعالى في حق الظالمين : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [غافر 18 ] .

وقال تعالى : ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ابراهيم 22 ]

وقال صلى الله عليه وسلم :{ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ،ثم قرأ قوله تعالى :

( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [هود 112 ] ( متفق عليه ). وقال صلى الله عليه وسلم : { استوصوا بالنساء خيرا } ( متفق عليه ).

وقال صلى الله عليه وسلم : [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه ). فلا تحسب أنك بأكلك للمال الحرام ستخلد في هذه الدنيا، أم أن العذاب عنك بعيد، فكم من أناس انتفخت بطونهم من الحرام والنار لهم بالمرصاد، فهم حطب لها وحصب، قال تعالى : { والذي كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم } ( محمد12 )، وكل جسد نبت من السحت أي الحرام فالنار أولى به .

وقال صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتين ـ أي بنتين وقام عليهما بالمؤونة والتربية ـ حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه ( رواه مسلم ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : [ من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ] ( متفق عليه )، فهل أحسنت إلى ابنتك أنت ؟ أم أهنتها وأذقتها المرارة ؟ وجرعتها كأس الحرمان من الزواج من أجل تلك الوظيفة والعقبة الدنيئة، قال صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة ] ( رواه النسائي وغيره وحسن سنده شعيب الأرنؤوط )، ومعنى أحرج حق الضعيفين : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً.

وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم ] ( متفق عليه ) ومعنى الحطمة : العنيف برعاية الإبل، فقد ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لوالي السوء، الذي يظلم من تحت ولا يته من أهل وغيرهم، وما فيه من قسوة وجلافة، وعدم رحمة، وبعده عن الرفق والشفقة .

وهذا حال كثير من الآباء اليوم ـ نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .

السؤال يوم القيامة :

فأي اتباع لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والأولياء يحرمون بناتهم وأخواتهم ومن ولاهم الله عليهن من الزواج لأجل متاع زائل ووسخ من أوساخ الدنيا من أجل مال مايلبث أن يموت صاحبه ويتركه وراء ظهره يستمتع به الورثة من بعده ثم يحاسب هو عليه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،وسيطول به الحساب عند شديد العقاب .

فيا ولي الأمر ! إذا سئلت عن مال ابنتك من أين اكتسبته فماذا سيكون جوابك ؟

هل ستقول :يا رب ظلمتها وحرمتها من الزواج من أجل أكل راتبها بغير وجه حق فالويل لك ثم الويل لك ،عند شديد العذاب وسريع العقاب .

فلا إله إلا الله ما أشد العقاب وما أقسى العذاب .فاتق النار ولو بشق تمرة فنار جهنم لو ألقيت فيها الجبال الراسيات لذابت من شدة حرها .

الوصية بتربية البنات :

لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتربية البنات وأنه إذا أحسن تربيتهن كن له بإذن الله حجاباً ودرعاً من النار. فأين أنت أيها الولي من ذلك الحديث لقد خنت الأمانة وضيعت الولاية فكانت الخاتمة سيئة وتبدلت الجنة بالنار .

رفقاً بالبنات :

أيها الأب الحنون : يجب عليك أن تحسن إلى موليتك وتكرمها، وتحرص على إعفافها وإحصانها، وإخراجها من الضيق إلى السعة، ومن العنوسة إلى حياة الزوجية، فاختر لها الزوج الكفء، صاحب الدين والأخلاق، وإياك والمفسدين واللاعبين اللاهين، واحذر المنحرفين والمجرمين، ولا يكن المهر هو همك، فالفتاة ليست سلعة تباع وتشترى، وتعطى لمن يدفع فيها أكثر من الآخر، وليست عنزاً حلوباً، تحلبها متى شئت، بل هي إنسانة ذات مشاعر وأحاسيس، لها حق اختيار الزوج المناسب فلا يجوز لك شرعاً ولا عرفاً أن تكرهها على الزواج ممن لا ترضاه، ويحرم عليك ذلك، ثم هنا أمر مهم يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، وهو أن المهر كاملاً من حق الفتاة وليس لك فيه شيء من الحق أبداً، فإن أخذته أنت بدون رضىً منها فهو سحت حرام عليك، وإن ساومت على ابنتك من أجل أن تحصل على المال من وراء تزويجها، وإن عرقلت مسيرة زواجها بسبب عنادك وتجبرك للحصول على المال من وراء تزويجها، فأنت آثم وعليك التوبة إلى الله عز وجل قبل أن يفاجئك الموت وأنت على حال كلها ظلم وطغيان من أجل حياة فانية زائلة.

قصة وعبرة :

وهذه قصة من واقع الحال، وليست من نسج الخيال، تقدم رجل ثري لخطبة الفتاة، وساوم عليها ودفع فيها مبلغاً مالياً خيالياً من أجل أن يحصل على هذه المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا رأي لها عند جهلة الناس وعوامهم، فقدم ذلك الخاطب مبلغاً يقدر بأربعمائة ألف ريال، فسال لعاب الأب، وتحركت لديه شهوة المال، فأجبرت الفتاة على الزواج الحتمي المغصوبة عليه، وتم الزواج وما هي إلا أيام وليالي ثم يحصل الفراق، فكانت النتيجة دمار لهذه المسكينة، وتطكيم لباقي حياتها، فهي مطلقة ومن يرغب في الزواج من المطلقة اليوم ؟ ما السبب ؟ إنه حب المال، ومن السبب ؟ إنه الأب الآكل للمال الحرام ؟

الخاطب الكفء :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ] ( رواه الترمذي وحسنه الألباني برقم 865 ) .

وروى البخاري في صحيحه قال : [ مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يُستمع، قال : ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يُشفع، وإن قال ألا يُستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ]. وهذا الحديث ليس على ظاهره، فهناك من الأغنياء من هم من الأتقياء الذين يخافون الله تعالى ويخشونه، ويُعمِلون أموالهم في سبيل الله تعالى، وهناك من الفقراء من تراه من معصية إلى معصية، ومن ذنب إلى آخر. فالحاصل أن الأب يسعى جاهداً لنيل الرجل المناسب لابنته فإن كان من الأغنياء الأتقياء فذاك المطلوب، وإلا فعليك بصاحب الدين والخلق الحسن، وهذه بضاعة نادرة في هذه الأزمان، ومن بحث وجد ـ بإذن الله ـ بغيته .

ولقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة بما معه من القرآن، فأين الآباء الحكماء العقلاء عن سنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام .

اخطب لابنتك :

بعض الآباء تجده يجد ويتعب في إيجاد المرأة التي توصف بكذا وكذا من الأوصاف لابنه، وقد يدفع مقابل ذلك مهراً طائلاً، أما ابنته فلا يهمه من خطبها إن كان فاسقاً أو صالحاً فالأمر سيان المهم كم يدفع ؟ وماذا سيدفع ؟ وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالرجل العاقل الذي تهمه ابنته وتهمه سعادتها، هو الذي يسعى جاهداً من أجل اختيار الزوج الصالح لها حتى تعيش في هناء وخير، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة رضي الله عنها على عثمان رضي الله عنه، ثم أبا بكر رضي الله عنه، ثم خطبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها. القصة في صحيح البخاري 10/219 .

فلقد سعى جاهداً في أن يزوجها عثمان فلما لم يكن له بها رغبة، جد في أن يزوجها أبا بكر، فلما علم أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها تركها له، حتى خطبها ثم تزوجها، أولئكم الرجال الذي لا يهمهم قول قائل من قال، المهم سعادة البنت ومع من تكون، أما اتباع فلان وفلانة واستماع كلام هذا وذاك، فهذا كلام لا يقبله عاقل

وهذا سعيد بن المسيب التابعي المعروف، كان لديه تلميذ من تلاميذه ممن يحضرون درسه، ويحرص عليه أشد الحرص، ففقده عدة أيام فلما جاء التلميذ سأله عن سبب غيابه ؟ فأخبره أن زوجته قد ماتت فانشغل بها، فسأله سعيد : هل استحدثت امرأة ؟ أي هل تزوجت بعدها فقال : لا، ومن يزوجني وما عندي إلا درهمان أو ثلاثة ؟ قال له سعيد : أنا، قال : أو تفعل ؟ قال : نعم، فزوجه ابنته لأنه يعرف أنه صاحب خلق ودين، ولم ينظر إلى كم يملك من العقارات والأموال، بل المهم أن يطمئن على ابنته معه، وهل ستكون سعيدة أم لا بإذن الله ؟ هؤلاء هم الرجال، الذين باعوا الدنيا بالآخرة، الذين طلقوا الدنيا طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، فلله در أولئك الرجال، عرفوا لماذا خُلقوا فاستعدوا للقاء الخالق سبحانه وتعالى.

عقوبة خيانة الأمانة :

واحذر أن تخون الأمانة الملقاة على عاتقك فتزوج ابنتك لصاحب الأموال وكبير السن من أجل المتاع الزائل، فهي والله مسؤولية عظيمة أمام الله تعالى، فتوقعها في المهالك، فتبوء أنت بالإثم والخسارة يوم تعرض على ربك، ووالله لن تنفعك الأموال ولا العقارات ولا غير ذلك من حطام الدنيا، بل لن ينفعك إلا عملك الصالح وأداؤك للأمانة التي وضعها الله بين يديك .

وحذار كل الحذر أن تخون الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، والتي تحملتها أنت، فتزوج ابنتك لصاحب الأموال الفاسق المجرم، الذي لا يعرف لله حقاً، ولا يقدر له قدراً، الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وتجنب كبير السن الذي لا يعرف للفتاة قدرها واحترامها، ويحسبها سلعة بائرة، فلا احترام لها ولا تقدير، ولا مكانة لها ولا رفعة عنده، فتراها ذليلة عنده حقيرة، فتوقع ابنتك في الذل والمهانة، وتبوء أنت بالإثم والخسارة، فتعيش الفتاة المقهورة المجبورة حياة نكدة بائسة، وتذيقها المر بألوانه وأشكاله، وتموت في اليوم الواحد مائة مرة، فتعيش مضطهدة مقهورة .

فاحرص يارعاك الله على أداء الأمانة وبخاصة أمانة البنات فهن ضعيفات، حيلة لهن ولا طاقة، فالله عز وجل يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ( الأنفال 27 )، وقال ربنا تبارك وتعالى : { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } ( المعارج 32 )، وقال صلى الله عليه وسلم مذكراً الولي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وعظم خطرها وأنها سبب لدخول الجنة لمن اداها كما أمر الله تبارك وتعالى، وسبب لدخول النار لمن ضيعها فقال : [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] ( متفق عليه ) .

فأي غش أعظم من أن تغش ابنتك التي من صلبك أو تمت لك بصلة، وتمنعها من الزواج من أجل أن تأكل حفنة قذرة من أوساخ هذه الدنيا الفانية، واعلم أن خيانة الأمانة علامة واضحة من علامات النفاق، فقال صلى الله عليه وسلم : [ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ] ( متفق عليه ) وفي رواية : [ ولو زعم أنه صلى وصام ]. ولقد توعد الله الخائن للأمانة الذي ضيعها ظلماً وعدواناً، ولم يرعها حق رعايتها توعده بالنار يوم القيامة فقال جل من قائل سبحانه : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } ( النساء 145 ) .

ثم لو بلغت نقودك عنان السماء من وراء تزويج البنات الخاطب السيئ، أو من عدم تزويجهن وأكل مالهن، فهل تعتقد أنك ستخلد في هذه الحياة الدنيا ؟ طبعاً ستقول لا، وهذا هو الصحيح الذي لا مراء فيه ولا جدال، فقم إذاً بحق الله عليك، ثم بحق تلك البنات التي ضيعت حقوقهن، وأد الأمانة كما يجب فأنت مؤتمن ومسؤول .




د.فالح العمره 03-04-2005 01:56 PM

المرأة والحقوق المهضومة (2-2)
يحيى بن موسى الزهراني






من الأولياء من يمنع بناته ومن هن تحت ولايته عن الزواج بحجج واهية ضعيفة، خادعة ماكرة، قذرة قبيحة، لأجل غرض محرم لا يمت للإسلام بصلة، ومن هذه الأعذار:

1- حجة إكمال الدراسة:

البنت إذا بلغت سناً تحتاج معه للزواج وجب على وليها أن يزوجها حفظاً لها من الضياع والتخبط في ظلمات المعاصي والذنوب، وتتلطخ بأوحال الفضيحة والعار، والسبب قهر الأولياء الرجال الذين ضيعوا الأمانة، فيتعذر الولي بهذا العذر الكاذب من أجل الحصول على راتب الموظفة، وهو ينتظر تعيينها بفارغ الصبر، فإذا عينت انقض على راتبها انقضاض السبع على فريسته، ولم يدعه في يدها طرفة عين، بل ويتخبط في مالها بغير حق وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] ( رواه البخاري ).

2- صغر السن:

من الأولياء من تعتذر للخاطب بصغر سن ابنته، وهي موظفة ومعلوم أنها لن تتوظف على أقل الأحوال إلا وهي بنت ثماني عشرة سنة أو أكثر من ذلك بقليل، فأين صغر السن في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة رضي الله عنها وعن أبيها وهي في التاسعة من عمرها، وما ذاك الاعتذار إلا من أجل أن يستوفي الدين الذي يعتقده، وأنه في نظره بتربيته لها وإنفاقه عليها أن ذلك دين يجب وفاؤه، وهذا غلط وخلط للحقيقة، وإنما الهدف الأساسي هو ملء البطن براتب الموظفة المسكينة، دون حساب لمشاعرها وأحاسيسها، قال صلى الله عليه وسلم: [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه )، فما أكلت من تلك الأموال ظلماً وجوراً ستسأل عنه عاجلاً أم آجلاً، والله لك ولأمثالك الظلمة بالمرصاد.

3- المن والحياء:

وبعض الأولياء قد يستخدم أسلوباً مغايراً فهو لا يرفض الخاطب، ولكنه بحيلته ومكره ودهائه يجعل الفتاة المسكينة هي التي يؤجل الزواج من أجل غاية خسيسة، ومغزىً فاضح، فتراه يذكرها بما أنفقه عليها طول بقائها وأثناء دراستها ويمن بذلك عليها، ويلاطفها بالكلام العذب ويستعطف قلبها الطيب الرقيق، فيطلب منها أن تبقى معه إلى السنة القادمة، من أجل مساعدة أمها أو تعليم إخوانها، أو غير ذلك من الحيل الماكرة، كل ذلك من أجل الاستيلاء على راتب الموظفة التي تكد وتتعب ويأتي الظلمة ويأكلون ذلك بغير حساب لشعور من تعب من اجل الحصول عليه، وكل ذلك أيضاً حباً في الدنيا وزينتها، فكم ستعيش أيها الأب القاسي، ستين سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، ثم أين المصير؟ إنها حفرة طولها مترين، وعرضه نصف متر، فماذا أعددت لها؟

قال صلى الله عليه وسلم: [ اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام: [ يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ] ( متفق عليه )، فما الفائدة التي جناها الآباء من تلك النقود التي جمعوها من جراء ظلم البنات؟ وأي عمل خرجوا به من هذه الدنيا وهم على تلك الحال المخزية من آكل لأموال البنات؟ وظلم وجور وتعد لحدود الله تعالى بعضلهم للبنات؟ .

وقال صلى الله عليه وسلم: [ تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض ] ( رواه البخاري )، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال: [ ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ] ( رواه بن ماجة وغيره وقال النووي حديث حسن ).

4- عدم كفء الخاطب:

ومن الآباء من يعتذر عن تزويج ابنته بحجة أن الخاطب غير كفء، والحقيقة التي يخفيها هي أن الخاطب سيشاركه في العنز الحلوب، فكيف سيحلبها ومعه من يشاركه، إنه الجهل والظلمة والبعد عن دين الله تعالى، والقسوة التي ملأت قلوب كثير من الآباء، ومن رد الخاطب الكفء فهو مصادم لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك منع لهن عن الزواج وحرمان لهن من أهم حقوقهن على آبائهن ،ودفع لهن لارتكاب الحرام والولوغ في أوحال الفاحشة والرذيلة.

كلمات مضيئة:

وهذه كلمة حق ونصيحة ناصح أمين بإذن الله تعالى أوجهها إلى كل راع ومسؤول عن البنات، أن يتقي الله تعالى فيهن ويحرص على تزويجهن متى رغبن في ذلك وأن يطلب لهن الزوج الصالح، وأن يكون قدوة صالحة يقتدي به من هو معه، ومن يأتي بعده بتسهيله للمهور، فلا يقول بنت فلان تزوجت بكذا وابنتي ليست أقل منها فمهرها كذا وكذا، ويطلب مالاطاقة للشباب به من الأموال وغيرها، فتقبع البنات حبيسات أسيرات لقسوة الآباء والأمهات، وتمسكهم لعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، والقدوة الحسنة هو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حيث قال: [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ] _ رواه أحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم )، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ ألا لا تغالوا في صدق النساء ـ يعني في مهورهن ـ فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل لبغلي بصدقة امرأته ـ بمهرها ـ حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول: كلفت فيك علق القربة ] ( أخرجه النسائي وأبو داود ). ومن هذا تعلم أنه في كثرة المهر تكون العداوة بين الزوجين، حينما يتذكر ضخامة المال الذي دفعه بسبب جشع الأب وطمعه، فيكيلها من الكلمات القاسية، والضربات الموجعة ما تسود به الحياة بينهما ليلاً ونهاراً، ولسان حال الفتاة يقول: سامحك الله يا أبي لقد بعتني وخسرت حياتي مقابل مال سيطول بك الحساب عليه عند من لا تخفى عليه خافية. سامحك الله يا أبي لقد تركتني وحيد حبيسة لا منقذ ولا منجد إلا الله، فحسبي الله فيك ونعم الوكيل. ووالله إن هذه الدعوة دعا بها إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار، فجاءه الفرج مِنْ مَنْ بيده مفاتيح الفرج، فأنجاه الله من النار، وبإذن الله سيأتي هذه المغلوبة على أمرها الفرج عاجلاً أم آجلاً، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

همسة في أذن الفتاة:

أيتها الفتاة الموفقة ! هذه كلمات أبوح بها لك فافتحي العقل والقلب وعيها واعقليها، فلك الحق كل الحق في اختيار من ترضينه من الأزواج بالضوابط الشرعية، فيجب عليك أن تختاري الشاب الصالح الخير، ولا أزكي على الله أحداً، فإذا رأيت من ولي أمرك الجحود والنكران، وعدم التفهم ومنع الإحسان، فعليك بأحد أمرين:

** فإما أن تصبري محتسبة في ذلك الأجر عند الله تعالى، وتحاولين مع ولي أمرك بكل الطرق الممكنة لموافقته على الزواج بطرق غير مباشرة، كأن ترسلين له من يكلمه في ذلك الأمر ممن يقبله هو ويسمع رأيه ويعمل بمشورته حتى يتم المراد إن شاء الله.

** وإما أن ترفعي أمرك إلى المحكمة وهناك بإذن الله ستجدين الحل المناسب الذي يرضيك ويخرجك من دوامة قد تودي بحياتك الشخصية والأسرية، فما عليك إلا أن تشكي بثك وحزنك إلى الله تعالى ثم من يقوم بتنفيذ أوامر الله عز وجل، وولاة الأمر في بلادنا الحبيبة رعاها الله حريصون كل الحرص على أن يعيش المواطن في أمن وأمان، وعز ورخاء، فلا تترددي في عرض قضيتك على المحكمة بعد الاستخارة والمشاورة مع الثقات من أهلك وعرض ذلك على أحد العلماء ليفتيك في مثل هذه الأمر.

كلمة ذات صلة:

هناك بعض الآباء يستبد برأيه في تزويج ابنته ممن لا ترضاه ويرجع ذلك لبعض الأسباب:

الأول: القرابة:

فالأب يصر على ابنته أن تتزوج من ابن عمها أو ابن خالها أو قريبها، والسبب أن العادات والتقاليد تأمر بذلك. فالعادات والتقاليد إذا خالفت الشرع وتصادمت معه يضرب بها عرض الحائط، ولا يعول عليها، أو أنها قد حجزت له وهم صغار أو ما أشبه ذلك من العادات والتقاليد التي يأباها الإسلام، وتأباها النفوس، والضحية البنت البريئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ] ( رواه البخاري )، وقالت عائشة رضي الله عنه: [ يارسول الله، إن البكر تستحي، قال: رضاها صمتها ] ( رواه البخاري).

ما يؤخذ من الحديثين:

أن من الآباء من يزوج ابنته لمن لا ترغبه من أجل مطمع من مطامع الدنيا، وهذا الزواج غير صحيح شرعاً، لأن من شروط النكاح رضى الزوجين، وروي أن الخنساء ابنة حرام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ـ يعني أبطل ذلك الزواج ـ، لعدم رضا الزوجة بذلك.

ومعلوم لدى الناس أن أكثر الزيجات التي تكون عن عدم رضاً بين الزوجين أن مصيرها الفشل الدائم، فليتق الله الولي الذي ولاه الله تعالى هذه المسؤولية العظيمة أن يحرص كل الحرص في اختيار الزواج المناسب لبناته حتى يعشن في سعادة وهناء بعيدات عن التعاسة وضيق العيش وقلة الراحة.

فعموماً ! بالنسبة للثيب فإنه لا بد من إذنها في زواجها، والبكر يكفي سكوتها لأنها قد تستحي أن تقول: أنها موافقة على ذلك الزواج، لكن لا تجبر، فإن أجبرت حرم ذلك.

الثاني: الإغراء:

وهناك من الآباء من لا هم له إلا كم سيُدفع في ابنته، وماذا سيُقدم عند الخطبة وعند الزواج، ولا يهمه من هذا الذي سيدفع؟ أهو صالح أم طالح؟ ولا يعنيه هل ستعيش هذه البنت في سعادة أم تعاسة؟ وكم سمعنا عن زيجات باءت بالفشل، بل وقد وصل الأمر إلى تقاطع وتدابر بين الأسر، من جراء زواج ظالم من جبار متعنت من أجل حفنة من النقود.

واحرص أيها الأب على الزوج الصالح فهو الرفيق السمح، وهو الذي ستجد ابنتك عنده السعادة الحقيقة ـ بإذن الله ـ فإن أخذها ورضيها أكرمها ورفع منزلتها، وإن لم يرغبها أعادها لك معززة مكرمة، هذه هي أخلاق الصالحين، أما أخلاق الطالحين فعكس ذلك تماماً، فهي ما بين ضرب وركل، وشتم وقلة عقل، فانتبه أيها الموفق.

ولقد سئل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، عمن تقدم لها رجل وهو شارب للدخان وهي راضية به، وأبى أهلها أن يزوجوها، فقال: لهم ألا يزوجوها ممن يشرب الدخان لأن ذلك أمر محرم وقد يعيرون به بين الناس ـ أي أن الناس قد يقولون: زوجوا ابنتهم لرجل شارب للدخان ـ وعجباً للناس اليوم فقد تهاونوا في أمر الدخان تهاوناً عظيماً حتى أن بعضهم قد يُعده من الطيبات والعياذ بالله. ولا شك أن ذلك من الجهل المطبق، والغفلة المهلكة.

الثالث: العناد:

فمن الآباء من يعاند ويكابر لا لسبب مقنع أو مُرض إلا ليستبد برأيه، حتى لا يقال إن فلانة تزوجت بفلان وقد عارض الأب في بداية الأمر ثم ضغط عليه فوافق، ومنهم من يبغض فلاناً من الناس، فمن أجل ذلك لا يمكن أن يزوج ابنته من ولده، فأقول: نعم قد تكون تلك الأسرة سيئة السيرة فهذه لا يرغب في مصاهرتها عاقل، أما إذا كان الشاب مستقيماً ومتمسكاً بتعاليم دينه، وحسنة أخلاقه، وطيبة سيرته، فخسارة أن يفرط في مثله، بل الواجب عليك أن تسعى أنت أيها الأب لتزويجه من ابنتك، وتحرص على الوفاق والوئام بين الأسرتين حتى يتم هذا الزواج، واترك عنك وساوس الشيطان وأوهامه، واترك عنك الجهل ولعب الرجال بك، واختر لابنتك الرجل الكفء الذي تعيش معه سعيدة فرحة مستبشرة، وكلما رأتك تذكرت رحمتك لها واختيارك الزوج الصالح لها، فلا تكاد تراها إلا وهي داعية لك بالرحمة والمغفرة. واحرص من عكس ذلك.

الميراث:

لقد كانت المرأة في العصور الجاهلية القديمة تعد من سقط المتاع، بل هي من الميراث، فلا ميراث لها عند أولئك الكفرة الفجرة، أولئك الجهلة الظلمة، إلى أن جاء النور المحمدي الشريف من لدن رب العزة والجلال، فرفعت المرأة رأسها، وأشرفت على الناس أجمعين، شامخة أبية، فقد أنصفها الدين الإسلامي وجعلها مساوية للرجل، إلا فيما فضل الشارع الرجل عن المرأة، كالقوامة، وجعل الطلاق بيد الرجل، وجعل شهادة رجل واحد بشهادة امرأتين، ودية المرأة نصف دية الرجل، وهكذا نرى أن الإسلام حفظ للمرأة مكانتها، وصان عرضها وعفافها، فأعطيت جميع الحقوق، ومن ذلك الميراث، قال تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، فالمرأة في الميراث تأخذ نصف ميراث الرجل، لأن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق، وهو المكلف بجلب المهر للمرأة، أما المرأة فلا نفقة عليها للزوج، ولا مهر عليها، لذا كان نصيبها من الميراث نصف ما للرجل، وهذه حكمة عظيمة بالغة من لدن حكيم خبير، والمصيبة العظمى، والطامة التي لا مثيل لها عندما نجد بعض المسلمين ممن ينتسبون إلى هذا الدين، وهم يغالطون أنفسهم ببعدهم عن خالقهم، وتركهم لسنة نبيهم، وذلك بهضم حقوق المرأة في الميراث، وعدم إعطائها أياً من حقوقها جهلاً بحقوق المرأة التي حفظها الإسلام، وتساهلاً بأوامر الدين، التي أمر بها الشارع الكريم، فالمرأة لها من الميراث ما قضى به الشارع الكريم، فإما أن تكون بنتاً، أو أماً أو أختاً أو زوجة أو غير ذلك، فلكل واحدة نصيبها من الميراث وفق الشرع المطهر، ويحرم هضم حقوق المرأة من الميراث، أو كتابة الوصية للذكور دون الإناث، ويحرم إعطاء البنات جزءاً من أرض، وتخصيص الذكور بالأجزاء الكبيرة من الميراث، ولا ينبغي إشراك بعض البنات مع بعض إخوانهن لما في ذلك من ظلم وهضم لحقوقهن، بل الصواب في ذلك أنه لا وصية لوارث، كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإعطاء المرأة حقها من الميراث وفق الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، والحذر كل الحذر من ظلم الإناث، أو أكل حقوقهن، أو عضلهن، أو منعهن من الميراث، فكل ذلك حرام، لم تحله الشريعة الإسلامية، بل أبطلت مثل تلك العادات الجاهلية القديمة، وعلى الولي والأب أن يتق الله في نفسه، فهو قادم على ربه تبارك وتعالى، فلا يلقى ربه وعليه مظلمة لأحد من الناس، فكيف إذا كان المظلوم والمغبون والمغشوش هي البنت، التي أمر الإسلام بتوقيرها ، ورَفْعِ مكانتها، وإعْلاءِ شأنها، وحَرَّمَ ظُلمها، أو الاستهتار بها، أو أكْلِ حُقُوقِها، الميراث ياعباد الله لا يقسم عن جهل، وتعصب لأحد دون الآخر، فهذا من أعظم الظلم، ومن أشد أنواع الاعتراض على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يوزع الميراث إلا وفق ما جاءت به الآيات الكريمات، ووفق ما جاء في السنة المطهرة، قال تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلماء، أو المحاكم الشرعية، التي تحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتي لا يكون فيها محاباة لأحد دون أحد، أما أن يوزع الميراث عشوائياً، فهذا حرام لا يجوز، وصاحبه معاقب، ومأزور غير مأجور، فعلينا معاشر المسلمين أن نعتز بديننا ونفخر بشريعتنا، التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه المسلم والمسلمة في أمور دينه ودنياه إلا وبينته بياناً شافياً كافياً، فلله الحمد من قبل ومن بعد.

اليتيمة:

لقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم الضرر والحرج والهلاك على من ضيع حق اليتيم، بل وألحقه الإثم، لأن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الأيتام في آيات كثير من كتاب الله تعالى، حيث قال تعالى: { فأما اليتيم فلا تقهر } ( الضحى 9 ) يقول بن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: [ أي لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضيق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه وأعطه ما تيسر واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك ]، وقال تعالى: { فذلك الذي يدع اليتيم { ( الماعون 2 ) يقول بن سعدي: [ أي يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه فهو كالحجارة أو أشد قسوة، ولأنه لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً ] ( تيسير الكريم الرحمن 5/414 –441 )، وقال صلى الله عليه وسلم: [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ] ( رواه أحمد وغيره بإسناد حسن ).

وقال صلى الله عليه وسلم: [ أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ] وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما، ( رواه البخاري ). ووالله إن شر البيوت البيت الذي يساء فيه إلى يتيم، وخير البيوت البيت الذي يحسن فيه إلى يتيم، وأخص بذلك اليتيمة لأنه لاحول لها ولا قوة إلا بالله تعالى، فاحذر يا مسكين أن تجعل لك خصماً يوم القيامة، فمن أجل ذلك فليحذر من تولى أمر يتيمة من عاقبة ظلمها أو تزويجها بغير رضاها، فإن ذلك إجحاف بها، وهضم لحقها، وتهاون بأمرها، وعدم اهتمام بحياتها، وكل ذلك من الظلم الذي لا يرضى عنه الله ولا رسوله ولا المؤمنين.

بل هناك من الناس من يحرم اليتيمة من الزواج لأكل مالها إن كانت صاحبة مال، أو يحرمها الزواج من أجل أكل مالها إن كانت صاحبة وظيفة، ومنهم من يجبرها على الزواج من أجل أكل مهرها، وكل ذلك من أكل المال الحرام، قال تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } ( النساء10 ).

قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: { وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } ( النساء127 ) قالت: هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل، لعلها أن تكون شريكته في ماله، وهو أولى بها فيرغب أن ينكحها، فيعضلها لمالها، ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها. ( رواه البخاري )، وقالت في هذه الآية: { ويستفتونك في النساء.. .. . } ( النساء 127 ) قالت: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب أن يتزوجها، ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك.

فيحرم على الولي أن يحرم اليتيمة من الزواج لأجل أكل مالها، وأن ذلك من الذنوب العظيمة التي تودي بصاحبها إلى النار.

ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم آكل مال اليتيم بالعذاب الأليم بقول الله تعالى في الآية التي سبقت، وعُد ذلك أيضاً من السبع الموبقات المهلكات التي تهلك صاحبها، وتورده نار جهنم والعياذ بالله، فقال عليه الصلاة والسلام: [ اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها: وأكل مال اليتيم ] ( متفق عليه ).

كلمة أخيرة:

أيها الآباء لا شك أن الشيطان عدو الإنسان وقد أشعل فتيل نار الحرب منذ القدم لغواية بني آدم، وكل الناس خطاء وخير الخطائين التوابون، وليس عيباً أن يخطئ المرء، ولكن العيب كل العيب أن تعرف الحقيقة ثم تغالط نفسك وتستمر في الخطأ، تعالياً وتكابراً من وسخ من أوساخ الدنيا، فإن حصل منك تعد وجور وظلم لمن ولاك الله أمرها فتدارك نفسك بتصحيح ذلك الخطأ قبل أن تندم ولا ينفعك الندم، وأحسن إلى وليتك ما دمت حياً لعل الله أن يقبل منك إحسانك إليها فيتجاوز عما فعلته بها من هدم لسعادتها وقتل لها وهي حية، وذك بتزويجك إياها من لا ترغبه، أو بمنعك إياها ممن ترغبه، فالحق بقطار التائبين ولندم على ما فعلته، واعزم على ألا تعود لمثل ذلك، واستحلل من أسأت إليها واطلب الصفح منها، ثم عُد إلى الله تعالى وأكثر من التوبة والاستغفار وأكثر من نوافل الأعمال، وتصدق على الفقراء والمساكين والأيتام، وادع الله تعالى ليل نهار، أن يتوب عليك ويمحو حوبتك ويقبل توبتك ويتجاوز عن سيئاتك فهو سبحانه قريب مجيب الدعاء ويفرح بتوبة عبده إذا تاب.




د.فالح العمره 03-04-2005 01:57 PM

من يوقظ صواحب الحجرات؟
شادي الأيوبي






إذا كانت هناك فئات من المجتمع الإسلامي تنال حظاً دائماً من الإهمال والظلم الصامت فلا شك أن في مقدمتها المرأة المسلمة، تلك التي تقتلها رتابة الحياة اليومية بين تربية الأولاد وشؤون البيت وانتظار عودة الزوج من العمل والأشغال لتحظى منه بلحظات قليلة يطلع فيها على مجريات الأمور في غيابه، ويطمئن أن الأوضاع لا زالت تحت السيطرة.

ولا يهمنا هنا الإهمال في مسائل الخروج والنزهات والزيارات، فهي على أهميتها في الترويح عن النفوس وتجديد عهد المودة بين الطرفين لا تعدو أن تكون ضرراً قاصراً على أمور الدنيا المقدور عليها، لكن نقصد إهمال تربية وتوجيه النساء على أمور دينهن وتعليمهن إتقان العبادات وأسرار التوجه إلى الله، والتفقه في أمور الدين، فقلة قليلة من الرجال يهتمون باصطحاب نسائهم إلى المساجد للصلوات والاستماع إلى الدروس والمحاضرات المفيدة والضرورية، وأقل منهم من يهتم شخصياً بتعليم زوجته تلك الأمور ـ إن كان يعرفها أصلاً - وأقل منهم من يضحي بشيء من الوقت وتحمل المسؤوليات المنزلية ليساعد زوجته على التفرغ البسيط لأمور العلم الشرعي وغيره.

وإنك لتعجب أشد العجب عندما تسمع لرجال بلغوا من العمر عتياً، وهم من المواظبين على الصلوات في المساجد واستماع الدروس فيها، لتعجب منهم عندما يسألون أسئلة من البديهية والبساطة بحيث يعرفها المبتدئ في أمور العلم، مثل: موجبات الغسل ونحوه، وعلى الفور يطرح التساؤل التالي نفسه : إذا كان هذا حال الرجال الذين يستمعون للدروس والخطب والمواعظ يومياً، فكيف حال النساء القابعات في البيوت دون تعلم أو تدبر؟

وهل هناك اليوم من يجادل في أهمية العلم للمسلم والمسلمة أم هل هنالك من لا يدري أن الجهل من المصائب القاتلة للمرء في الدين والدنيا؟؟ "ربنا لا تجعل مصيبتنا في ديننا".

والاهتمام بمسائل العلم الشرعي يفتح جرحاً في أعماق النفس لما ترى من الإهمال والإعراض في هذا المجال، وتفضيل أي شيء على العلم والكتاب، أليس من الغريب أنك ترى المهاجرين يزورون بلادهم ويعودون منها محملين بأوزان من الحلويات والأطعمة المختلفة، ولا ترى في هذه المعمعة واحداً منهم يشتري كتاباً واحداً ليتعلم منه أمور دينه ودنياه ؟ أليس هذا تفضيلاً منا للبطون على العقول وللمتاع واللذة الزائلين على الخير والعلم والفهم ؟

والأنكى من ذلك أن الكثيرين منا استمرؤوا حياة الجهل، وألـفوا مصاحبة التراخي، وصاروا يكرهون الحركة والتعب، وطاب لهم النوم والخمول فصاروا كما وصفهم الشاعر :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

وفي هذه الظروف يعود المرء ليتساءل عن مصير الأسرة المسلمة، وأين يسير بها الرجال الذين جعلوا الدين آخر اهتماماتهم، والنساء اللواتي لا يفقهن من هذا الدين شيئاً؟

إن بلاد الغرب لتزخر اليوم بحالات كارثية نتيجة لإهمال العلم وإهمال الدين، فكم من الأبناء هجرهم آباؤهم وتركوهم لأمهات غير مسلمات أو مسلمات جاهلات، فكانت النتيجة أنك ترى "خالد " السكير و"عبد الله" المقامر و"فاطمة " التي تصحب صديقها إلى بيته والى أماكن اللهو هؤلاء ما كانوا إلا نتيجة طبيعية لإهمال التربية الإيمانية في البيوت وإهمال التوعية الدينية في المساجد وغيرها.

والمرأة المسلمة لا تزال اليوم وسوف تبقى صمام الأمان في البيت المسلم ،وسوف تبقى صاحبة الأثر الأكبر في تربية وتنشئة الأجيال، لذلك كان من الخطأ القاتل أن تهمل بهذا الشكل ،وأن تقصى عن أماكن العلم والتفقه بحجة الاهتمام بالبيوت أو بادعاءات منسوبة للدين تحرم على المرأة الخروج من بيتها ولو كان السبب طلب العلم والتعلم.

إن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان أكثر من نادى بمبادئ الرفق والرحمة بالنساء، وقال في ذلك أقوالاً بالغة الحكمة والجمال، وحسبك منها قوله: «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم» أو قوله: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» أو قوله: «رفقاً بالقوارير»، والناظر في سيرته - عليه الصلاة والسلام - ورفقه بنسائه حتى عند اجترائهن عليه يرى من ذلك العجب الذي لا يكاد أحد يفعل معشاره في أيامنا هذه.

ونحن اليوم نجد أن الكثير من الرجال قد أعمتهم الأثرة ،وقتلهم الإهمال، فلا هم يهتمون بتعليم نسائهم ولا بإشراكهن في وجوه الخير، ويعود المرء ينتظر الرجل المخلص الذي ينتظر أواخر الليل ليوقظ أهله عملاً بقول النبي - عليه الصلاة والسلام:

«من يوقظ صواحب الحجرات، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة».

د.فالح العمره 03-04-2005 02:04 PM

رأي علماء الإسلام في عقل المرأة
عزيز محمد أبو خلف






نبرز في هذه المقالة الحاجة إلى الاهتمام بقضية عقل المرأة باعتبارها أمراً يتعلق بالإنسان رجلا كان أو امرأة، وباعتبارها من قضايا المرأة التي تثار حولها الشبهات بسبب تعلقها بكيان الإسلام وامته. ثم نورد الحديث الذي يعتبر لب المشكلة واساسها، ونعرض وجهات النظر المختلفة حوله، ونلخص رأينا في الموضوع، ثم نورد آراء الائمة والعلماء القدامى الذين يمثلون تيارات عريضة وقطاعات واسعة ينتمي إليها أبناء هذه الأمة على مر العصور. وسوف نعرض في سلسلة متتابعة من المقالات لرأي العلماء المعاصرين على مختلف شرائحهم، والمفكرين والمفكرات، والدعاة والداعيات، في عقل المرأة وكذلك لرأي علماء غربيين.

أمر يثير العجب !
الحديث عن عقل المرأة مثير للعجب حقاً! فالذين يناقشون هذا الموضوع يتسترون على فرضية في أذهانهم، مفادها ان عقل الرجل لا اشكالية فيه، بل هو كامل مكمَّل. والحقيقة الصارخة ان عقل الإنسان برمته كان ولا يزال مثار بحث ونقاش وجدل لا ينتهي عند حد. وربما تجد المرأة العزاء والسلوى، بسبب امتهانها في عقلها، في هذه الحقيقة، وفي حقيقة ان الامتهان قد امتد ليصيب الإسلام في عقله كله بمن فيه وبما فيه. فالذين ينتقدون موقف الاسلام من عقل المرأة، ولا سيما من أبناء جلدته، قد بخسوه قدره في عقله كله، من حيث الأساس الذي يقوم عليه. فهم يرون ان التدوين الذي أصّل لحضارة الإسلام وفِكْره قد قام على لغة البداوة والأعراب، لغة الرمل والبعير، لغة الانفصال والربط؛ فالعقل مشتق من عقْل البعير وعِقاله، ومن ربْطه هو وغيره من البهائم التي يعايشها ذلك البدوي الجِلْف. ذلك ما يراه المثقفون العرب الذين يوجهون افواه البنادق والمدافع والصواريخ إلى هذا الدين من الداخل والخارج، من المفكرين والفلاسفة اتباع الحداثة وما قبلها وما بعدها.

نحن لا نبالغ إذا قلنا ان قضايا المرأة هي المسمار ما قبل الأخير في نعش هذه الأمة الميتة، ذلك ان آخر ما يتفكك من عُرى هذا الدين هو الصلاة. فبعد زوال سلطان الأمة السياسي، وتبعية اقتصادها للراسمالية، لم يتبق الا القضايا الاجتماعية والتي تتربع المرأة على سويداء قلبها. فإذا ما امتد التآكل وانتشر في نساء الأمة فهو إيذان بالخراب والانهيار للاسرة بأكملها. فالمرأة هي الام والزوجة والبنت والاخت والقريبة، ولك ان تدرك اثر كل هؤلاء في كيان البيت والمجتمع، من حيث الصلة، والوظيفة العامة. وربما يكون هذا هو النذير والمنبه لإعادة النظر في قضايا المرأة، واحياء ما مات من مفاهيمها القيمة، ونبذ ما تعمق من مفاهيمها البالية. وقضية عقل المرأة من أهم هذه القضايا التي يُثار حولها النقاش، ويعتبرها كثير من الناس أنها أساس التخلف والنظرة القاصرة للمرأة.

حديث ناقصات عقل ودين
هذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن، بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة، فقد روى مسلم في كتاب الإيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )‏يا‏ ‏مَعْشرَ‏ ‏النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن ‏الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن‏ ‏جَزْلة: ‏وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن،‏ ‏وتَكْفُرْنَ‏ ‏العشير، ‏وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي‏ ‏لبٍّ‏ ‏مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين(. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حقه.

ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة، وذلك في قوله تعالى: )(واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى)( البقرة 282.

ليس هناك إشكال كبير في ثبوت الحديث، فقد رُوي من طرق متعددة صحيحة وفي اكثر من كتاب، على الرغم من وجود من ينكر الحديث أو يضعفه أو يخجل من ذكره. يكمن الاختلاف في فهم الحديث وتباين النظرات إليه، بناءً على تفسيرات ونظريات متعددة. فنجد من يقبل الحديث قبولاً تاماً بمعناه الظاهر، ويحتج بحال المرأة في مختلف المجتمعات، وبانجازات الرجال العظيمة. وهناك من يستند إلى نظرية الممازحة باعتبار ان الحديث قد قيل في مناسبة عيد، وهناك من يعتمد نظرية العاطفة لكون المرأة تغلب عليها العواطف بعكس الرجال، ونجد من يعتبر ان الحديث يخبر عن واقع لا بد من تغييره. كما ان هناك من قصر نقصان العقل على الحالة التي وردت في الحديث، ولا يتعداها إلى غيرها.

رأينا في عقل المراة
لقد أوضحت رأيي في موضوع عقل المرأة في اكثر من مقالة على الإنترنت وفي الصحف والمجلات، وتجد في نهاية المقالة إشارة إلى بعض الروابط التي تعرض لهذا الرأي. ويتلخص رأينا في ان نقصان العقل ليس خاصاً بالمرأة، بل ويعم الرجل أيضاً، وذلك وفق نص الحديث ومدلوله، ووفق مفهوم العقل كما ينبغي ان يكون، وكما فهمه سلفنا الصالح في عهد النبوة ومن بعدهم، بعيداً عن تأثير الحضارات الاخرى. وليس أدل على ذلك من ان القرآن الكريم قد وصف الكفار بأنهم لا عقول لهم أو ان أكثرهم كذلك. وهؤلاء فيهم العظماء والعباقرة وعِلْية القوم، أي ان فيهم الرجال والنساء على حد سواء. ولا يتسع المقام هنا لمزيد من التفصيل، وسوف نشير إلى شيء من ذلك بعد الانتهاء من عرض مختلف الآراء في الموضوع في المقالات اللاحقة، كما سنفصل الموضوع برمته في كتاب عن عقل المرأة في طور الإعداد ان شاء الله تعالى.

آراء العلماء في عقل المرأة
سنعرض في الفقرات التالية لآراء العلماء من أئمة الدين من السلف، وسوف نقتصر في هذه المقالة على آراء العلماء السابقين، ثم نعرض في مقالة أخرى لآراء العلماء المعاصرين والجماعات الإسلامية والمفكرين وبعض الدعاة، ونعرض في مقالة لاحقة لآراء المفكرات والداعيات الاسلاميات المعاصرات، وسوف نرى إن كنّ أتين بجديد في هذا الموضوع أم أنهن تبعن آراء الرجال وحسب.

ابن حزم

• يلزم القائل بظاهر الحديث ان يكون أتم عقلاً وديناً من مريم وأم موسى وعائشة وفاطمة. والقول بغير هذا يعني ان من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من النساء.

• نقصان العقل والدين يقتصر فقط على الشهادة والحيض، ولا يتعداهما إلى غيرهما.

• هذا النقصان لا يوجب نقصان الفضل، فنساء النبي وبناته افضل ديناً ومنزلة عند الله من كل تابعي، ومن كل رجل يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة.

ابن تيمية

لخص ابن القيم رأي شيخه ابن تيمية في عقل المرأة وشهادتها كما يلي: قوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط. وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل). فبين أن شطر شهادتين إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه. فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه على نصف رجل. وما يُقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها، من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب. فإن مثل هذا لا يُنسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة.

واضاف إليه ابن القيم: ان شهادة الرجل الواحد أقوى من شهادة المرأتين، لأن النساء يتعذر غالباً حضورهن مجالس الحكام، وحفظهن وضبطهن دون حفظ الرجال وضبطهم.

النووي

اللب هو العقل، والمراد كمال العقل، ونقصان العقل أي علامة نقصانه. وهو تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه، أي قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، ويعني أنهن قليلات الضبط.

ابن حجر

قال في معرض شرحه لسؤال النساء: (وما نقصان ديننا وعقلنا؟)، كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه. ونفس السؤال دال على النقصان، لأنهن سلَّمن ما نُسب إليهن من الإكثار والكفران والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات عقل. وما ألطف ما أجابهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم، وخاطبهن على قدر عقولهن. وأشار بقوله (نصف شهادة الرجل) إلى قوله تعالى (فرجل وامرأتان)، لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها، وهو مشعر بنقص عقلها. وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك، لأنه من اصل الخِلقة، لكن التنبيه على ذلك خوفاً من الافتتان بهن. ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص.


الوقت في المنتدى حسب توقيت جرينتش +3 الساعة الآن 02:26 AM .

مجالس العجمان الرسمي