المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"6"


محمود المختار الشنقيطي
24-01-2015, 10:53 AM
طعام ... صلاة ... حُب : امرأة تبحث عن كل شيء"6"
على طريقة التلفاز في إعادة المسلسلات،هذه إعادة لمسلسل :
{"خلطة" كتب}
يبدو أن سياحتنا في كتاب (بُقول) سوف تكون مناسبة للحديث عن مسألتين. الأولى :
نظرت (الأنثى) للتحرش ... كتبت كثيرا – جدا – عن التحرش بالنساء بصفته أقرب إلى الظاهرة العالمية،لكن ذلك الحديث كان في إطار محدد،هو تسليط الضوء على تلك الظاهرة،سعيا لتجنيب المرأة السعودية المرور بتلك التجربة في ظل الدعوات – الملحّة - إلى الاختلاط،وقد اقتضى ذلك التركيز على تفشي الظاهرة .. ولم أشر سوى مرة واحدة إلى نظرة المرأة إلى تلك الظاهرة السيئة. حتى تلك الإشارة – الوحيدة – كانت في إطار أقرب إلى (الفكاهة). في أحد البرامج والذي تقدمه نادين البدير،وقد استضافت سيدتين خليجيتين،للحديث عن (التحرش)،وطُرح سؤال عن السن الذي تتعرض فيه الأنثى للتحرش،فجاء الرد .. في سن الطفولة و ..و في الأربعين. فعلقت السيدة الأخرى – بالعامية – حتى من تجاوزن الأربعين (يا معودة) .. وأطلقتا ضحكة عالية!
حين أقول نظرة المرأة إلى تلك الظاهرة فأنا أعني أنه مع استهجان المرأة لذلك السلوك السيئ إلا أن هنالك زاوية أخرى للموضوع،وهي إحساس .. لنقل بعض النساء بأن (المتحرش) يقدم علة تلك الفعلة بعد أن يفقد (عقله) أو يفقده جمالها أو أنوثتها عقله ... وأنا هنا قطعا لا أعمم .. ولكنني أسعى لإلقاء الضوء على الموضوع من زاوية مختلفة.
في لقطة من مسلسل أمريكي،تدخل صديقتان إلى شقتهما،ويبدو أن أحدا في الخارج أطلق صافرة،أو قال كلمة إعجاب،فتقول إحداهما :
- هي تحرش إذا قالوها ... وإهانة إذا لم يقولوها!!!!!!! {هل هذا لغز؟ !!}
بعد هذه المقدمة الطويلة أعود إلى (ليز) وهي تتحدث عن موضوع التحرش .. مع تهنئتي للمرأة الإيطالية بذلك التحسن الذي طرأ على سلوك الرجل الإيطالي!!! تقول المؤلفة :
(مع ذلك،أقر بأمر ليس فيه إطراء كبير لي،وهو أن هؤلاء الرومان الذين ألتقي بهم في الشارع لا يعيرونني انتباها كبيرا،أو حتى أي انتباه أحيانا. وقد وجدت الأمر مثيرا للقلق في البداية. فقد زرت إيطاليا من قبل حين كنت في التاسعة عشرة،وأذكر أنني تعرضت للتحرش المستمر من الرجال في الشارع،وفي مطاعم البيتزا،وفي السينما و ... كان ذلك متواصلا وفظيعا. أمّا الآن،في سن الرابعة والثلاثين،أصبحت غير مرئية على ما يبدو. بالطبع،يحدث أحيانا أن يقول لي رجل بطريقة ودودة : "تبدين جميلة اليوم،سينيوريتا"،ولكن ليس غالبا،ولم يتخذ ذلك أبدا شكلا عدوانيا. ومع أنه من غير اللطيف التعرّض لمهاجمة غريب مثير للتقزز في الباص،إلا أنه لا يمكن تجاهل الغرور الأنثوي،ما يدفع إلى التساؤل : ما الذي تغير هنا؟ أهو أنا؟ أم هم؟
فسألت،واتفق الجميع على أن تحولا حقيقيا قد حدث في إيطاليا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. (..) باختصار،يبدو أن الرجال الإيطاليين يستحقون جائزة الشعب الأكثر تحسنا.
هذا ما أشعرني بالارتياح،لأنني خشيت ألا أحظى بالاهتمام لأنني لم أعد في سن التاسعة عشرة ولم أعد جميلة. وخشيت أن يكون صديقي سكوت على حق حين قال لي في الصيف الماضي :"آه،لا تقلقي ليز،هؤلاء الرجال الإيطاليون لن يسببوا لك الإزعاج بعد اليوم. فهم ليسوا كالفرنسيين،الذين يحبون التحرش بالنساء المتقدمات في السن.){ص 82 - 83}.
من المسلم به أن الحديث عن ردة فعل المرأة الغربية على التحرش أقل حرجا – بالنسبة لي طبعا - من الحديث عن المرأة العربية المسلمة!! أما النقطة الثانية التي أتاح لي كتاب (بُقول) الحديث عنها هي .. نقطة أظن أنها شديدة الجاذبية في الثقافة الغربية ... ولعلها تسحر المثقف – وقبله المثقفة – الشرقي أعني ما يمكن أن نسميه الصداقة البريئة مع المرأة. بطبيعة الحال لا لوم على من أصابه العجب من كتابة (شايب رجعي) عن صداقة الرجل بالمرأة !!! إلا أن قدرا لا بأس به من التعجب يمكنه أن يزول حين ننبه إلى أننا نلقي الضوء على نقطة براقة في الثقافة الغربية – دون أن ننسى الإحصاءات المفزعة للتحرش،ودون أن ننسى كذلك عبارات (ليز) التي نقلناها قبل قليل،وقلقها .. أو قلق الأنثى بداخلها من عدم تعرضها للتحرش،مهما صب ذلك في قالب من خفة الظل – وهي براقة لأنها تشي بتعامل مع المرأة بعيدا عن كونها مجرد (جسد) .. وكون الرجال لا ينظرون إليها في إطار ذلك (الجسد).
في الحكاية الرابعة والثلاثين تتحدث (ليز) حديثا طويلا عن حفلة ميلاد حضرتها مع خليط من الناس،ولكن ما يهمنا – هنا – هو سفرها مع ذلك الصديق .. فتقول :
(34)
(قدنا السيارة في ساعة متأخرة من المساء بعيدا عن جو التعب والتوتر الذي يسود روما وتوجهنا نحو الجبال. كانت موسيقى فرقة الإيغلز تصدح طيلة الطريق،فلوكا يحب الموسيقى الأمريكية،ما أضفى جوا كاليفورنيا على رحلتنا عبر كروم الزيتون والأقنية القديمة.){ص 136}.
ليكون الحديث متواصلا،لابد أن نقفز قفزة كبيرة،حتى نصل الحكاية الثامنة والتسعين.
في تلك الحكاية،تقص علينا المؤلفة قصة موسيقار إندونيسي،تعرفت عليه في بالي،وسردت حكايته وهجرته إلى أمريكا،وزواجه هناك،ثم وقوعه ضحية للقوانين التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م،حيث سلم الرجل نفسه للسلطات .. فتم ترحيله .. وهو (المسيحي) بصفته مسلم إرهابي!!!! نشأت بينه وبين (ليز) صداقة،وقررا القيام برحلة .. وقد وفت بوعدها بعد أن دخلت في علاقة (عاجسية) .. وكان يناديها دائما (يا صاح) ... كانت تحدثه عن زوجة جدها ..
(98)
(.. فنظرت إليّ زوجة جدي الرقيقة بخبث وأصبحت غاية في الإثارة وكأنها بيتي دايفس وقالت :
"كنت قد تعبت من النظر إلى دور العبادة في إيطاليا،ليز".
ضرب يوداي كفه بكفي ثم قال لي : "هيا،يا صاح".
انطلقنا في رحلتنا البرية الأمريكية المزيفة عبر بالي،أنا وذاك الموسيقار العبقري الشاب المنفي،وكان المقعد الخلفي من السيارة ممتلئا بالغيتارات والشراب والطعام الباليني الذي يشبه طعام الرحلات البرية الأمريكية (..) ما أذكره هو أننا تحدثنا أنا و يوداي بالأمريكية طيلة الوقت،وهي لغة لم أتحدث بها منذ وقت طويل. (..) فاستمتعنا بذلك طيلة الرحلة وتحولنا إلى مراهقين أمريكيين حديثهما حافل بكلمات على غرار يا صاح وبإهانات حنونة.
لم ندخل بالي،بل قدنا السيارة على الساحل،على طول الشواطئ لمدة أسبوع.وكنا نركب أحيانا زورق صيد صغيرا ونقصد إحدى الجزر لنرى ما يجري فيها. كانت بالي حافلة بأنواع عديدة من الشواطئ. فقضينا يوما على شاطئ كوتا الرملي الأبيض الطويل الشبيه بجنوب كاليفرونيا،ثم توجهنا إلى الشاطئ الصخري الأسود الكئيب للساحل الغربي الخلاب،وعبرنا الخط الباليني الفاصل غير المرئي الذي لا يجتازه أبدا السائح العادي ووصلنا إلى الشواطئ المقفرة للساحل الشمالي التي لا يطؤها سوى راكبي الأمواج (والمجانين منهم فقط) جلسنا على الشاطئ،وتفرجنا على الأمواج الخطيرة وهي تتكسر أمامنا فيما كان راكبو الأمواج ينزلقون ويختفون في قلب المحيط ليظهروا مجددا ويركبوا موجة أخرى،فنلتقط أنفاسنا قائلين : "يا صاح،هذا جنون تام".(..) كنا نقع في بعض الأحيان على شواطئ هادئة فنمضي اليوم في السباحة. صادقنا كل من القينا به. فيوداي من النوع الذي إذا كان يسير على الشاطئ ورأى رجلا يبني زورقا،يتوقف و يقول له : "كم هذا رائع! هل تبني زورقا؟". وهو بارع في كسب ود الناس إلى حد أن باني الزورق دعانا للعيش مع عائلته لمدة عام.){ص 356 - 358}.
ثم انتهت الرحلة. فقط. هل يوافقني أحد على أن التعامل مع (امرأة) بصفتها (إنسان) وليست مجرد (جسد) نقطة شديدة الجاذبية في الثقافة الغربية؟ أعتقد أن هذه النقطة أكثر جاذبية لدى المرأة،خصوصا من كانت تعاني في مجتمعها من سجن المرأة في زاوية (الجسد).
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. مع تكرار الشكر لكل من علق أو علقت .. فنحن قبل كل شيء – وبعده – نقوم بسياحة .. ولا بأس بحوار على هامش السياحة... إلى اللقاء ... إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي