المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوبة حتى لا يصبح الذنب مسلكاً


حسين علي احمد ال جمعة
17-08-2011, 10:22 AM
الله الرحمن الرحيم ﴿والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾.

يحتاج الإنسان المؤمن للوقاية الروحية الدائمة من احتمالات الوقوع في الذنوب والآثام، تماما كحاجته الجسدية المستمرة لتأمين النظافة والوقاية من الأقذار والأوساخ. فعلى غرار سعي المرء للمبادرة للعلاج والوقاية الصحية من الأمراض، أو الحفاظ على نظافته من الأدران، ينبغي أن يكون هكذا تماما على الصعيد الروحي، فليست هناك وسيلة أخرى يعصم المرء بها نفسه من احتمالات الوقوع في الذنوب والأخطاء، فالعصمة بيد لله يؤتيها بفضله من يشاء من عباده، أما سائر البشر فهم معرضون للجنوح نحو الأخطاء. وتتميز الشريعة الإسلامية بنظرة واقعية للإنسان المؤمن، فلا ترفعه لمستوى الملائكة المنزهين عن الخطأ، وانما تتعامل معه كسائر البشر المعرضين لارتكاب الأخطاء، تماما كقابليتهم للتعرض لسائر الأمراض الجسدية. من هنا نبعت الحاجة إلى وقاية الروح وتطهير النفس تجنبا لمزالق الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.

ان من أهم وأبرز سبل الوقاية الروحية من احتمالات الوقوع في الأخطاء والذنوب هو التمسك بذكر الله سبحانه وتعالى، ليس باللسان فحسب، وإنما بجعل الله سبحانه حاضرا في قلوبنا. ان استحضار عظمة الخالق في قلب الإنسان، والتفكر الدائم في عاقبة الأمور في الآخرة هو أفضل ما يقي الإنسان به نفسه من الوقوع في الخطأ. عدا عن ذلك يبقى المرء، حسبما تشير النصوص الدينية، معرضا للآثام مهما بلغت درجة تقواه وورعه، وهو لذلك محتاج باستمرار للتذكر بأنه خاضع للرقابة الإلهية، وعدم الغفلة عن أنه عرضة للعذاب والسخط الإلهي إن أوغل في الذنوب والأخطاء.

ان ذكر الله يكاد يكون حجر الزاوية في النأي بالنفس عن الفواحش والظلم، فالوقوع في المعاصي أمر مقرون دائما بالغفلة عن ذكر الله. ولذلك نجد الآيات الكريمة في تناولها للمتقين، تذكر أن من صفاتهم أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. ولعل الإشارة الأبرز هنا هي ان هؤلاء المتقين أنفسهم ليسوا في منأى عن ارتكاب الأخطاء، فقد ذكرت الآيات الكريمة من صفات المتقين أنهم "ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، لكن تتحدث الآية عنهم في الوقت عينه بالقول "والذين إذا فعلوا فاحشة"، والفاحشة من الفحش، ومعني ذلك تعدي الحد، فليس المقصود بالفاحشة هنا ارتكاب الزنا فقط، وإن كان القرآن الكريم قد وصف الزنا بأنه فاحشة "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"، ذلك لأن الزنا من أظهر مصاديق الفاحشة، لكن حقيقة الأمر هي أن كل خطأ وكل ذنب هو تجاوز للحد ويمكن أن يوصف حينئذ بالفحش والفاحشة. إذن فالإنسان مهما بلغت درجة تقواه فهو يبقى معرضا للخطأ والوقوع في الذنب. وتتفاوت عظمة الذنوب باختلاف مقامات البشر، ففي حين تبقى ذنوب الإنسان العادي ضمن مستواه، فإن الأمر مختلف بالنسبة للمتقين، فأقل خطأ لدى هؤلاء يعتبر ذنباً كبيرا، ولذلك ورد في الأثر "حسنات الأبرار سيئات المتقين". من هنا كانت الركيزة الأساسية لدى الإنسان المؤمن هي نبذ الغفلة عن ذكر الله والاستغفار الدائم عن ارتكاب الذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن.

في هذا السياق هناك حالتان تعتري الإنسان عند ممارسة الذنوب والأخطاء، فمرة يكون فيها ارتكاب الذنوب سلوكاً دائماً متكررا، فيصبح عندها كالمرض المزمن، ومرة تعترضه الأخطاء نتيجة غفلة أو جهل وسرعان ما يتراجع عنها ويتوب منها. فالإنسان المؤمن لا يرضى لنفسه القيام على الذنوب المعاصي والأخطاء كسلوك دائم، أما صدور بعض الذنوب والأخطاء، فهذا أمر وارد في حياة البشر، من هنا ورد "ان كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون". من هذه الزاوية يمكن فهم حديث الفقهاء عن مفهوم "العدالة"، حيث يذكرون بأن العدالة تزول بارتكاب الذنب وتعود بالتوبة والاستغفار، فالعدالة ليست بمعنى العصمة، الإنسان العادل وفق هذا المفهوم ليس بمعنى المعصوم الذي لا يصدر منه خطأ، بل على النقيض من ذلك، قد يصدر من المؤمن العادل خطأ ما، لكن المناط هنا هو في الاستغفار والعودة عن الذنب أو الاستمرار فيه والإصرار عليه.

ان من المؤسف أن يتشدد البعض على نحو مبالغ في محاسبة الآخرين على أخطاء ارتكبوها في فترة ما من حياتهم حتى بعد أن أقلعوا عنها وتابوا منها. نحن نواجه هذه المشكلة مثلاً عند حالات الخطوبة والزواج، فترى أحدهم يتشدد في شروطه على نحو بالغ التعقيد وقد يتشبث أحيانا بكلمة سمعها ذات زمن عن هذا الشاب أو تلك الفتاة، فيكون ذلك سببا في عدم الموافقة والقبول بها أو به زوجا. ان التعاليم الدينية تشير بوضوح إلى رحمة الله الواسعة وقبوله التوبة عن عباده، فكما يمكن أن تصدر منا الأخطاء والذنوب فنعود عنها، كذلك الآخرون يمكن أن يعتريهم الأمر ذاته.

ينبغي للإنسان أن يكون يقظاً تجاه أخطائه وذنوبه وأن يبادر فورا للتوبة النصوحة والاستغفار دون تسويف ومماطلة وإرجاء للمستقبل المجهول. وليس الاستغفار هنا مجرد ألفاظ يلقيها اللسان، وإنما هو عزمٌ قلبي وتصميم على عدم اقتراف الذنب مرة أخرى، فكما أنه لا يصح اليأس من رحمة الله، كذلك لا يجوز التسويف والإصرار على الذنب، وورد في الآية الكريمة ﴿ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾. فعلاوة على ان الإنسان غير ضامن لعمره حتى يعمد لتأجيل توبته، يدل التسويف كذلك على اللامبالاة والاستهانة بأوامر الله، ولذلك على المرء أن يبادر للاستغفار والتوبة. أن من كرم الله ولطفه بعباده أن فتح لهم أبواب التوبة على مصاريعها الواسعة، "الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك هو الإصرار"، أن المصرّ على الذنب هو ذلك الإنسان الذي يخطئ ولا يستغفر، بل لا يحدّث نفسه في الإقلاع عن ذلك الذنب والخطأ. ولذا حثت النصوص الدينية على اليقظة ازاء ارتكاب الأخطاء والمبادرة للتوبة والاستغفار ونبذ المماطلة والتسويف في فعلها.

روي عن أبي عبد الله قال "قال رسول الله أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك، يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة، وإن هو عملها كتب الله له عشرا، ويهم بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هو عملها أجل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عز وجل يقول إن الحسنات يذهبن السيئات فإن قال استغفر الله لم يكتب عليه شيء وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب على الشقي المحروم"، فبحسب الرواية يعطي الله سبحانه فرصة التراجع عن المعصية على مدى ساعات من ارتكابها والاستغفار منها ومحوها، ذلك حتى لا يبقى الإنسان منشدّاً إلى المعصية ولا تبقى المعصية منغرسة في نفسه.

يفتح الإسلام أبواب الأمل والرجاء أمام الإنسان وكيف تدفع هذه النصوص والروايات الإنسان إلى أحضان الرحمة الإلهية وخاصة في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، فعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب قال "العجب ممن يقنط ومعه الممحاة، قيل وما الممحاة، قال الاستغفار"، فالإمام يشبّه الاستغفار بالممحاة التي يستخدمها المعلم أثناء الكتابة على لوح التعليم في الصفوف الدراسية، فهو يكتب ويمحو ويزيل ما يشاء بتلك الممحاة، كذلك الأمر مع الاستغفار فهو ممحاة الذنوب والأخطاء أنى عزم العبد المؤمن على ذلك. ان وجود فرص الاستغفار لدى العبد المؤمن هي بمثابة دعوة مفتوحة بأن لا يقنط العبد من رحمة الله.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وأخطاءنا، ,ان يوفقنا للإنابة والتوبة خاصة في هذا الشهر الكريم.

عبيد العرجاني
17-08-2011, 01:48 PM
اللهم أميـــــــــــــــــن ،،

حسين علي بن أحمد ال جمعه ،،

موضوع في غاية الأهميه ومفيد ،،

جعل ربي يوفقك على الموضوع ،،

محمد الهتلاني
18-08-2011, 06:55 AM
جزاك الله خير يا اخوي وبارك الله فيك

الغروب
19-08-2011, 05:06 AM
حسين علي احمد ال جمعة

اشكرك على ماقدمت

وجزاك الله خير.

سمو الرووح
19-08-2011, 05:52 AM
اللهم أميـــــــــــــــــن ،،

حسين علي بن أحمد ال جمعه ،،

موضوع في غاية الأهميه ومفيد ،،

جزاك الله خير وفي ميزان حسناتك.

حسين علي احمد ال جمعة
26-03-2012, 02:26 PM
جزاكم الله الخير على المرور

حسين ال جمعة
16-07-2012, 09:08 AM
جزاك الله الخير على موضوع المفيد