المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الايمان وقوتة في التفس البشريه


حسين علي احمد ال جمعة
04-08-2011, 12:51 PM
مفهوم القوة الإيمانية

وصف القوة بالإيمانية مركب وصفي يفيد معناً خاصاً يتحقق فيه المعنى اللغوي للقوة والإيمان على السواء، فهو يدل على قوة التصديق.المعنى الاصطلاحي للقوة الإيمانية:
في ضوء المعنى اللغوي للقوة الإيمانية يمكن أن نخرج بتعريف شرعي للقوة الإيمانية وهي: "الطاقة الدافعة للأعمال العظيمة خدمة للفكرة التي يؤمن بها الإنسان، فتجعله يبذل لأجله النفس والمال والجهد " – انظر بحث القوة في القرآن لرائد عبد الرحيم عاصي

إن الإيمان ليس مجرد عمل لساني وبدني وذهن، إن الإيمان في حقيقته شعور نفسي يبلغ أغوار النفس، ويحيط بجوانبها كلها من إدراك وإرادة ووجدان، ومن ثم يتبع ذلك الشعور واقع عملي في الحياة، ولهذا نجد القرآن الكريم يصف المؤمنين فيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[2]الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[3]أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2ـ4].

يقول سيد قطب رحمه الله في تفسيره هذه الآية في ظلال القرآن:

‘فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله، التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب، التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تهجس فيه الهواجس، ولا يتلجلج فيه القلب والشعور، تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه، لا بد من دفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب. وفي واقع الحياة في دنيا الناس. يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية التي في حسه والصورة الواقعية من حوله، لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة…’ .

فقوة الإيمان تعني:

- أن مستوى الإيمان هذا يجب أن يضبط بضابط واضح ولو بشكل مجمل، ولذلك قلنا: ‘يؤدي به إلى تطبيق الأوامر شرعًا’ ولم نقل يؤدي به إلى تطبيقات العبادات ‘كالصلاة، والصيام، والتفكر…’ لأن هذه الشواهد وإن كانت دليلاً على قوة الإيمان إلا أن دلائل هذه القوة الإيمانية يجب أن تتحرك إلى كل حركات الإنسان وسكناته، وجولاته وخلواته، أقواله وأفعاله، تفكيره وسلوكه، مع نفسه ومع الآخرين، ومع ربه وخالقه قبل كل شيء.

- أن إثبات قوة الإيمان لا يمكن أن يكون بمنأى عن تقوى الله التي تعصم الإنسان المسلم من المحرمات. ولذلك قلنا: ‘والابتعاد عن المحرمات المنهية شرعًا’ فلا يكفي وصف الإنسان بقوة الإيمان كونه عابدًا، متصدقًا، خلوقًا ولكنه مع هذا مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا خلا بمحارم الله انتهكها! هذا لا يمكن أن يتخيل أبدًا.

- والسعي للمحافظة على ذلك يعني أن الإنسان المسلم يعتريه النقص والضعف والفتور والخمول، فيجد الشيطان فرصة للتسلل إلى قلبه فيمرضه، والعياذ بالله، أو يوسوس له فيشغله عن طاعة. فإذا ما عاد الإنسان إلى الله حافظ على الأذكار، وحقق معاني الآثار، واستمر في الطاعة، ووقي نفسه من الغفلة. فهذا يعني بقاءه على الصحة الإيمانية ومن هنا نثبت أن الصحة الإيمانية يمكن أن تقوى وتضعف، وأن تسلب وتعاد مرة أخرى كالمرض والعافية.

مظاهر القوة الإيمانية:

إن لقوة الإيمان مظاهر تدل عليها تميز المؤمن من غيره من البشر تصبغه بصبغة ما لها مثيل فإليك أخي القارئ بعض تلك المظاهر:

لا خشية إلا من الله:

صاحب هذا الإيمان مستعد للتضحية بالنفس والنفيس في سبيل المحافظة على إيمانه، وصاحب هذا الإيمان لا يخشى إلا الله فقد حررته لا إله إلا الله من الخوف، وصاحب هذا الإيمان لا تستفزه الشدائد لأنه عالم بأن العاقبة للمتقين، وصاحب هذا الإيمان لا تستخفه السراء وأنواع الإغراء لأنه بصير بمصائر الأمور، وأن الله لا يحب الفرحين، وصاحب هذا الإيمان يعايش الحياة باعتدال وشموخ لا تشوبه كبرياء، وتواضع لا تنقصه مذلة، وشجاعة لا يصبها تهور. إن دعاه إيمانه وصالح عقيدته للإقدام أقدم، وإن اقتضى منه الإحجام أحجم، فلا هو طائر بجنح الفتنة العمياء رياء، ولا قاعد عن الجهاد الواضح جبنًا واستخداء’ مخطوط البرهان، بن بيه.

قوة اليقين بالله:

المؤمن القوي الإيمان وقوي الأمل بالله لا تحبطه هزائم من عند الله، وأن الله ناصر عباده المؤمنين، يقول تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، وهذا النصر في الدنيا والآخرة. فأينما وجد المؤمنون فلا بد لهم من نصر، هكذا وعد سبحانه وهو لا يخلف الميعاد، استمعوا إلى قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور:55].

ويقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: ‘ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار’ أي كل الأرض، وأي جزء في الأرض لا يبلغه الليل والنهار؟! ‘ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين’، فالمدر أي الحجر أي بيوت المدن، والوبر هو الشعر أي بيوت البادية، فكل بيوت الأرض [المدن والبادية] سيدخلها الإسلام. ‘بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر‘.

الأنس بالله:

إذا عاش الإنسان المسلم بقوة إيمانية، فإنه في سعادة وتألق, فهو مع الله وأهل الله ‘من أشواقهم إليه يبدؤون، وإلى مثولهم بين يديه ينتهون، هكذا يتأمل المسلم قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] فهو سبحانه الأول العالم بأحوال الناس، وكيف شقوا طريقهم في الحياة، العالم بما كان وبما يكون، العالم بالجهر والسكون. فيجد المسلم نفسه بهذا التأمل مسافرًا إلى الله بأقواله وأعماله وخواطره وأفكاره. وهو سبحانه الآخر فيقطع المسلم عمره راجيًا ومؤملاً ما عند الله إذ هو الباقي ‘ الله غايته، منه يأمل وإليه يلجأ وهو سبحانه الذي سيغني المسلم بوابل لرحمة وطل السكينة وسيحفظه، ومن خلفه من بعده.

إن الداعية الحق والمسلم الواثق بما عند الله، ينطلق من هذا العمق الإيماني بأنه مع الله، ومن كان مع الله كان الله معه.

إن إيمان المسلم بأسماء الله وصفاته، ومعرفته بقدرته وعظمته، يخفف عنه الآلام وينسيه الأحزان. إنه بهذا الإيمان لا يخشى من فوات رزق لم يكتب له، ولن يسخط على مصيبة قدره اله عليه، ولن يهوى أمام عواصف الزمان العاتية، ولن يسقط أمام الزبد الذي يحمل خواطر السوء، وجهالات العامة وحماقات المتربصين.

التحام الصف:

إن اعتقاد المسلم بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يجزي العباد على ما قدموا ويثيبهم على ما بذلوا يقذف في قلبه مقادير كبيرة من الطمأنينة جراء تعبه وبذله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]، فصاحب الإيمان والقوة الإيمانية لا يغضب على إخوانه في الصف، ولا تجنح به وساوس السوء لتركهم، أو النكوص على دائرة أخرى، إذا حصل موقف تباينت فيه الآراء، أو أخطأت فيه الشخصيات لأن بدايته في سبيل الله كان لله لا للأشخاص. فهو من الله وإلى الله يرجو الثواب منه ويصبر ويحتسب ما قد يلاقيه من أقرانه حتى في الصف.

الرضا بقضاء الله:

وصاحب القوة الإيمانية هو الذي يربط الناس بالله ويذكرهم بلزوم الصبر ورضاه على أقدار الله، فلا يمكن أن يطق لسانه إلا بالرضا عن الله. وإننا لنعجب من بعض المسلمين والدعاة المؤمنين الذين يعيشون مع موجة اليأس التي تحيط بالناس وانسداد الأبواب، وقلة الأرزاق. بل لا بد أن يتميزوا بتذكير الناس بالرضا والقناعة بما قسم الله، وبيان قرته وعظمته وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

محبة الله:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] أشد حبًا لله من كل شيء يمكن أن يراه الإنسان أو يسمع عنه أو حتى يخطر في باله، وحين يصل المؤمن إلى هذه الدرجة من الحب يكون قد استكمل الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [[لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين]].

واضح هنا أشد الوضوح أن كمال الإيمان يتحقق بحب الله تعالى كما في الآية وبحب رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث، وهما في النهاية شيء واحد، ولكن هذا الحب يعني استسلامًا وانقيادًا كاملاً وشعورًا غامرًا بالحاجة إلى امتلاء القلب والعقل بالرضا بالله جل وعلا برسوله صلى الله عليه وسلم: ‘ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً‘.

صفاء الروح:

المؤمن العامل للصالحات له حالة وجدانية فريدة، حالة تبدأ من القلب وتمتد نحو الجوارح عبر كل العروق والأوردة والشرايين لتجعل من ذلك الجسد، جسدًا طاهرًا يتمشى على الأرض بين الناس وروحه تحلق في أعلى عليين، وتحوم حول ملكوت الله وعظمته، تعيش بها ومعها ومن أجلها.

أسباب القوة الإيمانية:

القاعدة المشهورة هي: ‘أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي’. والمستوى المطلوب في القوة الإيمانية يقول فيه أحد الدعاة: ‘ويسألني كثير من الدعاة عن تقصير في النوافل والسنن يشعرون به، زاحمتهم عليها الواجبات الدعوية الثقيلة، وكثرة التحرك، والإداريات والعلاقات العامة، ويرغب هؤلاء أن يأنسوا بركعات أكثر، وتلاوة أطول، ولكنهم لا يستطيعون’. وكان جوابي دائمًا أن الفرض، والإكثار من السنن، وإطالة اللبث في المسجد .

ثم هو مطالب ثانيًا بالتقوى بكف نفسه عن المحرمات، من الكبائر مثل الزنا والربا وعقوق الوالدين، أو أنواع المعصية التي هي أصغر، مثل مقدمات الكبائر ولواحقها، في أنواع كثيرة حتى تصل إلى قلة المبالاة بإسباغ الوضوء مثلاً، أو نبرة قاسية في الكلام، أو تكبر على مستضعف. والذي أفهمه من قواعد الشرع ودلت عليه تجربتي أن الأهم هو هذه التقوى التي يتمتع بها المؤمن عن مقاربة السوء، وهي مقدمة على ممارسة النوافل وأثرها أعظم، والتوفيق الذي يرجوه الداعية في أعماله الدعوية أو في حياته الخاصة، بحيث يصيب النجاح أو يتوسع له الرزق؛ إنما هو نتاج هذه التقوى غالبًا، وبها يشاد الأساس، ثم ترفع النوافل جدران توفيقه على هذا الأساس.


والحمد لله رب العالمين

عبيد العرجاني
04-08-2011, 04:16 PM
الله يجزاك الخير موضوع مفيد

والله يجعله في موازين حسناتك